المحتويات |
---|
مقدمة المترجم |
مدخل |
السيناريو الأول: “ديكتاتور تنموي ناجح” |
السيناريو الثاني: “مبارك 2” |
السيناريو الثالث: “فشل السيسي” |
خلاصات وتوصيات |
مقدمة المترجم
بحلول شهر يوليو/ تموز 2023 سيكون قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، قد أتم عقدًا كاملًا في السلطة، بعد أن انقلب على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، الرئيس الراحل، محمد مرسي. ويأتي ذلك في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق، مع تجاوز الجنيه المصري حاجز 41 جنيهًا مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، وغلاء أسعار المعيشة، دون وجود زيادة مكافِئة في الأجور.
وإزاء ذلك، يتزايد الحديث حول مصير مصر كدولة، ومصير نظام السيسي، مع عدم وجود حل في الأفق للأزمات التي تعاني منها البلاد.
ولذا، عمدنا في مركز المسار إلى ترجمة ورقة بعنوان: “ما مصير نظام السيسي؟ ثلاثة سيناريوهات محتملة”، التي أصدرها “المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية”. والجدير بالذكر أن هذه الورقة كُتبت في مارس/ آذار 2019، في ظل الحديث عن التعديلات الدستورية التي أجراها نظام السيسي ليفتح الطريق لنفسه دستوريًا للاستمرار في الحكم حتى عام 2034.
لكن رغم ذلك، يمكن القول إن الورقة ما زالت صالحة لتفسير بعض المستجدات الجارية على الساحة، خصوصًا وأنها استشرفت بعض ما نشهده من عدم قدرة المانحين الدوليين والخليجيين على الاستمرار في الدعم المفتوح للسيسي. هذا فضلًا عن التوصيات التي قدمتها الورقة لصانع القرار في ألمانيا، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، والتي ما زالت محتملة التطبيق حتى الآن.
وتطرح الورقة ثلاثة سيناريوهات لن يخرج مآل نظام السيسي عن أحدها، وفق المعهد الألماني. كما تشرح أسباب وجود كل احتمال، وترجح في النهاية أيها أقرب حدوثًا، مع الإشارة إلى كيفية تأثر الداخل المصري والقارة الأوروبية بكل احتمال، والسياسات التي من المفترض أن تضطلع بها أوروبا حيال نظام السيسي.
ونحن إذ نقدم هذه الورقة للباحثين والمهتمين، نرجو أن تكون مفيدة في وضع أطر للتفكير في سياسات نظام السيسي ومآلاتها على مصر وعلى النظام نفسه. كما نرجو أن يأخذ القارئ في حسبانه التاريخ الذي نشر فيه “المعهد الألماني” هذه الورقة، حتى يتسنى له فهمها على الوجه الصحيح.
مدخل
من المقرر إجراء استفتاء على تعديل دستوري في مصر مطلع مايو/ أيار 2019، والذي من شأنه أن يُمَكّن عبد الفتاح السيسي من مواصلة حكمه بعد انتهاء فترته الحالية. وفي ظل هذا القدر الهائل من القمع، تبدو الموافقة على التعديلات مؤكدة. وهذا من شأنه أن يستكمل – إلى حد كبير- مسار ترسيخ سلطة نظام السيسي، المنبثق عن الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013. ولكن ما المستقبل المتوقع لهذا النظام؟
ونحن هنا إزاء 3 سيناريوهات محتملة: فإما دكتاتورية تنموية ناجحة، أو عقود من الركود السياسي والاقتصادي كما كان في عهد حسني مبارك، أو الفشل الوشيك. وفي حين أن الدكتاتورية التنموية سيناريو غير واقعي؛ بسبب الافتقار إلى الرغبة في الإصلاح، فإن السيناريوهين الآخرين ينطويان على مخاطر كبيرة لألمانيا وشركائها الأوروبيين.
لذلك، يجب عليهم من الآن فصاعدًا ربط المساعدات المالية الجديدة بتحسين حالة حقوق الإنسان والحقوق المدنية، والتركيز على منع الأزمات الإنسانية، بما يتماشى مع نهج “عدم إلحاق الضرر”، وتوسيع الاتصالات مع ممثلي المعارضة المصرية خارج مصر.
وفي قلب مشروع التعديل الدستوري – الذي اعتمده البرلمان المصري لأول مرة في 14 فبراير/ شباط 2019 – يكمن تمديد ولاية رئيس الجمهورية من أربع إلى ست سنوات. والجدير بالذكر أن هذه التعديلات ستطبق بأثر رجعي، ما يعني أن السنوات التي أكملها السيسي بالفعل في المنصب لن تمنعه من الترشح مرة أخرى. لذلك يمكن أن يترشح السيسي مرتين أخريين بعد انتهاء ولايته الثانية، وبالتالي سيكون قادرًا على البقاء في منصب الرئيس حتى عام 2034، عندما يبلغ من العمر 80 عامًا.
وبالإضافة إلى ذلك، فبعد إقرار التعديلات الدستورية، سيكون الجيش المصري مسؤولًا عن “حماية الدستور والديمقراطية”، وبذلك ستكون له اليد العليا فوق الدستور – وهي موجودة بالفعل، لكن التعديلات ستضفي عليها الطابع الرسمي- ما سيسرع من عملية عسكرة الدولة.
كذلك، تتضمن التعديلات تقليص حجم البرلمان وفرض المحاصصة داخله، وهذا يهدف إلى تعزيز دور الرئاسة مقابل السلطتين التشريعية والقضائية. فعلى سبيل المثال، سيعاد مجلس الشورى المصري، الذي ألغي في عام 2014، مرة أخرى، وقد كان ثلث أعضائه معينين من قِبل رئيس الجمهورية. كما سيتولى رئيس الجمهورية رئاسة “مجلس الهيئات القضائية” الجديد، الذي سيكون له صلاحيات واسعة في تعيين المناصب القضائية العليا، علاوة على إلغاء استقلالية ميزانية القضاء.
ويعتبر فشل تمرير التعديلات الدستورية في القراءة النهائية، المقررة في نهاية مارس/ آذار 2019، أمرًا شبه مستحيل. فقد تعرَّض البرلمانيون القلائل الذين وجهوا انتقادات للتعديلات إلى حملات تشهير، كما اعتُقل العديد من أعضاء أحزاب المعارضة الصغيرة.
وسيجري الاستفتاء في مايو/ أيار 2019، في مناخ من الخوف على غرار الانتخابات الرئاسية قبل عام. ومع وجود ما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي، والاستخدام الممنهج للتعذيب، وسيطرة أجهزة الدولة على وسائل الإعلام، فإن التصويت الحر والنزيه أمر مستحيل.
هذا الاستفتاء الدستوري سيكون تتويجًا لمسار ترسيخ سلطة نظام السيسي، الذي بدأ مع الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ومهد الطريق لوزير الدفاع آنذاك لتولي منصب الرئيس. وقد استخدم السيسي قوة وحشية في قمع أي معارضة لحكمه منذ ذلك الحين.
ولم يكن هذا القمع البوليسي، الذي تقوده أجهزة الدولة، موجهًا فقط ضد المعارضة – لا سيما ضد أنصار جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة الآن على أنها منظمة إرهابية. بل تم القضاء أيضًا على المنافسين المحتملين للسيسي من النخبة الموجودة داخل مؤسسات الدولة، مثل الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، خالد فوزي، ورئيس أركان الجيش، محمود حجازي.
ويبدو أن حملة القمع هذه تقودها دائرة صغيرة حول السيسي. فبجانب عباس كامل – مدير مكتب السيسي السابق، والذي يترأس الآن جهاز المخابرات- هناك أبناء السيسي حسن ومحمود، اللذان يشغلان مناصب عليا في المخابرات العامة، ونجله الأكبر مصطفى، الذي يعمل في “هيئة الرقابة الإدارية، التي تحوز موقعًا قويًا داخل بنية النظام.
وبالرغم من ذلك، ومع ذروة توطيد سلطة السيسي، يبرز السؤال حول مستقبل نظامه في السنوات المقبلة. ونحن هنا أمام ثلاثة سيناريوهات، ولكل منها احتمالية مختلفة لحدوثها.
السيناريو الأول: “ديكتاتور تنموي ناجح”
يرى أنصار السيسي أنه يحتاج لمزيد من الوقت لتحقيق رؤاه التنموية، فمن خلال المشاريع العملاقة -مثل توسيع قناة السويس وبناء عاصمة جديدة ومحطة للطاقة النووية- يريد السيسي منح البلاد دفعة تنموية. كما يقولون إن السيسي يهدف عبر تعويم سعر الصرف، وخفض دعم الطاقة والسلع، واستغلال احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثًا، إلى تحسين الوضع المالي غير المستقر، وجعل مصر مستقلة عن المساعدات المالية الدولية.
وعلى المدى الطويل، يشير بعض الخبراء في المؤسسات المالية الدولية أحيانًا إلى أن اقتصاد البلاد يمكن أن يزدهر تحت قيادة السيسي.
ومع ذلك، فإن هناك عائقين أمام هذا السيناريو. الأول هو أن المشاريع العملاقة، التي أعلنها السيسي في خطبه التي تتسم بالعاطفية إلى حد بعيد، ليست بأي حال من الأحوال دليلًا على وعيه الكافي بالمشكلات الحالية. حيث إن هذه المشاريع لا تقدم حلًا للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية في البلاد، فلا هي تعالج البنية التحتية المتداعية، ولا النظام التعليمي الضعيف، ولا الاقتصاد الموازي المستفحل.
وعلى سبيل المثال، فإن الأموال التي أنفقت على توسيع قناة السويس (أكثر من 8 مليارات دولار)، كان من الممكن استغلالها بشكل أكثر ملاءمة للتحديات الحقيقية التي تواجهها مصر. ومن ناحية أخرى، فإن المكانة التي يحوزها الجيش في هرم السلطة تعيق تطور البلاد، حيث تتوقف الإصلاحات دائمًا إذا ما كانت ستؤثر على مصالحه.
وخلال حكم السيسي، تغولت أنشطة القوات المسلحة بشكل كبير في الاقتصاد المدني، وبالتالي أعاقت تطوير اقتصاد السوق التنافسي. هذا بالإضافة إلى أن الإنفاق العسكري آخذ في الارتفاع، فقد ضاعفت مصر مشترياتها من الأسلحة بأكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 2014 و2018 مقارنة بالفترة 2009-2013، مما يجعلها ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم.
علاوة على ذلك، يجب أن يُنظر بحذر إلى التقارير الإيجابية الصادر عن الحكومة المصرية، بشأن زيادة النمو الاقتصادي (في الربع الأول من العام المالي 2018/19 عند 5.3 بالمئة) وانخفاض معدل البطالة. إذ تستند هذه التقارير إلى إحصاءات مشكوك في صحتها، ولا تعكس الواقع بالضرورة.
كما أن مناخ الأعمال والاستثمار لا يزال سيئًا، ففي مؤشر “سهولة ممارسة الأعمال” لعام 2019 الصادر عن البنك الدولي، احتلت مصر المرتبة 120 من بين 190 دولة. ولا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر أقل بكثير من مستوى سنوات الطفرة الاقتصادية بين عامي 2006 و 2008. وفوق كل ذلك، نجد أن الدين الحكومي يرتفع بلا توقف، فمن مارس/ آذار 2013 إلى نهاية عام 2018، ارتفع الدين الخارجي بنسبة 142 بالمئة، بوصوله إلى 93.1 مليار دولار.
ومن المرجح أن تُستهلك الإيرادات الحكومية الإضافية المحتملة – مثل تلك التي تخص التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي- في سداد خدمة الدين وحده. فقد بلغ هذا البند مستوى مرتفعًا، قُدّر عام 2019 بأكثر من 40 بالمئة من الإنفاق الحكومي. وهكذا يمكن القول، إن الانتعاش الاقتصادي المزعوم في مصر قد اشتُري بثمن باهظ!
السيناريو الثاني: “مبارك 2”
بافتراض أن السيسي لم ينجح في تحقيق النجاحات التنموية المتصورة في البلاد، فإن هذا لن يعني بالضرورة نهاية حكمه. فالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (1981-2011) لم يكن أيضًا قادرًا على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ومع ذلك، تمكن من البقاء في السلطة لمدة 30 عامًا؛ بسبب الدعم الخارجي الهائل من الدول الغربية، وإدارته الناجحة للنخبة الحاكمة في مصر.
وبالمثل، يمكن للسيسي الاعتماد على الدعم الخارجي واسع النطاق، فقد قدمت السعودية والإمارات والكويت مساعدات مالية وسلعية بلغت أكثر من 12 مليار دولار بعد الانقلاب العسكري في عام 2013 مباشرة. وكان الأوروبيون على استعداد تام لدعم النظام، لا سيما في ضوء زيادة تدفقات الهجرة غير النظامية في 2015-2016.
كما دعمت تلك الجهات جهود مصر للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، مع تقديم مساعدات مالية إضافية، دون المطالبة بتحسين الوضع الحقوقي أو أسلوب الحكم. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كان بإمكان دول الخليج والأوروبيين الاستمرار في تلبية الاحتياجات المالية المتزايدة، والتي سيظل نظام السيسي في حاجة لها، خاصة بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2019.
وبالتالي، قد يصبح السيناريو الثاني مكلفًا للغاية بالنسبة لهؤلاء المانحين. فعلى سبيل المثال، وعبر 7.1 مليار دولار، كانت ألمانيا بالفعل أكبر دائن لمصر بعد المنظمات الدولية (28.4 مليار دولار) ودول الخليج (23.1 مليار دولار) في منتصف عام 2018.
وعلاوة على ذلك، فمن الملاحظ أن إدارة السيسي للنخبة الحاكمة تختلف بشكل ملحوظ عن إدارة مبارك، من ذلك أن السيسي لم يبذل أي جهد لتشكيل حزب حاكم مخلص له كأساس لسلطته، على غرار “الحزب الوطني” الحاكم في عهد مبارك. وبدلًا من ذلك، يعتمد السيسي على علاقاته الوثيقة مع أجهزة الأمن، وعلى تطبيق نمط من القيادة العسكرية ذي طابع استبدادي شديد، وقد نجح في ذلك حتى الآن.
ونظرًا لانتشار الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، فمن المحتمل أن يلجأ السيسي في هذا السيناريو المستقبلي إلى استخدام أكثر للقوة؛ في سبيل تأمين سلطته الشخصية.
السيناريو الثالث: “فشل السيسي”
يمكن أن يؤدي عدم إحراز تقدم في مسار التنمية وزيادة القمع إلى نهاية النظام بسرعة كبيرة. ومن المرجح أن يُقابَل المزيد من خفض الإنفاق الحكومي باحتجاجات جماهيرية، لا سيما من أفراد الطبقة الوسطى، الذين عانوا بالفعل بشكل كبير من إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة في السنوات الأخيرة.
ومن المحفزات الأخرى المحتملة، التي قد تسبب احتجاجات جماهيرية، هو حدوث أزمة حادة في توفير الخدمات الأساسية، مثل المياه، أو بسبب تداعي البنية التحتية للنقل. وقد تؤدي عمليات الاحتجاج الناجحة في بلدان أخرى في المنطقة – كما حدث عام 2019 في الجزائر والسودان- إلى تكثيف ديناميكيات الاحتجاج في مصر. كما أن الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة قد يقود إلى احتواء مظاهرات محدودة في الوقت الحالي، لكن يمكن أن يكون له تأثير تصعيدي.
وعلاوة على ذلك، تشكل مقاومة أجزاء من النخبة الحاكمة – وحتى من داخل الأجهزة الأمنية- تهديدًا محتملًا لنظام السيسي. فصحيح أن الجيش، ووزارة الداخلية، وجهاز المخابرات يستفيدون جميعًا من سياسات السيسي الحالية، لكن مع ذلك، فقد صنع السيسي أعداء أيضًا من خلال حرمان كبار المسؤولين من بعض الامتيازات، كاشتراط موافقة السيسي على الرحلات الخارجية للمسؤولين، وتغيير السيسي للمسؤولين بشكل دائم.
ومن المرجح أن يتسبب سجن مسؤولي الدولة السابقين ذوي الطموحات السياسية الشخصية – بمن فيهم رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة- في مزيد من الشعور بالمرارة بين شرائح النخبة.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يبدو نظريًا فقط في الوقت الحالي، إلا أن التطورات في عام 2011 أظهرت أن ديناميات الاحتجاج والصراعات النخبوية يصعب التنبؤ بها تمامًا.
خلاصات وتوصيات
في حين أن سيناريو الديكتاتورية التنموية يبدو أقل منطقية، فإن احتمال حدوث أحد السيناريوهين الآخرين هو احتمال أكبر بكثير، وكلاهما مرتبطان بمخاطر وتكاليف عالية بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة لسيناريو “مبارك 2″، فإن الشرط الأساسي سيكون هو المساعدة المالية الدائمة والكبيرة، والتي ستكون في المقام الأول على حساب الميزانيات الوطنية للبلدان الأوروبية، فضلًا عن قبول مزيد من التدهور في وضع حقوق الإنسان.
وبهذه الطريقة، يمكن -في أحسن الأحوال- إبطاء التدهور الاجتماعي والاقتصادي. لكن من المرجح أيضًا أن تزداد نزعات الهجرة والتطرف بين الشباب المصري.
وفي المقابل، يوفر سيناريو انهيار النظام فرصة للإصلاح السياسي. ومع ذلك، فإن العسكرة الجارية للنظام الحاكم في مصر، وما يرتبط بها من تعطيل للمجتمع المدني المستقل، هي عوامل تقف في طريق الإصلاح، وكذلك يفعل التدهور الدراماتيكي في الظروف المعيشية لشريحة كبيرة من السكان.
وعلى عكس عام 2011، يمكن أن يكون الانهيار هذه المرة أكثر غليانًا وأقل سلمية، وتكون نتيجته المحتملة هي انهيار المؤسسات في البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الجوار الأوروبي.
وفي هذا السياق، يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي الضغط أكثر من ذي قبل لحماية وجود مجتمع مدني مستقل في مصر، وكذلك من أجل اتخاذ تدابير من أجل تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة في البلاد.
وهذا لا يقتصر على لفت نظر نظام السيسي إلى عدم توافق التعديل الدستوري مع مبادئ “الحكم الرشيد”، اللازمة لإقامة تعاون تنموي بين الطرفين. فعلى نفس القدر من الأهمية، يجب أن يكون هناك نقدًا مباشرًا -على سبيل المثال من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة- للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والحقوق المدنية في مصر.
وفوق كل شيء، وخلال عمليات إعادة التفاوض المتوقعة بشأن المزيد من المساعدات المالية لمصر، ينبغي فرض شروط لا تستهدف التقشف فقط. بل على عكس ما مضى، يجب أن تهدف أيضًا إلى تحسين حالة حقوق الإنسان والحقوق المدنية، بالإضافة إلى تحقيق الحكم الرشيد.
وعندما يتعلق الأمر بالمعونات المقدمة لإقامة بعض المشاريع، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لتطبيق مبدأ “عدم إلحاق الضرر”؛ أي: منع استخدام هذه المعونات لمزيد من التوسع في هياكل السلطة القمعية.
وأخيرًا، يجب على الحكومة الألمانية توسيع اتصالاتها مع ممثلي المعارضة المصرية في المنفى، بما في ذلك الفاعلين الإسلاميين، ما سيمكنها من دعم عمليات الوساطة بين الفئات الاجتماعية المختلفة في حالة انهيار النظام.