أداء الاقتصاد التركي في ظل أزمة كورونا

عبدالحافظ الصاوي

أداء الاقتصاد التركي في ظل أزمة كورونا

عبدالحافظ الصاوي

أثرت أزمة كورونا بشكل عام على جميع اقتصاديات العالم، ولم ينج منها أي اقتصاد، للدول المتقدمة أو الصاعدة أو النامية، فالآثار متعددة، ومترامية في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، سوف يحقق الاقتصاد العالمي بنهاية 2020[1]، أداء سلبيًا بنسبة 3%. فضلًا عن المؤشرات السلبية الأخرى في مجالات متعددة، منها على سبيل المثال، البطالة والتجارة والطيران على الصعيد العالمي.

ومن هنا فليس الاقتصاد التركي استثناء من اقتصاديات العالم، ومن الطبيعي أن تتراجع بعض مؤشراته الكلية، ولكن العبرة بالأداء الإجمالي، الذي يعد أحد مظاهر قوة الاقتصاد التركي من حيث قاعدته الإنتاجية الصلبة، واستجابته بشكل سريع لتلبية كافة الاحتياجات المحلية، وبخاصة في قاطعي الغذاء والدواء، بل امتلك أداء ملحوظًا في تصدير الغذاء ومستلزمات الرعاية الصحية من معدات وأدوية والمتطلبات الصحية الأخرى. وهو ما مكن الدولة التركية من التعامل مع أزمة كورونا بشكل متميز[2].

حقق الناتج المحلي الإجمالي لتركيا أداءً إيجابيًا في الربع الأول من عام 2020 (يناير – مارس) بنسبة بلغت 4.5%، وبما قيمته 176.1 مليار دولار[3]، وكانت أهم مظاهر النمو في القطاعات الاقتصادية، هي قطاع المعلومات والاتصالات 10.7%، وقطاع الصناعة 6.2%، وفي قطاع الإدارة العامة (الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي) 4.6%، وقطاع الزراعة 3%، النشاط المالي والتأمني 1.6%، بينما تراجع قطاع البناء والتشييد بنسبة 1.5%.

ومن المعلوم أن أواخر مارس 2020 شهدت عمليات الحظر بشكل كبير في تركيا، وبالتالي ستكون هناك تأثيرات سلبية على المؤشرات الاقتصادية ككل، وعلى نمو الناتج المحلي الإجمالي التركي في الربع الثاني من عام 2020 (أبريل – مايو- يونيو) ولكن عودة الحياة الاقتصادية بضوابط معينة في مطلع يونيو 2020، قد تخفف من هذه الآثار السلبية بشكل كبير.

حاول البعض ترويج معلومات مغلوطة عن أداء الاقتصاد التركي، وعرض بيانات البنك المركزي التركي بصورة مجتزئة، وهذه الطريقة إما تعبر عن جهل، أو عن تعمد الإساءة لأداء الدولة التركية، ونعرض لكم فيما يلي احتياطي النقد الأجنبي في تركيا بنهاية أبريل 2020، وهو ما يمثل رصيد 86 مليار دولار. منها 50 مليار دولار من النقد الأجنبي والباقي من الذهب[4]، وهو الوضع الطبيعي لتكوين احتياطيات النقد الأجنبي، حيث تمتلك الدولة عملات أجنبية رئيسية (الدولار، اليورو، الين الياباني، الجنيه الاسترليني، اليوان الصيني)، والذهب. وتتجه معظم الدول لتنوع رصيدها من النقد الأجنبي داخل سلتها من الاحتياطي، مع التركيز على العمل التي تغلب على تعاملاتها الخارجية..وقد لوحظ مؤخرًا أن تركيا تركز على زيادة رصيدها من الذهب. وكانت بيانات مارس 2020 توضح أن رصيد النقد الأجنبي، كان بحدود 92 مليار دولار، أي أن الاحتياطي فقد نحو 6 مليارات دولار خلال أبريل، وهو أمر طبيعي في ظل احتياجات تركيا من بعض الواردات، ولكن يجب أن نلاحظ أن ما فقده احتياطي النقد التركي من نقد أجنبي، خرج بالكامل من تركيا، فهناك ظاهرة الدولرة، التي تعيشها تركيا وغيرها في مثل هذه الظروف، حيث يتجه الأفراد والمؤسسات إلى تحويل مدخراتهم للعملات الأجنبية للحفاظ على قيمة ثرواتهم، ومع تحسن سعر الليرة -وهو ما نشهده الآن- سوف يتكبد المضاربون في سعر الليرة خسائر كبيرة، كما أن من اتجهوا للدولرة، سوف يضطرون لبيع ما لديهم من دولار وغيره من العملات الأجنبية، ولمواجهة ظاهرة الدولرة، اتخذت الدولة التركية مجموعة من الإجراءات، كان أبرازها رفع الضريبة على شراء النقد الأجنبي من 0.1% إلى 0.2%[5].

تعرضت الليرة التركية بالتزامن مع أزمة كورونا -التي أثرت على مواردها من النقد الأجنبي، وبخاصة في قطاع السياحة- إلى مضاربات من قبل بعض البنوك[6]، مما أدى لقطع تركيا لعلاقتها مع هذه البنوك، وعمل على وقف هذه المضاربات، وحدث هدوء في الانخفاض غير المبرر في سعر صرف الليرة. ومن جهة أخرى اتبعت الحكومة التركية سياسة جديدة تمثلت في ما يسمى مبادلة العملات، بمعنى توسيط العملات المحلية في التجارة الدولية بين الدول، واستهدفت تركيا عدة دول، كان أسرعها قطر، التي أدت الاتفاقية معها إلى تدفق 10 مليارات دولار للبنك المركزي التركي[7]، وتحسن سعر صرف الليرة عند 6.8 للدولار، بعد أن كان 7.25 ليرة للدولار.

ومن الوارد بنسبة كبيرة، في حالة نجاح تركيا في الوصول لاتفاقيات مبادلة العملة مع دول أخرى، أن يشهد سعر الليرة المزيد من التحسن، ومن جهة أخرى، في مطلع يونيو 2020، سوف تعود الحياة الاقتصادية لغالبية مرافق الحياة في تركيا، كما ستعود بعض الأنشطة مع العالم الخارجي، وبخاصة السياحة، وتنشيط المدينة الطبية العالمية، مما سيؤدي إلى مزيد من تدفق النقد الاجنبي، وزيادة المعروض منه في السوق التركي، وبالتالي تحسن وضع الليرة التركية.

أظهرت البيانات الخاصة بمعدلات البطالة في تركيا فبراير 2020، أن نسبة البطالة 13.6%[8]، وهو أمر طبيعي في ظل التداعيات السلبية لأزمة كورونا، وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، والجدير بالذكر أن عدد القوى العاملة في تركيا (عاملون + عاطلون) يبلغ 33.3 مليون فرد.. وبذلك وفق معدلات البطالة في فبراير 2020 يصل عدد العاطلين إلى نحو 4.5 مليون فرد، والحديث عن أية أرقام أخرى عن البطالة في تركيا، يفتقد إلى المنطق العلمي السليم.

من المهم أن نبين أن هناك فرق بين إجمالي الإنفاق العام الذي تقوم أي دولة بانفاقه خلال العام، وبين العجز في الموازنة، فالإنفاق العام يتم تدبيره من خلال مصادر مختلفة على رأسها الضرائب والرسوم، بينما العجز يعتمد على الفجوة بين النفقات والإيرادات، والذي يغطى عادة من الديون.

وفي الميزانية التركية لعام 2020، قدر الإنفاق العام بنحو 1.09 تريليون ليرة، كما قدرت الإيرادات العامة بنحو 956 مليار ليرة، وبذلك يكون العجز المقدر خلال 2020 بنحو 139 مليار ليرة. ولذلك وجب التنبيه بأن قيمة الإنفاق العام لا تعني أبدًا أن الإنفاق من الديون، ولكن الديون خلال العام يعبر عنها قيمة العجز، بمعنى أن الحكومة التركية سوف تستدين بنحو 139 مليار ليرة، حسب تقديرات ميزانية 2020. ولكن في ظل أزمة كورونا قد يزيد هذا العجز عن هذه القيمة، ولكنها ظروف الأزمة.

وفي عام 2019 بلغ العجز في الميزانية التركية 123.7 مليار ليرة، وهو ما يعادل نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة شديدة المثالية، لا تبلغها بعض بلدان الاتحاد الأوروبين وتحققت هذه النسبة من العجز بسبب عمليات تنشيط الاقتصاد التي اتبعتها الحكومة، عبر تنفيذ العديد من المشروعات العامة.

أما في 2020، وحسب بيانات أبريل فقد بلغ عجز الموازنة 43.2 مليار ليرة، كان العجز في مارس 2020 نحو 43.7 مليار ليرة[9]. وبلا شك أن ارتفاع العجز بهذه المبالغ، ناتج عن تكلفة مواجهة أزمة كورونا، وما تبعها من برامج اجتماعية وصحية وتعويضات، ولكن العجز في الشهور القادة سيكون أقل من شهري مارس وأبريل، اللذان يمكن اعتبرهما ذروة العجز في الميزانية التركية.

ومن المسلمات الاقتصادية، أن الدولة في ظل أزمة الانكماش الاقتصادي، عليها أن تزيد من الإنفاق العام لإنعاش الاقتصاد، والعمل على تحقيق ما يسمى الطلب الفعال، أي الذي يعبر عن طلب حقيقي وينعش القطاعات الاقتصادية المختلفة.

وكما أتاحت أزمة كورونا مجموعة من الفرص فرضت مجموعة من التحديات، منها ما يلي:

المصـــادر:

[1] صندوق النقد الدولي،  الإغلاق العام الكبير: أسوأ هبوط اقتصادي منذ الاقتصاد الكبير، 14/4/2020،

https://bit.ly/2ZUMfcy

[2] BBC، فيروس كورونا: كيف نجحت كورونا في احتواء الوباء؟ 30/5/2020.

[3] معهد الاحصاء التركي، أداء الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من 2020،

https://bit.ly/2TVYBgF

[4] البنك المركزي التركي، رصيد احتياطي النقد الأجنبي في أبريل 2020،

https://bit.ly/3gE9eyE

[5] رويترز، مصدران: تركيا تضاعف ضريبة شراء النقد الأجنبي للأفراد  0.2%، 3/7/2020،

https://bit.ly/3cgZAi0

[6] وكالة الأناضول للأنباء، تركيا تفرض حظر معاملات على 3 بنوك أجنبية، 7/5/2020،

https://bit.ly/2zBxa53

[7] روسيا اليوم، تركيا تتلقة 10 مليارات دولار من قطر، 22/5/2020،

https://bit.ly/3dvyS6o

[8] معهد الاحصاء التركي، معدلات البطالة فبراير 2020،

https://bit.ly/2MgpGao

[9] رويترز، وزراة: عجز ميزانية تركيا 43.2 مليار ليرة في أبريل ، 15/5/2020،

https://bit.ly/2Ms3Lx3https://bit.ly/2Ms3Lx3

[10] رويترز، وزارة: فائض ميزانية تركيا 21.5 مليار ليرة في يناير، 17/2/2020.

https://bit.ly/3dhPIG4

Exit mobile version