دفاتر مصريَّة – سبتمبر 2021
الفهرس
المقدمة
الدفتر السياسي
- المحادثات الاستكشافيَّة بين مصر وتركيا
- الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان
- زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر
الدفتر الاقتصادي
- ضرورة تأمين الضمانات اللازمة للعمالة المصريَّة قبل سفرها إلى ليبيا
- واردات مصر السلعيَّة تكشف عن هشاشة نموذجها التنموي
- تحذير من وضع الديون المصريَّة
الدفتر التشريعي
- أبرز القرارات الجمهوريَّة في سبتمبر/أيلول
- قرارات بتخصيص أراض مملوكة للدولة
- قرارات جمهوريَّة بتعيينات الجهاز القضائي
- مقترحات تعديل قانون الإيجار القديم تمهيدًا لعرضه على النوَّاب
الدفتر الفكري والثقافي
- السيسي وحريَّة عدم الاعتقاد
- مسجد على الطراز الفرعوني
- الفن والمجتمع المصري
الدفتر الإعلامي
- الإطاحة ببعض المذيعين
- اعتقال صاحب مقالات “إعلام البغال”
- اقتراب دمج مؤسَّسَات صحفيَّة قوميَّة
المقدمة
شهدت الساحة المصريَّة في سبتمبر/أيلول 2021 الكثير من الأحداث والفعاليَّات، وقد تناول التقرير أبرزها من خلال الموضوعات الواردة في دفاتره الخمسة، حيث يَحتوي الدفتر السياسي على ثلاثة موضوعات: أوَّلها هو انعقاد الجولة الثانية من المباحثات الاستكشافيَّة بين مصر وتركيا، والتي يَسعى البلدان من خلالها إلى تطبيع العلاقات في ظِلّ التطوُّرات الإقليميَّة والدوليَّة الحاليَّة، وفي إطار المصالح المتبادلة. والموضوع الثاني هو إطلاق “الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان”، والتي تزامن إطلاقها مع الضغوط الخارجيَّة التي يَتعرَّض لها النظام من جانب منظمات حقوق الإنسان الدوليَّة والإدارة الأمريكيَّة، وتُعدُّ محاولة للإفلات من الانتقادات الخارجيَّة. وتناول الموضوع الثالث زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني لمصر، وهي الزيارة التي أظهرت حميميَّة العلاقة بين الصهاينة والسيسي، وشهدت دعوة إسرائيل بشكل رسمي وعلني للتدخل في ملف سَدِّ النهضة.
وإذا انتقلنا إلى الدفتر الاقتصادي فسنجد أنه يُسلِّط الضوء على الضمانات التي يجب توفيرها لحماية حقوق العمالة المصريَّة والاستفادة منها في دعم الاقتصاد المصري، على ضوء الإعلان عن توقيع اتفاقيَّة لسفر قرابة مليون مصري إلى ليبيا. كما يرصد التقرير بعض مظاهر هشاشة الاقتصاد المصري، ومنها طبيعة الواردات التي تنم عن إهمال للقطاعيْن الصناعي والزراعي، واستمرار التوسُّع في الاستدانة دون وجود خطة زمنيَّة للسَّداد، وهو ما دفع وكالات دوليَّة إلى التحذير من عواقبه.
أمَّا فيما يَخصُّ الشأن التشريعي فقد تناول الدفتر أبرز القرارت الجمهوريَّة الصادرة هذا الشهر، بالإضافة إلى القرارات المتعلقة بتخصيص أراضي الدولة، والقرارات الجمهوريَّة المتعلقة بتعيينات الجهاز القضائي. وأخيرًا، المقترحات الخاصَّة بتعديل قانون الإيجار القديم الذي يُنتظر عرضه على مجلس النوَّاب، ويَمسُّ قطاعًا كبيرًا من المصريّين.
وعلى الجانب الفكري والثقافي، يستعرض التقرير ثلاثة موضوعات، هي: عودة السيسي إلى الحديث في أمور العقيدة مَرَّة أخرى، حيث أفصح عن إيمانه بحريَّة عدم الاعتقاد، أو الإلحاد. وبناء مسجد على النمط الفرعوني، وهو ما رأينا فيه دلالة على جهل صاحب التصميم بالخصوصيَّة المعماريَّة للحضارة الإسلاميَّة والطبيعة الوظيفيَّة للمسجد، والتشوُّش في فكرة الهويَّة لديه ولدى المُعجَبين بالفكرة. والعلاقة بين الفن والمجتمع، بعد أحداث تدل على الانحدار الأخلاقي لدى بعض المُنتسِبين لعالم الفن.
ويَحتوي آخر ملفاتنا، وهو الملف الإعلامي، على ثلاثة موضوعات، تدور حول التغييرات المستمرة في الخريطة الإعلاميَّة، والتي تتم وفق مصالح النظام. واعتقال أستاذ للإعلام، كان قد انتقد إعلام النظام، وطالب بتجديد المنظومة الإعلاميَّة. ودَمْج مؤسَّسَات صحفيَّة قوميَّة، فيما يُعَد تخليًّا عن ميراث مصري عريق في مجال الصحافة.
شهدت مصر أحداثًا سياسيَّة مهمَّة في سبتمبر/أيلول 2021، كان أبرزها انعقاد الجولة الثانية من المباحثات الاستكشافيَّة بين مصر وتركيا، والتي ناقش فيها الطرفان العلاقات الثنائيَّة والقضايا الإقليميَّة، سَعيًا منهما لتطبيع العلاقات فيما بينهما. ثم إطلاق “الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان”، والتي اعتبرها المراقبون وسيلة لتخفيف الضغوط الخارجيَّة على النظام المصري بسبب سِجّله السيء في المجال الحقوقي. وأخيرًا، زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني لمصر، والتي تُعدُّ أوَّل زيارة من هذا النوع منذ ثورة يناير، وتأتي في إطار العلاقات الوثيقة بين النظام الصهيوني والسيسي الذي استغل الزيارة في تقديم نفسِه للإدارة الأمريكيَّة في صورة الصديق لإسرائيل وصَانع السلام وصاحب الدور المحوري الذي لا يمكن تجاهله في الشرق الأوسط.
المحادثات الاستكشافيَّة بين مصر وتركيا
استضافت العاصمة التركيَّة أنقرة الجولة الثانية من المباحثات الاستكشافيَّة بين مصر وتركيا، والتي بدأت في السابع من سبتمبر/أيلول واستمرت لمُدَّة يوميْن. وكانت الخارجيَّة التركيَّة قد أفادت في بيانٍ لها بأن السفير “سادات أونال”، نائب وزير الخارجيَّة التركي ونظيره المصري “حمدي لوزا”، يترأسان وفديْ البلديْن في هذه الجولة. وأوضحت أن الوفديْن سَيبحثان القضايا الثنائيَّة خلال اليوم الأوَّل، وسَيتبادلان وجهات النظر حول القضايا الإقليميَّة في اجتماعات اليوم الثاني. وأضافت أن “الطرفيْن يهدفان إلى دفع العلاقات وتطبيعها على أساس المصالح المتبادلة”[1]. ومن جانبها، أصدرت الخارجيَّة المصريَّة بيانًا مقتضبًا، أعلنت فيه أن اللقاء يأتي بناءً على دعوة مقدمة من الخارجيَّة التركيَّة.
كانت العلاقات المصريَّة التركيَّة قد توترت ووَصَلت إلى أدنى مستوياتها بعد الانقلاب العسكري الذي أزاح الرئيس “محمد مرسي” عن الحكم في 2013، وهو ما وَصَفه الرئيس أردوغان حينها بالانقلاب، كما وَصَف أحداث فض الاعتصام السلمي بالمذبحة. وفي المقابل، اتهمت مصر تركيا بالتدخل في شؤونها ومساعدة الجماعات الإرهابيَّة. وتبادل البلدان طرد السفراء فيما بعد. ثم امتد هذا التوتر ليشمل مواقف البلديْن من القضايا الإقليميَّة المختلفة، في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط. ولكن التوتر السياسي لم يؤدِّ إلى قطيعة اقتصاديَّة بين البلديْن، فقد واصل رجال الأعمال الأتراك والمصريُّون أعمالهم التجاريَّة، حيث تُعدُّ مصر ثاني أكبر البلدان العربيَّة المُصدِّرة إلى تركيا، وثالث أكبر البلدان العربيَّة المستوردة منها، وبالتالي تحتل العلاقات التجاريَّة مرتبة مميَّزة في علاقات الدولتيْن. ووفق بيانات معهد الإحصاء الوطني ووزارة التجارة التركيّيْن، فإن قيمة الصادرات التركيَّة إلى مصر بلغت 21.9 مليار دولار بين عامي 2014-2020، فيما بلغت الواردات التركيَّة من مصر 12.1 مليار في الفترة نفسها[2].
والملفات الخلافيَّة المطروحة على مائدة المباحثات بين البلديْن عديدة، حيث تطالب القاهرة أنقرة بعدم التدخل في الشؤون العربيَّة، وسَحْب قوَّاتها من ليبيا، والتعاون في ملف غاز المتوسط، ووقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين. في حين تطالب أنقرة القاهرة بترسيم الحدود البحريَّة، وعدم إفساح المجال في الإعلام المصري لجماعة فتح الله جولن التركيَّة.
تأتي هذه المباحثات في ظل تغييرات إقليميَّة ودوليَّة دفعت بالعديد من الأطراف في الإقليم إلى إعادة صياغة السياسات الخارجيَّة على أساس المصالح المشتركة، وعلى رأسها وصول “بايدن” للبيت الأبيض، والذي تعمل إدارته على إنهاء التواجد العسكري في المنطقة، ولا تشجع على سياسة الاستقطاب من خلال المحاور المتعارضة، وهو ما وَلَّد شعورًا لدى حلفاء الولايات المتحدة بفقدان الثقة وعدم التعويل على الدور الأمريكي في المنطقة، كونها لم تعد تكترث برعاية التوازنات فيها أو حمايتها، ولا يهمها كثيرًا أمن دولها واستقرارها. إضافة إلى أن جائحة فيروس كورونا التي أضرّت باقتصادات دول المنطقة، وجعلت الأنظمة السياسيَّة الحاكمة تتبنَّى سياسة خارجيَّة تقرّ بضرورة التعاون وإعطاء الأولويَّة للمصالح الاقتصاديَّة[3].
لم يُفصِح الطرفان عن تفاصيل المفاوضات، واكتقى كلاهما بالنصِّ على أن الطرفيْن قد اتفقا على مواصلة المشاورات والتأكيد على رغبتهما في تحقيق تَقدُّم بالموضوعات محل النقاش، والحاجة لاتخاذ خطوات إضافيَّة لتيسير تطبيع العلاقات بين الجانبيْن. ولم يصدر تأكيد من أيّ منهما حول ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن رفض تركيا لطلب مصري بإخراج القوَّات التركيَّة من ليبيا وتسليم قيادات من جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا إلى مصر.
كان وزير الخارجيَّة التركي، “مولود تشاويش أوغلو”، قد صرح بأن “المفاوضات والمحادثات مستمرة من خلال وفود من البلديْن تقوم بزيارات متبادلة”، وتابع: “من الممكن عودة سفيريْ البلديْن، ويمكننا أيضًا التفاوض حول مناطق الصلاحية البحريَّة بما يحقق مكاسب حقيقيَّة للجانب المصري”[4]. ولكن وزير الخارجيَّة المصري كان أكثر تحفُّظًا حينما قال: “نحن حريصون على التوصُّل إلى قرار وإيجاد صيغة ضروريَّة لاستعادة العلاقات الطبيعيَّة بين البلديْن، لكن في هذه المرحلة لا نزال بحاجة إلى تقييم نتائج المرحلة الثانية من المحادثات، وفي المقام الأوَّل سياق العلاقات الثنائيَّة”. وأوضح قائلًا: “العلاقات الثنائيَّة وبعض المواقف المتخذة من قبل تركيا بحاجة إلى معالجة بشكل ما، وعندما نكون راضين بأن هذه القضايا تمَّ حلها فهذا سَيفتح الباب أمام تقدُّم أكبر”[5].
يُذكر أن السيسي كان قد استقبل الرئيس القبرصي، “نيكوس أنستاسيادس”، في 4 سبتمبر/أيلول، وقبل اللقاء الاستكشافي مع تركيا بأيَّام، وتمَّ ترفيع الإطار العام للعلاقات الثنائيَّة بين البلديْن من خلال تدشين اللجنة العليا للتعاون الثنائي على المستوى الرئاسي. وكانت تركيا هي الحاضر الغائب في هذه الفعاليَّات، فقد وَجَّه السيسي رسائل مباشرة إليها، منها التأكيد على الشراكة الإستراتيجيَّة بين مصر وقبرص في إطار آليَّة التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان، والتذكير بالموقف المصري إزاء الوضع في منطقة شرق المتوسط والقضيَّة القبرصيَّة، حيث أكَّد السيسي على “ضرورة التزام كافة الدول باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خاصَّة مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخليَّة واحترام السيادة والمياه الإقليميَّة للدول، وأهميَّة احترام الحقوق السياديَّة لدول المنطقة، اتصالًا بمسألة التنقيب عن الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونيَّة في مناطقها الاقتصاديَّة الخاصَّة طبقًا للقانون الدولي واتفاقيَّات تعيين الحدود البحريَّة ذات الصلة”، وشدَّد على تضامن مصر مع قبرص “حيال أيَّة ممارسات من شأنها المساس بالسيادة القبرصيَّة أو محاولات فرض أمر واقع مستحدث بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن وبما يُقوّض فرص التوصُّل لتسوية القضيَّة القبرصيَّة على أساس وحدة الجزيرة والأطر التي توافق المجتمع الدولي عليها لحَل القضيَّة”[6]. وهو ما يُشِير إلى تمسُّك النظام المصري بتحالفه المناوئ لتركيا ومواقفه المتعارضة مع مواقف الدولة التركيَّة فيما يَخصُّ شرق المتوسط والقضيَّة القبرصيَّة، وقد يكون تمسُّكه بهذه المواقف ورقة ضغط في تفاوضه مع الجانب التركي.
وأيًّا ما كانت نتيجة المباحثات بين مصر وتركيا فإنها خطوة في سبيل تهدئة التوتر بين الطرفيْن، حتى وإن لم تُفضِ إلى التطبيع الكامل بينهما في الوقت الراهن.
الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان
يُعدُّ ملف حقوق الإنسان في مصر واحدًا من الملفات الشائكة التي تزعج النظام الحاكم منذ وصوله إلى الحكم عبر انقلاب عسكري في 2013م وحتى الآن، فالنظام ما بين مطرقة الانتقادات الخارجيَّة لممارساته القمعيَّة وسِندان الخوف من إطلاق الحريَّات على بقائه، ولهذا يُقدِم بين الحين والآخر على إطلاق المبادرات وتشكيل اللجان التي تصحبها حملات دعائيَّة ضخمة لتحسين صورته، والتي لا تُغيّر شيئًا على أرض الواقع، لتظل مصر تعاني من أسوأ أزمة حقوقيَّة في تاريخها الحديث.
وفي الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أعلن السيسي عن إطلاق “الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان”، لتطوير سياسات وتوجُّهات الدولة في التعامل مع الملفات المرتبطة بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة. ووَصَف السيسي إطلاق الاستراتيجية بـ”اللحظة المضيئة في تاريخ مصر المعاصر”، معتبرًا أنها “خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر[7]. وتحتوي هذه الإستراتيجيَّة على أربعة محاور: الحقوق المدنيَّة والسياسيَّة، والحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السِّن، والتثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان. والهدف المعلن منها هو تعزيز واحترام وحماية كافة الحقوق والحريَّات الواردة بالدستور وبالاتفاقيَّات الدوليَّة[8].
اللافت للنظر هو أن وزير الخارجيَّة، “سامح شكري”، هو الذي أشرف على إعداد هذه الإستراتيجيَّة من خلال رئاسته للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التي أعدتها. كما كان في صدارة الحضور إلى جوار السيسي عند إطلاقها، ومعه مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، ومندوب مصر في مجلس حقوق الإنسان. وهو ما يدل على أهميَّة البُعد الخارجي لهذه الإستراتيجيَّة.
لم تأت الإستراتيجية بجديدٍ يُذكَر، فهي إعادة صياغة وتبويب لما نصَّ عليه الدستور المصري والقوانين المنبثقة عنه، وتكرار لما التزمت به مصر في المعاهدات الدوليَّة والإقليميَّة، وحَصْر للخطط والبرامج والأنشطة المستقبليَّة ذات الصلة بحقوق الإنسان بجميع الوزارات والجهات المعنيَّة، هذا من الناحية النظريَّة. أمَّا من الناحية العمليَّة فإن الإستراتيجيَّة تفتقد إلى الجانب التطبيقي، والذي يتمثل في تطبيق الشعارات التي احتوت عليها وتحقيقها من خلال خطة واضحة ومُحدَّدة بأهداف إجرائيَّة وتوقيتات. واكتفى واضعوا الإستراتيجيَّة بتحديد مسارات عامَّة تقوم على التطوير التشريعي والمؤسسي والتثقيف الحقوقي في فترة زمنيَّة مفتوحة وتمتد إلى عام 2026م.
لم تكن أزمة حقوق الإنسان في مصر أزمة تشريعات وقوانين، فالقوانين المصريَّة زاخرة بالنصوص التي تضمن الحقوق وتصون الحريَّات، وإنما أزمة مصر هي التطبيق الذي يصطدم بمصالح الأنظمة الحاكمة التي لا تحترم هذه القوانين. ويُشِير الواقع المصري إلى أن مثل هذه التحركات الحكوميَّة لا تتجاوز حدود الدعاية للنظام والسعي لتبييض وجهه أمام الخارج، وأن الداخل لا قيمة له بالنسبة له، حتى إن إطلاق هذه الإستراتيجيَّة لم تصحبه أيَّة بادرة حسن نيَّه من جانب النظام بإطلاق بعض المعتقلين وإحداث انفراجة، حتى لو كانت شكليَّة.
لا يمكن تجاهل أثر التغيُّرات الدوليَّة في إقدام النظام المصري على إطلاق هذه الإستراتيجيَّة، وعلى رأسها وصول الرئيس الأمريكي “بايدن” للحكم، وفقدان النظام المصري لحليفه القوي الذي لم يكن يَعنيه ملف حقوق الإنسان، وهو الرئيس السابق “ترامب”، الذي تجاهل تقارير عن انتهاكات ارتكبتها الحكومات الشريكة، وأعرب عن إعجابه بالقادة المُستبدِّين مثل السيسي.
وكان مسؤولون أمريكيُّون قد صرحوا بأن إدارة “بايدن” سوف تعلق 130 مليون دولار من حزمة مساعدات عسكريَّة مقدمة لمصر، تصل إلى 300 مليون دولار، وتضع قيودًا على بقيَّتها، بتحديد أوجه الاستفادة منها في “مكافحة الإرهاب وأمن الحدود ومنع انتشار الأسلحة” حصرًا، حتى يُنفذ النظام المصري مطالب أمريكيَّة في ملف حقوق الإنسان، ويَتوقف عن الممارسات القمعيَّة ضد منظمات المجتمع المدني. ويَهدِف بايدن من خلال هذا القرار إلى الموازنة بين قضايا حقوق الإنسان وحماية الأمن القومي الأمريكي[9].
يُذكَر أن منظمة “هيومان رايتس ووتش” قد أصدرت في السابع من سبتمبر/أيلول، وقبل إطلاق الإستراتيجيَّة بأيَّام، تقريرًا مطوَّلًا عن الإعدامات غير القانونيَّة خارج نطاق القضاء في مصر. ودَعَت المنظمة “مجلسَ حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” إلى إنشاء آليَّة دوليَّة مستقلة لرصد حالة حقوق الإنسان في مصر، والإبلاغ عنها، والتحقيق في الانتهاكات الحقوقيَّة الجسيمة. وأوصى التقرير الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وشركاء مصر الدوليّين الآخرين بفرض عقوبات ووقف المساعدات الأمنيَّة والعسكريَّة[10].
ولكن هل يمكن التعويل على الخارج في إحداث تغيير في ملف حقوق الإنسان في مصر؟ ثمَّة شك كبير في إحداث تغيُّر ذي قيمة في هذا الملف، خاصَّة وأن داعمي النظام المصري وشركاءه الدوليّين يدركون حقيقة ما يُعانيه الشعب المصري في ظِلِّ النظام الاستبدادي الحالي، ولكنهم يَحرصون على علاقاتهم الإستراتيجيَّة به، ولا يتخذون من الإجراءات ما يُدلِّل على صدق توجُّههم نحو تحسين الوضع الحقوقي وإقرار الديمقراطيَّة في مصر، ويَظل الأمر محصورًا في حدود الانتقادات المتفرقة بين الحين والآخر، مع الاستمرار في تقديم الدعم المادي والأمني والتعاون الاستخباراتي.
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر
زار رئيس الوزراء الإسرائيلي اليَمِيني المُتشدِّد، “نفتالي بينيت”، مصر في 13 سبتمبر/أيلول، والتقي السيسي في أوَّل زيارة على هذا المستوى منذ عام 2011م.
وعقب الزيارة، صَرَّحت رئاسة الجمهوريَّة بأنه تمَّ بحث تطوُّرات العلاقات الثنائيَّة في مختلف المجالات، فضلًا عن مستجدات الأوضاع على الساحتيْن الإقليميَّة والدوليَّة، خاصَّةً ما يتعلق بالقضيَّة الفلسطينيَّة[11]. وعلى الجانب الآخر، صَرَّح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن بينيت أكَّد على دور مصر في الحفاظ على الاستقرار الأمني في قطاع غزة، وفي إيجاد حَلٍّ لقضيَّة الأسرى والمفقودين الإسرائيليّين في القطاع. وقال “بينيت”: “كان الاجتماع مهمًّا جدًّا وجيّدًّا للغاية. وخلال الاجتماع، أوَّلًا وقبل أيّ شيء، وضعنا الأساس لتعميق الروابط وتعزيز مصالح بلادنا”[12]. وذكرت مصادر مقرَّبة من رئيس الوزراء أن الاجتماع ركَّز بشكل أساسي على التعاون المصري الإسرائيلي في المسائل الأمنيَّة والجيوسياسيَّة والاقتصاديَّة، وليس على الفلسطينيّين، تماشيًا مع وجهة نظر “بينيت” بأن القضيَّة الفلسطينيَّة لا تحتاج إلى أن تكون القضيَّة المركزيَّة في علاقة إسرائيل مع جيرانها[13].
يمكن وَصْف اللقاء بأنه لقاء المصالح المشتركة، وذلك من خلال النظر إلى الزيارة من خلال ثلاثة محاور:
أوَّلها محور العلاقات الثنائيَّة بين مصر والكيان الصهيوني، حيث تتعاون مصر مع الكيان الصهيوني في مجال الأمن الذي شهد تعاونًا في مواجهة المسلحين في سيناء، والذي وَصَفه السيسي بأنه الأقرب على الإطلاق بين البلديْن. ومجال الطاقة الذي شهد قيام مصر باستيراد الغاز الطبيعي، لأوَّل مَرَّة، من إسرائيل لإعادة تسييله وتصديره إلى أوروبا، بموجب اتفاق لمدة 15عامًا، وبقيمة 15 مليار دولار[14]. كما بحث الطرفان عودة السياحة الإسرائيليَّة إلى سيناء بكامل طاقتها بعد انخفاض عدد السياح بسبب جائحة كورونا.
وثانيها محور القضيَّة الفلسطينيَّة، حيث صَرَّحت الرئاسة المصريَّة بأن السيسي أكَّد دعم مصر لكافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استنادًا إلى حَلِّ الدولتيْن، وعلى أساس قرارات الشرعيَّة الدوليَّة[15]. ولكن بينيت – الذي لا يؤمن بأيّ مَسَار سياسي مع الفلسطينيّين، ولا يؤيّد حل الدولتيْن، تجاهل هذا التأكيد، حيث جاء إلى مصر بحثًا عن “الاستقرار الأمني في قطاع غزة، وإيجاد حل لمشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليّين”. وتتزامن قمة السيسي وبينيت مع اقتراح وزير الخارجيَّة الإسرائيلي “يائير لبيد” خطة لتحسين الظروف المعيشيَّة في قطاع غزة مقابل التزام حركة حماس بتهدئة طويلة الأمد، واعترف في الوقت ذاته بأن مطلب نزع سلاح المقاومة ليس واقعيًّا[16].
وثالثها هو محور العلاقات مع أمريكا، حيث يأمل السيسي في أن تؤدّي مبادراته تجاه إسرائيل إلى تحسين علاقاته مع إدارة “بايدن” الذي أعلنت إدارته حَجْب جزء من مساعدات عسكريَّة تتلقَّاها مصر إلى أن يقوم النظام المصري بإصلاحات في المجال الحقوقي. ويُحاول السيسي التخلص من صورة الديكتاتور، وتقديم نفسِه في صورة صانع السلام الذي لا يمكن تحقيق تقدُّم نحو الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط بدونه. ويَرى مراقبون أنه لن يمكن تجاهل السيسي من جانب المجتمع الدولي، وتحديدًا إدارة بايدن، إذا نجح في التوسط لتبادل الأسرى وتثبيت هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس.
شهدت الزيارة دعوة إسرائيل بشكل رسمي وعلني للتدخل في ملف سَدِّ النهضة، حيث أعلن السيسي أنه وَجَد “تفهمًا مشتركًا” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول السَّد، وأردف: “قلت له نحاول معالجة (أزمة السَّدِ) في إطار من التفاوض والحوار وصولًا إلى اتفاق بالموضوع الهام بالنسبة لنا الذي نعتبره حياة أو موت”. وكانت قناة “كان” الإسرائيليَّة الرسميَّة قد ذكرت أن السيسي “دَعَا بينيت إلى المساعدة في حل أزمة سَدِّ النهضة”، ضمن “صفقة” لإحلال الهدوء في غزة. ولكن السيسي لم يُصرِّح بذلك. وقال المحلل العسكري للقناة، “روعي شارون”، إن “إسرائيل لا تريد الوقوف في جانب مصر أو إثيوبيا، ولكن بإمكانها التواصل مع إدارة بايدن في هذا الصدد، أو المساعدة مثلًا بمنشآت التحلية لحل مشكلة المياه المتزايدة في مصر. ورأى أنه “إذا ما قدمت إسرائيل للسيسي ما يريد، فسيكون لديه حافز أكبر للضغط واستخدام كلّ الأدوات الممكنة على السنوار (رئيس حركة حماس في غزة) لتنفيذ صفقة الأسرى، ومن ثمَّ إعادة إعمار غزة وعودة الهدوء للقطاع[17].
وقد لوحظ في هذه الزيارة ظهور علم الكيان الصهيوني في جميع الاجتماعات، وذلك بعد إبلاغ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئاسة المصريَّة بضرورة وضع علم “إسرائيل”. كما كانت الرئاسة المصريَّة هي البادئة بالإعلان عن الزيارة، في خطوة تدل على العلنيَّة ودفء العلاقات بين الطرفيْن في عهد السيسي.
تصر الحكومة المصريَّة على تصدير خطاب سياسي، يَحمِل في طيَّاته لهجة تفاؤليَّة، وأن كلَّ شيءٍ على المَسَار الصحيح، وتعتبر ما تحقق في مجموعة من المؤشرات الاقتصاديَّة في مجاليْ السياسة النقديَّة والماليَّة، أو في قيمة الناتج ومعدل نموه، هو النجاح بكلِّ مكوناته.. بينما الواقع أن مصر تمتلك اقتصادًا هشًّا، فهي دولة مستهلكة، بدليل العجز المزمن في ميزاني التجارة والمدفوعات، وكذلك نصيبها المتواضع من الاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة، أو اعتمادها على استهلاك التكنولوجيا وليس توطينها أو إنتاجها.
إن التحدي الذي يجب أن تُعِد له مصر، هو بناء قاعدة إنتاجيَّة قويَّة في قطاعيْ الزراعة والصناعة، وأن ترتفع مساهمة القيمة المضافة بالناتج المحلي الإجمالي، فليست العبرة بالعدد، فالناتج المحلي لماليزيا التي يصل عدد سكانها لقرابة ربع سكان مصر، يزيد عن الناتج المحلي لمصر، ذلك نظرًا لاعتماد الاقتصاد الماليزي على التصنيع، ومساهمة الصناعات ذات القيمة المضافة العالية في نسبة كبيرة من الصادرات السلعيَّة لماليزيا.
وثمَّة مجموعة من الشواهد رصدها الدفتر الاقتصادي هذا الشهر، تتوافق مع تلك المقدمة، من حيث قيام مصر باستيراد أنواع مختلفة من وسائل النقل والعدد والآلات، وكذلك استمرار اعتماد سياساتها على العوائد الريعيَّة ومنها تحويلات العاملين بالخارج، والحرص على تصدير العمالة، ومؤخرًا تلك المخاوف المثارة بشأن الدين العام، الذي بدأت بعض الوكالات الدوليَّة في التحذير من عواقبه.
ضرورة تأمين الضمانات اللازمة للعمالة المصريَّة قبل سفرها إلى ليبيا
نشرت وسائل الإعلام مؤخرًا، عقب زيارة وفدٍ من الحكومة الليبيَّة لمصر، أنه تمَّ إبرام مجموعة من الاتفاقيَّات بين الطرفيْن، سَيتم من خلالها سفر نحو مليون عامل مصري، للعمل في المشروعات التي ستكون من نصيب الشركات المصريَّة في ليبيا[18].
وبلا شك أن هذا الأمر، إن دخل حيّز التنفيذ سيكون له دلالات إيجابيَّة عِدَّة، منها تخفيف حِدَّة البطالة في مصر، وكذلك المساعدة في زيادة تحويلات المصريّين بالخارج، والتي أصبحت أهم موارد تدفق النقد الأجنبي خلال السنوات الماضية. ولا تُعَد السوق الليبيَّة جديدة بالنسبة للعمالة الليبيَّة، حيث كانت ليبيا ومعها بلدان عربيَّة أخرى، مثل العراق والأردن، أسواق مفتوحة أمام العمالة المصريَّة، لا يشترط لها الحصول على تأشيرة أو عقد عمل، حيث كانت العمالة المصريَّة تقصد هذه الأسواق، وتقوم بتدبير فرص العمل بعد السفر. وقبل الثورة الليبيَّة على نظام القذافي، كانت ليبيا تستوعب تقريبًا نحو 2 مليون عامل مصري، وفي الغالب كان معظم هذه العمالة من اليد العاملة غير الماهرة، أو العمالة الحرفيَّة.
والجدير بالذكر أن عدد المهاجرين المصريّين الآن في الخارج، يَصِل إلى نحو 10.4 مليون فرد، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامَّة والإحصاء، وفق أرقام 2018، وذلك قبل أن تنضم إليهم، العمالة التي يخطط لها أن تسافر إلى ليبيا، بدءًا من أكتوبر 2021.
وبلغت تحويلات المهاجرين المصريّين خلال عام 2020/2021، نحو 30.4 مليار دولار[19]، وبلا شك أن هذا التدفق النقدي من العملات الأجنبيَّة، يسمح بشكل جيّد لتوفير عرض من النقد الأجنبي في سوق الصرف، بما يساعد على استقرار سعر صرف الجنيه المصري. وليست هذه هي الميزة الوحيدة لتحويلات العاملين المهاجرين للخارج، ولكن هناك ما هو أهم، وهو أن هذه التدفقات التي تحصل عليها الأسر المصريَّة، يذهب الجزء الكبير منها في النفقات الأساسيَّة، من طعام وشراب وملابس وسكن وعلاج وتعليم وترفيه وخلافه، وهو ما يؤدِّي إلى حالةٍ من الحِراك والتشغيل داخل الاقتصاد المصري، حيث تغطي هذه التحويلات احتياجات قرابة 40 بالمئة من سكَّان مصر.
متطلبات قادمة:
للأسف الشديد، تعاني العمالة المصريَّة من حالة إهمال شديدة من قِبَل الحكومات المصريَّة المتعاقبة، فقلما يتم مراجعة عقود العمل لهذه العمالة، ففي الغالب تكون هذه العقود بين العامل المصري، والجهة الأجنبيَّة، دون مراعاة أن يشتمل هذا العقد على بيئة عمل لائقة، أو وجود الأجر المناسب، الذي يكفي حياة كريمة للمغترب، ويساعده على توفير مدخرات، تكافئ غربته وهجرته للخارج.
والأدهي هو عدم اهتمام السفارات والقنصليَّات المصريَّة في الخارج، بقضايا العمالة المصريَّة، سواء كانت هذه القضايا تخصُّ مجموعات كبيرة أو أفراد، فكلُّ ما يربط العمالة المصريَّة في الخارج بالسفارات والقنصليَّات المصريَّة، فقط استخراج الأوراق الرسميَّة واعتمادها، ودفع الرسوم مقابل ذلك، أما تبني قضايا العمالة، والحفاظ على حقوقها، فمسألة غير واردة.
فهل ستتمتع العمالة المصريَّة المنتظر سفرها لليبيا خلال الفترة القادمة، بما تمَّ الحديث عنه في كثير من الأوقات عن حقوق العمالة المصريَّة في الخارج، أو أن يتحوَّل دور السفارات والقنصليَّات إلى محامي لهذه العمالة، والسعي لإنصافها؟ وقبل ذلك دور وزارة القوى العاملة، وكذلك وزارة الهجرة، بضرورة وجود عقود عمل، وكذلك توفر الشروط المنصفة لهذه العمالة، وألَّا تتعرَّض للقضايا المتكررة، من تأخر الرواتب، أو قِلَّتها لتكون عند معدلات غير مقبولة.
وعلى الحكومة وهي تُعِد لخروج العمالة المصريَّة إلى ليبيا، أن تعرف أن العمالة المصريَّة لن تكون هي العمالة الوحيدة هناك، فالسوق الليبي سيكون مفتوحًا لعِدَّة دول لاسترضاء حكوماتها في عمليَّات إعادة الإعمار، كما حدث مع مصر. وبالتالي فإذا كانت هناك عمالة مصريَّة ستعمل خارج نطاق ما تحصل عليه الشركات المصريَّة من مشروعات إعادة الإعمار في ليبيا، فعلى الحكومة أن تنظم ملفاتها، وتضع آليَّات لاستيعاب هذه العمالة وتنظيم شؤون عملها، وتعاقداتها، وإلَّا ستتكرر نفس المشكلات السابقة، وبخاصَّة في ظل وجود قطاع خاص غير منظم من قبل الليبيّين قد يقوم بالتعامل مع العمالة المصريَّة خلال الفترة القادمة، إذا ما تمَّت العمليَّة السياسيَّة في المَسَار المخطط لها، وحظيت ليبيا بالاستقرار السياسي والأمني.
استغلال الفرصة:
تُعَد فرصة خروج العمالة المصريَّة للأسواق المجاورة، أمر تعتريه عادة الكثير من المخاطر، في ظِلّ حالة غياب الاستقرار السياسي والأمني في دول المنطقة، وبخاصَّة أن 70 بالمئة من المهاجرين المصريّين، يتجهون إلى الدول العربيَّة. ولذك وَجَب على مصر أن تتبنى إستراتيجيَّة للاستفادة من هذه الفرص، بحيث تعود هذه العمالة من الخارج بالتدريج، في ظِلّ وجود مشروعات لاستيعابهم، عبر المشروعات الصغيرة، أو على الأقل وجود قنوات استثماريَّة وتمويليَّة، تستفيد من عوائد العاملين بالخارج، في مشروعات إنتاجيَّة وخدميَّة حقيقيَّة، وليس المضاربات في البورصات أو المشروعات الوهميَّة.
فمنذ منتصف السبعينيَّات، والعمالة المصريَّة، تتدفق للخارج، بينما بقي وضع مصر التنموي، ينمو ببطء شديد، نظرًا لغياب إستراتيجيَّة تنمويَّة تخطط للاستفادة من هذه الأيدي العاملة في الداخل، أو الاستفادة بشكل صحيح من تحويلاتها التي أصبحت تمثل أحد حلقات انقاذ البلاد فيما يتعلق بالنقد الأجنبي.
واردات مصر السلعيَّة تكشف عن هشاشة نموذجها التنموي
حركة التعاملات الخارجيَّة التجاريَّة والاقتصاديَّة، لأيّ دولة، من سلع وخدمة، تقدم أحد وجوه قوَّة أو ضعف هذا الاقتصاد، وخلال شهر سبتمبر 2021، لوحظ أن مصر ترسخ أداءها المتراجع مع العالم الخارجي، من خلال هيكل وارداتها السلعيَّة، فمرة تعلن الحكومة عن استيرادها لقطارات إسبانيَّة، ومرة أخرى سيارات إسعاف وعيادات متنقلة من ألمانيا، وكذلك استلام عدد من عربات القطارات الروسيَّة.
ودائمًا هيكل الواردات السلعيَّة لمصر، يعتمد على مكونات، تتضمن العدد والآلات، ووسائل النقل، ومستلزمات الإنتاج، وهذا النموذج ينم عن ضعف النشاط الصناعي، وتراجع قيمته المضافة، ويُكرِّس لاستمرار التبعيَّة للخارج، وبخاصَّة في دولة مثل مصر، ما تزال تعتمد في عوائدها من النقد الأجنبي على المصادر الريعيَّة (صادرات النفط الخام، عوائد قناة السويس، الإيرادات السياحيَّة، تحويلات العاملين بالخارج). بينما دول أخرى، استطاعت أن تُغيّر وجه هذه المعادلة لتصل حصتها من الصادرات السلعيَّة لنحو 200 مليار دولار، مثل تركيا، بينما مصر ما زالت تحت سقف 30 مليار دولار صادرات سلعيَّة، تتضمن الصادرات النفطيَّة، بما فيها حِصَّة الشريك الأجنبي.
وحديث الحكومة عن تطوير مرفق السكك الحديديَّة، أو قطاع الصحة، إنما هو حديث عن شكل الخدمات، وليس تطوير الاستثمار بهما وإنتاج أدواتهما، فمرفق السكك الحديديَّة في مصر مَرَّ على نشأته عقود، وكذلك القطاع الصحي، ولكن الخطوات التي تتخذها الحكومة مؤخرًا، تعتمد على الاستيراد بشكل كامل، فكون الحكومة لا تستهدف تصنيع عربات قطارات السكك الحديديَّة، وتعتمد على استيرادها من روسيا وإسبانبا، لا يخرج عن غياب إستراتجيَّة للتنمية بشكل عام، وإستراتيجيَّة للصناعة بشكل خاص.
فكون الحكومة تعلن عن استيراد 6 قطارات من شركة “تالجو” الإسبانيَّة، تتضمَّن نحو 90 عربة[20]، فهذه فرص عمل تمَّ التفريط فيها لصالح السوق الإسبانيَّة، فضلًا عن مدفوعات بالنقد الأجنبي، الذي تعتمد مصر في الحصول عليه بشكل كبير على الاقتراض الخارجي.
وفي نفس الشهر، استلمت الحكومة المصريَّة مجموعة من عربات القطار، ضمن صفقة تضم نحو 1300 عربة، تمَّ توريد 487 عربة حتى سبتمبر 2021 [21]. وكذلك الحال، حينما تعلن الحكومة عن استيراد ألف سيارة إسعاف، وألف عيادة متنقلة من ألمانيا[22]. وما هذه الأمثلة من الواردات إلَّا تعبير عن مدى تراجع الصناعة المصريَّة، وتوقف مشروعات كانت قائمة من قبل، وكان المطلوب تطويرها لتكون مسايرة لمتطلبات العصر، ووفق آليَّات التكنولوجيا الحديثة، بل كان أمام مصر فرصة لتكون دولة رائدة في المنطقة العربيَّة وأفريقيا، فيما يَخصُّ عربات القطار أو السيارات الكبيرة، ولكن للأسف في ضوء مفهوم خاطئ للخصخصة، واقتصاد السوق، تمَّ تصفية صناعات، وإهمال أخرى، لتكون مصر زبون دائم في سوق استهلاك تلك الصناعات وما يترتب عليها، من استيراد قطع الغيار، وهو الأمر الذي تنعكس تداعياته بشكل سلبي على ميزان المدفوعات للدولة.
إن هذه المجموعة من الأخبار حول اسيتراد مصر لعربات القطارات، وكذلك السيارات، والعيادات المتنقلة، تُبيّن مدى خطأ قرار تصفية شركة حلوان للحديد والصلب، وغيرها من الصناعات التي تمَّ خصخصتها على مدار السنوات الماضية، فالحكومة الحالية، ومن قبلها الحكومات السابقة، اختارت الحَلَّ السهل وهو الاستيراد، والاكتفاء بالحديث عن التطور في قطاع العقارات والبنية الأساسيَّة، والقطاع السياحي، ولكنها أهملت التركيز على القطاعات التي تبنى عليها الاقتصادات، وهي قطاعات الصناعة والزراعة.
تحذير من وضع الديون المصريَّة
ملف الديون المصريَّة، من أكبر الملفات التي تثير اهتمام المعنيّين بالشأن الاقتصادي، ذلك بسبب تداعياته على الموازنة العامَّة للدولة، حيث أصبحت فوائد الديون أعلى مخصَّصَات في مكونات الإنفاق العام، عند 579 مليار جنيه مصري، وفي نفس الوقت فإن الحكومة توسعت بشكل كبير في فتح الباب لاستثمارات الأجانب في الدين العام المحلي، حيث بلغت هذه الديون نحو 28 مليار دولار.
والتحذير هذه المرَّة أتى من قِبَل إحدى وكالات التصنيف الائتماني الدولي، وهي “استاندرد أند بورز”[23]، حيث طالبت مصر بالتخفف من تكلفة القروض، إذا ما اتجهت الحكومة الأميركيَّة إلى رفع سعر الفائدة على سنداتها الدوليَّة، لأن هذا من شأنه أن يداعب رغبات المستثمرين الأجانب، فيقومون بتحويل استثماراتهم من مصر إلى أميركا، وبذلك ستكون الحكومة في مشكلة لتعويض هذه الأموال.
وبشكل عام فإن سياسة الحكومة في التوسُّع في الديون العامَّة للتمويل، ستكون عواقبها سيئة على المدييْن المتوسط والطويل، فقد بلغت الديون الخارجيَّة نحو 134.8 مليار دولار، والحكومة في طريقها للاستدانة بنحو 3 مليارات دولار أخرى من سوق السندات الدوليَّة، ونحو 500 مليون دولار عبر الصكوك السياديَّة.
إن مسارات التمويل للموازنة المصريَّة، غلب عليها الجباية بشكل كبير، فالضرائب التي تمَّ فرضها خلال الفترة الماضية متعددة، وآخرها تلك الضرائب التي تمَّ فرضها على مقدمي المحتوى من خلال وسائل السوشيال ميديا، والتي ستكون بحدود 36 بالمئة من إجمالي الإيرادات المتحققة لهذا النشاط.. كذلك تمَّ فرض العديد من الرسوم وزيادة ما كان قائمًا منها بشكل بلغ نحو 400 بالمئة، وبالتالي فإن استمرار الحكومة في الاستدانة من الداخل والخارج، في نفس الوقت الذي تزيد فيه من معدلات الجباية، يعكس أزمة في التخطيط لإدارة العمليَّة التمويليَّة بالدولة، كما ستكون له عواقب غير إيجابيَّة بالنسبة للأفراد الذين يقومون بالوفاء بما هو مفروض عليهم من ضرائب ورسوم، أو مشكلة التراكم لأعباء الديون.
ومن الإشكاليَّات المهمّة في ملف الديون بمصر، أن الدولة لا تمتلك برنامجًا للتخلص من الديون، عبر سدادها، فالمطلوب برنامج زمني بحيث تكون الديون في معدلات مقبولة، لتصل لأقل من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن جهةٍ ثانية، أن يتم توظيف الديون في مشروعات إنتاجيَّة وخدميَّة، بحيث تكون قادرة بذاتها على تحمُّل أعباء الديون من سداد الأقساط والفوائد.
والملاحظ أن الحكومة لا تتبنى هذا التوجه، ولكنها تعمل فقط في إطار ما يُسمَّى استهلاك الديون، بمعنى إحلال ديون متوسطة وطويلة الأجل مكان الديون قصيرة الأجل، سواء فيما يتعلق بالأذون أو السندات، بينما الأفضل أن تتجه الحكومة للاستفادة من المدخرات المحليَّة، والعمل على تنميتها، وليس الوقوع في براثن الديون، وما تحمله من إرث سيئ للأجيال القادمة.
وما يتطلب الإشارة إليه فيما يتعلق بالوضع المالي لمصر، أن قواعد الماليَّة العامَّة، توجب وحدة الموازنة، وعموميَّة الإيرادات والمصروفات، بينما نجد أن السيسي منذ توليه السلطة، اتجه إلى إنشاء صندوق “تحيا مصر”، وهو يُعَد في إطار الحسابات الخاصَّة، ولكن له موارده وخطة الصرف المستقلة عن خطة الدولة، وهو ما يخالف القانون.. وكذلك إنشاء الصندوق السيادي لمصر، والذي أنشئ بقانون خاص، وله منظومة عمل، تعطيه الحق في الاستحواذ على كافة الأصول الرأسماليَّة للدولة، سواء كانت هذه الأصول مستغلة أو غير مستغلة، فضلًا عن أن فوائضه لا تؤول إلى الموازنة العامَّة، ويعمل بشكل رئيس تحت رعاية رئيس الدولة، فهو الجهة التي ترفع لها تقارير الصندوق السيادي، وليس إلى البرلمان.
ومن هنا أتت هذه التصرفات، لتستمر عمليَّة تفتيت الوضع المالي، واستمرار اللجوء للديون، في حين أن التصرُّف الصحيح، أن تكون الخريطة الماليَّة من إيرادات ونفقات، تحت نظر صانع السياسة الماليَّة وواضع الخطة الاقتصاديَّة، حتى تكون لمصر خطة تنمويَّة على الصعيديْن الاقتصادي والاجتماعي، تعمل في ضوء إمكانيَّاتها، ولا تلجأ للقروض إلَّا في إطار ضيّق، ووفق ضوابط وشروط معلومة.
أنهى مجلس النوَّاب الحالي دورته الأولى للانعقاد من الفصل التشريعي الثاني، في 28 يوليو/تموز 2021، وفق ما نصَّ عليه الدستور، وسوف يعود للانعقاد في دورته الثانية من الفصل التشريعي الثاني، في الأوَّل من أكتوبر/تشرين الأوَّل 2021. وفقًا لِمَا نصَّت عليه المادة 115 من الدستور ومواد اللائحة الداخليَّة للمجلس، وهو موعد غير إلزامي[24]، ومن المتوفع أن تعقد الجلسة في 3 أكتوبر القادم.
وتنصُّ المادة 115 من الدستور على أن: “يدعو رئيس الجمهوريَّة مجلس النوَّاب للانعقاد للدور العادي السنوي قبل يوم الخميس الأوَّل من شهر أكتوبر؛ فإذا لم تتم الدعوة يَجتمع المجلس بحكم الدستور في اليوم المذكور”.
ونظرًا لعدم انعقاد المجلس خلال شهر سبتمبر/أيلول، فإن الدفتر التشريعي يتناول أبرز القرارات الجمهوريَّة، ومنها ما يتعلق بالتصديق على قوانين، وما يتعلق بتعيين قضاة ومستشارين في الجهاز القضائي للدولة، ومنها كذلك ما يتعلق بتخصيص أراض مملوكة للدولة. إضافة إلى تناول الحوار المجتمعي حول التعديلات المُنتظَر عرضها على المجلس حول “قانون الإيجار القديم”.
أبرز القرارات الجمهوريَّة في سبتمبر/أيلول
- قرار رقم 644 لسنة 2020، بشأن الموافقة على ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط الموقع في القاهرة بتاريخ 22/9/2020 [25].
ويُذكَر أن هذا المنتدى هو مشروع تأسيس منظمة إقليميَّة بين سبعة دول في شرق المتوسط، وقد تمَّ توقيعه في القاهرة بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2020.
وفي العام 2019، استضافت العاصمة المصريَّة القاهرة اجتماعًا دوليًّا، أعلن فيه عن توافق لإنشاء “منتدى غاز شرق المتوسط” (EMGF)، بمشاركة 7 دول (مصر والأردن و”إسرائيل” وقبرص (الروميَّة) واليونان وإيطاليا وفلسطين)، إلى جانب وزير الطاقة الأميركي وممثل المفوضيَّة الأوروبيَّة لشؤون الطاقة وممثل للبنك الدولي.
في المقابل، استثنى المنتدى دولًا أخرى من عضويَّته رغم أنها تطل على حوض شرق البحر المتوسط ولها مصالح وحقوق في المنطقة المتنازع عليها، مثل تركيا وقبرص التركيَّة ولبنان وسوريا.
وقد وافق مجلس النوَّاب على هذه الاتفاقيَّة في ديسمبر 2020، حيث كانت تتضمَّن الاتفاقية مادة وحيدة مفادها “ووُفِق علي ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط الموقع في القاهرة بتاريخ 22/9/2020”[26].
وتتمثل الأهداف الأساسيَّة للمنتدى، في احترام حقوق الأعضاء بالمنتدى فيما يتعلق بمواردهم من الغاز الطبيعي والحفاظ على هذه الموارد واستخدامها لمصلحة شعوبهم، والتعاون بين الأعضاء لإدارة عمليَّة تطوير مستدامة وفعَّالة وواعية بالبُعْد البيئي فيما يتعلق بمواردهم من الغاز الطبيعي.
وقد نسب لمصدر إسرائيلي في قطاع الطاقة قوله، إن المنتدى سَيُساعد في إحلال تطبيع مُرحَّب به في العلاقات في المنطقة، والذي يساعد بدوره في تعزيز وتطوير قطاع الغاز في إسرائيل، وصادرات الغاز من إسرائيل لجيرانها وأوروبا ومناطق أخرى[27].
هذا التصريح يعكس رؤية الإدارة الأميركية في حينه، حيث كانت تهتم بشكل بالغ بإحلال تطبيع متكامل مع الكيان الصهيوني، حيث ترى واشنطن بدورها أن إدماج الكيان الإسرائيلي في اتفاقات الغاز الطبيعي يُعَد الآن أكثر جدوى بكثير من مبادرات السلام التي تتصدر العناوين لأسابيع، وربما لشهور وتنتهي للاشيء.
وربما يثور تساؤل الآن، عن مستقبل هذه المنظمة، في ظِلِّ قائمة من التحالفات الإقليميَّة الجديدة التي أقامتها المنطقة خلال العام الأخير، ومنها ما يتعلق بالتقارب المصري التركي، حيث تُعَد تركيا فاعلًا أساسيًّا في ملف الغاز في شرق المتوسط.
- صَدَّق السيسي على القانون رقم 142 لسنة 2021 بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنيَّة في التعاقد مع الشركة المصريَّة القابضة للغازات الطبيعيَّة وشركة سي دراجون إنيرجي ”نايل” بي. في. وشركة آي بي آر ساوث دسوق ليمتد، وذلك لتعديل اتفاقيَّة الالتزام الصادرة بالقانون رقم 6 لسنة 2014 للبحث عن الغاز والزيت الخام واستغلالهما في منطقة جنوب دسوق الأرضيَّة “قطاع -أ” بدلتا النيل ج. م. ع[28].
أبرم هذا التعديل سنة 2020 بمعرفة وفيما بين كل من جمهورية مصر العربيَّة (ويطلق عليها فيما يلى “ج.م.ع” أو “الحكومة”) والشركة المصريَّة القابضة للغازات الطبيعيَّة، وهى شخصيَّة قانونيَّة أنشئت بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 1009 لسنة 2001 وتعديلاته، ووفقًا للقانون رقم 203 لسنة 1991 وتعديلاته (ويُطلَق عليها فيما يلى “إيجاس”) وشركة سى دراجون إنيرجى (نايل) بي.في.، وهى شركة خاصَّة مؤسَّسَة وقائمة طبقًا لقوانين هولندا (ويُطلَق عليها فيما يلى “اس دى اكس”) وشركة أى بى آر ساوث دسوق ليمتد وهي شركة مؤسَّسَة وقائمة طبقًا لقوانين الإمارات العربيَّة المتحدة، ويُطلَق عليها فيما يلى “أى بى آر”). ويُطلَق على “اس دى اكس”[29].
ويُشار إلي أن لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النوَّاب برئاسة النائب “حسام عوض الله”، أكَّدت في تقريرها عن مشروع القانون الذي سَبَق ووافق عليه مجلس النوَّاب، أن القانون يُحقِّق للدولة المصريَّة عائدًا جيّدًا وإيجابيَّات، منها الحصول على العديد من المنح غير المستردة، شروط استرداد التكاليف والمصروفات واقتسام الإنتاج جيدة وتعكس الجهد المتميز في تحقيق التوازن بين شروط الاتفاقيَّة بصفة عامَّة[30].
وسَعَت الدولة خلال الفترة السابقة، إلى فتح المجال أمام وزارة البترول والشئون المعدنيَّة للتعاقد مع الشركات الخاصَّة المصريَّة والعالميَّة، بشأن التنقيب عن الغاز والمواد البتروليَّة، لتحصيل عملات أجنبيَّة وزيادة الاستثمار في هذا المجال، خاصَّة بعد تحرير سعر صرف المواد البتروليَّة لخفض تكلفة دعم الطاقة في الموازنة العامَّة للدولة.
- نشرت الجريدة الرسمية في عددها (37) مكرر قرار جمهوري رقم (398) لسنة 2021 بإعلان حالة الحداد العام في جميع أنحاء جمهوريَّة مصر العربيَّة لمدة 3 أيَّام حدادًا على وفاة المشير “محمد حسين طنطاوي” رئيس المجلس الأعلى للقوَّات المسلحة الأسبق، وذلك اعتبارًا من الثلاثاء 21 حتى الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2021 [31].
جاء ذلك القرار في أعقاب وفاة المشير حسين طنطاوي، في 21 سبتمبر 2021، الذي تقلَّد مناصب رفيعة، أبرزها حكم مصر الفعلي بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للقوَّات المسلحة في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، قبل أن يقيله الرئيس الراحل “محمد مرسي”.
قرارات بتخصيص أراض مملوكة للدولة
- قرار رقم 347 لسنة 2021، بتخصيص مساحة من الأراضي المملوكة للدولة ملكيَّة خاصَّة ناحية قرية طوخ، مركز نقادة بمحافظة قنا، لاستخدامها كمنفعة عامَّة في إقامة جبانة للمسلمين عليها[32].
- قرار رقم 348 لسنة 2021، بتخصيص مساحة من الأراضي المملوكة للدولة ملكيَّة خاصَّة ناحية طريق السويس السخنة – القطاميَّة القديم بمحافظة السويس، لاستخدامها في أغراض صناعيَّة[33].
- قرار رقم 349 لسنة 2021، بإعادة تخصيص قطعتيْ أرض من الأراضي المملوكة للدولة لإقامة أنشطة عليها، بناحيتيْ مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم ومركز إسنا بمحافظة الأقصر[34].
قرارات جمهوريَّة بتعيينات في الجهاز القضائي
نشرت الجريدة الرسميَّة، في العدد 35 مكرر (هـ) قرار جمهوري رقم 372 لسنة 2021، بتعيين رؤساء محاكم الاستئناف، اعتبـارًا مـن 1 يوليو/تموز 2021، حتـى 18 سبتمبر/أيلول 2021، وذلك على النحو التالي[35]:
- المستشار فاروق أحمد شفيق الشنواني رئيسًا لمحكمة استئناف القاهرة.
- المستشار عصام الدين أحمد محمد فريد رئيسًا لمحكمة استئناف الإسكندريَّة.
- المستشار عبدالملك القمص مينا عبدالملك رئيسًا لمحكمة استئناف طنطا.
- المستشار محمد حسين عبدالتواب حسين رئيسًا لمحكمة استئناف المنصورة.
- المستشار عبدالرازق محمد عبدالرحمن عبدالمنعم رئيسًا لمحكمـة استئناف الإسماعيليَّة.
- المستشار حمادة محمد الملقب شكري دردير رئيسًا لمحكمة استئناف بني سويف.
- المستشار عدنان فنجرى أبو جبل حسين رئيسًا لمحكمة استئناف أسيوط.
- المستشار نبيل عبدالصبور محمـد النبراوي رئيسًا لمحكمـة استئناف قنا.
المادة الثانية: يُعيَّن كلٌّ مـن المستشارين رؤسـاء محـاكم الاستئناف بالمحكمة الموضحة قرين اسم كلٍّ منهم اعتبارًا من 19 سبتمبر 2021، التاريخ التالي إحالة المستشار فاروق أحمد شفيق الشنواني إلى المعاش، وذلك على النحو التالي[36]:
- المستشار عصام الدين أحمد محمد فريد رئيسًا لمحكمة استئناف القاهرة.
- المستشار عبدالملك القمص مينا عبدالملك رئيسًا لمحكمة استئناف الإسكندرية.
- المستشار محمد حسين عبدالتواب حسين رئيسًا لمحكمة استئناف طنطا.
- المستشار عبدالرازق محمد عبدالرحمن عبدالمنعم رئيسًا لمحكمـة استئناف المنصورة.
- المستشار حمادة محمـد الملقـب شـكري دردير رئيـسًا لمحكمة استئناف الإسماعيليَّة.
- المستشار عدنان فنجري أبو جبل حـسين رئيسًا لمحكمـة استئناف بني سويف.
- المستشار نبيل عبدالصبور محمـد النبراوي رئيسًا لمحكمـة استئناف أسيوط.
- المستشار حامد حسنين حسنين محمد رئيسًا لمحكمة استئناف قنا.
كما أصدر السيسي قرارًا جمهوريًّا رقم 433 لسنة 2021 بسحب قرار رئيس الجمهوريَّة رقم 327 لسنة 2021، فيما تضمنه من تعيين محمد جمال السيد طايع بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة[37].
كما صدق السيسي على قرار جمهوري رقم 371 لسنة 2021 بتعيين نائب لرئيس هيئة النيابة الإداريَّة من الوكلاء العامين الأول، وتعيين وكيل عام أوَّل من الوكلاء العامين، وتعيين وكيل عام من رؤساء النيابة الإداريَّة من الفئة (أ).
ويشمل القرار تعيين رئيس للنيابة الإداريَّة من الفئة (أ) من رؤساء النيابة الإداريَّة من الفئة (ب)، وتعيين رئيسًا للنيابة الإداريَّة من الفئة (ب) من وكلاء النيابة الإداريَّة من الفئة الممتازة، وتعيين وكيل للنيابة الإداريَّة من الفئة الممتازة من وكلاء النيابة الإداريَّة، كما يشمل تعيين وكيل للنيابة الإداريَّة من مساعديْ النيابة الإداريَّة[38].
مقترحات تعديل قانون الإيجار القديم تمهيدًا لعرضه على النوَّاب
طفت أزمة عقود الإيجار القديم، خلال الفترة الأخيرة على الساحة البرلمانيَّة والإعلاميَّة في مصر، بعدما بدأ عددٌ من الأحزاب، دراسة إجراء تعديلات في قانون الإيجار القديم، واختلفت الرؤى في كيفيَّة علاج الأزمات المتكررة بين المالك والمستأجر، وفقًا لعقد الإيجار القديم.
ووفقًا لجريدة “الوطن” المصريَّة فإن حزب “مستقبل وطن” والذي يمثل حزب الأغلبيَّة ينوي عرض مشروع قانون يتعلق بتعديل قانون الإيجار[39]، مع بداية عودة المجلس للانعقاد، وذلك بهدف الوصول إلى صيغة ترضي المالك والمستأجر على السواء.
وقد أثار هذا القانون الرأي العام بشكل كبير، لأنه يَمسُّ قطاعًا واسعًا جدًّا من المصريّين الذين يسكنون أو يستأجرون محلات للعمل، وفقًا لقانون الإيجار القديم، والذي يستلزم طريقة مُعيَّنة للدفع غير قابلة للتعديل وفقًا للقانون، وهو الأمر الذي يَتضرَّر منه الكثير من المُلَّاك في وقتنا الحالي.
غير أن التعديلات الواردة في مشروع القانون ينبغي أن تُراعي طرفيْ العقد، المالك والمستأجر، حتى لا يأتي التعديل في مصلحة طرفٍ على حساب الآخر، وهو ما جَرَى حوله نقاش طوال شهر سبتمبر/أيلول على شاشات الإعلام للتساؤل حول الطريقة الأمثل للتعديل.
النقاش حول القانون تباينت معه الآراء، فحَسَب المهندس “عمرو حجازي” نائب رئيس جمعيَّة حقوق المضارين من قانون الإيجار القديم، فإن أيَّ تحرك في ملف قانون الإيجارات القديم وتحديدًا تعديلات قانون الإيجار هو بمثابة تحريك للمياه الراكدة منذ عقود[40].
وأضاف أنه من الضروري أن يكون الحل مبنيًّا على احترام إرادة المالك التي أهدرتها القوانين الاستثنائيَّة، بالإضافة إلى ضرورة إلغاء العمل بكافة العقود التجاريَّة، لأنه ليس من المنطقي أن يكسب المستأجر بسعر اليوم ويَدفع إيجار وحدته بسعر قرن مضى، عبارة عن ملاليم “حسَبَ قوله”[41].
اقتراحات التعديل التي أعلن عنها عددٌ من النوَّاب تشتمل على بعض المواد، من بينها مقترح إنشاء صناديق تتولى دفع قيمة الإيجار بالقيمة السوقيَّة التي يتم الاتفاق عليها، وذلك حال عدم مقدرة المستأجر على دفع القيمة الإيجاريَّة[42].
هذا المقترح أدلى به أمين عام مساعد حزب “مستقبل وطن”، “عصام هلال”، والذي يتضح أنه جاء بفكرة متسقة مع طبيعة عمل الدولة في مسألة “إنشاء صندوق” من أجل حل مشكلة ما، والسؤال المطروح هو طبيعة عمل هذا الصندوق، هل سيكون بإشراف الدولة أم أنه سيكون أشبه بتكافل مجتمعي برعاية منظمات مدنيَّة أو المحليَّات حَسَب الاحتياج. والأغلب أن الدولة سوف تتولى الإشراف عليه.
كما تأتي مسألة تحديد المستأجرين الذين يحتاجون إلى دعم هذا الصندوق ومَدَى عدالة الاختيار في هذا الصدد، حتى لا يكون التطبيق على غير النحو الذي يضمن للطبقات الفقيرة حَقَّها في الدعم.
كما جاء في مقترحات التعديل، التي أعلنت عنها الهيئة البرلمانيَّة لحزب “الوفد” أن يتم رفع الإيجار تدريجيًّا، 25 بالمئة سنويًّا على 10 سنوات، حيث يتضمن مشروع القانون عدة تعديلات أهمها، تحديد فترة زمنيَّة انتقاليَّة تتراوح بين 7 إلى 10 سنوات، يتمّ خلالها رفع تدريجي لقيمة الإيجار القديم، بنسبة 25 بالمئة سنويًا، بحيث تصل قيمة الإيجار في نهاية الفترة الانتقاليَّة إلى قيمة مناسبة أو عادلة، لا تظلم المالك ولا المستأجر، وتتساوى مع القيمة المتداولة، لا تظلم الملاك ولا تحمل المستأجر أعباءً جديدة[43].
عاد السيسي في سبتمبر/أيلول 2021 إلى الحديث في أمور العقيدة، ولكنه صَرَّح هذه المَرَّة بحريَّة الإلحاد وعدم الاعتقاد الديني، وهو ما تناولناه في موضوعنا الأوَّل. ويَدور الموضوع الثاني حول إنشاء مسجدٍ على الطراز الفرعوني، في حدث معماري لا يُراعِي الخصوصيَّة المعماريَّة والوظيفيَّة للمسجد، ويُعدُّ نتيجة لتصوُّر مُشوَّش عن الهويَّة المصريَّة. أمَّا الموضوع الثالث فهو العلاقة بين الفن والمجتمع، والذي أثارته أحداث غير أخلاقيَّة من بعض المُنتسِبين للفن.
السيسي وحريَّة عدم الاعتقاد
بعد أن أثار السيسي الجدل بتصريحاته المُشكِّكَة في العقيدة في أغسطس/آب، عاد في 11 سبتمبر/أيلول إلى الحديث مَرَّة أخرى في أمور العقيدة، ولكنه قطع هذه المَرَّة الشك باليقين، وكان حديثه أكثر صراحة ووضوحًا، وتبيَّن من خلاله أن تصريحاته السابقة عن إعادة النظر في العقيدة لم تكن إلَّا مقدمة لإطلاق حريَّة الإلحاد وعدم الاعتقاد بأيّ دين.
كان السيسي قد تحدث خلال حلقة نقاشيَّة بعنوان “حقوق الإنسان بين الحاضر والمستقبل”، على هامش فعاليَّة إطلاق “الإستراتيجيَّة الوطنيَّة لحقوق الإنسان”، فصَرَّح بقبوله لعدم الاعتقاد في قوله: “مش بسهولة أبدًا إن إحنا نعمل ممارسات في فكرة إحترام الآخر وإحترام الاعتقاد أو عدم الاعتقاد. عدم الاعتقاد أنا أحترمه؟ نعم. لو واحد قال لي: أنا مش مسلم، ولا مسيحي، ولا يهودي، ولا أيّ دين في الدنيا، أنت حُرّ”.
وتابع السيسي: “اللي عايز يسلم يسلم، واللي عايز ميسلمش ميسلمش. اللي عايز يؤمن يؤمن، واللي عايز ميؤمنش ميؤمنش. ده دين. هو حُرّ. اللي هيحاسبه واحد بس، ربّنا”.
وأكَّد السيسي على اهتمام نظامه بهذه القضيَّة، واتخاذ خطوات فعليَّة لترسيخ رؤيته لحريَّة العقيدة، وقال: “عملنا ممارسات فعليَّة تؤكّد احترامنا لعقائد الناس، كل الناس، واحترامنا لعدم الاعتقاد”.
وكالعادة، لم يَفته أن يوجّه الاتهامات للمسلمين، فاتهمهم هذه المَرَّة بالاستياء من رؤية الكنائس والمعابد اليهوديَّة، وذلك في قوله: “إنت زعلان ليه إنك تشوف كنيسة أو معبد يهودي وأنت مسلم؟”.
وفي النهاية، نسب السيسي أفكاره حول عدم الاعتقاد بالدين إلى الدين نفسِه، وقال: “أنا بقول الكلام ده وأنا فاهمه من منظور ديني، مش منظور حضاري ولا ثقافي، لا، ده دين بقه… لأن الأصل في الموضوع هو الحرية، حرية المعتقد اللي ربّنا كفلها لينا. قال لك أنت حُرّ، تؤمن أو لا تؤمن”[44].
لم يَعد هناك شك في أن حريَّة المعتقد عند السيسي تعني حريَّة الإلحاد وعدم الاعتقاد الديني، ولا تعني حريَّة الإيمان وممارسة الشعائر التي يؤمن بها المسلمون الذين اتهمهم السيسي بالغضب من رؤية الكنائس والمعابد، فالإسلام يأمر بالعقيدة الصالحة، ويدعو الناسَ إليها، ولا يُكرِه أحدًا عليها، ويتعامل مع معتنقي الديانات الأخرى بتسامح ورحمة، ويَحترم عقائدهم، ويَصون حريَّتهم في ممارسة الشعائر.
دَلَّس السيسي على متابعي تصريحاته من خلال تأكيده على أن أقواله وأفكاره تستند إلى الدين، في إشارة منه إلى قوله تعالى: “… فمَن شاء فليُؤمِن ومَن شاء فليَكفر…” [الكهف: 29]، والادعاء بأن الله تعالى يَرضى لعباده الإلحاد، وهو ما يتنافى مع أقوال المُفسِّرين الذين قالوا بأن الآية للتهديد والوعيد وزجر أولئك الذين اختاروا الكفر على الإيمان بمحض إرادتهم.
تلقف أنصار السيسي تصريحاته تلك، ونسجوا على منواله، ومنهم الصحفي “إبراهيم عيسى” الذي انتقد ما أسماه محاولات تديين الدولة، وإصدار دار الإفتاء فتاوى في أمور دنيويَّة مختلفة، داعيًا الدولة لتعزيز حريَّة المعتقد في مصر، من خلال عدم معاقبة الشخص الذي يُفطِر في رمضان. وطالب عيسى في وجود السيسي بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الهويَّة، ووَقْف تدريس النصوص الدينيَّة الإسلاميَّة في المناهج الدراسيَّة، وتساءل عن سبب عدم إضافة النصوص المسيحيَّة وحتى اليهوديَّة إلى المناهج[45].
أمَّا الأزهر فلم يَعد غريبًا عليه أن يصمت أمام تجاوزات السيسي المتكررة في حَقِّ العقيدة، إذْ لم يَصدر عن شيخه شيءٌ في الرَّدّ على ذلك الذي يَدعو الناس لحريَّة اختيار الإله ولا يترك لهم حريَّة اختيار حاكم آخر غيره، ويُحِلُّ لهم الخروج على الدين ويُحرِّم عليهم الخروج على حكمه.
وأخيرًا، لا يمكن إغفال مغازلة السيسي للخارج في حديثه عن حريَّة الاعتقاد الديني، فالنظام المصري يَتعرَّض الآن لحملة شديدة من منظمات حقوق الإنسان الدوليَّة التي تمثل حريَّة الإلحاد بندًا رئيسًا على جدول أعمالها، كما يواجه ضغوطًا أمريكيَّة بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان.
لقد أكَّد السيسي على حريَّة عدم الاعتقاد إرضاءً لهذه المنظمات التي قد تقنع بهذا القدر، وترى فيه إنجازًا يُحسَب للنظام المصري في باب الحريَّات، رغم تجاهله لباقي الحريَّات التي تُعدُّ حَقًّا أصيلًا للمواطن المصري، مثل حريَّة الرأي والتعبير، وحريَّة العمل السياسي، وحريَّة تكوين الأحزاب والجمعيَّات المعارضة.
مسجد على الطراز الفرعوني
واجهة فرعونيَّة تقوم على عموديْن ينتهي كل منهما بتاج على شكل زهرة اللوتس المُزيَّنة بأشكال مختلفة، منها “مفتاح الحياة”، ويَتصدَّر هذه الواجهة الصقر المُجنَّح، ومن فوقه نصف قرص للشمس، ثم يَظهر الصقر مَرَّة أخرى بجناحيْه الممدوديْن أعلى الباب.
لم يكن هذا وَصْفًا لمعبد فرعوني قديم، أو حتى لمبنى من المباني الحديثة التي أقيمت على الطراز الفرعوني، كالمحكمة الدستوريَّة أو القصر الذي أقامه السيسي في المدينة الإداريَّة الجديدة، أو المباني السياحيَّة التي تعتمد على الشكل الفرعوني لجذب المُحِبّين للحضارة الفرعونيَّة التي أبدعت في العمارة والفنون، وإنما كان لمسجدٍ أقيم في قرية من قرى “الفيوم” على الطراز الفرعوني، واكتست حوائطه وجدرانه بالرسومات والنقوش الفرعونيَّة.
أثار هذا الموضوع حالة من الجدل بين المصريّين الذين أغضبهم تشبيه بيت الله بالمعابد التي هي دور عبادة الآلهة في مصر القديمة. وكالعادة، لم يفتهم أن يسخروا من تصميم المسجد، كقول أحدهم: “خش خش، ده أمنحوتب ومينا موحد القطريْن جوَّه، وآمون بيخطب الجمعة”. وفي المقابل، استحسن البعض هذا التصميم، وقال أحدهم: “يا ريت كل مساجدنا تكون كده، بتدل على هويّتنا”، ليرد عليه آخر: “كل ما هو مصري قديم لا يقدر بثمن”[46].
من جانبها، قامت وزارة الأوقاف بإحالة الموضوع للتحقيق، واستدعت عاملين لإزالة النقوش والرموز الفرعونيَّة[47]. وعَلَّق عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، الدكتور “محمود مهنا”، على الواقعة بقوله إن المساجد في الإسلام معروف طريقة بنائها، ولا يَجوز تشبيهها بغيرها من المعابد الخاصَّة بالآخرين، ولكن يُبني المسجد بالصورة المتعارف عليها في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. ولا يَجوز تشبيه بيوت الله بالمعابد الفرعونيَّة والصوامع، منوها أن لكلٍّ من الكنائس والمعابد والصوامع والمساجد صفة خاصَّة بكلٍّ منهم[48].
لن نُحمِّل الأمرَ أكثر مِمَّا يَحتمل، ولن نقول إن ما تمَّ كان جزءًا من محاولة مستمرة لطمس الهويَّة الإسلاميَّة من خلال العبث بنمط مُكوِّن أساسي فيها، وهو المسجد، لأن الحدث تمَّ في قريةٍ نائية، ولم يكن ليكتشفه أحدٌ لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي سَلَّطت الضوء عليه ونقلته إلى وسائل الإعلام. ولكن سَننظر إلى الموضوع من زاويةٍ أخرى، هي زاوية الجهل والتشوَّش الذي أصاب ملامح الهويَّة في عقول كثير من المصريّين.
ظهر هذا الجهل في حديث المهندس الذي قام بهذا التصميم، والذي يُفترَض أن يكون من الطبقة المثقفة حَسَب المعايير المصريَّة، لتفوّقه في الثانويَّة العامَّة وتخرجه في كليَّة من “كليَّات القمَّة”، ولكن تبريراته حَمَلت كَمًّا لا يمكن تصوُّره من الجهل بالحضارتيْن الفرعونيَّة والإسلاميَّة وبتخصُّصِه المعماري.
نفى المهندس المذكور أن يكون قد أخذ مفردة واحدة تُشِير إلى الآلهة الفرعونيَّة، وأنه لا يوجد خطأ في استخدام زهرة اللوتس وغيرها من النقوش والرسومات الفرعونيَّة، وأن الصقر المصري تيمة فرعونيَّة ترتبط بالبيئة ولا تعني شيئًا، وأنه لا يوجد أيُّ شيءٍ في تصميمه يُوحِي بالوثنيَّة. وهذا يَدلُّ على جهله التام بالحضارة التي استلهم منها تصميمه الهندسي، فالتصميم في مجمله صورة من المعبد الفرعوني، وهو بناء يتمتع برمزيَّة خاصَّة لا يمكن استلهامها في تصميم المساجد، لأنه كان مركزًا لديانة وثنيَّة، وكان يُنظر إليه على أنه بيت الآلهة، ولكلِّ مفردة من رسومه ونقوشه رمز ديني لدى قدماء المصريّين.
أمَّا عن الرسومات فهي رموز لمعتقدات من الديانات المصريَّة القديمة، وليست مُجرَّد رسومات جميلة يمكن استخدامها في مسجدٍ يَتعبَّد فيه المسلمون لله الواحد. فالصقر المُجنَّح رمز للإله “حورس”. و”زهرة اللوتس” زهرة مقدسة، وكانت تقدَّم كقرابين في الشعائر الجنائزيَّة. و”مفتاح الحياة” رمز للحياة، ويَظهر في يد آلهة الفراعنة وهم يمنحونه للملوك. أمَّا قرص الشمس فيَرمز للإله “رع”.
هذا عن جهل صاحب التصميم الهندسي، أمَّا التشوُّه الذي أصاب عقليَّات كثير من المصريّين فيما يَخصُّ هويَّتهم الإسلاميَّة فقد ظهر في كلام المهندس الذي يَرى أن الحضارة الفرعونيَّة هي حضارة البلد، وكلُّ ما عَدَا ذلك يَرجع إلى أماكن أخرى، ويَتجاهل الحضارة الإسلاميَّة التي تكوَّنت في مصر منذ الفتح وحتى الآن، ويَنظر إلى مكونات النقوش والزينات الإسلاميَّة على أنها مُجرَّد “شجر وحاجات داخلة في بعضها”[49]. ولم تُفِده دراسته في معرفة أن لكلِّ حضارة خصائص ورموز تُميّز نمطها المعماري، وأن النمط المعماري للمكان جزء من هويَّة أصحابه.
لم تكن المشكلة هنا في محاولة الإبداع والتطوير وإضفاء لمسة جماليَّة على المسجد، فعمارة المساجد الإسلاميَّة ميدان للإبداع والتطوير واستلهام عناصر الجَمَال منذ أن بُنِي أوَّل مسجد في الإسلام وحتى الآن. ولم تكن المشكلة أيضًا في اقتباس طراز معماري من البيئة المحيطة بالمسجد، فمساجد العالم تقتبس من بيئتها ما يتناسب مع شكل المسجد ووظيفته الدينيَّة، ولكن المشكلة هنا تكمن في عدم المحافظة على هويَّة المكان وخصوصيَّته الدينيَّة.
الفن والمجتمع المصري
الفن نتاج إنساني ضروري، تفرضه ضرورة غريزيَّة في النفس البشريَّة، فهو وسيلة أساسيَّة للتعبير والتواصل، كما أنه أداة لصناعة الجَمَال في شتَّى مناحي الحياة الإنسانيَّة. والفنون الراقية وسيلة من وسائل تنوير الإنسان، وتعليمه، وتربية ذوقه وحِسَّه الجَمَالي.
وثمَّة علاقة تبادليَّة وثيقة بين الفن والمجتمع، فالفن أداة للسّموّ والإمْتاع، ووسيلة لحفظ الهويَّة، وبالتالي فهو أداة للارتقاء بالمجتمع، وإمتاعه، وإقناعه وخدمته، حيث يمثل جزءًا من ثقافة أيّ أمَّة من الأمم[50]. كما أن المجتمع هو المَعِين الذي يَنهل منه الفنان، فهو البيئة التي ينشأ فيها، ويَستقِي منها ثقافته وقِيَمِه وأخلاقه. ولهذا فإن انحدار المجتمع سبب من أسباب انحدار الفن، والعكس صحيح.
وبناءً عليه فإنه لا يمكن الحديث عن الانحطاط الفني في مجتمعنا المصري بمعزل عن انهيار الأخلاق والقِيَم وانحدار الذوق العام بسبب تراجع المجتمع على جميع المستويات، ذلك التراجع الذي شهدته مصر منذ عقود لأسباب عديدة، حتى صِرنا نَحِنُّ إلى الماضي ونتندر على مجتمع يَتخلَّف كلما تقدَّم به الزمن إلى الأمام.
يكفي أن نسترجع نموذجًا أو اثنين لحساسيَّة المجتمع المصري والنخبة المصريَّة تجاه ما يمكن أن يتعارض مع الأخلاق أو ينحدر بالذوق العام لنعرف حقيقة ما وَصَلنا إليه في الفن وما صَار إليه المجتمع وما أصاب النخبة المصريَّة في زمننا هذا.
ففي عام 1944، ظهر المطرب “محمد عبدالوهاب” عاري الصدر وهو يُغني أغنيَّة “المَيَّه تروي العطشان” في أحد أفلامه، الأمر الذي عرَّضه لهجوم الصحافة المصريَّة التي طالبت بحذف الأغنيَّة من الفيلم لأن ظهوره بهذا الشكل غير أخلاقي. وفي عام 1950، غنّى “فريد الأطرش” أغنيَّة “يا عوازل فلفلوا”، وهي الأغنيَّة التي أثارت الجدل ومُنِعت إذاعتها آنذاك بأمر من رئيس الوزراء “مصطفى النحاس باشا” حفاظًا على الذوق العام.
وبمرور الزمن، وبعد التراجع الذي شهدته مصر على جميع المستويات، وانعكاس هذا التراجع على الجانب الأخلاقي للمجتمع، شاهدنا خلال هذا الشهر انشغال الساحة الفنيَّة في مصر بأحدث حلقة في سلسلة الانهيار الأخلاقي بين بعض من يَنتسِبون إلى عالم الفن، ويُفترَض أن يكونوا من الفنانين الذين يساهمون في الرقي بالذوق العام والمحافظة على قِيَم المجتمع وأخلاقه. شجارٌ استخدمت فيه ألفاظ وظهرت خلاله تصرفات وسلوكيَّات لا تصدر إلَّا عن بلطجيَّة ومجرمين، وليس عن “فنانين”، أولئك الذين نقلوا تلك الألفاظ والسلوكيَّات إلى الأغاني، حتى إن نقابة المهن الموسيقيَّة وَصَفت أغاني هؤلاء قبل ذلك بأنها تحتوي على كلمات وإيحاءات تُرسِّخ لعادات غير أخلاقيَّة، وأفرزت ما يُسمَّى بـ”مُستمِعي الغريزة”، وأن صُنَّاع هذه الأغاني هم الأب الشرعي للانحدار الفني والأخلاقي[51]. ثم انشغلت وسائل الإعلام في نفس الشهر بعودة مخرج 30 يونيو الهارب، واستقبلته استقبال الأبطال الفاتحين، تكريمًا لتاريخه الفني الحافل بالأفلام التي تُخاطِب الغرائز وتقدِّم المرأة في صورة سلعة جنسيَّة تباع وتشترى، وتجاهلًا للقضيَّة الأخلاقيَّة التي هرب بسببها من مصر. وذهبت إليه الوفود المُرحِّبة بعودته مِمَّن يُفترَض وَصْفهم بالنخبة، مِن صحفيّين وإعلاميّين وفنانيّن وسياسيّين وبرلمانيّين، وعلى رأسهم رموز التيَّار اليساري والناصري، ومنهم “حمدين صباحي”.
فما الذي حدث لمجتمعنا المصري حتى صَار أمثال هؤلاء هم الذين يَتصدَّرون المشهد الفني؟ وهل انحدر على أيديهم الذوق العام بما يقدمونه من إسفاف أم أنهم يَغترفون من المَعِين الثقافي للمجتمع؟
الحقيقة أن ما نراه هو نتاج طبيعي لعلاقة تبادليَّة بين المجتمع المصري المأزوم بسبب تفشي الجهل والفقر والتخلف التعليمي والضحالة الفكريَّة والثقافيَّة بين قطاعات كبيرة من الشعب المصري، وكلُّ ذلك من تبعات الفساد والاستبداد وقمع الحريَّات، وبين صنَّاع المحتوى الفني الذين هم أنفسهم مُخرَج من مُخرَجات هذا المجتمع.
وقد يُقال إن الفنان يُقدِّم صورة لمجتمعه، بكلِّ ما فيه من محاسن ومساوئ. وهذا ليس من الفن في شيءٍ، فالفن ليس محاكاة حرفيَّة أو مرآة عاكسة، بل هو رؤية وفكر يكمنان في مضمون ما يُبدِعه الفنان. وليس على الفنان أن يَنقِل صورة الواقع كمرآة، بل يجب أن يكسوه ثوبًا من وعيه وثقافته وتقاليد مجتمعه ومبادئه، وأن يَستشعِر المسؤوليَّة الكبيرة التي يَحملها على عاتقه في مسيرة التقدُّم والنهوض[52]، وأن يَرتقي بهذه العلاقة التبادليَّة من خلال إعلاء قِيَم الأخلاق والفضيلة، خاصَّة وأن الفنان يُنظَر إليه بوصفه من صفوة المجتمع، ويَحظى بمتابعة عموم الناس، ويُفتتن به العوام.
من حين لآخر، يقوم النظام الانقلابي في مصر، بقيادة “عبدالفتاح السيسي”، بعمل تغييرات في الخريطة الإعلاميَّة المصريَّة. وعادة ما ترتبط هذه التغييرات بمصالح يَرى النظام أنها أفضل له من الجانب الإعلامي، بينما ترتبط هذه التغييرات في أحيان أخرى بنزاعات مصلحيَّة داخل أروقة السطة نفسها. وقد شهد شهر سبتمبر/أيلول 2021 شيئًا من هذا.
لكن الثابت هو أن أيَّ تغيير يَتِم على الساحة الإعلاميَّة لا يكون إلَّا بأمر من أجهزة السلطة، وربما يُدلل على ذلك اعتقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، “أيمن منصور ندا”، بسبب سلسلة مقالاته التي كتبها قبل أشهر، وانتقد فيها إعلام النظام بشكل لاذع، وطالب فيها بالتجديد والإصلاح من داخل المنظومة نفسها. واعتقال ندا أتى بعد فصله من الجامعة قبل شهور، الأمر الذي يؤكِّد على رغبة السلطة في الإمعان في إهانة كل مُطالِب بالإصلاح.
كذلك، فإن هناك أنباء عن قرب دمج مؤسَّسَات صحفيَّة قوميَّة في مصر؛ وذلك بهدف ترشيد أوجه الإنفاق، وتقليص مديونيَّات هذه الصحف لدى مصلحة الضرائب وهيئة التأمينات الاجتماعيَّة. لكن هذا يأتي على حساب التخلي عن ميراث طويل للصحافة المصرية، ومؤسَّسَات لها ثقلها التاريخي في مصر والوطن العربي.
الإطاحة ببعض المذيعين
في أواخر شهر سبتمبر/أيلول، توقفت بعض البرامج على شاشات الفضائيَّات التابعة للسلطة –بشكل أو بآخر- في مصر، منها برنامج “باب الخلق” على قناة “النهار”، الذي يقدمه المذيع المعروف، “محمود سعد”، منذ 4 سنوات. كما اعتذرت المذيعتان “مفيدة شيحة” و”سهير جودة”، عن الاستمرار في برنامج “الستات مايعرفوش يكدبوا” الذي يُعرَض منذ قرابة عشر سنوات على قناة “سي بي سي”[53].
وربما يَرى البعض أن هذا تغيير طبيعي، وأنه قد يأتي في سياق التطوير والتحديث للأداء الإعلامي، لكن الأمر ليس هكذا في مصر، التي يسيطر فيها جهاز المخابرات على كلّ ما يُقدَّم على الشاشات المصريَّة، ولو كان إعلانًا دعائيًّا. فالشركة المتحدة للخدمات الإعلاميَّة، المعروفة بتبعيَّتها للمخابرات المصريَّة تستحوذ على قنوات “سي بي سي” و”دي إم سي” و”الحياة” و”إكسترا نيوز” و”أون” و”تايم سبورتس” و”الناس” و”المحور” و”النادي الأهلي” و”نادي الزمالك”. وهذه هي القنوات التي تتبع لها بشكل مباشر، ناهيك عن القنوات الأخرى التي تؤثر عليها بشكل غير مباشر[54].
وفي حالة الإعلامي محمود سعد، فرغم تركيزه على الجانب الاجتماعي، وتوقفه عن الحديث في السياسة منذ وصول السيسي لكرسي الرئاسة عقب انتخابات صوريَّة عام 2014، إلَّا أنه لم يسلم من أسهم النظام. فقد تحدثت مصادر من داخل “المجموعة المتحدة للخدمات الإعلاميَّة”، أن توقف برنامج سعد على قناة “النهار” جاء بقرار من المقدم “أحمد شعبان”، وهو مسؤول ملف الإعلام والصحافة داخل جهاز الاستخبارات؛ وذلك بعد رصد مكالمة هاتفيَّة لسعد، انتقد فيها نظام السيسي[55].
وبعيدًا عن صِحَّة ما نقله المصدر من عدمه، فإن هناك أسبابًا أخرى كافية قد تكون وراء إيقاف النظام لسعد، الذي يُعَد أحد أشهر مذيعي مصر. بداية، يُعرَف نظام السيسي بالتنكيل بكلّ مَن اتبع رأيًا مخالفًا للدولة العميقة بعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير. حتى إن مؤيدي النظام طالهم شيء من بطشه، بسبب بعض مواقفهم في الفترة ما بين 25 يناير/كانون الثاني 2011، و30 يونيو/حزيران 2013.
ومن المعروف أن “سعد” كان أحد مَن أعلنوا دعمهم للرئيس الراحل، “محمد مرسي”، في جولة الإعادة ضد “أحمد شفيق”، ممثل الثورة المضادة حينها، وآخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك. لذلك، قد يكون تهميش “سعد” –حتى من ساحة البرامج الاجتماعيَّة- أتى بسبب هذا الموقف، الذي لا ينساه النظام حتى الآن[56].
وهناك سبب آخر مُحتمَل في هذا السياق، وهو أن برنامج “باب الخلق” الذي يقدمه سعد منذ 4 سنوات، بدأت تزداد شعبيَّته خلال الفترة الأخيرة بشكل واضح. والمتابع لصفحة “سعد” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” سَيرى أن المشاهدات لهذا البرنامج تزداد باستمرار، وبدأت تستقطب مشاهدين جدد من فئة الشباب، الذين يثنون على البرنامج. لذلك، ربما خشيت السلطة في مصر من زيادة تأثير البرنامج، بتوفير مِنصَّة التلفزيون واسعة الانتشار له[57].
ومِمَّا يجعل من ذلك سببًا أقرب، هو أن برنامج “سعد” يعتمد على تسجيل فقراته في مناطق شعبيَّة، ما يجعل لقاءاته مع البسطاء، وعرض مشاكلهم، بمثابة الرد العملي على ما تروجه الحكومة، من إنجازات مفترضة في القطاعات كافة[58].
أمَّا عن توقف الإعلاميَّة مفيدة شيحة، فإنها لم تذكر أسبابًا، حين أعلنت مغادرتها قناة “سي بي سي”، عبر صفحتها الشخصيَّة في “فيسبوك”، قائلة: “بعد 10 سنوات من النجاح، وداعًا سي بي سي… وداعًا الستات ما يعرفوش يكدبوا، وإلى اللقاء”، علمًا أن هذا البرنامج الذي تقدمه يَختصُّ بمشكلات المرأة، ولا يَتطرَّق إلى السياسة[59].
ويبدو أن السبب في تغييرها مرتبط بتغير اسم رئيس القناة، حيث يَرى البعض أنها كانت من المحسوبين على “سمير يوسف”، رئيس قناة “سي بي سي” السابق، الذي استبعدته السلطات مؤخرًا من منصبه. لذلك استبعدت بعدما أسند المنصب إلى رئيس قنوات “دريم” سابقًا، “محمد خضر”[60].
وحول توقف الإعلاميَّة، سهير جودة، التي تقدم ذات البرنامج، فيبدو أن الأمر بسبب كونها زوجة للرئيس السابق لقنوات “سي بي سي”، “محمد هاني”[61]. حيث إن “الشركة المتحدة للخدمات الإعلاميَّة”، التابعة للمخابرات، كانت قد استحوذت على القناة، وأبعدت هاني من رئاستها[62]. ثم أسَّس “هاني” بعدها شركة “كايرو شو” للإنتاج الفني والتلفزيوني[63]، وهي الشركة التي تنفذ مشروعات خاصَّة برئيس هيئة الترفيه السعوديَّة، “تركي آل الشيخ”، الأمر الذي تعتبره “المتحدة” منافسة، ولذلك قرَّرت استبعاد زوجته عن القناة[64].
وكما هو واضح، فإن أيَّ تحرُّك على الساحة الإعلاميَّة في مصر -بما في ذلك القنوات الخاصَّة الخارجة عن سلطة الشركة المتحدة- لا يتم إلَّا بتوجيه من النظام، وإنه ليس هناك مجال للتطوير أو التحديث بعيدًا عن رؤية السلطة لما يجب أن يكون عليه الإعلام بوسائله المختلفة.
اعتقال صاحب مقالات “إعلام البغال”
في هذا السياق شديد الإحكام على النوافذ الإعلاميَّة المصريَّة من قِبَل النظام، جاء خبر اعتقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، “أيمن منصور ندا”، صاحب سلسلة المقالات الشهيرة، التي عرفت باسم مقالات “إعلام البغال: من أحمد موسى إلى كرم جبر!!”.
وخلال مقالاته، التي نشرها قبل أشهر، وَجَّه “ندا” انتقادات لاذعة إلى الأداء الإعلامي للنوافذ الإعلاميَّة التابعة للنظام، واصفًا إيَّاها بـ”كائن مسخ وظيفته أن يكون مطيَّة لمَن يملك المال والحكم، أو هما معًا”، ومشيرًا إلى أن “إعلام البغال يمثل أحيانًا دور الحمار الطموح الذي يبغي تحقيق أهداف لا يقدر عليها، فيرجع في الغالب مهزومًا جريحًا”. واقترح الأستاذ الجامعي حينها على السيسي عودة وزارة الإعلام واستبعاد معظم الوجوه الإعلاميَّة الحاليَّة[65].
وقرَّرت كليَّة الإعلام بجامعة القاهرة حينها إيقاف ندا. وكما ذكر بيان الكليَّة، فإن ذلك جاء بسبب العديد من التجاوزات والمخالفات التي تتنافى مع قِيَم وتقاليد العمل الجامعي. لكن من الواضح أن مجرد الوقف عن العمل، والهجوم الإعلامي المحموم على شخص الأستاذ الجامعي، لم يكن كافيًا، فقد اتجهت أجهزة الدولة للإمعان في إهانة “ندا”، رغم أنه لم يعترض حينها على النظام بالكليَّة. بل على العكس من ذلك، فقد تكررت مناشداته للسيسي خلال مقالاته.
لتنتشر صور “ندا” على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الشهر الماضي، وهو مُكبَّل بالأغلال أثناء العرض على النيابة، وجاس على سلم داخلي في مقر النيابة بانتظار قرارها بشأنه. الأمر الذي بَدَا وكأنه مقصود من قِبَل النظام بغرض إهانة أستاذ الإعلام، خاصَّة أنه غير مسموح بالتصوير في مقرات النيابة[66].
وقبل رؤية ندا في النيابة، تداول نشطاء رسالة منسوبة له، يقول فيها إنه محتجز في قسم شرطة وجارٍ عرضه على قاضي التحقيق لحبسه 15 يومًا، وإن التحقيق يَتِم وفقًا لقانون الإرهاب وترويع وتعطيل مؤسَّسَات تابعة للدولة، مضيفًا أن سلطات التحقيق معه تجاهلت البلاغات التي قدَّمها ضد رئيس جامعة القاهرة، وتابع: “سَيقتلونني بتهمة الإرهاب”[67].
وهذا الجوّ العام من استبعاد مذيعين لأهداف خاصَّة بالنظام وبالأشخاص النافذين فيه، واعتقال كلّ مَن يطالب بالإصلاح ولو كان من داخل المنظومة ووفق قواعدها، يُدلل على أن النظام بعيد عن إجراء أيّ إصلاحات حقيقيَّة على الساحة الإعلاميَّة، كما أنه ما زال بعيدًا عن ترك مساحة حريَّة، يستطيع كلُّ مَن له رأي آخر التحدث من خلالها.
اقتراب دمج مؤسَّسَات صحفيَّة قوميَّة
وبجانب فشل النوافذ الإعلاميَّة التابعة للنظام في ترويج روايته في كثير من الموضوعات، هناك فشل إداري ومالي آخر، خصوصًا عند الحديث عن الإعلام المقروء. حيث صَرَّحت مصادر لصحيفة “العربي الجديد” أن “الهيئة الوطنيَّة للصحافة”، برئاسة مهندس الكهرباء “عبدالصادق الشوربجي”، سَتعلن قريبًا قرارات جديدة بدمج بعض المؤسَّسَات الصحفيَّة القوميَّة المملوكة للدولة، استجابة منها لتوجيهات الحكومة بشأن ترشيد أوجه الإنفاق، واستغلال أصول تلك المؤسَّسَات التاريخيَّة في تقليص مديونيَّاتها لدى مصلحة الضرائب وهيئة التأمينات الاجتماعيَّة.
وأضافت المصادر أن الهيئة ستتخذ قرارات منها دمج مؤسَّسَة “دار الهلال” التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1892، ومن أشهر إصداراتها مجلات “المصور” و”الكواكب” و”حواء”، مع مؤسَّسَة “الأهرام” الصحفيَّة (تأسَّسَت عام 1875)، وما يتبع ذلك من هدم للمبنى التاريخي لـ”دار الهلال، وطرح أرض المؤسَّسَة للبيع.
وأردفت أن قرارات الهيئة المرتقبة ستشمل دمج مؤسَّسَة “دار المعارف”، وأشهر إصداراتها حاليًا مجلة “أكتوبر”، مع مؤسَّسَة “أخبار اليوم”، وهدم مبنى “دار المعارف” المُطِل على كورنيش النيل، وطرح الأرض المقام عليها للبيع، وهي الدار التي أنشأها اللبناني “نجيب متري” عام 1890، وأدَّت دورًا مهمًّا في نشر الثقافة والتنوير في العالم العربي، من خلال طبع آلاف المؤلفات لكبار الكتَّاب.
كما سَيتم دمج مؤسَّسَات مثل “الشركة القوميَّة للتوزيع”، المسؤولة عن توزيع الصحف خارج البلاد، والتي يُعَد مبناها من المنشآت المميزة في شارع قصر العيني وسط القاهرة، و”دار روز اليوسف” التي خرجت إلى النور عام 1925، وتصدر عنها حاليًّا صحيفة “روز اليوسف” اليوميَّة، ومجلتا “روز اليوسف” و”صباح الخير”[68].
وبالطبع، فإنه ليس من المستغرب أن يتنازل النظام عن مؤسَّسَات تاريخيَّة كهذه، ويهدمها أو يبيعها. ذلك أن هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها النظام قرارات كهذه تدلل على عدم إعطائه قيمة لميراث مصر التاريخي. فقد أقدمت حكومات الانقلاب المتتالية خلال السنوات الأخيرة على هدم العديد من المواقع والمعالم التراثيَّة، بحجَّة التطوير، من ذلك هدم صحراء المماليك، التي ترجع إلى عصر المماليك الشراكسة مع نهاية القرن الثامن الهجري[69].
كما هدم النظام “وكالة العنبريّين”، الواقعة في قلب شارع المعز، أحد أهم شوارع القاهرة التاريخيَّة، ومَرَّت عليها حقب وأزمنة تاريخيَّة عديدة؛ كالدولة الفاطميَّة والأيوبيَّة والمملوكيَّة والعثمانيَّة، حيث يرجع تاريخ إنشائها إلى ما يزيد على 900 عام. كذلك هدم النظام أسوار مقبرة مدفن “حسن باشا صبري”، رئيس وزراء مصر وقت الحرب العالميَّة الثانية، والذي رفض دخول مصر في الحرب وجَنَّبها ويلاتها، وغير ذلك الكثير من المعالم الأثريَّة[70].
لكن الغريب هنا هو موقف نقابة الصحفيّين السلبي من التخلي عن هذه المؤسَّسَات التي تُعَد علامات فارقة في تاريخ الصحافة في مصر، والوطن العربي ككل. حيث بَدَت النقابة –التي يرأسها “ضياء رشوان” الذي يشغل منصبًا حكوميًّا هو رئاسة “الهيئة العامَّة للاستعلامات- وكأنها تخلت عن دورها الأساسي في التصدي لأي إجراءات من شأنها المساس بصناعة الصحف، وحقوق العاملين فيها.
بل إن هناك صحفيّين يتماهون بشكل واضح مع خطة النظام، وبرز ذلك في مجلس إدارة مؤسَّسَة الأهرام، برئاسة الكاتب الموالي للنظام “عبدالمحسن سلامة”، على تحويل المبنى التاريخي لها المُطِل على شارع الجلاء وسط القاهرة، إلى مجمع للبنوك وشركات المال والأعمال، إثر الاتفاق مع بنوك حكوميَّة[71].
كما اتخذت “الهيئة الوطنيَّة للصحافة” قرارًا في يوليو/تموز الماضي، بوقف طباعة ثلاث صحف مسائيَّة قوميَّة، وهي “الأهرام المسائي” الصادرة عن مؤسَّسَة “الأهرام”، و”الأخبار المسائي” الصادرة عن مؤسَّسَة “أخبار اليوم”، و”المساء” الصادرة عن مؤسَّسَة “دار التحرير للطبع والنشر”[72].
المصادر
[1] وكالة الأناضول، أنقرة.. انطلاق الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، 7 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/2ZfNEvW
[2] العربي الجديد، العلاقات التركية المصرية.. حيثيات التطبيع والمصالح المتبادلة، 11 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3EJLOnp
[3] المصدر السابق، https://bit.ly/3EJLOnp
[4] وكالة أنباء تركيا، تشاويش أوغلو يكشف تطورات المباحثات مع الإمارات والسعودية ومصر، 7 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/2ZhN54L
[5] وكالة الأناضول، مصر: حريصون على إيجاد صيغة لاستعادة العلاقات مع تركيا، 8 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3zOxTZL
[6] الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس القبرصي، 4 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3AHG236
[7] الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الاحتفال بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، 11 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3u5aO3C
[8] الأهرام، مصر ترسم خارطة الطريق إلى الجمهورية الجديدة.. أول إستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، 11 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3kyAbYo
[9] WASHINGTON POST, facing pressure on human rights, Biden administration attaches new conditions to Egypt security aid, 14/09/2021, https://wapo.st/39L9HwN
[10] هيومان رايتس ووتش، مصر: ما يبدو أنها إعدامات خارج القانون تحت ستار “تبادل إطلاق النار”، 7 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3EKzXFG
[11] الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، الرئيس عبدالفتاح السيسي يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، 13 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3lNWMQ8
[12] ديوان رئيس الوزراء، رئيس الوزراء بينيت يلتقي الرئيس المصري السيسي في شرم الشيخ، 13 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3ijHhP9
[13] Jerusalem Post, Israel-Egypt relations, not Palestinians, at the center of Bennett-Sisi meeting – source, 14/09/2021, https://bit.ly/3o262mq
[14]FRANCE 24 ، رئيس الوزراء الاسرائيلي يزور مصر لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات، 13 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3AN20BK
[15] الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، الرئيس عبدالفتاح السيسي يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، 13 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3i2Sx1Z
[16] الجزيرة، السيسي يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي في شرم الشيخ ويبحثان جهود إحياء عملية السلام، 13 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3CvTyaK
[17] وكالة أنباء الأناضول، سد إثيوبيا.. السيسي: وجدت “تفهما مشتركا” مع بينيت، 13 سبتمبر/أيلول 2021م، https://bit.ly/3i5UFGa
[18] المصري اليوم، تفاصيل دخول مليون عامل مصري إلى ليبيا بداية من أكتوبر 2021، 30 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/2Yh73Nb
[19] اليوم السابع، البنك المركزي: 31.4 مليار دولار تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال عام، 15 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3DbuhD3
[20] روسيا اليوم، السكك الحديد المصرية: نستعد لاستلام دفعة جديدة من القطارات الإسبانية، 23 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3a9h3dz
[21] روسيا اليوم، السكك الحديد المصرية تستقبل دفعة جديدة من العربات الروسية المكيفة، 29 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/2YpLY2P
[22] بوابة الاهرام، وزيرة الصحة: شراء ألف سيارة إسعاف من ألمانيا، 23 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/2YjwmhA
[23] العربي الجديد، “استاندرد اند بورز” تحذر مصر من مخاطر كلفة الفائدة على القروض، 5 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3Bb6rGW
[24] مصراوي، متى يعود مجلس النواب للانعقاد، 23 سبتمبر/أيلول 2021،
[25] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية تنشر أربع قرارات للرئيس للسيسي، 2 سبتمبر/أيلول 2021،
[26] موقع الشروق الإلكتروني، البرلمان يُقر ميثاق غاز شرق المتوسط.. وعبدالعال: المنتدى فاتحة خير على مصر، 15 ديسمبر/أيلول 2020،
[27] AA.COM، ميثاق منتدى شرق المتوسط، 21 سبتمبر/أيلول 2020،
[28] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية تنشر تصديق الرئيس السيسي على قانون جديد، 6 سبتمبر/أيلول 2021،
[29] الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، العدد رقم 32 مكرر (ب) بتاريخ نشر 15/08/2021، قرار رقم 142 لسنة 2021،
[30] اليوم السابع، إيجابيات وعوائد بالجملة.. تفاصيل قانون البحث عن الغاز بجنوب دسوق بعد التصديق، 6 سبتمبر/أيلول 2021،
[31] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية تنشر قرار رئيس الجمهورية بإعلان الحداد 3 أيام على وفاة المشير طنطاوي، 22 سبتمبر/أيلول 2021،
[32] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية تنشر أربع قرارات للرئيس للسيسي، 2 سبتمبر/أيلول 2021،
[33] المصدر السابق،
[34] المصدر السابق،
[35] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، قرار تعيين رؤساء محاكم استئناف، 8 سبتمبر/أيلول 2021،
[36] المصدر السابق،
[37] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، قرار جمهوري بسحب تعيين مندوب بمجلس الدولة، 29 سبتمبر/أيلول 2021،
[38] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، تعيينات النيابة الإدراية، 9 سبتمبر/أيلول 2021،
[39] الوطن، 10 تعديلات في قانون الإيجار القديم للملاك والمستأجرين، 21 سبتمبر/أيلول 2021،
[40] الوطن، تعديلات قانون الإيجار القديم.. الملاك يطالبون بإخلاء وحدات التجاري، 30 سبتمبر/أيلول 2021،
[41] المصدر السابق،
[42] الوطن، عشر تعديلات في قانون الإيجار القديم للملاك والمستأجرين، 29 سبتمبر/أيلول 2021،
[43] المصدر السابق،
[44] قناة ON، فيديو| كلمة الرئيس السيسي خلال الحلقة النقاشية “حقوق الإنسان بين الحاضر والمستقبل”، 11 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3lMHMSr
[45] الجزيرة، هاجمه مؤيدون ومعارضون.. تصريحات إبراهيم عيسى عن الدين والمولود الثالث تثير الجدل في مصر، 12 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3lSsGLv
[46] القاهرة 24، غضب على السوشيال ميديا بعد تداول صور مسجد على الطراز الفرعوني.. والأوقاف تعلق، 16 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3hZkAiT
[47] العربي الجديد، جدل مصري حول مسجد على الطراز الفرعوني، 17 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3ksDoJ4
[48] صحيفة النبأ، أول رد أزهري على بناء مسجد على الطريقة الفرعونية، 17 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/39xi92y
[49] الوطن، فيديو| مسجد فرعوني بالفيوم يثير الجدل.. التفاصيل كاملة يرويها المهندس المُصمم، 17 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3i1SL9B
[50] ديوان العرب، الفن.. إبداعٌ إنساني، 27 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3kD0hJV
[51] المصري اليوم، هاني شاكر يصدر قرارا بمنع مطربى المهرجانات من العمل نهائيا، 16 فبراير/شباط 2020، https://bit.ly/39sGkPu
[52] صبا الياسري، الفن ودوره الاجتماعي والتربوي، مجلة مركز دراسات الكوفة، العدد 21، 2011، ص76.
[53] شبكة رصد، أبرزهم محمود سعد.. إعلام السيسي يطيح بـ3 من الإعلاميين، 25 سبتمبر/أيلول 2021،
[54] الجزيرة نت، هيكلة الشركة المهيمنة على الإعلام المصري.. أسرار ومفاجآت وتساؤلات عن الجديد؟، 1 يونيو/حزيران 2021،
[55] العربي الجديد، إعلام السيسي يُطيح محمود سعد ومفيدة شيحة وسهير جودة، 24 سبتمبر/أيلول 2021،
[56] جريدة الشروق، محمود سعد.. احترامى لنفسى أولًا، 4 يوليو/تموز 2016،
[57] الصفحة الرسمية للصحفي والمذيع محمود سعد، تاريخ الوصول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021،
[58] الصفحة الرسمية للصحفي والمذيع محمود سعد، خلق الله في باب الخلق، تاريخ الوصول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021،
[59] صدى البلد، بعد 10 سنين.. مفيدة شيحة تودع برنامج الستات ميعرفوش يكدبوا، 23 سبتمبر/أيلول 2021،
[60] أخبار مصر، محمد خضر علي رئيسا لشبكة قنوات «CBC» خلفا لـ سمير يوسف، 2 يونيو/حزيران 2021،
[61] الوطن، إعلاميون يعلقون على اعتزال “محمد هاني”: “صانع النجوم”، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018،
[62] جريدة الشروق، محمد هاني رئيس قنوات cbc يعلن اعتزال العمل التليفزيوني، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018،
[63] القاهرة 24، محمد هاني: الصحفي حاليًّا لا يملك البنية التحتية.. وأخطط لـ”كايرو شو” منذ 4 سنوات (حوار)، 1 ديسمبر/كانون الأول 2020،
[64] القاهرة 24، على أكتاف “السينما النظيفة”.. خطة تركي آل الشيخ للترفيه في مصر بـ11 مسرحية ومجموعة أفلام، 30 ديسمبر/كانون الأول 2018،
[65] الجزيرة نت، مقالات “إعلام البغال”.. هل انتصر مذيعو السلطة على الأكاديمي المصري؟، 1 إبريل/نيسان 2021،
[66] القدس العربي، حملة ضد تجاوز فترة الحبس الاحتياطي.. وصورة أكاديمي مصري مكبل في النيابة تثير غضبا، 29 سبتمبر/أيلول 2021،
[67] صحافة الجديد، مصر.. أنباء عن اعتقال أكاديمي اشتهر بانتقاد إعلام السلطة، 28 سبتمبر/أيلول 2021،
[68] العربي الجديد، اقتراب دمج مؤسسات صحافية قومية في مصر، 17 سبتمبر/أيلول 2021،
[69] المعهد المصري للدراسات، هدم المعالم التراثية بمصر: الواقع والمخاطر، 31 أغسطس/آب 2020، https://bit.ly/3mtkmBQ
[70] المصدر نفسه.
[71] بوابة الأهرام، عبدالمحسن سلامة: الأهرام ترحب بالتعاون مع بنك مصر باعتباره رمزًا من رموز الاقتصاد المصري، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، https://bit.ly/3FbEHUW
[72] الزوراء، تحويل عدد من الصحف المسائية المصرية الى الاصدار الالكتروني، 5 يوليو/تموز 2021، https://bit.ly/3BbPwE4