المحتويات
- مقدمة
- دلالات عدم تأجيل الانتخابات
- سردية الحكومة عن الزلزال
- سردية المعارضة عن الزلزال
- توجهات الناخبين
مقدمة
قبل السادس من شهر فبراير/ شباط 2023، تصدرت ملفات الاقتصاد واللاجئين الخطاب السياسي في تركيا، باعتبارها الموضوعات التي تهم معظم الجمهور التركي. لكن بعد أن ضرب زلزالان مدمران جنوب تركيا وشمال سوريا، تغيرت الخارطة الانتخابية وبات الزلزال في صدارة المشهد، فارضًا نفسه على أجندة المرشحين للانتخابات العامة، المزمع عقدها في 14 مايو/ أيار 2023.
ففي استطلاع رأي أجرته شركة “أوبتيمار (Optimar)” للأبحاث ما بين 19- 23 فبراير / شباط 2023، على 2000 شخص، فإن 67.3 بالمئة من المستطلعين يرون أن أهم مشكلة تواجه تركيا هي الزلزال، وجاء الاقتصاد في المرتبة الثانية بنسبة 18.1 بالمئة.[1]
وفي الواقع، فإن هذا متفهم بالنظر إلى الأثر الكبير للزلزالين. فالزلزال الأول الذي وقع في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي، كان بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه غرب مدينة غازي عنتاب، وبعد مرور تسع ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة كهرمان مرعش. وسُجلت أكثر من 22.500 هزة ارتدادية في المنطقة، على مدار الأسابيع الماضية، منها على الأقل 45 هزة أرضية فاقت شدتها 5 درجات.
وذكرت هيئة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أن القشرة الأرضية اهتزت لمدة دقيقتين خلال الزلزالين، موضحة أن القشرة الأرضية تحركت بواقع 7.3 أمتار، ما يجعله أكبر زلزال في منطقة الأناضول منذ 2000 عام، وفق وصفها.[2] وبدوره، ذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن الزلزال المزدوج تسبب في دمار على مساحة 500 كيلومتر، وشعر به على مساحة تقارب ألف كيلومتر.[3]
وحسب آخر الإحصاءات التي نشرتها “آفاد”، في 20 مارس/ آذار 2023، فإن عدد ضحايا الزلزال بلغ 50.096 شخصًا، فيما بلغ عدد المصابين 107.204 شخصًا،[4] هذا بجانب 2 مليون و200 ألف مواطن نزحوا بسبب الزلزال، و20 مليون مواطن هو مجموع مَن قد يتأثروا به، حسب أردوغان.[5]
وفيما يخص الخسائر المادية، فقد بلغ عدد المباني المتهدمة أو التي يجب هدمها بشكل عاجل أو المتضررة بشكل كبير 298 ألفًا، فيها 876 ألف شقة سكنية،[6] بينما بلغ عدد السيارات التي تضررت بزلزالي كهرمان مرعش في المدن الـ11 المنكوبة مليون سيارة تقريبًا. ووفق تقديرات الحكومة التركية، فقد بلغت الخسائر الإجمالية للزلزالين ما يقارب 2 تريليون ليرة (103.6 مليار دولار)، أي ما يعادل حوالي 9 بالمئة من مجموع الدخل القومي المتوقع لعام 2023.[7]
هذا الضرر الواسع وضع الزلزال في مقدمة الملفات التي قد يصوت المواطنون الأتراك على أساسها. ونحن هنا إزاء سرديتين. الأولى تروج لها المعارضة وتتلخص في طرح سؤال: مَن المسؤول عن الخسائر الواسعة للزلزال؟ أما الثانية فينتهجها التحالف الحاكم وتتلخص في سؤال: مَن لديه القدرة على الإعمار وإعادة الأمور إلى طبيعتها؟
دلالات عدم تأجيل الانتخابات
بعد ساعات من الزلزال، ومع اتضاح حجم الكارثة، بدأ الحديث عن تأجيل الانتخابات التركية، حتى لما بعد موعدها الأصلي الذي كان مقررًا في 18 يونيو/ حزيران 2023. هذا الحديث جاء أولًا عن مصادر داخل الحزب الحاكم أشارت إلى احتمالية تأجيل الانتخابات، ثم ذكر ذلك صراحةً بولنت أرينتش، أحد أهم قيادات حزب “العدالة والتنمية” تاريخيًا، ومستشار سابق للرئيس التركي. ففي بيان له، في 13 فبراير/ شباط 2023، أكد “أرينتش” أن “الوضع مؤلم جدًا، فلم يتبق ناخبون هنا (في مناطق الزلزال)، وأصبحت القوائم باطلة، ومن المستحيل قانونيًا وفعليًا إجراء الانتخابات”، مضيفًا أن تأجيل الانتخابات “ليس خيارًا بل ضرورة ملحة”.
وطرح القيادي في الحزب الحاكم 3 مقترحات لتأجيل الانتخابات. الأول هو الجمع بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية مع انتخابات البلديات التي من المقرر أن تُجرى في 31 مارس/ آذار 2024. أما الثاني فهو تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، والمقترح الثالث هو الاتفاق على تاريخ آخر بإجماع كافة الأحزاب السياسية.
لكن حسبما أوردت المصادر، فقد لاقى هذا الطرح معارضة كبيرة من الرئيس أردوغان، الذي استخدم سلطاته الدستورية في 10 مارس/ آذار 2023،[8] ليقرر تقديم موعد الانتخابات إلى 14 مايو/ أيار 2023، دون أي تغيير عما كان معلنًا قبل وقوع الزلزال.
وربما يرجع هذا القرار لرغبة أردوغان في الحفاظ على الأثر الاقتصادي الإيجابي على المواطنين بعد زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 8500 ليرة تركية، والسيطرة النسبية على التضخم في البلاد، ما قد ينعكس إيجابًا على حظوظه في الانتخابات.
كذلك، فإن إحداث بلبلة داخل تحالف المعارضة ربما كان أحد أهداف هذا القرار. إذ أن الذهاب إلى تأجيل الانتخابات كان من شأنه يُعطي للمعارضة فرصة أكبر لاختيار مرشح موحد لها للرئاسة دون أن تظهر خلافاتها للعلن، وينقل الحديث العام في البلاد إلى مساحة انتقاد مسار تأجيل الانتخابات. وبالفعل، سارع كل من رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، ورئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، أثناء الجدل حول احتمالية تأجيل الانتخابات، إلى التصريح بأنهما لن يسمحا بذلك.[9]
أما مع قرار الرئيس التركي بالذهاب للانتخابات في موعدها المُعلن سلفًا، فقد شكّل عامل الوقت ضغطًا على المعارضة، ما ساهم في خروج خلافاتها للعلن، عبر الانتقادات اللاذعة التي وجهتها “أكشنار” ضد الطاولة السداسية، وإعلان رفضها لترشيح كليتشدر أوغلو لمنصب الرئاسة، قبل أن تعود مرة أخرى للطاولة.
علاوة على السببين المذكورين آنفًا، فإن الدستور التركي لا يسمح بتأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب، ما يعني أن تأجيل الانتخابات لما بعد يونيو/ حزيران 2023، كان من شأنه – على أقل تقدير- أن يثير انتقادات واسعة، قد تخصم من رصيد التحالف الحاكم، وتصوره على أنه يتهرب من الانتخابات، أو يتحايل على النظام الدستوري في البلاد.
وعلى هذا، جاء قرار أردوغان بإجراء الانتخابات في 14 مايو/ حزيران 2023، لكن الملاحظ أن أردوغان ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر وضع ملف الزلزال في قلب الحملة الانتخابية الخاصة به وبحزب العدالة والتنمية.
فقد صرح الرئيس التركي أن “الزلزال سيكون من الآن فصاعدًا على رأس جدول أعمالنا، وهمنا الوحيد سيكون تضميد الجراح”، وأضاف: “في فترة الانتخابات، ستستمر أعمالنا المتعلقة بتضميد جراح المنكوبين من الزلزال والتعويض الاقتصادي والاجتماعي لما حصل فيه”.
كما أن معالم الحملة الانتخابية جاءت متأثرة بالزلزال كذلك، فقد أوضح أردوغان أنها ستُجرى “بحساسية يفرضها علينا احترامنا لحرمة مواطنينا الذين فقدناهم في الزلزال وأولئك المتضررين منه”. ومن ذلك، منع المظاهر الاحتفالية في الحشود الانتخابية، وفرض مبلغ محدد يقدمه المرشح البرلماني عن الحزب الحاكم إلى هيئة الكوارث التركية، كتبرع لمتضرري الزلزال. وعلاوة على ذلك، خصص أردوغان الإفطارات الرمضانية لهذا العام مع متضرري الزلزال في الولايات الـ11 المنكوبة، بالتزامن مع اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية لمساعدتهم.
وبالنظر إلى وضع الرئيس التركي هذا الملف كأولوية على أجندته الانتخابية، فإن هناك عدة أسباب دفعته لذلك، قد تتلخص في تعبيره عن ثقته “من أنه لا يوجد أحد في تركيا يمكنه القيام بهذا العمل (إعادة الإعمار) بشكل أفضل أو أسرع أو أكثر عدلًا من حزبه”، أو كما صرح المتحدث باسمه وكبير مستشاريه، إبراهيم قالن، في معرض حديثه عن إعادة الإعمار، من أنه “إن كان هناك من أحد سينجزه، فسيكون هو الرئيس أردوغان”.
سردية الحكومة عن الزلزال
تبني الحكومة التركية سرديتها حول الزلزال على عدة نقاط رئيسية. أولها أنها تتحرك على كافة المستويات ومنذ الساعات الأولى لإنقاذ العالقين والتخفيف على المضارين من الزلزال. والثانية أن الحكومة بقيادة الرئيس أردوغان لديها القدرة على إنجاز المشاريع الكبرى كإعادة الإعمار، والثالثة هي مهاجمة المعارضة من باب معارضتها لمشاريع تحول حضري سابقة، هذا فضلًا عن الرد على ما تثيره المعارضة من انتقادات حول مسؤولية الحكومة عن عدم مطابقة المباني للمواصفات المقاومة للزلازل.
وفيما يتعلق بالرسالة الأولى، فإن الرئيس أردوغان يؤكد في جل خطاباته تقريبًا أن الحكومة تعمل في منطقة الزلزال ولن تتركها إلا بعد أن تعود الأمور لما كانت عليه قبل وقوع الكارثة. وفي هذا السياق، لا تكاد تخلو منطقة الزلزال من وزراء للحكومة التركية، خصوصًا وزيري الداخلية، ووزير البيئة والتخطيط العمراني. ومن هذا المنطلق، يهاجم الرئيس أردوغان المعارضة، باعتبار أن رموزها زاروا المنطقة مرات معدودة منذ وقوع الكارثة، واصفًا إياهم بـ”سياح الزلزال الذين يزورون المنطقة بين الحين والآخر ويلتقطون صورة ثم يختفون”.[10]
لكن ما كان لافتًا أن أردوغان، أثناء جولاته في مناطق الزلزال، اعتذر في غيرة مرة، خصوصًا من سكان ولاية “أديامان”؛ لأن حكومته لم “تتمكن من العمل بالطريقة التي أرادتها في الأيام القليلة الأولى من وقوع الزلزال”، وعزا أردوغان هذا إلى “التأثير المدمر للهزات وسوء الأحوال الجوية والطرُق”. وأضاف: “ندرك كل شيء، ويجب ألّا يكون لدى أحد شك بأننا نفعل ما هو ضروري، وسنفعل ذلك، ومع التغلب على الصعوبات التي واجهناها في الأيام الأولى، قمنا بتسريع أنشطة الإنقاذ والإغاثة لإخواننا في أديامان”.[11]
وبالطبع، تسبب التصريح في جدل واسع، إذ استخدمته المعارضة لدعم سرديتها، كدليل على تقصير الحكومة، رافضة اعتذار الرئيس. من ذلك ما قاله رئيس حزب المستقبل، أحمد داوود أوغلو، من أن “الصفح يكون بين الأفراد ولا يكون جماعيًا”، مضيفًا: “المسؤولية تقع عليك أنت وعلى فريقك غير الكفء”. وتابع داوود أوغلو قائلًا: “هل تعلم متى ستكون عملية المسامحة؟ ستكون في الصندوق. الشعب سيقرر ما هي المسامحة وما الحساب الذي ينتظركم في الصندوق، وهذا اليوم قريب جدًا”.[12]
لكن في المقابل، يرى آخرون أن الثقافة الشعبية في مناطق الزلزال ربما تستقبل هذا الاعتذار بإيجابية، خصوصًا وأن المؤسسات الحكومية تتدارك الأمر وتعمل على نطاق واسع لإغاثة منكوبي الزلزال، ومساعدتهم إلى حين تسليمهم منازلهم الجديدة. هذا بالإضافة إلى أن الرئيس التركي لم يعز ما حدث إلى تقصير من المؤسسات الحكومية، بل إلى تأثر الطرق بفعل الزلزال، وسوء الأحوال الجوية التي صعّبت من تحرك المركبات اللازمة للإنقاذ؛ بسبب تراكم الثلوج.
كما أن اعتذار أردوغان تبعه تصريحات أخرى تؤكد كبر حجم الكارثة، ما قد يجعل البعض يلتمس العذر لمؤسسات الدولة. حيث كرر الرئيس التركي وصفه للزلزال المزدوج بـ”كارثة القرن”، وصرح أن “عدد المباني المتهدمة كان مماثلًا لعدد أفراد فرق الإنقاذ العاملة في المنطقة وربما أكثر، لكن رغم ذلك نجحنا بإتمام عمليات البحث والإنقاذ بإنقاذ عدد كبير من مواطنينا من تحت الأنقاض (أكثر من 114 ألف مواطن)”.[13]
أما الرسالة الثانية، فتتمثل في أن خطاب الحزب الحاكم يركز على أنه الطرف الوحيد القادر على إعادة الإعمار. وتبرز هذه كإحدى أهم الرسائل التي تحملها الحملة الانتخابية بشكل عام، بل ربما تكون أحد الأسباب التي قادت الرئيس التركي للإبقاء على الموعد المبكر للانتخابات.
وفي هذا، يعتمد أردوغان على تاريخ حزبه في تنفيذ مشاريع مماثلة، من ذلك تصريحه: “فليطمئن شعبنا، فالكادر الذي يعمل الآن بنى سابقًا مليونًا و180 ألف منزل آمن و3.3 مليون مبنى ضمن مشروع الإصلاح العمراني خلال 20 عام”،[14] وربما تكون مقدرة أردوغان على إعادة الإعمار بمثابة قناعة لدى معظم شرائح الشعب التركي، حتى شرائح من معارضيه، وهو في ذلك يستند إلى تاريخه في إنجاز مشاريع تشييد واسعة خلال العقدين الماضيين، ما يمثل نقطة قوة بالنسبة له خلال الانتخابات.
وفيما يتعلق بالرسالة الثالثة، فقد حمّل الرئيس التركي – بشكل غير مباشر- جزءًا من مسؤولية خسائر الزلزال للمعارضة؛ بسبب وقوفها ضد بعض مشاريع التحول الحضري، تحت دعاوى أن الحكومة تستخدمه للتربح. وقال أردوغان: “واجهتنا صعوبات في التحول الحضري بسبب المعارضة”، وأضاف: “نرى أنه لم يعد لدينا وقت نضيعه في مشاريع التحول الحضري من أجل أهواء شخصية أو تعصبات أيديولوجية”.
وفي مناسبة أخرى صرح: “كما رأيتم، السيد كمال (كليتشدار أوغلو) يعارض مشاريع الإصلاح العمراني. لو لم يعرقلوا مشاريعنا هذه منذ البداية، لكنا قد انتهينا منها منذ زمن بعيد. هؤلاء لا يفهمون شيئًا حول الإصلاح العمراني، ولا يشغل بالهم شاغل بهذا الخصوص”. كما تحدى أردوغان المعارضة بأن تنفذ مشروع تحول حضري “تحتاجه بشكل عاجل منطقة كارابالار في إزمير (التي يترأس بلديتها عضو في حزب الشعب الجمهوري)”.[15]
وفيما يتعلق بالرسالة الرابعة، فقد احتوى الخطاب الرئاسي وخطاب الوزراء تأكيدات أن أكثر من 98 بالمئة من المباني التي تهدمت بفعل الزلزال بُنيت قبل عام 1999،[16] ما يعني أنها لم تخضع لكود الزلازل الجديد، الذي من المفترض أن تضطلع الحكومة والبلديات بمسؤولية مراقبة تنفيذه، وبالتالي، فإن هذه التصريحات تهدف لإضعاف سردية تقصير الحكومة.
وعلاوة على ذلك، حاول الرئيس التركي تصدير رسالة أنه لن يمرر الزلزال دون تحقيق ومحاسبة مَن تسبب في الخسائر بتقصير أو فساد. وبلغ عدد المعتقلين بقضايا دمار الزلزال إلى 298 شخصًا، منهم 104 مقاولين، و161 مسؤول بناء، و15 مالك عقار، و18 شخصًا قاموا بتعديلات على المباني.[17]
هذه الرسائل الأربع باتت شبه رئيسية في خطابات ولقاءات الرئيس التركي ومسؤولي حزبه، فالزلزال – كما أسلفنا- أحد الأعمدة الرئيسية التي قرر أردوغان أن ترتكز حملته الانتخابية عليها. وهذا بخلاف المعارضة التي ورغم اهتمامها بتحميل الحكومة مسؤولية الزلزال، إلا أنها لم توفر له – حتى الآن على الأقل- ذات المساحة التي يوفرها خطاب الحزب الحاكم.
سردية المعارضة عن الزلزال
ابتداءً، فإن ما نشير إليه هنا هي مواقف الأحزاب البارزة في الطاولة السداسية، التي باتت تُعرف بـ “تحالف الشعب”، التحالف الأبرز للمعارضة. وهنا يمكن القول، إن مواقف أطراف المعارضة المختلفة، بما فيها أحزاب تحالف الشعب، بدت متباينة خاصة في الأيام الأولى من الزلزال.
فعلى سبيل المثال، كانت لهجة رئيس حزب الشعب الجمهوري، مرشح التحالف في الانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، تصعيدية إلى حد بعيد. فمن ولاية “هاتاي” المنكوبة، قال كليتشدار أوغلو: “أرفض الدعوات التي تقول إن الذي حدث أمر فوق السياسة، وأرفض التقارب مع الحكومة. هذا الانهيار هو نتيجة سياسة الربح العقاري التي اتبعتها الحكومة. لن ألتقي بأردوغان أو مسؤولي القصر أو عصابات الربح العقاري بأي شكل كان. أنا سأقاتل عن شعبي حتى النهاية”.[18]
وأضاف أن “المسؤول الأول عما حدث هو أردوغان؛ لأن الشعب دفع الضرائب من أمواله للدولة لسنوات، لكنه لم يرَ الدولة إلى جانبه وقت الحاجة”، وفق زعمه. حتى إنه قال: “أدعو رؤساء بلدياتنا إلى القيام بكل ما يلزم لتأمين الخبز والبطانيات لشعبنا، حتى لو اضطرهم الأمر إلى فعل شيء يستوجب اعتقالهم. إذا قاموا بإعاقة عملكم بالبيروقراطية فلا تسمعوا لهم وتجاوزوهم”.[19]
هذا الموقف التصعيدي، قابله موقف أهدأ من ميرال أكشنار، رئيسة حزب الجيد، الحزب الثاني في تحالف المعارضة الرئيسي. فمن جانبها، استقبلت اتصالًا هاتفيًا من الرئيس أردوغان لمتابعة تطورات عمليات الإنقاذ، كما أشارت أيضًا إلى أنها تواصلت بالرئيس التركي لتوجيه بعض المطالب إليه المتعلقة بالمتضررين من الزلزال.[20]
وفيما يبدو، فإن هذا التباين منبعه عدم وجود تنسيق بين أحزاب “تحالف الشعب” في الأيام الأولى التي تلت الزلزال. وبالتالي، فإن كل طرف كان له تقديره الخاص حول الخطاب الأمثل في لحظة الكارثة، فبعضهم رأى أن الأفضل هو التركيز على انتقاد الحكومة وتحميلها المسؤولية في وقت تقف فيه البلاد على أعتاب انتخابات مهمة، بينما رأى آخرون تصدير رسالة الوحدة، والتسامي فوق الخلافات، وتأجيل ذلك إلى حين انتهاء عمليات الإنقاذ.
لكن بعد نحو أسبوعين من الزلزال، وفي محاولة لتوحيد موقفها وتسجيله أيضًا، اجتمعت أحزاب التحالف المعارض، وأصدرت بيانًا انتقدت فيه الحكومة ونظام الحكم الرئاسي بشكل عام، معتقدة أنه تسبب في تأخر تفاعل الجهات التنفيذية مع الزلزال. كما انتقدت الطاولة وقف موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” لعدة ساعات، في اليوم الثالث من الزلزال، باعتباره أعاق من تواصل المواطنين بعد وقوع الكارثة.[21] وكانت الحكومة التركية قد أوقفت الموقع بسبب عدم تجاوبه معها في محاربة الشائعات والمعلومات المغلوطة، حسب ادعائها.
كما شملت الانتقادات الموجهة للحكومة، ضعف الرقابة على مطابقة المنازل لمعايير السلامة، وتقصير الحكومة في توفير البديل للمواطنين الذين تهدمت منازلهم أو تضررت، ما جعل عددًا منها يعود إلى المنازل، التي تهدمت فيما بعد بفعل الهزات الارتدادية.
وعلاوة على ذلك، نال قرار الحكومة التركية بجعل التعليم الجامعي عن بُعد قدرًا كبيرًا من خطاب المعارضة. ففي إطار جهودها لتوفير سكنات مؤقتة للنازحين، قررت الحكومة استغلال المباني السكنية الجامعية، وأكد أردوغان أن هذه السكنات أفادت إلى حد كبير في استيعاب أعداد من المتضررين من الزلزال، حيث إن هناك 460 ألف شخص يسكنون في المساكن الطلابية والمدارس ومنازل المعلمين التابعة لوزارة التربية ومليون و 100 ألف آخرين في مراكز إيواء مؤقتة.[22]
لكن خطاب رموز المعارضة بشكل عام انصب – وما زال- على تخطئة هذا القرار، باعتباره يؤثر على الصحة النفسية للطلاب، الذين عادوا للجامعات لتوّهم بعد انحسار جائحة كورونا. وزعمت أحزاب المعارضة أن هناك بدائل تتمثل في المباني التي يستخدمها القطاع السياحي، ومقرات الأحزاب، وبعض المباني الفارغة التي يمكن أن تُستغل عبر التواصل مع البلديات.
وبالحديث عن الدوافع السياسية لتوجيه هذه الانتقادات، فقد يكون الهدف منها هو مغازلة شريحة الشباب، التي سيصوت منها حوالي 5 إلى 6 مليون شاب، في الانتخابات القادمة، وربما هذا ما يفسر شدة لهجة تلك التصريحات، مثل ما صدر عن رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض، علي باباجان، الذي قال: “لا تسرقوا حق التعليم من هذا الجيل”.[23]
وبجانب الخطاب النقدي، أعلنت أحزاب الطاولة أنها ستؤسس هيئة مشتركة لوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لمحو آثار الزلزال، بمشاركة مختصين في الجيولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم البيئة والطب والاقتصاد والتعليم والحقوق والسياسية والتخطيط المدني والعمارة.
كما دعت المعارضة إلى منع بيع العقارات والأراضي للأجانب في الولايات المتضررة من الزلزال، وأبدت استعدادها لحمل المسؤولية السياسية، وتطبيق وعودها المتعلقة بالتمدن وإدارة الكوارث، وإنشاء إدارة كوارث قوية مستعدة للتعامل مع الزلزال.
علاوة على ذلك، ذهب جزء من خطاب “الشعب الجمهوري” على وجه التحديد إلى الثناء على جهود البلديات، نظرًا لأن ما تملكه المعارضة حاليًا من وسائل تنفيذية ينحصر في عدة بلديات، منها اسطنبول وأنقرة وإزمير. فقد صرح كليتشدار أوغلو في غير مرة أنه “لولا وجود بلديات قوية لكان الحال أسوأ بكثير”.
وفي السياق نفسه، نشر رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، صورًا لعربات من بلدية اسطنبول شاركت في إطفاء حريق ميناء إسكندرون، الذي نشبت فيه النار بعد الزلزال، زاعمًا أن بلدية اسطنبول هي الجهة التي أخمدت الحريق. لكن في المقابل، رد نائب رئيس الجمهورية، فؤاد أوقطاي، قائلًا إن “المعارضة تقوم بحملات مضللة بصورة رخيصة تستهدف التقليل من جهود الحكومة وتدعي عدم توفير المساعدات للمتضررين”، وأضاف: “40 مركبة إطفاء من عدة ولايات تشارك في عمليات إطفاء الحريق بميناء إسكندرون ونحن من ندعو البلديات للعمل في ميناء الاسكندرون. والمعارضة تركز فقط عن المركبات التي تعنيها”.
لكن فيما بتعلق بإعادة الإعمار، فقد جاءت التصريحات فردية بشكل أو بآخر. فمن جانبه، حاول “باباجان” مضاهاة وعد الرئيس أردوغان بإتمام إعادة الإعمار في غضون عام، قائلًا إن “البناء هو أسهل ما يمكن فعله”، وإن بإمكان تحالفه تسليم 500 ألف منزل بعد 6 أشهر فقط.[24] كما وعد كليتشدار أوغلو بأن يسلم مضاري الزلزال بيوتهم الجديدة مجانًا.[25]
لكن الملاحظ أن هذه كانت تصريحات صادرة عن أفراد من داخل تحالف المعارضة، وليس وعدًا متكاملًا تتبناه ويروج له تحالف المعارضة باعتباره أحد دعائم الحملة الانتخابية. فلم تتكرر هذه التصريحات، ولم توضع تفاصيل مشروع إعادة بناء للمنطقة تتبناه المعارضة بين يدي الشعب والرأي العام.
وربما يكون للخلافات التي حدثت داخل الطاولة السداسية حول اسم مرشح الرئاسة دور في انشغالها عن تقديم وعود محددة بشأن الزلزال والترويج لها، خصوصًا وأن هذه الخلافات تبعها – وما زال- حراك لتوسيع دائرة الداعمين لكليتشدار أوغلو في الانتخابات المرتقبة. كما أنه من المحتمل أيضًا أن هناك تفضيلًا لدى المعارضة لإبراز ملفات أخرى، كالاقتصاد، اعتقادًا منهم أن إبراز مسألة إعادة الإعمار تصب في صالح أردوغان، الذي نفذت حكوماته مشاريع إعادة بناء في مدن ضربتها زلازل سابقة.
وأيًا كان الدافع، فما يبدو حتى الآن هو أن المعارضة حاولت تثبيت عدة رسائل، أولها تحميل الحكومة مسؤولية الضحايا والخسائر التي نجمت عن الزلزال، باعتبارها لم تهيئ البلاد له، رغم أنها تحكم البلاد منذ ما يربو على عقدين من الزمان، وثاني هذه الرسائل هي إبراز دور بلديات المعارضة مساعدة المضارين من الزلزال. لكن تقديم وعود واضحة حول إعادة الإعمار فلم ينل ذات التركيز في خطاب المعارضة.
وما زال متبقيًا على الانتخابات نحو شهر ونيف، سيتضح فيها بشكل أكبر موضع الزلزال في الخطاب الانتخابي لتحالف الشعب المعارض على وجه الخصوص، وما إذا ما كان سيستمر في عدم طرحه وترويجه لوعود محددة حول إعادة الإعمار ومساعدة متضرري الزلزال، أم أنه سيحاول الدخول لهذه المساحة أيضًا ومزاحمة الرئيس أردوغان فيها بشكل أكبر.
توجهات الناخبين
إزاء سردية كل من الحكومة والمعارضة حول الزلزال، فإن الآراء الشعبية ستنقسم بطبيعة الحال كما هو الأمر في باقي الملفات. فمنها مَن سيرى أن الحكومة مقصرة وبالتالي قد يحملها المسؤولية ويعاقبها في صندوق الانتخاب، ومنها مَن سيقتنع بخلاف ذلك، ويصوت لصالح استمرار الرئيس التركي باعتبار أن أداء الحكومة كان على قدر الحدث، وأن ملف إعادة الإعمار يتفوق فيه أردوغان على منافسيه. كما قد يرى البعض أن التعافي من كارثة ضخمة كالزلزال الأخير يتطلب استقرارًا سياسيًا قد لا توفره المعارضة الائتلافية.
ولا يمكن الجزم بالتحديد بأي السرديتين ستقتنع النسبة الأكبر من الشعب، غير أن هناك استطلاعات رأي قد نسترشد بها في هذا السياق. من ذلك ما نشرته مؤسسة “أوبتيمار للأبحاث” من أن 49.7 بالمئة من المشاركين في أحد استطلاعاتها يرون أن الرئيس أردوغان هو الذي لديه القدرة على معالجة آثار الزلزال[26].
كما أن العديد من استطلاعات الرأي الأخرى التي ترصد السباق الرئاسي ككل – سواء منها ما يصدر عن مؤسسات أقرب للحكومة أو للمعارضة- تظهر نتائجها فروقات طفيفة بين المرشحين. من ذلك ما نشرته مؤسسة “متروبول” في آخر 3 استطلاعات لها من أن معدل تصويت الرئيس أردوغان بلغ 45.9 بالمئة في استطلاع يناير/ كانون الثاني 2023، و 42.7 بالمئة في استطلاع فبراير/ شباط، بينما بلغ 42 بالمئة في استطلاع مارس/ آذار.[27]
وفي المقابل، بلغ معدل تصويت كليتشدار أوغلو 43 بالمئة في استطلاع يناير/ كانون الثاني 2023، و 41.4 بالمئة في استطلاع فبراير/ شباط، و 44.6 بالمئة في استطلاع مارس/ آذار. وعلق رئيس مؤسسة متروبول لإجراء الاستطلاعات، أوزر سنجار، قائلًا: “لا داعي للكثير من الكلام، كل شيء واضح. وفقًا لهذه البيانات، فإن مصير الانتخابات سيحدده محرم إنجة (المنافس الرئاسي المنشق عن حزب الشعب الجمهوري) والمترددون”.
وبشكل أوضح، صرح سنجار لوكالة رويترز أن “الزلزال لم يتسبب في إضعاف الحكومة بالقدر الذي كانت تتوقعه المعارضة”.[28] علاوة على ذلك، قال رئيس شركة “إم إيه كيه” (MAK) لإجراء الاستطلاعات، محمد علي كولات، إن أردوغان سارع إلى التعهد بإعادة بناء المنازل، وهو تعهد من المرجح أن يساعده في الاحتفاظ بتأييد الناخبين.
وأضاف كولات: “حينما يمر الناس بكارثة مثل تلك نرى ردود الأفعال النفسية لعدة أيام وتكون موجهة إلى الحكومة، وبمجرد مرور 15 أو 20 يومًا يبقون أقرب من أي فرد يتعهد بإعادة بناء منازلهم أو أماكن عملهم المنهارة، ربما يشكل ذلك أفضلية للحكومة”.[29]
وعلى هذا، فإن هذه الأرقام المتقاربة – سواء منها ما جعل لأردوغان الأفضلية أو لخصمه- تشير إلى أن الزلزال – على أقل تقدير- لم يُشكّل ضربة قاصمة للرئيس التركي وحزبه، فرغم احتمالية أن تخسر الحكومة بعض الأصوات بسبب الكارثة، إلا أن تركيزها على المساعدات التي تبعتها، وشروعها في تنفيذ وعودها بإعادة الإعمار، قوى موقفها نسبيًا.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الزلزال، وإن كان ملفًا ذا ثقل في الانتخابات القادمة، إلا أنه ليس الملف الوحيد الذي سيحدد اتجاهات التصويت، إذ أن هناك ملفات أخرى مهمة تفرض نفسها كذلك، منها الاقتصاد، واللاجئين، والتوجهات الأيديولوجية للناخبين، والموقف من التحالفات القائمة، وغيرها.
المصادر
[1] Açık Görüş, CHP’li seçmen: Deprem konutlarını da yapsınlar sonra gitsinler, 18 Mart 2023
[2] ديلي صباح، “آفاد”: القشرة الأرضية تحركت 7.3 أمتار بفعل الزلزال في تركيا، 16 فبراير/ شباط 2023
[3] الأناضول، أردوغان: زلزال قهرمان مرعش أقوى بثلاثة أضعاف من زلزال 1999، 11 فبراير/ شباط 2023
[4] Sözcü, Depremde hayatını kaybedenlerin sayısı 50 bin 96’ya yükseldi, 20 Mart 2023
[5] AFAD, Cumhurbaşkanımız Sn. Erdoğan: “Hiçbir Vatandaşımızı Maddi-Manevi Açıdan Sahipsiz Bırakmayacağız”, 15 Şubat 2023
[6] Habertürk, Bakan Kurum: “876 bin bağımsız bölümden oluşan 298 bin binanın yıkık, acil yıkılacak, ağır hasarlı ya da orta hasarlı olduğunun tespitini yaptık.”, 17 Mart 2023
[7] CNN Türk, Kahramanmaraş merkezli depremlerin maddi hasarı belli oldu, 17 Mart 2023
[8] الشرق الأوسط، الانتخابات تقفز على أجندة كارثة الزلزال في تركيا… وإردوغان يرفض التأجيل، 20 فبراير/ شباط 2023
[9] أخبار تركيا العاجلة، كمال كيليتشدار أوغلو: يحاولون تأجيل الانتخابات لكن هذا لن يحصل. أقولها بوضوح وصراحة، ستقام الانتخابات في موعدها، 15 فبراير/ شباط 2023
[10] İhlas Haber Ajansı, Cumhurbaşkanı Erdoğan’dan muhalefete ‘deprem turisti’ benzetmesi, 24 Mart 2023
[11] عربي 21، أردوغان يطلب الصفح بعد تأخر إغاثة المنكوبين جراء الزلزال في مدينة تركية (فيديو)، 27 فبراير/ شباط 2023
[12] الخليج الجديد، أردوغان يعتذر لسكان منطقة ضربها الزلزال وداود أوغلو يعلق، 27 فبراير/ شباط 2023
[13] تركيا بالعربي، قرارات عاجلة يعلن عنها الرئيس أردوغان عقب انتهاء اجتماع مجلس الوزراء، 6 مارس/ آذار 2023
[14] TR2023، الرئيس أردوغان: فليطمئن شعبنا، الكادر الذي يعمل الآن بنى سابقاً مليوناً و180 ألف منزل آمن، 29 مارس/ آذار 2023
[15] İz Gazete, Erdoğan’ın İzmir Karabağlar açıklamasına, CHP’den yanıt!, 6 Mart 2023
[16] Sabah, Bakan Kurum açıkladı: Yıkılan binaların yüzde 98’i 1999 öncesine ait,23 Şubat 2023
[17] Hürriyet, Yıkılan binalara 298 tutuklama, 21 Mart 2023
[18] الحساب الرسمي لكليتشدار أوغلو على تويتر، تصريحات من ولاية هاتاي حول الزلزال، 8 فبراير/ شباط 2023
[19] أنباء تركيا، تصريح لكليتشدار أوغلو حول الزلزال من ولاية هاتاي، 8 فبراير/ شباط 2023
،
[20] رأي اليوم، الزلزال في تركيا يُقرّب بين جميع الأطياف السياسية والحزب الحاكم يُغلِق الثغرات حتى مع المُعارضة والأخيرة تتمهّل التقييم.. كيف سيكون تأثيره على انتخابات الرئاسة.. وماذا عن التعويضات؟، 7 فبراير/ شباط 2023
[21] أنباء تركيا العاجلة، بيان الطاولة السداسية حول الزلزال: تزداد المعاناة بشكل كبير بسبب النظام الرئاسي، 18 فبراير/ شباط 2023
[22] أخبار تركيا العاجلة، أردوغان: هناك 460 ألف شخص يسكنون في المساكن الطلابية والمدارس، فبراير/ شباط 2023
[23] أنباء تركيا، سياسيو تركيا يعترضون بقوة على قرار الجامعات، 14 فبراير/ شباط 2023
[24] Habertürk, Babacan: Deprem bölgesinde 6 ayda 500 bin konutu bitiririz, 15 Mart 2023
[25] Diken, Kılıçdaroğlu söz verdi: Depremzedelerin evlerini ücretsiz yapacağız, 14 Mart 2023
[26] Açık Görüş, CHP’li seçmen: Deprem konutlarını da yapsınlar sonra gitsinler, 18 Mart 2023
[27] Halk TV, MetroPOLL Araştırma üç anket yayınladı: ‘Seçimin kaderini onlar belirleyecek…’, 31 Mart 2023
[28] الجزيرة نت، لم يتأثر بالزلزال.. تحالف أردوغان يحتفظ بصدارة استطلاعات الرأي في تركيا، 4 مارس/ آذار 2023
[29] المصدر نفسه