دفاتر مصرية أغسطس/آب 2021
فريق التحرير: د أحمد حسين، دعاء جاد، عبدالرحمن محمد، محمد عبدالعاطي
الفهرس
الدفتر السياسي
مواجهات الجيش والمسلحين في سيناء
دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة مصر
عودة البعثة الأزهريَّة من أفغانستان
الدفتر الاقتصادي
رفع الدعم عن رغيف الخبز
طرح “العاصمة الإدارية الجديدة” في البورصة المصرية
عمليات الاحتيال علي البنوك المصرية
الدفتر التشريعي
أبرز القرارات الجمهورية خلال شهر أغسطس
الدفتر الفكري والثقافي
الثانوية العامَّة والضغوط النفسيَّة
السيسي وعقيدة المصريّين
الدفتر الإعلامي
تأجيل دعوى تقنين بدل الصحفيين
التمهيد الإعلامي لزيادة أسعار الخبز
مقدمة
شهدت مصر العديد من الأحداث والفعاليَّات في أغسطس/آب 2021، وقد استعرضنا أبرز هذه الأحداث من خلال الموضوعات الواردة في الدفاتر المختلفة. ففي الدفتر السياسي، هناك ثلاثة موضوعات، يدور أوَّلها حول الاشتباكات في سيناء بين الجيش المصري وتنظيم “ولاية سيناء”، والتي أسفرت عن وقوع عدد كبير من القتلى بين الطرفيْن بحسب بيانيْن للجيش. ويَدور ثانيها حول دعوة السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف لزيارة مصر، وهي الدعوة التي تأتي في إطار التقارب الملموس بين النظام المصري والكيان الصهيوني. ويتناول آخرها موضوع عودة البعثة الأزهريَّة من أفغانستان بعد سيطرة طالبان على كابُل، وتُعدُّ عودتها انسحابًا من الساحة الأفغانيَّة وخسارة للقوى الناعمة المصريَّة في ذلك البلد.
وإذا انتقلنا إلى الدفتر الاقتصادي فسنجد أن هذا الشهر قد شهد جدلًا كبيرًا حول حديث السيسي عن رفع الدعم عن رغيف الخبز، وقد تفاعل المصريُّون مع هذا الحدث على نطاق واسع، لأنه يمس ذوي الدخل المنخفض منهم، ولا يأخذ في الحسبان ما يعانيه المصريُّون من ظروف معيشيَّة. ثم جاء بعد ذلك قرار طرح “العاصمة الإداريَّة الجديدة” في البورصة المصريَّة، وهو ما أثار الجدل حول جدوى إنشاء مثل هذه المدن، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي للمواطن المصري في ظل رفع الدعم عن الخدمات. وكان عملاء البنوك على موعد في نهاية الشهر مع حالة من القلق على ودائعهم بسبب تعرُّض سيدة مصريَّة لعمليَّة احتيال، وهو ما دفع البنوك إلى إصدار تحذيرات لهم من وسائل الاحتيال المختلفة.
أمَّا فيما يَخصُّ الشأن التشريعي فقد تناول الدفتر مجموعة من القرارات الجمهوريَّة والقوانين التي صدر بها قرار جمهوري خلال الشهر الماضي الذي شهد انتهاء دورة الانعقاد الأولى من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب، وكان المجلس قد وافق خلال فترة انعقاده على 164 مشروع قانون مقدَّم من الحكومة في ظل ضعف واضح في القيام بدور رقابي ملموس وفق الصلاحيات الدستوريَّة.
وعلى الجانب الفكري والثقافي، شهد الشهر نهاية امتحانات شهادة الثانوية العامَّة، وقد سلطنا الضوء على ما يَرتبط بهذه الشهادة من ضغوط نفسيَّة رهيبة تصيب الطلاب وذويهم بسبب التنافس على التفوُّق والرغبة في الالتحاق بكليَّات القمة. كما تناولنا أيضًا تصريحات السيسي التي دَعَا فيها المصريّين إلى التفكير في العقيدة لمعرفة إن كانت صحيحة أم خاطئة.
ونختم بالملف الإعلامي، والذي يَحتوي على موضوعيْن، يتناول أوَّلهما قضيَّة تقنين بدل التدريب والتكنولوجيا الممنوحة للصحفيّين، والذي يتمسَّك النظام المصري بعدم تقنينه، ولكن الجديد هذه المَرَّة هو وقوف النقابة ضد أعضائها وانحيازها إلى موقف الحكومة. ويَدور الثاني حول موضوع التمهيد الإعلامي لزيادة سعر الخبز، وترويج الأذرع الإعلامية لهذا الأمر وكأنه إنجاز من إنجازات النظام.
شهد شهر أغسطس/آب 2021 العديد من الأحداث السياسيَّة، اخترنا تسليط الضوء على ثلاثة منها، على رأسها الاشتباكات في سيناء بين الجيش المصري وتنظيم “ولاية سيناء” المرتبط بتنظيم “داعش”. ثم دعوة السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة مصر، في خطوة جديدة من خطوات التقارب الملموس بين النظام المصري والكيان الصهيوني. وأخيرًا، عودة البعثة الأزهريَّة من أفغانستان ضمن الجالية المصريَّة التي تمَّ إجلاؤها بعد دخول طالبان إلى كابُل، وما تمثله هذه العودة من خسارة للقوى الناعمة المصريَّة في ذلك البلد.
مواجهات الجيش والمسلحين في سيناء
في الأوَّل من أغسطس/آب، أعلنت القوَّات المسلحة المصريَّة عن مقتل عدد كبير من العناصر المسلحة التابعة لتنظيم “ولاية سيناء” المرتبط بتنظيم “الدولة الإسلاميَّة” (داعش). وذكر البيان الصادر عن القيادة العامَّة للقوَّات المسلحة أن هذه العمليَّات قد جاءت في “إطار الجهود المتواصلة التى تقوم بها القوَّات المسلحة لملاحقة ودَحْر العناصر الإرهابيَّة على كافة الاتجاهات الإستراتيجيَّة للدولة”، وأن الجيش نجح فى توجيه ضربات متلاحقة للعناصر “الإرهابيَّة” وتنفيذ عدد من العمليَّات النوعيَّة أسفرت عن “مقتل 89 فردًا تكفيريًّا شديد الخطورة بمناطق العمليَّات”. كما تمَّ ضبط كميَّة كبيرة من الذخائر والأسلحة والمعدات، من بينها بنادق وأعيرة ناريَّة وأجهزة لاسلكى وطائرة درون مجهزة بكاميرا للتصوير وجهاز رؤية ليليَّة. وتحدث البيان عن إكتشاف وتدمير أعداد كبيرة من العبوات والأحزمة الناسفة، فضلًا عن اكتشاف وتدمير أعداد كبيرة من الدراجات البخاريَّة والعربات التي تستخدمها العناصر “التكفيريَّة” فى تنفيذ عمليَّاتها الإرهابيَّة. كما ذكر البيان أن قوَّات حرس الحدود قد نجحت بالتعاون مع عناصر المهندسين العسكريّين فى اكتشاف وتدمير 13 فتحة نفق تستخدمها العناصر “الإرهابيَّة” فى التسلل لشمال سيناء.
واختتم الجيش بيانه بالإشارة إلى سقوط ثمانية من أفراده بين قتيل وجريح، وأن الجيش “ماض بكلّ عزيمة وإصرار لاقتلاع ما تبقى من جذور الإرهاب والتطرُّف ومواصلة البناء والتنمية في كافة ربوع مصر”[1].
وفي 12 أغسطس/آب، أعلنت القوَّات المسلحة عن نجاحها في القضاء على 13 عنصرًا “تكفيريًّا” أثناء تبادل لإطلاق النار. وذكرت في بيان لها أنه تمَّ ضبط كميَّات من الذخائر والأسلحة والدراجات الناريَّة والهواتف ونظارات الميدان والمبالغ الماليَّة. وأن تسعة من أفراد الجيش قد نالوا “شرف الاستشهاد والإصابة”[2].
وكان الجيش المصري قد بدأ منذ فبراير/شباط 2018 في تنفيذ عمليَّات عسكريَّة واسعة النطاق لمواجهة ما أسماه بالإرهاب والتطرُّف والقضاء على الجماعات المسلحة التي يَصِفها النظام بالتكفيريَّة، والتي تستهدف قوَّات الجيش والشرطة والمتعاونين معها من المدنيّين. وقُتِل منذ ذلك الوقت أكثر من ألف شخص يُشتبَه في انتمائهم لتلك الجماعات وعشرات العسكريّين، بحَسَب البيانات التي تصدر عن القوَّات المسلحة المصريَّة.
لقد أكَّد البيانان الصادران في شهر أغسطس/آب على أن الجيش هو الذي يقوم بخطوات استباقيَّة لمواجهة المسلحين، وأن القتلى من الجانبيْن قد سقطوا في الاشتباكات المباشرة وأثناء تبادل إطلاق النار. ولكن لا يمكن التحقق من صِحَّة هذه المعلومات والتعرُّف على حقيقة الوضع على الأرض في ظِل عدم وجود رواية أخرى محايدة بجانب الرواية الرسميَّة للأحداث، وذلك لِمَا يفرضه الجيش من حظر لدخول وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقيَّة والمراقبين المستقلين إلى شمال سيناء.
لم يقدم أيٌّ من البيانيْن معلومات واضحة حول الفترة التي وقعت فيها المواجهات وظروفها وترتيب أحداثها، ولا يمكن التأكُّد من طبيعة القتلى، وهل هم من العناصر المسلحة، أم من ذويهم، أم من المدنيّين الذي يَسقطون أثناء قصف الجيش للمناطق التي يَحتمِي بها المسلحون، أم من أولئك الذين يَتعرَّضون للتصفية الجسديَّة.
ولكن على الرغم من الإغلاق الكامل لمناطق المواجهات، والتعتيم الصارم الذي يفرضه الجيش، فإن المنظمات الحقوقيَّة تتلقى شهادات من المواطنين ومواد مُصوَّرة مُسرَّبة تحتوي على أدلة تدين القوَّات المسلحة وتشكِّك في الروايات الرسميَّة التي تؤكِّد دائمًا على وقوع اشتباكات مباشرة، في حين تشير بعض الدلائل إلى تعرُّض مدنيّين عزل للقتل بدم بارد على يَدِ عسكريّين.
وأمام هذه التجاوزات، تُوجَّه إلى الجيش المصري بين الحين والآخر اتهامات من جانب المنظمات الحقوقيَّة التي تتهم عسكريّين بارتكاب تجاوزات يمكن أن ترقى إلى حَدِّ “جرائم الحرب” في عمليَّات عسكريَّة تقع في شمال سيناء.
كانت آخر هذه الاتهامات في 5 أغسطس/آب، وبعد أيَّام من البيان الأوَّل للجيش، حيث ذكرت “منظمة العفو الدوليَّة” أنه بعد تحليل شريط فيديو دعائي عسكري، يبدو أن عمليَّات إعدام خارج نطاق القضاء قد قام بها أفرادٌ من الجيش في شمال سيناء. ففي مقطع فيديو نشره المتحدث باسم القوَّات المسلحة المصريَّة في الأوَّل من أغسطس/آب، كتحديثٍ بشأن العمليَّات ضد المسلحين، يَظهر جندي يُطلِق النار على شخصٍ من مسافة قريبة أثناء نومه في خيمة مؤقتة. ويُظهِر مقطع آخر رجلًا غير مسلح يُطلَق عليه الرصاص من أعلى، وهو يَركض في الصحراء، قبل أن يسقط على الأرض. وفي التعليق الصوتي للفيديو، يَحتفي الراوي بنجاح العمليَّات التي تقوم بها القوَّات المسلحة المصريَّة، معلنًا مقتل 89 مسلحًا خلال فترة زمنيَّة غير مُحدَّدة[3].
لم تكن هذه هي المَرَّة الأولى التي يُتَهَم فيها الجيش بارتكاب انتهاكات جسيمة وواسعة ضد المدنيّين، ترقى بعضها إلى جرائم حرب، وهي الانتهاكات التي لم يتم التحقيق في أيّ منها بشكل مستقل. فقد سَبَق أن اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في عام 2019م الجيش المصري والمسلحين بارتكاب “جرائم حرب” في سيناء، ورفضت السلطات المصريَّة هذه الاتهامات التي وردت في تحقيق أجرته المنظمة[4]. ثم عادت المنظمة إلى تكرار اتهاماتها للجيش المصري في عام 2021م، حيث اتهمته بارتكاب ما وَصَفته بجرائم حرب محتملة خلال عمليَّاته العسكريَّة في سيناء[5].
دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة مصر
في 18 أغسطس/آب، قام رئيس جهاز المخابرات المصريَّة، عبَّاس كامل، بزيارة إسرائيل والالتقاء برئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المُتشدِّد، “نفتالي بينيت”. ووفقًا للبيان الصادر عن الجانب الإسرائيلي فإن عبَّاس كامل وَجَّه دعوة من السيسي لرئيس الحكومة الإسرائيليَّة للقيام بزيارة رسميَّة إلى مصر.
وأشار البيان إلى أن الجانبيْن قد بحثا “الجوانب الدبلوماسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة للعلاقات الإسرائيليَّة المصريَّة، إضافة إلى الوساطة المصريَّة في الوضع الأمني في قطاع غزة”[6].
ومن جانبه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي قبوله دعوة السيسي، وقال: “سأسافر للالتقاء بالرئيس المصري السيسي الذي وَجَّه لي دعوة”، وأشار إلى أن الهدف من زيارته هو “تعزيز وتوسيع العلاقات بين الدول في المنطقة”[7]. وفي حال قيام بينيت بهذه الزيارة فسوف يكون أوَّل رئيس وزراء إسرائيلي يزور مصر منذ عام 2011م.
تأتي هذه الدعوة في ظل نمو تاريخي وغير مسبوق في العلاقات بين النظاميْن المصري والإسرائيلي خلال حكم السيسي الذي عمل على نقل العلاقة مع إسرائيل من مرحلة السلام البارد – كما كانت خلال حكم أسلافه – إلى مرحلة العلاقات العلنيَّة الدافئة وتسويق التحالف معها للرأي العام المصري باعتباره ضرورة في ظِل وجود عدو مشترك للطرفيْن، هو “حركة حماس” التي يَعتبرها النظام المصري امتدادًا لعدوه الداخلي المتمثل في “الإخوان المسلمين”.
شهدت العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة تقاربًا كبيرًا بين الطرفيْن بعد الانقلاب العسكري في مصر ووصول السيسي إلى سدَّة الحكم، حيث قرَّبت بين الطرفيْن مصالح عديدة دفعت بهما إلى الوصول بالعلاقات إلى مستويات غير مسبوقة من التنسيق والتحالف، وعلى رأسها تثبيت أركان النظام الانقلابي، ومواجهة الجماعات المسلحة، ومحاصرة حركة حماس في قطاع غزة.
كانت مواجهة ثورة 25 يناير/كانون الثاني والقضاء على مكتسباتها، وفي مقدمتها الحكم الديمقراطي، ضرورة حتميَّة للطرفيْن، حيث مثل احترام إرادة الشعب المصري وقدرته على اختيار حُكَّامه وحريَّته في تقرير مصيره تهديدًا لمصالح إسرائيل والعسكر المتمسكين باتفاقيَّة السلام وما ترتب عليها من أوضاع تحرص المؤسَّسَة العسكريَّة على المحافظة عليها، ولهذا أبدت إسرائيل ترحيبًا بالانقلاب، وعملت على إقناع الولايات المتحدة والغرب بدعم السيسي. وقد عبَّر المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، الجنرال “آفي بنياهو”، عن أهميَّة الدور الذي لعبه السيسي في القضاء على الديمقراطيَّة في مصر بالنسبة لإسرائيل في تصريح لصحيفة “معاريف” قال فيه إنّ “الرئيس المصريّ السيسي هدية شعب مصر لإسرائيل”، لافتًا إلى أنّ “تصدّي السيسي للديمقراطيَّة في مصر ضَمِن استقرار المنطقة، وهذه مصلحة إستراتيجيَّة للدولة العبريّة”[8].
ثم شهدت العلاقات بين الطرفيْن تطورًا أمنيًّا واستخباراتيًّا ملحوظًا من خلال التنسيق والتعاون في الحرب ضد الجماعات المسلحة في سيناء، فقد أبدت إسرائل دعمها الكامل للجهود الأمنيَّة والعسكريَّة المصريَّة في سيناء، واعتمد السيسي في عمليَّاته العسكريَّة المستمرة ضد الجماعات المسلحة على شراكته الإستراتيجيَّة والأمنيَّة معها، والتي أعطت الضوء الأخضر للقوَّات المصريَّة لتنتشر في مناطق واسعة داخل شمال سيناء. ومن ثم، أصبحت مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء من أهم الملفات الأمنيَّة بين البلدين، فقد أصبحت إسرائيل تتعاون مع مصر من خلال قيامها بعدة طلعات جويَّة استخباراتيَّة للكشف عن بؤر المسلحين حينًا وطلعات استهداف لهم في حين آخر، بل قامت إسرائيل في أكثر من مَرَّة بتوجيه ضربات عسكريَّة داخل أهداف متواجدة داخل الأراضي المصريَّة في محافظة شمال سيناء[9].
أمَّا التعامل مع قطاع غزة فإنه يُعدُّ من أبرز مجالات التعاون والتقارب بين النظاميْن المصري والإسرائيلي، حيث واصل السيسي سياسة الرئيس الأسبق “حسني مبارك” في محاصرة القطاع والقيام بدور الوسيط بين حركة حماس والإسرائيليّين في آنٍ واحدٍ، ولكن نظامه أحكم محاصرة القطاع، وأعلن حركة حماس منظمة إرهابيَّة، وصَوَّر الحركة في صورة العدو اللدود لمصر. ويُعدُّ إغلاق معبر رفح البري، وهو المتنفس الوحيد للقطاع، وسيلة للضغط على فصائل المقاومة، وكانت آخر مظاهر هذا الأمر في 22 من هذا الشهر، حينما أغلق النظام المصري المعبر بشكل مفاجئ، وأرجعت وكالة “رويترز” السبب وراء تلك الخطوة إلى التصعيد الأخير بين إسرائيل وحركة حماس. وأفادت تقارير في وسائل إعلام إسرائيليَّة أن مصر قرَّرت إغلاق المعبر غضبًا من حماس لإخفاقها في إحلال الهدوء على الحدود مع إسرائيل، وكذلك لعدم استجابتها لمطالبات متعلقة بتوسط القاهرة بين الجانبيْن[10].
وأخيرًا، لا يمكن تجاهل رمزيَّة استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي لرئيس جهاز المخابرات المصريَّة في مَقرِّه بالقدس المحتلة، وهو ما يمثل تحديًّا لما يُشبه الإجماع في العالم العربي على عدم زيارة القدس في ظل الاحتلال ويُضفِي شرعيَّة على التواجد الإسرائيلي في المدينة المقدسة.
عودة البعثة الأزهريَّة من أفغانستان
تمتلك مصر العديد من القوى الناعمة التي تمنحها إمكانيَّات روحيَّة ومعنويَّة كبيرة، وتسعى من خلال هذه الإمكانيَّات للتأثير في محيطها العربي والإسلامي، وذلك من خلال ما تقدمه مؤسَّسَاتها المختلفة من فنون وثقافات وآداب يَجد فيها الآخرون، كلٌّ حسب اتجاهاته وميوله، منظومة جذابة من الأفكار والمبادئ والأخلاق التي تحملهم على احترام هذه المنظومة والإعجاب بها ثم اتباعها.
ويُعد الأزهر الشريف من أهم مظاهر القوى الناعمة لمصر، والتي تلجأ إليها الدولة لتأكيد ريادتها على المستوى الإسلامي، وذلك من خلال ما يقوم به الأزهر من دور مهم في نشر المنهج الوسطي وإقرار السلم المجتمعي بين جميع الشعوب، من خلال ما تقدمه مؤسَّسَاته من برامج دعويَّة وتوعويَّة وتعليميَّة ترسخ لمفاهيم العيش المشترك بين أتباع جميع الديانات واحترام الإنسان لآدميَّته وإنسانيَّته. ولتحقيق هذه الرسالة، يَستقبل الأزهر كلّ عام طلابًا وافدين من أكثر من مائة دولة، ويُقدِّم الدعم الكامل لهم؛ ليَستقوا العلوم الدينيَّة والدنيويَّة ويَعودوا إلى بلادهم “سفراء للإسلام والسلام” على حَدِّ تعبير شيخ الأزهر، كما يُرسِل البعثات الأزهريَّة إلى دول العالم المختلفة لتقوم بهذا الدور بين أبناء الشعوب المختلفة.
وكانت البعثة الأزهريَّة في أفغانستان قد تواجدت لأداء مهامها في تلك البلاد وفق اتفاقيَّة التعاون الثقافي الموقعة بين مصر وأفغانستان، وقام الأزهر بإنشاء معهد أزهري في كابُل بموجب مذكرة تفاهم بين الأزهر ووزارة المعارف (التعليم) الأفغانيَّة، تمَّ توقيعها في مارس/آذار 2009. ولكن بعد سيطرة طالبان على كابُل واضطراب الأحوال الأمنيَّة، وفي 24 أغسطس/آب، قامت السلطات المصريَّة بإجلاء الرعايا المصريّين من أفغانستان، وفيهم البعثة الأزهريَّة التي تتكون من 23 إمامًا وواعظًا من الأزهر، وكانت تقيم في كابُل، وتقوم بعِدَّة مهام، أوَّلها تعليميَّة بمعهد كابُل الأزهري بمراحله التعليميَّة الثلاث، والذي يَحصل خريجوه على منح للدراسة في كليَّات جامعة الأزهر. وثانيها دعويَّة من خلال المشاركة في البرامج التلفزيونيَّة والإذاعيَّة، إلي جانب الدروس الدينيَّة في المساجد والندوات والمحاضرات في المدراس الأفغانيَّة. وثالثها اجتماعيَّة، تتمثل في مشاركة الشعب الأفغاني في أفراحه وأحزانه[11]. ويُسهِم الأزهر من خلال هذه المهام الثلاث في نشر الأفكار الوسطيَّة وروح الاعتدال في المجتمع الأفغاني.
لا شك أن عودة الجالية المصريَّة، بما فيها البعثة الأزهريَّة، يمثل انسحابًا لمصر من الساحة الأفغانيَّة، خاصَّة بالنسبة للأزهر الذي سوف يَفقِد القدرة على القيام بمهامة التي يحتاج إليها شعب أفغانستان وتمثل خطوة لا بأس بها في سبيل اقتلاع جذور التشدُّد في المجتمع الأفغاني الذي يحتاج إلى ذلك الخطاب الوسطي الذي يحمل الأزهر لواءه.
قد تكون خطوة سحب البعثة الأزهريَّة مُبرَّرة في ظل الظرف الراهن، ولكن استمرار غياب البعثة عن الساحة الأفغانيَّة حال استتب الأمر لطالبان سوف يمثل خسارة كبيرة للشعب الأفغاني، وخسارة للأزهر أيضًا، لأنه لن يستطيع استكمال ما بذله من جهد في الأعوام الماضية لإحداث تغيير في عقليَّة شريحة من الأفغان الذين يمكن أن يتولوا هذه المهمة بأنفسِهم فيما بعد، وهو ما يَعنِي اتساع مساحات الحاضنة المجتمعيَّة للاعتدال. ولكن سيناريو غياب البعثة إلى أجل غير مُسمَّى هو الأقرب، خاصَّة وأن الدلائل تشير إلى صعوبة الوصول إلى توافق بين طالبان والنظام المصري الذي يتخذ موقفًا معاديًا من الحركات الإسلاميَّة، ويَخشى من أن يكون نموذج طالبان العائدة بقوَّة ملهمًا للحركات الجهاديَّة في المنطقة، كما أن الأزهر لا يملك إمكانيَّة التحرُّك منفردًا خارج دائرة السياسة الخارجيَّة للدولة المصريَّة.
لم تهدأ وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة خلال شهر أغسطس/آب، حيث كان مليئًا بالأحداث التي تمس المواطن بشكل مباشر. فقد بدأ الشهر بقرار السيسي برفع الدعم عن رغيف الخبز بعد إنقاص وزن الرغيف العام الماضي، وتفاعل المصريون بشكل واسع مع هذا القرار لأنه يمس طبقة ذوي الدخل المنخفض والتي تمثل جزءًا كبيرًا من المصريّين. وأثارت تصريحات المسؤولين المؤيدة للقرار حالة من الغصب والأسف لدى الشعب.
أمَّا عن منتصف الشهر فقد شهد قرارًا أخر بطرح “العاصمة الإدارية الجديدة” في البورصة المصرية. وأثار هذا القرار الجدل. ولاسيما مع وجود الجدل الناشئ من جدوى إنشاء مثل هذه المدن، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي للمواطن المصري في ظل رفع الدعم عن الخدمات. وأيضًا في ظل وجود متطلبات لتنفيذ هذا القرار.
وقبل إنتهاء الشهر توالت التحذيرات من البنوك المصرية لعملائها بعد تعرُّض سيدة مصرية لعملية احتيال، ونشرها مقطعًا مصورًا عبر وسائل التواصل الإجتماعي تبين فيه ما حدث لها من احتيال. مما سبب القلق لدى عملاء البنوك المصرية من مثل هذه الاحتيالات، والخوف على ودائعهم.
رفع الدعم عن رغيف الخبز
مع مطلع شهر أغسطس/آب، أعلن السيسي أن الدعم على رغيف الخبز أصبح غير مناسب. ولا يمكن أن يتساوى ثمن عشرين رغيف خبز مع ثمن سيجارة واحدة، وأنه لابد من رفع ثمن الرغيف[12]. وكان هذا التصريح بمثابة شعلة جديدة وضربة أخرى تقع على عاتق المواطن البسيط، والذي يعتمد على الخبز بشكل رئيسي، فعلى الرغم من وعود السيسي بأن رغيف الخبز لن يتأثر مهما حدث نجد أن العكس تمامًا قد حدث.
وأصبح وَسْم (# إلا_رغيف _العيش) الأكثر انتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي، وفي محركات البحث في مصر. حيث أثير غضب الكثير من المواطنين، ولا سيما عندما أعلن أن رفع الدعم سيكون لأجل توفير الوجبات الغذائية المدرسية، وتبلغ قيمتها 8 مليارات جنيه.
فعلى مر سنوات عديدة ظل الدعم لرغيف الخبز من البنود الرئيسة التي لا يمكن التنازل عنها مهما حدث. وعندما أراد السادات رفع الدعم عن الخبز، اضطر لمواجهة الشعب الذي خرج في مظاهرات تندد بالقرار. وهو ما عُرِف حينها بانتفاضة الخبز 1977م. والتي تلاعب الإعلام بها في ذلك الوقت، ليسميها السادات ثورة الحرامية. وكان أبرز نتائجها تراجعه عن هذا القرار.
ووفقًا لقرار المجلس القومي للأجور بتحديد 2400 جنيه كمبلغ للحد الأدنى للأجور[13]، فإن المواطن الذي رفع عنه دعم الكهرباء تمامًا، بالإضافة إلى خفض الدعم السلعي، مع ارتفاع أسعار البنزين بأنواعه الثلاثة، ختامًا برفع الدعم عن رغيف الخبز، لن يجد أمامه سوى الاقتراض من الغير لمواجهة تلك الظروف.
وأشار السيسي إلى أن تكلفة رغيف الخبز تعادل ما بين 60 إلى 65 قرشًا ويُباع بخمسة قروش، وأن هذا من غير الممكن. وبعد تلك التصريحات بدأ مسؤولون بوزارة التموين العمل على دراسة أسعار الأرغفة الجديدة لأجل عرض مقترحهم على مجلس الوزراء.
ولم يتردد الإعلام كعادته في الإشادة بالقرار، وأكد على أنه في مصلحة الشعب، كما فعل نقيب الفلاحين حين قال إن السيسي أنقذ الغلابة، ورَدَّ الاعتبار والكرامة لرغيف الخبز المصري[14].
ولكن الإعلام الذي أشاد بالقرار تجاهل الفرق الكبير بين دخل الفرد المصري ودخل الفرد في الدول المتقدمة، كما تجاهل بدل البطالة والإعانات الذي تقدمه الحكومات الأجنبية لمواطنيها، بالإضافة إلى دعم التأمين الصحي والتعليم حفاظًا على كرامتهم. ولم يُرفع الدعم عن رغيف الخبز فقط، وإنما قل وزنه أيضًا في العام الماضي، وحينها ارتفعت الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعي معلنة عن الاعتراض والغضب.
ويُعدُّ هذا القرار بمثابة إعلان فقط بعد إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2021/2022. والذي انخفض فيه دعم السلع التموينية ورغيف الخبز بمقدار أربعة ونصف مليون جنيه[15]. فأصبح توفير هذا المبلغ عبئًا كبيرًا على الدولة لابد من التخلص منه وفقًا لقول السيسي: “هذا الأمر لازم يتوقف”. وفي المقابل نجد أن القروض الأجنبية هي الحل الوحيد لجميع المشروعات الإصلاحية، التي تستمر الدولة بالإشادة بفوائدها التي ستعود على المواطن الذي زاد وضعه الاقتصادي سوءًا منذ تحرير سعر الصرف في 2016م.
جدير بالذكر أن تلك التصريحات التي أثارت الغضب جاءت خلال افتتاح شركة “سايلو”SILO FOODS كونها ضمن مشروع المدينة الصناعية الغذائية الجديدة التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة[16]. والتي تختص بإنتاج المنتجات الغذائية مثل المكرونة والبسكويت وغيرها. وهي منتجات تعتمد بشكل رئيس على القمح. ففي الوقت الذي يتم فيه رفع الدعم عن رغيف الخبز، سيتم توفر القمح من أجل الشركة. وبالطبع سيتم توفير وجبات التغذية المدرسية من خلال الشركة نفسها، ليتضح أن توفير 8 مليارات جنيه مصري لصالح وجبات التغذية المدرسية يعد من وجهة نظر الحكومة على رأس المشروعات الإصلاحية قبل دعم رغيف الخبز.
طرح “العاصمة الإدارية الجديدة” في البورصة المصريَّة
يُعدُّ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة جزءًا من الرؤية التي أعلنتها الحكومة في عام 2015م. وهو ملكية مشتركة بين القوات المسلحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة بالإضافة إلى هيئة المجتمعات العمرانية. وتقع العاصمة الجديدة ما بين منطقة قناة السويس والقاهرة، حيث تبعد عنها مسافة 45 كليو مترًا. وتبلغ مساحة المرحلة الأولى من المشروع 40 ألف فدان من مساحة إجمالية قدرها 100 ألف فدان.
وكان السيسي قد أعلن قرار طرح العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة المصرية في منتصف شهر أغسطس/آب 2021، حيث سيتم نقل العديد من المؤسسات والهيئات مثل الوزارات والسفارات الأجنبية والإدارات الخدمية بالإضافة إلى الشركات الكبرى إلى المدينة. ونقلًا عن رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، “صالح الشيخ”، فإن أول ما سينقل من الحكومة هو الإدارات الخاصة بالاتصال وتكنولوجيا المعلومات والشؤون الإدارية والمالية والهندسية.
ثم يعقب هذا الانتقال انتقال مكاتب الوزراء والمكاتب الفنية، لتمثل هذه الانتقالات المرحلة الأولى من انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية. ومن المتوقع أن يتم هذا الانتقال خلال الربع الأخير من العام 2021م.
ومن جانبه أيضًا، صرح رئيس الشركة “أحمد زكي عابدين” أثناء مقابلته مع “بلومبرغ” بعد قرار السيسي بطرح العاصمة الإدارية في البورصة المصرية، بأنه يتم البدء في مرحلة التخطيط لطرح الشركة المصرية، وقد يتم التنفيذ في أوائل العام المقبل. وأشار إلى أنه سيكون الطرح الأكبر في تاريخ مصر[17].
ومنذ نهاية العام السابق، يتم الترويج لطرح شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة. مثل شركة “صافي” للمياه المعدنية، و”الوطنية” للخدمات البترولية، بالإضافة لعدد أخر من الشركات، ليكون في متناول الشعب امتلاك أسهم في مثل هذه الشركات. وحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، “أيمن سليمان”، فإن نسبة الطرح المتوقعة بانتهاء عام 2021 قد تصل الى 100%.
العاصمة الجديدة وتمويلها من القروض الخارجية:
أشار السيسي أيضًا إلى أن المشروع لم يكلف الدولة قرشًا واحدًا من موازنتها، ولن يكون عبئًا عليها. وأن الشركة من الممكن أن تطرح للاكتتاب في البورصة، في مقابل ملائمة مالية 100 مليار جنيه، مما سيؤدي إلى سيولة كبيرة في البنوك، بالإضافة إلى أصول الأراضي المقامة عليها.
وقد يبدو الحديث في ظاهره إيجابيًّا. ولكن عند النظر للتمويل الفعلي للمشروع، نجد أنه لم يخصص له بند في الموازنة العامة للدولة، وذلك لأنه ممول بقروض خارجية. تدفع فوائد هذه القروض سنويًّا من الموازنة العامة. وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة المرحلة الأولى من المشروع -والذي يتضمن ثلاث مراحل- بلغت 25 مليار دولار.
مزاحمة القطاع الخاص:
لم يعتبر السيسي أن مثل هذه المشروعات، بالإضافة لمشاريع البنية التحتية مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص، وذلك على الرغم من تراجع وانخفاض مؤشر مديري المشتريات خلال يوليو/تموز الماضي في مقابل يوليو من العام السابق، والذي يوضح أداء القطاع الخاص غير النفطي، وذلك حسب المؤسسة العالمية للأبحاثIHS Markit [18]. وتكمن أهمية هذا المؤشر في كونه يرصد معدلات الإنتاج والطلب، حيث يوضح هذا الانخفاض حالة من الركود في القطاع الخاص غير النفطي. ولاسيما استمراره بالانخفاض للمرة السابعة على التوالي. ويشير المقدار الذي يشارك به القطاع الخاص في الإنتاج إلى عدم وجود تكافؤ بين مشاريع القوات المسلحة والقطاع الخاص من حيث المميزات والتسهيلات، سواء في الإجراءات القانونية أو نوعية النشاط.
متطلبات الطرح في البورصة المصريَّة:
طرح العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة، يتطلب كغيره من الشركات المساهمة التي يتم طرحها في البورصة المصرية -مثل شركة المصرية للاتصالات التي تم طرح 20% من أسهمها في البورصة عام 2005م- الإفصاح عن البيانات المالية والموازنة الخاصة بها. وفي ظل امتلاك القوات المسلحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة للمشروع، بالإضافة الى هيئة المجتمعات العمرانية، قد يصعب الإفصاح والاطلاع على مثل هذه البيانات.
كما أن مجلس النواب لا يحق له مراجعة موازنة القوات المسلحة، وهذا يعني أن البيانات المالية وموازنة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لن تكون متاحة أيضًا. فطبقًا للقانون المصري فإن ميزانية وزارة الدفاع يناقشها مجلس الدفاع والأمن القومي، ولكن لا يتم نشرها، وهو ما يعني وجود قدر من عدم الشفافية، لأن الجهات الرقابية لن تكون قادرة على القيام بدورها.
عمليات الاحتيال علي البنوك المصريَّة
حذر بنك مصر عملاءه بعد عملية الاحتيال التي وقعت لسيدة من محافظة المنيا، حيث قالت إنها تعرَّضت لاحتيال من خلال اتصال هاتفي عَرَّف المحتال نفسَه فيه على أنه موظف البنك. ويطلب منها إرسال الكود الرمز الذي سيتم إرساله على هاتف، وذلك من أجل تحديث البيانات. وبهذه الطريقة استطاع المحتالون الحصول على مبلغ قيمته 200 ألف جنيه مصري. وبعد انتشار المقطع، توالت الأخبار عن وجود عمليات احتيال مشابهة، ليصل إجمالي المبلغ الذي حصل عليه المحتالون إلى ما يقدر بمليونين و700 ألف جنيه وفقًا لتصريحات رئيس بنك مصر[19].
ومن جانبه، أكَّد بنك مصر في بيان له من خلال حسابه على الفيسبوك أن الحفاظ على ممتلكات عملائه من أهم أولوياته واهتماماته، وأنه اتخذ كافة الإجراءات القانونية من أجل حماية أموال مودعيه وفقًا للقوانين المصرية.
ولا تُعدُّ ظاهرة الاحتيال والنصب على المواطنين ظاهرة حديثة، بل هي قديمة. ففي عام 2019م، ظهرت طرق مختلفة للاحتيال والنصب، تُوهِم المواطنين باستثمار أموالهم في بعض المشاريع وانتظار العائد من وراء هذا الاستثمار. وأطلق على المحتالين في هذا الوقت لقب “المستريحين”. ومع التطور التكنولوجي تطورت وسائل الاحتيال والنصب لتصبح على هذه الصورة.
طرق الاحتيال ووسائل الحماية من الوقوع فيه:
تلا تحذير بنك مصر تحذير من البنك الأهلي لعملائه أيضًا، وتبعهم عدد من البنوك مثل بنك HSBC، والذي نشر على موقعه عدة توجيهات لتحذير عملائه من طرق الاحتيال التي يمكن أن يقعوا فيها. وأكد على أن البنك لن يطلب مثل الطلبات التي يطلبها المحتالون، من بيانات تعريفية لحساباتهم الشخصية.
وتُعدُّ الطريقة السابقة التي تعتمد على الاتصال الهاتفي من أشهر طرق الاحتيال، ولكن توجد عِدَّة طرق أخرى تتم من خلالها عملية الاحتيال، وذلك إمَّا عن طريق البريد الإلكتروني، أو بإستخدام الرسائل النصية من خلال تزييف أرقام تشابه أرقام البنوك، أو بالنقر فوق رابط يتم من خلاله اختراق الهاتف والوصول إلى جميع البيانات الشخصية. وقد أوصى بنك HSBC عملاءه بعدم فتح أية روابط إذا لم يكونوا على ثقة من مرسلها، وكذلك عدم مشاركة البيانات الشخصية والبطاقات الائتمانية أو غيرها من البطاقات أو الرموز وكلمات السر[20].
وعادة ما يستغل المحتالون احتياج من يحتالون عليهم أو رغبة العملاء في الحصول على هدايا ومكاسب نقدية، ومن هنا ظهرت إحدى وسائل الاحتيال الجديدة، حيث يتم إقناع العميل أن من يتحدث إليه فردٌ من أفراد هيئة أو مؤسسة من هيئات ومؤسسات الدولة، وأن الاختيار قد وقع عليه لكسب مبلغ معين، وبالتالى يطلب منه بيانات الحساب البنكي لإرسال المبلغ عليه، وهكذا يتم إقناع العميل بالإدلاء ببياناته الشخصية.
التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي:
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في نشر الحدث. أمَّا فيما يخص العملاء فقد أثار الوضع حالة من القلق والخوف لديهم، واختلفت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض وَجَّه اللوم الشديد لموظفي البريد التابعين لإدارة البنك، لأنهم يتركون كشوف حساباتهم إذا لم يكونوا متواجدين ولا يقومون بتسليمها يدًا بيد، حيث يتم تركها أمام باب المنزل أو مع حارس البناية. وأشار بعض المواطنين إلى أن مثل هذه الاحتيالات لابد أن تكون قد تمَّت من داخل البنك، وإلَّا فمن أين يأتي المحتالون بأرقام هواتف العملاء وبياناتهم.
نهاية عمليات الاحتيال:
تقدم عدد من العملاء الذين تعرَّضوا للاحتيال ببلاغات للجهات المختصَّة. وتمكن قسم مباحث مكافحة جرائم الأموال من الوصول إلى تشكيل عصابي يتكون من 5 أفراد، اثنان منهم لديهما سوابق جنائية. وكان هذا التشكيل قد استطاع الاستيلاء على أكثر من مليوني جنيه مصري من خلال فتح شركة وهمية، حيث استغل المتقدمين للوظائف من أجل فتح حسابات بنكية ثم إعطائهم البطاقات الذكية لتك الحسابات، ليصبحوا بذلك ضحايا آخرين. وبعد الاحتيال، تمَّ تحويل الأموال إلى تلك الحسابات التى تم فتحها من خلال المتقدمين للوظائف، ثم تمَّ صرفها من خلال الصراف الآلي، ومن ثم تمَّ استعمال جزء منها في شراء أصول مالية من عقارات وأراضي وغيره، والجزء الآخر تمَّ إٍيداعه في حسابات المحتالين الشخصية[21].
أنهى مجلس النواب دورته الأولى للانعقاد من الفصل التشريعي الثاني، في 28 يوليو/تموز الماضي، حسب المدة المُحدَّدة قانونًا، ووفقًا للقانون فإنه يعود للانعقاد في بداية أكتوبر/تشرين الأول القادم. وقد وافق المجلس خلال فترة انعقاده على 164 مشروع قانون مقدم من الحكومة، كما مارس دورًا رقابيًّا لا يزال ضعيفًا في مراقبة الأداء الحكومي مقارنةً بما تقتضيه صلاحياته الدستورية في هذا المجال، كما ساعد المجلس على إطلاق يد السلطة على مدى فترة انعقاده بموافقته على تمديد حالة الطوارئ بشكل مستمر طوال هذه الفترة، كما أقر 28 من الاتفاقات الدولية.
ونتناول خلال هذا الشهر القرارات الجمهورية، والقوانين التي صدر بها قرار جمهوري، وأبرز ما تضمنته هذه القوانين من تعديلات.
أبرز القرارات الجمهوريَّة خلال شهر أغسطس
- قرار رقم 322 لسنة 2021، بفض دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب[22].
وقد أنهى مجلس النواب دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الثاني، بتاريخ 28 يوليو/تموز 2021.
وفي ضوء المادة 115 من الدستور، تبدأ الإجازة البرلمانية رسميًّا من يوم قرار رئيس الجمهورية بفض دور الانعقاد، لحين تاريخ دعوته لانعقاد الدور التالى، أو يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول وفقًا للمادة الدستورية، فإذا لم تتم الدعوة يجتمع المجلس في اليوم المذكور وفقًا للمادة الدستورية.
أقر مجلس النواب خلال دورة الانعقاد الأولى، 28 اتفاقية دولية، أغلبها يتعلق باتفاقات قروض ومنح مالية، سيرًا على خطى مجلس النواب السابق، كما وافق على مشروعات القوانين بتعديل قانون الصكوك السيادية، ومَنح الحكومة حق التصرُّف في الأراضي المملوكة للدولة كما تشاء، إضافة إلى الموافقة على طرح السندات بالخارج، إلى غير ذلك من القوانين والاتفاقات.
إلا أنه لم يمارس دوره في الرقابة على هذه الأموال وكيفية إدارتها، والخطة التي تنتهجها الدولة حتى تتخلص من هذه الديون، ووافق مجلس النواب على منح صندوق “تحيا مصر” طبيعة خاصة بمشروع قانون يجعله غير خاضع لتصرُّف أيّ من الجهات الحكومية، إضافة إلى صناديق أخرى سيادية أُنشِئت بعد ذلك، وهذا يشكل تساؤلاً أمام المجلس كأعلى جهة تشريعية ورقابية.
وفي المجال السياسي، وافق المجلس لثلاث مرات على التوالي على مد حالة الطوارئ التي تُعتبَر “استثنائية” في الدستور وتستعملها السلطة الحالية بشكل دوري دون مبررات قوية تمكن من حدوثها بهذا الشكل، ومع ذلك لم يعترض المجلس على أيّ من هذه القرارات.
حول الحديث عن المجال السياسي كذلك، فالمجلس لم يبذل الدور المنوط به في حماية حقوق الإنسان في مصر، وقد شهدت الآونة الأخيرة مناشدات دولية من منظمات ودول أجنبية تتعلق بظروف حقوق الإنسان وكثرة أحكام الإعدام في مصر، ولم يقم المجلس بتشكيل لجان للرقابة على سير الأوضاع داخل السجون، خاصَّة السجون سيئة السمعة كالعقرب وغيرها.
كما وافق المجلس خلال فترة انعقاده على 126 قانون مقدم من الحكومة، في مختلف المجالات، بإجمالي عدد مواد بلغ 1749 مادة.
كما نشرت الجريدة الرسمية القرارات الجمهورية الآتية:
- قرار رقم 323 لسنة 2021، بتخفيف عقوبة الإعدام المحكوم بها على المواطن الهندي رامانا باج وأيانا في القضية رقم 951 لسنة 2016 جنايات قسم مرسى علم المقيدة برقم 26 لسنة 2017 كلي البحر الأحمر إلى عقوبة السجن المؤبد[23].
- قرار جمهوري رقم 338 لسنة 2021، باعتبار دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين 17، 20 من قانون الخدمة المدنية[24].
وتتضمن المادة 17 من قانون الخدمة المدنية، “التعيين في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية، يكون التعيين في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية عن طريق مسابقة يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة المصرية أو النشر في جريدتيْن واسعتي الانتشار متضمنًا البيانات المتعلقة بالوظيفة. ويكون التعيين من خلال لجنة للاختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات، يجوز تجديدها بحد أقصى ثلاث سنوات، بناءً على تقارير تقويم الأداء، وذلك دون الإخلال بباقي الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف.
وتنص المادة 20 على أنه تنتهي مدة شغل الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بانقضاء المدة المُحدَّدة في قرار شغلها ما لم يصدر قرار بتجديدها، وبانتهاء هذه المدة يشغل الموظف وظيفة أخرى لا يقل مستواها عن مستوى الوظيفة التي كان يشغلها إذا كان من موظفي الدولة قبل شغله لإحدى هذه الوظائف. ويجوز للموظف خلال الثلاثين يومًا التالية لانتهاء مدة شغله لإحدى الوظائف المشار إليها طلب إنهاء خدمته[25]. ووفقاً للمواد المذكورة أعلاه، واستثناء دار الإفتاء من هذه المواد القانونية، التي كانت تحدد سِن تقاعد كبار مسؤوليها، وتُعفيهم من الآلية المتبعة في اختيارهم، وعلى رأسهم “مفتي الديار المصرية”، ويعني ذلك عمليًّا أن المنصب سيشغله مَن يُحدِّده الرئيس دون التقيُّد بترشيحات “هيئة كبار العلماء” التابعة لمشيخة الأزهر[26].
يُعدُّ اعتبار دار الإفتاء هيئة ذات طبيعة خاصة مرحلة جديدة في تاريخها، الممتد منذ عام 1895م، حيث يُخلِّص القرار الجمهوري الدار من التبعية الاسمية لوزارة العدل، كما يجعل لرئيس الجمهورية حرية اختيار مَن يشغل منصب المفتي، دون التقيُّد بالمرشحين من هيئة كبار العلماء، حسبما كان ينص القانون.
ويُذكَر أنه وفقًا لتعديلات قانون الأزهر الصادرة في يناير/كانون الثاني عام 2012، ولائحة هيئة كبار العلماء، فإن اختيار المفتي يكون وفق خطوات، أولها دعوة شيخ الأزهر لانعقاد هيئة كبار العلماء قبل موعد انتهاء مدة عمل مفتي الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر في ترشيح نظيره الجديد.
وتضيف المادة 14 من لائحة هيئة كبار العلماء، أن الهيئة ترشح 3 من العلماء من بين أعضاء الهيئة أو غيرهم، وتتم تصفيتهم إلى مرشح واحد عبر الاقتراع السري المباشر، ويُعتبَر مَن يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء الذي يعرضه شيخ الأزهر على رئيس الجمهورية لإصدار قرار تعيينه.
وبذلك تخرج دار الإفتاء رسميًّا من تحت عباءة الأزهر، وهي التي لعبت دورًا سياسيًّا في دعم السلطة الحالية بشكل غير مسبوق.
- نشرت الجريدة الرسمية في عددها الصادر الخميس 5 أغسطس/آب، قرار جمهوري رقم 307 لسنة 2021م، بشأن نقل هالة عبدالمنعم أحمد عبدالرحمن حسين رئيس النيابة الإدارية من الفئة (أ) إلى وظيفة غير قضائية، بوزارة التموين والتجارة الداخلية تعادل درجة وظيفتها الحالية[27].
- كما نشرت الجريدة القرار رقم 308 لسنة 2021 بنقل داليا محمد إبراهيم عبدالله الوكيل العام بالنيابة الإدارية إلى وظيفة غير قضائية بوزارة التموين والتجارة الداخلية تعادل درجة وظيفتها الحالية.
- كما نشرت الجريدة الرسمية قرار جمهوري رقم 365 لسنة ٢٠٢١ بتجديد تكليف حسن عبدالشافي أحمد بالقيام بأعمال رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمدة عام، اعتبارًا من ٣٠/٨/2021م[28].
- قرار رقم 34 مكرر (أ)، بتاريخ 30 أغسطس/آب، والذي تضمن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي رقم 366 لسنة 2021 بتعيين 364 مندوبًا مساعدًا بهيئة قضايا الدولة[29].
- قرار رقم 30 مكرر (ب)، بتاريخ 5 أغسطس/آب، والذي تضمن قرارين رقمي 327 و328 بتعيين مندوبين مساعدين بمجلس الدولة من خريجي دفعتي 2016 و2017م[30].
كما نشرت الجريدة الرسمية في 15 أغسطس/آب تصديق السيسى على خمس قوانين جاءت كالآتي:
- قانون رقم 137 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا[31].
مشروع القانون جاء إزاء خلو الدستور، وقانون المحكمة الدستورية العليا، من نص يتضمن اختصاص المحكمة النظر في أيٍّ من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري.
وطبقًا لما ورد عن اللجنة التشريعية بالمجلس، أثناء مناقشة القانون، فإنه تمَّ اقتراح إضافة مادتيْن جديدتيْن لقانون المحكمة الدستورية تستهدفان منح المحكمة الدستورية اختصاص الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية.
ولرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها[32]، وهذا التعديل يمنح السلطة التنفيذية في النهاية سلطة تعلو فوق سلطة القضاء وهو استمرار لتوغل يد القيادة السياسية في عمل القضاء.
وقد شهد هذا القانون اعتراضًا داخل ساحة المجلس، لما فيه من خلل وتصديره صورة سيئة عن مصر بإصدار مثل هذا القانون الذي يتعارض مع القوانين الدولية ويجعل للدولة اختصاصًا يعلو عليها أو يتجاهل أحكام القانون الدولي[33].
- قانون رقم 138 لسنة 2021 بإصدار قانون الصكوك السيادية[34].
هذا القانون يهدف إلى استحداث أدوات ووسائل جديدة لتمويل عجز الموازنة العامة بالدولة، وذلك من خلال منح التسهيلات التشريعية للحكومة لطرح أدواتها في سوق الدين العالمي، وتقديم منتجات جديدة لسوق أدوات الدين العام، بما يحفز الطلب على المنتجات الحكومية، بما يحفظ ضمانات أكثر للدائنين حتى يسهموا في تمويل المشروعات الحكومية.
يهدف أيضًا هذا القانون إلى تحفيز الطلب على الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة بالعملات المحلية والعالمية، لتمويل المشروعات المدرجة بالميزانية العامة للدولة، ويجيز مشروع القانون لوزارة المالية إصدار صكوك سيادية لتمويل الموازنة العامة للدولة، وتمويل مختلف المشروعات المدرجة بها.
الحكومة تهدف إلى فتح أيّ باب واستخراج أيّ تسهيلات تشريعية لاستجلاب رأس المال وتمويل مشروعاتها، حتى لو أتى ذلك على حساب التفريط في أصول مملوكة للدولة فيما بعد، ومن المفارقات الغريبة أن يدعي وزير المالية أن هذه الصكوك سوف تجلب شريحة جديدة من المستثمرين ممن يستثمرون وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وأخيرًا، تكمن فلسفة هذه الصكوك في حق الانتفاع بالأصول المملوكة للدولة ملكية خاصَّة، ومن المعلوم أن الدولة أطلقت يدها خلال الفترة الماضية في تخصيص الأراضي ونزع ملكيات إلى آخره من الممارسات التي لا تلقى أيّ نوع من الرقابة التشريعية.
- قانون رقم 139 لسنة 2021 بإنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية[35].
وأهم الملامح الأساسية لمشروع القانون:
المادة الأولى، على أن يُعمل بأحكام هذا القانون في شأن إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية، والمادة الثانية تنص على إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري ومقره محافظة القاهرة، والمادة الثالثة تضمنت استهداف الصندوق إلى استدامة تمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة والسكان للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل وحددت أربعة مجالات للتمويل[36].
وترمي الحكومة من وراء هذا القانون إلى البحث عن سبل تمويل مقابل عجز الميزانية العامة للدولة، ونظام التأمين الصحي الذي يفترض أن يغطي هذه الجوانب الطبية، فعمدت الحكومة إلى فتح صندوق تحت عنوان “الطوارئ الطبية” لتمويل وزارة الصحة وأنشطتها المختلفة.
- قانون رقم 140 لسنة 2021 بتعديل بعض الأحكام الخاصة بالقطن[37].
وتشمل التعديلات إضافة مادتيْن جديدتيْن برقمي: 5 مكرر، و20 مكرر (أولاً) للقانون رقم 106 لسنة 1973 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالقطن، نصهما الآتي:
- يجب على جميع المغازل إثبات كميات وأصناف ورُتب القطن الموجود لديها في سجلاتها، مرفقًا بها بطاقة بيانات صادرة من الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن بشأن تلك الكميات والأصناف والرُّتب.
وللهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن ـ في حالة مخالفة المغازل للحكم الوارد بالفقرة الأولى من هذه المادة- الحق في التحفظ على السجلات والأوراق المرفقة بها، وضبط الأقطان محل المخالفة.
- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتيْن، كل مَن خالف أحكام الفقرة الأولى من المادة رقم (5 مكرر)، فضلاً عن مصادرة الأقطان محل المخالفة.
تهدف هذه التعديلات إلى إحكام السيطرة على قطاع القطن بشكل كامل من خلال تمكين الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن من بسط رقابتها على كافة مراحل تداول القطن، للتأكد من تسجيلها كميات وأصناف القطن في السجلات المعدة لذلك.
حتى تحول هذه الإجراءات دون قيام المحالج غير المرخصة بتوريد أيَّة أقطان للمغازل لكونها لا تحصل على بطاقات البيانات، المشار إليها بالنص السابق.
- قانون رقم 141 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات[38].
تستهدف هذه التعديلات “تغليظ عقوبة التحرش” وتحويلها من جنحة إلى جناية تحقيقًا للردع العام.
حيث شملت التعديلات المعاقبة على جريمة التحرش الجنسى بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتيْن، وتصل العقوبة فى بعض الظروف المُشدَّدة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنتيْن ولا تجاوز 5 سنين والغرامة التى لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه[39].
شهد شهر أغسطس/آب 2021 نهاية امتحانات شهادة الثانوية العامَّة التي تصيب مئات الآلاف من الطلاب والأسر المصريَّة كلّ عام بالقلق وتضعهم تحت ضغوط نفسيَّة رهيبة بسبب الرغبة في التفوُّق والالتحاق بالكليَّات التي يَصِفها المصريّون بكليَّات القمة. كما شهد الشهر حالة من الجدل حول تصريحاتٍ للسيسي يَصِف فيها إيمان المصريّين بالوراثي، ويَدعوهم إلى التفكير في العقيدة لمعرفة إن كانت صحيحة أم خاطئة.
الثانوية العامَّة والضغوط النفسيَّة
كان الشهر الماضي هو شهر الثانوية العامَّة، حيث شهد نهاية الامتحانات وظهور النتيجة لِمَا يقرب من 649 ألف طالب وطالبة. وتُعدُّ هذه الشهادة الدراسيَّة حدثًا مهمًّا بالنسبة للطلاب والأسر المصريَّة التي تعاني من الضغوط النفسيَّة بسبب القلق الذي يلازم هذه المرحلة الدراسيَّة التي صَارت كابوسًا يَجثم على صدور الطلاب وذويهم لأنها المرحلة التي تُحدِّد مَسَارهم الجامعي ومن بَعدِه المستقبلي.
لقد خرجت هذه الشهادة الدراسيَّة عن حدودها الطبيعيَّة كشهادة مُتمِّمَة لمرحلة دراسيَّة ومؤهلة لمرحلة دراسيَّة جديدة بسبب مصطلح “كليَّات القمة” والتنافس على المجاميع العالية التي تضع طالبًا في سِنّ المراهقة في تجربة نفسيَّة قد تصيبه باليأس والإحباط وتدخله في دائرة من الفشل لا يمكنه الخروج منها أو تدفعه إلى الانتحار للتخلص من الضغوط التي لا يستطيع تحملها.
يمكن رصد مظاهر وأسباب تعرُّض طالب الثانوية العامَّة وأسرته للضغوط النفسيَّة من خلال مراحل خمس، تبدأ قبل بداية الدراسة وتنتهي بظهور النتيجة، وربما لا تنتهي، فقد تظل المرحلة الخامسة مفتوحة بسبب ما تخلفه من ذكرى أليمة للطالب أو ذويه بسبب سوء النتيجة.
تعلن الأسرة المصريَّة حالة الطوارئ في البيت بمجرد وصول أحد أبنائها إلى المحطة الأخيرة من الثانويَّة العامَّة، وتبدأ الضغوط النفسيَّة قبل بداية الدراسة، حيث تغرق الأسرة في دوامة البحث عن مدرسين والحجز للدروس الخصوصيَّة التي تنهك ميزانيتها وتجور على احتياجات أخرى ضروريَّة، فلا صوت يعلو على صوت الدروس الخصوصيَّة، ولا شيء يُقدَّم عليها حتى يحصل الابن على التحصيل اللازم للتفوُّق الذي يمثل الشغل الشاغل للطالب وأسرته والسبب الرئيس للقلق والتوتر.
وأثناء الدراسة، تخشى الأسرة من ضياع وقت الطالب، وتطالبه بنسيان أيّ اهتمام آخر غير الدراسة، وتُذكِّره دائمًا بالتفوُّق، وتخوِّفه من الفشل. وفي ظِل هذه الجَوِّ المشحون بالقلق والداعي للتوتر، يُصبح الطالب الهادئ هو الحالة الشاذة، وربما يُصِيب هذا الهدوء أهله بالخوف على مستقبله، كما في حالة الطالب الذي لم يتمكن القلق منه أثناء الثانوية العامَّة، فكان يُذاكر دروسه ويَخرج مع أصدقائه ويَعيش حياة عادية إلى أن استدعاه والده ووالدته ذات يوم ليُصَارحاه بأن هذا الأسلوب لن يُجدِي في الثانوية العامَّة. يقول: “تعجبت كثيرًا حين اكتشفت أن والدي ووالدتي قلقان لعدم قلقي. وبعد جلسة أسريَّة طويلة خرجت بنتيجة مفادها أن عليَّ أن أعبّر لهما عن قلقي الشديد حتى يَطمئِنَّا إلى أنني أعي تمامًا فداحة الموقف. لذلك قرَّرت أن أهدئ من روعهما، وكنت أتظاهر بالقلق والخوف حتى انتهت الامتحانات”[40].
والقلق بشكل عام شعور إيجابي، يَدفع إلى الحرص وبذل مزيدٍ من الجهد، ولكن لا ينبغي أن يتجاوز حدوده الطبيعيَّة ويَتحوَّل إلى شعور سلبي يَدفع إلى التوتر والإحساس بالفشل ويُفضِي إلى العجز.
ثم يأتي يوم الامتحان، و”يوم الامتحان يكرم المرء أو يُهان”، وهي عبارة نرددها كثيرًا دون النظر في جانبها السلبي، فهي كفيلة ببَيَان ما يمكن أن يَتعرَّض له الطالب من إهانة إذا لم يوفق في اجتياز الامتحان، وكأن عدم التوفيق في الامتحان هو آخر المطاف ونهاية الدنيا، وحكم بالإعدام على طالب من حقه أن يُكرِّر المحاولة حتى يَصِل إلى هدفه.
إن هذه الإهانة التي يمكن أن تلحق بالطالب من ذويه والخوف من نظرة المجتمع له تجعله يَتخوَّف من تجربة الامتحان، وتبدو آثار هذا الخوف فيما يَعتري كثيرًا من الطلاب قبل الامتحان من أعراض نفسيَّة، مثل التوتر والخوف، وقِلَّة التركيز، وسرعة النسيان، وجمود العقل، وعدم القدرة على الفهم بسهولة. وقد يَصِل الأمر إلى أعراض جسديَّة، كتسارع نبضات القلب، وسرعة التنفس، وارتعاش الأطراف، والصداع النصفي، والإسهال أو الإمساك، وآلام البطن، وتشنجات القولون، والغثيان أو التقيؤ[41]. وقد شهدت امتحانات هذا العام عددًا من الحالات المأساويَّة بسبب ما يتحمله الطلاب من ضغوط نفسيَّة، كحالة تلك الطالبة التي لم تتحمَّل ضياع حلمها بسبب صعوبة امتحان الأحياء فتناولت مواد سامَّة قتلتها في الحال. والطالبة الأخرى التي أصيبت بهبوط حاد مفاجئ في الدورة الدمويَّة أثناء امتحان الفيزياء وتوفيت في الحال[42].
وفي مشهدٍ صَار من لوازم الثانويَّة العامَّة في مصر، يَذهب كثيرٌ من أولياء الأمور مع أبنائهم إلى لجان الامتحانات، وينتظرونهم أمام أبواب المدارس إلى أن يَنتهوا ويَخرجوا إليهم، ويَجري أولياء الأمور – وأكثرهم من الأمَّهات – نحو أبنائهم للاطمئنان على أدائهم وصِحَّة إجاباتهم ومعرفة مستوى الامتحان ومَدَى صعوبته. وقد يَتحوَّل المشهد أمام المدارس إلى ما يشبه مشاهد ما بعد الكوارث الطبيعيَّة إذا جاء الامتحان أعلى من مستوى الطلاب، عندها تنهار الطالبات، ويَفقِد البعض الوَعْي، وتبكي الأمَّهات، ويَعلو العويل والصراخ، وقد يحتاج الأمر إلى سَيَّارات الإسعاف لنقل بعض الحالات، وتتصاعد الشكوى من صعوبة الامتحانات وعدم تقدير وزارة التربية والتعليم لجهود الطلاب وذويهم.
وبعد الامتحان، يَعيش الطالب وأسرته مرحلة أخرى من الضغوط النفسيَّة، وهي مرحلة انتظار النتيجة، حيث الآمال العريضة في حصول الطالب على نتيجة جيّدة تمكنه من الالتحاق بكليَّات القمة، والخوف من أيّ نتيجة أخرى لا تؤهله للالتحاق بها. ويُصِرُّ الأهل على التحاق ابنائهم بهذه الكليَّات، ولهذا الإصرار أسباب قد لا تكون رغبة الطالب بعضًا منها، مثل الوجاهة الاجتماعيَّة، والفخر بأن العائلة كلها من الأطباء والمهندسين، أو الرغبة في استكمال الابن لمسيرة الأب في تخصُّص بعينه، أو تحقيق حلم قديم لم يستطع الأب تحقيقه.
ثم نصل إلى المرحلة الأخيرة، وهو يوم إعلان النتيجة، حيث تتابع الأسرة والأقارب والمعارف إعلانها، وتتحطم الأعصاب، ويزداد التوتر والقلق مع ترقب إعلان النتيجة. ويَعرف الفرح طريقه إلى بيوت الطلاب المتفوقين، أمَّا غيرهم من الراسبين أو أولئك الذين حَصَلوا على درجات متواضعة لا تؤهلهم للالتحاق بالكليَّات التي يرغبون فيها فإن بيوتهم يُخيّم عليها الحزن، ويُقيم أهلها مأتمًا وعويلًا على ضياع جهدهم وتبدُّد أحلامهم، وربما يَتصِل عليهم الأقارب والمعارف أو يزورونهم لمواساتهم في مصيبتهم، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على نفسيَّة الطلاب الذين يلجأ بعضهم إلى الانتحار أو الهروب من المنزل لتفادي التعرُّض للتوبيخ والإهانة، وربما العقاب البدني من أحد أفراد الأسرة.
يقول الدكتور “وليد هندي”، استشاري الصحة النفسيَّة، إن الطلاب يُعانون بعد إعلان النتيجة من الضغط والقلق والخوف الشديد عندما تكون الدرجات التي حَصَلوا عليها متواضعة ولا ترتقي لمجموع كليَّات القمة، لدرجة أن كثيرًا من هؤلاء الطلاب يُصابون بالإحباط الشديد ويُقدِمون على الانتحار خوفًا من عقاب الأهل ونظرة الخزي التي ستلحق بهم من المحيطين وتستمر معهم مدى الحياة. ويَرى هندي أن “نتيجة الثانوية العامَّة باتت خطرًا جسيمًا على الشباب، إذ يعقب الإعلان عنها وقوع حوادث كثيرة تصل إلى درجة الانتحار وكأن أولياء الأمور يُخيّرون أبنائهم بين تحصيل درجات كليَّات القمة أو مغادرة الحياة”[43]. وقد اختار عدد كبير من الطلاب هذا العام الانتحار بسبب سوء النتيجة، في حين هرب البعض الآخر من المنزل لعدم قدرته على مواجهة الأسرة.
السيسي وعقيدة المصريّين
منذ أن وَصَل السيسي إلى الحكم وهو يُطلِق بين الحين والآخر تصريحات مثيرة للجدل حول الدين وتجديد الخطاب الديني، تصريحات تصدم المصريّين في كثير من الأحيان لِمَا تحتوي عليه من عبارات وأفكار تمس ثوابت الدين والمعتقد باسم التجديد وتحت مظلة تنقية الإسلام من الشوائب التي لحقت به وأساءت إليه. ولكن الجديد هذه المَرَّة هو أن السيسي قد تجاوز موضوع التجديد وفقًا لرؤيته الخاصَّة – التي يعمل من خلالها على استبعاد كلّ ما يمكن أن يمثل خطرًا على حكمه، أو إحداث ما يَسترضِي به جهات وتيَّارات داعمة له – إلى تشكيك المصريّين في معتقدهم الديني.
خرج السيسي في 23 أغسطس على شاشة قناة “صدى البلد” ليُعلِّق على حوار عن تجديد الخطاب الديني ودور الفن في هذا التجديد، وأكَّد من خلال مداخلته على دعم الدولة لأيّ عمل فني يمكن أن يساعد في زيادة وَعْي المصريّين، خاصَّة الوَعْي بأهميَّة بقاء الدولة واستقرار النظام. ووَصَف السيسي نفسَه بالمصلح الذي يَسير على طريق الأنبياء ويَعمل عكس التيَّار، وقال: “المصلح دايمًا بيتكلم عن الطبيعة، وعكس المَسَار اللي الناس ماشية فيه، هو بيغيره عشان الأفضل، المصلح هو عمل الأنبياء والرسل”. ويبدو أن الرجل تستهويه أحلام النبوَّة التي بشره بها “سعد الدين الهلالي” من قبل، فصَار يتوهَّم أن الله تعالى يكلمه، وخرج في الشهر الماضي يقول: “ربنا قالي هخلي معاك أكتر من الفلوس، هخلي معاك البركة.. وريني هتعمل إيه”. ثم ها هو الآن يحاول أن يَحشر نفسَه في زمرة الرسل والأنبياء على استحياء، ويكتفي لنفسِه بمرتبة المصلح حتى إشعار آخر.
غير أن أخطر ما يمكن رصده في هذه المداخلة هو حديث السيسي عن عقيدة المصريّين، ومطالبته لهم بضرورة إعادة النظر في العقيدة، والتفكير فيها، ليَعرفوا إن كانت هذه العقيدة صحيحة أم خاطئة.
قال السيسي: “كلنا اتولدنا المسلم مسلم والغير مسلم غير مسلم بالبطاقة، اللي هو ورثها يعني. طب حد يعرف إن المفروض إن إحنا نعيد صياغة فهمنا للمعتقد اللي إحنا ماشيين عليه؟ طب كنا صغيرين مش عارفين، طب كبرنا، طب ما.. فكرتش؟ ولا خايف تفكر؟ خايف تفكر في المعتقد اللي إنت ماشي عليه، صح ولا غلط؟ طب إنت عندك استعداد تمشي في مسيرة بحث عن المسار ده حتى تصل إلى الحقيقة؟”[44]. وهو بهذا يُحرِّض على الشك في الدين نفسِه وليس النظر والتدقيق في الاجتهادات البشريَّة التي يمكن الحكم عليها بالخطأ أو الصواب. ولعله يريد من المصريّين أن يُكرِّروا تجربته التي بحث من خلالها عن الدين الذي يَعتقده، والتي استمرت خمس سنوات حسب قوله. ولكنه لم يخبرهم بما استقر عليه في أمر العقيدة بعد كلّ هذا البحث، وهل وجدها صحيحة فهو يَتمسَّك بها أم خاطئة فهو يُحاول هدمها.
لم تكن هذه هي المَرَّة الأولى التي يُصدِر فيها السيسي تصريحات صادمة حول الثوابت الدينيَّة والعقائد الإسلاميَّة التي لم تسلم من تحريفه، فقد سَبَق له أن تحدث عن موجة الإلحاد التي ضربت الشباب المصري بسبب الظلم والفساد والإحباط فقال: “بلغني إن شباب كثير ألحدوا، و ده يعني إنهم مخرجوش من الإسلام، لأنهم لم يتحملوا الإساءة والظلم”. ولم يكتف بالإفتاء بأن الملحد لا يخرج من دائرة الإسلام، وإنما أبدى عدم قلقه من هذه الظاهرة التي كان انقلابه سببًا رئيسًا في انتشارها.
ولم تسلم النصوص المقدسة من هجوم السيسي، فقد اتهمها بالتحريض على العنف والدمار، وقال إنه “توجد نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي لدرجة أنها بتعادي الدنيا كلها، وليس معقولًا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها”. ثم تحدث عن تصوره لمفهوم الإسلام الصحيح، فقال إن الإسلام لا يقول إن “المسلمين فقط هم مَن سيدخلون الجنة والبقيَّة إلى النار”.
كما خاض السيسي معركة مع الأزهر لحظر “الطلاق الشفوي”، وإصدار قانون يَقضِي بعدم وقوع الطلاق إلَّا أمام المأذون، وهو ما عارضه الأزهر، واعتبرته هيئة كبار العلماء مخالفة لما استقر عليه المسلمون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالعودة إلى تصريحات السيسي الأخيرة حول العقيدة، نجد أنها قد أثارت موجه من الجدل والانتقادات التي ظهرت في شكل تعليقات صدر بعضها مصحوبًا بهشتاجات من قبيل (#دين_جديد) و(#اخرس_يا_قزم)، والتي تبارى المصريون من خلالها في إظهار مهارتهم في السخرية وكتابة العبارات الفكاهية وإطلاق النكات لمهاجمته والتشكيك في نواياه واتهامه بأنه يُحارب الإسلام ويَدعو إلى دين جديد عن طريق تشكيك الناس في دينهم. كما علق آخرون على هذه التصريحات بأنها تحمل في طياتها دعوة إلى الإلحاد عن طريق إطلاق حريَّة الاعتقاد بما يترتيب عليها من اعتراف بحق الفرد في التخلي عن الدين الذي وُلِد به.
وتمثل الشكل الآخر في تفنيد بعض المختصِّين بالشأن الديني لتلك التصريحات، والذين أكَّدوا على أن تصريحاته طعن في ثوابت الأمَّة ومعتقداتها، وأن معتقد المسلمين لا يقوم على مجرد التقليد المحض، أو الوراثة كما قال السيسي، وإنما ينبغي أن يتوافق مع صحيح العقل، وهو ما فطر الله الناسَ عليه، ولهذا فإن اعتقاد المسلمين قائم على التفكُّر والتدبر[45].
وفيما عدا ذلك، صَمَت الأزهر ولم يُعلِّق على هذه التصريحات، ولم يصدر شيء عن المؤسَّسَات الدينيَّة الأخرى التي سيطر عليها السيسي سيطرة كاملة، ولم يَخرج أحد من الشيوخ – الذين ربطوا مصيرهم بمصير العسكر، ولا يتركون كبيرة ولا صغيرة إلَّا وأدلوا فيها بدلوهم لخدمة النظام – للتعليق أو إبداء الرأي في هذه المسألة الشائكة التي تخصُّ العقيدة.
أمَّا مؤيدو السيسي فقد رأوا أنه يخطو بتصريحاته تلك خطوة أوسع في سبيل الدولة المدنيَّة، التي تعترف بكافة الحقوق والحريَّات بما فيها حريَّة الاعتقاد المطلقة، فيما قرأ فريق مؤيد آخر التصريحات بشكل يتسق مع الرؤية المعروفة عنه، وهي أنه يَدعو إلى مراجعة الأفراد رؤيتهم لما يعرفونه عن دينهم وأن يراجعوا “الخطاب” المستقر المتوارث عن هذا الدين. أي أن خلاصة حديث الرئيس تتصل مُجدَّدًّا بملف تجديد الخطاب الديني[46].
وقد يقول قائل إن السيسي يَقصِد بذلك “التفكُّر”، وهو من المعاني التي أمر الإسلام بها، وحَثَّ عليها، وعَبَّر البعض عن هذا بالفعل، قائلًا إن “كلامه منطقي، والله دَعانا للتفكُّر”. لكن شتَّان ما بين التفكُّر الذي يُفضِي إلى تقوية الإيمان وتحصينه، والشك الذي هو “تردُّد بين نقيضيْن دون ترجيح لأحدهما على الآخر”، وهو صلب دعوة السيسي الذي يَدعو إلى النظر في العقيدة باعتقاد مسبق هو إمكانيَّة وجود الصواب والخطأ، والترجيح بينهما، في حين أن التفكُّر بمعناه الواسع ودوائره المُتعدِّدة التي تشمل النظرَ في آيات الله الكونيَّة، والتفكُّرَ في آيات الله المقروءة في كتابه الكريم، والتدبرَ في عظيم فِعْل الله وبديع تدبيره وسُنن الله في كونه، يُعدُّ من وسائل التزكية وخطوات التربية ووسيلةً هامة وخطوة كبيرة لبناء نَفْس مزكَّاة، وبدونه تتحوَّل النفوس إلى نسيج هشٍّ، والعقول إلى مستودعات خاوية، لأنه يكشف للقلب ما حُجب عنه من معاني الإيمان[47].
عاد الجدل مرة أخرى، خلال شهر أغسطس/آب الماضي، حول تقنين بدل التدريب والتكنولوجيا الممنوحة للصحفيّين، وذلك بالتزامن مع جلسة لمجلس الدولة حول هذه القضية. لكن تفاجأ الصحفيُّون أن نقابتهم تعارضهم أمام القضاء وتتمسَّك برأي الحكومة. وفي هذا، فإننا نحاول معرفة أسباب تمسُّك النظام المصري بعدم تقنين بدل الصحفيّين. كذلك، فإن الشارع المصري قد شهد حوارات مُتعدِّدة هذا الشهر، فيما يتعلق بعزم النظام زيادة أسعار الخبز. وحاولت الأذرع الإعلاميَّة التمهيد لزيادة أسعار الخبز، وترويجها على أنها إنجاز.
تأجيل دعوى تقنين بدل الصحفيين
عادت مسألة بدل التدريب والتكنولوجيا الممنوحة للصحفيّين، خلال شهر أغسطس/آب الماضي، حيث عقدت الدائرة الثانية بمجلس الدولة، في الخامس عشر من الشهر ذاته، جلسة أدلى فيها المحامي المصري، “كرم صابر”، الموكَّل عن الكاتب الصحفي المصري، “كارم يحيى”، بشهادته في الدعوى القضائيَّة المرفوعة لمطالبة الحكومة بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا سنويًّا.
وللتوضيح، فإن بدل الصحفيّين الخاص بالتدريب والتكنولوجيا يتمثل في مخصَّصَات ماديَّة، من المفترض أن يسلمها المجلس الأعلى للصحافة في مصر –وهو مؤسسة حكومية- للصحفيّين. ويقدر هذا البدل الشهري بحوالي 2520 جنيه مصري، أي ما يقرب من 160 دولارًا أمريكيًّا. ورغم أنه من المفترض صرف هذا البدل شهريًّا، فإن عادة ما كان يصرف مقابل نسبة 36 بالمائة، تحصل عليها الحكومة من ضرائب وإعلانات الصحف التي تقدَّر بالمليارات[48].
وبالتزامن مع انتخابات نقابة الصحفيّين الأخيرة، في مارس/آذار وإبريل/نيسان 2021م، رفع الصحفي كارم يحيى –المحسوب على تيَّار المعارضة داخل النقابة- دعوى قضائية، طالب فيها رئيس الوزراء ووزير المالية بتقنين بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين، بحيث تكون هذه الزيادة مُقرَّة قانونيًّا، وملزمة للحكومة، هذا بالإضافة إلى مطالبته بأن يشتمل القانون على ضمان زيادة سنوية في هذا البدل قدرها 20 بالمائة[49].
وقرَّرت المحكمة، في جلستها الأخيرة، تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021م، وذلك لرد دفاع المدعي على مذكرة النقابة وإلزام وزارة المالية بتقديم كشف بقيمة المبالغ المنصرفة من ميزانية الدولة تحت بند بدل الصحفيّين منذ إقرارها في الثمانينيَّات حتى الآن. وقد حضر هذه الجلسة محامي نقابة الصحفيّين، “سيد أبو زيد”، بعد تكليف من النقيب ورئيس هيئة الاستعلامات، “ضياء رشوان”[50].
نقابة الصحفيّين تعارض حقوق الصحفيّين!
وربما كان أوَّل ما يتبادر إلى الذهن هو أن حضور محام عن الصحفيّين في قاعة المحكمة، سوف يصب في صالح قضية المحامين. حيث إن جوهر القضية هي مصلحة للصحفيّين عن طريق زيادة مدخولهم الشهري وتقنينه، وهذه أحد أهداف النقابات من الأساس. لكن الغريب هو أن حضور محامي النقابة جاء ضد مصلحة الصحفيّين، في مقابل مصلحة النظام الحاكم. حيث رفض “أبو زيد” الدعوى قائلًا إن “زيادة البدل يُعتبَر منحة من الحكومة ولها السلطة التقديرية في زيادته وصرفه”[51].
وفي المقابل، اعتبر دفاع المدعي أن بدل الصحفيّين وزيادته هو حق قانوني لكلّ صحفي في مصر، مستشهدًا بأحكام قضائية عديدة صدرت في السابق من مجلس الدولة، طالب فيها المجلس بتقنين البدل، وزيادته بشكل دوري، واعتباره جزءًا أساسيًّا من راتب أيّ صحفي، مستندًا في ذلك إلى غلاء المعيشة المستمر. علاوة على ذلك، تقدَّم دفاع المدعي بحافظة تتضمَّن صورة حكم للقضاء الإداري بالإسكندرية رقم 2562 لسنة 67 قضائية يؤكِّد مرافعته وطلب إلزام وزارة المالية بتقديم كشف بكافة المبالغ المنصرفة تحت بند بدل الصحفيّين وتواريخ صرفها منذ إقرارها في ميزانيات الدولة منذ الثمانينيَّات[52].
وقد أبدى دفاع المدعي تعجبه من موقف نقابته الغريب، حيث قال المحامي كرم صابر: “في جلسة الأحد 15 أغسطس/آب حضرت مع الزميل كارم يحيى في قضية مرفوعة جهات حكومية ليطالبهم بتقنين البدل الدوري المستحق للصحفيين وزيادته سنويًّا بنسبة 20 بالمائة. فوجئنا بحضور محامي النقابة وبدلًا من أن ينضم لطلبنا؛ قدَّم مذكرة وطلب من المحكمة رفض الدعوى لأنه يعتبر البدل منحة من الدولة ولها سلطة تقديرية في زيادته أو تخفيضه”.
وأضاف صابر: “طبعًا صَحَّحنا مغالطاته ووضحنا للمحكمة أن البدل ليس مِنَّة ولا منحة من الدولة، وأحكام عديدة صدرت وأكَّدت أحقيَّة الصحفيّين في الحصول عليه واعتبرته بعض الأحكام جزءًا من الراتب في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، وقدمنا للمحكمة بعض الأحكام”. واختتم المحامي شهادته بـ”طبعًا نتوقع أن أي شيء ممكن أن يحصل؛ لكن أن تقف نقابة وتقمع أمام المحكمة وتطلب حرمان أعضائها من حقوق أقرتها أحكام قضائية، هذه أشياء من الخيال”[53].
النقابة ترد..
ويبدو أن ما كتبه “صابر” قد أزعج نقيب الصحفيّين، المقرَّب من النظام. ربما لأن كثيرًا من الصحفيّين تداولوا ما قاله صابر على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث رَدَّت إدارة الشؤون القانونية بنقابة الصحفيّين ببيان رسمي موقع من كافة أعضاء إدارة الشؤون القانونية، واتخذوا قرارًا بإحالة صابر إلى التحقيق. وجاء في رد مجلس النقابة أن “ما ذكره الزميل يتنافى مع موقف الشؤون القانونية في النقابة على مدار تاريخها مع كافة الزملاء الصحفيّين، الذين أقاموا دعاوى استحقاق البدل، حيث انضمت إليهم النقابة في طلباتهم وحصول العديد منهم على الأحكام”[54].
وأضافت أنه “جدير بالذكر أن نقيب الصحفيّين قد كلّف الشؤون القانونية بالانضمام للزميل الأستاذ محمد شاكر عبد سليمان في الدعوى رقم 2562 لسنة 67 ق المرفوعة منه بالإسكندرية في عام 2013، وبفضل مذكرة الشؤون القانونية حصل الزميل على حكم بأن البدل حق لجميع الصحفيين، وهذا الحكم هو سند زميلنا الأستاذ كارم في دعواه، كما أن النقابة حضرت في الطعن المقام من الحكومة على هذا الحكم، والذي تم رفضه منذ بضعة أشهر، وبفضل الشؤون القانونية أصبح الحكم نهائيًّا وباتًّا، كما أن الشؤون القانونية قد كسبت الدعوى رقم 52721 لسنة 73 ق، والتي أقامها أحد المحامين ويطالب فيها بإلغاء البدل”.
وأردفت أنه “نظرًا لخطورة الادعاء الذي ساقه الأستاذ كارم يحيى ومحاميه على صفحتيهما على “فيسبوك”، تجاه الشؤون القانونية بنقابة الصحفيّين، فإننا نطلب منهما تقديم دليل مادي عليه أو مستند رسمي من المحكمة يؤكده، فالبيّنة على من ادعى. وفي حالة عدم تقديم الأستاذين المذكورين ما يؤكد زعمهما، فإن الشؤون القانونية بنقابة الصحفيين سوف تتقدَّم بطلب في التحقيق في هذا الاتهام في مجلس نقابة الصحفيين والمحامين بوضع الأمور في نصابها الصحيح وإعادة الحقوق لأصحابها”[55].
لكن الأمر الذي يكشف أن ما يقوله مجلس نقابة الصحفيّين هو ادعاءات، وأن موقفه هذا ليس نابعًا من سعيه لمصلحة الصحفيّين، بقدر ما هو نابع من حمايته لمصالح النظام، هو حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية، في 29 مايو/أيار 2021. حيث جاء فيه أن بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يحصل عليه الصحفيّون، هو حق وليس منحة، ولا يجوز أن يخضع للضرائب[56].
كما أشارت المحكمة في حكمها إلى أن علة بدل التكنولوجيا هي إتاحة الفرصة للصحفيين للاستعانة بأدوات العصر؛ لمواجهة تحديات تطور فنون صناعة الصحافة. وأشارت المحكمة، إلى أن بدل التكنولوجيا حق لصيق للحياة المهنية للصحفي، وبدونه لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجرى حوله من إنجازات. كما ناشدت المحكمة حينها المُشرِّعين في مجلسي النواب والشيوخ بتقنين بدل التكنولوجيا للصحفيين بعد أن صار لصيقًا بالحياة المهنية لا ينفك عن الصحفي وإعادة تقدير قيمته[57].
لماذا يُصِر النظام على عدم تقنين البدل؟
وفي ظل إصرار السلطة الحاكمة في مصر، ومجلس نقابة الصحفيّين التابع لها، على عدم تقنين بدل التدريب والتكنولوجيا الممنوح للصحفيّين، يبرز السؤال حول أسباب النظام للتأكيد على موقفه هذا. وبالرجوع أشهر قليلة إلى الخلف، أثناء انتخابات مجلس النقابة، سيتضح أن السبب هو أن النظام يريد لهذه الزيادة أن تظل هكذا –غير مُقنَّنة- بحيث يستطيع أن يستغلها في ابتزاز الصحفيّين أو الضغط عليهم عند الحاجة.
فقد لوح “ضياء رشوان” بهذه الزيادة منذ اليوم الأول لإعلانه خوض الانتخابات على منصب النقيب. كما صرح حينها أنه متفائل بدعم الدولة للصحفيّين، موضحًا أنه جرى الحديث مع مؤسَّسَات الدولة بشأن زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا، ومضيفًا: “كل مرة أطلب من الحكومة أى زيادة يتم الموافقة عليها”، وذلك خلال برنامج “على مسئوليتى” المذاع على قناة “صدى البلد”، والذي يقدمه المذيع المُقرَّب من السلطة، “أحمد موسى”[58]. لتعلن وزارة المالية المصرية، بعد ذلك بأيام، زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا لأعضاء نقابة الصحفيين بنسبة 20%، اعتبارًا من بداية السنة المالية الجديدة، وبالتحديد من أول يوليو/تموز المقبل، وذلك بقيمة 420 جنيهًا، لترتفع بذلك قيمة البدل الذي يحصل عليه الصحفيون شهريًا من 2100 جنيه إلى 2520 جنيهًا[59].
وهذه السياسة التي ينتهجها نظام قائد الانقلاب المصري، عبد الفتاح السيسي، ليست جديدة. فقد دأبت الأنظمة على استخدام هذه الزيادة كوسيلة ضغط على الصحفيّين تهددهم بوقفها في أيّ وقت، وتدعم من خلالها المرشح الذي يمثلها. وقد كتبت الباحثة الأمريكية “ماريام بيرغر”، في 2013، دراسة عن هذا الأمر بعنوان “دور ثوري أم من بقايا الماضي: مستقبل نقابة الصحفيّين المصريّين بعد ثورة 25 يناير”[60]. حيث قالت: “بدأ نظام البدل عام 1981 كوسيلة لتزويد الصحفيين بمصدر إضافي للدخل يساعد في تدريبهم وتطويرهم تكنولوجيًا. مع ذلك، ولأسباب عدة، تحول إلى مصدر أساسي أو حيوي إضافي للسيولة المالية شهريًا. ومع كلّ انتخابات، يَعِد مرشحون في حملاتهم بزيادة البدل، وذلك في استكمال لدائرة تبعيَّة الصحفيّين وقادة النقابة للحكومة. وهكذا يُطِيل البدل من أمد حالة الفساد كأمر واقع”[61].
التمهيد الإعلامي لزيادة أسعار الخبز
قد يكون تصريح قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، بأنه يعمل على زيادة أسعار الخبز في مصر، أحد أهم الأحداث التي شغلت الشعب المصري، خلال شهر أغسطس/آب الماضي. حيث قال السيسي خلال افتتاحه المدينة الصناعية الغذائية “سايلو فودز” بمدينة السادات شمالي القاهرة: “أتى الوقت إن الرغيف أبو 5 صاغ (خمسة قروش) يزيد ثمنه”. وتابع: “ليس من المعقول أن أبيع 20 رغيفًا بثمن سيجارة. هذا الأمر يجب أن يتوقف. نحن ناس جادون وأمناء وشرفاء ومؤتمنون على حياة الناس. فلا يقل لي أحد لا تقترب من الرغيف”[62].
وبالطبع، فإن مسألة كهذه تمس حياة المواطنين بشكل مباشر ويومي. لذلك، جاء استخدام الآلة الإعلامية للنظام مكثفًا في هذا الشأن، على سبيل تمهيد الشعب لاستقبال زيادة أسعار الخبز، الذي هو العامل الأساسي في غذاء المصريين بشكل عام. وركزت الرسائل الإعلامية على ادعاء أن زيادة الأسعار خطوة في طريق الإصلاح.
حيث قال أحد المذيعين إن “السيسي تعهد ببناء مصر من جديد وقال كلنا هنبني سوا (سنبني معًا)، وانتو شفتوا (وأنتم شهدتم) من 7 سنين الدولة كانت عاملة إزاي، البنزين والأسعار والتضخم، ودلوقتي شوفوا (والآن انظروا) كل حاجة متوفرة، وعندنا مخزون كبير من القمح والرز والزيت”. وأضاف: “كل القرارات اللي الرئيس بياخدها (يتخذها) بشجاعة لمصلحة الشعب وبيشيل (يتحمل) مسؤوليتها بشجاعة، زي قرار 3 نوفمبر 2016″، في إشارة إلى قرار تعويم الجنيه[63]. بينما قال آخر إن “السيسي بيحل المشاكل من جذرها زي مشكلة الكهرباء عالجناها من جذرها وعملنا محطات، مشكلة المدارس مشكلة العشوائيات مشكلة الطرق”[64].
كذلك، حاول بعض الإعلاميَين ربط ارتفاع أسعار الخبز، بأنها ستكون حَلًّا لمشكلة التغذية المدرسية، حيث قال: ” عندنا 13 مليون طفل ودول (هؤلاء هم) المستقبل، ولما ألاقيهم عندهم تشوه غذائي، مش هيعرف يفكر كويس، مش هيعرف ينتج كويس، مش هيعرف يلعب رياضة، ولازم أطور نشأتهم علشان لما يكبر يبقى راجل سليم”. وأضاف آخر: “فيه أهالي مش قادرة تغذي ولادها، ولازم الأولاد يدخلهم بروتين ونشويات أثناء اليوم، والوجبة المدرسية من أهم مكونات الجسم السليم”[65].
وهكذا، حاول هؤلاء الإعلاميّون تصوير الأمر وكأن الغلاء والعبء الذي سيلقى على عاتق المواطن وحده، هو في مصلحة المواطن نفسه! لكن هذه الأذرع الإعلامية تلاشت عن الحديث عن تصريح السيسي ذاته في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، بأن رغيف العيش (الخبز) “لم يُمس، ولن يُمس”[66]، وهم ذاتهم الذين أثنوا على هذا التصريح حينها. كما أنهم تعاموا عن حقيقة أن ثمن السجائر لابد وأن يكون أغلى من ثمن رغيف الخبز. وهذا طبيعي ومنطقي، حيث إن الخبز هو من السلع الأساسية، بينما لا تعد السجائر كذلك.
المصادر
[1] موقع وزارة الدفاع المصرية، بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة، 1 أغسطس/آب 2021، https://www.mod.gov.eg/ModWebSite/NewsDetailsAr.aspx?id=41809
[2] موقع وزارة الدفاع المصرية، بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة، 12 أغسطس/آب 2021، https://mod.gov.eg/ModWebSite/NewsDetailsAr.aspx?id=41823
[3] منظمة العفو الدولية، مصر: يجب التحقيق في أدلة وقوع عمليات إعدام خارج نطاق القضاء على أيدي الجيش المصري في شمال سيناء، 5 أغسطس/آب 2021، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2021/08/egypt-investigate-evidence-of-extrajudicial-executions-by-egyptian-army-in-north-sinai/
[4] هيومن رايتس ووتش، مصر: انتهاكات جسيمة وجرائم حرب في شمال سيناء، 28 مايو/أيار 2021، https://www.hrw.org/ar/news/2019/05/28/330273
[5] هيومن رايتس ووتش، مصر: عمليات الهدم الواسعة في سيناء جرائم حرب محتملة، 17 مارس/آذار 2021، https://www.hrw.org/ar/news/2021/03/17/378097
[6] CNN بالعربية، الأولى لمسؤول إسرائيلي منذ 2010.. السيسي يدعو رئيس وزراء إسرائيل إلى زيارة مصر، 18 أغسطس/آب 2021، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/08/18/sisi-invites-israeli-prime-minister-visit-egypt
[7] CNN بالعربية، رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن عزمه زيارة مصر تلبية لدعوة السيسي، 22 أغسطس/آب 2021، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/08/22/israel-pm-sisi-egypt
[8] فلسطين 24، “السيسي هدية لإسرائيل”، 14 سبتمبر/أيلول 2017، https://www.pal24.net/news/108487.html
[9] المعهد المصري للدراسات، الجيش المصري وإسرائيل: تحولات العقيدة، 9 أبريل/نيسان 2018، https://eipss-eg.org
[10] BBC عربي، معبر رفح: مصر “تغلق المعبر لأجل غير مُسمّى”، 23 أغسطس 2021، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-58301543
[11] بوابة الأهرام، رئيس بعثة الأزهر العائدة من أفغانستان يكشف تفاصيل «رعب الـ 10 أيام» حتى العودة إلى مصر، 24 أغسطس/آب 2021، https://gate.ahram.org.eg/News/2924105.aspx
[12] BBC NEWS عربي، رفع سعر الرغيف في مصر: إجراء اقتصادي “ضروري” أم عبء على الفقراء؟، 5 أغسطس/آب 2021، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-58090000
[13] اليوم السابع، الحكومة توافق على تفعيل الحد الأدنى للأجور بدءا من أول يوليو، 19 مايو/أيار 2021، https://www.youm7.com/
[14] BBC NEWS عربي، رغيف العيش: جدل في مصر بعد إعلان الرئيس السيسي “ضرورة رفع سعر رغيف الخبز المدعم”، 4 أغسطس/آب 2021، https://www.bbc.com/arabic/trending-58091349
[15] وزارة المالية، البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021/2022، ص78.
[16] اليوم السابع، الرئيس السيسى يشهد افتتاح مدينة سايلو فودز.. الخدمة الوطنية: تضم 10 مصانع بطاقة إنتاجية 470 ألف طن.. “التموين”: صرح عظيم وإضافة لقدرة الدولة بالصناعات الغذائية.. “التعليم”: تكلفة التغذية المدرسية 8 مليارات جنيه، 3 أغسطس/آب 2021، https://www.youm7.com/
[17] الجزيرة نت، طرح تاريخي.. بورصة مصر تترقب إدراج العاصمة الإدارية فهل تكون الطريق معبدة؟، 18 أغسطس/آب 2021، https://www.aljazeera.net/
[18] الجزيرة نت، مصر.. القطاع الخاص يواصل الانكماش ويعمق أزمة الاقتصاد، 5 أغسطس/آب 2021، https://www.aljazeera.net/
[19] BBC NEWS عربي، عمليات احتيال بمئات آلاف الجنيهات تستهدف عملاء بنوك مصرية، 24 أغسطس/آب 2021، https://www.bbc.com/arabic/business-58320016
[20] بنك HSBC ، دليل عمليات الاحتيال. https://www.hsbc.com.eg/ar-eg/help/security/fraud-guide/
[21] العربية نت، خلال ساعات سقوط عصابة شرثة حسابات المصريين في البنوك، 29 أغسطس/آب 2021، https://www.alarabiya.net/
[22] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 4 أغسطس/آب 2021،
[23] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 4 أغسطس/آب 2021،
[24] الموقع الرمسي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 12 أغسطس/آب 2021،
[25] منشورات قانونية، قانون الخدمة المدنية، https://manshurat.org/node/14678
[26] Independentarabia، قرار جمهوري يلغي صلاحية علماء المؤسسة في اختيار مفتي البلاد،
[27] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 5 أغسطس/آب 2021،
[28] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 30 أغسطس/آب 2021،
[29] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 30 أغسطس/آب 2021،
[30] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 5 أغسطس/آب 2021،
[31] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 19 أغسطس/آب 2021،
[32] مصراوي، مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، 27 يونيو/حزيران 2021،
[33] المصري اليوم، النواب يوافق على تعديلات مشروع المحكمة الدستورية، 27 يونيو/حزيران 2021،
[34] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 19 أغسطس/آب 2021،
[35] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 19 أغسطس/آب 2021،
[36] بوابة الأهرام، النواب يوافق على قانون بإصدار قانون إنشاء صندوق الطوارئ الطبية، 8 يونيو/حزيران 2021،
[37] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 19 أغسطس/آب 2021،
[38] الموقع الرسمي لنقابة المحامين، الجريدة الرسمية، 19 أغسطس/آب 2021،
[39] المصري اليوم، النواب يوافق على تغليظ جريمة التحرش، 11 يوليو/تموز 2021،
[40] إندبندنت عربية، الثانوية العامة عند المصريين… “الوحش” الذي لا بد منه، 20 أغسطس/آب 2021، https://www.independentarabia.com/
[41] موقع آراجيك، قلق قرب الامتحان، أسبابه، أعراضه وكيفية التعامل معه؟، 2 مايو/أيار 2017، https://www.arageek.com/edu/fear-of-approaching-exam-time
[42] أمينة خيري، مصدر سابق.
[43] بوابة الأهرام، أولياء أمور يُضحون بأبنائهم بعد نتيجة الثانوية العامة.. وطلاب يزهقون أرواحهم خوفًا من عقاب الأهل، 16 أغسطس/آب 2021، https://gate.ahram.org.eg/News/2895157.aspx
[44] موقع اليوتيوب، فيديو| المداخلة الكاملة للرئيس السيسي مع الاعلامية عزة مصطفى على قناة صدى البلد، 23 أغسطس/آب 2021، https://www.youtube.com/watch?v=Q58eJbGyrMo
[45] عربي 21، لماذا يشكك السيسي بمعتقدات المصريين؟.. “طالب بتغييرها”، 25 أغسطس/آب 2021، https://arabi21.com/
[46] رصيف 22، السيسي ينادي بـ”إعادة صياغة فهم المعتقد”.. ومعارضون “يدعو إلى دين جديد”، 24 أغسطس/آب 2021، https://raseef22.net/
[47] طريق الإسلام، التفكر عبادة ربانية وضروة دعوية، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2013، https://ar.islamway.net/
[48] العربي الجديد، نقابة الصحافيين المصرية ترد على اتهامات تملقها للحكومة بقضية البدل، 17 أغسطس/آب 2021،
[49] العربي الجديد، خلف مخصصات الصحافيين المصريين… رشى انتخابية؟، 31 مارس/آذار 2021،
[50] صفحة الدفاع عن المظلومين – يحررها أبناء مصر، تصريح للصحفي كارم يحيى، 15 أغسطس/آب 2021،
[51] العربي الجديد، مصر: بدل الصحافيين يعود لدائرة الجدل، 19 أغسطس/آب 2021،
[52] صدى البلد، د.فتحي حسين يكتب: بدل الصحفيين حق وليس منحة، 24 أغسطس/آب 2021،
[53] العربي الجديد، نقابة الصحافيين المصرية ترد على اتهامات تملقها للحكومة بقضية البدل، 17 أغسطس/آب 2021،
[54] مصراوي، “الصحفيين” ترد على مرشح سابق لمنصب النقيب بشأن دعوى زيادة البدل، 17 أغسطس/ آب 2021،
[55] المصدر نفسه.
[56] بوابة الأهرام، حكم نهائي: بدل التكنولوجيا حق للصحفيين ومقرر لمواجهة أدوات العصر ومستحدثاته، 29 مابو/أيار 2021،
[57] المصدر نفسه.
[58] اليوم السابع، ضياء رشوان عن زيادة بدل الصحفيين: تواصلت مع الحكومة والأخبار مبشرة، 17 مارس/آذار 2021،
[59] جريدة الوطن، رئيس الوزراء يوافق على زيادة بدل الصحفيين 20%، 25 مارس/آذار 2021،
[60] العربي الجديد، خلف مخصصات الصحافيين المصريين… رشى انتخابية؟، 31 مارس/آذار 2021،
[61] المصدر نفسه.
[62] DW، مصر- رفع سعر رغيف الخبز .. “دواء مر” أم خطوة غير محسوبة؟، 6 أغسطس/آب 2021،
[63] صدى البلد، على مسئوليتى – أحمد موسى : الرئيس السيسي تعهد ببناء مستقبل لمصر وشعبها، 3 أغسطس/آب 2021،
[64] Nashaat Eldeehy، حلول جذرية بعيدة عن المسكنات..نشأت الديهي يشرح كيف نجح الرئيس السيسي في حل المشاكل التي تواجه مصر، 3 أغسطس/آب 2021،
[65] علامات أونلاين، غضب شعبي بعد إعلان السيسي رفع سعر الخبز المدعم وإعلام النظام يبرّر الزيادة، 4 أغسطس/آب 2021،
[66] AlHayah TV Network، الحياة اليوم – الرئيس السيسي : رغيف العيش يتكلف 55 قرش ” لم ولن يمس أحد سعره “، 8 ديسمبر/كانون الأول 2016،