الدور المصري في إدارة الصراع الليبي
أحمد فتحي (باحث في الشئون السياسية)
تشهد ليبيا منذ سقوط نظام القذافي عام 2011 حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، تغذيها أطماع العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة في السيطرة على النفط والغاز، حتى تحول الصراع في ليبيا إلى صراع يدار بالوكالة يعكس أشكال التوترات الإقليمية بالمنطقة.
تحالف الثورة المضادة والتدخل في الشأن الليبي
على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا رقم 2259، في 22 ديسمبر 2015، والذي أوجب على كافة دول العالم التعامل مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، كممثل شرعي للدولة الليبية، وعدم التعامل مع الحكومات الموازية، فقد ظلت دول تحالف الثورة المضادة المتمثلة في السعودية والإمارات ومصر، تقوم بدور محوري في دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في حربه القائمة ضد حكومة الوفاق الوطني، والتي تمثل آخرها في هجومه على العاصمة طرابلس منذ أبريل 2019.
وقد وجه فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، أصابع الاتهام للإمارات ومصر بالإضافة إلى فرنسا، بالتدخل في ليبيا، ودعم حفتر الذي وصفه على حد تعبيره بأنه مجرم متعطش للدماء، وذلك في الجلسة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأضاف أن حفتر لا يشجعه في هجومه على حكومة الوفاق إلا حصوله على دعم من دول أجنبية.
التدخل المصري في ليبيا
في نفس الوقت الذي طالب قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في يونيو 2019 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بحماية ليبيا، مما أطلق عليه فوضى الميليشيات، وتدخل لاعبين خارجيين في الشؤون الداخلية الليبية، فقد ندد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بالتدخل السافر للحكومة المصرية في الشأن الليبي، واتهمها بالعمل على إرباك المشهد في ليبيا، وانتهاك قرارات مجلس الأمن، بدعم أطراف ليبية وتزويدها بالسلاح.
حيث تلعب القاهرة دورا رئيسيا في الصراع داخل ليبيا، إذ تعد حليفا وثيقا لحفتر، منذ رفض الأخير تمديد عمل المؤتمر الوطني العام، الذي يهيمن عليه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في يناير 2014، حيث قامت مصر بمساعدة حفتر في حملته ضد الإسلاميين بكل طوائفهم، وليس فقط التنظيمات المسلحة في بنغازي، حتى صار حفتر أكبر حليف للقاهرة في حربها الإقليمية على الإسلاميين، والتي تضع مواجهة ظاهرة الإسلام السياسي كهدف رئيسي لها. كما يأمل السيسي في دعمه لحفتر إلى إثبات نموذج الحكم العسكري، وقدرته على السيطرة وتوفير الأمن والاستقرار.
بدأ التدخل المصري عام 2014 بالتزامن مع بدء عملية الكرامة بقيادة حفتر بالمنطقة الشرقية، والذي توج بالتحالف المصري الإماراتي، وإنشاء قاعدة جوية مشتركة بينهما في ليبيا، وازدادت وتيرته بعد مقتل 21 قبطي على يد تنظيم داعش عام 2015. وبحسب تقارير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة؛ فإن القاهرة ترسل لحفتر الأسلحة منتهكة لقرار مجلس 2011/1970، إذ تزود مصر قوات حفتر بالذخيرة والأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر الهجومية والطائرات المقاتلة، فضلاً عن توفير التدريب اللازم، هذا بالإضافة إلى غارات جوية مباشرة أطلقتها القاهرة ضد معاقل خصوم حفتر.
أسباب التدخل المصري في ليبيا
في المُعلن ينطلق الموقف المصري في دعم حفتر من قلق القاهرة على حدودها الغربية، فسيطرة زعيم صديق لمصر كحفتر يمكن أن يخلق منطقة عازلة تعرقل نمو أي معارضة لنظام السيسي، وتؤمن الحدود من تدفق الجهاديين والأسلحة بحرية إلى الداخل المصري، وخاصة إلى شبه جزيرة سيناء، مما يهدد الاستقرار والأمن الداخلي في مصر.
حيث مثل اختلال الأمن في ليبيا خاصة في منطقة برقة، تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي، خاصة مع وجود تنظيم الدولة في الشرق الليبي، وازدياد هجمات الجهاديين، وانضمام بعض الجماعات الجهادية المصرية لمنظمات ليبية تعمل في المناطق الشرقية، لتقود هجمات مشتركة، كالهجوم على القنصلية الأمريكية في بني غازي سنة 2012 ومقتل السفير الأمريكي، وزيادة عدد الهجمات ضد نقاط التفتيش العسكرية في كلا طرفي الحدود، مثل الفرافرة والواحات ومرسى مطروح والنقب.
كان أبرز هذه الهجمات في أكتوبر 2017، عندما قتل مسلحون، تدربوا في معسكرات ليبية، أكثر من 50 ضابط شرطة على الطريق السريع بين الجيزة وغرب الصحراء، بحسب الداخلية المصرية. ويذكر أن قوات حفتر تمكنت من القبض على ضابط الصاعقة المصري السابق هشام عشماوي، في درنة الليبية في أكتوبر 2018، والذي يعتبر أبرز المطلوبين للنظام المصري، وتم ترحيله إلى مصر.
حيث يمكن القول إن وجود العديد من الجماعات الجهادية في كلا البلدين مثل ولاية سيناء، شبكة محمد جمال، مجلس شورى المجاهدين، جماعة المرابطون، وإمكانية تحول الحدود بين البلدين إلى مأوى للجماعات المسلحة، أعطت المبرر للحكومة المصرية لاستخدام كل ما أمكنها لحماية حدودها، من احتمالية تدفق الأسلحة والمقاتلين من ليبيا لشبه جزيرة سيناء، ومنع انتشارهم خلال الصحراء الغربية، وكذلك منع تهريب البشر والسلاح والمخدرات عبر الحدود بين البلدين.
الموقف السابق من النظام المصري يمكن تفهمه حال اقتصر التدخل على دعم حفتر في هجماته شرق ليبيا، ضد المجموعات الجهادية المسلحة، أو ضد مهربي المخدرات والسلاح عبر الحدود، ولكن إصرار مصر على دعم حفتر عسكريا وسياسيا في هجماته على العاصمة طرابلس غرب ليبيا، ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وخرق الإجماع الوطني حولها، وتكوين ميليشيات مرتزقة يتشارك فيها عدة جنسيات لزعزعة استقرارها، يدلل على أن هناك أهداف أخرى غير معلنة.
الصراع التركي المصري حول غاز المتوسط
وفيما يحاول السيسي الضغط على المجتمع الدولي للتغاضي عن التدخل المصري في ليبيا، بمشاركة حلفائه الإمارات وفرنسا وروسيا، إذ برز مؤخرا على السطح بعد الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في 27 نوفمبر 2019، الصراع بين مصر وتركيا حول ليبيا وغاز المتوسط، حتى وصل للتهديد بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا من الطرفين.
ورغم تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي أكد أن الاتفاقية لا تضر بمصالح مصر، وعلى الرغم من أن الاتفاقية تزيد من مساحة الحدود البحرية لصالح مصر؛ فإن القاهرة أعلنت رفضها للاتفاق بطريقة غير مبررة.
وقعت مصر عام 2014، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر وكلا من قبرص واليونان، بطريقة تنتقص من مساحة المياه الاقتصادية التركية لحساب اليونان، وكذلك تتنازل عن حقوق مصر في كل من حقل ليفثيان الإسرائيلي وأفروديت القبرصي اللذان يقعان داخل المياه الاقتصادية المصرية، ويؤدي لتلاصق الحدود البحرية لكلا من إسرائيل وقبرص واليونان، مما يسمح بتمرير أنبوب الغاز الإسرائيلي والقبرصي لأوروبا، دون المرور بالمياه المصرية. حيث أسفر الترسيم عن تنازل مصر عن مساحة تعادل ضعف مساحة دلتا النيل في مصر، وفقا للدكتور نايل الشافعي المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية. مما يشير أن الترسيم يمثل أحد حلقات تنازل السيسي عن الممتلكات المصرية، لصالح الدولة العبرية.
وخلاصة القول أن التدخل المصري في ليبيا يحمل شقين أحدهما أمني لحماية الحدود الغربية لمصر من تهديد الحركات المسلحة خاصة الجهادية منها، وانتشارها في الداخل المصري، وتهريب السلاح والأفراد عبر الحدود، وشق سياسي يتضمن إصرار القاهرة على تحقيق مصالح الدولة العبرية، ولو على حساب مصلحة الشعب المصري بالتنازل عن ثروات مصر، أو توريطه في مواجهات إقليمية لا طائل من ورائها، وكذلك ملاحقة كل أشكال تنامي الإسلام السياسي في دول الجوار.