زيارة بايدن للشرق الأوسط.. سقف التوقعات وحجم الإنجاز
المحتويات
مقدمة
المحطة الأولى: الكيان الصهيوني
- ضمان أمن إسرائيل
- مواجهة البرنامج النووي الإيراني
- دمج إسرائيل في المنطقة
المحطة الثانية: الأراضي الفلسطينية
- الانحياز الأميركي لإسرائيل
- القضية الفلسطينية وحل الدولتين
- الموقف من المقاومة الفلسطينية
المحطة الثالثة: المملكة العربية السعودية
- تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين
- زيادة إمدادات النفط
- الحلف الدفاعي الإقليمي
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
- التطبيع السعودي الإسرائيلي
- العلاقات الأميركية السعودية
سقف التوقعات وحجم الإنجاز
المنطقة ما بعد زيارة بايدن
خاتمة
مقدمة
حظيت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط بأهمية كبيرة بسبب الظرف الإقليمي والدولي الراهن، فقد تزامنت الزيارة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية بتبعاتها الاقتصادية والسياسية الكبيرة، والمفاوضات المتعثرة حول الملف النووي الإيراني، والارتفاع الحاد في أسعار موارد الطاقة.
هذا بالإضافة إلى الوضع الداخلي الذي يواجه فيه بايدن مشكلة زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار في وقت يستعد فيه لانتخابات الكونجرس.
وقد انقسم الرأي العام الأميركي حول زيارة بايدن للشرق الأوسط، ففي حين رأى البعض أن الزيارة تُمثل فرصة لتحقيق مصالح الأمن القومي الأميركي، رأى البعض الآخر أن الزيارة تمثل تحولًا في موقف بايدن من الأنظمة التي انتقدها سابقًا بسبب حقوق الإنسان، وأن بايدن قدم النفط على المبادئ.
جاء بايدن إلى المنطقة بأجندة تحتوي على موضوعات مهمة، أثارها في محطاته الثلاث، على رأسها إرسال إشارة إلى الشركاء والخصوم بأن الولايات المتحدة متمسكة بموقعها الإستراتيجي في المنطقة، وضمان أمن الكيان الصهيوني، والعمل على دمجه في المنطقة، ومواجهة إيران، وزيادة إمدادات النفط.
وترصد هذه الورقة أهم القضايا التي تناولها بايدن في محطاته الثلاث، وحجم الإنجاز الذي حققته زيارته بالقياس إلى التوقعات المسبقة، وآثار الزيارة على المنطقة.
المحطة الأولى: الكيان الصهيوني
وصل بايدن إلى الكيان الصهيوني في 13 يوليو/تموز، في زيارة استغرقت يومين، التقى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد.
وعلى هامش زيارته لدولة الاحتلال، قام بايدن ولابيد بالتوقيع على “إعلان القدس” للشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، والذي يركز على التزام واشنطن بأمن إسرائيل والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لتل أبيب، وعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، والعمل على دمج “إسرائيل” الكامل في المنطقة.
وأكد الإعلان على الروابط غير القابلة للكسر بين الطرفين، وأن الشراكة الإستراتيجية بينهما تقوم على أساس متين من القيم المشتركة والمصالح المتبادلة والصداقة الحقيقية[1].
- ضمان أمن إسرائيل
يُعَد ضمان أمن إسرائيل وبقائها من الثوابت التي تتعهد بها الإدارات الأميركية المتعاقبة، وهو ما يظهر في الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي غير المحدود، وفي التعاطي الأميركي المنحاز دائمًا مع قضايا المنطقة.
وقبيل الزيارة، ذكر البيت الأبيض في بيان له أن بايدن سوف يبدأ رحلته بإسرائيل، حيث “سيلتقي مع القادة الإسرائيليّين لبحث أمن إسرائيل وازدهارها واندماجها المتزايد في المنطقة بشكل أوسع”[2].
ثم جاء “إعلان القدس” لينص على هذه الضمانة، حيث أكدت الولايات المتحدة على “الالتزام الدائم للولايات المتحدة بأمن إسرائيل”.
كما أكدت أيضًا على التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات، وذلك من خلال المحافظة على تفوقها العسكري النوعي.
ووصف الإعلان هذا الالتزام بأنه “مقدس”، ولا يستند إلى الجانب الأخلاقي فقط، وإنما هو التزام إستراتيجي، ذو أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها[3].
- مواجهة البرنامج النووي الإيراني
يسعى الكيان الصهيوني منذ سنوات لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي والحصول على سلاح دمار شامل يكسر احتكاره لهذا السلاح في المنطقة، ويُحدِث تغييرًا في موازين القوى في الشرق الأوسط.
ولتحقيق هذا الهدف، تضغط إسرائيل على أميركا والمجتمع الدولي من أجل وقف المشروع النووي الإيراني، زاعمة أنه يُخِل بالسلم العالمي ويعرض وجودها للخطر.
وقد أكدت الولايات المتحدة، في “إعلان القدس”، أن الالتزام بعدم السماح لإيران مطلقًا بامتلاك سلاح نووي جزء لا يتجزأ من التعهد بحماية أمن إسرائيل، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة[4].
وعلى الرغم من رغبة إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق مع إيران والعودة إلى الاتفاقية النووية عبر الجهود الدبلوماسية، وهو ما تعارضه إسرائيل، فإن بايدن ترك الباب مفتوحًا للخيار العسكري حال فشلت المفاوضات مع الإيرانيين، وقال في حديث للتلفزيون الإسرائيلي إنه “منفتح على خيار الملاذ الأخير، باستخدام القوة ضد طهران”، في خطوة واضحة باتجاه قبول دعوات إسرائيل للقوى الدولية بالتلويح “بتهديد عسكري قوي”. وقال بايدن إن “الشيء الوحيد الأسوأ من إيران الحالية، هو إيران وبحوزتها أسلحة نووية، وإذا استطعنا العودة إلى الاتفاقية، فسوف نستطيع السيطرة على الأمر”[5].
- دمج إسرائيل في المنطقة
تجاوز الكيان الصهيوني مرحلة “التطبيع” في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية إلى العمل من أجل “الاندماج” الكامل في المنطقة، وهو ثمرة من ثمرات عهد ترامب واتفاقات “أبراهام” التي يرعاها بايدن الذي أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل دعم دمج إسرائيل في المنطقة.
وفي هذا الصدد، أشار بايدن في “إعلان القدس” إلى أن اتفاقيات السلام والتطبيع مهمة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط ولقضية الأمن الإقليمي والازدهار والسلام.
وأكد على التزام الولايات المتحدة بمواصلة لعب دور نشط في بناء هيكل إقليمي قوي لتعميق العلاقات بين إسرائيل وجميع شركائها الإقليميين، ودفع التكامل الإقليمي لإسرائيل مع مرور الوقت، وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية.
وكانت المملكة العربية السعودية هي محور هذا الالتزام، حيث قال بايدن إنه سيكون أول رئيس أمريكي يسافر من “تلأبيب” إلى مدينة “جدة” السعودية، بشكل مباشر، لافتًا إلى أنه يحمل رسالة سلام. وهو ما اعتبره محللون خطوة رسمية أولى نحو التطبيع.
ومن جانبه، طلب لابيد من بايدن توجيه رسالة إلى السعودية مفادها أن يد إسرائيل ممدودة للسلام، وأعلن أن طائرات إسرائيلية ستسافر إلى السعودية التي وصفها بأنها “مهمة لإسرائيل ولاستقرار الشرق الأوسط”. وقال لابيد: “سيادة الرئيس ستلتقي بقادة السعودية وقطر والكويت وعمان والعراق. أود منكم أن ترسل إليهم جميعًا رسالة منا: أيدينا ممدودة من أجل السلام”[6].
المحطة الثانية: الأراضي الفلسطينية
غادر بايدن الكيان الصهيوني متوجهًا إلى “بيت لحم” جنوبي الضفة الغربية، في 15 يوليو/تموز، في زيارة قصيرة لم تتجاوز الساعتين تقريبًا، حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عبَّاس الذي بحث معه سبل إحياء عملية السلام المتعثرة.
ومثلت محادثات عبّاس مع بايدن أعلى مستوى من التواصل المباشر مع الولايات المتحدة منذ عام 2017، بعد استئناف العلاقات في عهد بايدن.
وطالب الفلسطينيون إدارة بايدن بجملة من المطالب، منها إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وإزالة منظمة التحرير الفلسطينية من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية، والحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في القدس، والحد من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
ولكن أجندة زيارة بايدن للأراضي الفلسطينية والكيان الصهيوني لم تشتمل إلا على حديث مرسل عن حل القضية الفلسطينية، وموقف أميركي معاد للمقاومة الفلسطينية المسلحة.
- الانحياز الأميركي لإسرائيل
ثمَّة إشارات في زيارة بايدن للأراضي الفلسطينية تدل دلالة واضحة على انحياز بايدن التام والكامل لإسرائيل على حساب الفلسطينيّين، وأول ما يتبادر إلى الذهن من هذه الإشارات هو الوقت الذي استغرقته الزيارة، ونقلها من المقر الرسمي للسلطة الفلسطينية في “رام الله” إلى “بيت لحم”، لتتحول إلى زيارة دينية أكثر منها زيارة “سياسية” و”رسمية”، بعد حرص بايدن على الصلاة في أقدم وأقدس كنيسة مسيحية.
وكان بايدن قد وصل إلى بيت لحم بعد زيارة الكيان الصهيوني، واعترافه بأنه “صهيوني”، وتأكيده أنه “لا تحتاج أن تكون يهوديًّا حتى تكون صهيونيًّا”، وهو ما يدل على انحيازه الكامل لإسرائيل.
ثم جاءت الرسالة السلبية والعدائية ضد الفلسطينيين باختيار بايدن فندق “وولدورف أستوريا” كمقر لإقامته أثناء زيارته للقدس المحتلة، رغم أنه يعلم أن هذا المبنى كان مبنى المجلس الإسلامي الأعلى، واستولت عليه سلطات الاحتلال.
- القضية الفلسطينية وحل الدولتين
أعاد بايدن التأكيد على دعمه الطويل الأمد والمتواصل لحل الدولتين، وللتقدم نحو واقع يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء التمتع فيه بإجراءات متساوية من الأمن والحرية والازدهار.
وأعلن استعداد الولايات المتحدة للعمل مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية وأصحاب المصلحة الإقليميّين لتحقيق هذا الهدف.
كما أكد على التزامه بالمبادرات التي تعزز الاقتصاد الفلسطيني وتحسن نوعية حياة الفلسطينيين.
وكشف بايدن عن تقديم 200 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين و100 مليون لمنظومة المستشفيات بالقدس”[7].
ولكن بايدن لم يأت بأيّ مبادرة جديدة لتحريك الوضع الراهن، وهو ما أكده مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الذي قال إن بايدن لا ينوي الإعلان رسميًّا عن مبادرات سلام جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وخلال مؤتمره الصحفي مع عبّاس، ورغم تأكيده على حل الدولتين، إلا أن بايدن أبدى تشاؤمه حيال نجاح هذا الخيار، وقال إن “خيار حل الدولتين هدف بعيد جدًّا الآن”.
أما فيما يخص وضع القدس، فإن بايدن أعلن أنه ليس في وارد التراجع عن قرار سلفه دونالد ترامب لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
- الموقف من المقاومة الفلسطينية
جددت الولايات المتحدة التزامها بالعمل مع شركائها في المنطقة من أجل مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، واصفة إيَّاها بالمنظمات الإرهابية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي.
وأدان بايدن في إعلان القدس الهجمات التي وصفها بالـ”الإرهابية المؤسفة” ضد المواطنين الإسرائيليين، وأكد على ضرورة مواجهة القوى “المتطرفة”، مثل حركة حماس التي “تسعى إلى تأجيج التوتر والتحريض على العنف والإرهاب”، بحسب الإعلان.
وفي تعليقها على التزامات الولايات المتحدة ضد المقاومة، ذكرت حركة حماس أن إشارة إعلان القدس إلى العمليات العسكرية الفلسطينية ضد جنود ومواقع الاحتلال ومستوطنيه، تؤشر إلى أهمية هذه العمليات وقدرتها على إحداث خلل إستراتيجي وإثارة الخوف في داخل الكيان، وما يتركه ذلك من انعكاسات سياسية وأمنية.
المحطة الثالثة: المملكة العربية السعودية
كانت المحطة الثالثة لبايدن هي مدينة جدة، حيث أجرى زيارة رسمية للملكة العربية السعودية يومي 15 و16 يوليو/تموز، التقى خلالها العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، وعقد اجتماعًا رسميًّا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكبار مسؤولي المملكة، وأصدر الجانبان بيانًا أكدا فيه على الشراكة الإستراتيجية بينهما.
جاءت الزيارة بعد فترة من التوتر بين إدارة بايدن الديمقراطية والحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان بسبب قضية مقتل جمال خاشقجي.
وكان الحدث الأبرز في الزيارة هو حضور بايدن قمة جدة للأمن والتنمية، التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى قادة كل من مصر والعراق والأردن، وناقشت عددًا من الموضوعات الخاصة بالمنطقة، والشراكة بين الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض.
- تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين
كانت زيارة بايدن للشرق الأوسط محاولة لتعزيز العلاقات الأميركية مع الحلفاء التقليديّين في المنطقة على أمل إبعاد النفوذ الروسي والصيني والإيراني المتنامي.
ولهذا أكد بايدن أن بلاده لا تعتزم الانسحاب من الشرق الأوسط وترك فراغ في المنطقة لمصلحة قوى أخرى. وقال: “سنعمل في منطقة الشرق الأوسط، ونؤسس لعلاقات اقتصادية مستدامة، والولايات المتحدة ستبقى شريكًا نشطًا في الشرق الأوسط، والمصالح الأمريكية مرتبطة بالنجاحات مع الشرق الأوسط”.
وأضاف: “لن نتخلى عن الشرق الأوسط، ولن نترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران. سنسعى للبناء على هذه اللحظة بقيادة أمريكية فاعلة وذات مبادئ”.
وتعهد بايدن بدعم شركاء الولايات المتحدة والدول الحليفة لحل المشكلات التي تواجهها المنطقة، ومواجهة التهديدات الإرهابية[8].
- زيادة إمدادات النفط
شهدت أسعار النفط ارتفاعًا كبيرًا بفعل زيادة الطلب، والمحاولات الغربية لفك الارتباط بمصادر الطاقة الروسية، ردًّا على تدخل روسيا العسكري في أوكرانيا.
ويخشى الديمقراطيون في الولايات المتحدة من تأثير ارتفاع أسعار النفط على موقفهم في انتخابات الكونجرس النصفية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ولهذا تسعى واشنطن إلى أقناع أكبر دولة منتجة للنفط، وهي السعودية، بزيادة إنتاجها.
ولهذا كان موضوع النفط على جدول المباحثات بين بايدن والقيادة السعودية، وهو ما أكده بايدن الذي ذكر أنه فعل كل ما بوسعه لزيادة إمدادات النفط، وأنه أجرى مناقشات جيدة في ما يتعلق بضمان أمن الطاقة العالمي وإمدادات مناسبة للنفط[9].
جاءت استجابة السعودية لمطالب بايدن على لسان محمد بن سلمان، الذي قال إن المملكة ستلعب دورها في زيادة “الطاقة المستدامة القصوى” من النفط الخام إلى 13 مليون برميل في اليوم، وبعد ذلك لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية للزيادة[10].
ولكن بن سلمان أكد أن قرارات السياسة النفطية ستتخذ وفقًا لمنطق السوق. وشدد المسؤولون السعوديون على أن أي قرار لضخ المزيد من النفط سيتخذ في إطار “أوبك+”، وأن الزيادة المذكورة سوف تكتمل بحلول 2027.
كما قلل وزير الخارجية السعودي من أهمية موضوع النفط على أجندة مباحاثات بايدن في السعودية، ونفى أن يكون بايدن قد ضغط على حكومة بلاده لزيادة إنتاجها من النفط[11].
- الحلف الدفاعي الإقليمي
لم تثمر جهود الولايات المتحدة السابقة في تشكيل تحالف عسكري أو أمني لمواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، رغم المساعي العديدة التي بذلتها إدارة دونالد ترامب، سواء لتشكيل “ناتو عربي” يمثل نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي، أو تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، أو غيرهما من صيغ التحالف.
أثير موضوع التحالف المذكور قبل زيارة بايدن للمنطقة، حيث أعلن الكيان الصهيوني أنه يعمل مع شركاء إقليميين في تحالف دفاع جوي تقوده الولايات المتحدة، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إنه يأمل أن يأخذ التحالف خطوة أخرى إلى الأمام خلال رحلة بايدن للمنطقة.
كما أعلن العاهل الأردني عبدالله الثاني دعمه تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، على أن “يتم ذلك مع الدول التي لديها نفس التفكير[12]“.
حملت تصريحات المسؤولين في دولة الاحتلال آمالًا بأن يخطو بايدن خطوة في سبيل تكوين هذا التحالف، وجاء بايدن إلى قمة جدة بهدف واضح هو عزل إيران ومحاصرتها، ولهذا فقد اتهما في كلمته أمام القمة بأنها تبذل جهودها لتقويض القانون الدولي بنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتعهد بعدم ترك فراغ يمكن لإيران أن تملؤه.
وأشار بايدن إلى العمل المشترك لمواجهة التهديدات الإيرانية، وأعاد تعهده بأن بلاده لن تسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي[13].
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
كان ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط من أبرز الملفات في حملة بايدن الانتخابية، ولهذا فقد وجهت اتهامات لبايدن لتعارض زيارته للسعودية ولقائه مع ابن سلمان مع وعوده السابقة بإبقاء النظام في الرياض على مسافة بعيدة منه نظرًا لتأجيجه الحرب في اليمن وسجله القبيح في مجال حقوق الإنسان، والذي تضمن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي تلوم فيه الاستخبارات الأميركية بشكل مباشر الحاكم الفعلي للسعودية.
ولكن إدارة بايدن قايضت مبادئ حقوق الإنسان بتأمين زيادات النفط وتعزيز العلاقة مع الحلفاء التقليديّين في ظل الأزمة الدولية الناتجة عن الحرب الأوكرانية، وخوفًا من التمدد الروسي والصيني، على حساب تطلعات شعوب المنطقة للحصول على حكم ديمقراطي ومزيد من الحريات.
كما التقى بايدن برأس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي تزدحم سجونه بعشرات الآلاف من المعارضة السياسية، متغاضيًا عن وعوده في بداية عهده الرئاسي بانتهاج سياسة جديدة تركز على حقوق الإنسان في العالم العربي وانتقاداته للسجل الحقوقي في مصر[14].
- التطبيع السعودي الإسرائيلي
أثارت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تكهّنات حول تقارب محتمل بين الكيان الصهيوني والسعوديّة، بعد تطبيع أربع دول عربيّة خلال السنتين الماضيتين علاقاتها مع إسرائيل، وبعد مؤشّرات إلى محاولات لإحداث تغيير إيجابي في الرأي العام السعودي إزاء هذه المسألة.
وذهب متابعون إلى اعتبار انطلاق طائرة بايدن من إسرائيل في رحلة مباشرة الى السعودية، خطوة رمزية ومقدمة للتطبيع بين المملكة وإسرائيل.
وكان مسؤولون أميركيون كبار قد صرحوا بأن واشنطن وضعت بالفعل خارطة طريق للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأن الرئيس بايدن سيطرح تفاصيلها على تل أبيب والرياض خلال هذه الجولة[15].
وكان محمد بن سلمان قد صرح بأن “بلاده “لا تنظر الى إسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”، ولكن يبدو أن الأسلوب السعودي في التعامل مع التقارب مع إسرائيل والتطبيع معها يمضي “خطوة خطوة”.
- العلاقات الأميركية السعودية
قبل سفر بايدن إلى الشرق الأوسط، سلطت الأضواء على العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن، وذلك بعد أن تعرض للكثير من الانتقادات بسبب نيته لقاء ولي العهد محمد بن سلمان وفتح صفحة جديدة معه بعد سنوات من مقاطعة الديمقراطيّين له بسبب مقتل خاشقجي.
بعد لقائه مع الأمير، صرح بايدن أنه أثار قضية خاشقجي في بداية اجتماعه معه، وقال “قلت بوضوح إنه إذا حدث أمر مماثل مجدّدًا، سيكون هناك ردّ وأكثر من ذلك”، قاصدًا بذلك “جعل السعودية دولة منبوذة”، وهو الوعد الذي قدمه خلال حملته الانتخابية في 2020 على خلفية سجلها الحقوقي.
ويرى متابعون أن السعوديّين أرادوا فقط الحصول على تأكيد لأهمية الدور السعودي من قبل بايدن، وهذا ما حصلوا عليه، إضافة إلى تأكيد أميركي على التزام الولايات المتحدة بضمان أمن المنطقة، وهذا ما حصلوا عليه أيضًا. إضافة إلى ذلك، هناك من يرى أن زيارة بايدن إلى المملكة اعتراف أميركي بشرعية بن سلمان.
وكان بيان سعودي أميركي مشترك أكد أهمية التعاون الإستراتيجي الاقتصادي والاستثماري، لا سيما في ضوء الأزمة بأوكرانيا وتداعياتها.
وفي هذا السياق، وقع الطرفان السعودي والأميركي نحو 18 اتفاقية للتعاون والشراكة في مجال الطاقة والأمن والاستثمار والفضاء والاتصالات. ويمكن القول إنه على صعيد العلاقات الاقتصادية، أدّت الزيارة الهدف المنشود منها.
كما عبر الطرفان عن توافقهما حول الخطر الإيراني على المنطقة، ولهذا فقد ضغطت السعودية من أجل الحصول على ضمانات أمنية من شأنها احتواء إيران في حالة فشل المحادثات النووية.
ولهذا أكد الرئيس بايدن بشدة على التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم أمن السعودية وقدرتها على الدفاع الإقليمي وتسهيل قدرتها على الحصول على القدرات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية.
وأكد الجانبان على ضرورة تعزيز ردع تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعمها للإرهاب من خلال المسلحين العاملين بالوكالة وجهودها لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. وأكدت المملكة والولايات المتحدة على أهمية منع إيران من امتلاك سلاح نووي[16].
سقف التوقعات وحجم الإنجاز
جاء بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط بأجندة تحتوي على موضوعات كثيرة ومتشابكة، ارتفع سقف التوقعات في بعضها، وانخفض في البعض الآخر، على حسب مصالح أميركا والكيان الصهيوني في المنطقة.
وفي ضوء ما أسفرت عنه الزيارة، وباستقراء ما صدر عن بايدن وقيادات ومسؤولي الدول التي زارها أو اجتمع بقادتها من بيانات وتصريحات، يمكن رصد حجم ما أنجزته الزيارة بالقياس إلى سقف التوقعات.
- جددت الولايات المتحدة التزامها بضمان أمن إسرائيل، وجاء “إعلان القدس” ليؤكد ارتباط الأمن القومي الأميركي بالأمن القومي الإسرائيلي، ودعم إسرائيل من خلال تزويدها بدفاعات صاروخية في ظروف استثنائية، هي تعرضها لأي عمل عسكري من جانب المقاومة.
وتطبيقًا لها الالتزام، دعمت الولايات المتحدة بقوة تنفيذ بنود مذكرة تفاهم تضمن تقديم 38 مليار دولار لضمان أمن إسرائيل، فضلًا عن قناعتها بأن مذكرة التفاهم اللاحقة يجب أن تعالج التهديدات الناشئة والحقائق الجديدة. في إشارة لأي تهديد مستقبلي.
إضافة إلى ذلك، التزمت الولايات المتحدة بالسعي للحصول على مساعدة دفاعية صاروخية إضافية تتجاوز مستويات مذكرة التفاهم، في ظروف استثنائية مثل الأعمال “العدائية” مع حركة حماس.
وكان بايدن قد صرح قبيل وصوله بأن إدارته قامت بتمرير أكبر حزمة دعم لتلأبيب في التاريخ تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار.
- شهد التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني تجاوبًا كبيرًا من جانب بايدن مع دولة الاحتلال، ويمكن القول إن الكيان الصهيوني انتزع من بايدن موقفًا طالما سعى إليه، وهو وضع الحل العسكري على أجندة التعامل مع إيران، حتى وإن تمسكت أميركا بالمساعي الدبلوماسية.
ولكن فيما يخص التحالف العسكري المضاد لإيران، لم تسفر الزيارة عن تطور يذكر في هذا الأمر، خاصة وأن التوافق على مواجهة الخطر الإيراني لم يؤد إلى أكثر من التزام واشنطن بالدفاع عن حلفائها، وهو التزام إستراتيجي قديم قدم العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، ولم تخرج القمة ببلورة رؤية لتحالف شرق أوسطي ضد إيران بالصورة التي تريدها أميركا والكيان الصهيوني.
وبغض النظر عن التعاون السري بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية في مواجهة إيران، فإن وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، نفى أن تكون قمة جدة قد ناقشت “التحالف الدفاعي” مع إسرائيل ضد إيران، وقال إنه لا يوجد شيء اسمه “ناتو عربي”[17].
كما أعلنت الإمارات أنها لن تكون جزءًا من تحالف إقليمي بين إسرائيل ودول عربية ضد إيران، وأنه لا مصلحة لها في الانضمام إلى تحالف مناهض لإيران، رغم انفتاحها على التعاون[18].
وقد أظهرت التحليلات الإسرائيلية المختلفة مبالغة التوقعات الإسرائيلية إزاء “حلف دفاعي إقليمي” ضد إيران، وتحدثت عن أن الزيارة انتهت بدون بشائر حقيقية بالنسبة لإسرائيل في الموضوع الإيراني. فصناع القرار في أبو ظبي والرياض ليسوا متحمسين للدخول إلى خط المواجهة الأول مع إيران.
وعلى الجانب الآخر، صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن بايدن فشل في تشكيل تحالف عسكري ضد إيران، وأن بلاده تلقت رسائل إيجابية في الآونة الاخيرة من دول المنطقة[19].
- كان دمج إسرائيل في المنطقة عبر البوابة السعودية بندًا رئيسًا على أجندة زيارة بايدن، ولكن التطبيع “العلني” مع السعودية يمكن أن يتأخر، وذلك في ضوء الموقف الرسمي للمملكة الذي يربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية، والذي عبر عنه ابن سلمان بقوله إن “ازدهار المنطقة ورخاءها يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقًا لمبادئ وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”.
ورغم أن السعودية فتحت مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من إسرائيل أو المتجهة إليها، حرصت الرياض على التشديد على أن القرار ليس إشارة الى أي دفع باتجاه إقامة علاقة مستقبلية مع اسرائيل، وأنه لا علاقة له بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو يمهد لخطوات لاحقة[20].
ويعزى هذا الموقف لكون السعودية دولة كبيرة في العالم الإسلامي، وتخشى من أن يؤدي أي تقارب رسمي وعلني مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية إلى ردود فعل وانتقادات من الرأي العام العربي والإسلامي المناهض لاسرائيل، بما في ذلك الداخل السعودي[21].
- لم يحمل بايدن معه أي خطة لحل القضية الفلسطينية، واكتفى بالفخر بأن إدراته أعادت بناء العلاقات الأميركية الفلسطينية، واستعادت بالعمل مع الكونجرس نحو 500 مليون دولار لدعم الفلسطينيّين، وساهمت في إنهاء الحرب في غزة خلال11 يومًا فقط.
أما حل الدولتين الذي يدعو إليه بايدن، فإنه أول من شكك في إمكانية تحقيقه في الظروف الراهنة، ولم يطرح لنقاش جدي مع الإسرائيليّين.
كما أن بايدن لم يتجاوب مع أي مطلب من مطالب الفلسطينيين، حيث أبقت إدارته على السفارة الأميركية في مدينة القدس، وتوقفت عن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي أغلقها ترامب في 2019، ولم تسمح حتى الآن بإعادة فتح مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي أغلقه ترامب في 2018.
- لم تأت موافقة السعودية على زيادة إنتاجها من النفط بجديد، فموافقة الرياض هي التزام تمسكت به دائمًا بالتعاون مع شركائها، وعلى رأسهم أميركا، ولكن الزيادة الأخيرة زيادة مرتبطة بالحد الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه المملكة، ولا يمكن أن تكون حلًا وحيدًا وسريعًا لأزمة الطاقة التي يتعرض لها العالم وأدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وهو ما أثر على الاقتصاد الأميركي الذي شهد تضخمًا هو الأعلى منذ 41 سنة، ويمثل أكبر تهديد سياسي للديمقراطيين الذين يواجهون حالة من السخط بسبب ارتفاع الأسعار.
وفي ضوء هذه الزيادة المحددة بسقف معين والمرتبطة بأمد زمني غير قصير والمقيدة بقرارات “أوبك+”، يمكن قراءة تصريحات بايدن ومسؤولين أميركيّين قللوا فيها من سقف التوقعات بأن تؤدي الزيارة إلى مكاسب فورية في مجال النفط، ولهذا قال بايدن إن النتائج الملموسة لن تكون ملحوظة قبل مرور أسبوعين.
المنطقة ما بعد زيارة بايدن
يمكن استشراف مستقبل المنطقة بعد زيارة بايدن وما أسفرت عنه من نتائج تتسق مع الخطوط العامة للسياسة الأميركية في النقاط التالية:
- استمرار دعم الولايات المتحدة التام للكيان الصهيوني، والتمادي في الانحياز له مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وهو ما تحتاج معه الإدارة الديمقراطية لدعم اللوبي الصهيوني في ظل تراجع شعبية بايدن وحزبه بسبب معاناة ملايين الأميركيّين بسبب زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، واتهام الجمهوريين للديمقراطيين بعدم القدرة على ضبط الوضع الاقتصادي.
- بقاء حالة الجمود في مسار المفاوضات بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، لعدم وجود رغبة أميركية في دفع دولة الاحتلال لاستئناف المفاوضات، وربما يتجاوز الأمر حدود الرغبة وصولًا إلى عدم وجود القدرة على تغيير قناعات الحكومة اليمينة المتطرفة الرافضة للتفاوض مع الفلسطينيين، والمكتفية بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية والتهدئة مع المقاومة في غزة، وهو التوجه الذي سوف تزداد شدته مع الدخول في المعركة الانتخابية الجديدة التي سوف يشهدها الكيان الصهيوني، والتي يُنتظر أن تكون المزايدة في التطرف والصدام مع الفلسطينيّين إحدى أدوات التنافس بين التحالف الحالي ونتنياهو الراغب في العودة إلى الحكم مرة أخرى.
- تراجع القضة الفلسطينية التي تحولت بالنسبة للإدارة الأمريكية إلى مجرد دعم مادي للإبقاء على حياة الفلسطينيّين، ولم تشهد أي تقدم على مستوى القضايا المهمة، مثل إقامة الدولة الفلسطينية ومستقبل القدس والاستيطان واللاجئين، في عهد بايدن الذي يواصل استكمال سياسة ترامب، ولم يتراجع عن الإجراءات التي اتخدها سلفه، باستثناء إعادة التواصل مع السلطة الفلسطينية، ولكنه لم يتجاوز حدود هذا التواصل ولم يقدم خطة لاستئناف مسار المفاوضات بين الفلسطينيين وسلطة الاحتلال.
- مواصلة سياسة حصار المقاومة الفلسطينية المسلحة، لدفعها إلى قبول التهدئة والهدنة، لضمان إيجاد حالة من الهدوء في الشرق الأوسط، يستغلها الكيان في التمدد في دول الإقليم. وذلك عبر تقوية تلأبيب من خلال الدعم العسكري، ودفع الحلفاء في المنطقة لمحاصرة المقاومة وتأزيم وضعها.
- تمسك الولايات المتحدة بالبقاء في المنطقة وتقوية تحالفها الإستراتيجي مع الدول الحليفة، وعدم ترك أي فراغ يمكن لروسيا او الصين أو إيران استغلاله، بما يهدد مصالحها، وذلك عبر الالتزام بأمن الحلفاء، وتجاوز أسباب التوتر والخلاف.
ومع إدراك الدول الحليفة في المنطقة لعدم قدرتها على الخروج من العباءة الأميركية، وحاجتها إلى التحالف الإستراتيجي معها في دعم استقرار أنظمتها الحاكمة، فإنها لن تتوقف عن تحركاتها التكتيكية في مواجهة أميركا من خلال اللجوء إلى روسيا والصين، لتخفيف ضغوط الحليف الأميركي في ملفات مثل ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- رغم حديث بايدن عن إمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية حال فشل المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي، وترحيب إسرائيل بهذا التوجه، فإن الخيار الدبلوماسي يظل هو الخيار المفضل بالنسبة للولايات المتحدة، التي لا يمكن أن تغامر بفتح جبهة جديدة والانخراط في صراع مسلح يمكن أن يقضي على استقرار المنطقة، ويظل حديث بايدن عن إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري في إطار إرضاء الكيان الصهيوني وطمأنته ونزع فتيل الخلاف بينهما بسبب اختلافهما حول معالجة هذه القضية.
- استمرار التعاون الثنائي وتناميه بين الكيان الصهيوني والدول العربية المطبعة، أو التي تسير في مسار التطبيع، سواء كان ذلك بشكل علني، كما في العلاقات بين إسرائيل والإمارات ومصر، التي وقعت على اتفاقيات ثنائية غير مسبوقة، في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة، ونقلت العلاقة بينها إلى حد الشراكة والتحالف الإستراتيجي. أو بشكل سري، كما في العلاقات بين الكيان والسعودية التي فتحت مجالها الجوي للطيران الإسرائيلي، كخطوة من خطوات التطبيع، حتى إن المسؤولين الإسرائيليين يصرحون بأن الجانبين يسيران في مسار التطبيع بالفعل.
- تأجيل تنفيذ فكرة التحالف الشرق أوسطي المضاد إيران، والذي تدعو إليه إسرائيل وتدعمه الولايات المتحدة، لخوف دول الخليج من التواجد في مثل هذا التحالف الذي سوف يجعلها في مواجهة مباشرة مع إيران، بالإضافة إلى رفض مصر الانضمام إلى تحالفات عسكرية إقليمية تضم إسرائيل، وموجهة لدولة إقليمية كبرى مثل إيران، لوجود معارضة لهذا الأمر داخل المؤسسة العسكرية، مع الإبقاء على التعاون الاستخباراتي والعسكري الثنائي غير المعلن، والذي أشارت إليه إسرائيل عندما تم الإعلان عن نشر منصات دفاعية في عدد من دول الشرق الأوسط بينها الإمارات والبحرين.
- تأجيل الدمج الكامل للكيان الصهيوني في المنطقة العربية عبر تطبيع العلاقات مع السعودية بما تتمتع به من ثقل في العالمين العربي والإسلامي، وذلك لصعوبة هذا الدمج دون الوصول لحل ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة وأن المملكة هي التي أطلقت مبادرة السلام العربية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، واشترطت لتطبع العلاقات مع الكيان الصهيوني أن يقبل بإنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 وعودة اللاجئين.
- استمرار أزمة إمدادات النفط وارتفاع أسعاره في الأمد القريب، لأسباب عديدة، ليس من بينها رفض دول الخليج الانصياع للمطالب الأميركية بزيادة الإنتاج، ولكن لأسباب أخرى، على رأسها القدرة الإنتاجية الفعلية لدول الخليج، وحاجة هذه الدول إلى الوقت لكي تزيد إنتاجها، وحجم الزيادة الإنتاجية في تعويض النقص الناتج عن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا التي يمكن أن تمتد لسنوات. هذا بالإضافة إلى الضوابط التي تضعها منظمة أوبك ودول اتفاقية “أوبك+” حول زيادة الإنتاج، ووجود روسيا على رأس دول الاتفاقية المذكورة.
- انتكاسة ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي، وارتباط هذه الانتكاسة باستمرار الظرف الإقليمي والدولي الراهن، والذي تبحث فيه الولايات المتحدة عن مصالحها، التي هي مصالح الكيان الصهيوني في الوقت نفسه. وترتبط هذه المصالح ببقاء الأنظمة الحالية، والتي يمكن التعاون معها عبر سياسة المقايضة، وهي غض الطرف عن ديكتاتوريتها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في مقابل التزامها بالسياسات الأميركية في المنطقة، وعدم التعاون مع أي جهة تعرض هذه المصالح للخطر، والتطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية ورغبات الشعوب العربية.
ولعل أول بشائر هذه الانتكاسة هو إصدار البيت الأبيض بيانًا بعد لقاء بايدن مع السيسي، يدعم فيه طلبات التمويل المصرية في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، متجاهلًا وعده السابق بأنه لن يقدم مزيدًا من الشيكات الفارغة لـ”ديكتاتور ترامب المفضل”.
خاتمة
يمكن القول إن زيارة بايدن للمنطقة لم تأت بجديد، وإن مخرجات الزيارة كانت أقل بكثير من سقف التوقعات والتكهنات التي صدرت قبل وصول الرئيس الأميركي للمنطقة.
فقد أكدت أميركا على مواقفها الثابتة من التمسك بالبقاء في المنطقة، وضمان أمن حلفائها، وحشد الشركاء في مواجهة إيران.
وفي المقابل، أكد حلفاء أميركا في المنطقة أهمية العلاقة مع الإدارة الأمريكية، والالتزام بالشراكة معها، والتجاوب مع مطالبها، في مقابل الدعم الأميركي لهم والتغاضي عن سجلاتهم في مجال حقوق الإنسان.
وبحساب المكسب والخسارة، فإن إسرائيل هي الفائز الأكبر من هذه الزيارة، حتى وإن تأجل تحقيق بعض أهدافها، فقد قدم لها بايدن كل الدعم من أجل الحفاظ على أمنها، وتعهد لها بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، واللجوء إلى الحل العسكري إذا لزم الأمر، لتظل وحدها المالكة له في الشرق الأوسط.
ثم تأتي بعد ذلك السعودية التي رممت علاقاتها مع أميركا، وكسرت الحاجز الموجود بين ابن سلمان وبايدن، والنظام المصري الذي التقى رئيسه بالرئيس الأميركي بعد محاولات عديدة فاشلة.
أما الخاسر من هذه الزيارة فهو السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عبّاس، بعد أن همّش بايدن القضية الفلسطينية، ولم يأت بخطة لاستئناف المفاوضات، ولم يتراجع عن شيء من سياسة سلفه.
ولكن سقف الإنجاز الذي حققته هذه الزيارة يظل أقل بكثير من سقف التوقعات التي سبقتها، إذ لم يستطع بايدن إقناع حلفائه بالمضي قدمًا في دمج إسرائيل في المنطقة، عبر تطبيع العلاقات مع السعودية وتكوين حلف دفاعي تشارك فيه تلأبيب لمواجهة إيران. كما أن زيادة إنتاج النفط أحيطت بقيود سوف تؤجل تأثيرها الإيجابي في المدى القريب.
غير أن الزيارة سوف يستمر أثرها على المنطقة في أشكال عديدة، لعل أبرزها هو تراجع وضع القضية الفلسطينيىة، وتدهور الوضع الحقوقي بعد أن تغلب النفط على المبادئ.
[1] الجزيرة نت، النص الكامل لوثيقة “إعلان القدس” التي وقعها بايدن لضمان أمن إسرائيل، 14 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3RFoM7P
[2] The White House, Statement by Press Secretary Karine Jean-Pierre on President Biden’s Travel to Israel, the West Bank, and Saudi Arabia, 14-7-2022, https://bit.ly/3RXeXlR
[3] الجزيرة نت، النص الكامل لوثيقة “إعلان القدس” التي وقعها بايدن لضمان أمن إسرائيل، 14 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3OtFwfj
[4] المصدر السابق.
[5] BBC عربي، جو بايدن: الرئيس الأمريكي يوقع تعهدا مشتركا مع إسرائيل بمنع حصول إيران على سلاح نووي، 14 يوليو/تموز 2022، https://bbc.in/3RVjNje
[6] RT عربي، لابيد يحمل بايدن رسالة إلى السعودية: يدنا ممدودة للسلام، 14 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3S0InPY
[7] وكالة الأناضول، بايدن: حل الدولتين يبدو بعيدا الآن، 15 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3v3ouxL
[8] مصر اليوم، بايدن يوقع تعهدًا مع إسرائيل بمنع حصول إيران على سلاح، 14 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3aVgyb9
[9] وكالة أنباء النفط (أونا)، الرئيس الأمريكى: أفعل كل ما بوسعى لزيادة إمدادات النفط للولايات المتحدة، 16 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3cvtTr3
[10] العربية، نص كلمة ولي العهد السعودي بقمة جدة للأمن والتنمية، 16 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3PJMZrQ
[11] CNN بالعربي، الجبير يوضح لـCNN هل ضغط بايدن على السعودية لزيادة إنتاج النفط، 16 يوليو/تموز 2022، https://cnn.it/3ohUb2A
[12] Sputnik عربي، ملك الأردن يدعو لتشكيل “ناتو” شرق أوسطي… ما إمكانية التطبيق وماذا عن إسرائيل؟، 25 يونيو/حزيران 2022، https://bit.ly/3zjIMW9
[13] المرصد المصري، نص كلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام قمة جدة للأمن والتنمية، 16 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3IPbHES
[14] The Washington post, In the Middle East, Biden’s policy bumps into U.S. principles, 17-07-2022, https://wapo.st/3zmiYZt
[15] BBC عربي، هل يضع بايدن في الرياض لبنة التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟، 14 يوليو/تموز 2022، https://bbc.in/3PLyV0U
[16] البيت الأبيض، بيان جدة: بيان مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، 16 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3ojCfom
[17] وكالة الأناضول، السعودية: لا شيء اسمه “ناتو عربي” ولم نناقش التحالف ضد إيران، 16 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3RO9iy3
[18] CNN بالعربي، ناتو شرق أوسطي.. بين ما تريده إسرائيل والمزاج السائد في دول الخليج تجاه إيران، 18 يوليو/تموز 2022، https://cnn.it/3RPvWpM
[19] ايسنا، طهران: تلقينا رسائل إيجابية من السعودية والإمارات والاردن لتحسين العلاقات، 19 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3IVuApy
[20] يورونيوز، هل حقق بايدن الأهداف التي سافر من أجلها إلى السعودية؟، 17 يوليو/تموز 2022، https://bit.ly/3OlCIkh
[21] BBC عربي، هل يضع بايدن في الرياض لبنة التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟، 14 يوليو/تموز 2022، https://bbc.in/3PLyV0U