فريق التحرير :
د. أحمد حسين ـ محمد عبد العاطي ـ رحمة عبد المجيد ـ عبد الرحمن محمد
الفهرس
الدفتر السياسي
- مستجدات التقارب المصري القطري
- اقتراح السيسي بتعيين ضابط في كل قرية
- إقرار قانون الفصل بغير الطريق التأديبي
- السيطرة على المجلس الأعلى للإعلام
الدفتر الاقتصادي
- ملامح ومشكلات الموازنة المصرية لعام 2021/2022
- أداء ميزان المدفوعات (يوليو 2020 – مارس 2021)
الدفتر التشريعي
- مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
- الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجلس
الدفتر الفكري والثقافي
- الجامعات المصريَّة ونظام الساعات المعتمدة
- معرض القاهرة وأزمة الكتاب في مصر
الدفتر الإعلامي
- حملة ترويج لإنجازات مزعومة في ذكرى تولي السيسي الرئاسة
- الذكرى الـ26 للاحتفال بيوم الصحفي المصري
- أمين عام جديد للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
مقدمة
برزت خلال الشهر الماضي ملامح لزيادة التعاون بين مصر وقطر، بعد مقاطعة سياسية استمرت لسنوات، كذلك فإن النظام قد اتخذ بعض الخطوات الإضافية على المستوى الداخلي لزيادة وإحكام سيطرته على الشعب ومقدراته، من ذلك اقتراح السيسي بتعيين ضابط لكل قرية، و إقرار برلمان النظام قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، وتعيين أمين عام جديد للمجلس الأعلى للإعلام معروف بتبعيته للنظام.
وعلى الجانب الاقتصادي، فنستعرض ملامح ومشكلات الموازنة المصرية لعام 2021/2022، كما نتحدث عن أداء ميزان المدفوعات (يوليو 2020 – مارس 2021)، وتكمن أهمية نقاش هذه الفترة في أنها تتضمن مظاهر تأثر الاقتصاد المصري خلال جائحة كورونا. أما في الدفتر التشريعي، فنرصد كالعادة، مشروعات القوانين التي أقرها مجلس نواب النظام، والتي كان منها قانون الصكوك السيادية، وقانون الخدمة والترقية لضباط الجيش. كما نذكر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجلس.
وفيما يخص الدفتر الفكري، فنكتب عن إعلان المجلس الأعلى للجامعات عن الاتجاه لتطبيق نظام الساعات المعتمدة في الجامعات المصريَّة، كما نستعرض النقاش الذي يَدور حول أزمات الكتاب في مصر بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي الدفتر الإعلامي، فنرصد الحملة الإعلامية الواسعة للترويج لإنجازات مزعومة للنظام، كما نناقش حال الصحفيين في الذكرى الـ26 للاحتفال بيوم الصحفي المصري.
لقد تضمن شهر يونيو /حزيران الماضي العديد من التطورات البارزة فيما يتعلق بالشأن المصري. على الصعيد الخارجي، تضمن الشهر العديد من اللقاءات والزيارات الثنائية بين مصر وقطر بهدف تحسين العلاقات بين البلدين، وتلتها تعيين مصر سفير فوق العادة لدى الدوحة وذلك بعد مرور سنوات من سحب مصر سفيرها لدى قطر. أما على الصعيد الداخلي، فقد اتخذت العديد من القرارات والقوانين التي ستؤثر بدورها على العلاقة بين المعارضة والنظام المصري. وأبرزها موافقة البرلمان على قانون الفصل بغير الطريق التأديبي وتعيين المستشار محمود فوزي المقرب من المخابرات العامة المصرية، أمينًا عامًا للمجلس الأعلى الإعلام. ذلك بالإضافة إلى اقتراح قدمه السيسي يتضمن تعيين ضابط في كل قرية من قرى مصر. وسنتحدث في هذا التقرير عن هذه الأحداث السياسية البارزة وعن أثرها السياسي.
مستجدات التقارب المصري القطري
تتكثف ملامح تغيرات ملفتة في السياسة الخارجية المصرية تجاه الدولة القطرية. منذ بداية عام 2021، حيث شهدت العلاقات المصرية القطرية خطوات إيجابية متتالية بعد انعقاد قمة العلا التي أفضت إلى توقيع اتفاق مصالحة أنهت قطيعة استمرت سنوات بين قطر ومصر والسعودية والإمارات والبحرين، بدأت في يونيو/حزيران 2017. وقد بلغت مساعي الدولتين لتطوير العلاقات الثنائية ذروتها بتسلم السيسي دعوة رسمية من أمير قطر تميم بن حمد لزيارة الدوحة والتي تبعتها دعوة مصرية لزيارة الأمير تميم إلى القاهرة. كما تبادل الطرفان الزيارات بين وزيري خارجية البلدين، خلال شهر يونيو/ حزيران 2021،[1] وذلك لتعزيز التباحث بين البلدين حول سبل تطوير العلاقة الثنائية ومناقشة جميع المستجدات الإقليمية والدولية وتنسيق المواقف الثنائية تجاهها. علاوة على ذلك، قام السيسي بإصدار مرسوم في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي يقضي بتعيين سفير فوق العادة لدى قطر[2]، والذي يتمتع بصلاحيات قانونية موسعة تشمل توقيع اتفاقيات باسم الدولة التي يمثلها على عكس السفير العادي. وتعد هذه المرة الأولى التي تعين فيها القاهرة سفيرًا لدى الدوحة منذ بداية الأزمة الخليجية.
غير أن تسارع القاهرة في تحسين العلاقات مع الدوحة وتغيير الخطاب الإعلامي المحلي تجاه قطر من سياسة الهجوم والانتقاد المستمر إلى سياسة التهدئة والحديث عن تطبيع العلاقات الثنائية، يثير التساؤلات حول سبب تقارب القاهرة مع الدوحة، وعن مصلحة القاهرة في تطوير علاقتها بالدوحة في هذا التوقيت بالذات.
كان قد بدأ الخلاف بين القاهرة والدوحة بسبب تباين سياساتهما منذ الانقلاب على الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الأمر الذي وصفه الإعلام القطري بأنه انقلاب على شرعية رئيس منتخب، ما أثار الخلافات بين الدوحة والقاهرة. والذي زاد من حدة الخلافات هو استقبال قطر لبعض أفراد المعارضة المصرية بعد الانقلاب على الرئيس مرسي. وقد ارتفعت وتيرة الخلافات بعد إعلان السعودية والإمارات وانضمت إليهم مصر فيما بعدها الحصار على قطر في أواخر عام 2017.
بيد أن المصالحة الخليجية التي عرفت ب قمة العلا في أوائل هذا العام مهدت الطريق لتقارب مصري قطري، وذلك بسبب المستجدات الإقليمية والدولية التي أعادت رسم التحالفات السياسية في المنطقة، وحتمت حدوث تغيير في خريطة التحالفات الإقليمية بهدف خدمة المصالح الذاتية لدول الشرق الأوسط وعلى رأسهم مصر ودول الخليج العربي.
يعد فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من أهم المستجدات الدولية التي أثرت على خريطة التحالفات في المنطقة. حيث إنه من مصلحة النظام الأميركي حدوث تقارب بين مصر وقطر بهدف تعاون الدوحة والقاهرة في لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي دون أن يضر ذلك بالمصالح الأمريكية في المنطقة، والذي قد يفسر بدوره إشادة بايدن لتطبيع العلاقات بين مصر وقطر[3].
علاوة على ذلك، من أهم هذه المستجدات الإقليمية ظهور موجة من تطبيع العلاقات بين الدول العربية وعلى رأسهم الإمارات ودولة الاحتلال. والذي تسبب بدوره في تغيير محددات السياسة الخارجية للدولة المصرية بشكل أو بآخر، بعد أن أضحت الإمارة منافسًا لمصر في المنطقة يهدد الدور الذي تلعبه القاهرة في الإقليم.
حيث تسعى أبو ظبي إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة في الشرق الأوسط وذلك بعد أن عقدت اتفاقية مع الاحتلال تقضي بإنشاء خط أنابيب لنقل النفط بين إيلات وعسقلان، والذي بدوره يهدد مصالح مصر لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة عن طريق استغلالها حصتها الضخمة من الغاز في شرق المتوسط، وكذلك محطات الإسالة الخاصة بها، وقناة السويس التي تنقل من خلالها ملايين براميل النفط والغاز.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حدوث تقارب بين مصر وتركيا، والتي تعد حليف الدولة القطرية في المنطقة، قد أشار إلى حدوث تقارب مصري قطري بدوره. حيث إنه من مصلحة كل من الدوحة والقاهرة تحسين العلاقة بينهما. يعتقد أن النظام المصري يسعى بأقصى جهده لتحسين العلاقات بينه وبين كل من قطر وتركيا ليشكل جبهة مضادة أمام الإمارات وإسرائيل في المنطقة.
علاوة على ذلك، يتوقع أن تنضم السعودية إلى تلك الجبهة وذلك يرى من خلال تقارب تركي سعودي وتقارب قطري سعودي يلوح في الأفق في الآونة الأخيرة. حيث إنه من مصلحة كل من النظام المصري والسعودية تكوين جبهة قوية أمام إيران وذلك بسبب تخوفات كلا الدولتين من تصدير إيران الثورة إلى بلادهم، خاصة في ذلك الوقت الذي تفتقد فيه القاهرة الاستقرار المحلي والذي تخشى فيه السعودية من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة.
أي أن فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتطبيع الإمارات مع إسرائيل، والتقارب بين مصر وتركيا في الآونة الأخيرة قد مهدوا الطريق للتقارب المصري القطري الذي يجري في الآونة الأخيرة. إلا أن مصلحة القاهرة من التقارب مع الدوحة عجلت من تحسين العلاقات الثنائية والتي ستساعد النظام المصري في الاستفادة من الخبرة القطرية في حل النزاعات والدور القطري التاريخي كوسيط بين مختلف الدول في المنطقة في حل أزمة السد الإثيوبي وكذلك في لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل.
كما أنه من خلال هذا التقارب قد تتمكن القاهرة من الحول بين تصاعد النفوذ الإماراتي في المنطقة وبدوره من تحقيق هدفها بأن تكون مركزا إقليميًا للطاقة بمعاونة أنقرة والدوحة. كما سيساعدها ذلك التقارب في لعب دور فعال في قضايا المنطقة الأخرى وبالتالي عودة مصر إلى دورها الريادي في المنطقة.
أما على الصعيد الداخلي، يثير هذا التقارب التساؤلات حول ما إذا كان تطور العلاقات الثنائية بين مصر وقطر سيضر بجماعة الإخوان المسلمين أم لا وذلك لأنها منبع الخلاف الأساسي بين الدولتين. لقد نفى وزير الخارجية القطري في حوار له في مايو/ أيار الماضي مناقشة ملف الإخوان في الإجتماعات الثنائية بين البلدين أم لا، مضيفًا أن القاهرة والدوحة سيتجاوزوا عن جميع الملفات العالقة بينهما قائلًا ” نحن اليوم نعمل مع الحكومة وهي الحكومة الشرعية التي تم انتخابها في النهاية”[4].
بيد أنه لا يعتقد أن يشكل هذا التقارب خطرًا على الجماعة أو على المعارضة بشكل عام. إذ أن الموقف القطري تجاه ما حدث في مصر عام 2013 واضح. كما أنه لم يصدر من الدوحة أي أقوال تشير إلى تغيير موقفهم من “الانقلاب” أو موقفهم تجاه قضايا المعتقلين في مصر أو موقفهم تجاه الجماعة. لأن الدوحة تنظر إلى ملف معتقلي المعارضة المصرية بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية على أنهم معتقلي رأي لذا يتوقع ألا تتوقف وسائل الإعلام القطرية عن دعم قضايا المعتقلين وكذلك موقفها تجاه أحكام الإعدام حيث تنظر الدوحة إليها على أنها قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، وهي متوافقة مع القيم العليا لقطر.
كما أنها ترى جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة سياسية ولم تصدر أي بيان أو تصريح يشير إلى أنها ستعلن جماعة الإخوان على أنها إرهابية”. إلا أنه من المتوقع أن يهدأ الإعلام القطري من حدة الانتقاد للنظام المصري بخصوص قضايا المعتقلين وقضايا حقوق الإنسان.
أحداث خاصة بتحديد علاقة النظام المصري بالمعارضة
يتبع نظام السيسي الحاكم منذ عام 2014 استراتيجية “الإقصاء التام” تجاه المعارضة بكل طوائفها وأحزابها. بل واتسعت هذه الاستراتيجية لتشمل سياسة يمكن أن نسميها بـ “استبعاد المعارضين من فكرة المواطنة”. وبالفعل اتخذ النظام المصري العديد من الإجراءات وشرع بعض القوانين البارزة ليؤسس الشرعية أو المشروعية النابعة من سلطة القانون لتلك الإجراءات اللازمة لتطبيق سياسات الإقصاء الكلي، ليس فقط من المعارضة بل من المواطنة كذلك.
اقتراح السيسي بتعيين ضابط في كل قرية بالبلاد
لقد تضمن شهر يونيو/حزيران الماضي العديد من الأحداث الهامة التي ترسم بعض الخطوط العريضة بعلاقة النظام المصري بالمعارضة والشعب في الفترة القادمة.
أولى هذه التطورات يتعلق باقتراح عرضه السيسي على رئيس الحكومة ووزير الدفاع يتضمن تعيين ضابط جيش في كل قرية بالبلاد، وذلك خلال كلمة ألقاها السيسي خلال احتفال بمبادرة (حياة كريمة) لتطوير قرى الريف المصري.[5] وتزامن ذلك مع ذكرى أحداث 30 يونيو/حزيران التي أعقبها بأيام الإطاحة بالرئيس مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب.
بيد أن هذا الاقتراح المريب الذي أتى في سياق تطبيق “حياة كريمة” لأهالي القرى – عن طريق ” متابعة طلاء المنازل من الخارج بعد دخول المياه والصرف الصحي والغاز والاتصالات” على حد قول السيسي- يثير التساؤلات حول ما إذا كان غرضه بالفعل إقامة حياة كريمة. وذلك بسبب تعيين ضابط وليس مسؤولًا إداريًا مختصًا للإشراف على تطبيق مثل هذه الخدمات العامة.
غير أن ذلك الاقتراح يبدو وكأنه محاولة من النظام المصري للسيطرة على الريف والقرى المصرية وإحكام قبضتها الأمنية هناك. يذكر أن الاحتجاجات الواسعة التي دعا إليها المقاول المصري محمد علي في سبتمبر العام الماضي واستجابت إليها العديد من القرى آنذاك، كانت قد سببت قلقًا واسعًا للنظام المصري. حيث أن الأمن المركزي ركز كل قواه خلال السنوات الماضية على المدن لكنه تجاهل القرى مما أدى إلى جهل النظام المصري بخريطة الريف المصري.
ووُجّهَت أنظار النظام إلى تلك القضية بعد احتجاجات سبتمبر/أيلول لعام 2021. ونظرًا إلى أزمة المياه الموجودة حاليًا في مصر، بسبب سد النهضة الإثيوبي، والتي يتوقع أن تبدأ وتيرتها من القرى، يخشى النظام المصري اندلاع الاحتجاجات من الأهالي في هذه المناطق اعتراضًا على نقص المياه. ويأتي هذا الاقتراح في سياق سياسة النظام التي تستهدف خفت صوت المعارضة نهائيًا في الداخل. أي أن النظام يتخذ تدابير يمكن تسميتها بـ”الوقائية” مثل أن يقوم بضبط الشارع من خلال ضمان الانتشار الأمني قبل أي دعوة مرتقبة للاحتجاجات. لذا نعتقد أن اقتراح السيسي جاء في إطار استدامة سياسة كبح جماح المعارضة بجميع أشكالها من تمرد أو إعلان وقفات وما شابه ذلك.
موافقة البرلمان المصري على قانون الفصل بغير الطريق التأديبي
إضافة إلى ذلك، وافق البرلمان المصري من حيث المبدأ على مشروع قانون الفصل بغير الطريق التأديبي[6]، والذي يسمح بفصل الموظفين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة على أنها “إرهابية” من قبل النظام المصري، من الجهاز الإداري للدولة. كذلك، يقضي القانون بفصل العاملين المتعاطفين مع الجماعة أو الذين يعتنقون أفكارًا “مناهضة للدولة” وفق نص القانون. فضلًا عن أن الفصل بهذه الطريقة يحرم الموظف من أي ضمانات تحميه بعض الفصل. يدخل هذا للقانون في إطار سياسة “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها النظام المصري منذ عام 2014 للحفاظ على استقرار البلاد.
إلا أن مثل هذه القوانين تدخل في إطار تحديد الدولة لمفهوم المواطنة ورسم حدود مبدأ المواطنة على أسس سياسية بعيدة عن مبادئ الدولة المدنية والتي تقضي بوجوب وجود سلطة شرعية ومعارضة شرعية أيضًا كما أنه يقضي بوجوب إعطاء الدول مواطنيها جميع حقوقهم المدنية ابتداء من حرية الرأي والتعبير إلى التعليم والعمل في سبيل توفير قدر من الرفاهية بداخل الدولة لمواطنيها.
إلا أن قانون الفصل بغير الطريق التأديبي على سبيل المثال يقوم على الأساس بنزع إحدى أبرز حقوق المواطنة بل ويتعدى ذلك إلى نزع المواطنة كليًا، عن طريق إقصاء المعارض من كل من المجال العام والمجال الخاص. حيث يلجأ النظام المصري عن طريق إقرار مثل هذه القوانين إلى تعزيز مشروعية جميع الإجراءات المتخذة تجاه جميع أفراد المعارضة، مستخدمًا قضية “الحرب على الإرهاب” لدعم أي إجراء ضد أي فرد بحجة وجود ظرف استثنائي في الدولة وفي سبيل الحفاظ على أمنها القومي.
بيد أن هذا القانون من الممكن ألا يقتصر تطبيقه فقط على أعضاء الجماعة. حيث أنه لا توجد وثيقة رسمية مع كل فرد من أفراد الجماعة تؤكد انتمائه رسميًا لها. مما يعني أن هذا القانون قد يستخدم في رفع القمع تجاه أي معارض في الدولة كما أنه يهدد بتفاقم أزمة حقوق الإنسان في الدولة. حيث أنه في حالة ثبوت انتماء فرد لجماعة الإخوان المسلمين أو للمتعاطفين معها أو أي فرد ينتمي لأي جماعة محظورة أخرى ستتخذ الحكومة إجراءات قانونية تجاهه أقلها الحبس الاحتياطي أو الاعتقال وقد تصل إلى الحكم بالإعدام.
تعيين مستشار بمجلس الدولة أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للإعلام
علاوة على ذلك، تضمن شهر يونيو/حزيران الماضي تعيين المستشار محمود فوزي أمينًا عامًا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو الأمين العام السابق لمجلس النواب ونائب رئيس مجلس الدولة.[7] ووفق البيان الصادر عن مجلس الإعلام، تم تعيين محمود فوزي أمينًا عامًا انتدابًا كليًا من مجلس الدولة. ويعد محمود فوزي أحد المستشارين المقربين من المخابرات العامة المصرية. ويأتي ذلك القرار في إطار سعي جهاز المخابرات العامة المصرية والأجهزة الأمنية المصرية للسيطرة على المجال الإعلامي في مصر من خلال شراء القنوات وتولي المناصب الإدارية العظمى. وذلك للتحكم فيه إدارة الرأي العام من خلال تضمين أو إقصاء قضايا معينة تخدم سياسات ومصالح النظام.
وهذا الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقة النظام بفكرة مدى تقبل المعارضة. حيث إنه من المفترض أن تقوم المؤسسة الإعلامية بنشر الوعي والحقيقة، إلا أن الأنظمة الدكتاتورية تقوم بتصحير المجال الإعلامي من أي معارضة حقيقية. بل إنها تستخدم كوسيلة لتشتيت العامة عما يدور في البلاد مثل أن تتجاهل وسائل الإعلام الحديث عن دعوات الاحتجاج ضد النظام أو التجمعات أو الاحتجاجات الشعبية وفي أحيان أخرى تقوم بالهجوم على المعارضة أفرادًا وجماعات في حال حدوث تطورات معينة تستدعي تغير استراتيجيات تجاه المعارضة.
بنهاية يونيو 2021، تكون الحكومة أمام تنفيذ الموازنة الجديدة للعام المالي 2021/2022، بما تحمله من مشكلات تتعلق بالأداء الحكومي، وكيفية إدارة كل من النفقات والإيرادات، في ضوء الاحتياجات الأساسية، ومعاناة المواطنين مع الضرائب والرسوم المتزايدة، في ظل تردي الخدمات الحكومية. فضلًا عن تراكم الديون التي أصبحت مشكلة بلا حل أو رؤية لدى الحكومة، التي عمدت إلى الاعتماد على الديون بشكل كبير، وهو ما يعني أننا أمام استراتيجية معتمدة لدى الحكومة، وهي ترحيل المشاكل للأجيال القادمة.
أما الموضوع الثاني المهم، والذي يتناوله التقرير هذا الشهر، فهو تلك البيانات التي نشرها البنك المركزي المصري، عن أداء ميزان المدفوعات عن الفترة ( يوليو 2020 – مارس 2021) وهي فترة مهمة بما تحتويه من بيان بعض مظاهر تأثر الاقتصاد المصري خلال جائحة فيروس كورونا، بشكل يمكن الاعتماد عليه في التحليل، لكون الأرقام تعكس التنفيذ الحقيقي والفعلي، وليس مجرد تقديرات.
- الموازنة المصرية لعام 2021/2022 … الملامح والمشكلات
مع بداية يوليو من كل عام ميلادي تبدأ الحكومة في تنفيذ موازنتها المالية، وذلك بعد اعتمادها من مجلس النواب، وحسبما يقضي دستور الانقلاب العسكري لعام 2014، فإن الحكومة ملزمة بتقديم مشروع الموازنة للعام المالية قبل بدايته بثلاثة أشهر إلى مجلس النواب.
ويلاحظ أن الموازنة المصرية تعاني من عدة مشكلات متراكمة، ولا يتم معالجتها على مدار السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى وجود أزمة تمويلية مزمنة، متمثلة في العجز المستمر والمتزايد، بسبب الفجوة بين النفقات الحتمية، والإيرادات العاجزة دائمة عن تقليص الفجوة بين الإيرادات والنفقات، على الرغم من أن حكومات السيسي منذ 2013/2014 تكبد المواطنين المزيد من الضرائب، وكذلك تقليص الدعم بأنواعه المختلفة، ولأول مرة في الموازنة المصرية، يكون دعم الكهرباء بها صفر في العام المالي 2021/2022، وهو ما يعني أن المواطن المصرية يستهلك الكهرباء بالأسعار الدولية.
- ملامح الموازنة
حسب أرقام البيان المالي لموازنة عام 2021/2022، والذي ألقاه وزير المالية محمد معيط أمام مجلس النواب، فإن المصروفات المعتمدة لنفس العام، قدرت بنحو 1.83 تريليون جنيه مصري، بينما الإيرادات المعتمدة قدرت بنحو 1.36 تريليون جنيه، وهو ما يعني استمرار وجود الفجوة التمويلية بالموازنة، ووجود عجز كلي قدر بنحو 475 مليار جنيه.
وبالنظر إلى تحليل بند المصروفات، فإننا أمام مكون يعكس سمة سلبية للموازنة المصرية، كونها موازنة استهلاكية، والاستثمارات فيها مبالغ محدودة، مقارنة بما هو مطلوب لمواجهة احتياجات مصر على الصعد المختلفة.
فالأجور والمرتبات، بلغت 361 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات للجهاز الإداري للحكومة قدرت بنحو 103 مليار جنيه، بينما الفوائد على القروض قدرت بنحو 579 مليار جنيه، ومخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للأفراد بلغت 321 مليار جنيه، والمصروفات الاخرى، التي تضم مخصصات القوات المسلحة، وباقي مؤسسات ما يعرف بموازنات السطر الواحد، كالقضاء والجهاز المركزي للمحاسبات وغيرهما، فقد بلغت تلك المخصصات 113.7 مليار جنيه، في حين بلغت الاستثمارات العامة بحدود 358 مليار جنيه.. ومن الضروري أن نشير إلى مخصصات قطاعين مهمين، وهما قطاع الصحة الذي بلغت مخصصاته في الموازنة الجديد 108.7 مليار جنيه، وقطاع التعليم الذي قدرت مخصصاته بنحو 172.6 مليار جنيه.
أما الجانب الثاني من مكونات الموازنة العامة في مصر، فهو الإيرادات العامة، والتي أشرنا إليها عاليه بأنها تبلغ 1.36 تريليون جنيه، وهي تضم الإيرادات الضريبية، والإيرادات غير الضريبية، أما عن الإيرادات الضريبية فقدرت بنحو 983 مليار جنيه، كما قدرت المنح خلال العام، بنحو 1.54 مليار جنيه، وأما الإيرادات الأخرى غير الضريبية، فقدرت بنحو 380 مليار جنيه.
وتضم الإيرادات الضريبية، مجموعة من الضرائب المختلفة، فالضرائب العامة قدرت بنحو 496 مليار جنيه، وهي تضم مكونات مختلفة منها على سبيل المثال الضرائب على المرتبات وما في حكمها نحو 90.4 مليار جنيه، والضرائب على النشاط التجاري والصناعي 49.9 مليار جنيه، وضريبة المهن الحرة نحو 4.8 مليار جنيه، أما الضريبة العقارية فقدرت بنحو 1.7 مليار جنيه.
وتضم الإيرادات الضريبية أيضًا ضريبة القيمة المضافة والتي قدرت بنحو 390 مليار جنيه، والضرائب الجمركية 42.3 مليار جنيه، وهناك تصنيف تتضمنه الإيرادات الضريبية تحت عنوان باقي الإيرادات الضريبية ويقدر بنحو 52.6 مليار جنيه.
أما الإيرادات غير الضريبية فتضم فوائد المؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام والهيئات الاقتصادية، فهي تضم فائض هيئة قناة السويس والذي قدر بنحو 33.1 مليار جنيه، وفائض قطاع البترول 7.7 مليار جنيه، وفائض الهيئات الاقتصادية 21.4 مليار جنيه، وفائض أرباح شركات قطاع الأعمال العام 16 مليار جنيه، وموارد الصناديق الخاصة 51.1 مليار جنيه[8].
- مشكلات الموازنة
تعاني الموازنة العامة في مصر العديد من المشكلات التي رصدها الاقتصاديون والبرلمانيون وغيرهم منذ فترة طويلة، ولكن يلاحظ أن تلك المشكلات تفاقمت بشكل كبير في عهد السيسي، فالفجوة التمويلية بالموازنة، والمتمثلة في العجز الكلي تقدر بنحو 475 مليار جنيه، (أي ما يعادل 30.1 مليار دولار) ولا تجد الحكومة مخرجًا في ظل تصورها الضيق لإدارة الاقتصاد المصري، سوى من خلال الاقتراض، سواء من الداخل أو الخارج، حيث بلغت الديون المحلية المستحقة على مصر 4.7 تريليون جنيه في يونيو 2020، بينما بلغت الديون الخارجية 129.1 مليار دولار في ديسمبر [9]2020.
وتكمن مشكلة الديون في مصر في عدة أمور، منها أنها تعكس مدى عجز الاقتصادي المصري عن توفير التمويل الذاتي بنسبة جيدة لسد احتياجات الاستثمارات، في ظل الداخلين الجدد لسوق العمل، ومتطلبات الزيادة السكانية.. وقد أدت سياسة الحكومة في الاعتماد على الدين لتمويل الموازنة إلى ارتفاع مخصصات الديون بالموازنة العامة، حتى أصبحت تمثل أكبر مخصصات الموازنة، حيث قدرت بنحو 579 مليار جنيه هذا العام، وهي المخصصات التي تفوق مخصصات الأجور، أو الدعم، باعتبار هذه المخصصات من البنود التي تستحوذ على قدر كبير من الإنفاق العام.
وفي ظل استمرار الحكومة بالإنفاق الجاري، نجد أن كل من التعليم والصحة، يحصدان مخصصات لا تتناسب مع احتياجات المجتمع، وقد كشفت أزمة جائحة كورونا عجز الحكومة عن توفير الرعاية الصحية اللازمة والضرورية للمجتمع، فلكم اشتكى الأطباء والطواقم الطبية الأخرى من عدم توفير المستلزمات الطبية والوقائية، كما أن التعليم في مصر، وعلى الرغم من زيادة مخصصاته كل عام بنسبة ضئيلة، إلا أن مخرجات المؤسسات التعليمية تعاني من عدم توافقها مع متطلبات سوق العمل، وتعد مصر واحدة من الدول التي تفتقر لليد العاملة الماهرة.
وبشكل عام تعكس قضية عجز الموازنة العامة في مصر، وما يتبعها من تزايد فاتورة أعباء الدين، حالة من التضييق على المواطنين، في الاستفادة من خدمات القطاعات المهمة للتنمية البشرية، مثل التعليم والصحة والبنية الأساسية، ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من التدليل، من مظاهر التكدس في المدارس الحكومية، وغياب المعامل، وسواء الإدارة في العملية التعليمية، والتي كان أبرزها فشل وزارة التربية والتعليم في تنفيذ ما أعلنت عنه من إجراء امتحانات المرحلة الثانوية بسنواتها المختلفة عبر “التاب”. كما أن السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة ركزت على تحميل المواطنين بكثير من الأعباء، بحجة تحسين الأوضاع المالية والمعيشية، وهو ما لم يجد له الأفراد صدى بشكل حقيقي في حياتهم، فقد زاد الفقر ليصل عدد الأسر الفقيرة في مصر مطلع عام 2021 إلى 8.5 مليون أسرة فقيرة، تضم نحو 32 مليون فرد.
وهناك أمر مهم يتعلق بمدى غياب المسئولية في واقع الاقتصاد المصري، والمتمثل في أداء الهيئات الاقتصادية، والتي يقترب عددها من نحو 52 هيئة، منها على سبيل المثال (هيئة قناة السويس، الهيئة العامة للبترول، الهيئة العامة للسكك الحديدية، وهيئة الإسكان والتعمير وغيرهم) حيث ترتبط هذه الهيئات بالموازنة في إطار العجز والفائض، بمعنى أنها تحول فائض نشاطها مع نهاية العام إلى الموازنة العامة للدولة، كما أنها تلجأ إلى الموازنة لسدد ما تعانيه من عجز، وتبين أرقام موازنة 2021/2022 أن صافي هذه العلاقة على مدار السنوات الماضية كان سالبًا، بمعنى أن الموازنة العامة للدولة تتحمل كل سنة مبالغ كخسائر لهذه الهيئات، فنجد أن العالمي المالي 2021/2022 ستتحمل الموازنة 131 مليار جنيه، بينما كان هذا المبلغ العام الماضي 125 مليار جنيه.
- أداء ميزان المدفوعات (يوليو 2020 – مارس 2021)
يكشف ميزان المدفوعات ثلاث جوانب مهمة في أداء الاقتصاد المصري، وهي طبيعة الميزان التجاري، والميزان الخدمي، والميزان الرأسمالي والمالي، وهنا تظهر بعض جوانب أداء الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي، كما أنها توضح طبيعة المشكلات الداخلية لمصر، ومدى اعتمادها على قدراتها الاقتصادية ذاتيًا، أو اعتمادها على الخارج بشكل ما.
فأولى مكونات ميزان المدفوعات، والتي تتناول الميزان التجاري السلعي، بمعنى صافي تعاملات مصر مع الخارج فيما يتعلق بالصادرات والواردات السلعية، وقد أسفرت تعاملات الفترة المشار إليها بوجود عجز بلغ 30.5 مليار دولار، مقابل 28 مليار دولار عن الفترة المناظرة من العام الماضي، أي أن أداء مصر كان سلبيًا بوجه عام في إطار العلاقة الكلية، أما إذا انتقلنا للتفصيل فنجد أن البيانات البنك المركزي بميزان المدفوعات توضح أن الصادرات السلعية البترولية تراجعت إلى 5.9 مليار دولار، بعد أن كانت 7.3 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام السابق، وثمة أم إيجابي فيما يتعلق بالصادرات السلعية غير البترولية، وهو أنها زادت بنحو مليار دولار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، فبلغت 14.6 مليار دولار مقابل 13.6 مليار دولار[10].
وثمة أمر مهم هنا وهو ما يتعلق بصافي تعاملات الميزان التجاري للتعاملات البترولية، فالأرقام تشير إلى وجود فائض يقدر بنحو 175 مليون دولار خلال الفترة، ولكن حقيقة الأمر، أن هذه الأرقام لا عكس فائض حقيقي، لأنها تتضمن حصة الشريك الأجنبي في الصادرات البترولية، وبطبيعة الحال فإن حصة الشريك الأجنبي تذهب للشركات الأجنبية صاحبة هذه الحصة.
وإذا انتقلنا لجانب الواردات، فإننا نجد أن هناك زيادة في قيمة الواردات السلعية لتصل إلى 51.1 مليار دولار، مقابل 49 مليار دولار عن الفترة المقابلة من العام الماضي، وهو ما يعكس عجز الجهاز الإنتاجي لمصر، في الوفاء باحتياجاتها من السلع أو مستلزمات الإنتاج. وبالنظر إلى تفاصيل الواردات، نجد أن الواردات السلعية من البترول قد تراجعت إلى 5.7 مليار دولار بعد أن كانت 8.1 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي، ويرجع ذلك إلى طبيعة الوضع في ظل جائحة كورونا، حيث أصيب التجارة الدولية بحالة من الترقب والحذر.
وفي نفس الوقت نجد أن الواردات السلعية قفزت إلى 45 مليار دولار خلال الفترة مقارنة بـ 40.9 مليار دولار، وبشكل عام تعاني مصر في وارداتها السلعية، أنها تستورد العدد والآلات وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج، بينما تصدر السلع الأولية، أو الصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة الضعيفة.
- تراجع إيرادات القناة وزيادة تحويلات العاملين بالخارج
ميزان الخدمات، والذي يعكس تعاملات مصر الخارجية مع العالم، فيما يتعلق بالخدمات، مثل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج والنقل وغيرها، يبين أن صافي تراجع من فائض بنحو 8.4 مليار دولار إلى 3.1 مليار دولار، ويعود هذا التراجع الكبير إلى انخفاض العائدات السياحية بشكل كبير، حيث وصلت إلى 3.1 مليار دولار، بعد أن كانت عن نفس الفترة من العام الماضي 9.5 مليار دولار، وكذلك تراجعت عوائد قناة السويس إلى 4.3 مليار دولار بعد أن كانت بحدود 4.4 مليار دولار، ويعود هذا التراجع الكبير في الإيرادات السياحية إلى أزمة جائحة فيروس كورونا، حيث تأثرت السياحة على مستوى العالم بشكل كبير. وقد وجد أن تحويلات العاملين المصريين بالخارج قد وصلت إلى نحو 23.3 مليار دولار خلال الفترة، مقارنة بـ 21.5 مليار دولار.
إلا أن الملفت للنظر، أن مكونات الميزان الخدمي تضم مدفوعات دخل الاستثمار للخارج، وهي التي تمثل تحويلات الشركات الأجنبية التي تعمل في مصر، حيث بلغت هذه التحويلات نحو 9.1 مليار دولار، وعلى الرغم أنها متراجعة مقارنة بما كانت عليه خلال العام الماضي عن نفس الفترة حيث بلغت 9.8 مليار دولار، إلا أن المبلغ كبير، وينم عن أن حصيلة عمل هذه الشركات في مصر، لا يصب في صالح الاقتصاد المصري، وأن مصر لا تمثل لهذه الشركات سوى أنها مجرد سوق كبير..فهذه الشركات الأجنبية لا تشارك بشكل ملحوظ في الصادرات المصرية وتركز فقط على السوق المحلي ومزاحمة الصناعات والمنتجات المحلية، كما أنها لا تعمل على توطين التكنولوجيا، أو جلب رؤوس أموال جديدة.
- الأموال الساخنة والقروض المباشرة
المكون الثالث في ميزان المدفوعات والذي يعكس الميزان المالي والرأسمالي، يضم عناصر مهمة، ويكشف الحقيقة المزيفة عن وجود فائض في هذا الميزان، أو في ميزان المدفوعات بشكل عام. فالملاحظة الأولى التي يتضمنها هذا الميزان هي تراجع تدفق صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث بلغت 4.7 مليار دولار مقابل 5.9 مليار دولار عن الفترة المقابلة من العام الماضي، وهذه نتيجة طبيعة لتراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية بشكل عام في العالم أثناء أزمة جائحة فيروس كورونا. مع الأخذ في الاعتبار أن نحو 70% من تدفقات الاستثمارات الأجنبي المباشر في مصر تأتي في جانب صناعة استخراج النفط والغاز الطبيعي، ويعود معظمها مرة أخرى للشركات الأجنبية، في شكل شراء عدد وآلات، أو أجور خبراء، وتجني هذه الاستثمارات أرباح طائلة نظير تواجدها في مصر.
أما الأمر الأخر المهم والذي تشير إليه بيانات الميزان المالي والرأسمالي، فهو ما يتعلق باستثمارات الأجانب في الدين العام المصري، والتي بلغت نحو 15.9 مليار دولار خلال الفترة المشار إليها، مقارنة بخروج 7.9 مليار دولار من هذه الأموال خلال الفترة المناظرة من العام الماضي بسبب أزمة كورونا، وطبيعة هذه الأموال أنها سريعة الدخول والخروج من الأسواق تحت وطأة الأوضاع السياسية أو الأزمات الطبيعية، هي تحدث تقلبات في الاقتصاديات التي تواجد فيها بشكل رئيس، إلا أن حكومة السيسي تحرص على هذه الاستثمارات، من أجل المساهمة في استقرار سعر الصرف، على الرغم من الفاتورة العالية التي تدفعها مصر من خلال الفوائد على هذه القروض.
وتبقى نقطة أخيرة، وهي تتعلق بقيمة القروض التي حصلت عليها مصر خلال الفترة المشار إليها، حيث بلغت ما حصلت عليه مصر من قروض خارجية 6.2 مليار دولار، مقابل 3.2 مليار دولار عن الفترة المقابلة من العام الماضي.
ومن هذا يتضح بشكل كبير أن الفائض المتحقق في ميزان المدفوعات لمصر خلال الفترة، والبالغ 1.7 مليار دولار إنما هو نتيجة القروض والأموال الساخنة، وليس نتيجة أعمال حقيقية من صادرات السلع والخدمات.
وافق مجلس النواب خلال جلساته المنعقدة في شهر يونيو على عدد من مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، منها مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون الصكوك السيادية، ومشروع قانون بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية في التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول من أجل التنقيب على البترول، كما وافق على مشروع قانون بشأن بعض التعديلات في قانون الخدمة والترقية في القوات المسلحة، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، إضافة إلى قانون بإنشاء صندوق للطوارئ الطبية، وقانون بإنشاء صندوق الوقف الخيري، وانتهاءًا بقانون الفصل بغير الطريق التأديبي. كما أقر المجلس سبعة قرارات جمهورية بشأن اتفاقات ومعاهدات دولية.
مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون الصكوك السيادية.[11]
هذا القانون يهدف إلى استحداث أدوات ووسائل جديدة لتمويل عجز الموازنة العامة بالدولة، وذلك من خلال منح التسهيلات التشريعية للحكومة لطرح أدواتها في سوق الدين العالمي، وتقديم منتجات جديدة لسوق أدوات الدين العام، بما يحفز الطلب على المنتجات الحكومية، بما يحفظ ضمانات أكثر للدائنين حتى يسهو في تمويل المشروعات الحكومية.
يهدف أيضًا هذا القانون إلى تحفيز الطلب على الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة بالعملات المحلية والعالمية، لتمويل المشروعات المدرجة بالميزانية العامة للدولة، ويجيز مشروع القانون لوزارة المالية إصدار صكوك سيادية لتمويل الموازنة العامة للدولة، وتمويل مختلف المشروعات المدرجة بها.
وتهدف الحكومة إلى فتح أي باب واستخراج أي تسهيلات تشريعية لاستجلاب رأس المال وتمويل مشروعاتها، حتى لو أتى ذلك على التفريط في أصول مملوكة للدولة فيما بعد، ومن المفارقات الغريبة أن يدعي وزير المالية أن هذه الصكوك سوف تجلب شريحة جديدة من المستثمرين ممن يستثمرون وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
رغم أن النهج الحالي للحكومة في الاقتصاد هو أبعد ما يكون عن تطبيق الشريعة، ولكنها تعمل بكل الشرائع حتى تستخرج دعمًا لمشروعاتها المختلفة، وهو ما أثار بعض النواب داخل المجلس نفسه معترضين على نقطة “الشريعة الإسلامية” مشبهين إياها بالعودة نحو الأفكار الرجعية مرة أخرى.
وأخيرًا، تكمن فلسفة هذه الصكوك في حق الانتفاع بالأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، ومن المعلوم أن الدولة أطلقت يدها خلال الفترة الماضية في تخصيص الأراضي ونزع ملكيات إلى آخره من الممارسات التي لا تلقى أي نوع من الرقابة التشريعية.
- وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة المنعقدة 7 يونيو، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية في التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة (بى بى مصر BP EGYPT COMPANY) للبحث عن البترول وتنميته واستغلاله في منطقة تنمية جنوب غارٍب البحرية بخليج السويس.[12]
وتنص أحكام الاتفاقية علي أن تمنح الحكومة بمقتضى هذه الاتفاقية للهيئة والمقاول التزامًا مقصورًا عليهما في المنطقة الموصوفة في الملحقين “أ” و”ب” وذلك وفقًا للنصوص والتعهدات والشروط المبينة في هذه الاتفاقية والتي يكون لها قوة القانون، وتبلغ مساحة المنطقة محل البحث حوالي أربعين كيلو متر مربع تقريبًا.
كما وافق المجلس على مشروع قانون مقدم من الحكومة بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية في التعاقد مع شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول والشركة الوطنية المصرية لاستكشاف وتنمية البترول للبحث عن البترول واستغلاله فِي منطقة وادى دب بالصحراء الشرقية.[13]
- وافق مجلس النواب نهائيًا، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة رقم 232 لسنة 1959، وقانون القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة وعلى القوات المسلحة رقم 4 لسنة 1968، وقَانون خدمة ضباط الشرف وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة رقم 123 لسنة 1981.[14]
وقد رفض المجلس بطلب من رئيسه حنفي الجبالي، إذاعة تفاصيل الخبر أو نشره في الصحف، لما فيه من حساسية، رغم الحق في معرفة هذه التفاصيل التشريعية إذ هي ليست من أسرار الجيش وإنما مشروع قانون مقدم للبرلمان، إلا أنه بلا شك يقدم امتيازات جديدة للقوات المسلحة.
ونشر موقع العربي الجديد، مواد مشروع القانون كاملة يوم الخميس الماضي، والتي تمنح الضباط في الجيش المزيد من الامتيازات المهنية والمالية الجديدة، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، لاسيما بعد زيادة مخصصات وزارة الدفاع واعتمادات الجهات ذات السطر الواحد في موازنة الدولة الجديدة من 105 مليارات جنيه إلى 113.8 ملياراً (7.25 مليارات دولار تقريبا.[15]
- وافق مجلس النواب، خلال الجلسة العامة للبرلمان، 27 يونيو، من حيث المبدأ على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.[16]
مشروع القانون جاء بسبب خلو الدستور، وقانون المحكمة الدستورية العليا، من نص يتضمن اختصاص المحكمة النظر في أيٍ من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري.
وطبقًا لما ورد عن اللجنة التشريعية بالمجلس، فإنه تم اقتراح إضافة مادتين جديدتين لقانون المحكمة الدستورية تستهدفان منح المحكمة الدستورية اختصاص الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية.
ولرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها،[17] وهذا التعديل يمنح السلطة التنفيذية في النهاية سلطة تعلو فوق سلطة القضاء وهو استمرار لتوغل يد القيادة السياسية في عمل القضاء.
وشهد هذا القانون اعتراضًا داخل ساحة المجلس، لما فيه من خلل وتصديره صورة سيئة عن مصر بإصدار مثل هذا القانون الذي يتعارض مع القوانين الدولية ويجعل للدولة اختصاص يعلو عليها أو يتجاهل أحكام القانون الدولي.[18]
وقال النائب سليمان وهدان، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، “إننا نسعى للحفاظ على سمعة مصر والارتقاء بها، لكن لدينا تخوف من تطبيق تعديلات القانون” كما أضاف أن مصر عضو فى الجماعة الدولية، ولديها اتفاقيات ومعاهدات دولية، ولابد من الحفاظ على سمعة مصر والاستثمارات وعلى تاريخ المحكمة الدستورية العليا، التي تتولى الرقابة على القرارات والاتفاقيات.[19]
- وافق مجلس النواب بشكل نهائي، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء قانون صندوق الوقف الخيري.[20]
ويعتبر صندوق الوقف الخيري، من ضمن المشاريع التي تدخل تحت إطار الدعم المادي للحكومة في ضوء مشاريع متعلقة بالتثقيف والتعليم والدعوة إلى غيره من النشاطات المختلفة، والتي تريد الحكومة تطبيقها من دون إضافة أعباء مالية جديدة.
وإضافة إلى ذلك، طبقت على هذا الصندوق نفس الإعفاءات المتبعة من قبل المجلس مع مثله من الصناديق التي أُنشئت مؤخرًا والسندات التي تُطرح في الخارج وغيرها.
حيث تعفى أموال وعوائد الصندوق من جميع الضرائب والرسوم، ولا تسري على الصندوق أحكام قانون ضريبة الدمغة ورسم تنمية موارد الدولة، كما لا يخضع لأي من الرسوم والضرائب المباشرة المفروضة حاليا أو التي تفرض مستقبلا أو أية مبالغ تفرضها الدولة بمقتضى القوانين واللوائح والقرارات، وتُخصم التبرعات الموجهة للصندوق من الوعاء الضريبي للمتبرعين طبقا للنسبة المحددة قانونًا.[21]
- وافق مجلس النواب، على مشروع قانون، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي في مجموع مواده وقرر إحالته إلى مجلس الدولة لمراجعته قبل التصويت النهائي عليه.[22]
وينص مشروع تعديل قانون الفصل غير التأديبي رقم ١٠ لسنة ١٩٧٣ على أنه مع عدم الإخلال بالضمانات الدستورية المقررة لبعض الفئات في مواجهة العزل من الوظيفة، تسري أحكام هذا القانون على العاملين بوحدات الجهاز الإداري بالدولة من وزارات ومصالح وأجهزة حكومية ووحدات الإدارة من غير المحلية والهيئات العامة، والعاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو لوائح خاصة، والعاملين بشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام.[23]
جاء هذا التشريع ليكون صورة واقعية لتوغل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية، وبدلًا من قيام مجلس النواب بدوره في محاسبة الحكومة على الإهمال الحاصل في كافة القطاعات فإنه يقدم تبريرًا للدولة في أن الإهمال والفساد قد تسببت فيه عناصر كارهة للدولة لإظهار الحكومة في موقف بطولة.
التشريع تم اقتراحه من قبل أكثر من ستين نائبًا بالبرلمان، بدعوى تطهير المؤسسات الحكومية من كافة العناصر “المتطرفة” للنهوض بالعمل في هذه القطاعات، في حين أنه على مدار السنوات الماضية لم تظهر سوى إهمال كان أجدر بالمجلس محاسبة الحكومة عليه.
وتأتي مسألة النهوض بالعمل في هذه القطاعات، كذريعة للتخلص ممن بقى من معارضي النظام بشتى الطرق والوسائل، إذ يكفي بعد هذا التشريع أن يُشار إلى أحد الموظفين بأنه ينتمي إلى جماعة الإخوان حتى يتم التخلص منه، وبالتالي يصبح العمل في جو من الذعر وتحت وطأة الخوف هو الذي سيسود في هذه المؤسسات.
هذا القانون لا يمنح الموظف المتضرر في الواقع أي ضمانات للدفاع عن نفسه، ففي حين صرح حنفي الجبالي رئيس البرلمان، أنه يحق للموظف المفصول اللجوء للقضاء،[24] إلا أن الحقيقة كما عبر عنها وزير النقل في تهديده لموظفي قطاع السكك الحديدية بأن من يلجأ للقضاء فكم أمامه من السنين، في إشارة إلى عدم جدوى ذلك، ما نخلص معه في النهاية إلى أن القانون أطلق يد الجهاز الإداري بالمطلق.
وحول تصريحات النائب إيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية بالمجلس، من أحكام هذا القانون تتسق مع الدستور حيث لا يتيح الدستور للمدرجين على قوائم الإرهاب تولي الوظائف العامة،[25] فإن الخلل الأساسي يكمن الإجراءات التي يتم وفقها إدارج موظف ما ضمن قوائم الإرهاب، والكيفية التي يتم بها هذا الأمر، وضمان نزاهتها، وكلها إجراءات ليست متوفرة في هذه السلطة التي مكنت أجهزة الأمن من التحكم في كافة قطاعات الدولة.
- وافق مجلس النواب، نهائيا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية.[26]
كذلك ترمي الحكومة من وراء هذا القانون، إلى البحث عن سبل تمويل مقابل عجز الميزانية العامة للدولة، ونظام التأمين الصحي الذي يفترض أن يغطي هذه الجوانب الطبية، فعمدت الحكومة إلى فتح صندوق تحت عنوان “الطوارئ الطبية” لتمويل وزارة الصحة وأنشطتها المختلفة.
وأهم الملامح الأساسية لمشروع القانون:
المادة الأولى على أن يُعمل بأحكام هذا القانون في شأن إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية، والمادة الثانية تنص على إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري ومقره محافظة القاهرة، والمادة الثالثة تضمنت استهداف الصندوق إلي استدامة تمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة والسكان للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل وحددت أربعة مجالات للتمويل.[27]
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجلس
- وافق مجلس النواب على القرار الجمهوري رقم 183 لسنة 2021، بشأن الموافقة على التعديل الأول لِاتفاقية منحة المساعدة بين جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الحوكمة الاقتصادية الشاملة، والموقع في القاهرة بتاريخ 29 سبتمبر 2020.[28]
وأشار التقرير الذي أعدته لجنة الشؤون الاقتصادية، والعلاقات الخارجية، إلى قيام جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية في ۲۰۱۹/۹/۳۰بتوقيع اتفاقية الحوكمة الاقتصادية لإتاحة منحة مساعدة لتحسين الالتزام بمبادئ الحوكمة الاقتصادية الشاملة وآليات عمليات صنع القرار بإجمالي مبلغ (سبعة وعشرين مليون وستمائة وخمس وسبعين جنيه) ووافق عليه مجلس النواب فى 25/9/21 وياتى التعديل الحالي لزيادة المنحة إلى خمسين مليون وخمسمائة وثلاثة عشر ألف دولار أمريكي.[29]
ومن المفترض أن هذه الاتفاقية التي يتم بموجبها منحة مالية تقدم للحكومة، تقوم على أن الدولة المصرية تقوم بإصلاحات اقتصادية شاملة في مختلف المجالات، منها حسب ما نصت عليه الاتفاقية تمكين المرأة والفئات المهمشة، وزيادة الرقابة وآليات المحاسبة للحد من الفساد، رغم أن الحكومة تفتقر إلى أدنى درجات المحاسبة في إجراءاتها الاقتصادية.
- وافق مجلس النواب على اتفاقيتي قرض ومنحة بشأن برنامج الصرف الصحي المتكامل بالمناطق الريفية بصعيد مصر، وذلك على النحو التالي.
وافق على قرار رئيس الجمهورية رقم 182 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق قرض بين مصر وبنك التنمية الإفريقي بشأن برنامج الصرف الصحي المتكامل بالمناطق الريفية بصعيد مصر – الأقصر بمبلغ لا يتجاوز 108 ملايين يورو، الموقع بتاريخ 3/3/2021.[30]
كما وافق على قرار جمهوري رقم 184 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق منحة بين مصر وكل من بنك التنمية الإفريقي وصندوق التنمية الإفريقي، بِصفتهما مسئولين عن إدارة الصندوق الائتماني لمبادرة توصيل مياه الشرب والصرف الصحي للمناطق الريفية بشأن برنامج الصرف الصحي المتكامل بالمناطق الريفية بصعيد مصر- الأقصر، بمبلغ لا يتجاوز مليون يورو، الموقع بتاريخ 3/3/2021.
- وافق مجلس النواب على قرار جمهوري رقم 185 لسنة 2021، بشأن الموافقة على اتفاقية قرض بين حكومة جمهورية مصر العربية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بمبلغ 50 مليون دولار أمريكي للمساهمة في تمويل برنامج دعم مشروعات ومنشآت القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في جمهورية مصر العربية، الموقعة في الكويت بتاريخ 27/1/2021.[31]
كما وافق المجلس على الاتفاقيات الدولية الآتية:
- قرار جمهوري رقم 250 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق قرض بين جمهورية مصر العربية والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية بشأن مشروع التطوير والسلامة بسكك حديد مصر بمبلغ 362 مليون و900 ألف يورو.
- قرار جمهوري رقم 228 لسنة 2021 بشأن الموافقة على قرار مجلس محافظي بنك التنمية الإفريقي رقم 4/2019 الصادر بتاريخ 12/6/2019 بشأن التصريح بالزيادة الخاصة لرأس مال البنك، وأداة اكتتاب جمهورية مصر العربية في إطار الزيادة الخاصة لرأس مال البنك الناتجة عن انضمام إيرلندا إلى عضوية البنك.[32]
- قرار جمهوري رقم 229 لسنة 2021 بشأن الموافقة على قرار مجلس محافظي بنك التنمية الإفريقي رقم 3/2019 الصادر بتاريخ 31/10/2019 بشأن التصريح بالزيادة العامة السابعة لرأس مال البنك، وأداة اكتتاب جمهورية مصر العربية في إطار الزيادة العامة السابعة لرأس مال البنك.
- قرار جمهوري رقم 265 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق قرض بين جمهورية مصر العربية وبنك التنمية الإفريقي بشأن مشروع تحديث سكك حديد مصر بمبلغ لا يتجاوز 145 مليون يورو.
شهد شهر يونيو 2021م حدثيْن مُهمّيْن، أوَّلهما إعلان المجلس الأعلى للجامعات عن الاتجاه لتطبيق نظام الساعات المعتمدة في الجامعات المصريَّة، وهو ثالث نظام للتعليم في مصر بعد نظاميْ العام الدراسي الكامل والفصل الدراسي. وثانيهما افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو حدث ثقافي كبير، ويَرتبط افتتاحه في كلِّ عام بالنقاش الذي يَدور حول أزمات الكتاب في مصر، وعلى رأسها أزمة الرقابة والتضييق الأمني على المؤلفين والناشرين.
الجامعات المصريَّة ونظام الساعات المعتمدة
اعتمد التعليم الجامعي في مصر منذ نشأته على نظام العام الدراسي الكامل، ثم تحوَّلت الجامعات المصريَّة إلى نظام الفصل الدراسي، حيث يَدرس الطالب في كلِّ فصل دراسي مجموعة من المقررات التي قد تكون نصف المقررات التي كان يَدرسها في السنة الدراسيَّة الكاملة، ويَستكمِل في الفصل الدراسي الثاني دراسة باقي المقررات، مع الاحتفاظ بنفس عدد السنوات المُقرَّرة لكلِّ كليَّة.
وفي 17 يونيو، أعلن المجلس الأعلى للجامعات تعديل المادة (79) من اللائحة التنفيذيَّة لقانون تنظيم الجامعات، والخاصَّة بنظام الدراسة وعدد سنواتها ومتطلبات التخرُّج بنظام الساعات المعتمدة تمهيدًا لإقراره وبدء تطبيقه بالجامعات المصريَّة.
ويَنصُّ التعديل على أنه بالنسبة للدراسة بنظام الساعات أو النقاط المعتمدة، تُمنَح الدرجة العلميَّة متى استوفى الطالب متطلبات الحصول عليها، ومن بينها الحَدّ الأدنى لعدد سنوات الدراسة، وذلك كله وفقًا لما تُحدِّده اللوائح الداخليَّة للكليَّات. ويَمنح هذا التعديل لطلاب الجامعات والمعاهد فرصة التخرُّج مباشرة عقب استيفائهم لعدد الساعات المعتمدة التي تتطلبها تخصصاتهم العلميَّة وبعد استيفاء المتطلبات التي تُحدِّدها اللوائح الداخليَّة للكليَّات التي تأخذ بنظام الساعات المعتمدة، وذلك دون التقيُّد بعدد السنوات اللازمة للدراسة المُبيَّنة بالباب الرابع من اللائحة التنفيذيَّة لقانون تنظيم الجامعات لكلِّ كليَّة على حِدَة.
وذكر مصدر بالمجلس الأعلى للجامعات أن هذا التعديل جاء ليُواكِب تطوُّر نظم التعليم العالي من حيث نظم الدراسة من جانب والمُدَّة الزمنيَّة المُحدَّدة للتخرُّج للطلاب في أووربا، وحرصًا من المجلس على تطبيق نظام الساعات المعتمدة بصورة تواكب النظم العالميَّة للتعليم وتمكين الطالب المتفوق من التخرُّج المُبكِّر متى استوفى العبء الدراسى المطلوب فى بعض التخصُّصَات التى تتيح إمكانيَّة ذلك[33].
وأشار وزير التعليم العالي إلى أننا “تأخرنا في تطبيق نظام الساعات المعتمدة عن العالم”، وشدَّد على أن مصروفات نظام الساعات المعتمدة لن تزيد لأنه يخضع لمعايير عالميَّة تضمن مصلحة الطالب[34].
ونظام الساعات المعتمدة من أكثر نظم الدراسة انتشارًا في العالم، خاصَّة في أوروبا وأمريكا. ويقوم على إعطاء الطالب حريَّة اختيار المواد التي يَرغب في دراستها، وكذلك اختيار الميعاد، وأحيانًا اختيار المُحاضِر، ويُمكِّن الطالب المُتميّز من التخرُّج بعد الانتهاء من عدد الساعات المعتمدة المطلوبة للتخرُّج، ويُعطِي الطالب الأقل تميُّزًا إمكانيَّة اختيار عدد المواد فى كلّ فصل دراسي حَسَب إمكانيَّاته وقدراته. ويجد المُحاضِر فى هذين النظاميْن الفرصة لأن يُناقِش ويُحلِّل مع الطلاب الكثير من الموضوعات التى يرغبون فى أدائها وتكون مثمرة نتيجة قِلَّة عدد الطلاب الملتحقين فى دراسة المقرر. كما تتوفر الإمكانيَّات والأجهزة المُعيَّنة لعمليَّة التدريس على المستوى الفردى للطلاب، وبالتالى تتحقق المهارات البحثيَّة والأدائيَّة لأقصى درجة من التمكُّن فى الأداء. وتُتَاح للمُحاضِر فرصة كبيرة من الوقت لتصحيح الواجبات المُكلَّف بها الطلاب، وذلك لقِلَّة عددهم (20 – 25 طالب)، ويُلِم أيضًا بمستوى الطلاب المعرفى والفكري. كما أن توافر الإمكانيَّات والمكان المناسب يوفر بيئة تعليميَّة مثاليَّة لعمليَّة التفاعل والمشاركة والإنجاز لأعلى درجة ممكنة. ويُعيَّن لكلِّ مجموعة من الطلاب عضو هيئة تدريس كمرشد أكاديمى لمساعدة الطالب فى التأقلم مع نظام الساعات المعتمدة والإشراف على برنامج الدراسة للطالب وإرشاده ومعاونته فى اختيار المقررات الدراسيَّة لكلِّ فصل دراسي وملاحظة تقدُّمة ومراقبة أدائه كجزءٍ من متابعة العمليَّة التعليميَّة.
ولكن نظام الساعات المعتمدة لا يخلو من العيوب في حالة افتقاد الطلاب للمعرفة الكافية بهذا النظام وعدم توفر الإمكانيَّات المطلوبة لتطبيقه في الجامعات. ومن عيوب هذا النظام عدم صلاحيته للتطبيق على الدفعات كبيرة العدد. وبحث الطلاب عن عضو هيئة التدريس صاحب المادة العلميَّة السهلة والبسيطة والمتساهل في إعطاء التقديرات وتجنب الأستاذ الجيّد المتمكِّن من مادته العلميَّة. واهتمام الطالب بالحصول على تقديرات عالية على حساب المادة العلميَّة، وبذلك يَتخرَّج وهو غير مستعد للدخول في سوق العمل. وتداخل الأهواء في ترشيح المرشد الأكاديمي الذي ينبغي أن يَحل مشاكل الطلاب ويمثل قدوة لهم ويَتبنَّاهم كأب روحي من لحظة التحاقهم بالكليَّة. وإهمال بعض التخصُّصَات الاختياريَّة التي لا يُقبل عليها الطلاب، وهو ما يُؤدِّي إلى الانغلاق في التخصُّصَات العلميَّة، وبذلك يَتحوَّل مفهوم الساعات الاختياريَّة إلى وَضْع مقررات من نفس التخصُّص أو من نفس الكليَّة، ويَفقِد أهم مميزات النظام وهي الدمج بين المعارف المختلفة[35].
لقد حَدَّد المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالي أهداف تطبيق نظام الساعات المعتمدة، وهي مواكبة التطوُّر العالمي، وتمكين الطالب المتفوق، مع استبعاد نيَّة استنزاف الطلاب ماديًّا، فهل يتحقق الهدف من إعلان تطبيق نظام الساعات المعتمدة أم أننا سوف نرى صورة مصريَّة مُعدَّلة تفرغ هذا النظام من مضمونه وتكتفي منه بالشكل فقط؟
لا تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى رَجْم مِنَّا بالغيب في ظِلِّ وجود تجربة فعليَّة لتطبيق نظام الساعات المعتمدة في بعض الكليَّات داخل الجامعات المصريَّة، وفي طليعتها كليَّات الهندسة، والتي قامت بافتتاح أقسام للساعات المعتمدة، ثم انتقلت التجربة إلى كليَّات أخرى في الجامعات المصريَّة المختلفة.
لقد شابت هذه التجربة بعض الشوائب التي رَصَدها المعنيون بالتعليم العالي، وانتقدها الخبراء المتابعون لسَيْر العمليَّة التعليميَّة في هذه الأقسام، ويمكن تلخيص ملاحظاتهم في النقاط التالية:
- تفرض هذه الكليَّات مصاريف دراسيَّة تتعدَّى العشرة آلاف سنويًا على الطلاب الراغبين في الدراسة بنظام الساعات المعتمدة.
- تعتمد الدراسة على كتب المدرسين وليس من خلال المراجع الرسميَّة كما يقتضي نظام الساعات المعتمدة، فالمدرس الذي يُحاضِر بالقسم الجديد هو نفس المدرس الذي يُحاضِر في نفس المادة في القسم العام، فهو يَستخدِم كتابه الذي يقرره على الطلاب.
- أصبحت هذه الأقسام بابًا خلفيًّا للطلاب الذين لا يجدون فرصة في بعض أقسام كليَّات الهندسة التي يوجد بها تنسيق داخلي كالثانوية العامَّة، ويتم ترتيب الأقسام بداخل الكليَّة بحسب الإقبال عليها، ولهذا تجد الطلبة الذين لم يحصلوا على معدل كاف ولديهم قدرة ماديَّة يفرون إلى قسم الساعات المعتمدة أو قسم “المميز” كما يسمونه، وبعيدًا عن مبدأ تكافؤ الفرص، إلَّا أن هذا يجعل من القسم مجرد ملجأ لمَن لا يريد الاجتهاد.
- تهتم إدارة أي كليَّة بالتحاق عدد كبير من الطلبة بقسم الساعات المعتمدة، مِمَّا يزيد من ميزانيَّة الجامعة، ولهذا تشهد العديد من الخروقات الناتجة عن تساهل الإدارة مع طلبة القسم[36].
إن خروقات التجربة الفعليَّة لنظام الساعات المعتمدة في أقسام مُحدَّدة في بعض الكليَّات ذات الأعداد القليلة وعدم التطبيق الصحيح للنظام العالمي جرس إنذار للقائمين على العمليَّة التعليميَّة في مصر قبل تعميم التجربة على الجامعات المصريَّة، لأن نجاح هذا النظام مرهون بصِحَّة تطبيقه وتوفير الإمكانيَّات المطلوبة وعدم التحايل على ضوابطه أو الالتفاف حول الشروط اللازمة لتطبيقه.
لا يُمكِن تطبيق نظام الساعات المعتمدة بنجاح قبل حَلِّ مشاكل التعليم العالي، وفي مقدمتها مشكلة الكتاب الجامعي الذي استغنى به الطلاب عن الرجوع إلى المكتبة والاطلاع على المراجع والمصادر، ومشكلة المقررات الدراسيَّة التي ينبغي أن تجاري حركة التطوُّر المتسارعة وتُلبّي الاحتياجات الفعليَّة لسوق العمل، ومشاكل أعضاء هيئة التدريس الذين لا تتوفر لهم إمكانيَّات ماديَّة تتيح لهم فرصة للارتقاء بالمستوى العلمي والتفرُّغ الكامل للتدريس والبحث ولذلك يضطر كثير منهم إلى قبول الانتداب في أكثر من جامعة، ومشكلة البنية التحتيَّة من قاعات للدرس لا تستوعب الطلاب ومعامل ومختبرات ومعدات تفتقد إلى الإمكانيَّات اللازمة، ومشكلة الأعباء الماديَّة التي سيتحملها أولياء الأمور، وقد تكون عائقًا لبعض الطلاب عن استكمال تعليمهم في ظِلِّ النظام الجديد.
أمَّا المعضلة الكبرى التي تتعارض مع فلسفة النظام الجديد القائمة على التعامل المباشر وحريَّة الاختيار ويُمكِن أن تُفشِل هذا النظام فهي مشكلة الأعداد الضخمة في كليَّات مثل التجارة والحقوق والآداب التي يَلتحِق بها آلاف الطلاب. من أين تأتي الجامعة بالعدد اللازم من أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بالمحاضرة والإرشاد الأكاديمي في ظِلِّ هذا النظام الذي يَشترط التعامل المباشر بين المُحاضِر أو المرشد الأكاديمي والطالب من خلال مجموعة صغيرة قد لا تَصِل إلى ثلاثين طالبًا يَحظون بالمتابعة الدائمة من خلال الاختبارات المختلفة والواجبات وغيرها من الأنشطة؟ وكيف يُمكِن توفير حريَّة الاختيار للطلاب في ظِلِّ قلة أعداد هيئة التدريس بالقياس إلى أعداد الطلاب؟
نعم، نحن في حاجة لمواكبة التطوُّر العالمي من خلال تطبيق النظم التعليميَّة الناجحة، ولكن نجاح نظام الساعات المعتمدة في الدول المؤهلة لتطبيقه والتي تمتلك الإمكانيَّات البشريَّة والماديَّة لا يُمكِن اعتباره شهادة صلاحية لتطبيقه في مصر، ويَنبغي إعداد المنظومة التعليميَّة كلها للتعامل مع هذا النظام، وهو ما يَحتاج إلى حوار جامعي ومجتمعي يستطلع آراء أعضاء هيئة التدريس والطلاب وأولياء الأمور لمعرفة الإمكانيَّات المتاحة بالفعل لتطبيق هذا النظام وتحديد ما نحتاج إلى استكماله قبل التطبيق.
معرض القاهرة وأزمة الكتاب في مصر
يُعدُّ معرض القاهرة الدولي للكتاب واحدًا من أهم معارض الكتاب التي تقام في العالم العربي، وهو مناسبة تحرص دور النشر المختلفة على المشاركة فيها، لأنَّ هذا المعرض هو الموسم السنوي الذي ينتظره الكُتَّاب والمثقفون ودور النشر والمؤسَّسَات الثقافيَّة والفكريَّة لعرض إنتاجهم.
فتح المعرض أبوابه في اليوم الأخير من شهر يونيو تحت شعار “في القراءة حياة”، وذلك بعد أن تأجَّل افتتاحه عن موعده الرسمي في يناير من كلِّ عام بسبب جائحة كورونا التي أثرت على الفعاليَّات الثقافيَّة الجماهيريَّة.
ومع افتتاح المعرض، وكما هو الحال في كلَّ عام، تطفو إلى السطح جملة من المشاكل التي ترتبط بنشر الكتاب في مصر، والتي يُؤدِّي بعضها إلى انحسار رقعة القراءة وتدهور المستوى الثقافي العام، ويُثير بعضها الآخر المخاوف حول مستقبل صناعة النشر وحريَّة الإبداع. ومن هذه المشاكل استغلال دور النشر للكُتَّاب الشباب ونشر أعمالهم في مقابل مادي، وهو ما يُؤدِّي إلى إغراق السوق الثقافي بالعديد من الكُتُب التي يفتقد أصحابها إلى النضج الكافي والإلمام بفنون الكتابة والتمكُّن من اللغة، ويُصِيب أصحابَ المواهب الحقيقيَّة باليأس لعدم أمتلاكهم أموال يَدفعونها لدور النشر[37]. وضَعْف الإقبال على الكتاب الورقي في ظِلِّ التوسُّع في الاعتماد على النشر الإلكتروني وإقبال الأجيال الجديدة على تلقي المعرفة عن طريق البحث في محركات البحث الإلكترونيَّة. وسرقة حقوق النشر من قبل بعض الناشرين الذين يُعيدون طباعة الكُتُب في دول أخرى وبيعها، أو نشرها في مواقع الإنترنت، مِمَّا يؤثر على إيرادات دور النشر ويُفقِدها القدرة على الاستمراريَّة. وسوء الحالة الاقتصاديَّة في البلاد، مِمَّا يؤثر علي قدرة القارئ المصري على شراء الكتاب.
غير أن أخطر هذه المشاكل هي مشكلة الرقابة ومحاصرة الإبداع والتضييق الأمني على الناشرين والمؤلفين للسيطرة على محتوى الكُتُب، وهو ما ازدادت وتيرته بعد الانقلاب العسكري، وتمثل في إصدار قرارات حكوميَّة بإغلاق مؤسَّسات ثقافيَّة ومكتبات عامَّة ومصادرة الكُتُب واعتقال كُتَّاب وأصحاب دور نشر، مِمَّا يثير المخاوف حول مستقبل صناعة النشر وحريَّة الإبداع، فقد صَار البعد السياسي عنصرًا رئيسًا في تعاقد الناشر مع أي كاتب، لخوفه من السجن والإغلاق، وصَارت الحوادث العديدة التي تعرض لها القائمون على إصدار الكتب من مؤلفين ومترجمين وناشرين بمثابة رأس الذئب الطائر بالنسبة لغيرهم مِمَّن يُقدِمون على نشر أعمال تمس النظام القائم من قريب أو بعيد.
تستهدف مثل هذه الإجراءات الحكوميَّة الكتاب السياسي والكتب التي تحمل في طياتها رؤية نقديَّة معارضة للوضع القائم أو تمس المؤسَّسَة العسكريَّة أو تطرح رواية مخالفة لرواية النظام حول بعض الأحداث.
ويَنفِي المسؤولون الحكوميُّون وجود أي رقابة سابقة على نشر الكتاب في مصر أو اشتراط الحصول على موافقات من أي جهة رقابيَّة او أمنيَّة أو وقوع أي شكل من أشكال الاعتداء على حريَّة التعبير. ولكن النفي الحكومي تكذبه الحقائق والأحداث التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، فقد سُجن خالد لطفي، مؤسس دار “تنمية” للنشر، بتهمة إفشاء أسرار عسكريَّة لتوزيعه النسخة العربيَّة من كتاب “الملاك: أشرف مروان” للمؤلف الإسرائيلي “يوري بار جوزيف”. ويَروي الكتاب قصة “أشرف مروان” صهر الرئيس جمال عبدالناصر، ويقول إنه كان عميلًا لإسرائيل[38]، وهي رواية مخالفة لرواية النظام المصري الذي يزعم أن مروان كان وطنيًّا مخلصًا، ولم يكن جاسوسًا لأيّ جهةٍ على الإطلاق، ولم يبلغ إسرائيل بموعد حرب أكتوبر.
أمَّا كتاب “جدران الحريَّة” فقد صُودِرت نسخه ومُنِع أصحابه من عرضه في المكتبات المصريَّة، في محاولة من النظام لمَحْو تاريخ ثورة يناير والقضاء على آثارها وتحويلها إلى فعلٍ إجرامي خارجٍ على القانون. فقد تمَّ توقيف شحنة من 400 نسخة تقريبًا من الكتاب الذي أصدره فنان الغرافيتي الألماني “دون كارل”، وهو صاحب فكرة الكتاب وجامع مادته وصوره. ويَهدِف هذا الكتاب إلى توثيق الثورة من خلال الغرافيتي، ويَنفرد بتسجيل اللحظات الأولى للثورة، والرسوم والكتابات التي ظهرت من يوم 28 يناير، ويحتوي على صور نادرة عن بدايات فن الغرافيتي الذي ظهر مع الثورة، ويُؤرّخ لفترة الحكم العسكري في مسار الثورة، ونتعرف من خلاله على اعتراضات الثوار على المجلس العسكري، وأحداث تلك الفترة، ومنها أحداث ماسبيرو. ومن بين الأمور التي أثارت الرقيب وَصْف أحداث ماسبيرو بالمذبحة في مقالات الناشطين والفنانين المنشورة ضمن الكتاب، وسَرْد الأحداث تحت عنوان: “ماسبيرو: الأحد الأسود”[39]، وهو ما يُمثل إدانة للجيش المتهم بإطلاق النار على مدنيّين في تلك الأحداث.
ولعل الاعتذار الرسمي الذي قدَّمه “عاصم عبد ربّه حسين” مترجم كتاب “مصر التحرير.. ميلاد ثورة” مثال واضح على الرقابة الخانقة، والتي وَصَلت إلى حَدِّ الإذلال في حالة المترجم المذكور، فقد اضطر إلى تقديم اعتذار رسمي مكتوب إلى وزارة الثقافة بسبب فقرة وَرَدَت في مقدمته لترجمة الكتاب، وَصَف فيها دور الجيش أثناء الثورة، وكان من رأي المترجم أن “الجيش كان مترادفًا لضمير المصريّين الجمعي، وتبنّى مواقف الثوار، إلاّ أنه انزلق إلى تصرّفات تَجرح فكرة انحيازه إلى الثورة”[40]. ولكن عبارته هذه لم تمر مرور الكرام، وأثارت الرقيب، الأمر الذي دفع “شكري مجاهد”، مدير المركز القومي للترجمة، وهو مؤسَّسَة عليا للنشر والترجمة، تابعة لوزارة الثقافة، إلى الدفاع عن الكتاب الذي وَصَفته صحيفة تابعة للنظام بأنه “مشبوه” و”يهاجم الجيش” و”يشوّه دوره في الثورة”. ووَصَف بيان المركز عبارة المترجم بأنها “غير موفقة”، وأنه لم يُحسِن التعبير عنها. ولكن هذا الاعتذار المكتوب لم يشفع للمترجم، وصودرت نسخ الكتاب.
وللخروج من دائرة الرقابة والتضييق الأمني، يلجأ كثير من الكُتَّاب المصريّين إلى أحد طريقيْن: أوَّلهما الاتجاه إلى الخارج، والتعاقد مع دور نشر خارجيَّة لنشر أعمالهم التي تحتوي على مواقف سياسيَّة معارضة أو آراء نقديَّة، ومنهم “علاء الأسواني”، الذي لم يشفع له تأييده للانقلاب العسكري عند الرقيب، فاتجه إلى إحدى دور النشر في بيروت لنشر أعماله الأخيرة. وثانيهما لجوء الكُتَّاب والمبدعين إلى “حلول فرديَّة أسَّسَت نوعًا جديدًا من الأدب أو الكتابة يميل للمجاز والنقد بطرق غير مباشرة، والاستعانة بالاحتمالات والتلميح كوسيلة غير مباشرة للإفلات من الرقيب مع الحفاظ على جودة العمل”[41]، وهي ظاهرة أدبيَّة تزدهر في عصور الاستبداد والديكتاتوريَّة.
شهد شهر يونيو/ حزيران الماضي ذكرى يوم مرور 7 سنوات على تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية في انتخابات صورية، تلت انقلاب دامٍ راح ضحيته – وما زال – عشرات الآلاف من المصريين ما بين قتيل ومعتقل ومطارد. وبالتوازي مع هذه الذكرى، حاول الإعلام ترويج ما وصفوه بـ”إنجازات الرئيس”، في محاولة لتحسين شكل الواقع الصعب الذي يعيشه المواطنون عبر تقديم صورة لا يراها المصريون إلا على شاشات التلفاز.
كذلك، شهد الشهر الفائت، الذكرى الـ26 للاحتفال بيوم الصحفي المصري، والذي أتى في وقت يقبع فيه عشرات الصحفيين داخل السجون، بالإضافة إلى إحكام أجهزة الأمن سيطرتها على الصحافة والإعلام بشكل عام في مصر. وجاءت آخر خطوات السلطات في طريق السيطرة على كل النوافذ الإعلامية هي تعيين أحد المقربين من المخابرات أمينًا عامًا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ترويج لإنجازات مزعومة..
بالتزامن مع الذكرى السابعة على تولي السيسي منصب الرئاسة، إثر انتخابات شكلية، عقدت بعد عزل الرئيس الشرعي، محمد مرسي، ووضعه في السجن، شن الإعلام المصري حملة واسعة للترويج بما أسموه “إنجازات الرئيس”. وغطت كل وسائل الإعلام المصرية تقريبًا هذه الحملة، حيث تضمنت كتابة ونشر وبث المقالات والملفات والتقارير المصورة عن فترة حكم السيسي.[42]
ولم يكن الإعلام وحده هو المشارك في هذه الحملة، بل شارك فيها كل من له صلة بالنظام بشكل أو بآخر، حيث شملت الوزراء ونوابهم،[43] والمحافظين ونوابهم، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والمستشارين في الهيئات القضائية المختلفة، والفنانين.[44] الذين أشادوا جميعًا بسنوات حكم السيسي في مقالات منشورة بالصحف، أو عبر صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال إجراء المداخلات الهاتفية على القنوات الفضائية لتكرار نفس الحديث.[45]
ويلاحظ أن المشاركين في هذه الحملة تعمدوا التركيز على بعض النقاط التي لا يمكن لعامة الشعب قياسها أو تقييمها أو لمس نتائجها بشكل مباشر. فمثلًا، تعمد المشاركون التركيز على فكرة عودة القاهرة إلى دورها العربي والإقليمي، ذلك أن المواطن العادي لن يستطيع أن يلمس بنفسه إذا ما كانت مصر قد حققت تقدمًا في هذا الباب أم لا.[46] وفي المقابل، تجاهل المشاركون بشكل أو بآخر كل ما من شأنه أن يكون محل تكذيب لدى المواطن، حيث خفت الحديث عن أي إنجازات تخص أسعار السلع، وما شابه ذلك من أمور يستطيع كل مواطن أن يحدد إذا ما شهدت تقدمًا في عهد السيسي أم تدهورًا.
وبالطبع، فإن الكلام العام الخطابي كان سمة غالبة على خطاب هذه الحملة، كقول أحد المذيعين: “السيسي جه بعد 30 سنة عجاف، ومن ساعتها إنجازات في كافة المجالات سياسة واقتصاد وتعليم وثقافة”، وأضاف: “مصر بقت من الدول اللي بتصنع القرار على مستوى العالم”.[47] هذه العموميات التي يطلقها الإعلاميون المصريون تدلل كذلك على أن الأرقام والحقائق تثبت عكس ما يريدون ترويجه، لذلك لجأوا إلى الأسلوب الخطابي غير المنضبط بالوقائع والأرقام.
وبالتأكيد، فإن حملة كهذه ليست عفوية أو عشوائية، كما هي جل الحملات الإعلامية والإلكترونية التي تؤيد النظام المصري. حيث شابهت منشورات معظم مَن شاركوا في حملة الترويج الأخيرة، فاستخدموا ذات التعبيرات والمصطلحات تقريبًا بشكل متزامن، كما كانت هناك وسوم موحدة وضعتها القنوات على شاشاتها. وبالطبع، فإن أجهزة الأمن المصرية هي الجهة التي تقف خلف تنظيم هذه الفعاليات، حيث إنها المسيطر الوحيد حاليًا على الساحة الإعلامية والساحة الفنية في مصر.
حملة ترويج للعاصمة الإدارية الجديدة..
ولوحظ أن العاصمة الإدارية الجديدة قد أخذت مساحة إعلامية أكبر في هذا السياق. حيث وضعت الأذرع الإعلامية التابعة للنظام المصري، سواء المملوكة للمخابرات مثل “أون إي” و”دي إم سي” و”المحور”، أو المملوكة لرجال أعمال موالين، مثل “صدى البلد” و”النهار” والقاهرة والناس”، وسم “الجمهورية الجديدة” على شاشاتها، وشاركته المواقع الإلكترونية كذلك.[48]
و”الجمهورية الجديدة” هو تعبير عن أطلقه السيسي في أحد خطاباته عند افتتاحه لمشروع في العاصمة الإدارية،[49] وتلقفته وسائل الإعلام التابعة للنظام، وبدأت في التركيز عليه، مدعية أن السيسي يغير وجه مصر. ورغم أن العاصمة الإدارية هي شيء ملموس يمكن أن يعده البعض إنجازًا حقيقيًا. إلا أن كثير من المتخصصين يرون أنه إهدار للمال في مشروع لن ينتفع به سوى شريحة طفيفة من أثرياء الشعب، بينما ستظل القاهرة الكبرى في مشاكلها المزمنة، بل إن من المتوقع أن يتزايد الإهمال الحكومي للقاهرة بعد افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة.[50]
الذكرى الـ26 للاحتفال بيوم الصحفي المصري..
جاءت الذكرى الـ 26 ليوم الصحفي المصري –التي توافق يوم العاشر من يونيو/حزيران من كل عام- في وقت تمر فيه الصحافة المصرية بأحد أشد أزماتها التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير. وكما كان متوقعًا، فقد تجاهلت وسائل الإعلام المصرية بشكل شبه تام هذه الذكرى، حيث لم تدرجها أي من وسائل الإعلام على صفحاتها، أو أفردت مساحة للنقاش حول أوضاع الصحفيين في مصر، ومطالبهم، وحال الصحافة بشكل عام.
وبالتأكيد، فإن هذا التجاهل يأتي في سياق رغبة أجهزة الدولة تهميش كل ذكر يخص مجال الحقوق والحريات، حيث إن حرية الكتابة والتعبير هي أحد ألصق المبادئ بمهنة الصحفي، وأي فتح لملف وضع الصحافة والصحفيين، سيصاحبه بالتأكيد الحديث عن ملف الحرية، وملف الإعلاميين المعتقلين. لذلك تجاهلت الأذرع الإعلامية للنظام يوم الصحفي، رغم أن كثير من المذيعين في القنوات المصرية هم في الأصل صحفيين، وهذا التجاهل في ذاته دليل على سوء أوضاع الصحفيين المصريين تحت النظام الانقلابي.
ووفق إحصائية للمرصد العربي لحرية الإعلام، فإن هناك ما يقرب من 71 صحفيًا وإعلاميًا في السجون المصرية، يقضي بعضهم أحكامًا بالحبس تصل إلى المؤبد، بينما يقضي غالبيتهم في حبس احتياطي على ذمة اتهامات ولم تتم إحالتهم إلى المحاكم، وقد قضى غالبية هؤلاء الفترات القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها القانون، وهي سنتان، ولم يتم إخلاء سبيلهم، بل تمت إعادة حبسهم باتهامات جديدة؛ ليصبح الحبس الاحتياطي الذي هو مجرد إجراء احترازي عقوبة سالبة للحرية طويلة المدى من دون حكم قضائي.[51]
كذلك، فإن النظام المصري حجب ما يقرب من 546 موقعًا إلكترونيًا، بينهم 103 مواقع صحفية، حسبما ذكرت “مؤسسة حرية الفكر والتعبير” في آخر حصر لها.[52] هذا بالإضافة إلى تغول النظام على المؤسسات الإعلامية، بما فيها المؤسسات التابعة له بشكل أو بآخر، ليقوم بضم قناة “المحور” الخاصة التي يملكها رجل الأعمال حسن راتب،[53] وصحيفة “المصري اليوم” الخاصة التي يملكها رجل الأعمال صلاح دياب،[54] علاوة على تأسيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي تضم العديد من القنوات الفضائية والإذاعية والصحف والمواقع الإلكترونية وشركات الإنتاج الفني والسينمائي والإعلاني، ليكوّن بذلك النظام ما يشبه بـ”الإمبراطورية” الإعلامية.[55]
ومع هذا التضييق على الصحافة الحرة والإعلام، طالت إجراءات النظام مبنى نقابة الصحفيين نفسه، حيث أعلن سكرتير عام مجلس نقابة الصحفيين المصريين محمد شبانة بدء عمليات تطوير المبنى وترميم واجهته. ورغم مرور ثلاث سنوات على هذا الإعلان، إلا أن هذه الأعمال ما زالت مستمرة، ولا زالت هناك قوات أمنية متمركزة بالقرب من مبنى النقابة.[56] هذا الوضع المستمر منذ ثلاث سنوات، دون وجود تطوير ولا عمال ولا حتى دراسة جدوى أو خطة زمنية لإنهاء تطوير المبنى، يدلل على أن نظام قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، يرغب في سلب رمزية المبنى الذي كان على مدار عقود رمزًا لحرية الرأي والتعبير.
حتى إن يد النظام طالت أيضًا التشكيل الداخلي لنقابة الصحفيين، فمؤخرًا ورغم التدخل السافر للنظام في انتخابات نقابة الصحفيين، فاز عضوان من المحسوبين على تيار المعارضة داخل النقابة، وهما محمد خراجة، ومحمد سعد عبد الحفيظ، بعد انتهاء دورتهما النقابية السابقة مباشرة، لينضما بذلك إلى عضوين معارضين آخرين وهما هشام يونس، ومحمود كامل، المستمرين من الدورة النقابية السابقة، والباقي لهما في المجلس عامان إضافيان.[57]
لكن سريعًا استُبعد هؤلاء الأعضاء الأربعة من تشكيل هيئة مكتب مجلس النقابة ولجانه المختلفة، وذلك بعد اعتراضهم على توزيع اللجان. ووُزعت اللجان كلها على باقي أعضاء المجلس، على أن يتولى كل منهم إدارة اثنتين معًا.[58]
وعلى الجانب الحقوقي، فقد باتت أحوال الصحفيين في السجون مزرية، وسط صمت مخجل من قبل نقابة الصحفيين التي تعجز حتى عن تحسين ظروف حبسهم. وتدهورت الحالة الصحية للصحفيين عامر عبد المنعم وجمال الجمل خلال الشهر الماضي وحده، فالأول مهدّد بفقدان بصره، والثاني كان يعاني من أعراض فيروس كورونا. وبينما وافقت إدارة السجن على نقل جمال الجمل إلى مستشفى السجن بصعوبة بالغة، لا تزال أسرة عبد المنعم تتوسل من أجل الإفراج عنه أو السماح بإدخال كرسي له في الزنزانة والتصريح له بالخروج لإجراء عملية جراحية في عينه خارج مستشفى السجن قبل أن يفقد بصره.[59]
كل هذه الانتهاكات كانت سببًا لوضع مصر في مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وفق تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2020، حيث احتلت مصر المركز 166 من أصل 180 دولة في تقييم الوضع الإعلامي فيها، من حيث مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحفيين ومستويات الرقابة الذاتية ومستوى الشفافية.[60]
ومن الواضح أن النظام المصري لا يرغب في ترك هامش حرية للصحافة في مصر، فقد توقع البعض أن وصول المرشح الديمقراطي، جو بايدن، إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قد يلقي بظلاله على وضع الحقوق والحريات في مصر، وخصوصًا وأن بايدن انتقد مرارًا الملف الحقوقي لنظام السيسي.[61] لكن يبدو أن النظام لن يفعل شيئًا من هذا، وسيستمر في سياسته الرامية إلى السيطرة على المؤسسات الإعلامية، وتحجيم حرية الرأي.
فقد وثّق “المرصد العربي لحرية الإعلام”، في شهر إبريل/نيسان الماضي وحده، 20 انتهاكًا بحق الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، وتوزعت كالتالي: انتهاكات المحاكم والنيابات (8)، وانتهاكات المنع من التغطية (3)، والحبس والاحتجاز المؤقت (3)، والقرارات الإدارية التعسفية (3)، وانتهاكات السجون (2)، والتدابير الاحترازية (1).[62]
أمين عام جديد للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
وفي سياق إمعان النظام في السيطرة على كل ما يخص الإعلام والصحافة في مصر، عين رئيس “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” كرم جبر، الأمين العام السابق لمجلس النواب ونائب رئيس مجلس الدولة، محمود فوزي، أمينًا عامًا للمجلس. ويعد فوزي أحد المقربين من النظام المصري، حيث ساهم في إصدار قانون “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” عام 2018 الذي منح المجلس صلاحيات واسعة شملت حجب المواقع الإلكترونية ووقف الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.[63]
كذلك، فإنه انتدب للعمل في الأمانة الفنية للجنة تقصي الحقائق في أعقاب الانقلاب عام 2013، ثم في وزارة العدالة الانتقالية، التي تحمل حاليًا مسمى وزارة “شؤون مجلس النواب”. ومنذ مطلع عام 2016، عمل فوزي مستشارًا قانونيًا لرئيس البرلمان السابق. ما يعني أنه كان أحد المشاركين في سن بعض القوانين التي سلبت الدولة المصرية حقوقها، كاتفاقية بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.[64]
ويجدر الإشارة هنا إلى أن منصب وزير الإعلام المصري، ما زال شاغرًا، منذ تقديم وزير الإعلام، أسامة هيكل، استقالته في إبريل/ نيسان الماضي، بعد حملة انتقادات ومضايقات تعرض لها من إعلاميين على صلات بأجهزة الأمن المصرية. وتبقى الاحتمالات مفتوحة حول إذا ما كان نظام السيسي سيعين خلفًا لهيكل في الوزارة، أم سيلغي النظام وزارة الإعلام من الأساس.
المراجع
[1] الجزيرة، “انطلقت اليوم في الدوحة.. مباحثات ثنائية بين مصر وقطر برئاسة وزيري خارجية البلدين، 14 يونيو/حزيران 2021.
[2] الجزيرة، “مصر تعين سفيرا “فوق العادة” لدى قطر، 26 يونيو/حزيران 2021.
[3] الشرق، دور قطري بارز في جهود وقف العدوان الإسرائيلي ،20 مايو 2021.
[4] Arabic CNN, وزير الخارجية القطري عن العلاقات مع مصر: نحن نتعامل مع الدولة “الشرعية” لا مع أحزاب سياسية. ،29 مايو/أيار 2021
[5] الجزيرة، “ضابط لكل قرية”.. السيسي يفجر موجة جدل جديدة في مصر، 1 يوليو/ تموز 2021.
[6] الأخبار اليوم، “بعد موافقته على قانون الفصل بغير الطريق التأديبي.. «النواب» يرفع جلساته للغد. 28 يونيو/حزيران 2021.
[7] العربي الجديد، “مصر: مستشار مقرب من المخابرات أميناً عاماً للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، 23 يونيو 2021.
[8] وزارة المالية المصرية، البيان المالي لموازنة عام 2021/2022، ص 87 – 124، وص 157 – 163.
[9] البنك المركزي المصري، النشرة الاحصائية الشهرية، عدد يونيو 2021، جدول رقم 33 ورقم 36.
[10] البنك المركزي المصري، بيان صحفي عن ميزان المدفوعات عن الفترة (يوليو 2020 – مارس 2021)
[11] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق نهائياً على مشروع قانون مقدم من الحكومة بالصكوك السيادية، 28 يونيو،
[12] بوابة الأهرام، النواب يوافق على الترخيص لوزير البترول للتنقيب عن البترول، 7 يونيو 2021،
[13] المرجع السابق، بوابة الأهرام، https://gate.ahram.org.eg/News/2759891.aspx
[14] العربي الجديد، مصر، تعليمات بعدم نشر موافقة البرلمان على منح ضباط الجيش امتيازات..، 27 يونيو،
[15] العربي الجديد، مصر، تعليمات بعدم نشر موافقة البرلمان على منح ضباط الجيش امتيازات..، 27 يونيو،
[16] مصراوي، مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، 27 يونيو،
[17] مصراوي، مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، 27 يونيو،
[18] المصري اليوم، النواب يوافق على تعديلات مشروع المحكمة الدستورية، 27 يونيو،
[19] المرجع السابق، المصري اليوم، 27 يوينو ،
[20] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق على قانون الوقف الخيري، 28 يوينو،
[21] المرجع السابق، اليوم السابع،
[22] المصري اليوم، النواب يوافق على الفصل بغير الطريق التأديبي، 28 يونيو 2021،
[23] المحافظين، قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، يونيو ،
[24] مصراوي، رئيس النواب، يحق الموظف المتصرر اللجود للقضاء، 28 يونيو،
[25] اليوم السابع، وكيل تشريعية النواب القانون يتسق مع الدستور، 28 يوينو،
[26] اليوم السابع، النواب يوافق على قانون صندوق الطوارئ الطبية،
[27] بوابة الأهرام، النواب يوافق على قانون بإصدار قانون إنشاء صندوق الطوارئ الطبية، 8 يونيو،
[28] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق على تعديل منحة المساعدة الأمريكية بشأن الحوكمة الاقتصادية، 7 يونيو،
[29] المرجع السابق،
[30] وكالة أنباء الشرق الأوسط، النواب يوافق على 3 اتفاقيات دولية بشأن الحوكمة الاقتصادية والصرف الصحي، 7 يونيو،
[31] اليوم السابع، النواب يوافق على 4 اتفاقيات خلال أسبوع، 10 يونيو 2021،
[32] اليوم السابع، 5 اتفاقيات دولية و3 قوانين أقرها النواب، 2 يوليو،
[33] صحيفة الأهرام، “بوابة الأهرام” تنشر الضوابط المقترحة للتخرج من الجامعات بنظام الساعات المعتمدة، 17 يونيو 2021م، https://gate.ahram.org.eg/News/2810708.aspx
[34] محطة مصر نيوز، وداعا ”عدد سنوات التخرج” وزير التعليم العالي يكشف عن نظام تعليم جامعي جديد، 19 يونيو 2021م، https://www.mahttmsr.com/31740
[35] شيماءالزناتي. عيوب نظام الساعات المعتمدة، موقع مقال، 20 مارس 2021م، https://mqaall.com/defects-credit-hour-system/
[36] عمرو ممدوح. الساعات المعتمدة والتعليم في مصر، موقع شفاف: شبكة الجامعات المصرية، 19 مايو 2019م، https://shafaff.com/
[37] آية الله الجافي. أحلام على ورق.. قصص استغلال دور نشر لشباب الكُتاب، 6 فبراير 2021م، https://www.masrawy.com/
[38] عمر التهامي. حرية الإبداع تحت الحصار في مصر، الفنار للإعلام، 18 مارس 2019م، https://www.al-fanarmedia.org/
[39] إيمان علي. قصة هزليّة عن الرقابة والنشر في مصر: الدين، والجنس… والجيش!، رصيف 22، 11 يوليو 2016م، https://raseef22.net/article/33755-censorship-in-egypt-religion-sex-and-the-army
[40] المصدر السابق.
[41] عمر التهامي. حرية الإبداع تحت الحصار في مصر، الفنار للإعلام، 18 مارس 2019م، https://www.al-fanarmedia.org/
[42] العربي الجديد، تعليمات مصرية للمسؤولين والإعلام للإشادة بـ”الرئيس الإنسان”، 12 يونيو/ حزيران 2021
[43] المصري اليوم، التعليم العالي : ثورة 30 يونيو قادت مصر إلى بر الأمان والعودة إلى المسار الصحيح، 30 يونيو/ حزيران 2021
[44] الشروق، فنانون وكتاب ومفكرون وسياسيون في احتفال الإذاعة بثورة 30 يونيو، 29 يونيو/ حزيران 2021
أخبار اليوم، من الفنانين للرئيس.. رسائل من المستقبل، 29 يونيو/ حزيران 2021
قناة جريدة الوطن على يوتيوب، انجازات في عهد الرئيس السيسي: شوف كنا فين.. وبقينا إزاى، 9 يونيو/ حزيران 2021
[45] المصري اليوم، بالإنفوجراف.. إنجازات وزارة الصناعة خلال 7 سنوات من حكم الرئيس السيسي، 9 يونيو/ حزيران 2021
صدى البلد، إيهاب توفيق : ربنا أرسل لنا السيسي في 30 يونيو لينقذ مصر، 30 يونيو/ حزيران 2021
[46] بوابة الأهرام، حضور فاعل على الساحات العربية والإفريقية والدولية.. عودة الدور الإقليمي والدولي المصري، 30 يونيو/ حزيران 2021
المصري اليوم، العالم يرى مصر وسيطًا نزيهًا في حل الصراعات والأزمات الإقليمية.. ويشيد بدورها في غزة وليبيا، 1 يوليو/ تموز 2021
[47] القناة الأولى المصرية، التاسعة | يوسف الحسيني يتحدث عن “الجمهورية الجديدة” .. ما هي وكيف نصل إليها، 6 يونيو/ حزيران 2021
[48] العربي الجديد، الأذرع تروج لـ”جمهورية السيسي الجديدة”… ومغردون: “من غير النيل!”، 7 يونيو/ حزيران 2021
[49] اكسترا نيوز، الآن | السيسي: افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة يساوي إعلان جمهورية تانية، 9 مارس/ آذار 2021
[50] الجزيرة مباشر، خبير اقتصادي: الحكومة المصرية تورطت وليس لديها رؤية لسداد ديونها (فيديو)، 1 يوليو/ تموز 2021
[51] عربي 21، مرصد حقوقي: 71 صحفيا ما زالوا يقبعون في السجون المصرية، 5 مايو/ أيار 2021
[52] حرية الفكر والتعبير، قائمة المواقع المحجوبة في مصر، تاريخ الوصول: 3 يونيو/ حزيران 2021
[53] نوافذ، المخابرات تشتري قناة المحور: وتكمل سيطرتها على المحتوى الإعلامي، 4 مارس/ آذار 2021
[54] الجزيرة نت، أنباء عن بيع “المصري اليوم” لجهة سيادية.. هل رضخ صلاح دياب للضغوط؟، 12 مارس/ آذار 2021
[55] صحيفة الاستقلال، كيف تسللت المخابرات المصرية وأحكمت قبضتها على التلفزيون؟، تاريخ الوصول: 3 يونيو/ حزيران 2021
[56] العربي الجديد، قضبان حديديّة تحاصر صحافيي مصر، 2 مارس/ آذار 2021
[57] مركز المسار للدراسات الإنسانية، دفاتر مصرية ـ إبريل 2021، 7 مايو/ أيار 2021
[58] المصدر نفسه
[59] العربي الجديد، العشرات مسجونون في “يوم الصحافي المصري”، 10 يونيو/ حزيران 2021
[60] درب، مصر تتراجع للمرتبة 166 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، 21 إبريل/ نيسان 2021
[61] الشرق الأوسط، توقعات مصرية بتركيز إدارة بايدن على «قضايا الحريات»، 21 يناير/ كانون الثاني 2021
[62] العربي الجديد، حرية الصحافة في مصر: الجميع محاصر أفراداً ونقابات، 5 مايو/ أيار 2021
[63] العربي الجديد، مصر: مستشار مقرب من المخابرات أميناً عاماً للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، 23 يونيو/ حزيران 2021
[64] المصدر نفسه