الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمصر خلال الفترة 2014 – 2019

عبد الحافظ الصاوي (باحث اقتصادي)

مقدمة

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ليست نسبية ، ولكنها مقررة بنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أن دستور جمهورية مصر لعام 2014 أقر هذه الحقوق، عبر نصوص تتوافق مع ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما ألزم دستور مصر لعام 2014 الحكومة بنسب كحد أدنى للإنفاق على بنود مهمة في حياة الناس مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي.

ولكن تبقى المشكلة في إنزال هذه النصوص على أرض الواقع، ومدى شعور المواطن بتلك الحقوق من خلال الخدمات التي يحصل عليها، سواء من حيث الكم أو الكيف، بما يشعره بقيمته كإنسان.. وخلال هذه السطور نبين واقع هذه الحقوق.

أولًا: الحق في التعليم

تنص الفقر الأولى من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميًا،  وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة”.

ونصت المادة رقم 19 من دستور جمهورية مصر العربية في فقرتها الثالثة على أنه “وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

كما نصت المادة رقم 21 في فقرتها الثانية على؛ “وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

وفي المادة رقم 23 جاء بفقرتها الأولى ، “تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

ومن خلال ما نصت عليه مواد دستور جمهورية مصر العربية، نجد أن الحكومة ملزمة بإنفاق ما نسبته 7% من الناتج القومي الإجمالي على مراحل التعليم المختلفة (التعليم ما قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، وما بعد التعليم الجامعي في مجال البحث العلمي).

إلا أن البيانات المنشورة على موقع العديد من المؤسسات الحكومية بمصر تظهر أن واقع الإنفاق على التعليم بمراحله المختلفة، أقل من النسب المقررة بموجب مواد الدستور، ويبين الجدول التالي هذه النسب، من خلال بيانات تخص وزارة المالية المصرية.

وعلى الرغم من أن هناك زيادة في قيمة الإنفاق على التعليم خلال الفترة 2014 – 2019، فإن الإحصاءات تشير إلى وجود نسبة أمية مرتفعة في المجتمع المصري، قدرت في عام 2016 بنحو 24.8% من إجمالي السكان (15 عاما فيما فوق)[1].

فضلًا عن تراجع جودة التعليم، واستمرار مشكلات ازدحام الفصول بالمدارس الحكومية، وكذلك تفاقم مشكلة الدروس الخصوصية بما تمثله من أعباء اقتصادية على كاهل الأسرة المصرية، وحرمانها من متطلبات أخرى تساهم في تحسين أوضاعها المعيشية. ومن أكبر سلبيات قطاع التعليم في مصر، عدم ربط المؤسسات التعليمية باحتياجات سوق العمل، مما يسهم في زيادة أعداد العاطلين، وإضافتهم لرصيد العمالة غير الماهرة.

ثانيًا: الحق في الصحة

مادة (18) من دستور 2014

لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل.

وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.

وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم.

ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.

وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى.

وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون.

وتظهر البيانات أن مخصصات الإنفاق على قطاع الصحة بمصر، دون النسب التي حددتها مواد الدستور، وبلا شك ، فهذه المخصصات لا تناسب الزيادة السكانية التي تعيشها مصر، ومن جانب آخر أدت الإجراءات الاقتصادية التي تم تنفيذها بموجب اتفاق صندوق النقد الدولي إلى تراجع الدخول في مصر، وانخفاض القوة الشرائية لدخول الأفراد، مما يعني سوء الرعاية الصحية التي يمكن أن تقدمها المؤسسات الحكومية من جانب، ومن جانب آخر، عدم قدرة الأفراد على الحصول على الرعاية الصحية من القطاع الخاص، نظرًا لارتفاع تكلفتها، وعدم مناسبة دخولهم لذلك. وتبين الجداول الآتية بعض المؤشرات التي تعكس تراجع الرعاية الصحية بالمؤسسات الحكومية خلال الفترة الماضية، مما أثر سلبًا على حق الإنسان في الرعاية الصحية بمصر.

عدد الأطباء لكل 100 ألف من السكان في مصر 

عدد الممرضات لكل 100 ألف من السكان في مصر

خدمة السرير الواحد لعدد السكان

الإنفاق على الصحة حسب نوع الإنفاق (%) لعام 2015

نصيب الفرد من الإنفاق العام حسب مخصصات 2018/2019

– 650  جنيها للفرد؛ أي أن نصيب الفرد في الشهر 54 جنيها.

تراجع عدد الأطباء بالجهاز الحكومي

ثالثًا: الحق في العمل

تذهب البيانات الحكومية الرسمية بمصر إلى انخفاض معدل البطالة إلى نسبة 8.1% خلال الربع الأول (يناير – مارس) من عام 2019، إلا أن هذه الأرقام عليها عدة مآخذ، منها أن المعيار المستخدم في اعتبار الفرد من المشتغل والمعمول به في إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لا يتناسب مع طبيعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر، حيث يتم اعتبار من يعمل ساعة في الأسبوع ليس عاطلًا[2]، ومن هنا تنخفض معدلات البطالة بشكل كبير، والأمر الثاني يتعلق بطريقة حساب قوة العمل، واحتساب المشتغلين والعاطلين، حيث يتم حذف نسبة من الداخلين الجدد من قوة العمل، ويتم رفع نسبة المشتغلين، مما يظهر العاطلين عند الأرقام المنخفضة التي تعلنها الحكومة. فمثلًا في عام 2016 كانت قوة العمل 28.9 مليون فرد، وحسب أرقام جهاز الإحصاء ارتفعت في عام 2017 إلى 29.5 مليون فرد، أي أن الزيادة في قوة العمل 600 ألف فقط لا غير. بينما إحصاءات نفس الجهاز عن خريجي مؤسسات التعليم الجامعي والفني قرابة المليون في نفس العام.

كما يلاحظ أن هناك وساطة ومحسوبية للحصول على وظائف داخل مؤسسات القضاء والشرطة والجيش، وكذلك الأجهزة الرقابية ذات المزايا المادية والاجتماعية. فضلًا عن المخالفات العديدة التي يشملها سوق العمل بمصر من غياب بيئة العمل الملائمة لانعدام الأمن الصناعي في العديد من أماكن العمل. كما يفتقد العاملون بمصر إلى توفر الأجر اللائق الذي يلبي الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الكريمة. أيضًا تفتقد سوق العمل بمصر إلى توفير علاقة عمل متوازنة بين العمال وأرباب العمل[3].

رابعًا: الحق في السكن

يعد قطاع الإسكان من القطاعات الكاشفة لعجز أداء الحكومات بعهد السيسي، إذ تبنى في حملته الانتخابية مشروع إنشاء مليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل، ومثل هذا الوعد مقياس للأداء، إذ كان يفترض أن يتم إنجاز 250 ألف وحدة سنويًا في المتوسط، خلال فترة رئاسته للجمهورية. ولكن المشروع شهد تعثرًا في تنفيذه منذ الإعلان عن التعاقد مع إحدى الشركات بمؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015، بسبب عجز الشركة المتعاقدة عن توفير التمويل، ورغبتها في الحصول على التمويل الخاص بالمشروع من البنوك المصرية[4].

وثمة اختلاف بين تقديرات حجم الطلب على الإسكان في مصر، فبينما يحددها مصطفى مدبولي وزير الإسكان بنحو 500 ألف وحدة سكانية سنويًا[5]، تذهب بعض التقديرات إلى أنها بحدود 870 ألف وحدة سكانية[6]، بل تصل أعلى التقديرات إلى مليون وحدة سكانية، وإذا ما أخذنا بأقل التقديرات، وهو 500 ألف وحدة سكانية، فإن ما يتم إنجازه من قبل الحكومة يصل إلى نحو 15% فقط، والباقي يقوم بإنجازه القطاع الخاص، وفي كل الأحوال لا يتم إنجاز الوحدات السكانية التي تلبي الطلب على الإسكان في مصر، وذلك بسبب أن النسبة الكبيرة من هذا الطلب تخص محدودي الدخل والإسكان الاقتصادي أو الاجتماعي، وهي شرائح لا تقوى على توفير التمويل اللازم للحصول على وحدات سكنية بنظام التمليك، لذلك تتفاقم قضية الإسكان في مصر. ومن هنا جاءت بيانات إحصاء 2017 صادمة فيما يتعلق بالسكن غير اللائق عبر المقابر والمراكب النهرية، أو وجود أسرة كاملة في حجرة، أو وجود أكثر من أسرة في وحدة سكنية واحدة. ونشير فيما يلي إلى ما جاء ببيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بهذا الخصوص في تعداد 2017.

وكما هو واضح من بيانات الجدول عاليه، نجد أن نحو 1.8 مليون أسرة في مصر يعيشون في سكن غير ملائم، وتضم هذه الأسر نحو 8.2 مليون نسمة، وحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته رقم 25 الذي ينص على: “لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته. ” إلا أن السكن بأنواعه المذكورة في الجدول لا تتوفر فيه الشروط اللازمة لنحو 8.2 مليون إنسان، لهم الحق في السكن الملائم. وإن كانت أزمة هؤلاء المواطنين ممتدة منذ سنوات، وهي نتيجة لتراكمات سابقة، إلا أن غالبية هؤلاء لا يحظون باهتمام الدولة بالحصول على سكن المشروعات التي يتم الإعلان عنها عبر مؤسسات الدولة المختلفة، لسوء أوضاعهم المادية، فضلًا عن أن سياسة الدولة في الإسكان تعتمد على مخاطبة الأغنياء والعاملين بالخارج، من خلال طرح الأراضي، والوحدات السكانية بمستوى فوق المتوسط، أما الإسكان الاقتصادي والاجتماعي، فهو خارج اهتمام الدولة، وإن تم ذلك فبأعداد محدودة.

وتظهر بيانات الموازنة العامة للدولة لعام 2017/2018، أن هناك تراجعا في مخصصات دعم إسكان محدودي الدخل،  وقدر هذا الدعم في عام 2013/2014 بنحو 82 مليون جنيه فقط لا غير، وانتفى تمامًا في العام التالي، ثم قفزت مخصصات هذا الدعم إلى 2 مليار جنيه في عام 2015/2016، وتراجع في العام الذي يليه إلى 1.5 مليار دولار، في حين خلت موازنة عام 2017/2018 من أي مخصصات لإسكان محدودي الدخل[7].

خامسًا: تراجع مستوى المعيشة

تنص الفقرة الأولى من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: “لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”.

وتشير البيانات الحكومية إلى وجود تحسن في قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات نموه، التي تجاوزت معدل 5% في عام 2018/2019، ولكن هذا التحسن لم يترجم بعد في واقع حياة المواطنين بمصر، حيث أشار بيان صحفي صادر عن البنك الدولي إلى مجموعة من الحقائق السلبية تخص الوضع الاجتماعي بمصر وهي ” حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، كما أن عدم المساواة آخذ في الازدياد. وارتفع  معدل الفقر الوطني ، حيث اقترب من 30% عام 2015، مقارنة بعام 2010، حيث كان 24.3% . كما ورد في إطار الشراكة. وهناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد إلى 66% في بعض محافظات الصعيد. علاوة على ذلك، أثرت الإصلاحات الاقتصادية على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات”[8].

خاتمة

لا شك أن أداء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مصر شهد تراجعًا على خلفية وقوع الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وما تبعه من سياسات اقتصادية واجتماعية افتقدت إلى المشاركة من قبل المجتمع المدني أو مجتمع الأعمال. كما أن المؤسسات الرقابية أصبحت خاضعة بشكل كبير لصالح السلطة التنفيذية، ولعل ما تم من تعديلات دستورية مؤخرًا سمحت لرئيس الجمهورية بفرض سلطات أكبر على الهامش الذي كان متاحًا لاستقلالية القضاء، خير دليل على تحكم السلطة التنفيذية بمقدرات السلطة والحكم في مصر.

وقد يكون من الصعب أن نضع احتمالًا لتحسن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مصر في ظل غياب الديمقراطية، فبموجب وجود حياة ديمقراطية، سيكون هناك مساحات كبيرة، لإعادة توزيع الثروة، وإعادة تخصيص الموارد يما يسمح بحياة أفضل للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.

الهوامش

[1] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2018، الملاحق الإحصائية، ص 303.

[2] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة السنوية المجمعة لقوة العمل 2015، ص 12.

[3]  المصري اليوم، القوى العاملة: شكاوى وراء وضع مصر بـ «القائمة السوداء، 15/6/2019.

https://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=616367&IssueID=6083

[4] مصراوي، كيف تحول مشروع المليون وحدة سكنية إلى 13 ألف فقط، 1/1/2016.

[5] الأهرام، وزير الإسكان في “ندوة الأهرام”: انفراج أزمة الإسكان خلال 4 سنوات، 13/9/2017.

[6] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، سياسة الإسكان في مصر، الطبعة الأولى 2014، ص 10 و11.

 [7] البيان التحليلي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2017/2018، ص 40.

[8] البنك الدولي،  مجموعة البنك الدولي تمدد إستراتيجيتها الحالية بمصر لمدة عامين، 30/4/2019، http://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2019/04/30/world-bank-group-to-extend-current-strategy-in-egypt-to-maintain-momentum-on-reforms

Exit mobile version