الإخوان ومجابهة الانقلابات .. والمسؤولية التائهة !!
ما إن وقع انقلاب تونس الأخير على الدستور؛ حتى انطلق بعض الكارهين للإخوان، وسارعوا إلى النيل منهم، والإساءةِ لأشخاصهم ونهجِهم، والنهشِ في أعراضهم، واتهامِهم بأبشع التهم، في تسابقٍ محمومٍ لاستثمار هذا الحدث، وكأنه فتَح شهيتهم للانقضاض على خصومهم (الإخوان) وشيطنتِهم!!
ويلاحَظ أن هؤلاء الذين تداعوا لأكل لحوم الإخوان، هم من فئات مختلفة؛ فمنهم من ينتسب إلى فئة الإسلاميين، وخاصة من يؤيدون أو يميلون إلى نهج الغلوّ، واستخدامِ قوة السلاح في التغيير، وآخرون ينتمون لبقية ألوان الطيف السياسيِّ غيرِ الإسلامي، كالشيوعيين والليبراليين والعلمانيين.
لكن الجميع اتفق على نفس الاتهام، وذات التعليل، ونفس الأمنية أو النتيجة.
أما الاتهام فهو الفشل، وأما التعليل فهو عدم قدرتهم على هزيمة الانقلابيين، وحمايةِ سلطتهم، وأما الأمنية والنتيجة فهي وجوب خروجهم من المشهد السياسي، وعدم الرجوع إليه مرة أخرى!!
إنه لمن أعجب العجب مطالبة هؤلاء المنظِّرين الطاعنين للإسلاميين عامة والإخوان خاصة بأن يجابهوا الانقلابيين بالقوة المسلحة، وإلا كانوا فاشلين !!
ونحن نتساءل: هل الإخوان في مبارزة قتالية، وحربٍ عسكرية لم يعدوا لها العدة، فكانوا فاشلين؟؟!!!
أم أنهم دخلوا السياسة في إطار عَقد اجتماعيّ يتضمن تنظيمَ الوصولِ للسلطة، وتداولَها، وَفقَ نظمٍ ودساتيرَ تَمّ التوافقُ على احترامها، ولم يكن من بنود هذا العقدِ الاجتماعيِّ أن يكون لدى كلِّ كيانٍ أو حزبٍ سياسيٍّ قواتُه المسلحةُ الخاصةُ به داخل الدولة؟!!
إن القول بأن يكون للإسلاميين قوة ” صلبة” للتصدي للانقلابيين، وأن يكون لغيرهم من بقية الأطيافِ السياسيةِ الحقُّ كذلك في تكوين قواتٍ أو ميليشيات مسلحة؛ داخل الدولة – لا يقول به عاقل يهدف إلى استقرار البلاد، والحفاظ على وحدتها الوطنية. إن هذا – لو حدث – يفتح الباب لفوضى التسلحِ، وانتشارِ الكياناتِ المسلحةِ داخلَ الدولة، ويفتح الباب معه لشراء هذا الفصيلِ أو ذاك، واستخدامِه أسوأَ استخدامٍ من شياطين الإنس، وأعداء الأمة!! وهذا ـ لا شك ـ ينذر بِشرٍّ مستطير، ولدينا نموذج لبنان.
ثم لماذا في كل انقلابٍ يكون الإسلاميون وحدهم مطالبين بالتصدي له وإفشالِه، ويُحمَّلون وحدهم المسؤولية عن ذلك ؟!!
أليست هناك شعوبٌ وأحزابٌ ونُخبٌ يجب أن يكونوا شركاءَ في المسؤولية عن الأوطان واستقرارِها، والدفاعِ عن الحقوق، ومجابهةِ البغاة المعتدين والمستبدين الظالمين؟!
إنه ليس من الإنصاف النظرُ إلى ما وقع في تونس ومصر على أنه هزيمة للإخوان؛ بل الواقع أنه هزيمة للديمقراطية، وقطعٌ لطريق الإصلاح السلميِّ، ومبدأِ تداولِ السلطة، بأيدي الخونة والعملاء.
إن من بين الأقوال الساذجة أن يَرفع أحدُهم عقيرتَه بالقول بأن الإخوان في مصر خَذَلوا الشعب !! ولماذا؟ فيقول لأنهم لم يستطيعوا الحفاظ على الحكم من الانقلاب !!
وأين الشعبُ الذي اختارهم؟ وأين النخبُ التي أيدت الانقلاب مكايَدة وحقدا وحسدا؟؟!!
إن الله أخبر عن ذي القرنين أنه مَلَك الأسباب {إنّا مَكّنّا له في الأرض وآتيناه مِن كلِّ شيءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84]، ومع هذا قال للناس الذين طلبوا منه بناء السدّ ـ كما حكى الله ذلك في القرآن ـ: {قال ما مَكّنِّي فيه رَبِّي خيرٌ فأعينوني بقوةٍ أجعلْ بينكم وبينهم رَدْمًا} [الكهف: 95] !!
فلماذا لا نعمل بهذه القاعدة القرآنية التي وضعها ذو القرنين؛ كلٌّ في الناحية التي يحسنها، وتتكاتف قوى الوطنِ الفاعلةُ لمجابهة تلك الانقلابات؟
ولماذا ينحصر الطلبُ في الإخوان وحدهم، مجابهة البغاة المعتدين الذين يملكون القوة المسلحة؛ في حين أنَّ “حضرات المنظرين” يتفرجون، بل كذلك يكونون مُعْفَيْن من اللومِ حين يشتركون في إسقاط الإخوان، ومساعدة الانقلابيين ؟!!
ومع هذا فإن الإخوان في مصر قد بذلوا ما استطاعوا في مواجهة الانقلاب الأثيم، وقدموا تضحيات لا تخفى على أحد.
إن الفشل هو أن لا يقوم الإخوان أو غيرُهم ممن اختارهم الشعب بمسؤولياتهم في الحكم والإدارة، بعد تمكينهم منها، ومع هذا فلو كانوا يستطيعون إفشالَ الانقلاب وقصّروا، فلا يُعفون من المسؤولية.
ثم إن هؤلاء المتحاملين على الإخوان يطالبونهم بالانسحاب من الحياة السياسية؛ لأن وجودهم في السلطة يكون ذريعة لوقوع الانقلابات في بلادنا !! وهذا منطق أعوج، يجهل أصحابُه أو يتجاهلون التاريخ !!
إن الإخوان ليسوا وحدهم من وقع عليه انقلابات، ولم يستطيعوا الانتصار عليها.
ألم ينقلب عبد الناصر على محمد نجيب؟ ألم ينقلب زين العابدين على بورقيبة؟
ألم تقع انقلابات في القرن الماضي في العراق وسوريا والجزائر وإيران (ضد مصدّق)؟ ناهيك عن انقلابات القارة السمراء؟ ولم تكن ضد حكومات إسلامية، ولم يكن فيها الإخوان المسلمون؟
إنه ليس من العدل ولا من الصواب انتهازُ مثلِ هذه الفرصِ للنيل من الإخوان والهجومِ عليهم، وهم شأنهم شأنُ أيِّ فصيلٍ سياسيٍّ، يخطئون ويصيبون، وإذا كانت لهم وللإسلاميين عموما أخطاء، فخطايا غيرِهم من الأحزاب السياسيةِ أكثرُ من تحصى، وإلا فالواقع شاهد على ذلك، وعلى من يكيلون التهم للإخوان أن يتكلموا عن حال الأحزاب السياسية الأخرى التي تحكم بلادنا منذ أكثر من نصف قرن، والحصيلة كما نرى: تخلُّف على كل صعيد!!
إنني لا أتجاهل أن الأمر معقَّد ومتشابك؛ لكن في ذات الوقت لا يسوغ أن تُطرَح أفكار واتهامات خطيرة بتلك البساطة والتسطيح، مع تجاهلِ كثيرٍ من الاعتبارات في أرض الواقع.
ولا شك أن الأمر يحتاج إلى تفكير عميق متجرد، وتخطيط دقيق، يشارك فيه أولو الرأي وقادةُ الفكر من كافة التخصصات والاتجاهات، لوضع الخططِ والإستراتيجياتِ اللازمةِ للتغلبِ على بلاءِ الانقلاباتِ الأثيمةِ، التي ابتُلِينا بها في منطقة المشرقِ الإسلاميّ.
ومع هذا، لا بد للإخوان وغيرهم من مراجعات، وتداركٍ لما وقعوا فيه من أخطاء. والتعامل بنزاهة وموضوعية، وتقديم التضحيات لصالح الأوطان، في ظل التوجهات العالمية والإقليمية التي تنزع إلى صناعة “الديكتاتوريات” في الشرق؛ ضمانا لمصالحها فيه.. وربنا المستعان.