المحتويات
مقدمة
المحور الأول: الداخل المصري
- الأمن
- الإعلام
- الشارع
- القوى السياسية
المحور الثاني: الموقف الإقليمي
- تركيا
- قطر
- السعودية والإمارات
- دولة الاحتلال الإسرائيلي
المحور الثالث: الموقف الدولي
- موقف الولايات المتحدة
- موقف الاتحاد الأوروبي
الخلاصات
مقدمة
خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، انتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى التظاهر ضد النظام المصري، وعلى رأسه قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي. ومع مرور الوقت، اتسعت دائرة تلك الدعوات، فمع نهاية شهر أكتوبر، وبداية نوفمبر، باتت دعوات التظاهر معروفة لجميع شرائح الشعب تقريبًا، ويتضح ذلك من حجم التفاعل معها على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان هذا التفاعل داعمًا، أم محذرًا.
وهدفت الدعوات – حسبما هو معلن- إلى تغيير جوهري في بنية النظام، سواء برحيله ككل، أم برحيل رأسه. بمعنى أن دعوات التظاهر لا تهدف إلى إجبار الحكومة على اتباع سياسات معينة في الاقتصاد أو أي ملف آخر، بل إن هدفها يتجاوز ذلك. ورغم هذا، يصعب الجزم بالهدف من تلك التظاهرات على وجه التحديد، ما إذا كانت تستهدف شخص السيسي، أم النظام ككل.[1] وربما يعود ذلك إلى عدم وجود كيانات سياسية تقف خلف تلك التظاهرات وتدعو لها، إذ أن الدعوات تركزت بشكل أساسي على مواقع التواصل الاجتماعي، من بعض الناشطين، أو اليوتيوبرز، ولم تصدر من جهات سياسية محددة.
وتبرز أهمية مراجعة منهجية قراءة المشهد السياسي في هكذا أحداث سياسية بعيدًا عن التفكير بالتمني وعدم حسن تقدير الموقف بناءًا على معطيات واقعية منطقية. لذا، نحاول في هذه الورقة استعراض المشهد المصري ككل، محاولين فهم واقع النظام المصري على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي. وبناء على هذا الواقع سنورد عدة خلاصات.
المحور الأول: الداخل المصري
نتناول في هذا المحور أصداء دعوات التظاهر في 11/11، على أربعة محاور، الأمن، والإعلام، والقوى السياسية، والشارع.
الأمن
على العكس مما بدا من تراخٍ أمني خلال تظاهرات عام 2020، فإن هناك تحركات أمنية محمومة منذ أكثر من شهر، لاستباق التظاهرات، تجلت في اعتقال المئات من منازلهم، منهم أفراد من أسر بعض الإعلاميين والمعارضين بالخارج. كما انتشرت الأكمنة الأمنية في أنحاء القاهرة والجيزة، فضلًا عن حملات التفتيش العشوائي على الهواتف المحمولة في الشوارع. وهذا إن دل فإنما يدل على معرفة السلطة لحالة الغليان الشعبي الموجودة، وعزمها على التعامل معها من منظور أمني بشكل أساسي، هذا علاوة على التماسك الداخلي لأجهزة النظام في مواجهة المظاهرات المرتقبة.
فعلى العكس من ذلك، كان هناك تراخٍ أمني خلال التظاهرات التي حدثت قبل نحو سنتين، إذ تباطأت قوات الأمن حينها في التصدي للمتظاهرين، ما فُسر على أنه ناتج عن خلافات داخل النظام. أما الآن، فقد استبقت السلطة تلك التظاهرات على المستوى الأمني والإعلامي، ما يعكس تماسك جبهتها الداخلية، فضلًا عن خوفها من الغضب الشعبي بطبيعة الحال.
في هذا السياق، قالت “المفوضية المصرية للحقوق والحريات”، إن نيابة أمن الدولة العليا تحقق بشكل يومي مع أفراد مقبوض عليهم بسبب دعوات التظاهر المعروفة بـ”11/11″، وتصدر قرارات بحبسهم احتياطيًا لمدة 15 يومًا، بعد إدراج أسمائهم في قضيتين جديدتين تحت الاتهامات نفسها، وهي: “نشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية لتحقيق أغراضها”.[2]
كما أصدرت حركة “الاشتراكيين الثوريين” بيانًا قالت فيه إن النظام “شن في الأيام الأخيرة حملة اعتقالات في الشوارع، وتفتيش عشوائي للهواتف بحثًا عن أي إشارة لكي يملأ أماكن الاحتجاز بالمزيد من المعتقلين. ولعل من الملاحظ مؤخرًا التوقيف العشوائي للمارة في الأحياء ببعض المحافظات، لا سيما العاصمة القاهرة، واحتجاز العشرات منهم إلى حين اتخاذ قرار بشأنهم، إما بإطلاق سراحهم أو تحويلهم إلى قسم الشرطة التابعين له”.[3]
وذكرت تقارير أن قوات الأمن حذرت أصحاب المقاهي بالميادين الكبرى من استقبال أعداد كبيرة، أو إبقائها مفتوحة لما بعد الساعة 10 مساءً، هذا فضلًا عن تأجيل مباريات الدوري العام المصري لكرة القدم لمدة 3 أسابيع، رغم أن المباريات في الأساس تُعقد بدون جمهور، لكن يبدو أن النظام يخشى من تجمعات المقاهي. أضف إلى ذلك، تأجيل حفل للمطرب، محمد منير، الذي كان محددًا يوم 11/11 في الإسكندرية.
إذن، فإن النظام تعامل مع دعوات التظاهر بشكل جدي، انطلاقًا من قلقه أن تتحول لانتفاضة جماهيرية واسعة يصعب السيطرة عليها، لذلك حاول استباقها والسيطرة عليها قبل بدئها، عبر استخدام البطش الأمني والترهيب.
الإعلام
وكما تعاملت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بجدية مع دعوات 11/11، فإن النوافذ الإعلامية للنظام عملت على مهاجمة الدعوات بشكل شبه يومي، محذرين من الفوضى، ومن استغلال أطراف معينة للحراك. كما أن السيسي أدلى عدة خطابات وأجرى مكالمة هاتفية مع أحد البرامج قبيل يوم 11/11، وبلغت مدة هذه المداخلات نحو خمس ساعات، تخللهم تبرير وتحميل الشعب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
وبالتأكيد، فإن في ذلك إشارة على استشعار النظام لخطر التظاهرات، إذ أن هذا العدد من ساعات الخطاب والتبرير لا يصدر إلا ممن يخشى المحاسبة وتحمل مسؤولية الكوارث السابقة. لكنه يدل في الوقت نفسه على عزم السيسي على المواجهة، إذ أنه لم يذكر شيئًا في خطاباته يعترف فيه بخطئه في أي مجال من المجالات، بل جل ما قاله كان يصب في لوم الشعب على عدم التحمل، كما حذر مرارًا – ضمنًا وصراحة- من الفوضى حال نزول الشعب للشوارع.
كذلك فإن اتخاذ السيسي قرارًا كتعويم العملة مرة أخرى، وسط هذه الأزمة الإقتصادية ودعوات 11/11، يؤكد على أنه سيواجه أي تحرك ضده، ولن يستسلم لدعوات الإطاحة به بسهولة. إذ أنه من المؤكد أن يؤثر قرار التعويم على شرائح واسعة من الشعب، نظرًا لما يصاحبه من ارتفاع أسعار، ورغم ذلك مضى السيسي في قراره، وسط هذا الاحتقان الشعبي.
الشارع
وصلت دعوات التظاهر في 11/11 إلى الشارع بشكل حقيقي، وأحدث ضجة في أوساط الشعب المصري، خصوصًا الفئات الفقيرة، التي لا تهتم بالتفاصيل السياسية عادة. وهذا ما أكدته إحدى المحاميات التي تحضر جلسات نيابة أمن الدولة مع المعتقلين الجدد، إذ تقول: “الحقيقة أن عدد المعتقلين المعروضين على نيابة أمن الدولة مؤخرًا ليس قليلًا، ولكن التركيبة مختلفة. حيث إن أغلب المقبوض عليهم من المواطنين البسطاء، وليسوا ناشطين أو مهتمين بالشأن العام. كما أن هناك عددًا من المعتقلين القصر وكبار السن، والمعتقلين من المحافظات عددهم ليس قليلًا”.[4]
علاوة على هذا، وبنظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر يتبين حجم الاحتقان الشعبي تجاه السيسي، كما توضح زيادة حجم الانتقادات المباشرة لشخص السيسي من الأجيال الأصغر سنًا، ومن شرائح غير مهتمة في الأساس بالشأن السياسي. فقد انشرت الوسوم الداعية للتظاهر بشكل كبير، كما انتشرت صور ساخرة من السيسي، وعليها تعليقات عشرات الآلاف الذين يبدون غضبهم أو سخريتهم من السيسي وسياساته الاقتصادية على وجه الخصوص.[5]
هذا الجو العام، يدلل على أن هناك حالة من الغليان الشعبي، ربما لو وجدت الظروف المناسبة دوليًا وإقليميًا ومحليًا لأحدثت فارقًا في المشهد السياسي.
القوى السياسية
كما ذكرنا في البداية، فإن هدف المظاهرات بالتحديد غير واضح تمامًا، هل هو الإطاحة بالنظام ككل أم التركيز على شخص السيسي فقط؟ وربما السبب في ذلك أن دعوات التظاهر لم تصدر من كيانات سياسية، بقدر ما صدرت من إعلاميين، ويوتيوبرز.
فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين على لسان المتحدث باسمها، د. طلعت فهمي، أن “الشعب المصري إذا قرر النزول، فإنها لن تخذله وستكون معه، لكنها لن تتقدم على الشعب، ولن تتأخر عنه”، ما يعني أن موقف جماعة الإخوان ليس الدعوة أو المشاركة في تنظيم هذه التظاهرات، إلا أنها كانت ستشارك إذا خرجت أعداد معتبرة إلى الشوارع.[6]
كذلك أعلنت حركة 6 إبريل عدم مشاركتها في التظاهرات المتوقعة، وأصدرت بيانًا جاء فيه: “نؤكد أنه بالرغم من معاناتنا الشخصية كأفراد من استمرار حبس الكثير من زملائنا مثل محمد عادل، وإمام فؤاد، وأحمد دومة، والناشط السياسي علاء عبد الفتاح المضرب عن الطعام والشراب حاليًا، إلا أن الوطن يحتاج إلى الخروج من النفق في ظل أزمته الحالية”.[7]
وأضافت: “حرية وأمن المصريين يعنيان لنا الكثير، لذلك تعلن الحركة عدم مشاركتها في أي تظاهرات محتملة، وتدعو النظام السياسي إلى فتح المجال العام، وتضافر الجهود من أجل تقريب وجهات النظر، وإنهاء ملف المسجونين على ذمة قضايا الرأي. وكذلك مراجعة كافة السياسات الاقتصادية والأمنية التي ساهمت في حالة الاحتقان”.
وبطبيعة الحال، فإن الأحزاب والجبهات المنخرطة فيما يُسمى “الحوار الوطني” لن تشارك في التظاهرات، فضلًا عن أن تكون رافعة سياسية لها. وعلى هذا، فإن الغضب الشعبي الواسع لا يقابله غطاء سياسي أو قيادة توجه تلك التظاهرات.
المحور الثاني: الموقف الإقليمي
منذ نحو عِقد من الزمان، تشهد منطقة الشرق الأوسط زيادة في تأثير الفواعل الإقليميين، وتراجع في تأثير القوى الدولية. ظهر ذلك في حالة الاصطفاف التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية. فمن ناحية، توجد تركيا وقطر كداعمين لمشروع الانتقال الديمقراطي، وفي الجانب الآخر، توجد الإمارات والسعودية و”إسرائيل” بالإضافة إلى نظام السيسي، كجهات تمثل الثورات المضادة في الإقليم.
بناء على هذا، فمن الأهمية بمكان استعراض مواقف الدول الإقليمية سواء الداعمة أم المعارضة لثورات الربيع العربي، كي يتسنى لنا استشراف سياستها تجاه نظام السيسي في الوقت الحالي.
تركيا
بعد سنوات من التصعيد، دخلت المنطقة حالة من التهدئة والحوار، منذ 2020، وقبيل إعلان فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة. وبالطبع لكل دولة أسبابها التي دفعتها للتهدئة.
وفيما يخص تركيا، فإن هناك عدة أسباب دفعتها للسير في هذا المسار، منها التركيز على حل خلافها مع اليونان حول ترسيم الحدود البحرية في بحري المتوسط وإيجة، وفي هذا المسار، فتحت تركيا الباب، بل وسعت للتواصل مع النظام المصري، والتفاوض على توقيع اتفاقية لترسيم الحدود بين الطرفين، كما حاولت التهدئة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، للسبب ذاته بشكل رئيسي.
لكن ربما يكون السبب الأهم في تلك الفترة على وجه الخصوص، هو قرب موعد الانتخابات العامة في تركيا، رئاسية وبرلمانية، والتي من المفترض أن تُعقد في 18 يونيو/ حزيران 2023. إذ تحوز تلك الانتخابات أهمية خاصة بالنسبة للقيادة التركية، منها رمزية هذه الانتخابات التي تأتي في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، ومنها أنها تأتي في وقت انخفضت فيه شعبية الحزب الحاكم بشكل أو بآخر، حتى وقف استطلاعات الرأي من المؤسسات المؤيدة للحزب. هذا علاوة على أنها سيرتب عليها تغييرًا في سياسات الدولة داخليًا وخارجيًا إذا أخفق الحزب الحاكم في تلك الانتخابات. وعلى هذا، فإن على رأس أولويات القيادة التركية حاليًا أن تُحافظ على حالة التهدئة الإقليمية.
أضف إلى ذلك أن المعارضة التركية لطالما هاجمت حزب العدالة والتنمية – خصوصًا خلال السنتين الماضيتين- من باب أنه تسبب بتفويت مصالح للدولة التركية، بسبب سياساته ضد النظام المصري الانقلابي.[8] وهذا أيضًا سبب آخر وراء تمسك الإدارة التركية بمسار التقارب مع القاهرة، إذ يحاول الحزب الحاكم سحب تلك الورقة من يد المعارضة قبل الانتخابات التي توصف بـ”المصيرية”.
ورغم تباطؤ مسار التطبيع المصري-التركي، إلا أن تركيا أعلنت مرارًا تمسكها به. فبعد تصريحات وزير خارجية الانقلاب، سامح شكري، أن المحادثات توقفت مع تركيا بسبب عدم تغيير سياستها في بعض الملفات، منها ليبيا، صرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قائلًا: “لسنا السبب في تباطؤ عملية التطبيع مع مصر، والاتفاقيات مع ليبيا ليست ضدها”. وأضاف: “من وجهة نظرنا، لا توجد مشكلة مع مصر، ونحن نعلم بأنها دولة مهمة للعالم العربي وأفريقيا، وللبحر الأبيض المتوسط”، مشددًا على أن التعاون بين تركيا ومصر سيكون له تداعيات إيجابية على المنطقة، ومؤكدًا أن بلاده صادقة في تطبيع العلاقات معها.[9]
وربما ما يؤكد إستمرار تركيا في مسار التقارب هو عدم سماحها بمساحة يمكن من خلالها أن تدعو المعارضة المصرية المتواجدة على أراضيها للتظاهر ضد السيسي، أو تهديد نظام حكمه بشكل مباشر. وقد اتخذت أجهزة الدولة التركية بعض الخطوات في هذا السياق مؤخرا، فيما يخص دعوات 11/11.
وعلى هذا، فإن تركيا – أحد الدول الداعمة لمسار التغيير والتحول الديمقراطي- لديها أجندة داخلية مهمة تمنعها من اتخاذ أي خطوات ضد نظام السيسي، كما أن سياستها الحالية تهدف للتهدئة، بسبب المصالح الجيوسياسية التي تربطها بالنظام المصري شرقي المتوسط.
قطر
منذ بيان العلا، الموقع في يناير/ كانون الثاني 2021، والذي أنهى حصار قطر، تتخذ السياسة القطرية منحى تصالحيًا مع محيطها الخليجي ومصر. وقد بدا ذلك في اللقاءات والاتفاقات التي عُقدت بعد توقيع البيان. لكن ربما يكون الملف الأهم حاليًا بالنسبة للدوحة، والذي يفرض نفسه على سياستها الداخلية والخارجية، هو ملف تنظيم كأس العالم 2022، الذي تُحَضر له قطر منذ نحو عِقد من الزمان.
في هذا السياق، تحاول قطر أن تمر البطولة بسلام، وأن تحقق نجاحًا في تنظيمها، لذلك لا تسعى الدوحة لإثارة أي خلافات من شأنها تعيد حالة الاستقطاب التي كانت موجودة قبل توقيع بيان العلا. وتحاول قطر في هذا المسار نزع فتيل أي أزمة قد تشتتها عن هدفها الأهم في الوقت الحالي.
وفي السياق المصري، ظهر ذلك في استضافة أمير قطر، تميم بن حمد، للسيسي، في الدوحة، للمرة الأولى منذ الانقلاب عام 2013. كما ظهر في الدعم المالي الذي قدمته قطر للاقتصاد المصري المتعثر، والذي كان آخره في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، على هامش قمة المناخ المنعقدة بمصر.
إذ أودع صندوق الثروة السيادية القطري، نحو مليار دولار لدى البنك المركزي المصري. وذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية أن قطر قريبة من عقد صفقة للاستحواذ على حصة حكومية في بعض الشركات الكبرى في مصر. وأعلن المتحدث باسم السيسي، أن السيسي وأمير قطر، شهدا التوقيع على مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية، وجهاز قطر للاستثمار، ومذكرة تفاهم في مجال الشئون الاجتماعية بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التنمية الاجتماعية القطرية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ بين مصر وقطر.[10]
وعلى هذا، يمكن القول إن الموقف القطري مشابه للموقف التركي، رغم اختلاف الدوافع. ما يعني أن الداعمين الإقليميين غير مستعدين لدعم أي حراك داع لتغيير النظام المصري في الوقت الحالي.
السعودية والإمارات
تتردد الأنباء خلال الفترة الماضية عن توقف السعودية والإمارات عن دعم النظام المصري، بسبب استنزافه لهم ماليًا، وعدم قدرته على الاكتفاء بموارده طيلة 9 سنوات، هي عمر الانقلاب. لكن يبدو أن تلك الأنباء ليست دقيقة بشكل أو بآخر، فما زالت الدولتان الخليجيتان تقدمان دعمها للنظام المصري.
لكن ما يمكن القول إن الذي تغير هو طريقة الدعم وليس الدعم كمبدأ في الأساس. ففي السابق، كان الدعم الخليجي يصل السيسي في شكل ودائع بنكية أو ما شابه ذلك، لكن أصبح الدعم حاليًا بمقابل، بمعنى أن تدعم تلك الدول السيسي بالمال، مقابل شراء أصول وأسهم في شركات ومؤسسات حكومية مصرية.
من ذلك ما نشرته وكالة “بلومبيرغ” – نقلًا عن مصادر مطلعة- من أن صندوق الثروة السيادي في أبوظبي اتفق مع نظام السيسي على استثمار حوالي ملياري دولار عن طريق شراء حصص أصول مملوكة للدولة في بعض الشركات، بما في ذلك أكبر بنك خاص مدرج في البورصة المصرية. وتشمل الصفقة، بحسب مصادر خاصة للوكالة، شراء حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات والبنوك، منها 18 بالمئة من البنك التجاري الدولي إلى جانب حصص حكومية في أربع شركات مدرجة بالبورصة، من بينها “فوري للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع”.[11]
كما أكدت مصادر لمواقع إخبارية أن القاهرة “تلقت ردودًا سلبية من كل من السعودية والإمارات بشأن المطلب الخاص بتقديم ودائع، مؤكدين استعدادهما للانخراط الجاد في أي مفاوضات بشأن استحواذات جديدة تطرحها القاهرة”.[12]
وعلى هذا، فإنه من الصعب القول إن الخليج تخلى عن النظام المصري، ذلك أن الطرفين تربطهما علاقة استراتيجية، يدعم فيها الخليج السيسي، مقابل عرقلة أي تحول ديمقراطي في البلاد. ولكن بات الخليج ينظر بشكل أكثر نفعية لتلك العلاقة من الناحية الاقتصادية، بحيث يحقق مصالح على الجانب الاقتصادي أيضًا، في الوقت الذي يساعد فيه النظام المصري للخروج من أزمته.
دولة الاحتلال الإسرائيلي
تمثل دولة الاحتلال الإسرائيلي حجر عثرة أمام مشاريع التحول الديمقراطي في المنطقة، إذ كانت رأس حربة في مشروع الثورات المضادة الذي شهده الإقليم، وبالأخص في مصر. وتعتبر دولة الاحتلال أن قيام ديمقراطية عربية بجانبها من شأنه أن يهددها على المستوى الأمني والسياسي. ولذلك، فقد وقفت بشكل واضح ضد الثورة في مصر، ومارست ضغوطًا على الولايات المتحدة إبان انقلاب السيسي، ومهدت لقبول السيسي عالميًا بعد الانقلاب.
وقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، هذه الجهود، وهو اليوم يعود مرة أخرى إلى منصب رئاسة الوزراء، بعد أن فقده نحو عام ونيف. إذ فاز الائتلاف اليميني المتطرف – بقيادة نتنياهو- في الانتخابات الإسرائيلية مؤخرًا، وعلى هذا، فمن المرجح أن يُعلن عن نتنياهو رسميًا رئيسًا لمجلس الوزراء، في غضون أسابيع، وربما أيام.
وتُعد عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء عاملًا إضافيًا يؤكد أن الوضع الإقليمي غير مواتٍ، لأي تغيير جوهري يطرأ على بنية النظام في مصر. ففضلًا عن رفض السلطات في الاحتلال لأي حراك ثوري في مصر، فإن “نتنياهو” كشخص يعد من أكبر داعمي السيسي في المنطقة، وقد كشف المسؤول الصهيوني أنه التقى بالسيسي عدة مرات عندما شغل السيسي منصب وزير الدفاع.
وأكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية على هذا مؤخرًا، إذ قالت “إن زعيم النظام المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، الجديد – القديم، بنيامين نتنياهو، يعرفون بعضهم البعض جيدًا؛ فقد التقيا منذ أن تولى الأول منصب رئيس المخابرات العسكرية ومنصب وزير الدفاع قبل نحو عقد، وقال السيسي مؤخرًا: “لي كيمياء مع نتنياهو”، أما نظيره الإسرائيلي فرد له المجاملة قائلًا: “السيسي صديق عزيز، يفهم الأمور، وفي لقاءاتي معه فوجئت بحكمته، وبذكائه وبشجاعته”، وفق زعمه.[13]
المحور الثالث: الموقف الدولي
يُعد الموقف الدولي أحد العوامل المهمة في أي حراك يهدف إلى تغيير سياسي، ذلك أن الدول العظمى تراقب أو تتفاعل مع الموقف، وفقًا لمصالحها. وعلى ذلك، فمن المهم في سياق الحديث عن مصر، استعراض موقف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من نظام السيسي، واحتمالية دعمهم لأي تحرك شعبي ضد السيسي.
موقف الولايات المتحدة
الملف الحقوقي:
مع وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض عاد ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان مرة أخرى إلى ساحة العلاقات المصرية-الأمريكية، بعد أن توارى الحديث في هذا الباب طيلة فترة الرئيس، دونالد ترامب. وبالفعل، مارست إدارة بايدن بعض الضغوط على النظام الانقلابي، ونتج عن ذلك إفراج النظام عن بعض المعتقلين، ومحاولة إظهاره الاهتمام – ولو شكليًا- بالحالة السياسية والحقوقية في البلاد، من خلال تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وعقد جلسات للحوار الوطني.
لكن ظل الضغط الأمريكي محدودًا، ومحفوفًا بمخاطرة تدهور العلاقات مع مصر، التي تلعب دورًا تاريخيًا في الحفاظ على الهدوء في المنطقة، وأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي. ثم جاءت جولات التصعيد في 2021، و2022، بين فصائل المقاومة في غزة، ودولة الاحتلال، لتؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه النظام المصري في المنظومة الأمنية الأمريكية في المنطقة.
لذلك، حاولت إدارة بايدن ممارسة بعض الضغوط، التي تُجبر النظام على القيام بإصلاحات ولو محدودة، لكن دون التمادي في هذا المسار، لأهمية دور النظام في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وأمن دولة الاحتلال بوجه أخص. وربما تجلت تلك السياسة في قرار إدارة بايدن مؤخرًا بحجب 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية للعام الثاني على التوالي؛ بسبب “عدم الوفاء بشروط تتعلق بحقوق الإنسان”.[14] وهذه النسبة تمثل 10 بالمئة من مجمل المعونة البالغة المقدرة بـ 1.3 مليار دولار. ما يعني أن الإدارة الأمريكية حاولت فعل الأمرين معًا: التأكيد على استمرارية الشراكة مع مصر، عبر إرسال المعونة السنوية، والتأكيد على أهمية ملف حقوق الإنسان، عبر حجب 10 بالمئة منها.
عدم انسجام سياسات الطرفين:
لكن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست هي الملف الخلافي الوحيد بين القاهرة وواشنطن، فمن الواضح أن هناك بعض التباينات، التي برزت أكثر بعد الحرب الروسية-الأوكرانية. من ذلك، تجاهل نظام السيسي إدانة الغزو الروسي، حتى إن مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي دعوا مصر، في مارس/ آذار 2022، إلى إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وجاء في بيان مشترك لسفراء دول المجموعة والاتحاد الأوروبي بمصر، أن “محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سيكون لها صدى أيضًا على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك مصر”.[15] كما تبنت النوافذ الإعلامية التابعة للنظام الموقف الروسي في جميع تغطيات الحرب الدائرة في أوكرانيا بشكل لا لبس فيه.
علاوة على ذلك، ظهر عدم الانسجام بين السياسات المصرية والأمريكية أيضًا في البيان الذي أصدرته خارجية النظام لدعم السعودية في خلافها مع الولايات المتحدة حول خفض إنتاج النفط. وذكرت الخارجية المصرية، في بيان: “تتابع مصر عن كثب وباهتمام أصداء القرار الذي صدر مؤخرًا عن “أوبك+”، وما أثير حوله من تجاذبات”. وأضافت أنّ “مصر تدعم الموقف الذي عبّرت عنه المملكة العربية السعودية الشقيقة في شرح الاعتبارات الفنية لقرار “أوبك+” باعتباره يهدف في المقام الأول لتحقيق انضباط سوق النفط”.[16]
وفي ظل تعدد الملفات الخلافية بين نظام السيسي والولايات المتحدة، يبرز السؤال: هل تدعم واشنطن الإطاحة بالسيسي؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب الحديث عن عدة نقاط ذات صلة.
عدم وجود بديل مناسب:
كما أشرنا آنفًا، فإنه – بالرغم من الملفات الخلافية- فإن نظام السيسي يحافظ على مصالح واشنطن الحيوية في المنطقة، والتي منها – بطبيعة الحال- أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، وحرية وأمن الملاحة في قناة السويس. والحفاظ على هذه المصالح الحيوية من شأنه أن يجعل الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها قبل دعم أي حراك قد يهدد حكم السيسي بشكل جدي، والدافع في ذلك مصلحي في المقام الأول، وهو الخوف من حدوث فراغ أو فوضى تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.
وربما ما يؤكد عدم تحمس الولايات المتحدة لدعم أي تحرك شعبي ضد السيسي في الوقت الحالي هو عدم وجود قوة سياسية تحظى بدعم غربي، أو على الأقل لها تواصل مع الغرب، فالواقع المشاهد يخبرنا بضعف تواصل العواصم الغربية مع “كيانات” أو “أحزاب” مصرية، يمكن أن تمثل واجهة سياسية معتبرة أو فاعلة.
وبخلاف الواقع الحالي، ففي ثورة 25 يناير 2011، كانت “الجمعية الوطنية للتغيير” تجمعًا سياسيًا مصريًا، يضم طيفًا واسعًا من المجتمع باختلاف مشاربه وتوجهاته. وكانت الجمعية – التي ترأسها د. محمد البرادعي- معروفة لدى القوى الغربية. ما شجع الرئيس، باراك أوباما، على إقناع أركان إدارته (هيلاري كلينتون، وجو بايدن) أن الوقوف بجانب المتظاهرين والدفع باتجاه تنحي مبارك، لن يُخرج الأمور عن السيطرة، ولن يهدد المصالح الأمريكية.
أما الآن، وفي غياب كيان مماثل، لديه القدرة على أن يكون بمثابة واجهة سياسية، أو لديه قناة تواصل فعالة مع الغرب، فإنه من الصعب على الإدارة الأمريكية المجازفة بالتخلي تمامًا عن نظام السيسي وسط تلك الظروف.
استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي:
علاوة على هذا، فإن الولايات المتحدة وفي ظل التنافس المحموم بينها من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر، على تشكيل النظام الدولي، فإنها نأت بنفسها عن اتباع سياسة تغيير النظم. وقد نصت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2022 -والتي ترجمها مركز المسار للدراسات الإنسانية- على ذلك صراحة، في القسم الذي يخص الشرق الأوسط.
وجاء في الاستراتيجية أنه “على مدى العقدين الماضيين، ركزت السياسة الخارجية الأمريكية بشكل رئيسي على التهديدات الصادرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ لجأنا في كثير من الأحيان إلى سياسات ترتكز على القوة العسكرية، وتستند إلى ثقة غير واقعية في استخدامها، وتغيير النُظُم (السياسية) لتحقيق نتائج مستدامة”. وأضافت: “وعلى هذا، حان الوقت لتوجيه خططنا الكلية نحو مزيد من الخطوات العملية، التي من شأنها أن تعزز المصالح الأمريكية، وتساعد شركائنا الإقليميين على إرساء الأسس نحو مزيد من الاستقرار والازدهار والفرص لشعوب الشرق الأوسط، وللشعب الأمريكي”.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد ذكرت الاستراتيجية في أكثر من موضع أن الإدارة الأمريكية تفضل التعاون مع الديمقراطيات، إلا أنها في الوقت الراهن تفتح الباب للتعاون مع كل النظم والدول التي تعترف بشرعية النظام الدولي القائم، وتخضع لقوانينه. حيث قالت ما نصه الآتي: “قد لا تكون بعض الدول ديمقراطية، ولكنهم يعتمدون بالرغم من ذلك على نظام دولي يستند إلى القواعد. ومع ذلك، فإن المشترك بيننا واحتمالية وجود عالم أكثر حرية وانفتاحًا، يجعل مثل هذا التحالف الواسع ضروريًا وجديرًا بالاهتمام. سنستمع إلى الأفكار التي يقترحها شركاؤنا حول كيفية القيام بذلك وسنأخذها في الاعتبار”.
كما ذكرت الاستراتيجية أن أحد مبادئها في التعامل مع الشرق الأوسط هو تقوية التحالف الإقليمي، بحيث تعتمد دول المنطقة على نفسها. إذ قالت الاستراتيجية: “ستعزز الولايات المتحدة التكامل الإقليمي من خلال بناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية فيما بين شركائها، بما في ذلك هياكل دفاع جوي وبحري متكاملة، مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة”.[17]
والواقع يصدق ما جاء في تلك الاستراتيجية، فقد قل الاهتمام الأمريكي بالمنطقة منذ فترة ترامب، مقابل تصاعد الاهتمام بالتحدي الذي تمثله الصين. كما إن اتفاقات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمناورات العسكرية المشتركة، والحديث عن تعاون على مستوى الصناعات الدفاعية بين “إسرائيل” وعدة دول عربية، يصب في هذا السياق.
أضف إلى ذلك، العبء الذي مثلته الحرب الروسية-الأوكرانية على الإدارة الأمريكية فيما يخص أمن الطاقة والغذاء، فضلًا عن تمويلها المستمر لأوكرانيا، وتسليحها للجيش الأوكراني.
كل تلك الأسباب تزيد من صعوبة أن تفتح الولايات المتحدة ملفًا مهمًا آخر، بحجم تغيير النظام في مصر، أو متابعة فترة انتقالية جديدة قد تمر بها مصر. وبالتالي، فإن الأقرب للمصلحة الأمريكية الآن هو بقاء السيسي، الذي يحافظ على مصالحها الحيوية حتى الآن، رغم بعض الخلافات.
انتخابات التجديد النصفي:
فضلًا عن التحديات الخارجية التي تمثلها روسيا والصين في الوقت الحالي بالنسبة للولايات المتحدة، فإن العامل الداخلي أيضًا يزيد من الانشغال الأمريكي، والابتعاد عن الانخراط في قضايا الشرق الأوسط. إذ تمر الولايات المتحدة بانتخابات التجديد النصفي، والتي عُقدت في 9 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ووفق النتائج غير الرسمية، فيبدو أن الحزب الجمهوري حقق انتصارًا، وإن كان دون المستوى المتوقع.[18] وهذا من شأنه أن يضعف من سلطة الرئيس بايدن، ما يصب في النهاية في مصلحة قوى الاستبداد في المنطقة العربية التي تزعجها سياسات الرئيس الأمريكي. ومن ناحية أخرى، فإن هذه النتيجة، ستجعل من الصعب على بايدن اتخاذ خطوات تصعيدية مع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، خاصة وإن كانت تلك الخطوات التصعيدية مجازفة قد تضر بالمصالح الأمريكية.
كيف ستتعامل واشنطن مع النظام؟
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن من الصعب الحديث عن تغيرات كبيرة يُمكن أن تُحدثها واشنطن في ساحة علاقتها بالقاهرة. ويبدو أن إدارة بايدن ستظل محتفظة بوتيرة علاقاتها مع السيسي. وفي هذا السياق، فإن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه بايدن هو ممارسة بعض الضغوط التي من شأنها أن تتسبب في الإفراج عن بعض المعتقلين. ويبدو أن هذا السقف يُرضي الإدارة الأمريكية. ويمكن أن يتضح ذلك من ترحيب الخارجية الأمريكية مؤخرًا بإفراج النظام عن المعارض، زياد العليمي، واعتبارها الإفراج عنه “تقدما في مجال حقوق الإنسان”.
فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس: “نرحب بالتقارير التي تفيد بالعفو عن الناشط السياسي والنائب السابق زياد العليمي وإطلاق سراحه. وكما أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن، فإن التقدم الذي أحرزته مصر في مجال حقوق الإنسان يعزز من علاقتنا الثنائية”.[19]
أما الحديث عن احتمالية دعم واشنطن لحراك شعبي ضد السيسي، فإنه يبدو بعيدًا نوعًا ما، في ظل المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها الولايات المتحدة، وعدم وجود بديل مصري يمكن أن يمثل جبهة فاعلة، يكون على علاقة بها.
موقف الاتحاد الأوروبي
لا يختلف موقف الاتحاد الأوروبي كثيرًا عن الموقف الأمريكي، فالتحدي الذي تمثله الحرب الروسية-الأوكرانية يفرض نفسه على الطرفين. ويزيد على هذا التحدي بالنسبة للقارة الأوروبية، ملف الغاز. حيث إن العقوبات على روسيا من جهة، واشتراط روسيا بيع الغاز بالروبل الروسي، أسباب قادت إلى وجود أزمة طاقة عميقة في القارة العجوز، تحاول القيادات الأوروبية تداركها قبل بدء فصل الشتاء.
لذلك، فسقف التوقعات منخفض أيضًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وأقصى ما قد تفعله الدول الأوروبية في ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، هو الضغط الدبلوماسي والإعلامي على النظام للإفراج عن بعض المعتقلين، الذين يتبع معظمهم التيار الليبرالي.
وبناء على ما ذُكر خلال هذا المحور، فإن البيئة الدولية غير مواتية لتغيير النظام في مصر، أو تغيير رأس النظام، وذلك باختصار لانشغال الفاعلين الدوليين بملفات دولية أكثر أهمية، فضلًا عن عدم وجود بديل مناسب، على علاقة جيدة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الخلاصات
– هناك غضب شعبي واسع، يشمل فئات غير مسيسة في الأساس، ويظهر ذلك من التفاعل الشعبي مع الدعوات.
– فَرَض النظام قبضة أمنية شديدة تدلل على تماسك أجهزة الأمن حتى الآن، وخوفه من التظاهرات في الوقت نفسه.
– لا يوجد غطاء أو ظهير سياسي للتظاهرات والاحتجاجات في الوقت الراهن، بل هي غالبًا ما تكون دعوات من بعض الشخصيات الإعلامية أو اليوتيوبرز، كما لا يوجد تكتل سياسي مُعتبر يحظى بدعم غربي –أو بتواصل مع الغرب- يمكن له أن يمثل جبهة فاعلة إذا ما أزيح السيسي من المشهد، على عكس ما كان قبل ثورة 25 يناير 2011، من وجود الجمعية الوطنية للتغيير وروافدها المختلفة.
– الفواعل الإقليمية الداعمة لثورات الربيع العربي (تركيا وقطر) مُحيدة – بشكل أو بآخر- بفعل الضغوط التي تفرضها الأجندة الداخلية لدى الطرفين، فقطر تريد إنجاز تنظيم كأس العالم بدون حالة احتقان أو ممارسة أي ضغوط سياسية عليها في هذه الفترة، والحزب الحاكم بتركيا يشغله ملف انتخابات 2023. وبالتالي، ليس هناك مساحة لدى الدولتين للتفاعل إيجابيًا مع دعوات التظاهر، أو ما قد ينتج عنها.
– الدعم الإقليمي من السعودية والإمارات لنظام السيسي مستمر، وإن تغيرت طبيعته من الودائع، إلى عمليات شراء الأسهم أو الأصول في الشركات والمؤسسات الحكومية. هذا فضلًا عن عودة نتنياهو، أحد أكبر داعمي السيسي في دولة الاحتلال.
– على المستوى الدولي، ورغم الخلافات مع السيسي، تنشغل الولايات المتحدة بصعود الصين، والحرب الروسية-الأوكرانية، وتحدي تراجع الديمقراطيين في الانتخابات الداخلية للكونجرس، لذلك ليس من المتوقع أن تتفاعل إيجابيًا مع الأحداث، بطريقة تُشكل خطرًا على نظام السيسي، كما تخشى الولايات المتحدة من ممارسة أي ضغوط غير محسوبة على نظام السيسي، قد تؤدي إلى تراجع نفوذها لصالح فاعلين دوليين آخرين، ويبدو أن واشنطن وبروكسل يقنعان في الظرف الراهن بمجرد الخطوات التي يتخذها السيسي بالإفراج عن بعض النشطاء، ولا يطمحان إلى تغيير في بنية النظام المصري.
– تقع الأزمة الأوكرانية وأزمة الغاز الناتجة عنها على رأس أولويات دول الاتحاد الأوروبي، لذلك من المتوقع ألا يتفاعل الاتحاد إيجابيًا مع أي دعوات للإطاحة بالسيسي، وألا يفتح ملفًا جديدًا بهذا الثقل في تلك الظروف.
المصادر
[1] ألمانيا مع حسين، لهذه الاسباب لابد من اسقاط النظام فى 11/11 مصر على حافة السقوط، 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
عربي 21، مصريون يتحدون السيسي بمقاطع مصورة: “نازلين في 11/11″، 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[2] القدس العربي، منظمة حقوقية: النيابة المصرية تحقق مع متهمين بتصوير مقاطع فيديو تدعو للتظاهر في 11 نوفمبر، 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[3] الصفحة الرسمية للإشتراكيين الثوريين على فيسبوك، بيان الاشتراكيين الثوريين: ضد القمع والاعتقالات.. النظام يطلق حملة أمنية مسعورة، 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[4] حساب الناشطة والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، منشور عن المعتقلين الجدد، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[5] أحد المنشورات التي بها تعليقات ساخرة على موقع فيسبوك، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[6] قناة وطن، تعرف على موقف جماعة #الإخوان من دعوات النزول في يوم 11/11 مع «د. طلعت فهمي» المتحدث الإعلامي باسم جماعة #الإخوان_المسلمين، 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[7] الخليج الجديد، مصر.. حركة 6 أبريل تعلن عدم مشاركتها بمظاهرات 11 نوفمبر، 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[8] سكاي نيوز عربية، هجوم من المعارضة ضد أردوغان بسبب سياسته السابقة تجاه مصر، 13 مارس/ آذار 2021
[9] الميادين، تركيا: لم نعلّق المفاوضات مع مصر ولدينا خلافات بشأن ليبيا، 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[10] القاهرة 24، بلومبرج: صندوق قطر السيادي يُودع مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
https://www.cairo24.com/1689524
[11] عربي 21، مصر تلجأ لبيع أصول حكومية للإمارات..هل ترهن اقتصادها؟، 23 مارس/ آذار 2022
[12] The Economist, The growing popularity of a strange form of debt diplomacy, 6 November 2022
العربي الجديد، مصر: محاولات لإقناع المؤسسة العسكرية ببيع بعض الأصول، 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[13] القدس العربي، نتنياهو بصيغة بن غفير.. بين “كيمياء السيسي” ولغة “الملك الأردني الأخير”، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[14] DW، واشنطن تحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، 15 سبتمبر/ أيلول 2022
[15] الأناضول، مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي يدعوان مصر لإدانة عملية روسيا بأوكرانيا، 2 مارس/ آذار 2022
[16] وكالة أنباء الشرق الأوسط، الخارجية: مصر تتابع عن كثب أصداء قرار (أوبك+) وندعم الموقف السعودي في شرح الاعتبارات الفنية له، 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[17] مركز المسار للدراسات الإنسانية، استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2022، 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[18] BBC، الانتخابات النصفية الأمريكية: من الرابح ومن الخاسر حتى الآن وماذا يعني ذلك؟، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[19] الحساب الرسمي للخارجية الأمريكية على تويتر، تصريح صحفي، 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022