فريق التحرير : د. أحمد حسين ـ محمد عبد العاطي ـ عبد الرحمن محمد ـ جهاد عبد المجيد
الفهرس
مقدمة
الدفتر السياسي
– تغير موقف النظام إزاء حماس والملف الفلسطيني
– زيارة السيسي لجيبوتي وانعكاسها على أزمة سد النهضة
– التقارب المصري التركي ودواعيه
الدفتر الاقتصادي
– عشوائية إدارة أزمة التعويضات المطلوبة من السفينة “ايفر غيفين”
– أبعاد تنفيذ تصفية شركة الحديد والصلب
الدفتر التشريعي
– مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
الدفتر الفكري والثقافي
– شيخ الأزهر وتجديد الخطاب الديني
– تعليم اللغة الصينيَّة في مصر
الدفتر الإعلامي
– إعادة هيكلة لسوق الإعلام المصري
– دور سعودي في الهيكلة الإعلامية الجديدة
– تفاعل الإعلام مع العدوان على غزة
مقدمة
كان شهر مايو/ أيار الماضي مليئًا بالأحداث على الساحة المصرية، فقد شن الاحتلال عدوانًا جديدًا على قطاع غزة، تفاعل معه النظام المصري بشكل بدا مفاجئًا للبعض. كما زار رأس النظام، عبد الفتاح السيسي، دولة جيبوتي في وقت تزداد فيه قضية سد النهضة تأزمًا. ومن جهة أخرى، بدأ الطرفان التركي والمصري أخذ خطوات عملية في إطار التقارب بين البلدين.
أما في الدفتر الاقتصادي، فرغم أن سفينة “ايفر غيفين” التي كانت جانحة في قناة السويس تم تعويمها منذ أشهر، إلا أن أزمتها ما زالت مستمرة، بسبب عشوائية النظام في إدارة أزمة التعويضات. كذلك، نفذ النظام المصري قراره بتصفية شركة الحديد والصلب، ونحاول في هذا الإطار رصد أبعاد هذا القرار.
وعلى الجانب التشريعي، فنرصد لكم مشروعات القوانين التي أقرها مجلس نواب النظام طيلة شهر مايو/ أيار الماضي. وفيما يخص الحالة الثقافية، فقد صدرت تصريحات عن شيخ الأزهر حول التراث وأهميَّة التجديد، ثار جدل حولها. كذلك، أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارًا بتدريس اللغة الصينيَّة لطلاب الصف الأوَّل الإعدادي. ونرصد لكم الموضوعين بشيء من التفصيل في الدفتر الفكري.
أما عن الدفتر الإعلامي، فقد حدثت تغييرات في تركيبة سوق الإعلام المصري، عقب اتهامات بالفساد للقائمين على الشركة المتحدة التي تسيطر على الإعلام في مصر. ويبدو أن السعودية ستلعب دورًا بارزًا في الهيكلة الإعلامية الجديدة. وعلاوة على ذلك، نرصد رد فعل الإعلام المصري خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وحدود رسالته الإعلامية.
لقد تضمن شهر مايو/ أيار الماضي العديد من التطورات البارزة فيما يتعلق بالملامح العامة للسياسة الخارجية المصرية والاستراتيجيات المتبعة تجاه القضايا الإقليمية وأبرزها الملف الفلسطيني، وملف الطاقة في شرق المتوسط، وملف سد النهضة، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بعلاقات النظام المصري مع دول الجوار لما لها من آثار وتداعيات على تلك الأزمات.
وقد تكثفت ملامح تحولات واضحة في السياسة الخارجية المصرية منذ بداية هذا العام خاصة تجاه تركيا وليبيا إلا أن شهر مايو/ أيار شهد تطورات بارزة ومحاولات ناجعة تجاه تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة تضمنت زيارة وفد تركي إلى مصر، وتصريحات ثنائية إيجابية، مما سينعكس على ملف غاز المتوسط وكذلك الملف الليبي.
كما شهد تحولًا بارزًا في ملامح السياسة الخارجية تجاه حماس والقضية الفلسطينية مما ينبئ بتقارب أكبر بين النظام المصري وحركة حماس حيث دعت القاهرة، إسماعيل هنية، إلى زيارة مصر بعد نجاحها في تطبيق الهدنة ووقف إطلاق النار على غزة. علاوة على ذلك، لقد قام السيسي بزيارة رسمية إلى جيبوتي مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان النظام المصري سيغير سياسته في التعامل مع أزمة السد الإثيوبي.
تغير موقف النظام المصري إزاء حماس والملف الفلسطيني
حمل شهر مايو/ أيار الماضي مواقف مصرية مغايرة إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين ابتداء من أحداث التهجير القسري من حي الشيخ جراح المجاور للمسجد الأقصى، إلى قصف الاحتلال لقطاع غزة، حيث لم تقتصر مواقف مصر على الإدانات الدبلوماسية بل ارتفعت حدة الخطاب الدبلوماسي الخارجية المصري تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.
فقد وصف سامح شكري وزير خارجية مصر ما يجري في الأراضي الفلسطينية ب العدوان الذي يجب أن يتوقف على الفور[1]. كما قامت مصر بفتح معبر رفح الحدودي مع غزة لإدخال سيارات إسعاف إلى القطاع، بهدف نقل المصابين جراء القصف الإسرائيلي إلى المستشفيات المصرية. ذلك بالإضافة إلى دعم القاهرة العلني للمقاومة الفلسطينية بعد سنوات من القطيعة.
كذلك، نجحت مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وقطر إلى التوصل إلى اتفاق الهدنة[2] ووقف إطلاق النار بعد 11 يوما من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر وجاء ذلك في إطار تطبيق عملية السلام. علاوة على ذلك، عقب إعلان وقف إطلاق النار على غزة، أعلنت القاهرة عن تخصيص مبلغ قيمته 500 مليون دولار بهدف المساهمة في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، ذلك إلى جانب قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في التنفيذ.[3]
ولكن يثير دور مصر المغاير في الملف الفلسطيني العديد من التساؤلات بعد ما اتخذته القاهرة من تحولات وقرارات غير مسبوقة إزاء ما يجري في قطاع غزة.
أثيرت تساؤلات حول دور مصر في الملف الفلسطيني بعد ما اتخذته الدولة المصرية من قرارات غير مسبوقة إزاء ما يجري في قطاع غزة. فهل تشير ردود الأفعال المصرية الساخنة إزاء الاعتداءات الاسرائيلية والمناصرة للمقاومة إلى تغير في محددات السياسة الخارجية المصرية مع “إسرائيل”؟ كذلك هل يشير موقف مصر المناصر للمقاومة الفلسطينية بشكل واضح للمرة الأولى في عهد نظام السيسي إلى أن النظام يحاول استعادة زمام الملف الفلسطيني والعودة إلى الساحة بقوة مرة أخرى؟ وما مصلحة النظام المصري في تغيير سياسته تجاه القضية الفلسطينية في ذلك التوقيت ؟
تعد القضية الفلسطينية بالنسبة للدولة المصرية قضية أمن قومي مصري تلقي على عاتق أي نظام مصري العديد من المسؤوليات تجاه تلك القضية، وذلك على الرغم من معاهدة السلام التي وقعها الرئيس السابق، محمد أنور السادات مع دولة الاحتلال. بيد أن نظام السيسي اتخذ موقفًا مغايرًا تجاه القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول.
حيث شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تنسيق رسمي رفيع المستوى بين البلدين. حيث قام وزير الخارجية المصري بزيارة رسمية إلى إسرائيل كما زار وزير الطاقة الاسرائيلي مصر خلال السنوات الأخيرة. لكن ذلك التنسيق الرسمي لم يرتقي إلى مستوى التطبيع العلني بسبب الممانعة الشعبية. غير أن تقارب النظام المصري مع الحكومة الإسرائيلية لم يكن في صالح النظام المصري على جميع المستويات، وكان له العديد من الآثار السياسية والاقتصادية السلبية، أبرزها تراجع دور مصر الريادي في المنطقة.
لذا يعتقد أن هذه التحولات في السياسة الرسمية المصرية جاءت في إطار محاولة مصر إحكام قبضتها مرة أخرى على الملف الفلسطيني من خلال الضغط على “إسرائيل” ورفع حدة الخطاب السياسي ضد الاحتلال بالإضافة إلى التواصل السياسي والمخابراتي مع مختلف الفصائل السياسية الفلسطينية ولعب دور فعال كوسيط تاريخي بين الأطراف. مما سيمكن مصر من استعادة دورها الريادي في القضية الفلسطينية، وكذلك من إعادة التموضع الاستراتيجي لمصر في الإقليم بعد انعكست التقديرات الخاطئة فيما يتعلق بالسياسات المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك القضايا الإقليمية الأخرى في تراجع دورها الإقليمي ومكانتها في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، وجود تصعيد إسرائيلي في قطاع غزة يضر بالأمن القومي المصري وذلك بسبب مجاورة سيناء لقطاع غزة المحاصر مما يؤدي إلى توتر الأجواء والانفلات الأمني في سيناء وتزايد العمليات الإرهابية بها. لذلك يستهدف التحول في الموقف المصري إزاء الملف الفلسطيني الحفاظ على الأمن القومي المصري، واستعادة دور مصر الريادي في المقام الأول بعد أن تراجعت إثر تزايد جهود تركية قطرية في لعب دور فعال في القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، تتبع القاهرة منذ تولي السيسي الحكم موقفًا أكثر دفئًا تجاه دولة الاحتلال، وكان تنشيط العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية لاعتبارات اقتصادية تتعلق بملف الطاقة في شرق المتوسط وليس لاعتبارات سياسة في الأساس. حيث يرى النظام المصري إسرائيل هي السبيل الوحيد لتحقيق مكاسب اقتصادية من الثروات النفطية الهائلة التي تمتلكها مصر في شرق المتوسط، والتي تريد من خلالها مصر أن تكون مركزا إقليميا للطاقة.
وذلك بعد أن شهدت العلاقات المصرية التركية توترًا كبيرًا إزاء المواقف التركية من أحداث عام 2013 والتي أدت إلى تدخل مصر في مبادرات جمعت بينها وبين إسرائيل قد حرصت على استبعاد تركيا من معادلة تحالفات الطاقة التي تشكلت في شرق المتوسط، وبذلك صارت تل أبيب بدلًا من أنقرة هي سبيل مصر الوحيد لتصدير الغاز المصري إلى أوروبا وآسيا.
بيد أن موجات التطبيع الأخيرة بين الدول العربية وعلى رأسهم الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي قلب المعادلة وشكل تهديدًا حقيقيًا للمصالح المصرية. حيث مهد تطبيع الإمارات للعديد من الاتفاقيات بين أبو ظبي وتل أبيب فيما يتعلق بملف الطاقة في شرق المتوسط. فقد قامت الإمارات بعقد اتفاقية مع إسرائيل تقضي بإنشاء خط أنابيب لنقل النفط بين مدينة إيلات وميناء عسقلان[4] وذلك بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا مما يشكل تهديدًا كبيرًا على قناة السويس المصرية وسيضر بالاقتصاد المصري على المدى البعيد إن لم يكن على المدى القريب.
لذلك يعتقد أن تحول الموقف المصري إزاء الاعتداءات الاسرائيلية في فلسطين هو محاولة جادة تهدف إلى الحول بين اقتحام الدول العربية المطبعة للمشهد السياسي مع إسرائيل من خلال الرمي بثقلها الدبلوماسي لوقف التصعيد الإسرائيلي ووقف إطلاق النار على قطاع غزة. كذلك، تحاول مصر استغلال علاقتها القوية بالفصائل الفلسطينية في الضغط على إسرائيل إثر تأييدها للجانب الإثيوبي في سد النهضة، والذي يمثل تهديدًا كبيرًا على الأمن القومي المصري. حيث يدرك النظام المصري حجم النفوذ الإسرائيلي في إثيوبيا بسبب المساعدات العسكرية الإسرائيلية لأديس أبابا[5] لذا يريد أن يستخدم القضية الفلسطينية بشكل عام، وقصف غزة بشكل خاص، كورقة للضغط على إسرائيل بهدف الحصول على دعم منها في أزمة سد النهضة كوسيط بينها وبين إثيوبيا مما قد يساعد على الوصول إلى حل تفاوضي واتفاقية تقسيم عادل لحصص مياه النيل وذلك في إطار الخروج من الأزمة.
كذلك، يعتقد أن تغير الموقف المصري إزاء الملف الفلسطيني ومراجعتها لسياساتها مع إسرائيل يرتبط بشكل وثيق مع التقارب المصري التركي الذي يلوح في الأفق. وذلك في إطار سعي النظام المصري للتعاون مع الدولة التركية فيما يتعلق بقضية الطاقة في شرق المتوسط، وذلك بعد تعاون الإمارات مع إسرائيل ومشروع خط أنابيب إيلات عسقلان المقترح الذي يهدد كل من المصالح المصرية والتركية. وبالتالي ينبع تقارب النظام مع حماس والتحولات التي طرأت على مواقفه من الملف الفلسطيني من مصالح الدولة المصرية في المنطقة.
زيارة السيسي لجيبوتي وانعكاسها على أزمة سد النهضة
قام السيسي بزيارة رسمية إلى جيبوتي في أواخر شهر مايو/أيار الماضي، وتعد الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس مصري إلى جيبوتي.[6] وتضمنت الزيارة النقاش حول العديد من الملفات الهامة أبرزها أزمة سد النهضة الإثيوبي وأمن البحر الأحمر وباب المندب واستقرار إقليم القرن الأفريقي والقضية الفلسطينية فضلا عن تعزيز التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بين البلدين.
وتأتي تلك الزيارة في وقت حرج تفاقمت فيه أزمة السد الإثيوبي بسبب تعنت أديس أبابا في الجلوس على الطاولة وعدم قدرة النظام المصري على التوصل إلى حل لأزمة سد النهضة قبل بدء إثيوبيا عملية الملء الثاني السد. ولقد أثارت زيارة السيسي في ذلك التوقيت التساؤل حول ما إذا كان النظام المصري يحاول الضغط على إثيوبيا من خلال تعزيز دائرة علاقاته مع دول حوض النيل والقرن الإفريقي؟ ولماذا جيبوتي بالتحديد الآن؟
وبعد محاولات عديدة من قبل مصر والسودان لإيجاد حل للأزمة سواء عن طريق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين والتقارب السياسي والاقتصادي أو عن طريق طلب العون من بعض الوسطاء الدوليين وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، لجأت مصر إلى تنشيط علاقتها مع دول حوض النيل من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الأمني والعسكري مع نظرائها من الدول الأفريقية، وذلك بهدف حشد القاهرة مواقف دول المنطقة إلى جانبها، في مواجهة إصرار أديس أبابا على عرقلة المفاوضات الثلاثية.
حيث وقعت مصر اتفاقيتين مع أوغندا و بوروندي حول تبادل المعلومات العسكرية بين الطرفين.[7] لكن يذكر أن كل من أوغندا وبوروندي، تلك الدولة الصغيرة، لا تمثل ثقل لموقف مصر في الأزمة كما أنهما لا يشتركا في حدودهما مع إثيوبيا مما يشكك في فعالية تلك الاتفاقيات. كذلك شهد شهر مايو/ أيار زيارة لرئيس الكونغو إلى القاهرة تضمنت الحديث عن أزمة السد الإثيوبي ودور الكونغو في حل الأزمة.
أما جيبوتي تمثل أهمية بالغة بالنسبة لإثيوبيا فهي تقع على الطرف الإفريقي لباب المندب، والذي يزيد من أهمية موقعها من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للعديد من الدول الكبرى، مثل فرنسا والصين، وكذلك بالنسبة لإثيوبيا التي لا تمتلك أي موانئ وتحتاج لجيبوتي لتمرير ما يقرب من 95 % من إجمالي حجم تجارتها الخارجية من خلال موانئها[8]. وبالتالي تمثل جيبوتي أهمية بالغة بالنسبة لأديس أبابا مما قد يسمح القاهرة استغلال ذلك الجانب للضغط على أديس أبابا.
وقد سبق واتفق السيسي ورئيس جيبوتي على ضرورة تسوية قضية سد النهضة للحول ما بين حدوث أي أثر سلبي على أمن واستقرار المنطقة وذلك خلال اتصال هاتفي في أبريل/ نيسان الماضي. كما سبق طرح مشروع إقامة منطقة حرة لوجستية مصرية في جيبوتي من قبل وزير خارجية مصر في عام 2019، وقد جرت مباحثات بين الدولتين آنذاك تضمنت إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة بالإضافة إلى الحديث عن قضية سد النهضة وقضايا إقليمية أخرى. ولكن ذلك المشروع لا زال محل البحث.
علاوة على ذلك، لقد جاءت زيارة السيسي إلى جيبوتي بعد زيارته الرسمية لفرنسا التي تمتلك العديد من القواعد العسكرية بجيبوتي نظرا لموقعها الاستراتيجي على باب المندب. وتعد زيارته إلى جيبوتي في هذا التوقيت نوع من أنواع الضغط المعنوي على الجانب الإثيوبي. حيث يذكر أن حجم القوة العسكرية لجيبوتي إذا ما قورن بأديس أبابا فهو ليس بالكبير على الإطلاق مما يشكك في قدرتها على الضغط عليها من الناحية التجارية.
لكن يبقى تأثير تقارب النظام المصري مع جيبوتي أكبر بكثير من تأثير الاتفاقيات المذكورة سابقا التي أجريت مع دول حوض النيل الأخرى حتى الآن. وعلى الصعيد الآخر، تشير تلك الزيارة إلى عجز النظام على التعامل مع أزمة سد النهضة مما يجعله في أعقاب تغيير سياسته المتبعة في التعامل مع الأزمة.
التقارب المصري التركي ودواعيه
بعد سنوات من القطيعة بين مصر وتركيا ظهرت بوادر تطبيع العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة. إلا أن شهر يناير شهد تطورا بارزا على مستوى العلاقات المصرية التركية. إذ أن وفدا تركيا يرأسه مساعد وزير الخارجية التركي سادات أونال قام بزيارة رسمية إلى مصر ملبيا دعوة القاهرة بهدف مناقشة وتحديد الخطوات الواجب اتخاذها لتطبيع العلاقات بين البلدين على الصعيدين الثنائي والإقليمي[9].
كما صدر بيان من الخارجية المصرية في مطلع شهر مايو/أيار مؤكدا بدون الوفد التركي على خلفية إجراء مشاورات سياسية ثنائية تستهدف تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة. وأشار بيان تركي من قبل وزير الدفاع التركي إلى أن “العلاقات مع القاهرة ستصل إلى مستويات رفيعة قريبا”.[10] وذلك بعد توتر طال ٧ سنوات إثر موقف تركيا التي اتخذته ضد النظام المصري بعد أحداث 2013 والتي لحقها إعلان القاهرة بأن وجود السفير التركي أضحى “غير مرغوب فيه” مما أدى إلى تراجع العلاقات بانضمام القاهرة لتحالفات معادية لأنقرة في العديد من القضايا الإقليمية البارزة وأهمها الملف الليبي وقضية غاز شرق المتوسط.
بيد أن تطبيع الإمارات العلاقات مع إسرائيل شكل عائقا كبيرا أمام طموح القاهرة لأن تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة من خلال استغلال موارد الغاز الهائلة في شرق المتوسط. وبذلك أضحى تحسين العلاقات بين مصر وتركيا ضرورة استراتيجية لكل من الطرفين وخاصة القاهرة للحفاظ على حقوقها في شرق المتوسط والتي تتطلب الوصول إلى اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع أنقرة بشكل عاجل.
حيث تمتلك أنقرة أطول ساحل في شرق المتوسط وتمتلك مصر ثالث أطول ساحل كما أن الأخيرة تمتلك أكبر ثروة من الغاز الطبيعي في المنطقة أي أن تعاون البلدين معًا سيشكل جبهة ثنائية قوية جدا أما الجبهة المضادة في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل وحليفها الجديد الإمارات. كما ستتمكن مصر من تصدير مواردها من الغاز الطبيعي من خلال تركيا إلى أوروبا عن طريق تسييل الغاز باستخدام محطات الإسالة وأنابيب الغاز التي تربط تركيا بالقارة الأوروبية المتعطشة للغاز الطبيعي.
كذلك، ستساهم تطبيع العلاقات بين البلدين في تطوير العلاقات الثنائية على الجانب الاقتصادي بداية من المشاريع المتعلقة بالطاقة إلى المشاريع التجارية الأخرى وغيرها مما قد يساعد على تسريع عجلة الاقتصاد المصري خصوصًا أن النظام المصري يمر بفترة ركود اقتصادي كبير. علاوة على ذلك، ستتمكن القاهرة من تنسيق الملف الليبي وذلك في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وبالتالي تعزيز الأمن القومي للقاهرة.
لكن لازالت هناك قضية خلاف أساسية بين البلدين فيما يتعلق بموقف أنقرة تجاه سلوك النظام المصري مع المعارضين وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية. بيد أن تحولات ومواقف القاهرة في الفترة الأخيرة إزاء أنقرة وكذلك فيما يتعلق بالملف الليبي وملف غاز المتوسط تشير إلى أنها ستنحي قضية الخلاف هذه على الجانب، وتقوم بتطبيع العلاقات مع تركيا في سبيل الحفاظ على مصالح الدولة المصرية وأمنها القومي واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كان الشأن السياسي طاغيًا على مجريات الأحداث في مصر خلال مايو 2021، وبخاصة قضايا تطورات سد النهضة، والدور المصري في إدارة الملف الفلسطيني، بعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، ولكن بقيت قضايا الشأن الاقتصادي حاضرة وبقوة أيضًا، وبخاصة ما يتعلق بالقرارات الحكومية الخاصة بالتعويض المقدر في أزمة السفينة “ايفر غيفين”، أو في تفعيل قرار التصفية الخاص بشركة الحديد والصلب.
وتأتي أهمية تناول هذين الموضوعين دون سواهما من القضايا الاقتصادية الأخرى التي تعيشها مصر، من كون اهتزاز صورة ومكانة مصر في شأن القضية الأولى، وتداعيات العشوائية في اتخاذ قرار يخص آخرين، خارج القطر المصري، ولديهم مساحة للحركة أمام المؤسسات الدولية، وكذلك في تقديم صورة في وسائل الإعلام العالمية، قد يكون لها أثرها السلبي على وضع الاقتصاد المصري.
أما القضية الثانية، فعكست مدى خطورة تنفيذ قرار التصفية لشركة الحديد والصلب لما له من آثار على الصناعة بشكل عام، كون الحديد ومكوناته من متطلبات كثير من الصناعات الأخرى، وكذلك احتياجات مصر بشكل عام من منتج حديد التسليح، لما تقتضيه مشروعات الإسكان، أو مشروعات التنمية الأخرى، وبخاصة أن الحكومة، تعلن كثيرًا عن خطتها لزيادة معدلات النمو الاقتصادي، كمستهدف خلال الفترة القادمة ليصل إلى 7%.
عشوائية إدارة أزمة التعويضات المطلوبة من السفينة “ايفر غيفين”
العشوائية في إدارة المؤسسة الحكومية، من السلبيات الكبيرة، التي تعطل النمو الاقتصادي وتضيع العديد من الفرص، وتهدر الموارد، وإذا كنا بصدد مشكلة تخص مرفق عالمي كبير بحجم قناة السويس، فنحن أمام أزمة كبيرة، لأن موارد الهيئة العامة لقناة السويس، تعد واحدة من أكبر الموارد الرئيسة للنقد الأجنبي بمصر.
حيث تدر قناة السويس من خلال رسوم العبور بها، قرابة 5.5 مليارات دولار سنويًا، ومعلوم حجم اعتماد مصر على موارد النقد الأجنبي من موارد خارجية ريعية من بينها قناة السويس، وأهم هذه الموارد هي (تحويلات العاملين بالخارج، وعوائد بيع البترول الخام، وموارد قطاع السياحة، ورسوم المرور بقناة السويس).
وكانت هيئة قناة السويس، في أوائل أبريل 2021، وبعد أن تم تعويم السفينة الجانحة بالقناة “ايفر غيفين” لمدة 6 أيام، قد أعلنت أنها ستحصل على تعويضات بقيمة 916 مليون دولار من الشركة المالكة للسفينة، إلا أن الأمور لم تسيير وفق هذه التقديرات، لأن الشركة المالكة للسفينة أعلنت أن المبلغ المقدر للتعويضات مبالغ فيه.
وكانت هيئة قناة السويس، قد بينت أن تحديدها لقيمة التعويض تمت بناء على تقدير لبنود محددة، منها تكاليف أعمال إنقاذ السفينة “ايفر غيفين” من استخدام كافة الوحدات البحرية، وكذلك مكافأة الإنقاذ، وهو أمر ينص عليه القانون البحري المصري، ويتم تحديد هذه المكافأة بناء على قيمة البضائع المحملة على السفينة، كما أنه أثناء عملية الإنقاذ تم غرق أحد اللنشات، وتوفي أحد الأشخاص، وكان البند الأخير والمهم في قيمة التعويض، الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بسمعة قناة السويس، وتعطُل حركة الملاحة لمدة 6 أيام بسبب جنوح السفينة[11].
وفي ضوء رفض الشركة المالكة للسفينة لدفع هذه التعويضات، بعد أن رُفض طعنها على الحكم الصادر ضدها من أحد المحاكم المصرية بدفع التعويض، أعلنت قناة السويس عن تخفيض قيمة التعويضات إلى 550 مليون دولار. أي أنه تم تخفيض التعويض بنسبة تقترب من 40% من مبلغ التعويض الأصلي وهو 916 مليون دولار.
وطالبت هيئة قناة السويس، بأن يتم دفع مبلغ التعويض، بعد تخفيضه، على دفعات، منها 200 مليون دولار كدفعة مقدمة، وباقي المبلغ المقدر بـ 350 مليون دولار، يتم سداده بموجب خطابات بنكية من أحد البنوك ذات الملاءة المالية العالية، وهو عرض لم تقبل به الشركة المالكة للسفينة أيضًا[12].
وقد بين جورج صفوت المتحدث باسم هيئة قناة السويس، أن سبب التخفيض يعوض إلى أن الشركة المالكة للسفينة، كانت قد أفادت بأنها لا تملك بيانًا بالبضائع المحملة على السفينة، ولذلك تم تقديرها وتحديد قيمة التعويض السابق، ولكن بعد أن قدمت الشركة المالكة بيانًا بالبضائع المحملة على السفينة، تم تخفيض التعويض المطلوب لأنه مرتبط بحجم البضائع الموجودة على ظهر السفينة[13].
- التقدير العشوائي
التقدير العشوائي في إدارة أزمة السفينة التي جنحت بقناة السويس، تتمثل في طريقة تعامل إدارة هيئة القناة مع الأزمة، من حيث عدم الشفافية منذ اللحظات الأولى، ثم تصريحات الفريق أسامة ربيع رئيس الهيئة وسائل الإعلام، أن مصر سوف تحصل على تعويضات تقترب من مليار دولار، وهو ما يعني أن التعويض سبق تقديره من جهة واحدة، بينما قواعد التعامل في هذه الأزمات، أن يتم الحوار مع الطرف الآخر، للاتفاق على قواعد التعويضات، وبخاصة أن البند المهم في قيمة التعويض المقدرة من الجانب المصري، تعتمد على مكافأة الانقاذ. وحتى نعلم بالفجوة بين تقدير هيئة قناة السويس، والشركة المالكة للسفينة، فقد نشر أن الشركة المالكة قد عرضت تعويضًا بقيمة 150 مليون دولار فقط[14]، وهو ما يدفعها إلى عدم قبول التقدير المصري، الذي يقترب من 4 أضعاف الذي قدرته الشركة المالكة.
الأمر الثاني، أن مصر لم تنتظر للحصول على بيان من الشركة المالكة يوضح على وجه الدقة البضائع الموجودة على ظهر السفينة، حتى يتم ما يخص مكافأة الانقاذ على وجه الدقة، وحتى لا يظهر بأن القضاء المصري قد اعتمد على تقديرات جزافية، وهو أمر بالغ الأهمية، وقد يعمل على عدم مصداقية وشفافية القضاء المصري من جهة، ومن جهة ثانية أن تخفيض قيمة التعويض بنسبة تصل إلى 40%، بناء على تقدير غير سليم لحجم البضائع الموجودة على ظهر السفينة، قوت من حجة الشركة المالكة، لإعادة النظر في قيمة التعويض، فقد تكون نسبة الخلاف ما بين 5% أو 10%، أما أن تصل إلى 40%، فقد أظهر إدارة هيئة قناة السويس، بأنها لا تتمتع بالدقة المطلوبة في إدارة مرفق عالمي مهم مثل قناة السويس.
ولكن إذا أقدمت هيئة قناة السويس على اتخاذ قرار بتخفيض قيمة التعويض مرة أخرى، ليكون أقل من 550 مليون دولار، فسيكون ذلك أكبر مظاهر التخبط في اتخاذ القرار، ويظهر الهيئة وكأنها مؤسسة بعيدة عن الشفافية، وسيرسخ لآلية جديدة للتعامل من قبل الأجانب والعملاء الدوليين ليس فقط مع هيئة قناة السويس، ولكن في كل ما يتعلق بتقديرات من قبل الحكومة المصرية، وبخاصة أن قرار تخفيض قيمة التعويض من 916 مليون دولار إلى 550 مليون دولار، أتى بعد رفض محكمة مصر للطعن المقدم من الشركة المالكة للسفينة.
- أبعاد تنفيذ تصفية شركة الحديد والصلب
مع نهاية مايو 2021، تم إيقاف العمل في شركة الحديد والصلب، والتي تم اتخاذ قرار تصفيتها من قبل الجمعية العمومية غير العادية في يناير 2021، وعليه وحد العمال لافتة على واجهة الشركة، تخبرهم بأن نهاية مايو هو آخر يوم لحضور العمل لمقر الشركة، حيث تم إيقاف الأفران بالشركة، وباقي المرافق التي كانت تتم من خلالها عملية الإنتاج.
ويستعد العمال -الذين يصل عددهم لنحو 7500 عامل- لجولة جديدة مع القائم على أمر تصفية الشركة، حول حقوقهم في تصفية أوضاعهم، وحسب تقديرات هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، فإن تعويضات العاملين بشركة الحديد والصلب ستكون بحدود 2 مليار جنيه، وأنه تم تدبير هذا المبلغ بالفعل، وبخصوص الشركة الجديدة التي تم انشائها تحت مسمى “شركة الحديد والصلب للمناجم والمحاجر” فستستفيد من 400 عامل فقط من العمالة الموجود بالشركة التي تم تصفيتها[15].
وبعد أن أوصدت الشركة أبوابها في وجه العمال، أعلنت “دار الخدمات النقابية والعمالية” أن العمال طالبوا بتعويضات تتمثل في مكافأة شهرين عن كل عام، وبما لا يقل عن 450 ألف جنيه مصري كحد أدنى، ودون وجود حد أقصى. إلا أن اللجنة النقابية بالشركة كانت قد قد طالبت من قبل بقيمة تعويضات مادية للعمال، تتمثل في 400 ألف جنيه كحد أدنى و700 ألف جنيه كحد أقصى، وذلك مع بقاء الاستفادة من خدمات التـأمين الصحي، وحقوق العمال في صندوق الزمالة، وصرف مقابل لرصيد الأجازات[16].
وفي مواجهة مطالب العمال، فإن وسائل الإعلام نقلت عن وزارة قطاع الأعمال، أن تعويضات العمال بشركة الحديد والصلب، ستتراوح ما بين 225 ألف جنيه و450 ألف جنيه[17]، وهي تقديرات تصل تقريبًا لنحو نصف ما يطالب به العمال.. وفي النهاية سيتوقف الأمر على جهود العمال وتوحيد جهودهم، ووجود جهة واحدة للتفاوض مع الحكومة للحصول على أكبر قدر ممكن من التعويضات، ولكن قد تتحجج الحكومة، بأزمتها المالية، وأن الشركة حققت خسائر متراكمة بحدود 7 مليارات جنيه مصري.
ولا ينبغي أن ينظر لحقوق العمال بشركة الحديد والصلب على مجرد البعد المالي، فهناك مشكلات حقيقية، في استيعاب هذا العدد من العمال والمهندسين والإداريين، من قبل شركات القطاع الخاصة العاملة في نفس المجال، وقد تكون هناك شريحة من المهندسين أو الإداريين يمكنها الدخول في سوق العمل مرة أخرى، سواء في نفس التخصص، أو في مجالات أخرى.
وترتكب الحكومة نفس الأخطاء التي مارستها منذ بداية تنفيذ برامج الخصخصة في مطلع التسعينيات، حيث تترك العمالة التي يتم تسريحها لتصرفاتها الشخصية، دون المساعدة في تقديم برامج لإعادة التأهيل، أو تقديم نماذج لمشروعات صغيرة، سواء كانت تصلح لفرد، أو مجموعة أفراد، فالتجربة في مصر من خلال من تم تسريحهم في المعاش المبكر داخل أروقة الجهاز الإداري الحكومي، أو خصخصة شركات قطاع الأعمال العام، أن العمالة التي يتم تسريحها صرفت مبالغ المكافآت أو التعويضات في تدبير احتياجات اجتماعية، مثل زواج الأبناء، أو وضع جزء من هذه المكافآت في الحسابات البنكية الخاصة بهم، ثم اللجوء بعد ذلك في البحث عن عمل، وكانت الغالبية منهم حظها الانضمام إلى صفوف العاطلين.
- إشكاليات التصفية
لا تعد قضية العمالة فقط هي الإشكالية الوحيدة التي تواجه تنفيذ قرار التصفية لشركة الحديد والصلب، والتي استمرت قرابة 67 عامًا في العمل والإنتاج، ولكن هناك إشكاليات تتعلق بالتصرف في العدد والآلات، والأراضي والعقارات. وبخصوص العدد والآلات، فهي بلا شك سوف تتعرض لعمليات تقدير للتصرف فيها، وثمة مخاوف أن تتم عمليات فساد كما تم في شأن شركات قطاع الأعمال العام التي تم خصخصتها من قبل، وهنا يثار تساؤل عن إمكانية استفادة شركات القطاع الخاص العاملة في مجال صناعة الحديد، للاستفادة من هذه الفرصة، للحصول على خطوط الإنتاج، أو باقي العدد والآلات، والورش، والمعامل وغيرها، ومن الخسارة الكبيرة أن تباع خطوط الإنتاج وباقي العدد والآلات، على أنها خردة، بدعوى التقادم التكنولوجي، أو عدم وجود مشتري، ليستفيد من خطوط الإنتاج كما هي.
وأما عن الأراضي والعقارات التي تمتلكها الشركة التي تم تصفيتها، فهي تضم أراضي فضاء في مكان مميز، بنحو 790 فدانا بمنطقة التبين، وكذلك 654 فدانا في الواحات البحرية، و54 فدانا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام، و45 ألف متر مربع بأسوان.[18]
وبطبيعة الحال ستؤول هذه الأراضي إلى صندوق تحيا مصر، والتي غالبًا ما سيتم التصرف فيها من خلال مشروعات عقارية.
ومن الخطأ أن تتم عملية التصفية مع شركة الحديد والصلب عن طريق البيع كصفقة واحدة، وهو ما يعني أن المشترى سوف يستفيد بشكل كبير من أمرين، الأول هذا الحجم الهائل من العدد والآلات، على اعتبارها خردة، والأمر الثاني هذه المساحات التي تزيد عن 1500 فدان، وبخاصة الأراضي الموجودة في منطقة التبين، وهي منطقة سكنية في محافظة القاهرة، وتتمتع بكثير من الخدمات والبنية الأساسية.
- لماذا التصفية؟
لقد سبق وطرح هذا السؤال في غير مناسبة، مع إقدام الحكومة المصرية على تصفية شركات قطاع الأعمال العام، كما تم في الشركة القومية للاسمنت، ويعاد طرح مرة أخرى مع شركة الحديد والصلب، إن دعوى الخسائر المتراكمة التي وقعت نتيجة أعمال الشركة، لها طرق أخرى للعلاج، وليس بالضرورة التصفية، بحجة أنه لم يتقدم أحد لشراء الشراء في محاولة لخصخصتها.
ولكن التناول الصحيح، كان يتمثل في البحث بجديدة في أسباب الخسارة، ومعالجتها، وفصل التوظيف السياسي لإدارة الشركة، وتقديم فريق من المتخصصين لإدارة الشركة، وبخاصة أنها تنتج سلعة مهمة، وتتوفر موادها الخام في مصر، وقرار التصفية، يعني حرمان الاقتصاد المصري من قيمة مضافة، كانت تحققها الشركة، فكل ما ستمتلكه الحكومة الآن، أن تبيع ما يتم استخراجه من المناجم والمحاجر من المواد الأولية لخام لحديد لشركات القطاع الخاص، أو تقوم بتصديره، وهي خسارة كبيرة.
فمن ناحية تفقد الدولة فرصة تواجدها في سوق مهم لسلعة استراتيجية، فمن قبل تُرك سوق الأسمنت للقطاع الخاص وفرضت عمليات الاحتكار، وفضلت شركات القطاع الخاص التصدير عن الوفاء بمتطلبات السوق المحلي.
فالتفكير في أدوات الإصلاح الإداري والإنتاجي متوفرة، إذا ما كان هناك إرادة سياسية جادة، تهدف إلى الحفاظ على المقدرات الإنتاجية للمجتمع، فتغير الإدارة، أحد الأدوات، وتأجير خطوط الإنتاج لصالح القطاع الخاص أحد الأدوات، أو الإنتاج لصالح الغير، أيضًا أحد الأدوات.
وإذا ما استمرت عملية الحكومة تجاه شركات قطاع الأعمال العام، ما بين الخصخصة والتصفية، فمن أين تتضاعف القيمة المضافة للاقتصاد المصري، وكذلك تم تصفية المشروعات الإنتاجية، لصالح الاستيراد من الخارج، فإن ذلك لا يعني سوى المزيد من التبعية، وفقدان الاستقلال، في الوقت الذي تواجه فيه مصر المزيد من التحديات الإقليمية والدولية.
ويعكس قرار تصفية شركة الحديد والصلب، وجود فجوة في السوق المحلي المصرية، من حديد التسليح، وباقي المنتجات المعتمدة على الصناعات الحديدية، وهو ما يعني اللجوء للاستيراد، وزيادة العجز التجارى لمصر، والذي يصل إلى نحو 37 مليار دولار سنويًا.
أقر مجلس النواب خلال جلسات انعقاده في شهر مايو، عددًا من مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، حيث وافق بشكل نهائي على مشروع القانون الخاص ببعض الشروط الخاصة بشغل وظيفة أو الاستمرار فيها، بحيث تجيز في بعض الحالات الفصل حال التثبت من تعاطي بعض المواد المخدرة. كما أقر مشروع قانون رسوم التوثيق والشهر اللازمة لاعتماد الشركات للعمل بالخارج لتخفيف النسبة التي كانت تُفرض بموجب القانون القديم، إضافة إلى الموافقة على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات التي تتعلق بتصوير جلسات المحاكم دون تصريح.
كما وافق المجلس على بعض التعديلات الخاصة بقانون إنشاء صندوق تحيا مصر، كذلك تمت الموافقة على تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء، ووافق المجلس بشكل نهائي على القانون الخاص بإنشاء البوابة المصرية للعمرة، والذي يجيز فقط بموجبه للشركات المرخصة من قبل الدولة في تنظيم رحلات العمرة، وأخيرًا وافق المجلس على قانون تقرير حد أدنى للعلاوة الدورية للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية وقطاع الأعمال.
مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون بشأن بعض شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها.[19]
وضع هذا المشروع على خلفية الحوادث المتكررة التي أصابت قطاع النقل وغيره من القطاعات التي برزت فيها بعض الظواهر كَتعاطي مواد مخدرة أو خمر مما يحدث معه احتمال الإضرار بحياة الكثيرين.
ويهدف مشروع القانون إلى وضع حد لاستمرار بعض العاملين في شغل وظائفهم على الرغم من ثبوت تعاطيهم المواد المخدرة، وتوفير النصوص القانونية الصريحة التي يمكن بموجبها إيقاف من ثبت تعاطيهم المواد المخدرة عن العمل. ويهدف هذا المشروع كذلك إلى توفير ضمانة لتمكين جهة العمل من اتخاذ إجراء الفصل المباشر دون العودة إلى المحكمة والإجراءات القضائية.[20]
وقد رفض مجلس النواب مقترحًا بإضافة الخمور في شروط شغل الوظائف العامة الذي تنص المادة الثانية منه على أنه يشترط للتعيين أو الاستمرار في وظائف الدولة ثبوت عدم تعاطي المخدرات، في حين أنها قد تشكل الخطر نفسه ولا يوجد داعي لهذه التفرقة إذا تم وضع مصلحة العمل في المقام الأول.
وفيما يتعلق بالتطبيق على العاملين، فالقانون ينطبق على مختلف الهيئات من جهات العمل أو العاملين على مدى يمتد ليشمل جميع العاملين داخل الجهاز الإداري للدولة، واتخاذ الأسلوب المفاجئ لإجراء التحليل، كمنهج سنوي طبقًا لِخطة تعدها الجهات بحيث تشمل جميع العاملين بها، واعتماده كآلية مستمرة للفرز والتنقية على مدى عمر الجهة الإدارية، ومدى مدة خدمة العامل.
وفيما يبدو، فإن تطبيق هذا القانون يحتاج إلى إصلاح شامل في الجهاز الإداري حيث يمكن تفادي هذا التحليل، كما أشار إلى ذلك بعض النواب من خلال أساليب التحايل المتعددة، وتبقى كيفية التنفيذ هي الضامن الرئيسي للوقاية من وجود فئات في العمل تشكل هذه الخطورة.
- وافق مجلس نواب النظام، برئاسة المستشار حنفي جبالي، على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 70 لسنة 1964، بشأن رسوم التوثيق والشهر، وتم إحالته إلى مجلس الدولة.[21]
وأشار تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية إلى أنه صدر القانون رقم 163 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر؛ بهدف تسهيل وتيسير عملية شهر سابقة خبرات شركات المقاولات المصرية وتقليل قيمة رسوم الشهر لها، حيث إن القانون القائم في ذلك الحين يفرض على الأعمال غير واجبة الشهر رسومًا مقدارها نصف في المئة في المئة عن كل تصرف أو موضوع لم ينص عليه في الجدول الخاص بتلك الأعمال.[22]
وأشارت اللجنة إلى أن تلك النسبة التي كانت تُفرض بموجب القانون القديم كانت تؤدي إلى تحمل هذه الشركات أعباء مالية كبيرة، بسبب فرض النسبة المذكورة من قيمة موازنات تلك الشركات كرسم على شهر سابقة الخبرة وصحة الميزانية لتقديمها للعمل بالخارج.
وأوضح التقرير السابق، أن القانون كان قاصرًا على شركات المقاولات، إلا أنه يتيح الآن لعدد كبير من الشركات دراسة الأسواق الخارجية سعيًا لفتح أبواب جديدة، لافتًا إلى أنه كان من أصعب التحديات التي تواجهها تلك الشركات هو الرسم المقرر لتوثيق سابقة خبرة وصحة ميزانية، لتقديمها للعمل بالخارج.
وتهدف الحكومة من خلال ذلك القانون، إلى فتح المجال أمام الشركات المصرية في الخارج، ورفع كفاءة الاقتصاد من خلال زيادة الدخل من العملات الأجنبية من خلال أعمال هذه الشركات في الخارج، كما تهدف كذلك إلى زيادة الطلب على العمالة لتخفيف نسبة البطالة العالية.[23]
- وافق مجلس النواب خلال جلسته المنعقدة في 10 مايو، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، التي تتعلق بتجريم تصوير ونشر وقائع جلسات المحاكم بدون تصريح.[24]
ويتضمن مشروع القانون إضافة مادة رقم 168 إلى قانون العقوبات تنص على “يُعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بأى طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية بدون تصريح من رئيس المحكمة المختصة، وبعد أخذ رأى النيابة العامة”.[25] ويحكم فضلًا عن ذلك بمصادرة المادة المصورة، والأجهزة التي استعملت في التصوير، ومحو محتواها أو إعدامه، ومضاعفة الغرامة في حالة تكرار الأمر مرة أخرى.
هذا القانون وإن كان في ظاهره يتعلق بحق للمحكمة في إعلان الجلسات من غيرها، وتجاوز من المصور الذي يستعمل أداته في التصوير بدون تصريح مسبق، إلا أنه لا يغيب عن العلم الحالة الخاصة بالسجناء في مصر ومدى الشفافية المتعلقة بكافة شؤونهم، حيث يوجد تعتيم كامل على إجراءات الداخلية والسجون، وهذا القانون يضيف عدم الحق في التصوير مما يجعل من الصعب الكشف عن قدر كبير من التجاوزات التي تقوم بها الداخلية ضد معتقلي الرأي في مصر.
- وافق مجلس النواب في جلسته يوم 23 مايو، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون رقم 84 لسنة 2015، بإنشاء صندوق “تحيا مصر”.[26]
يهدف مشروع القانون لإطلاق إعفاء عوائد صندوق تحيا مصر والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من جميع الضرائب والرسوم أيًا كان نوعها مع النص على عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل، والدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة، والضريبة على القيمة المضافة، وأى نوع آخر من الضرائب والرسوم المفروضة حاليًا أو التى تفرض مستقبلًا بقانون أو بقرار من الحكومة أو من أى سلطة عامة أخرى على صندوق تحيا مصر.[27]
كما تضمنت التعديلات، إعفاء صندوق تحيا مصر، من كافة رسوم الشهر العقاري والتوثيق، وما في حكمها، وأية عقود التي يكون الصندوق طرفًا فيها باختلاف أنواعها، ومن رسوم التصديق على التوقيع.
أُنشئ هذا الصندوق “تحيا مصر” في عام 2014 مع بداية تولي السيسي، وتم ضخ مبالغ ضخمة فيه من أغلب رجال الأعمال والقطاعات الرسمية والخاصة المعروفة، تحت تغطية إعلامية واسعة، ثم تم إنشاء هذا القانون والتعديل عليه بغرض تمكينه إداريًا وإعفائه من الضرائب والرسوم. وتهدف الحكومة إلى تمكين هذا الصندوق إلى ما لا نهاية، من خلال زيادة مجالات الإعفاء المقررة في القانون الأساسي وقت إنشاءه، من ضرائب أو دخل أو تبرع إلى غيره من الواردات وفي مجالات الإنفاق كذلك.
حيث نصت المادة الثامنة في القانون الخاص بإنشاء الصندوق على إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من جميع الضرائب والرسوم، مع عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة على الصندوق.
لم تكن هذه أولى الخطوات في التعديل على قانون الصندوق الذي صدر عام 2014، وكان ينص على حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الرقابة عليه باعتباره مالًا عامًا، حتى تم إضافة بندين كتعديل على القانون للتخلص من هذه الرقابة في 2015.[28] حيث أضُيفت المادة الثالثة “يحدد رئيس الجمهورية أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف أموره المالية والإدارية، دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر”.
كما تم استبدال المادة الثامنة في القانون القديم بالمادة التاسعة التي ألغت رقابة المركزي للمحاسبات وقصرت دوره على إعداد “مؤشرات” عن الأداء، بناء على قوائم مالية يعدها الصندوق بمعرفة أحد مكاتب المحاسبة المعتمدة لدى البنك المركزي يختاره مجلس أمناء الصندوق، ويقدم الجهاز هذه المؤشرات للمجلس.
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء، الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015.[29]
يهدف المشروع إلى إعطاء مهلة إضافية لشركات الكهرباء المملوكة للدولة لتوفيق أوضاعها بما يؤهلها للدخول في سوق تنافسية لإنتاج وبيع الكهرباء، خاصة أن هذه الأمور ارتبطت ارتباطًا لا يقبل التجزئة بتحرير سعر صرف الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية فى نوفمبر 2016 والذى تم على أثره استمرار دعم أسعار بيع الكهرباء لمدة ثلاث سنوات إضافية وصولًا بعد ذلك إلى جائحة كورونا وما تبعها من تأثيرات اقتصادية.
تهدف الحكومة في نهاية تلك التعديلات، الوصول إلى تحرير سعر الصرف وعرض الكهرباء على السوق الحرة بما يتضمنه من تنافسية في الأسعار والخدمات الممنوحة، بما تتمكن معه الدولة من رفع الدعم عن هذا القطاع.
ويهدف التعديل، إلى تحقيق الفصل بين أنشطة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، حتى تتمكن السوق الحرة من الدخول في كل مجال من هذه المجالات على حدة، ليشمل كافة أنشطة القطاع.
ويُعد هذا التعديل الثاني الذي يرد على القانون، وينص على تعديل المادة 63 والتي تنص على “تلتزم الشركة القابضة لكهرباء مصر وشركات الإنتاج والتوزيع المملوكة لها بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام هذا القانون خلال مدة لا تزيد على ثماني سنوات من تاريخ العمل به، وبما يؤهلها للتعامل في السوق التنافسية للكهرباء على أن يتم التعامل مع هذه الشركات وفقًا لأحكام هذا القانون بالتنسيق مع الشركة القابضة لكهرباء مصر أثناء الفترة الانتقالية”.[30]
وبناءً على ذلك منح القانون سالف الاشارة بموجب المادة (63) منه الشركة القابضة للكهرباء وشركات الإنتاج والتوزيع التابعة لها فترة انتقالية محددة بمدة لا تزيد عن ثماني سنوات لتوفيق أوضاعها، وقد تم التمديد بناءًا على التعديل الأخير إلى مدة عشر سنوات قابلة للزيادة بطلب من مجلس الوزراء.[31]
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون مقدم من الحكومة، بشأن البوابة المصرية للعمرة، وتنفيذ الشركات السياحية رحلات العمرة.[32]
جاء هذا القانون، لإحكام سلطة الدولة على هذا قطاع أعمال الحج والعمرة، ليكون التنظيم والترخيص من خلال الدولة حصرًا، بشروط وضعها القانون تخص تنظيم الرحلات، وأعداد المعتمرين والحجاج المسموح بها حسب ما تقره الوزارة المختصة، ووضع الدولة كطرف وسيط في العقد بين شركات السياحة والجانب السعودي.
المادة الرابعة في القانون تنص على آلية عمل البوابة من خلال قيام شركات السياحة مع الوكلاء السعوديين بتوثيق العقود المبرمة وفقًا للنظام المعمول به في المملكة العربية السعودية.[33]
ووافق المجلس على تعديل البند الثاني في المادة الرابعة، في ضوء طلب المداولة المقدم من النائب إيهاب الطماوي بحذف الفقرة التي تقضي بـ”وفقًا للقواعد المعمول بها في المملكة العربية السعودية”، لتكون مفادها بعد التعديل “تُوثق العقود المبرمة بين الشركات السياحية والوكلاء السعوديين، إلكترونيًا على البوابة، وذلك بعد التنسيق مع الغرفة المختصة”.[34]
كما وافق المجلس على تعديل الفقرة الأولى من المادة 12، لِيكون مفاد المادة بأن يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه على من نفذ رحلات أداء مناسك العمرة بالمخالفة لأحكام البند 4 من المادة 4 من هذا القانون.[35]
كما يُعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد عن ثلاثة ملايين كل من نفذ بالمخالفة للمادة الخامسة في فقرتها الأولى، والتي تنص على التصريح بتنفيذ رحلات العمرة من خلال الشركات المرخص لها حصرًا،[36] ومخالفة أحكام المادة السابعة، الخاصة بتنفيذ النظام الإلكتروني الجديد.
من جانب آخر، يُعد كذلك هذا القانون إغلاقًا لِلباب أمام سماسرة الحج والعمرة، والكيانات الوهمية التي تسعى لاستغلال المواطنين البسطاء، والشركات غير المرخصة التي تقوم باستغلال الكثير من المواطنين وتغامر بأموالهم.
- وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تقرير حد أدنى للعلاوة الدورية لِلمخاطبين بقانون الخدمة المدنية ومنح علاوة خاصة بغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، وزيادة الحافز الإضافي للعاملين بالدولة وتقرير منحة خاصة للعاملين في شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام.[37]
المادة رقم 37 من قانون الخدمة المدنية الصادر عام 2016، تنص على “يستحق الموظف علاوة دورية سنوية فى الأول من يوليو التالى لانقضاء سنة من تاريخ شغل الوظيفة أو من تاريخ استحقاق العلاوة الدورية السابقة، بنسبة 7% من الأجر الوظيفى، على أن يعاد النظر فى هذه النسبة بصفة دورية منتظمة”.[38]
وبمقتضى مشروع القانون، يحصل جميع العاملين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، على حد أدنى لقيمة العلاوة الدورية في أول يوليو القادم قيمتها 75 جنيهًا، ودون حد أدنى لقيمة العلاوة، والتي تُحسب وفقًا للأجر الوظيفي بنهاية يوليو المقبل.[39]
ويقر مشروع القانون منح علاوة خاصة للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية المشار إليه بدءًا من أول يوليو سنة 2021 تقدر بنسبة 13% من الأجر الأساسي لكل منهم في نهاية يونيو المقبل أو في تاريخ التعيين بالنسبة لمن يعين بعد هذا التاريخ.[40]
كما اشتمل القانون على زيادة الحافز الشهري الممنوح للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 والعاملين غير المخاطبين به وذلك اعتبارا من 1/7/2021، بفئات مالية مقطوعة بداية من مبلغ 175 جنيها تدريجيًا وصولا إلى مبلغ 400 جنيه.
القانون توسع في الفئات العمالية التي تستحق الصرف ليشمل العاملين في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال بمنحهم منحة تصرف شهريًا من موازنات هذه الشركات تعادل الفارق بين نسبة العلاوة السنوية الدورية المقررة لهم وَنسبة العلاوة الخاصة المقررة للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم (81) لسنة 2016 وذلك كحد أقصى.[41]
شهد شهر مايو 2021م نقاشًا حول تجديد الخطاب الديني، وذلك على أثر تصريحات صَدرت عن شيخ الأزهر حول التراث وأهميَّة التجديد، وهي التصريحات التي انقسم المتابعون لها بين مؤيّد ومعارض ومشكِّك في وجود رغبة جادَّة للتجديد لدى الأزهر وشيخه. وشهد الشهر كذلك قرارًا من وزارة التربية والتعليم بتدريس اللغة الصينيَّة لطلاب الصف الأوَّل الإعدادي، وهو القرار الذي يأتي في إطار توطيد العلاقات مع الحليف الصيني، ولا يخلو تنفيذه من آثار سلبيَّة محتملة على تلاميذ هذه المرحلة الدراسيَّة.
شيخ الأزهر وتجديد الخطاب الديني
يُعدُّ تجديد الخطاب الديني واحدًا من أهم محاور البحث والنقاش في عصرنا الحديث، فالتجديد ضرورة في ظِلِّ ما يستجد من إشكاليَّات تحتاج إلى إجابات جديدة واجتهادات تتناسب مع طبيعة العصر وتعقيداته، خاصَّة وأنَّ الإسلام هو خاتم الرسالات، ويَصلح لكلِّ زمان ومكان، وترتبط صلاحيته هذه بقدرته على التعامل مع القضايا المُستجدَّة التي لا أثر لها في تراثنا القديم الذي يمثل إجابة على إشكاليَّات العصور الخالية، مثل الديمقراطيَّة وشكل الدولة والمجتمع المدني والفنون والعولمة والثورة المعرفيَّة والحريَّات وحقوق الإنسان والعلاقات الدوليَّة و… إلخ.
وقد أعاد شيخ الأزهر فتح باب النقاش حول تجديد الخطاب الديني في مطلع الشهر بتصريحاته حول التراث ومفهومه للتجديد وعوائقه والفئة المنوط بها القيام به في برنامجه التليفزيوني الرمضاني «الإمام الطيّب» الذي أذاعته مجموعة من الفضائيَّات.
عَرَّف الطيّب التجديد المقصود بأنَّه “التجديد الذي لا يشوّه الدين ولا يلغيه، وإنَّما يأخذ من كنوزه ويَستضِيء بهديه، ويَترك ما لا يناسبه من أحكامه الفقهيَّة إلى فتراتها التاريخيَّة التي قيلت فيها وكانت تمثل حينئذٍ تجديدًا استدعاه تغيُّر الظروف والأحوال، وإن لم يحصل على ضالته فعليه أن يجتهد لاستنباط حكم جديد ينسجم مع مقاصد هذا الدين”. وأشار إلى أهميَّة هذا التجديد، فذكر أنَّ “التجديد الدائم في التراث هو المنوط به بقاء الإسلام دينًا حيًّا متحركًا ينشر العدل والمساواة بين الناس، والتراث حين يتخذ من التجديد أداةً أو أسلوبًا يُعبِّر به عن نفسِه يشبه التيَّار الدافق، والنهر السَيَّال الذي لا يكف لحظة عن الجريان، وإلَّا تحوَّل إلى ما يشبه ماءً راكدًا آسنًا يضر أكثر مِمَّا يفيد”.
وذكر الشيخ العوامل التي تعيق عمليَّة التجديد، فقال إنَّ أهمها هو “عدم التفرقة بين ما هو ثابت وما هو مُتغيّر”، وأنَّ “الدعوة لتقديس التراث الفقهي، ومساواته في ذلك بالشريعة تؤدِّي إلى جمود الفقه الإسلامي المعاصر، نتيجة تمسُّك البعض بالتقيُّد الحرفي بما وَرَد من فتاوى أو أحكام فقهيَّة قديمة كانت تمثل تجديدًا ومواكبة لقضاياها في عصرها”. وأكَّد على أنَّ “عمليَّة التجديد في شريعة الله صناعة علميَّة بالغة الدقة لا يُحسنها إلَّا الراسخون في العلم”، وأنَّ الأزهر يُطالِب غير المؤهلين تجنُّب الخوض في هذا الموضوع؛ “حتى لا يتحوَّل التجديد إلى ما يشبه محاولة للتدمير والتبديد”، وأنَّ التيَّار الوسطي هو “الجدير وحده بمهمة تجديد الخطاب الديني الذي تتطلَّع له الأمَّة”[42].
لم يخرج شيخ الأزهر في مجمل الطرح الذي قدَّمه عن موضوع تجديد الخطاب الديني عمَّا طرحه علماء المسلمين حول أهميَّة التجديد وضرورته ومجالاته وصِفة القائمين عليه، فقد أكَّد بتصريحاته على أنَّ الأزهر يتبنى فكرة التجديد انطلاقًا من نصوص الدين وطبيعة الشريعة، وبما يناسب الزمان والمكان، ولا يتعارض مع نصٍّ قطعي الثبوت والدلالة، ولا يخرج عن الشرع ووسطيَّة الإسلام، ويَتصدَّى لذلك أهل الاختصاص من العلماء.
وتتقاطع الخطوط العامَّة لطرح شيخ الآزهر مع أقوال العلماء الذين تحدثوا عن تجديد الخطاب الديني في بعض النقاط، أهمها التأكيد على الجمع بين عنصري الأصالة والمعاصرة، فالتجديد عند المنادين به من علماء المسلمين هو إحياء ما انطمس من الدين، وتخليص الإسلام من البـدع والمحدثات، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها. ومن شروطه الحفاظ على نصوص الدين الأصليَّة صحيحة نقيَّة، ونقل معانيها الصحيحة، وإحياء الفهم السليم لها، والاجتهاد في الأمور المستجدة وإيجاد الحلول لها، وتصحيح الانحرافات، وذلك كلُّه لحماية الدين. ويقوم بالتجديد أهل الاختصاص، مِمَّن يُعرَفون بصفاء العقيدة وسلامة المنهج والقدرة على الاجتهاد ووَضْع الحلول الشرعيَّة لإشكاليَّات العصر.
وعلى الرغم من ذلك التوافق العام بين تصريحات شيخ الأزهر ومواقف دعاة التجديد من علماء المسلمين فإنَّ تصريحات الشيخ قوبلت بحالةٍ من الانقسام، حيث أشاد بها البعض، ورفض اتهام الشيخ بالتناقض، في إشارة إلى موقفه السابق من رئيس جامعة القاهرة ورفضه ما قدمه من طرح حول التجديد. والحق أنَّ الشيخ لم يناقض نفسَه، لأنَّه ينطلق في فكره من نصوص الدين وطبيعىة الشريعة التي تحتوي على ثوابت ومتغيرات، ولا يدعو إلى هدم الثوابت والثورة الكاملة على التراث. ورفض البعض الآخر الدعوة إلى التجديد لخوفه من أن تكون دعاوى التجديد بمثابة حصان طروادة الذي يستخدمه البعض لاختراق حصون الدين وتغيير معالمه والعبث بثوابته. أمَّا الفريق الثالث، وهو من العلمانيّين، فقد شكَّك في توجُّه الأزهر وشيخه نحو التجديد، وعَلَّل ذلك بأنَّ هذا الفكر يمثل نظرة جزئيَّة، وأنَّه ليس هناك اتجاه كلِّي لتجديد الخطاب الديني. ويَرى رواد هذا الاتجاه أنَّ الأزهر “أعجز ما يكون عن تجديد الخطاب الدينى”[43]، ويزعمون أنَّ التجديد مهمَّة كلّ المسلمين، وأنَّ الحديث عن أنَّه مهمة الأزهر فقط «كلام فارغ»، لأنَّه لا يوجد كهنوت دينى فى الإسلام، والشيخ الطيّب ليس واسطة بين الناس وبين الله، وأنَّ الأزهر يسعى ليكون سلطة دينيَّة، وهذا مُخالِف للإسلام، لأنَّ الدين تكليف للفرد، ويمكن للمثقف أن يقوم بعمليَّة التجديد لأنَّه يجعل للعقل أولويَّة في فهم الدين[44].
وهذا الانقسام يَتجدَّد في كلِّ مرَّة يُطرَح فيها موضوع تجديد الخطاب الديني، حتى إنَّه صَار لازمة من لوازمه، فهناك جبهة ترحب بالتجديد في الفكر الإسلامي، وترى أنَّه “ليس مجرد أمر مشروع وجائز ومقبول، وليس مجرد حق من حقوق العقل المسلم على أهل الذكر والاختصاص من علماء الإسلام، وإنَّما هو سُنَّة وضرورة وقانون، وبدون التجديد الدائم والمستمر للفكر والفقه والخطاب الإسلامي تحدث الفجوة بين الشريعة الإسلاميَّة – التي هي وَضْع إلهي ثابت – وبين مقتضيات ومتطلبات الواقع المتغيّر والمتطوّر دائمًا وأبدًا، الأمر الذي لو سَاد الجمود والتقليد في الفكر والفقه والخطاب الإسلامي يفضي إلى انفلات الواقع المتطوّر من حاكميَّة الشريعة الثابتة، فيكون العجز عن أن تظل هذه الشريعة صالحة لكلّ زمان ومكان، فتغيب حجّة الله على عباده وهدايته لخلقه، بعد أن ختمت الشرائع السماويَّة شريعة الإسلام”[45]. وتقف هذه الجبهة في وجه جبهتيْن: أولاهما جبهة الجمود والتقليد التي وَصَف الإمام محمد عبده أهلها بأنَّهم “وإنْ أنكروا كثيرًا من البدع، ونَحَّوا عن الدين كثيرًا مِمَّا ليس منه، فإنَّهم يَرون وجوب الأخذ بما يُفهم من لفظ الوارد، والتقيُّد به، بدون التفاتٍ إلى ما تقتضيه الأصول التي قام عليها الدين، وإليها كانت الدعوة، ولأجلها مُنِحَت النبوَّة، فلم يكونوا للعلم أولياء، ولا للمَدنيَّة أحبَّاء”[46]. وثانيهما جبهة التغريب التي يقوم مفهومها للتجديد على أساس البتر والإضافة والتحوير، ويَصِف الشيخ الغزالي محاولاتها بأنَّها “خروج على الإسلام، وافتراء على الله، وافتئات على الناس، وتهجُّم على الحق بغير علم، وليس يُقبَل من أحدٍ بتة أن يقول: ذا نصٌّ فات أوانه أو هذا حُكْـم انقضت أيَّامه، أو أنَّ الحياة قد بلغت طورًا يقتضي ترك كذا من الأحكام أو التجاوز عن كذا متن من الشرائع، فهذه محاولات لهدم الإسلام”[47].
ولكن ما الذي يجعل قطاعًا كبيرًا من المسلمين يتخوَّف من الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بشكل عام، ويَتشكَّك في نوايا شيخ الأزهر ودوافعه للحديث عن التجديد بشكل خاص؟
ترتبط الإجابة على الشق الأوَّل من هذا السؤال بالخوف من تحوُّل التجديد إلى تبديد، خاصَّة وأنَّ أعين أمريكا والغرب على هذا التجديد، ويمثلهم في مجتمعاتنا أشخاص وهيئات تنادي بالتجديد وفق الرؤية الأمريكيَّة والغربيَّة التي تريد من الإسلام نسخة “حداثيَّة” تهدم الثوابت، وتقيم قطيعة مع التراث، وترفض منهاجه الشامل للحياة، وتكتفي بالشعائر والمناسك والعبادات. وقد ظهر هذا في دعوة البعض إلى النظر للنصِّ الديني على أنَّه نصٌّ تاريخيٌّ، تجاوز التاريخ معانيه وأحكامه، وحتى عقائده وقيمه، فلم يعد فيه معنى ثابت ولا خالد ولا مُطلَق.
أمَّا الشق الثاني فيرتبط بالمنظومة الدينيَّة في مصر، وعلى رأسها الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، والتي يسيطر عليها النظام الانقلابي، وتنطق باسمه وتعمل لخدمته، حتى لو كان ذلك على حساب الدين. كما يرتبط أيضًا بشخصيَّة شيخ الأزهر نفسِه، فقد ارتبطت سيرته بمناصرة الحكَّام المستبدين، والتخاذل في مواطن كان ينبغي عليه أن يصدع فيها بكلمة حق عند سلطان جائر، والصمت على الدماء والأعراض المنتهكة والمظالم المستشرية، والتمسُّك بعلاقات وثيقة مع أنظمةٍ إقليميَّةٍ لا تتوانى عن محاربة الإسلام والعاملين له في كلِّ مكان، كلُّ هذا يجعل الرجل ومواقفه وآراءه في دائرة الشك والاتهام.
نعم، لا غبار على ما أصدره الشيخ من تصريحاتٍ حول التراث والتجديد، ولكن الخوف من الشيطان الذي يكمن في التفاصيل، وهو ما يمكن رؤية بوادره في اقتصار حديثه على المرأة وقضاياها، وعدم التطرُّق إلى قضايا أخرى، ربما تكون أكثر أهميَّة الآن، كالحريَّات وحقوق الإنسان، وهو ما يمكن اعتباره مغازلة للتيَّارات التغريبيَّة في المجتمع المصري وتلبية لرغبات النظام الذي يريد تغيير بعض القوانين الخاصَّة بالمرأة، حتى وإن كان ذلك على حساب الدين، وتأزيمًا لوضع اجتماعي مأزوم بالفعل، كما في حديث الشيخ عن إمكانيَّة حصول المرأة على نصيب من ثروة الزوج، وهو ما وَصَفه البعض بأنَّه لا يَستنِد إلى أصل شرعي، الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال عن مغزى التجديد في هذه الحالة، وهل هو إيجاد حَل للمشاكل القائمة بسبب سوء تنفيذ القوانين الحالية؟ أم تعقيد الأمور ومضاعفة الأزمات الاجتماعيَّة بقوانين جديدة تدمر الثقة بين الزوجيْن وتحوّل الزواج إلى مشروع استثماري؟
تعليم اللغة الصينيَّة في مصر
لا شك أنَّ تعلُّم اللغات الأجنبيَّة ضرورة من ضرورات التواصل في ظِلِّ العولمة التي تفرض على كلِّ دولةٍ البحث عن سُبل للتفاهم والتعاون مع العالم وتساعدها على الاندماج فيه والاستفادة منه. ولهذا تقوم الدول باختيار ما تراه مناسبًا لها من تلك اللغات لتدريسه ضمن مناهجها الدراسيَّة، وبما يحقق المصلحة الوطنيَّة.
في هذا الإطار، يمكن فهم ما صَدَر عن وزير التربية والتعليم بعد لقائه مع سفير الصين في 17 مايو، حيث أعلن عن قرار الوزارة بتدريس اللغة الصينيَّة في المدارس المصريَّة كلغةٍ اختياريَّة بداية من العام الدراسى المقبل بعددٍ من المدارس الرسميَّة للغات على الطلاب الملتحقين بالصف الأوَّل الإعدادى، مع توفير معلمين ومناهج لتدريس المادة بشكل مكتمل للطلاب. وأشار الوزير إلى أنَّ مصر توفر لأبنائها لغات عديدة “اختياريَّة” كلغةٍ ثانيةٍ لتمكينهم من التعامل مع العالم، ولتمكينهم من اقتحام مجالات عمل جديدة في مصر وخارجها، وأنَّ الكلَّ يعلم أنَّ اللغة الصينيَّة أصبحت تدرس في العالم الغربي كلِّه نظرًا للتطوُّر الهائل في آسيا عمومًا والاحتياج لها في المنافسة العالميَّة[48].
وقد ذكر تقرير لصحيفة “الشعب الصينيَّة” أنَّ هناك معهديْن لتعليم لغة الصين في مصر، وهما معهد كونفوشيوس في جامعة القاهرة، ونفس المعهد في جامعة قناة السويس، بجانب 3 فصول دراسيَّة تابعة للمعهد في مصر. وتُدرَس اللغة الصينيَّة في 16 جامعة مصريَّة، عبر أقسام للغة الصينيَّة أو من خلال تدريسها دون قسم. كما وقعت الحكومة الصينيَّة قرارًا ببناء مدرستيْن في محافظتي المنوفيَّة والجيزة ضمن حزمة مساعدات تعليميَّة لمصر، بالإضافة إلى تقديم الصين في 2019م ما يزيد على 300 منحة دراسيَّة للماجستير والدكتوراة للطلاب المصريّين[49]. وتتواجد الصينيَّة في المرحلة الثانويَّة أيضًا، حيث يَدرسها طلابٌ فى مدارس اللغات. أمَّا الجديد فهو النزول بالمرحلة السِّنيَّة لتدريس هذه اللغة إلى الصف الأوَّل الإعدادي.
ولكن هل هناك مصلحة تقتضي تعليم اللغة الصينيَّة لمصريّين في مراحل سِنيَّة صغيرة؟
إنَّ المصلحة الأكيدة التي لا شك فيها هي مصلحة الصين التي تأتي هذه الخطوة ضمن جهودها الرامية إلى تعزيز قوَّتِها الناعمة حول العالم من خلال نشر اللغة الصينيَّة وثقافتها في مختلف بقاع الأرض وتكوين أجيال مرتبطة بالتجربة الصينيَّة. أمَّا المصلحة المصريَّة المحتملة “مستقبلًا” فتتمثل في خروج أجيال تستفيد من وَضْع الصين على مستوى العالم، فالصين الآن قوَّة سياسيَّة وعسكريَّة واقتصاديَّة كبرى، ويمكن لمَن يتقن لغتها أن يجد لنفسِه فرصة في المشاريع الصينيَّة التي تنتشر في معظم دول العالم، أو في الفعاليات والأنشطة التي تتوفر من خلال التعاون الثنائي بين البلديْن.
كان يمكن لهذه المصلحة أن تتحقق من خلال البرامج الدراسيَّة في الجامعات، ومن خلال المراكز التعليميَّة التي تشرف عليها الصين وتمدها بالدعم اللازم، وذلك لتفادي الآثار السلبيَّة التي تترتب على إثقال كاهل التلميذ المصري بلغةٍ ثالثةٍ تضاف إلى اللغة الأم واللغة الأجنبيَّة الإجباريَّة، وهي الإنجليزيَّة، خاصَّة وأنَّ كثيرًا من الدراسات الحديثة يُحذر من الازدواجيَّة في تعليم اللغة في المراحل الأولى من حياة الأطفال، ناهيك عن الجمع بين ثلاث لغاتٍ في وقتٍ واحدٍ؟!
نعم، لابد من الأخذ بمظاهر التقدُّم الحضاري وما يشتمل عليه من تعليم أفراد المجتمع لغة أجنبيَّة أو أكثر، لأنَّ الانغلاق عن العالم غير مجدٍ في ظل العولمة، وتعلُّم الفرد لغة أخرى بجانب لغته الأصليَّة هو السبيل الأمثل لتوسيع مداركه وإثراء تجاربه. ولكن، ما هي الآثار السلبية لإجبار التلاميذ على دراسة لغتيْن أو ثلاث لغات في مراحل سِنيَّة مبكرة؟
ثمَّة اتجاه يَرى أنَّ “تدريس لغة أجنبيَّة في التعليم العام، خاصَّة في المرحلة الأساسيَّة، سَيؤدي إلى تفتيت الثقافة والهويَّة القوميَّة والمتمثلة باللغة الأم، ويؤكّد هذا الاتجاه أنَّ اللغة الأجنبيَّة لا تدرس من فراغ، فهي ليست مفردات وتراكيب نحويَّة فحسب، وإنَّما هي وعاء لثقافات وعادات وقِيَم للناطقين بها، وما يترتب على ذلك من تأثير على وجدان المتعلم”[50].
ويؤكّد المعارضون على التأثير السلبي لتعلُّم اللغة الأجنبيَّة في مرحلة الطفولة على مستوى اللغة الأم ومكانتها، لأنَّ الازدواج في تعليم اللغة في هذه المرحلة غالبًا ما يكون على حساب اللغة الأم، وهم يستندون إلى حجج وأدلة مستمدة من علم النفس التربوي والتطبيقات العمليَّة والظروف الماليَّة والإداريَّة للتعلُّم.
ويسوق المناهضون حججًا كثيرة لتعزيز وجهة نظرهم، وفيما يلي أبرزها:
- أنَّ الكبار أقدر على تعلُّم اللغة الأجنبيَّة من الأطفال، لأنَّ نمو الذكاء يَصِل إلى ذروته حين يَصِل الطفـل لسِنِّ الخامسة عشر.
- أنَّ تعلُّم لغة ثانية عمليَّة معقدة جدًّا تشترك فيها جميع قوى الفرد العقليَّة والنفسيَّة والعضليَّة والعاطفيَّة، وهي لا ريب عمليَّة مرهقة، ويحسن بنا ألَّا نحملهم عبء لغة ثالثة.
- أنَّ الطفل في حاجة لتعلُّم لغته الأصليَّة والتمكُّن من أولياتهـا نطقًا وكلامًا ومخاطبةً وقدرةً على التعبير اللغوي الصحيح، وتَعدُّد اللغات يُعرقِل تقدمه في تعلُّم لغته الأصليَّة، ولو أتقن لغة فإنَّ ذلك يكون على حساب أخرى.
- أنَّ تدريس اللغة الأجنبيَّة في المرحلة الأساسيَّة يزاحم مناهج اللغة العربيَّة والتربية الإسلاميَّة التي تشكِّل غالبيَّة المناهج في تلك المرحلة التكوينيَّة.
- أنَّ إدخال اللغة الأجنبيَّة في هذه المرحلة يُربك التلاميذ لغويًّا، ويزعزع ثقتهم بلغتهم، ويجعلهم يتشرَّبون بعض المفاهيـم الأجنبيَّة منذ الصغر، وقد يستمر تأثير ذلك إلى المراحل المتقدمة[51].
وعليه فإنَّ تعلُّم اللغة الصينيَّة لا يمثل مشكلة في حَدِّ ذاته، وإنَّما المشكلة تكمن في عدم مراعاة الضوابط العلميَّة التي تحكم عمليَّة اختيار اللغات الأجنبيَّة وتُحدِّد المراحل السنيَّة المناسبة لتعلُّمها، وإلَّا فإنَّ قرار وزارة التعليم لا يمكن تفسيره إلَّا في ضوء المجاملة السياسيَّة للحليف الصيني.
شهد شهر مايو/ أيار الماضي بعض التغييرات في المشهد الإعلامي المصري، حيث أعلنت “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية” -التي تُعد أكبر شركة إنتاج فني وإعلامي بمصر، والمحتكرة السوق الإعلامي المصري- تغييرات “واسعة” في مجلس إدارتها. وتزامن ذلك مع تحقيقات أجريت مع مسؤولين مصريين بتهم فساد بخصوص بعض مسلسلات رمضان، التي اُنتجت بواسطة شركة الإنتاج المملوكة للمخابرات العامة.
كذلك، فإن الحدث الأبرز –ربما عالميًا- خلال الشهر الماضي كان العدوان الذي شنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصَر، والذي انتهى بوقف إطلاق نار متزامن، لعبت مصر فيه دور الوسيط. وبالطبع، فإن الإعلام المصري تفاعل بشكل واسع مع الأحداث، محاولًا إبراز أهمية الدور المصري في المعادلة، إلا أن الحقائق الواقعية تؤكد أن الإعلام بالغ في هذا الشأن أثناء تغطيته.
إعادة هيكلة لسوق الإعلام المصري
في 29 مايو/ أيار الماضي، عقدت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تسيطر عليها المخابرات العامة المصرية، مؤتمرًا صحفيًا حمل عنوان “5 سنوات من التطوير”.[52] وأعلنت الشركة خلال المؤتمر بعض التغييرات في هيكليتها مثل إقالة تامر مرسي، الرئيس السابق لها، وتشكيل مجلس جديد للإدارة برئاسة حسن عبد الله، أحد الوجوه المصرفية والاستثمارية و الرئيس التنفيذي السابق للبنك العربي الأفريقي، والذي أطيح به من منصبه بتهمة الفساد المالي في 2018.[53]
وعضوية كل من محمد السعدي، الرئيس التنفيذي لشركة ميديا هب، وعمرو الفقي، رئيس مجلس إدارة شركة POD المحتكرة تنظيم المؤتمرات الكبرى التي يعقدها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وأشرف سالمان وزير الاستثمار السابق، وتامر مرسي، ومحمد سمير.
كما أعلنت الشركة كذلك إطلاق قناة إخبارية مصرية، في الربع الأول من عام 2022، وذلك بغرض استهداف الناطقين باللغة العربية في نطاق تغطية قمر (نايل سات)، وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا عبر خدمات IPTV. وزعمت أنها ستبدأ فوريًا في تطبيق آليات الحوكمة وتعزيز الرقابة المالية والإدارية لتعزيز الأداء، تمهيدًا لطرح أسهم الشركة في البورصة المصرية.[54]
وحيث إن الشركة تابعة لجهاز المخابرات العامة المصري، وهي تسيطر على الإعلام المصري بكل أقسامه، المرئي والمقروء والمسموع، فإن هذه التغييرات لم تكن لتأتي جزافًا أو دون توجيه من أجهزة النظام. وبالأخص، أنه قبيل إعلان هذه التغييرات تحدثت تقارير إعلامية عن أن هناك تحقيقات جرت مع بعض المسؤولين تهم فساد بخصوص بعض مسلسلات رمضان، التي غلب عليها الطابع السياسي هذا العام.
فقبل إعلان هذه التغييرات بأيام قليلة، كشف موقع “العربي الجديد” أنه تم تشكيل لجنة من جهات سيادية لفحص كل ملفات المجموعة التي يرأسها تامر مرسي، وخاصة شركة “سينرجي” للإنتاج الفني، التي هي أحد كبرى الشركات الموجودة داخل إطار “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، وذلك لوجود “شبهة إهدار مال عام”، وأعمال أخرى توقف إنتاجها.[55]
ووفق المصادر، فقد جرى التحقيق مع حسام شوقي، المشرف العام على الإنتاج الدرامي في المجموعة، والمدير المالي أحمد وجيه، واللذين توجها إلى النيابة العامة للتحقيق معهما بتهمة إهدار مال عام قيمته 800 مليون جنيه (نحو 51 مليون دولار أميركي)، بمعاونة الكاتب يسري الفخراني.[56]
وبالفعل، قد يكون الفساد المالي هو أحد أسباب هذه التغييرات. بمعنى أن القائمين على الشركة المتحدة حاولوا التربح بشكل غير شرعي عن طريق تخطي القائمين على الشركة حدود مهامهم المتفق عليها مع النظام، والتربح دون علم النظام. إلا أن ذلك لا يعكس أي بُعد مبادئي لدى السلطة في محاربة الفساد، ليس فقط لأن هناك سوابق فساد رسمية وغير رسمية طالت أشخاص نافذين بالنظام، وحتى رأسه، بل أيضًا بسبب أن الذي وضعه النظام على رأس الهيكلة الجديدة للشركة متورط بقضايا فساد.
ففي مايو/ أيار 2019، أعلن محافظ البنك المركزي الحالي، طارق عامر، الإطاحة بحسن عبد الله، الرئيس الجديد للشركة المتحدة، من منصبه كمساعد أول له، بتهمة الفساد المالي والاستيلاء على المال العام ومنح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليار جنيه (580 مليون دولار)، واستخدام جزء منها في سداد تسهيلات وقروض ممنوحة لهم من البنك نفسه بقيمة 2.8 مليار جنيه، وبنوك أخرى بقيمة 191 مليون جنيه.[57]
بجانب الفساد، ذكر مراقبون أسبابًا أخرى قد تكون خلف إعادة الهيكلة. من ذلك، أن الشركة تعرضت لانتكاسة قبل انطلاق موسم رمضان الماضي، عندما تعرض مسلسل “الملك أحمس” الذي أنتجته الشركة، لحملة انتقادات واسعة وساخرة،[58] شارك فيها الكثير من رواد السوشال ميديا في مصر، وذلك بسبب أخطاء تاريخية وُصفت بالفادحة، جعلت المسلسل مثارًا للسخرية بمجرد بث بعض مشاهده.
وفي مقابل هذا الفشل، فقد نجحت شركة “سعدي-جوهر”، التي همشها تامر مرسي وأبعدها عن السوق الدرامي المصري، في تنظيم حفل نقل المومياوات الفرعونية الأخير، من المتحف المصري إلى متحف الحضارات.[59] ووفق محللين، فإن هذا الحفل قد نال إعجاب السيسي، وعلى ذلك، فإن هذا النجاح ساهم في الخصم من رصيد “مرسي” لدى أجهزة النظام، لسوء إدارته.
دور سعودي في الهيكلة الإعلامية الأخيرة
وفيما يبدو، فإن هناك دورًا سعوديًا سيتعاظم خلال الفترة المقبلة، على الساحة الإعلامية المصرية. فبالتزامن مع تسرب الأنباء التي أفادت بالتحقيق مع مسؤولي الشركة المتحدة، وبإجراء تغييرات في هيكليتها، أجرى مستشار الديوان الملكي في المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، تركي آل الشيخ، زيارة إلى القاهرة، التقى فيها برأس النظام عبد الفتاح السيسي.[60]
ورغم غرابة الموقف، حيث إنه من المفترض أن المنصبين لا يتساويان ولا يتقاربان، إلا أنه من الواضح أنه كان اجتماعًا مهمًا بالنسبة للنظام، حيث حضره كذلك عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة. وبعد اللقاء، صرح عمرو أديب، أحد أقرب الإعلاميين للنظام المصري، والذي يعمل في قناة “أم بي سي مصر” السعودية أن “المستشار بعد ما التقى الرئيس، مصر ستكون في مكان آخر بعد خمس سنوات.. الإمكانات الفنية الموجودة في مصر والسعودية ستنتج كيانات ضخمة وأعمال عظيمة”.[61]
وأضاف: “قال الشيخ لوزيرة الثقافة عايز انتقي أصوات مصرية مهمة سأوفر لهم كتاب وملحنين.. امبارح أنا أزعم أنني قريب من هذا الوسط في مصر وفي المملكة ما يحدث يبعث على التفاؤل.. المستشار امبارح كان يتكلم عن السوق المصرية للغناء والتمثيل يجب أن ينفتح.. من الضروري أن تكون هناك منافسة، وليس تدميرًا للقدرات”.[62]
وأردف أنه “سيتم عمل 60 مسلسلًا، إضافة إلى الحفلات الغنائية في ظل انفتاح السوق المصرية، أم بي سي سيكون لها دور كبير في السوق المصري وسيكون هناك تنسيق كامل، وهناك اجتماعات حدثت بين سيادة المستشار وبعض المسؤولين لوضع الخطط”.[63]
كذلك، فإن بعض المصادر تحدثت عن أن اختيار حسن عبد الله، لرئاسة الشركة المتحدة، كان من ضمن أسبابه استغلال علاقاته الجيدة مع المستثمرين الخليجيين لضخ مزيد من الأموال، تعوض الخسائر الفادحة التي تكبدتها “المتحدة” في العامين الأخيرين.[64]
وهذه إشارات تؤكد على أن النظام قرر فتح الساحة الإعلامية للاستثمار السعودي، تمامًا كما فتحها في المجال الرياضي، وكان تركي آل الشيخ أيضًا هو بوابة السعودية للدخول في سوق الرياضة في مصر. وقد اتخذ الطرفان خطوات بالفعل في هذا المسار، فقبل أيام أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المصرية دخولها في شراكة مع شبكة “إم بي سي” وقناة “العربية” السعوديتين.
كما تم الإعلان أيضًا عن توقيع مذكرة تفاهم لإنتاج أعمال “ذات إنتاج ضخم” مشترك، وكذلك شراء السعوديين حقوق أعمال الشركة المتحدة للعرض على قنوات إم بي سي وتوزيعها خارج مصر. وقال المتحدث الرسمي للمجموعة المتحدة، حسام صالح، إن هذه “فرصة جيدة للإعلان عن توجه مجلس الإدارة الجديد، وسيكون هناك شراكات أخرى في القريب العاجل”.[65]
تفاعل الإعلام مع عدوان الاحتلال على غزة
ربما كانت التطورات التي جرت – وما زالت- على الساحة الفلسطينية هي الحدث الأبرز على المستوى العالمي خلال الشهر الماضي. فقد تصدرت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في القدس أبرز الصحف ووكالات الأنباء العالمية، ثم جاء بعد ذلك عدوان الاحتلال على قطاع غزة، ليزيد من أهمية الأحداث. وبالطبع، فإن الإعلام المصري كان حاضرًا بشكل كبير خلال أيام العدوان وحتى الآن.
يمكن للمراقب أن يلاحظ بسهولة تغير نبرة الإعلام المصري فيما يخص القضية الفلسطينية، خلال هذه الجولة من التصعيد إذا ما قورنت هذه النبرة بنظيرتها خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2014، حين كان الخطاب السائد هو شيطنة حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة “حماس”، باعتبار أنها فرع من جماعة الإخوان المسلمين – التي تم الانقلاب عليها في 2013 قبل شهور من اندلاع جولة المواجهة في الأراضي المحتلة- بل ذهب البعض حينها للمطالبة بضرب غزة.[66]
وكانت هناك نبرة شبه حيادية في الخطابات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية، أما الخطاب الإعلامي فكان مهاجمًا لحماس بشكل أو بآخر. حتى إن أحد الإعلاميين المقربين من النظام كان قد هاجم دفاع المقاومة عن قطاع غزة، واصفًا صواريخها بأنها “فشنك (غير مجدية)”، وأن “9% من الصواريخ لا تؤدي لأي خسائر في صفوف الاحتلال.[67]
أما الآن، وخلال العدوان الأخير، اتخذ الإعلام المصري موقفًا واضحًا انحاز فيه بجانب الحق الفلسطيني بشكل عام، وهاجم فيه سياسة الكيان الصهيوني الذي يتبنى سياسة الفصل العنصري، ويتوسع في احتلاله للأراضي الفلسطينية.[68] وبطبيعة الحال، فإن توجهات الإعلام المصري هي جزء من توجه النظام باستمرار، وتعتبر إحدى الدلالات الواضحة التي تشير إلى سياسة النظام فيما يجري من أحداث.
وعلى ذلك، فإن توجه الإعلام المصري المنافح لسياسات دولة الاحتلال أتى في سياق السياسة المصرية الرامية إلى إحياء دور القاهرة كضامن لمعادلة “السلام” في الشرق الأوسط، كما تريدها الولايات المتحدة الأمريكية، ولابتزاز الإدارة الأمريكية للتواصل مع رأس النظام في مصر بعد تجاهل دام لأشهر.[69]
لكن من الضروري هنا الإشارة إلى بعض السمات التفصيلية لهذا الخطاب الإعلامي لفهم أهدافه بشكل أدق. في هذا الإطار، غلب على النوافذ الإعلامية المصرية المبالغة أثناء استعراضها للمساعدات المصرية المقدمة لقطاع غزة. ففي أوائل أيام الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، ثم العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كان الإعلام المصري شديد اللهجة، وأكد مرارًا وقوف مصر بجانب الشعب الفلسطيني.[70]
لكن في المقابل، لم يعكس الواقع هذا الخطاب بشكل دقيق، فالمتابع للأحداث يلاحظ أن معبر رفح –شريان الحياة الوحيد لقطاع غزة بعيدًا عن الاحتلال- قد فُتح في 16 مايو/ أيار الجاري، أي بعد 6 أيام من القصف المستمر على القطاع، وبعد أن وصل عدد الجرحى إلى 1225 جريحًا، وعدد الشهداء إلى 181 شهيدًا، بينهم 52 طفلًا و31 سيدة، وفق بيان لوزارة الصحة الفلسطينية.[71] ما يعني أن الإعلام المصري كان يشدد على مساندة القاهرة للشعب الفلسطيني، في الوقت الذي كان يسقط فيه عشرات الشهداء ومئات الجرحى، دون فتح المعبر لإدخال المساعدات أو علاج جرحى العدوان.
علاوة على هذا، حاول الإعلام التركيز على الدور المصري في القضية الفلسطينية ككل، وعلى مهاجمة سياسات دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ إلا أنه كان يحاول ألا يتحول هذا إلى إطراء أو ثناء على حركات المقاومة في قطاع غزة، وعلى رأسها حركة حماس. بل إن بعضهم قد انتقد حركة حماس بعيد وقف إطلاق النار، تحت ادعاء أن الحركة تقفز على المشهد الفلسطيني، وأن القادة السياسيين للحركة هم خارج غزة.[72]
وبعيدًا عن أن افتقار هذا الخطاب للموضوعية، حيث إن حركة حماس وجناحها المسلح كانا في القلب من معركة “سيف القدس”، إلا أن هذا الخطاب الإعلامي يؤكد على أن الموقف المصري من التطورات مصالحي بحت، وأن النظام حتى الآن يكن العداء لحركة حماس، لكن إكراهات السياسة هي ما أجبرته على التعامل معها.
المراجع
[1] اليوم السابع، “وزير الخارجية: فلسطين ستظل قضية العرب المركزية.. ومصر تسعى لوقف التصعيد في القدس، 11 مايو/أيار 2021.
[2] العين الإخبارية، “برعاية مصرية.. “هدنة” غزة تدخل حيز التنفيذ، 21 مايو/أيار 2021.
[3] اليوم السابع، “الرئيس السيسى يعلن تخصيص 500 مليون دولار كمبادرة مصرية لإعادة إعمار غزة، 18 مايو/أيار 2021
[4] الجزيرة، “تطبيع إماراتي إسرائيلي في مجال الطاقة.. هل يحطم حلم مصر في قناة السويس؟ ،29 اكتوبر/ تشرين الاول 2021
[5] الميادين، “إسرائيل” وإثيوبيا … علاقات عسكرية متصاعدة والهدف هو أفريقيا، 30 يناير/ كانون الثاني 2021
[6] الأناضول، “السيسي يبحث في جيبوتي تعزيز التعاون العسكري في أول زيارة لرئيس مصري، 27 مايو/أيار 2021.
[7] العربي، “بعد أوغندا.. اتفاق تعاون عسكري بين مصر وبوروندي في ظل أزمة سد النهضة، 10 إبريل 2021
[8] إندبندنت العربية، “الولاية الخامسة تثير الجدل السياسي حول رئيس جيبوتي، 13 فبراير/كانون الثاني 2021.
[9] اليوم السابع، “رئيس جهاز التمثيل التجارى: مفاوضات جادة لإنشاء منطقة لوجيستية مصرية فى جيبوتى، 24 أكتوبر 2019.
[10] يني شافاق التركية، “أكار: العلاقات التركية المصرية ستصل مستويات رفيعة قريبا، 8 مايو/أيار 2021.
[11] روسيا اليوم، مصر تكشف لأول مرة عن حادث وقع اثناء تعويم السفينة “ايفر غيفين” في قناة السويس، 23/5/2021
[12] CNN، قناة السويس تخفض التعويض المطلوب من السفينة البنمية إلى 550 مليون دولار، 25/5/2021
[13] البوابة، فيديو/ قناة السويس تكشف سبب تخفيض التعويض بشأن السفينة الجانحة، 30/5/2021
[14] الشرق الأوسط، قناة السويس: السرعة الزائدة وحجم الدفة سبب جنوح “ايفر غيفين”، 27/5/2021
[15] مصراوي، تعويضات العاملين .. ماذا بعد تعيين مصفي شركة الحديد والصلب، 20/5/2021
[16] القدس العربي، مصنع الحديد والصلب المصري يغلق أبواب تمهيدًا للتصفية، 31/5/2021
[17] مباشر، بعد 67 عامًا..تصفية شركة الحديد والصلب في مصر، 31/5/2021
[18] أخبار اليوم، بعد قرار التصفية.. كل ما تريد معرفته عن شركة الحديد والصلب المصرية، 11/1/2021
[19] الشروق، مجلس النواب يوافق على مشروع قانون شغل بعض الوظائف، 23 مايو،
[20] المرجع السابق
[21] الموقع الرسمي لمجلس النواب، حصاد المجلس 1ـ10 مايو،
[22] مصراوي، النواب يوافق على مشروع قانون الرسم والتوثيق، 10 مايو،
[23] الأهرام، 3 أهداف لقانون التوثيق والرسم، 10 مايو،
[24] الموقع الرسمي لمجلس النواب، حصاد المجلس 1ـ10 مايو،
[25] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق نهائياً على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، 23 مايو،
[26] الأهرام، النواب يوافق على 6 مشروعات قانون، 23 مايو،
[27] اليوم السابع، النواب يوافق على تعديل قانون صندوق تحيا مصر، 23 مايو،
[28] مدى مصر.. كيف تخلص صندوق السيسي من الرقابة على ملياراته.. 22 مارس 2016..
[29] المصري اليوم، 6 قرارات لمجلس النواب تعرف عليها، 23 مايو،
[30] نقابة المحامين. قانون 87 لسنة 2015
[31] الأخبار. البرلمان يناقش قانون الكهرباء. 27 أبريل
[32] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق على مشروع قانون العمرة، 23 مايو،
[33] بوابة الأهرام، نص قانون بوابة العمرة،
[34] المرجع السابق
[35] بوابة الأهرام، قانون بوابة العمرة، 28 فبراير،
[36] بوابة الأهرام، نص قانون بوابة العمرة،
[37] موقع مجلس النواب، حصاد الأسبوع 23 مايو،
[38] المصري اليوم، النواب يوافق على قانون الخدمة المدنية، 23 مايو،
[39] صحيفة الجديد، وزير المالية يكشف الحد الأدنى للأجور في مصر، 23 مايو،
[40] المرجع السابق
[41] المصري اليوم، النواب يوافق على قانون الخدمة المدنية، 23 مايو،
[42] بي بي سي عربي، شيخ الأزهر أحمد الطيب يثير نقاشا بتصريحاته عن التراث الفقهي، 2 مايو 2021م، https://www.bbc.com/arabic/trending-56965872
[43] الوطن، تجديد الخطاب الديني يفجر خلافات بين الأزهر والمفكرين، 30 يناير 2020م، https://www.elwatannews.com/news/details/4549324
[44] المصدر السابق.
[45] عمارة، محمد. الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديد الأمريكاني، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2007م، ص7 وما بعدها.
[46] المصدر السابق، ص11.
[47] الغزالي، محمد. كيف نفهم الإسلام، القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م، ص119-120.
[48] المصري اليوم، التعليم تقرر تدريس اللغة الصينية على طلبة أولى إعدادى فى 10 مدارس رسمية لغات من العام المقبل، 19 مايو 2021م، https://www.youm7.com/story/2021/5/19/5324100
[49] القيادي، قريبًا.. طلاب المدارس في مصر سيدرسون اللغة الصينية، 8 سبتمبر 2020م، https://www.alqiyady.com/372837
[50] المطوع، نجاة عبدالعزيز. تأثير اللغات الأجنبية على اللغة الأم، جمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، http://www.wata.cc/forums/showthread.php?55270
[51] المصدر السابق.
[52] بوابة الأهرام، تحت شعار “5 سنوات من التطوير”.. تفاصيل المؤتمر الصحفي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية| صور، 29 مايو/ أيار 2021
[53] شبكة العربي ميديا، طرح “الشركة المتحدة” التابعة للمخابرات المصرية في البورصة، 29 مايو/ أيار 2021
[54] المصدر نفسه
[55] العربي الجديد، مسلسلات رمضان… تحقيقات بسبب فساد بشركة المخابرات وتامر مرسي ينتظر الإطاحة، 25 مايو/ أيار 2021
[56] المصدر نفسه
[57] القدس العربي، شركة تمتلكها المخابرات المصرية وتسيطر على الإعلام تعلن تغييرات في هيكلها وخططها، 30 مايو/ أيار 2021
[58] الجزيرة نت، هيكلة الشركة المهيمنة على الإعلام المصري.. أسرار ومفاجآت وتساؤلات عن الجديد؟، 1 يونيو/ حزيران 2021
[59] محطة مصر نيوز، بعد نقلهما حفل المومياوات الملكية .. ما لا تعرفه عن سعدي- جوهر ؟، 4 إبريل/ نيسان 2021
[60] مصراوي، الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء الرئيس السيسي وتركي آل الشيخ، 24 مايو/ أيار 2021
[61] اليوم السابع، أديب يكشف كواليس مقابلة تركى آل الشيخ بالرئيس السيسى: مصر فى مكان أخر بعد 5 سنوات، 28 مايو/ أيار 2021
[62] برنامج الحكاية، عمرو أديب: أنتوا اكيد قريتوا الكلام عن الشركة المتحدة واللي اتقال عن إعادة الهيكلة، 29 مايو/ أيار 2021
[63] المصدر نفسه
[64] العربي الجديد، شكل جديد لمنظومة المخابرات الفنية والإعلامية في مصر، 28 مايو/ أيار 2021
[65] Sputnik Arabic، مصر… “المتحدة للخدمات الإعلامية” تعقد شراكة مع “إم بي سي” السعودية، 30 مايو/ أيار 2021
[66] عربي 21، الإعلام المصري يطالب بطرد الفلسطينيين وضرب غزة، 22 يوليو/ تمّوز 2014
[67] صدى البلد، بالفيديو.. أحمد موسى: صواريخ حماس “فشنك”.. وعلى “مشعل” الرجوع لغزة بدلا من الجلوس فى قطر، 12 يوليو/ تمّوز 2014
[68] صدى البلد، أحمد موسى يدعم فلسطين ويهاجم أمريكا: ما تفعله إسرائيل جرائم حرب، 18 مايو/ أيار 2021
[69] Nashaat Eldeehy، الديهي: كان هناك دول تحاول قطع دور مصر للقضية الفلسطينية ودلوقت كل الدول بتشيد بدورها حتى تركيا وقطر، 31 مايو/ أيار 2021
TeN TV، دور مصر التاريخي في وقف الحرب بقطاع غزة، 24 مايو/ أيار 2021
[70] برنامج الحكاية، اقوي تعليق من عمرو اديب علي فلسطين، 12 مايو/ أيار 2021
[71] فرانس 24، مصر تفتح معبر رفح قبل الموعد المقرر بيوم لاستقبال المصابين من قطاع غزة، 16 مايو/ أيار 2021
[72] Nashaat Eldeehy، بيقفزوا على المشهد الفلسطيني.. هجوم شرس من الديهي على حماس ويحذر هنية وخالد مشعل على الهواء، 24 مايو/ أيار 2021