واقع ومستقبل مصر الاقتصادي

عبدالحافظ الصاوي

واقع ومستقبل مصر الاقتصادي

ثمّة مجموعة من الأعراض والمظاهر السلبية لأداء مصر الاقتصادي، تنعكس على معيشة المواطن المصري بشكل مباشر، ومن أبرزها الفقر والبطالة وارتفاع معدلات الضرائب والتضخم، وتعود هذه الأمراض السلبية لمرض رئيس، وهو ضعف الأداء الإنتاجي للاقتصاد المصري، وضعف القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية الرئيسة، على الرغم من كبر حجم الاقتصاد المصري، وبخاصّة من حيث عدد السكان، واتساع السوق. ونتناول هذه الأعراض بشيء من التفصيل فيما يلي:

المحور الأول: المشكلات التي تمسّ معيشة المواطن

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى اتخاذ مؤشر الفقر في المجتمع لاتجاه صعودي منذ عام 2010/2011، وعن الفترة من 2014/2015 تبين الأرقام أن نسبة الفقر بين السكان في مصر، ارتفع إلى 27.8 بالمئة بعد أن كانت 26.3 بالمئة في عام 2012/2013. ووصلت نسبة الفقر أعلى معدلاتها في عام 2017/2018 حيث بلغت 32.5 بالمئة، وذلك بسبب التداعيات السلبية لإجراء تخفيض قيمة الجنيه في عام 2016، وكذلك إجراءات رفع الدعم من سلع رئيسة وأساسية في حياة الناس، مثل تقليص دعم الغاز والوقود والكهرباء والمياه، ورفع الرسوم الخاصة بالخدمات العامة التي تقدمها الحكومة. إلا أن البيانات تشير إلى انخفاض نسبة الفقر في مصر خلال عام 2019/2020 إلى 29.7 بالمئة.

والأرقام المعلنة من الجهاز المركزي للإحصاء عن الفقر في مصر في عام 2019/2020 وتراجعها، محل شك، فالعام الذي أجريت فيه أعمال مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك هو عام تفشي جائحة كورونا، حيث ألمّت بمصر تداعيات سلبية، شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم، ولذلك من الصعب قبول أن تكون قد انخفضت فيه معدلات الفقر، وبخاصة أن الحكومة اضطرت لاقتراض نحو 8.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ونحو 7.5 مليار دولار أخرى، من سوق السندات الدولية، ومصادر أخرى.

وتعود أسباب ارتفاع معدلات الفقر في مصر، إلى عوامل أخرى بخلاف إجراءات تخفيض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، أو الإجرات الخاصة بتقليص الدعم، ومنها سوء توزيع الثروة، وعدم مراعاة قواعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، وبخاص في ظل اتساع شريحة العاملين في الاقتصاد غير المنظم، وكذلك الفارق الكبير بين مستوى الأسعار والأجور، وأيضًا استمر اتساع الفجوة بين الحد الأدنى للأجور في أفضل حالته عند 2700 جنيه، وبين خط الفقر للأسرة المصرية المكونة من أربعة أفراد عند 3128 جنيه.

تشير بيانات وزارة المالية المصرية، إلى أن حصيلة الإيرادات الضريبية قد تضاعفت قرابة ثلاثة مرات خلال الفترة من عام 2014/2015 وحتى عام 2020/2021، فقفزت من 305 مليار جنيه إلى 964 مليار جنيه، وقد أتت هذه الزيادة من فرض ضرائب جديدة، مثل ضريبة القيمة المضافة، والتوسع في فرض ضرائب الدمغة، أو زيادة معدلاتها، أو زيادة معدلات الضرائب العقارية، أو فرض ضرائب على أعمال البورصة، وهو ما أدى إلى زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين، وتتضمن السياسة الضريبية في مصر، واحدة من أبرز عيوب النظم الضريبية في الدول النامية، وهي التوسع في زيادة الضرائب غير المباشرة، بسبب سهولة فرضها وتحصيلها، بخلاف الضرائب المباشرة، التي تتطلب وجود جهاز ضريبي قوي ونزيه، وتتسم الضرائب غير المباشرة بعدم العدالة، حيث إنها تساوي بين الغني والفقير، في حين أن الضرائب يجب أن تفرض على الأغنياء ومن يحققون مستويات من الدخل تفوق حد الإعفاء الضريبي.

وقد جاء توجه الحكومة المصرية للتوسع في فرض ضرائب جديدة، أو رفع شرائح ومعدلات الضرائب القائمة، في ظل وجود مجلس نواب موال للحكومة، وغير معني بمشكلات المواطن، لأنه لا يعبر عنه، حيث أتت مجالس النواب لفترة ما بعد الانقلاب العسكري، عبر انتخابات غير نزيهة وغير حرة، وبالتالي فهي توالي الحكومة والسلطة التي أتت بها، ولا يوجد ما يمكن محاسبتها من خلاله، وبخاصة أصوات الناخبين، التي يمكن من خلالها أن يعاقب المجتمع المدني، مثل هذه المجالس.

ومما يعاني منه النظام الضريبي في مصر، انتشار الفساد، حيث يغلب على طريقة التحاق العاملين بهذا القطاع، المحسوبية أو الرشوة، ولذلك تنتشر أعمال الرشوة، وبخاصة في قطاع الضرائب المباشرة، مثل الضريبة على الأرباح أو الدخل. ولذلك من الأجدى أن تتبنى مصر نظامًا أكثر عدالة وشفافية في اختيار العاملين بالقطاع الصريبي بشكل عام، والعاملين بقطاع الضرائب المباشر بشكل خاص. كما يتسم القطاع الضريبي في مصر بغياب العدالة، من خلال النظر إلى هيكله، فضريبة المرتبات مثلًا في اتجاه صعودي، لأنها تخصم من المنبع، سواء من القطاع الخاص أو القطاع العام، في حين أن الضرائب على المهن الحرة، تعد من أضعف القطاعات من حيث قيمة التحصيل، وهي شريحة تضم مثلًا الأطباء والمهندسين والمحامين أصحاب الأعمال الخاصة، أو المكاتب الاستشارية، وكذلك الفنانين ولاعبي الكرة، وكذلك الضرائب على القطاعين التجاري والصناعي في الشركات غير المساهمة. وحتى الشركات المساهمة، فما يزال قطاعا قناة السويس والهيئة العام للبترول، يمثلان أبرز دافعي الضرائب، مقارنة بالشركات المساهمة للقطاع الخاص.

تعد قضية البطالة من أعقد القضايا الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي، فهي من القضايا المزمنة، لأسباب كثيرة، من أهمها السياسة الخاطئة للتوظيف في مصر، منذ عقود ما بعد ثورة 1952، حيث كانت الحكومة هي رب العمل الأكبر، وعندما قررت مصر ترك هذه السياسة، لصالح القطاع الخاص، في منتصف سبعينيات القرن العشرين، أو بعد برنامج الاصلاح الاقتصادي في عام 1991/1992، لم يكن القطاع الخاص قادرًا على القيام بدور استيعاب تدفق اليد العاملة الجديدة لسوق العمل في كل عام. وهو ما أدى إلى وصول شريحة العاملين في مصر بالسوق غير المنظم لنحو نسبة 42 بالمئة من المشتغلين.

أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، تشير إلى أن نسبة البطالة من قوة العمل في مصر خلال الفترة من 2014/2015 – 2019/2020 انخفضت إلى 10.4 بالمئة بعد أن كانت بحدود 13.11 بالمئة قي عام 2014/2015، وإن كانت بيانات الحكومة المصرية تشير إلى وصول معدلات البطالة إلى نحو 7.5 بالمئة.. ولكن ثمّة قضايا مهمة في ملف قضية البطالة بمصر، ومن أربزها منهجية احتساب المشتغلين، فالجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء، يبين أن المنهجية المتبعة في المسوح التي يجريها بشكل دوري لتحديد نسب البطالة، تعتمد على أن من يعمل لمدة ساعة في الأسبوع يُعد من المشتغلين. ولنا أن نتخيل هذا في مجتمع لا تتوفر فيه أبسط مظاهر الحماية الاجتماعية، حيث لا تدفع إعانات بطالة للعاطلين، أو لا تتوفر سبل الحماية عبر التأمين الصحي أو الاجتماعي لشريحة كبيرة من العاملين بمصر، وحتى داخل القطاع الخاص المنظم، كثيرًا ما يتم الالتفاف على القوانين، من أجل الهروب من دفع أرباب الأعمال لحصص التأمين الاجتماعي للعاملين.

ومن أهم أسباب قضية البطالة في مصر، عدم ملائمة خريجي المؤسسات التعليمية لاحتياجات سوق العمل، فكثير من خريجي تلك المؤسسة، سواء كانت جامعية أو غير جامعية، غير مؤهلين للالتحاق بسوق العمل، سواء من حيث التدريب، أو التخصص، فما يزال خريجو الكليات النظرية هم الكثرة، في حين أن السوق يحتاج إلى فنيّين، أو يد عاملة ماهرة. وحتى الجامعات الخاصة، التي كان يُرجى منها أن تتلافى أخطاء مؤسسات التعليم الحكومية، سارت على نفس الدرب، فأنشأت نفس الكلية النظرية، التي تخرج طلابًا غير مؤهلين لسوق العمل.

وثمّة أمر أكثر أهمية، يرتبط باستمرار قضية البطالة في مصر، وهو ضعف الاستثمارات المحلية (العامة والخاصة) مقارنة بمتطلبات الاستثمار اللازمة لاستيعاب نحو من 800 ألف – مليون فرد سنويًّا يدخلون لسوق العمل، فهذا العدد من الداخلين الجدد لسوق العمل، يتطلب معدلًا للنمو الاقتصادي لا يقل عن 7 بالمئة في الناتج المحلي، وهو ما يستلزم وجود معدل استثمار لا يقل عن 35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

للتضخم في مصر أسباب عدة، منها ما هو محلي، ومنها ما هو خارجي، فعلى الصعيد الداخلي، فإن البنك المركزي لم يتوقف عن طباعة النقود على مدار السنوات الـ 11 الماضية، وبخاصة بعد انقلاب يوليو 2013، ويُعد هذا أبرز أبواب ارتفاع معدلات التضخم، كما كان للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة فيما بعد عام 2014، النصيب الأوفر في رفع معدلات التضخم، مثل قرار تخفيض قيمة العملة المصرية، وكذلك رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات العامة، ورفع سعر الفائدة بالجهاز المصري، مما ساعد على أن تكون عوامل زيادة التضخم آتية من جانبيْ العرض والطلب.

ومن أبرز غياب مظاهر الحماية والعدالة الاجتماعية عدم وجود علاقة بين الأجور والأسعار في مصر، وغياب التمثيل العادل والمؤثر في المجلس القومي للأجور، فمن المفترض أن يضم المجلس ممثلين عن النقابات العمالية وأرباب الأعمال من القطاعين العام والخاص بجانب التمثيل الحكومي، ولكن الواقع أن القرارات تصدر في إطار سياسي، بعيدًا عن متطلبات تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار.. ولقد لاحظنا خلال الفترة القريبة جدًّا، وبخاصة نهاية عام 2021 وبداية 2022، عندما أعلنت الحكومة بأنها ستلزم القطاع الخاص المنظم، برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2400 جنيه، أن قطاعات عدة تطلب استثنائها من هذا القرار، بحجة إضعاف موقفها التنافسي في السوق المحلي، وأن هذا القرار سوف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاجها من السلع والخدمات، مقارنة بالسلع الأجنبية، سواء المصدرة أو المستوردة، ومن هذه القطاعات، قطاع الدواء، والنسيج، والأمن والحراسة، والمنشآت السياحية.

أما عن الأسباب الخارجية للتضخم، فعلى رأسها استمرار العجز بنسبة كبيرة في الميزان التجاري لمصر، ففي الوقت الذي تبلغ فيه الصادرات السلعية، 28 مليار دولار، نجد أن الواردات السلعية تجاوزت الـ 70 مليار دولار، وليس هذا فحسب، بل يساعد هذا الوضع في أن تكون مصر عرضة للتقلبات في السوق الدولية، مما يؤثر على أداء الاقتصاد المصري بشكل مباشر، ومن بينها ظاهرة التضخم المستورد. ونحن نعلم الآن، ما تمر بها أسعار السلع الغذائية والنفط، وللأسف مصر ما زالت تعد دولة مستوردة لهاتين السلعتين الإستراتيجيتين. وإذا سلمنا بصحة الأرقام المعلنة من قبل الحكومة عن معدلات التضخم، عند نسبة 8 – 9 بالمئة، فإن ذلك أتى بعد موجة تضخمية عالية، بدأت في النصف الأول من عام 2017، وانتهت في النصف الثاني منه، وهذا طبيعي لأن الموجة التضخمية، عادة ما تستغرق نحو 6 أشهر، حتى تستقر، ما لم تكن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى استمرارها.. وفي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة تراجع معدلات التضخم يشكو المواطن دائمًا من ارتفاع الأسعار.

المحور الثاني: تقويم سياسات الحكومة لمواجهة المشكلات السابقة

تتجه الحكومة لمزيد من الخروج من سوق العمل، عبر تقليض أعداد العاملين بالحكومة والقطاع الخاص، ولعل ما تمّ في سياسة تصفية شركات قطاع الأعمال العام، خير دليل، حيث تمّت تصفية شركتيْ “الحديد والصلب” و”القومية للأسمنت”، دون التفكير في تدبير فرص عمل بديلة لعمّالها الذين تقترب أعدادهم من نحو 10 آلاف عامل، كما لم يتم تأهيلهم لسوق العمل للالتحاق بوظائف جديدة، أو توجيههم للمشروعات الصغيرة، للاستفادة مما يحصلون عليه من مكافآت إنهاء أعمالهم. فضلًا عن أن الحكومة لا تمتلك علاقة قوية مع القطاع الخاص المنظم لاستيعاب العمالة الجديدة، أو المتعطلين القدامي، وهو ما يعكس غياب إستراتيجية لسوق العمل في مصر.

ولعل السوق غير المنظم للعمل في مصر، هو المتنفس، الذي يريح الحكومة من التزاماتها تجاه المجتمع في هذه القضية الحساسة.

كما أنه من أبواب تخفيف العبء عن الحكومة في هذه القضية، الهجرة للخارج، سواء كانت هجرة شرعية أو غير شرعية، حيث بلغ عدد المهاجرين المصريين في 2018 لنحو 10.4 مليون مهاجر، بعد أن كان بحدود 6 ملايين مهاجر في عام 2013.

وفي حالة استقرار الوضع السياسي في ليبيا، واتخاذ خطوات جادة لإعادة الإعمار، فسيكون ذلك متنفس لاستيعاب أعداد كبيرة من العمالة المصرية، وبخاصّة العمالة غير الماهرة، أو تلك التي تعمل في قطاع التشييد والبناء.. وقد يكون الشيء نفسه متحققًا في حالة استقرار الوضع في السودان، والبدء في تنفيذ مشروعات للبنية الأساسية، ولكن في كلتا الحالتين، وغيرهما من أبواب استيعاب العمالة المصرية، فإن ذلك يتم بعيدًا عن أي خطط أو التزامات حكومية، فالأفراد هم من يتخذون قراراتهم بالهجرة والعمل بالخارج، ويتحملون تبعات هذه القرارات.. ولقد طالعنا مؤخرًا ما قامت به الحكومة الليبية من إبرام عقود لاستقدام عمالة مصرية، مع شركات توظيف العمالة، دون المرور أو مشاركة الحكومة المصرية.

وعلى الرغم من وضوح الأسباب التي أدّت إلى تفاقم مشكلة البطالة، إلا أن الحكومة تعتمد على العشوائية، أو نستطيع القول بأنها ترفع يدها تمامًا، فمؤسسات التعليم، على الرغم من توسع مساهمة القطاع الخاص في مجال التعليم، مازالت تمارس نشاطها بعيدًا عن أي ربط باحتياجات سوق العمل. وإن وجدت مصر متنفسًا لدى دول الجوار، أو دول أخرى لاستيعاب تدفق اليد العاملة المصرية سنويًّا، إلا أن التجربة التاريخية، تشير إلى تكرار هذا الأمر مرات عدة، ثم تحدث تطورات سلبية تؤدي إلى عودة تلك العمالة، دون أن يكون هناك مخطط من قبل الحكومة لمواجهة الأزمة.

لا تملك الحكومة في مصر ترف ثبات الضرائب عند معدلاتها الحالية، أو التفكير في تخفيضها، وذلك بسبب الضغوط المستمرة، التي تفرضها أوضاع الموازنة العامة للدولة، وكذلك الإدارة غير الرشيدة من قبل الحكومة للأوضاع الاقتصادية.

فالعجز في الموازنة العامة للدولة، في متوالية مستمرة، بسبب الحلقة المغلقة، من التوسع في الديون العامة (المحلية والخارجية)، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء من أقساط وفوائد، ثم ما يترتب على ذلك من زيادة العجز، وذلك في ظل غياب آلية حقيقية لمعالجة معضلة الدين العام في مصر، بخلاف سياسة تدوير القروض، أو عملية تغير آجال الديون، من ديون قصيرة إلى ديون متوسطة وطويلة المدى.

واللجوء للضرائب هو الوسيلة السهلة، التي تتبعها الحكومة، من أجل استرضاء المؤسسات الدولية، والتي تنظر لكل إيراد للموازنة على أنه إجراء ناجح بغض النظر عن تبعاته الاقتصادية والاجتماعية، كما ستتوسع الحكومة في فرض المزيد من الرسوم، بشكل مضطرد، لتغطية أعباء الديون المزايدة، وبخاصة أن الحكومة لا تحسن توظيف ما تحصل عليه من ديون، حيث يتم توجيه هذه الديون، إما للإنفاق الجاري، أو لمشروعات لا تدر عائد يمكّن من سداد الأعباء المترتبة على هذه الديون.

ستكون آلية الحكومة في الاستمرار في سياستها من زيادة الضرائب، وكذلك الرسوم، العصا الأمنية الغليظة، وكذلك مجلس النواب، الذي يُعد أداة الحكومة في تنفيذ كافة سياساتها وبرامجها الاقتصادية.

كما ذكرنا من قبل فإن التضخم والبطالة هما ضمن مجموعة الأعراض للمرض الاقتصادي الرئيس في مصر، وهو هشاشة الناتج المحلي الإجمالي، وأن مصر لا تنتج بالشكل الكافي، لتوفير متطلبتها كدولة ذات عدد سكان كبير، أو لمتطلباتها كدولة توصف بأنها قوة إقليمية، فالسياسات المتبعة، هي عبارة عن مسكنات، وليست حلول جذرية.

ففي مجال البطالة، تعتمد الدولة على التوسع في قطاع البناء والتشييد، وهو إن كان حلًّا جزئيًّا في الأجل القصير، إلا أنه لا يوفر الاستمرارية للوظائف، فضلًا عن قيمته المضافة الضعيفة بالنسبة للاقتصاد.

المحور الثالث: قدرة النظام على توفير الحماية الاجتماعية

الملاحظ أن الدولة تتجه بشكل كبير إلى التخلي عن دورها الاجتماعي، سواء في سوق العمل، من خلال تراجع العاملين بالحكومة والقطاع العام، والتوقف عن تعينات جديدة، حتى ولو في إطار إحلال لمن يخرجون للمعاش، أو من خلال التخفف في الدعم السلعي والخدمي، بشكل كبير، كما حدث في دعم الوقود والغاز والمياه والكهرباء، ورفع سعر كافة الخدمات التي تؤديها المؤسسات الحكومية، بما فيها التعليم والصحة.

أما ما يتم في مشروعات “تكافل وكرامة”، أو معاش الضمان الاجتماعي، فهو مساهمات شديدة المحدودية، ومنذ تطبيق العمل بها منذ سنوات ما بعد عام 2016، فإنها مازالت ثابتة، ولا تأخذ في الاعتبار هوامش التضخم، فأعلى حصة تأخذها أسرة مكونة من أربعة أفراد من تكافل أو كرامة، هي 450 جنيه فقط، ولا يغيب عن متابعي هذا الأمر، أن هذه المشرعات تمّت من خلال مساعدات وقروض البنك الدولي، وليس بمبادرة ذاتية من الحكومة.

إن جراءة الحكومة في اقتحام ملفات دعم رغيف الخبز، وكذلك حذف العديد من الأسر من بطاقات التموين، يؤشر على زيادة رقعة الفقر في مصر، وإقدام الحكومة على هذه الخطوة، يأتي في إطار إعداد ملفاتها مع المؤسسات المالية الدولية، دون الأخذ في الاعتبار التداعيات السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ولكن الحكومة تعتمد على سيطرتها الأمنية، وعصاها الغليطة. أما مسألة مدى تحمل المواطنين لهذا الأمر، وقدرتهم على إحداث حالة من الغضب والانفجار الشعبي، فهي واردة، ولكن متى وأين، فهذا غير معلوم على وجه الدقة؟

المحور الرابع: نقاط القوة والضعف في هيكل الاقتصاد المصري

  1. نقاط القوة
  1. نقاط الضعف
  1. الفرص
  1. التهديدات

خاتمة

يمكن تلخيص الوضع الاقتصادي في مصر، واقعًا ومسقبلًا، في أن ثمّة عقد اجتماعي جديد، ومعادلة اجتماعية جديدة تشهدهما مصر، قوام الظاهرتين، هو تمكين المؤسسة العسكرية، من مقومات ومفاصل الاقتصاد، وأن أية تداعيات سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، يمكن التعامل معها من خلال عصا الأمن، من قبل الشرطة، فإن لم يكن من قبل الجيش، ويظهر هذا بوضوع من خلال تصريحات السيسي غير مرة “أنزل الجيش”.

أما على الصعيد الخارجي، فهو حرص المؤسسة العسكرية والسيسي شخصيًّا على القيام بدور شرطي المنطقة، ولكن هذه المرة بدواعي مالية، أكثر منها تتعلق بالنواحي الخاصة بالأمن القومي، أو مكانة مصر الإقليمية.

وأما الخطاب الاقتصادي للحكومة، عن تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية، فهو خطاب إعلامي ليس أكثر، حتى وإن حدث بالفعل تحسن في بعض المؤشرات النقدية والمالية، إلا أن الاقتصاد المصري، مازال غارقًا في معاناته الأزلية، ولم يقترب أحد من حلول جذرية لهذه المعاناة عبر مظاهرها المختلفة، وأسبابها الجذرية.

Exit mobile version