مقدمة
انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 أيار (مايو) 2018 من الاتفاق النووي الإيراني -الذي توصلت إليه مجموعة 5+1 مع إيران قبل ثلاث سنوات تقريبًا، في يوليو 2015-، لم يكن هذا القرار مستندًا لأدلة متعلقة بامتثال إيران لشروط الاتفاقية كما توضح ورقة الحقائق الصادرة عن البيت الأبيض حول الموقف الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA)) بقدر ما كانت حول الاتفاقية نفسها من الأساس إذ انتقدها ترامب مرارًا ووصفها في حملته الانتخابية عام 2016 بأنها “أسوأ صفقة على الإطلاق”، فلم يقبل بالفصل بين الملف النووي وحله على حدة بمعزل عن غيره من ملفات الخلاف الشائكة مع إيران، مثل السياسات الإقليمية الإيرانية، وبرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ثم تلا الانسحاب تطبيق حزمة من العقوبات الأميركية الصارمة على إيران بصورة غير مسبوقة من ضمنها العقوبات النفطية التي هدفت حسب تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر، وبالتالي خنق الاقتصاد الإيراني الذي يمثل النفط 60% من صادراته، وبهذا عادت العلاقات الإيرانية الأمريكية إلى الأزمة بعد مايقارب السنتين من الهدوء، وعادت طهران إلى العقوبات التي قيدتها لسنوات.
يتمثل السؤال للبحثي الرئيسي للورقة في معرفة ماهي توجهات إيران في ظل العقوبات الأمريكية؟ وتجيب عنه عبر عدة محاور يتناول أولها أثر العقوبات الأمريكية على الداخل ويتناول المحور الثاني مواقف القوى الدولية والإقليمية المؤثرة بعد الانسحاب الأمريكي وإعادة فرض العقوبات وهما محوران ضروريان للانتقال للمحور الثالث المتمثل في استشراف مستقبل الصراع الأميركي الإيراني عبر تحليل الخيارات المتاحة أمام طهران والسيناريوهات المتاحة من المواجهة العسكرية الشاملة إلى المقاومة ومحاولات الالتفاف على العقوبات ثم التفاوض واللجوء إلى الحل السياسي.
المبحث الأول
أثر العقوبات الأميركية على الداخل الإيراني
جنت إيران مكاسب اقتصادية كبيرة بعد إبرامها الصفقة النووية مع مجموعة 5+1في 2015 ورفع العقوبات الاقتصادية على إثرها، فقد تمكّنت من الوصول لأكثر من 100 مليار دولار من عائدات النفط التي جُمِّدَت لسنوات في المصارف الأجنبية بفعل العقوبات، كما اجتذبت العشرات من الشركات الاستثمارية الخارجية وخصوصا الأوروبية إليها وأبرمت عقودا بالمليارات في مجالات الطاقة والصناعة والخدمات، كما أدت استعادتها لقدرتها على الوصول للأنظمة المالية العالمية إلى تمكّنها من تصدير النفط وبيعه بالعملة الأجنبية وعودتها تدريجيًا إلى أسواق الطاقة العالمية، وبالفعل سجّل معدَّل نموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي Real GDP في عام 2016 نسبة 12.5% مع احتساب القطاع النِّفْطي وهو رقم قياسي، مقارنة بركوده عام 2015 بنسبة -1.6%، وجدير بالذكر أن نموّ عام 2016 دون احتساب النِّفْط سجَّل 3.3% فقط، وهو معدَّل يُظهِر مدى اعتماد الاقتصاد الإيراني على قطاع الطاقة، ومدى تأثير رفع العقوبات على اقتصاد إيران.
وفي عام 2016 وصل التضخم إلى أقلّ مستوى له خلال السنوات الخمس الماضية، مسجِّلًا 9% فقط، بعد سنوات من ارتفاع مستويات الأسعار، إذ سجلت نسبة التضخم 11.9% في عام 2015 و 15.5% في عام 2014، وقد لعب رفع العقوبات دورًا فيه بالتمكن من استيراد مدخلات الإنتاج والسلع المختلفة.
لكن إعلان إدارة ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران مثّل انتكاسة لهذه المكتسبات. وجاءت هذه العقوبات على مرحلتين، بدأ سريان الأولى في أغسطس 2018 وتضمنت عقوبات على مشتريات إيران من الدولار الأمريكي، وتجارتها في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، وقطاع السيارات والطائرات التجارية وما يرتبط بهما من قطع وخدمات، أما الثانية في نوفمبر 2018 فقيّدت مبيعات النفط والبتروكيماويات مع منح استثناءات ل8 دول لمواصلة شراء النفط حتى مايو 2019. وتلتها حزم أخرى من العقوبات الاقتصادية وإدراج دوري مستمر لهيئات وكيانات إيرانية ضمن العقوبات.
ولما كانت الطفرة في مرحلة ما بعد إبرام الاتفاق النووي مدفوعة أساسا برفع العقوبات عن قطاع النفط كما ذكر البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد الإيراني، المعنون بـ” انتعاشة يقودها النفط”، فإن إعادة فرض العقوبات على هذا القطاع تحديدًا حملت أثرًا عكسيًا بالغًا على أداء الاقتصاد الإيراني.
فوفقًا للإحصاءات، انخفضت صادرات النفط الخام لإيران بحدّة من 2.5 مليون برميل يوميًّا في 2017 إلى مليون برميل يوميًّا في نوفمبر 2018، ثم ارتفعت مؤقتًا إلى 1.5 مليون برميل يوميًّا في فبراير 2019 بفعل الإعفاءات الأمريكية للدول الثمانية، وبالمقارنة مع معدل تراجع الصادرات النفطية أثناء عقوبات ماقبل الاتفاق النووي تشير البيانات إلى أن التراجع أسرع هذه المرة. وبعد رفض تجديد الإعفاءات في مايو ضمن سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية بهدف الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر، هناك توقعات بتراوح الصادرات الإيرانية بين 300- 650 ألف برميل نفط يوميًّا.
انعكس هذا التراجع الحاد في مؤشرات وتوقعات البنك الدولي للاقتصاد الإيراني فوصل نمو الناتج المحلي الحقيقي لنسبة -1.6% في (2018- 2019 ) والتضخم إلى 29.9%، وتوقع البنك في تقرير أبريل 2019 انخفاض نسبة نمو الناتج المحلي الحقيقي في (2019- 2020) من -3.7% إلى -3.8%، وارتفاع التضخم إلى 39.2%. أما تقديرات صندوق النقد الدولي فجاءت أكثر تشاؤمًا إذ توقعت وصول نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى -6% في 2019.
كذلك انسحب عدد كبير من الشركات الأجنبية العاملة في إيران، والتي بدأ معظمها استثماراتهم بعد انفراجة الاتفاق النووي في 2015، خوفًا من التعرض للغرامات الأمريكية، وأغلبها شركات عاملة في قطاعات محورية للاقتصاد الإيراني، كالنِّفْط والغاز والطيران والبنوك والتأمين والنقل البحري والصناعة، مثل توتال الفرنسية وجينرال الكتريك الأمريكية وميرسك السنغافورية للشحن وبيجو للسيارات وغيرها. يذكر أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى إيران قد بلغ 5 مليارات دولار في 2017 كأعلى معدَّل سُجّل منذ عام 2012.
وعلى الجانب المجتمعي؛ كان لهذا التراجع في الأداء الاقتصادي أثرًا واضحًا على معيشة المواطنين الإيرانيين، إذ انعكس ارتفاع معدل التضخم بصورة مباشرة على مستوى المعيشة الأساسي، وتشير الإحصاءات إلى أن الأسر الإيرانية في 2019 قد أنفقت ما يزيد بنسبة 52.1% على الطعام والخدمات نفسها مقارنة بالعام السابق، كما ارتفع مؤشر أسعار المجموعة الرئيسية من “الأغذية والمشروبات والتبغ” بنسبة 82.6 %، في حين زادت “السلع والخدمات غير الاستهلاكية” بنسبة 39.9 %، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. الأمر الذي ينذر باحتجاجات شعبية ضد الغلاء والأداء الاقتصادي على غرار موجة الاحتجاجات التي اندلعت في عدد من المدن الإيرانية بنهاية عام 2017 وبداية 2018 للاحتجاج على الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة المحلية وتردّي مستوى المعيشة، وقد كان الاتفاق النووي أحد الرهانات التي كان روحاني منذ ولايته الأولى يعول عليها في معالجة تلك الأزمات. بل ربما تكون أشدّ هذه المرة بالنظر للمؤشرات الاقتصادية الحالية.
كما يتوقع أن تزيد العقوبات من مشكلة البطالة القائمة بالفعل، فعلى سبيل المثال؛ يرتبط قطاع تصدير المعادن الذي يمثّل 10% من “اقتصاد الصادرات” الإيراني- والذي طالته العقوبات الأمريكية- بقطاعات أخرى حيوية وأهمها قطاع تصنيع السيارات، ويوظف القطاعان سنويًّا 1.6 مليون عامل، أي 6% من مجموع الأيدي العاملة في إيران.
وكان قطاع تصنيع السيارات شهد تراجعًا كبيرًا بالفعل قبل فرض العقوبات، إذ تشير الإحصاءات إلى تراجع حجم إنتاج السيارات في الأشهر الثمانية الأولى من العام المالي 2018- 2019 بنسبة 24.9% تقريبًا، وتراجع بشكل كبير إنتاج الشاحنات في فترة يناير-فبراير 2017- 2018 (على أساس سنوي) بنسبة 86.3% تقريبًا، وبالنظر إلى هذه الأرقام، فإن زيادة الضغوط على منتجي الصناعات المعدنية قد تؤثِّر في إمكانية إمداد شركات السيارات بمدخلات الإنتاج التي تلزمها، ويرى مراقبون أن أحد الأسباب المهمة لفرض عقوبات على هذا القطاع دون قطاعات أخرى قد تدر أرباحًا أعلى، هو حجم الأيدي العاملة التي يوظفها قطاع الصناعات المعدنية، وهو ما قد يؤدي إلى حراك عمالي ضد الحكومة.
أما على مستوى المشهد السياسي الإيراني داخليًا، فربما تسفر الانتخابات التشريعية القادمة هذا العام عن هزيمة الإصلاحيين إذا ماأخفقوا في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يحسِّن الأوضاع الاقتصادية، واتجاه المشهد إلى المتشددين المعارضين للانفتاح على الغرب والتفاوض مع الولايات المتحدة، وبدورهم ربما يواصل المتشددون اتخاذ مزيد من الإجراءات باتجاه تطوير المشروع النووي باعتبارها الوسيلة التي أرغمت الغربيين على التفاوض وتقديم التنازلات، وتدفع الفصائل المسلحة المرتبطة بها في الخارج إلى المواجهة مع القوات الأميركية وحلفائها بالمنطقة.
المبحث الثاني
مواقف القوى الدولية والإقليمية بعد الإنسحاب الأمريكي وإعادة فرض العقوبات
رغم انسحاب الولايات المتحدة وتوقيعها العقوبات بشكل أحادي على إيران إلا أنه يبقى اتفاقًا متعددًا يمس أطرافًا أخرى غير الولايات المتحدة وإيران، وثمة تداعيات عدة تطال الموقعين الخمسة الباقين كما تمتد أذرع الأزمة لتشمل فاعلين آخرين من غير الموقعين على الاتفاق بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية لإيران وتعقد تفاعلاتها مع دول الجوار الإقليمي، وتعقد مصالحهم وتشابكها مابين الولايات المتحدة والإيران.
يستعرض هذا المبحث مواقف أهم اللاعبين الرئيسيين في الأزمة ومحدداتها، إذ إن سلوك إيران تجاه الازمة وخياراتها مرهون في جزء كبير منه بمواقف القوى الدولية والإقليمية. فيستعرض أولًا مواقف شركاء الاتفاق النووي؛ وهم المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وكذا موقف الاتحاد الأوروبي، والشريكين الآخرين للاتفاق؛ روسيا والصين، ثم اللاعبين الإقليميين ذوي الصلة وهم تركيا والسعودية والإمارات وإسرائيل.
أولًا: المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي
أثار إعلان ترامب اعتزام الولايات المتحدة الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل أحادي في مايو 2018 استياء الدول الأوروبية الأخرى الموقّعة على الاتفاق، المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، فأصدر مسؤولو الدول الثلاث بيانًا رسميًا يعربون فيه عن قلقهم من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق وشددوا على التزامهم به وعلى أهميته لأمنهم الجماعي، اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا مماثلًا، فذكرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية فيديريكا موغيريني في
تصريحاتها عقب إعلان ترامب الإنسحاب “الصفقة النووية ليست اتفاقية ثنائية ولا تملك أي بلد إنهائها بمفردها من جانب واحد”، كما ذكر البيان المكتوب لـ موغريني نيابة عن الاتحاد الأوروبي أن الاتحاد سوف يظل ملتزماً بالتنفيذ الكامل والفعال للاتفاقية النووية، طالما استمرت إيران في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالأسلحة النووية، كما فعلت حتى الآن، وكما أكدت ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 10 تقارير متتالية.
وقد لخص رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، الموقف الأوروبي حينها في جملة واحدة قائلًا: “مع أصدقاء مثل هذا، من يحتاج إلى أعداء؟” في إشارة إلى ترامب والآثار السلبية على أوروبا إثر قرار الانسحاب الذي فقد تجاهل المخاوف الأمنية لأوروبا والتي تعد غرب آسيا هي الجوار المباشر لها، فالوضع الأمني المتقلب في المنطقة، وسباق التسلح النووي والحرب المحتملة ضد إيران، سوف تؤثر كلها تأثيراً مباشراً على أوروبا، وإن كانت أقل آثاره المحتملة هي تدفق موجة جديدة من اللاجئين الذي تعاني منهم أوروبا بالفعل منذ عدة سنوات.
كذلك يعتبر الانسحاب تهديدًا للصفقة التي اعتُبرت مكسبًا خاصًا للدبلوماسية الأوروبية كما وصفتها الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، فيديريكا موغريني بأنها “تتويج ل 12 عامًا من الدبلوماسية”، بالإضافة إلى تهديد المصالح الاقتصادية الأوروبية مع إيران التي توسعت بعد توقيع اتفاق 2015، فارتفعت قيمة التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي من 7.94 مليار يورو في عام 2015 إلى 21.6 مليار يورو في عام 2017.
وفي يناير 2019 شددت اوروبا مجددًا على نيتها العمل لإنقاذ خطّة العمل الشاملة المشتركة فأعلنت الدول الثلاث عن مقترحها لآلية مالية جديدة تدعي “انستكس” تهدف لحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية، كما تهدف إلى التبادل التجاري مع إيران ليشمل الغذاء والدواء والمنتجات الغذائية، وتسهيل المعاملات المالية بين إيران والدول الأوروبية عبر المقايضة باليورو بدلًا من الدولار خارج النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ولا تزال المحادثات بين الأوروبيين وإيران حول هذه الآلية متواصلة حتى اللحظة.
لكن الشركات الأوروبية لم تنتظر انتهاء المحادثات أو بناء التوقعات حول مدى فعالية هذه الآلية أو غيرها في التخفيف من وطأة العقوبات وبادرت بالانسحاب من إيران خوفًا من أن تطالها العقوبات الثانوية الأمريكية، إذ تخشى الشركات الأوروبية من حرمانها من الوصول إلى الأسواق الأمريكية أو فقدان حساباتها الجارية في البنوك الأمريكية أو فقدان تراخيص التشغيل هناك، كما تخشى البنوك من العقوبات المالية الباهظة التي تفرضها الولايات المتحدة، وليست الغرامة ذات ال8 مليار دولار والتي فرضت على البنك الفرنسي بي إن بي باريبا في عام 2014 بسبب تنفيذه تحويلات مالية لشركات إيرانية مدرجة في قوائم العقوبات الأمريكية، إلا مثالًا واحدًا ضمن عدد كبير من الأمثلة الأخرى لتأثر القطاع المالي بشدة من العقوبات الأمريكية السابقة ضد إيران عندما اضطرت البنوك إلى دفع غرامات بالملايين لتجاوزها العقوبات.
ويقتبس تقرير “مجموعة الأزمات الدولية “المنشور في يناير 2018 عن أحد المصرفيين الأوروبيين قوله: “بالنسبة لمعظم البنوك الدولية، فإن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة قد مات بالفعل”. ورغم جهود الاتحاد الأوروبي لمحاولة الحفاظ على الاتفاق النووي قائمًا باقتراح آليات لتخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية على إيران مثل آلية انستكس أو اقتراح إعادة تنشيط قانون الحظر لعام 1996 والذي يقضي بعدم امتثال الشركات الأوروبية للعقوبات الأمريكية، وكذلك السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بتسهيل الاستثمارات في إيران، فإن هذه الجهود سوف تتطلب وقتًا وإجراءات مطولة وموافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة.
كما أن اقتراحات الآليات المالية البديلة، إذا مادخلت حيز التطبيق، لن يتعدّى أثرها نطاق الشركات الأوروبية الصغيرة التي لا تعمل في السوق الأمريكي ولا ترتبط بالنظام المالي العالمي، الذي يهيمن الدولار الأمريكي عليه، إذ يشكّل الدولار حوالي ثلثي احتياطيات البنوك المركزية، وأكثر من 40 % من المدفوعات العالمية، ولطالما كانت العقوبات الأمريكية أداة فعالة للسياسة الخارجية لهذا السبب تحديدًا، أي الدور المركزي للدولار في التمويل والتجارة الدولية، فعلى الرغم من أن التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران ليست سوى جزء صغير من الاقتصاد الإيراني، إلا أن العقوبات قاسية لأنها يمكن أن تحد من وصول إيران إلى التمويل الدولي وتعاقب الشركات متعددة الجنسيات التي تنفذ معاملاتها بالدولار الأمريكي.
كما يؤخذ في الاعتبار أيضًا حجم ضآلة حجم المصالح التجارية والاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي مع إيران مقارنة بنظيرتها مع الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال؛ بلغ حجم صادرات ألمانيا، الشريك التجاري الأوروبي الأكبر لإيران، 2.95 مليار يورو في عام 2017 لإيران، وهو ما يمثل 0.2 في المائة فقط من صادرات ألمانيا. أما حجم شراكتها التجارية مع الولايات المتحدة فهو أضعاف ذلك إذ ترتفع النسبة إلى 8.7%.
إذًا، يسعى الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتِّفاق النووي لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية وأمنية، منها الحفاظ على التبادل التجاري ومصالح الشركات الأوروبية في إيران، والحفاظ على أمنه القومي وأمن حلفائه في الإقليم، ورفض سياسات الإدارة الأمريكيَّة التي تجاهلت المكانة السياسية والاقتصادية للاتحاد وجهوده الدبلوماسية في التوصل لاتفاق 2015، والرغبة في تحقيق مزيد من الاستقلالية المالية والمصرفية الأوروبية عبر أنظمة بديلة لا تتبع تقلبات السياسة الأمريكية، لكنه من جهة أخرى يخشى أيضًا السلوك الإقليمي لإيران وإصرارها على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية وتداعياته على استقرار المنطقة، كما أعرب الأوروبيون عن معارضة صريحة لإعلان طهران رفع مستوى تخصيب اليورانيوم.
ومن الناحية العملية يتوقع أن يظل الاتحاد منددًا بالموقف الأمريكي وربما يضطلع بجهود الوساطة والدعوة للتفاوض، كما قد يقدم بعض الاجراءات التي تشكل متنفسًا مؤقتًا لطهران يمكنها من مناورة أثر العقوبات على المدى القصير استجابة لضغوط إيران وتهديداتها بخرق بنود الاتفاق النووي، ويمكن قراءة إعلان وزير المالية الفرنسي بأن آلية “انستكس” سوف تدخل حيز التنفيذ في غضون أيام قليلة، قبل أيام من انتهاء المهلة الإيرانية الممنوحة للأوروبيين للعودة لتفعيل بنود الاتفاق وإلا سوف تبدأ إيران في اختراق بنوده في هذا الإطار، لكن يظل الدعم الذي قد تقدمه إنستكس محصورًا بالأساس في تيسير المعاملات التجارية في قطاعات المستحضرات الصيدلانية والطبية والزراعية، الأمر الذي يساهم، إلى جانب عوامل أخرى (مثل ضآلة المصالح التجارية والاقتصادية للاتحاد مع إيران إذا ماقورنت بنظيرتها مع الولايات المتحدة، وبتكلفة العقوبات الثانوية التي قد يتعرض لها وتخوفات الأوروبين من الطموحات الإقليمية والدفاعية لإيران)، في توقع كون الدعم الأوروبي محدودًا وموقتًا ولا يمكن لإيران الرهان عليه طويلًأ.
ثانيًا: روسيا
سارع المسؤولون الروس إلى إدانة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإلى الدعوة للحفاظ عليه قائمًا كون روسيا أحد أهم المساهمين في التوصل للاتفاق النووي وأحد أطرافه الستة، كما جددت موسكو انتقادها للخطوة الأمريكية مع كل حزمة جديدة من العقوبات، لكن كثيرًا من المحللين يشيرون إلى انتفاع روسيا من الأزمة الحالية على عدّة أصعدة.
– تستفيد روسيا بارتفاع أسعار النفط على إثر الازمة كونها أحد مصدري النفط عالميًا، كما أن الانخفاض المفاجئ في صادرات النفط الإيرانية قد يقدم لروسيا ذريعة للإصرار على زيادة حصتها من إنتاج النفط ضمن “اتفاقية فيينا” مع أوبك لتعويض النقص الإيراني، وثانيًا؛ يمكن لروسيا الاستفادة من انشغال إيران بمواجهة الأزمة مع الولايات المتحدة وحدّها من الموارد المالية لإيران وبالتالي قدرتها على دعم ميليشياتها في الخارج في توسيع نفوذها في سوريا وزيادة مكاسبها بعدما تحول التحالف الروسي الإيراني في سوريا من دعم نظام الأسد إلى مرحلة افتراق المصالح التكتيكية والمنافسة حول الهيمنة واقتسام الغنائم ما بعد الحرب وخصوصًا في وقت التقت فيه المصالح الإسرائيلية والأمريكية والروسية على ضرورة إخراج إيران من سوريا.
فإن انشغال الولايات المتحدة بإيران يعني تركيزًا أقل على مواضع نزاعها مع روسيا من احتلالها لشبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في شرق أوكرانيا، وربما اعطائها هامش حركة اوسع فيما يتعلق بأوكرانيا وبيلاروسيا والمناطق الأخرى، وبالفعل فقد جاء في تقرير ستراتفور للربع السنوي الثالث لهذا العام- أي 2019- أن أزمة إيران تحتل قائمة أولويات أجندة السياسة الخارجية الأمريكية ، صب الانقسام الحالي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة في مصالح موسكو الإستراتيجية، فأحد أهداف روسيا السياسية والأمنية على المدى الطويل هو تقويض التماسك والوحدة الغربيين، كل حدث يؤدي إلى زيادة الخلاف داخل التحالف بينهم فهو يؤثر سلبًا على قوة الغرب ويعزز الآراء المعادية للولايات المتحدة بين كثير من الأوروبيين الغربيين.
لكن هذه المصالح لا تعني دعم روسيا لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية المكثفة التي تلته، لعدد من الأسباب؛ منهاك أن موسكو ترى أن طهران لاعبًا مهمًا في الشرق الأوسط وحصن ضد الهيمنة الأمريكية، ومن مصلحتها الحفاظ على المنطقة “متعددة الأقطاب”، كما أن روسيا بذلت جهدا دبلوماسيا كبيرا في التوصل للاتفاق النوويضمن سياستها في الشرق الأوسط التي يحددها طلب المكانة العالمية والاستقرار الإقليمي، كما أن مقاربة روسيا للملف النووي الإيراني اعتبرت الاتفاق النووي من شأنه تعزيز الأمن الروسي إذ أن بقاء إيران خالية من الأسلحة النووية يصب في صالحها. وأيضًا تتعاون روسيا وإيران في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى في مجموعة متنوعة من القضايا من الطاقة إلى الأمن، وكذلك فإن الخطاب الروسي المؤيد لخطة العمل الشاملة المشتركة يعطيها فرصة لبناء منصة تعاون بين موسكو والاتحاد الأوروبي، في ظل الخلاف بينهم وبين الولايات المتحدة. وأخيرًا فإن إيران هي شريك مهم لروسيا في مجال شراء الأسلحة الروسية.
إذًا؛ يحدّ الموقف الروسي من الازمة الإيرانية الأمريكية عددًا من المحددات التي تجعل الموقف الروسي يسير باتجاه التوازن الحذر، ولا يتوقع أن تعوّل إيران كثيرًا على دعم روسيا فعليًا – بعيدًا عن التصريحات الرسمية، فالاقتصاد الروسي لديه من الأزمات الاقتصادية الداخلية مايكفيه بعد تطبيق العقوبات الامريكية والأوروبية عليه إثر تدخُّل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وشبه جزيرة القرم الأوكرانية، مايجعل النظام يبتعد عن مايثير مزيد من الضغوط الاقتصادية أو يرفع من شدّة خلافاته مع المجتمع الدولي، أي أنه إذا كان ثمة دعم روسي لإيران خلال فترة العقوبات، فلن يأتي على حساب الإضرار بمصالح روسيا والشركات الروسية الكبرى، وانسحاب شركة “روس نفت” الروسية الحكومية من إيران عقب العقوبات هو دليل على ذلك، كما أن هذا الاقتصاد المأزوم لا يملك كثيرًا مما يقدمه إلى إيران ربما غير بيع الأسلحة وبعض المعدات والتقنيات المحدودة، كذلك تحتاج روسيا إلى الموازنة في موقفها إذ تستهدف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل السعودية والإمارات كزبائن محتملين لمبيعات السلاح الروسي، لكنها في الوقت ذاته قد تستخدم الأزمة الإيرانية كورقة ضغط في ملفاتها العالقة بين الولايات المتحدة من العقوبات والتنافس في فنزويلا وغيرها، ربما تقدم موسكو الدعم الاقتصادي والدبلوماسي لمساعدة طهران على تحمل الضغط الأمريكي بما قد يشمل إنشاء شبكات تهريب النفط، والتبادل التجاري وإسداء المشورة في ما يخص التحايل على العقوبات.
أي أن الموقف الروسي سيواصل دعم إيران رسميًا لكن دون أن يملك الكثير فعليًا مما يمكن التعويل عليه على المدى الطويل، مثلما صرّح بوتين بأن “روسيا ليست فرقة إطفاء حرائق، ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء، خاصة ما لا يعتمد على إرادتنا بالكامل”.
ثالثًا: الصين
الصين هي الشريك التجاري الأهم لإيران، إذ مثلت التجارة مع الصين ثلث إجمالي التجارة الخارجية الإيرانية عام 2017 بواقع 37 مليار دولار، كما أنها أحد أكبر مستوردي النفط الإيراني، وأحد أطراف الاتفاق النووي، وشريكًا سياسيًا رئيسيًا لطهران، كما كانت موّردًا رئيسيًا للمعدات الدفاعية حتى في فترات العقوبات السابقة، حين منع حظر الأسلحة التابع للأمم المتحدة إيران من الوصول للمعدات العسكرية الحديثة، وبالنسبة للصين فإن إيران أحد شركاؤها الرئيسين في مبادرة الحزام والطريق الاستراتيجية والتي تستثمر الصين على إثرها في عدد من مشاريع البنية التحتية في إيران، كما أن أهميتها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط تجعلها هدفًا للتقارب الصيني في ظل التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين.
جاء الموقف الصيني الرسمي منتقدًا لانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، ومنددًا بفرض العقوبات الأحادية ومؤكدًا على دعم بكين لاستمرار الاتفاق النووي وللحوار بدلًا من المواجهة، وكانت وجهة الزيارة الاولى لوزير الخارجية الإيراني هي الصين بعد إعلان خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مما يشير إلى أهمية بكين لإيران في التخفف من آثار العقوبات الأمريكية.
يأتي الموقف الصيني من الأزمة إذًا مدفوعًا بعدة دوافع، فأولًا؛ يمكن للصين استخدام ورقة إيران للضغط على الولايات المتحدة في المفاوضات التجارية الجارية بينهما، وثانيًا؛ فالاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخصوصًا في إيران التي يمر منها أحد أهم ممرات مبادرة الحزام والطريق “ممر الصين-آسيا الوسطى-غرب آسيا” محوري للغاية للمصالح الصينية الاقتصادية الاستراتيجية، وثالثًا؛ فإن إيران توفر للصين -الباحثة عن أسواق جديدة لاستيعاب منتجاتها- سوقًا يتجاوز 80 مليون مستهلك، ورابعًا؛ فالنفط الإيراني كان مهمًا لأمن الطاقة الصيني الحريص عن تنويع المصادر خصوصًا بعد العقوبات على فنزويلا والاضطراب في الجزائر.
لكن الموقف الصيني من جهة أخرى يحدّه المصالح التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الشريك التجاري الأكبر للصين، إذ يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 600 مليار دولار، مايجعل التبادل التجاري مع إيران رقمًا
لا يذكر إذا ما اضطرت الصين للاختيار بينهما، وبالفعل فقد أعلنت الشركات الصينية الكبرى عن توقف استيرادها للنفط الإيراني بعد انتهاء الاستثناءات في مايو خوفًا من تطالها العقوبات الامريكية، كما أعلنت شركة “سينوبك” وقف العقد الخاص بتطوير حقل يادافاران النفطي الذي كانت وقعته مع إيران سابقًأ؛ وكذلك فإن استخدام ملف إيران للضغط على الولايات المتحدة قد يكون سلاحًا ذو حدّين فيبرر للولايات المتحدة توقيع عقوبات على الصين بذريعة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران، كما أن الصين يجب أن توازن بين دعمها لإيران وعلاقاتها التجارية المتنامية مع خصوم إيران في الخليج مثل السعودية.
على المدى القريب إذًأ، يتوقع استمرار دعم بكين على مستوى التصريحات الرسمية للموقف الإيراني، كما يمكن أن تشكل داعمًا مؤقتًا لإيران لمقاومة أثر العقوبات، إذ يمكن استمرار التبادل التجاري بينهما ولو على نطاق أضيق عبر تعاون الشركات الصينية صغيرة ومتوسطة الحجم التي لا تمتلك مصالحًا في الولايات المتحدة، كما تمتلك الصين عدّة خيارات قد تمكّنها من الالتفاف على العقوبات الأمريكية مثل الدفع من خلال مقايضة السلع أو استعمال العملات المحلية في المبادلات التجارية أو مايطلق عليه “تدويل اليوان” كأحد الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الاقتصادية الصينية. لكن هذا الدعم سيبقى محدودًا إذ سيأتي ضمن محاولة الصين الحفاظ على التوازن بين مصالحها المتعددة.
رابعًا : تركيا
تتسم العلاقات التركية الإيرانية بمستويات مختلفة من التعاون والتنافس، فمحددات التعاون ودوافعه تتمثل في الحدود المشتركة جغرافيًا، والتعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة إذ تعد إيران ثاني أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي إلى تركيا بعد روسيا، وكذلك التنسيق في ملف الأكراد وغيره من الملفات في المنطقة، أما محددات التنافس أو معوقات العلاقة فمنها التنافس على الزعامة الإقليمية والصراع على النفوذ في الشرق الأوسط، واختلاف الأدوات التي يستخدمها الطرفان في تعزيز نفوذهم بالمنطقة ، فإيران تفضل الأدوات العسكرية وتركيا تميل للأدوات السياسية والاقتصادية، كما تتعارض التحالفات الدولية لكل منهما أيضًا.
تحدد قاعدة المصالح المشتركة تغليب أحد الجانبين؛ إما التعاون أو التنافس، وفي قضية الاتفاق النووي فقد انحاز الموقف الرسمي التركي إلى إيران انحيازًا واضحًا وعارض إعادة فرض العقوبات وتكررت تصريحات المسؤولين الأتراك الرسمية المنددة بالموقف الأمريكي، ويمكن فهم هذا الموقف في إطار المكاسب التركية من الاتفاق النووي.
فأولًا؛ يعد هذا الاتفاق اعترافًا بالحق السيادي في تخصيب اليورانيوم، واعتبره الأتراك مكسباً إذ ربما يجدون أنفسهم في هذا الموقف مستقبلًا خاصة وأن الطموح التركي لتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية لا يخفى على أحد، وثانيًا؛ ترغب تركيا في تأمين نوع من الأمن والاستقرار في مناطق نفوذها الإقليمية وخصوصًا في سوريا والعراق، وقد كان الاتفاق يدعم هذا الاتجاه وبالعكس فإن تقويضه الآن يهدد باحتمالية نشوب حرب إقليمية مدمرة، وثالثًا؛ ترى تركيا الاتفاق النووي باعتباره امتدادًا لجهدها التفاوضي الأساسي الذي بذلته في المرحلة الأولى من التفاوض عام 2010 بالتعاون مع البرازيل فيما عرف باسم “إعلان طهران”.
تهدد خطوة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي هذه المكتسبات، إضافة إلى قلق تركيا من تأثر إمدادات الطاقة والغاز الطبيعي وتأثر علاقاتها التجارية مع إيران سلبًا بفعل العقوبات الأمريكية، وقد كانت ثمة خطط لرفع التبادل التجاري بين الدولتين إلى 30 مليار دولار، وكذلك تعقد ملفات التنسيق الإيراني التركي.
لكن على الجانب الآخر ثمة مكسبًا مهمًا لتركيا من التأزم الإيراني الأمريكي إذ يحتمل أن يؤدي الحصار الاقتصادي المتزايد لإيران إلى تقليص نفوذها بالمنطقة إثر تقليص دعمها المالي والعسكري للجماعات والميليشيات والأنظمة الموالية لها في الإقليم، وهو ما سيمثّل فرصة لتركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة خاصة في سوريا؛ إحدى ساحات المنافسة بين الطرفين.
كما أن الدعم التركي للموقف الإيراني يحدّه الخوف من تداعيات العقوبات الامريكية على الاقتصاد التركي الذي يواجه أزمة بالفعل لا يرغب في توسيعها، فالولايات المتحدة ربما تفرض عقوبات على الشركات التركية، وتمنعها من دخول السوق الأمريكي، وتمنع المعاملات التجارية معها، وتحد من قدرتها على الوصول إلى الأسواق المالية والمصارف الدولية، وبالفعل، رغم المواقف الرسمية المنددة بقرار وقف استثناءات استيراد النفط الإيراني، إلا أن تدفقات النفط الإيراني إلى تركيا قد توقفت تمامًا بعد انتهاء مهلة الاستثناءات بعدما أغلقت تركيا موانئها أمام النفط الإيراني، في امتثال كامل للعقوبات الأمريكية على موردها الرئيسي، وأعلنت شركة “توبراش”، أكبر شركة تكرير نفط تركية توقفها عن شراء النفط الإيراني خوفًا من العقوبات الأمريكية، كما أن الوضع معقد حاليًا بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب صفقة الصواريخ الروسية، ويتوقع تعرض تركيا لعقوبات أمريكية بهذا الخصوص.
تبقى الخيارات التركية فعليًا في دعم الموقف الإيراني محدودة جدًا، وربما تتمثل في بعض صور التبادل التجاري المحدود الذي يمكن تحويل مستحقاته بالليرة التركية بعدما وافق البنك المركزي التركي والإيراني رسميًا على التداول بعملاتهما المحلية في 2017، كما يمكن توصيل المدفوعات ماديًا بالاعتماد على الحدود البرية المشتركة دون الحاجة للجوء إلى النظام المصرفي الدولي، ما حدث في أوقات سابقة. كذلك يمكن التوصل لآلية مشابهة “لإنستكس” الأوروبية لتأمين التبادل التجاري بين الطرفين بعيدًا عن العقوبات مثلما ذكر وزير الخارجية التركي “تشاووش أوغلو” بأنه بحث مع نظيره الإيراني إمكانية إقامة وسيلة مشابهة. لكن تبقى هذه الخيارات محدودة على المدى القريب ومحدودة بالمصالح التركية مع الجانب الأمريكي ومدى التفاهم بينهما بشأن الملفات الخلافية الحالية وعلى رأسها قضية الصورايخ الروسية.
خامسًا: السعودية والإمارات
رحبت السعودية والإمارات بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وأيدته علانية، وعرضت تعويض حصة إيران النفطية في السوق العالمية لئلا يتأثر مستوردي النفط الإيراني سلبًا جرّاء العقوبات ولضمان التزامهم بها، ولا يخفى أنهما قدمتا دعمًا ماليا واقتصاديًا ضخمًا لتقويض الصفقة والضغط على إدارة ترامب للتخلي عنها، فبالنسبة لهاتين الدولتين، لم تكن مصلحتهم من الاتفاق تتمثل في منع إيران من حيازة السلاح النووي فحسب، بل كانت تأمل في تغير سياسة إيران الخارجية واستراتيجيتها التوسعية في المنطقة أيضًا، لكن واقعيًا، وخلال الأشهر التي دخل في الاتفاق حيز التنفيذ، بدا الاتفاق بمثابة ورقة رابحة استغلت إيران مكاسبها السياسية والاقتصادية لتمويل سياستها التوسعية وزيادة التدخلات في محيطها الإقليمي، إذ كثفت من وجودها العسكري في سوريا، ومن دعمها لحزب الله اللبناني، كما ضاعفت من دعمها للحوثيين في اليمن إلى درجة نقل تكنولوجيا الصورايخ إليهم وتمكنهم من ضرب المطارات السعودية وتهديد مدنها بين الحين والآخر خلال عامي 2017 و2018، ومن تلك السياسات تطويق منطقة مجلس التعاون من الجنوب والشمال الشرقي وتهديد أمن مياه الخليج العربي من جهة الشرق.
من ناحية أخرى، رأت السعودية والإمارات في الاتفاق النووي تغيُّرًا استراتيجيًا أوسع في تعامل إيران مع الغرب إذ تحولت السياسة الخارجة الإيرانية إلى مزيد من الصداقة والتعاون مع الشركاء الأوربيين، وهذا سيكون على حسابهما وشعرتا بأن الدول الأوروبية قد تُغير انحيازاتها وتتخلَّى عن حلفائها التقليديين.
يلغي الانسحاب الأمريكي من الاتفاق إذا مكتسبات إيران التي أقلقت السعودية والإمارات، كما أنه يحمل مكاسب جديدة للدولتين، ففي حين يتعثر التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ويعاني صعوبات عدّة، ربما تحد العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة من الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران للحوثيين في اليمن ويتمكن التحالف من التقدم على إثر ذلك.
كما أن الدولتان قد تجنيان فوائد اقتصادية كبيرة بعد فرض العقوبات النفطية على إيران وانخفاض حصتها من الصادرات بنحو مليون برميل يوميًا على الأقل وتدخل السعودية والإمارات لتعويض السوق.
صحيح أن تعقد الأزمة وفشل الصفقة النووية يحمل معه خطر نشوب الصراع في المنطقة وعدم استقرارها، لكن المنطق السعودي والإماراتي يرى أن وجود الصفقة لم يكن يردع إيران عن سياساتها العدوانية في المنطقة، وكانت هجمات الصواريخ الإيرانية تطال السعودية وتهدد الإمارات وهي لم تزل في بداية تنفيذ الصفقة فكيف إذا سمح لها بتطوير قدرتها الصاروخية والعسكرية لاحقًا في ظل الاتفاق ورفع العقوبات الدولية.
وأخيرًا، يرصد محللون بوادر تقارب سعودي – عراقي على إثر زيارات متبادلة بين الجانبين السعودي والعراقي في إبريل 2019، غير مسبوقة منذ عقود، وتقديم السعودية عروض لمشاريع استثمارية وتنموية ضخمة، ويرون أن هذا أية تقاربات سعودية عراقية سوف تخصم من رصيد النفوذ الإيراني والتوغل في الدولة العراقية، في وقت حرج تنظر فيه إيران إلى العراق بوصفه مجالًا حيويًا لها قد تستغله بشكل ما في نقل أو تهريب النفط للعالم الخارجي لتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية.
وفي هذا الصدد، يمكن توقع تغيّر ما في طبيعة علاقات إيران بالعراق كأحد تداعيات العقوبات والحصار، فبينما كانت إيران السيد الآمر في الساحة السياسية العراقية وكانت العراق من أبرز مناطق النفوذ الإيراني في الإقليم؛ يشعر سياسيون عراقيون بحاجة إيران الملحَّة للعراق باعتباره ساحات الالتفاف على العقوبات بدرجة ما، ويرون أن إيران أصبحت عبئًا على بلدهم في سياق الأزمة الحالية، وربما يمكن قراءة قرار رئيس الوزراء العراقي بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي – وأغلبها من المكون الشيعي الموالي لإيران- في هذا السياق.
سادسًا: إسرائيل
كما هو متوقع، جاء الرد الرسمي الإسرائيلي مرحبًا بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، ووصفه بالخطوة الصحيحة والشجاعة وبأن الاتفاق كان وصفة “لكارثة”، ويمكن فهم هذا الموقف المؤيد في إطار رؤية إسرائيل لإيران باعتبارها إحدى أكبر مهددات أمنها القومي، وبالتحديد برنامجها النووي ودعمها لفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ورؤيتها للاتفاق النووي في عام 2015 على أنه لا يقدم حلًا نهائيًا للتهديد النووي، كما أنه منح الفرصة لإيران لتوسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز قوتها العسكرية، وبالفعل تزايد الحضور الإيراني في سوريا مما نقل المواجهة بين الطرفين من ميادين الصراع غير المباشرة إلى مواجهة حدودية لأول مرة، وشكّل تهديدًا جدّيًا للأمن القومي الاسرائيلي.
المبحث الثالث
استشراف سيناريوهات الأزمة الإيرانية الأمريكية
أولًا: التصعيد وسيناريو المواجهة العسكرية :
منذ بداية مايو 2019، بعد انتهاء مهلة الاستثناءات الممنوحة للدول الثمانية المستوردة للنفط الإيراني، بدأت الأزمة في الاتجاه نحو التصعيد وجاءت ردود الأفعال الإيرانية سريعة ومتعاقبة بعدما ظلت هادئة وحذرة نسبيًا وملتزمة بالاتفاق النووي لنحو 11 شهرًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؛ دفعت هذه السياسات التصعيدية من كلا الطرفين إلى التساؤل حول خيار المواجهة العسكرية المباشرة أو الحرب كأحد السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الأزمة. في القسم الآتي نتطرق إلى مؤشرات هذا السيناريو وتداعياته وتقييم مدى احتمالية وقوعه عمليًا.
أبرز مؤشرات هذا السيناريو هو تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في منطقة الخليج والتهديدات العسكرية الإيرانية، ففي بداية مايو 2019 أرسلت الولايات المتحدة مجموعة من السفن الحربية بقيادة حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن”، كما أضافت عددًا من القاذفات الاستراتيجية”بي52” في قاعدة العديد القطرية، وبطاريات صواريخ باتريوت للحشد العسكري بحريًّا وجويًّا هناك، وأعلنت عن تعزيز قواتها في الخليج بسفينة ”أرلينغتون“ الهجومية البرمائية، في إطار ماقالت الولايات المتحدة إنه لحماية مصالحها وقواتها في المنطقة من تهديدات إيران.
أما الجانب الإيراني فاتبع نوعًا من المقاومة القصوى ردًا على إجراءات استراتيجية الضغط الأقصى التي تتبعها الولايات المتحدة، فرفض جميع دعوات الحوار والتفاوض، واتبع اتجاه التصعيد كذلك، عبر عدد من العمليات التي نفذها وكلاء إيران في المنطقة أو عمليات أخرى لم تتبناها إيران رسميًا لكن معظم الشواهد تشير إليها، منها تعرض أربع سفن تجارية لهجمات قبالة إمارة الفجيرة القريبة من مضيق هرمز، التي كانت إيران قد هددت سابقًا بتعطيل الحركة الملاحية فيه إذا لم تتمكن من بيع نفطها، وكذلك استُهدفت محطتان لخط أنابيب يضخ النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي عن طريق هجوم من طائرات دون طيار مفخخة، ونشر موقع تابع للحوثيين بيانات بعدها تقول بأن ”7 طائرات مسيرة نفذّت هجمات طالت منشآت حيوية سعودية”، كما أجلت واشنطن موظفيها غير الأساسيين من سفارتها في بغداد، نقلاً عن معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران قد تستهدف أهدافًا أمريكية هناك، وفي يونيو؛ تعرضت ناقلتا نفط لانفجارين في مياه بحر عُمان، واتهمت واشنطن إيران بالمسؤولية عن الهجوم، ووصل التصعيد ذروته حين أعلن الحرس الثوري الإيراني إسقاط طائرة أميركية مسيَّرة للتجسس جنوب إيران بعدما اخترقت المجال الجوي الإيراني.
كما يدعم هذا السيناريو أيضًا كون بعض الفاعلين في دوائر اتخاذ القرار على الجانبين من الصقور المحافظين، ففي فريق إدارة الرئيس الأمريكي يوجد جون بولتون ومايك بومبيو اللذان ينتميان إلى اليمين الأكثر تشددًا تجاه إيران، وخصوصًا بولتون، مستشار الأمن القومي الذي ينتمي إلى دائرة حروب الشرق الأوسط التي تبنتها إدارة بوش الابن، والتي ترى بأنه كان ينبغي توجيه ضربة قاصمة لإيران قبل إغلاق ملف حروب المنطقة. وعلى الجانب الإيراني أيضًا هناك المرشد الأعلى والمحافظين التقليديين في الحرس الثوري الذين يمثلون الاتجاهات الأكثر راديكالية داخل النظام ويرفعون شعار “الموت لأمريكا” وقد عارضوا الاتفاق النووي منذ البداية، وازداد موقفهم قوة بعد فشل رهان القوى المعتدلة التي ينتمي لها الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف على الاتفاق النووي وتراجع الثقة في المسارات الدبلوماسية والتفاوض مع الولايات المتحدة.
ثمة عامل آخر قد يعضد من احتمالية هذا السيناريو وهو الدور الإسرائيلي في التحريض على إيران التي تعتبر إسرائيلُ أن صواريخها الباليستية ووكلائها العسكريين في دول الجوار- خصوصا حزب الله في لبنان وعناصر فيلق القدس التابعة للحرس الثوري في سوريا ودعمها لحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني- وقدراتها النووية تهديد لأمنها القومي، ورغبة الإسرائيليين في استغلال وجود ترامب المتعاطف معهم في سدة الرئاسة، وكذلك ضغط السعودية والإمارات في هذا الإتجاه أحيانًا.
يحمل سيناريو كهذا تداعيات قاسية لجميع الأطراف وهذه التداعيات هي جزء مهم من الأسباب التي تجعله احتمالًا مستبعدًا رغم المؤشرات السابقة، وتجعل التصريحات الرسمية لمسؤولي الولايات المتحدة وإيران تؤكد مرارًا على عدم الرغبة في الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة، فالمواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران ستدفع إيران لتفعيل دور وكلائها لضرب المصالح الأمريكية في المنطقة واستهداف حلفائها، وقد تجر إسرائيل إلى النزاع من خلال استغلال إيران لنفوذها الهائل على حزب الله في لبنان والضغط عليه لمهاجمة إسرائيل باستخدام ترسانته البالغة 130.000 صاروخ في محاولة لرفع تكاليف الصراع بالنسبة للولايات المتحدة وواحدة من أقرب حلفائها، مما لا يترك للإسرائيليين أي خيار سوى غزو معاقل حزب الله في جنوب لبنان وربما في جنوب سوريا، وما بدأ كمناوشات أمريكية ـ إيرانية يجتاح المنطقة بأسرها، وباستخدام وكلائها أيضًا قد تستهدف إيران القواعد العسكرية الأمريكية في الإقليم وخصوصًا في العراق، وقد تضرب – عبر الحوثيين- المدن والمنشآت النفطية السعودية وناقلات النفط لتعرقل حركة تصدير الطاقة عبر مضيق هرمز الذي تمر منه 30% من صادرات النفط العالمية، فترتفع أسعار النفط عالميًا، وقد تنخرط إيران بشكل أكبر إلى جانب طالبان في أفغانستان فيسقط عدد متزايد من الجنود الأميركيين وتتزايد احتمالات سقوط الحكومة الأفغانية، فتتضاءل جدوى مفاوضات الولايات المتحدة مع طالبان.
أما بالنسبة لإيران فرغم امتلاكها لبعض الأدوات التي قد تلحق الأذى بالقوات الأمريكية ومصالحها في المنطقة، لكن روحاني وإدارته، يعون جيدًا فارق القدرات العسكرية الضخم بينهم وبين الولايات المتحدة،
والتداعيات التي تحملها حرب كتلك على اقتصاد إيران المنهك، وقدراتها العسكرية، والتداعيات الاجتماعية داخليًا وتصاعد الغضب الشعبي تجاه النظام، وقدرتها على دعم وكلائها في المنطقة.
كما أن ثمة اعتبارات أخرى تقلص من احتمال وقوع مواجهة عسكرية شاملة، فترامب – الذي ترشح لانتخابات الرئاسة القادمة في 2020- لا يرغب في خسارة قاعدته الشعبية التي انتخبته ليعيد الجنود الأمريكيين من أفغانستان وسوريا لا ليدخل في مواجهة جديدة في الشرق الأوسط، فالحرب مع إيران ربما تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لسنوات قادمة وتكلفها مليارات الدولارات لا تحمل عبئها إدارة ترامب فحسب بل الإدارات المتعاقبة بعده، كما أن الارتفاع المحتمل لأسعار النفط سوف ينعكس أيضًا على المواطن الأمريكي وتفضيلاته الانتخابية، وكذلك فإن اتخاذ قرار الحرب داخل الولايات المتحدة ليس قرارًا فرديًا وإنما يحتاج إلى موافقة الكونغرس الذي لا يرحب بتصعيد الأمور إلى هذا الحد.
كما أن شن مثل هذه الحرب ضد إيران يفتقد إلى “الشرعية الدولية”، فالدول الأوروبية لم تزل ترفض خيار الحرب الذي سيهدد أمنها القومي، ويعرقل تدفقات النفط إليها، ويعرضها لسيل غير مسبوق من اللاجئين من بلد يبلغ عدد سكانه حجم أفغانستان والعراق وسوريا مجتمعين، كما أن وقوع مثل هذه المواجهة العسكرية المباشرة يعني ببساطة انتهاء الاتفاق النووي عمليًأ واستئناف إيران لبناء قدراتها النووية خصوصًا إذا ما وصل المتشددون إلى السلطة في الانتخابات المقبلة بعد تراجع أسهم حكومة روحاني والمعتدلين.
وبالنظر إلى التداعيات السابقة مواقف الولايات المتحدة وإيران الرسمية المؤكدة على عدم الرغبة في الحرب، يمكن استبعاد خيار الحرب وتفسير هذا التصعيد من الجانبين بأنه ضمن استراتيجية للردع وسياسات حافة الهاوية التي تتبع أقصى ضغط للحصول على أقصى تنازلات من الطرف الآخر على طاولة التفاوض، لكن رغم ذلك، تبقى احتمالات الانزلاق بالخطأ إلى الحرب واردة، فسوء التقدي، وغياب قنوات الاتصال المباشر بين الطرفين ومنطق التصعيد يمكنهم تحويل أي صدام محدود إلى حرب إقليمية كبيرة.
ثانيًا: سيناريو التفاوض والحل الدبلوماسي :
بعد تقييم سيناريو الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة على أنه أقل احتمالا وذكر أسباب ذلك، وافتراض أن التصعيد من الجانب الأمريكي هو جزء من الضغط لجر إيران إلى طاولة المفاوضات والحصول على أكبر قدرٍ من التنازلات من الطرف الآخر على الطاولة، وأن التصعيد من الجانب الإيراني هو جزء من سياسة الردع ولرفع أسهمها التفاوضية لاحقًا، نستعرض سيناريو الحل الدبلوماسي أو التفاوض ويمكن إيجازه في احتمالين فرعيين من حيث النطاق التفاوضي والمدى والزمني هما: التفاوض الشامل على المدى القريب، والتفاوض الجزئي على المدى المتوسط /البعيد
سيناريو التفاوض الكلي على المدى القريب
هذا السيناريو هو المثالي بالنسبة للولايات المتحدة ويحقق الهدف المعلن من الانسحاب وحملة الضغط الأقصى، ومفاده أن تعيد إيران التفاوض على إلغاء الحدود الزمنية للالتزام بالاتفاق النووي، ووضع قيود على برنامجها للصواريخ الباليستية، وامتناع إيران عن توظيف ودعم الوكلاء خارج حدودها لتوسع نفوذها الإقليمي، أي اختصارًا، أن تلتزم إيران بالاثنتي عشرة نقطة الواردة في وثيقة بومبيو والتي تحدد الشروط الأميركية لرفع العقوبات عن إيران.
لكن هذا السيناريو تقف في وجهه عدة عقبات أولها الفجوة بين تصورات الطرفين لمدخل تسوية الأزمة، فالولايات المتحدة تصر على التمسك بالمطالب السابقة، وعلى الطرف الآخر ترفض القيادات الإيرانية الدعوة المتكررة من الولايات المتحدة للتفاوض تحت هذه الشروط رفضًا قاطعًا إذ يمكن اعتبارها مساومة حول القدرات الدفاعية الأساسية للبلاد و تهديدًا وجوديًا للأمن القومي الإيراني، فقد طورت إيران معادلة للأمن تعتمد على
الردع الذي يقلل من احتمالات قيام حرب تتورط فيها إيران بشكل مباشر بسبب ضعف القدرات العسكرية التقليدية لها، وبداخل هذه المعادلة تعتبر إيران أن قدراتها الصاروخية هي أداة الردع الرئيسية، إذ تسمح لها بضرب أهداف في جميع أنحاء الشرق الأوسط وربما حتى جنوب شرق أوروبا، وبالطبع يمكّنها من مهاجمة المنشآت الحيوية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إذا ماتعرضت للهجوم، الأداة الثانية في منظومة الردع الإيرانية لنقل المواجهات خارج أراضي إيران هي توسعها الإقليمي عبر وكلاء مسلحون، فتستطيع استغلال سوريا ولبنان وغزة، كنقاط انطلاق ضد إسرائيل في حالة الحرب، كما أنها تستخدم اليمن بالفعل ضد السعودية، إضافة إلى ربطها أمنها بأمن الطاقة العالمي وإمكانية إغلاق مضيق هرمز.
ولا تستجيب إيران للتفاوض تحت هذه الشروط فحسب، بل تضع شروطًا أخرى للتفاوض هي التزام الدول المتبقية بشراء النفط الإيراني وإيجاد آلية مالية للحصول على عوائد صادراتها، كما تعرض هذا في إطار الاتفاق النووي، أي لتفعيله والالتزام ببنوده لا لتعديله أو توقيع اتفاق جديد.
يعقّد الخيار الدبلوماسي على المدى القريب أيضا غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، وخصوصًا غياب ثقة الزعماء الإيرانيين وعلى رأسهم خامنئي في ترامب بعد انسحابه من الصفقة الأولى وإمكانية حدوث ذلك مجددًا، وكذلك انتقاد السعودية وإسرائيل لترامب إذا ما حاول تخفيف العقوبات ليدفع إيران باتجاه التفاوض وضغط الصقور في إدارته، إضافة إلى مايراه بعض المحللين من أن ترامب لا يعرف تمامًا ماالذي يريد الوصول إليه، فهذا التصعيد الهائل للعقوبات، والخطاب العدواني لكبار مسؤولي ترامب، وافتقاد الاتصال المباشر مع طهران يوحي بوجود هدف جوهري مختلف عن الأهداف المعلنة وهو انهيار النظام الإيراني أو استسلامه.، كما أن اقتراب الاستحقاق الرئاسي في إيران قد يكون دافعًا لروحاني وحكومته لاستمرار التعامل الندِّي مع واشنطن تماهيًا مع الاتجاه الغالب داخليًا بعدم الرضوخ لواشنطن تحت التهديد وسط انتقادات متصاعدة لإدارة روحاني ومساره الدبلوماسي الذي قاد إلى توقيع اتفاقية لم يلتزم بتطبيقها أيٌّ من الأطراف عدا طهران.
سيناريو استمرار الصمود الإيراني ثم التفاوض الجزئي على المدى المتوسط
يستبعد هذا السيناريو خيار التفاوض في الوقت الحالي، ويذهب إلى استمرار إيران في زيادة الضغط على الشركاء الباقين في الاتفاق وخصوصًا القوى الأوروبية للعودة لإيجاد طريق للخروج من الأزمة والعودة ولو جزئيا الى الاتفاق النووي ومكاسبه الاقتصادية وتمكّن إيران من بيع النفط وتحصيل عائداته ما يمنحها وقتًا وفرصة المناورة بعد الضرر البالغ غير المسبوق الذي طال اقتصادها إثر العقوبات، ويمكن قراءة إعلان إيران مؤخرًا تجاوز الحد المسموح به في تخصيب اليورانيوم ضمن هذا الإطار، كما يتضمن السيناريو استمرار إيران في محاولات الالتفاف على العقوبات وتخفيف وطأتها، مع استمرار التصعيد المحسوب في إطار الردع وكسب النقاط في مرحلة التفاوض اللاحقة، كما أشار إلى ذلك خامنئي حين ذكر أن التفاوض من موقف ضعف هو فخ وأن الملاذ الوحيد لبلد يقع تحت ضغط الولايات المتحدة هو استخدام “أدوات الضغط” الخاصة به لحث واشنطن على تغيير نهجها.
ويفترض هذا السيناريو صمود طهران لعام ونصف آخرين حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 ووصول إدارة ديمقراطية تتيح تتراجع واشنطن عن تمسكها بالشروط ال12 ويمكن التفاوض جزئيًا حول بعض الشروط وملفات محددة مثل المدى الزمني للاتفاق النووي، أو الوجود الإيراني في سوريا، أو الأزمة في اليمن، وأيضًا تسوية ملف الانسحاب الأميركي من أفغانستان والتفاوض مع طالبان، وربما يكون التبادل الأوّلي للأسرى الذي اقترحته طهران مدخلًا ممكنًا لتحقيق انفراجة دبلوماسية تكون نقطة انطلاق لإجراء محادثات أوسع بين الطرفين، أو جهود وساطة تقودها سلطنة عمان أو العراق أو الشركاء الأوروبيون.
وباستقراء المواقف الأولية للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية الرئاسية 2020، فمعظمهم ينتقد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وتعامله مع الأزمة عمومًاوعلى رأسهم جو بايدن، نائب أوباما السابق، كما أن استطلاعات الرأي الأولية أظهرت تقدم المرشحين الديمقراطيين على ترامب بعد إعلان ترشحه لولاية ثانية لكن من المبكر الحكم على احتمالات فوز ترامب أو خسارته.
يرجح اللجوء إلى التفاوض عدد من الأسباب منها ضعف مجموعة 4+1وقصورهم عن تخفيف أثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أي استحالة استمرار الاتفاق دونها عمليًا، والضرر البالغ الذي طال الاقتصاد الإيراني بعد توقيع العقوبات والتراجع الحاد في المؤشرات الاقتصادية والصعوبات المعيشية اليومية المتزايدة التي يبدو أن أساليب الالتفاف على العقوبات غير كافية حتى الآن لإمداد النظام بما يلزمه من موارد اقتصادية لمواجهتها، والخوف من أن تؤدي هذه الأوضاع إلى احتجاجات شعبية تهدد النظام على المدى الطويل، فحتى الآن يبدو أن النظام استغل حالة التصعيد الأمريكي للتغطية على الأوضاع الاقتصادية، ولشحن الجماهير وتعبئتها كما حدث عند إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية، أي النظام لايزال يحتفظ بشرعية معتبرة، ولديه من أدوات القمع مايمكّنه من مواجهة الاحتجاجات الشعبية بما لا يهدد وجوده، لكن يبقى الحفاظ على نظام الحكم الإيراني على رأس أولويات القيادة الإيرانية، وهو ما قد يدفعه باتجاه الحل الدبلوماسي لتجنب مواجهات عسكرية ضخمة أو انهيار اقتصادي كامل على المدى الطويل لا يمكن توقع ردّات الفعل الشعبية تجاهه.
أما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية فقد تتمثل أسباب اتجاهها لخيار التفاوض في فشل سياسة الضغط الأقصى في تحقيق أهدافها حتى الآن وانتقاد المجتمع الدولي لموقف الولايات المتحدة في خرق الاتفاقات متعددة الأطراف وتوتر علاقاتها مع الأوروبيين ورغبة الولايات المتحدة في تجنب تداعيات الحرب في الشرق الأوسط.
خاتمة
إذًا، يبقى الوضع على ماهو عليه في المستقبل القريب، أي خلال الأشهر القليلة القادمة، ما بين تمسُّك طهران بخطاب المقاومة وعدم التفاوض تحت الضغط، ورفع واشنطن لشدة إجراءاتها العقابية ضمن خطة الضغط الأقصى، ورد طهران بخطوات تصعيدية ربما تشمل إعادة تشغيل مفاعل آراك للماء الثقيل، وتقييد وصول ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها، والانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وزيادة المضايقات البحرية في مضيق هرمز، لكن هذه الخطوات- رغم ترجيح اتجاه ترامب إلى ضبط النفس تجنبًا لمواجهة مكلفة قبل الاستحقاق الانتخابي- قد تحمل خطر الدفع باتجاه ضربات أمريكية عقابية على إيران بضغط من صقور البيت الأبيض وحلفائه في الإقليم، ربما تنتهي بفتح قنوات للتفاوض والوساطة أو تنزلق إلى حرب شاملة كما أشرنا في السيناريو السابق، ويبقى تطور الأحداث في هذا السياق مرهونًا بمدى تطرف الإجراءات التصعدية التي قد تتخدها إيران للضغط على أطراف الاتفاق النووي الباقين للالتزام ببنوده وتيسير تحصيل إيران لمكاسبها منه، ومدى سعي الأطراف الوسيطة مثل عمان واليابان لإنشاء قناة بين الطرفين بهدف تجنُّب التصعيد العسكري.
قائمة المراجع
- “تدخل حيز التنفيذ خلال أيام.. الأوروبيون يقتربون من إطلاق آلية تجارية للتعامل مع إيران”، الجزيرة نت، 5 يوليو 2019،
- “تقريرالحالة الإيرانية أبريل 2019″، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، ص35
- “توظيف الضغوط: مآلات التصعيد الروسي ضدّ إيران في سوريا”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 19 مايو 2019،
- “نهدف لرفع حجم التبادل التجاري مع إيران إلى 30 مليار دولار”، رئاسة الجمهورية التركية، 20 ديسمبر 2018،
- “آفاق التصعيد العسكري في مياه الخليج”، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، 30 مايو 2019،
- “إيران تعلن شروطها للتفاوض مع الولايات المتحدة”، آر تي، 27 يونيو 2019،
- “إيران والصين في ظل العقوبات الأمريكية”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 12 دسمبر 2018،
- “بوتين ينصح إيران ويقول: روسيا ليست فرقة إطفاء”، القدس العربي، 16مايو 2019،
- “مركز أبحاث أميركي ينظر في ثلاثة سيناريوهات للتوتر مع إيران”، الجزيرة نت، 3 يوليو 2019،
- ابو القاسم، محمود حمدي،”التصعيد المتبادل بشأن الملف النووي: التوازنات الحاكمة لمسار الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 23 مايو 2019.
- أحمديان،حسن، “التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران؛ الأسباب والمآلات”، منتدى الشرق، 2 يونيو 2019،
- آل سعد، عائشة، “محددات السياسة الخارجية الإيرانية وأبعادها تجاه دول الخليج”،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، نوفمبر 2018.
- باكير، علي حسين، “لماذا تدعم تركيا اتفاق إيران النووي؟”، ترك برس، 15 مايو 2018،
- بدوي، تامر،”حملة الضغط الأقصى وتأثيراتها على الاقتصاد الإيراني”، مركز الجزيرة للدرسات، 26 مايو 2019، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/05/190526100155074.html#a42
- تقدير موقف، “الولايات المتحدة وإيران؛ ضغوط متصاعدة وحرب مستبعدة”، مركز الجزيرة للدراسات، 9 مايو 2019
- تقدير موقف،”مقاربات مزدوجة؛حسابات التدافع الأمريكي الإيراني”، مركز الجزيرة للدراسات، 14 مايو 2019،
- الجزيرة نت، ” ألموندو: ما موقف روسيا من العقوبات الأميركية على إيران؟”، 8 نوفمر 2018،
- جيمس سلادن، بيكا واسر، بن كونابل، سارة غران كليمان،” الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط”، مؤسسة راند، 2017،
- حجازي، عبد اللطيف، “دوافع رفض أنقرة انسحاب واشنطن من التفاق النووي مع إيران”، مركز المستقبل للأبحاث المتقدمة والدراسات، 10 مايو 2018،
- السعيد، محمد، “طبول الحرب تقرع؛لماذا يخشى العالم صورايخ إيران؟”، الجزيرة ميدان،
- الشاذلي، مصطفى ” ترامب رسميًا في انتخابات 2020 وهؤلاء أبرز منافسيه”، نون بوست، 19 يونيو 2019، https://www.noonpost.com/content/28201
- شرياعيتنيا، محسن، ” خطة العمل الشاملة المشتركة في أزمة: تأثيرات على العلاقات الصينية-الإيرانية”،منتدى الشرق، 25 مايو 2018،
- الشريف، عبدالله عيسى، “دوافع العلاقات الإيرانية التركية وأبعادها”، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 7 أغسطس 2018،
- الصمادي، فاطمة، “إيران وروسيا: شراكة أم تحالف استراتيجي؟”،مركز الجزيرة للدراسات، 22 مايو 2016،
- الصمادي،فاطمة،” في التصعيد الأميركي ضد إيران: أمن هش وسيناريوهات مكلفة”، مركز الجزيرة للدرسات، 24 يونيو 2019،
- عنبري، صابر كل، “العلاقات الإيرانية الروسية.. فرص التعزز ومخاوف الانفراط”، الجزيرة نت.
- ليلة، أحمد شمس الدين، ” الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة العقوبات الأمريكية: الآليات واحتمالات المستقبل”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 29 نوفمبر 2018
- وكالة الأناضول، ” ترامب يتعهد بفرض رسوم جديدة على واردات صينية”، 26 يونيو 2019،
- وكالة الأناضول،” الصين تتوقف عن استيراد النفط الإيراني بسبب العقوبات”، 28 مايو2019،
- وكالة أنباء فارس، “قائد الثورة: “صفقة القرن” ستؤول الى الفشل رغم أنف اميركا وعملائها”، 29 مايو 2019،
- وكالة رويترز، ” إيران تقول إن سينوبك الصينية قد لا تطور حقل يادافاران النفطي”، 2 مايو 2019،
- Can sezer,” Despite rhetoric, Turkey complies with U.S. oil sanctions on Iran”, Reuters, May 21,2019,
- CFR.org Editors, “The Return of U.S. Sanctions on Iran: What to Know”,council on foreign relations, August 6, 2018, https://www.cfr.org/article/return-us-sanctions-iran-what-know
- CZULDA,ROBERT,” Russia Is a Clear Winner in US-Iran Tensions”, MAY 28, 2019,
- Ellen R. Wald, “10 Companies Leaving Iran As Trump’s Sanctions Close In”,Forbes, Jun 6, 2018,
- Goldenberg, ilan, “What a War With Iran Would Look Like, foreign Affairs, June 4, 2019, https://fam.ag/2HW2Z9U
- Harris, Bryant ” 2020 Democrats vow to re-enter Iran nuclear deal”, Al-Monitor, March 19,2019,
- HARSH V. PANT, ABHIJNAN REJ, ” Beyond JCPOA: Examining the consequences of US withdrawal”, ORF special report, JUL 02 2018 https://www.orfonline.org/research/42050-beyond-jcpoa-examining-the-consequences-of-u-s-withdrawal/
- How not to miss it”, Brookings institution, june 19, 2019. https://brook.gs/2J6oAvN
- IMF, ISLAMIC REPUBLIC OF IRAN country data
- Inflation Rate Reached 82 Percent for Food and Drinks in Iran, May 22,2019, https://iranintl.com/en/iran-in-brief/inflation-rate-reached-82-percent-food-and-drinks-iran
- Jalilvand ,David Ramin “Back to Square One? Iranian Energy after the Re-Imposition of US Sanctions”, the oxford institute for energy studies, March 2019
- Kabalan,Marwan,” Is there a way out of the Iran-US crisis?”, Aljazeera,Jun 27,2019.
- Kinninmont, Jane” انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة وأثره في الشرق الأوسط”منتدى الشرق،5 يونيو 2018
- Leonid Issaev, Nikolay Kozhanov,” Will Russia back US’ maximum pressure on Iran?”,,Aljazeera English, June 13, 2019 https://bit.ly/2JnM8Oa
- Maloney, Suzanne ” There is an off-ramp in the U.S.-Iran crisis
- Mehta, Ketan,” Beyond JCPOA — China”,ORF, JUL 21 2018, https://bit.ly/2xydaLY
- Pieper M. (2019) An Iran Nuclear Deal Without the United States? Chinese, European, and Russian Interests and Options After the US Withdrawal from the Joint Comprehensive Plan of Action. In: Yu FL., Kwan D. (eds) Contemporary Issues in International Political Economy. Palgrave Macmillan, Singapore, pg.36 https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-981-13-6462-4_2#citeas
- Ritchie ,Hannah, ” Iranian protesters defiant in the face of ‘worst’ crackdown in a decade”, CNN, February 11,2019 https://edition.cnn.com/2019/02/11/middleeast/iran-crackdown-protesters-intl/index.html
- Segal, Stephanie,” The Economic Impact of Iran Sanctions”, Center for Strategic and International Studies, November 5, 2018, https://www.csis.org/analysis/economic-impact-iran-sanctions
- Karadeniz, Tulay, ” Turkey looking at new trade mechanisms with Iran to avoid U.S. sanctions” ,Reuters April 17,2019. https://bit.ly/2xxXUib
- WILLIAM J. BURNS, JAKE SULLIVAN, “We Led Successful Negotiations With Iran. Trump’s Approach Isn’t Working. Carnegie Endowment For Intl Peace, May 16,2019, https://bit.ly/2Qa76S6
- World Bank, “Iran’s Economic Update – April 2019”, April 2019 https://www.worldbank.org/en/country/iran/publication/economic-update-april-2019
- World Bank, Germany exports, imports and trade balance By Country 2017, https://bit.ly/2S4Zj97
- “World leaders react to US withdrawal from Iranian nuclear deal”,Aljazeera,May 9,2018, https://bit.ly/2I3kDKq
- “2019 Third-Quarter Forecast”,Stratfor, Jun 17, 2019, https://bit.ly/2G1KS0R