المحتويات
- مقدمة
- محددات السياسة التركية تجاه الملف السوري
- عوامل تحريك ملف التطبيع مع الأسد
- تحديات تواجه مسار التقارب
مقدمة
تسارع الحديث في أروقة السياسة التركية حول التقارب مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وذلك منذ التفجير الإرهابي الذي ضرب شارع الاستقلال في مدينة اسطنبول التركية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والذي أسفر عن مقتل 6 مواطنين أتراك، وإصابة 81 شخصًا.[1]
وفي الحقيقة، فإن الحديث عن تقارب تركيا مع نظام الأسد ليس جديدًا، فقبل التفجير، وبالتحديد في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أوضح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أنه قد يجتمع مع الأسد “عندما يحين الوقت” وأنه “لا يستبعد ذلك”.[2] لكن من الملاحظ أن الدفع باتجاه الحديث مع الأسد تزايد عقب التفجير الإرهابي، باعتبار أن التخطيط له جاء من “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)”، المتمركزة في الشمال السوري، شرق وغرب الفرات، وبالتالي تعين على القيادة التركية أخذ خطوات إضافية في مسار مكافحة هذا التنظيم.
ونتيجة لذلك، التقى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ومدير المخابرات، هاكان فيدان، بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ووزير الدفاع في النظام السوري علي محمود عباس ورئيسي المخابرات السورية والروسية في موسكو، في ديسمبر/ كانون الأول 2022. ويُعد هذا هو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا وسوريا منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011 وما نجم عنها من توتر للعلاقات بين أنقرة ودمشق.[3]
وبالنظر إلى تصريحات أكار عقب اللقاء، فإن التركيز التركي كان على ملفين، الأول هو التعاون بين الطرفين، التركي والسوري، في التصدي لقوات (قسد)، والثاني هو ملف اللاجئين، الذي بات أحد الملفات الرئيسية في السياسة الداخلية لتركيا، بالإضافة إلى اعتباره أحد العوامل التي سيقرر على أساسها جزء من الناخبين الأتراك اتجاهات تصويتهم في الانتخابات العامة، المزمع عقدها في 14 مايو/ أيار 2023.
ويجري الآن الحديث عن لقاء على مستوى وزراء الخارجية، يتبعه لقاء بين أردوغان والأسد، برعاية روسية، وفق ما كشف عنه الرئيس التركي.[4]
محددات السياسة التركية تجاه الملف السوري
ولفهم الدوافع التركية للتقارب مع بشار، يجدر استعراض أهداف أنقرة من الأساسية من الانخراط في الملف السوري منذ 2011. وفي هذا السياق، يمكن القول إن الأهداف التركية حيال التفاعل مع الملف السوري تطورت بمرور الوقت، بمعنى أن الموقف التركي الداعم لثورة الشعب السوري في 2011، كانت له دوافعه الخاصة، ثم في عام 2016، كانت لتركيا دوافع أخرى، جعلتها تستخدم قوتها المسلحة خارج حدودها لأول مرة منذ عقود، ثم بعد عام 2018، ألقى ملف اللاجئين بثقله على الأجندة التركية الخاصة بسوريا.
وبدءًا بالمرحلة الأولى التي نعتبرها منذ بداية الثورة السورية عام 2011، فقد تفاعلت تركيا مع حراك الشعب السوري إيجابيًا، إذ أعلنت دعمها لمطالب السوريين في العيش الكريم والحرية. غير أن الموقف التركي في بداياته لم يكن حديًا، فقد أبقت أنقرة على قنوات التواصل مفتوحة مع نظام الأسد، في محاولة منها للضغط عليه لحل الأزمة، وإيجاد طرق دبلوماسية لنزع فتيل التصعيد. وكان من ذلك، مخاطبة أردوغان للأسد، قائلًا: “في شهر رمضان المبارك، اترك الناس تخرج إلى الشارع، وإذا أردت التصدي لهم، فاستخدم الرصاص المطاطي كأسوأ احتمال”.[5]
وربما كانت آخر هذه المحاولات التركية هي زيارة وزير الخارجية التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو، بتاريخ 9 أغسطس/آب 2011، إلى دمشق. لكن هذه الزيارة نفسها أوضحت اعتراض الأسد على الدور الذي اتخذته تركيا لنفسها منذ اندلاع الثورة، وربما يدلل على ذلك أن الذي استقبل داوود أوغلو كان مساعد وزير الخارجية السوري، عبد الفتاح عمورة، وليس وزير الخارجية كما هو متعارف عليه دبلوماسيًا، الأمر الذي عكس صورة سلبية عن اتجاه صاعد من توتر العلاقات بين الطرفين.
ومع تطور أدوات ومدى العنف الذي استخدمته قوات الأسد ضد المتظاهرين، كان الموقف التركي أكثر حسمًا. وربما شجع على هذا أيضًا النتائج التي بدت إيجابية لثورات الربيع العربي، من سقوط بعض الأنظمة وإجراء انتخابات ديمقراطية فيها، كما حدث في مصر وتونس، بسقوط كل من الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، والرئيس التونسي، زين العابدين بن علي.
ويُنظر للدعم التركي للثورة السورية على نطاق واسع على أنه جاء بهدف الرغبة في الحصول على موقع “القوة الإقليمية الرائدة” بشكل سريع. إذ كانت تركيا – بقيادة حزب العدالة والتنمية- تسير في إطار السياسة الناعمة المرتكزة على عنصر التكامل الاقتصادي، ومن ثم التشابك الاجتماعي والثقافي والتعليمي، للوصول إلى التوافق السياسي، مع محيطها العربي والإسلامي.[6]
لكن يبدو أن القيادة التركية رأت في تلك المرحلة أن ثورات الربيع العربي – ومنها الثورة السورية- قد تسرّع من الوصول إلى هذا الهدف، خصوصًا وأن الحراك الجماهيري قاد بالفعل لسقوط أنظمة تحكمت في بلادها لعقود.
وعلى هذا، ازدادت وتيرة الدعم التركي للحراك السوري، عبر السماح للمعارضة بتأسيس مكتبها السياسي وأذرعه في إسطنبول، مثل مكتب المجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية. هذا فضلًا عن المهاجمة الإعلامية الحادة لشخص الأسد ونظامه، وخاصة من أردوغان، وقت أن كان رئيسًا للوزراء، مع تكثيف الجهود التركية حول تجميع القوى الدولية صوب نظام الأسد لإسقاطه. هذه كانت المرحلة الأولى من تفاعل القيادة التركية مع الشأن السوري بعد اندلاع الثورة.
أما المرحلة الثانية في تعامل تركيا مع القضية السورية، فيمكن القول إن بوادرها ظهرت عام 2015 مع دخول روسيا بقوتها الخشنة على خط الأزمة، بالتزامن مع سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على مناطق شاسعة في سوريا والعراق، ثم الانقلاب التركي الفاشل على الرئيس أردوغان في 2016، لتتغير الأولويات التركية نوعًا ما تجاه الأزمة السورية.
فمن جهة، لم تستطع قوى الثورة الإطاحة بالأسد، خصوصًا في ظل وجود دعم واسع له من روسيا وإيران، ومن جهة أخرى، برز تنظيم (داعش) على الساحة في كل من العراق وسوريا، وتفاعلت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مع ذلك عبر دعم (قسد)، التي تعتبرها تركيا فرعًا عن حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا لدى أنقرة وواشنطن وبروكسل، في محاولة من واشنطن للتصدي لـ”داعش”، حسب زعمها الذي يرفضه الأتراك.
هذا الوضع الجديد جعل الإدارة التركية تعيد حساباتها وأولوياتها على الساحة السورية، فالحدود السورية-التركية الممتدة على 911 كيلو مترًا باتت مهددة أمنيًا بسبب حالة الفوضى التي سادت الوضع السوري. كما أن إصرار إدارة أوباما على دعم التنظيمات الكردية الانفصالية انعكس على أنقرة، التي شعرت أن هذا الدعم الواسع وفي ظل حالة الفوضى الجارية قد يقود إلى تأسيس كيان “كردي” بدعم أمريكي، من الجنوب لتركيا، الأمر الذي يضرب الأمن القومي للبلاد إلى حد بعيد.
وعلى هذا، وبعد أسابيع معدودة من فشل الانقلاب التركي، شن الجيش عملية عسكرية برية في 24 أغسطس/ آب 2016 في شمالي سوريا ضد التنظيمات الانفصالية المسلحة، لتكون بذلك العملية الأولى التي يشنها الجيش خارج الحدود، منذ عملية السلام في قبرص عام 1974.[7]
ومنذ 2016، خاضت تركيا عدة معارك عسكرية منها “درع الفرات” التي امتدت من أغسطس 2016 إلى مارس/ آذار 2017، وركزت على الحدود الشمالية الشرقية بين تركيا وسوريا بين نهر الفرات ومدينة عفرين. وتبعتها عملية “غصن الزيتون” من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار 2018، وركزت على مدينة عفرين، ثم عملية “نبع السلام” في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التي ركزت على مدينتي تل أبيض ورأس العين، ثم عملية “درع الربيع” في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2020، والتي ركزت على تخوم محافظة إدلب.
وهدفت هذه العمليات البرية، التي تخللتها أخرى جوية، إلى شل قدرة (قسد)، وإبعادها عن الحدود التركية لنحو 30 كيلومترًا، فيما يشكل “ممرًا أمنيًا” لتركيا. ومقصد القول هنا أن أولوية الإدارة التركية تحركت من إسقاط نظام الأسد إلى حماية الحدود التركية-السورية الممتدة، ومنع قيام كيان معادٍ لتركيا إلى الجنوب من حدودها.
كما تُعتبر هذه الأولوية مستمرة حتى الآن، وهي ما دفعت الجيش التركي مؤخرًا للقيام بالعملية الجوية “المخلب-السيف” في ديسمبر/ كانون الأول 2022،[8] كما أنها أحد الأسباب التي دفعت أنقرة للتقارب مع دمشق، التي لها قنوات تواصل أيضًا مع (قسد)، بل لعبت دورًا ساعد التنظيم الانفصالي من الالتفاف على تركيا.
ففي عام 2019، وأثناء عملية “نبع السلام”، عمدت (قسد) إلى إنزال علمها من بعض المناطق في الشمال السوري، ورفع علم نظام الأسد مكانه، بالتنسيق مع الأسد،[9] وهذا كان أحد الأسباب التي ساهمت في وقف العملية حينها. أما الآن، فإن تواصل أنقرة مع دمشق يهدف لعدم تكرار هذا السيناريو، الذي يُبقي الوضع على ما هو عليه، دون تغيير حقيقي على أرض الواقع.
أما المرحلة الثالثة، والتي تعتبر جوهرية أيضًا في فهم تطور النظرة التركية للملف السوري، فقد نبعت من الداخل التركي، وتتمثل في ملف اللاجئين. هذه المرحلة يمكن القول إنها بدأت في عام 2018 وتعمقت بشكل كبير عامي 2019 و2020.
فمع انسداد الأفق حول الحل في سوريا سواء كان عسكريًا أم سياسيًا، ومع زيادة عدد اللاجئين في تركيا، بدأت المعارضة التركية تُدرج هذا الملف على أجندتها الانتخابية، باعتبارها ممثلة لقطاع من الشعب يرغب في إيجاد لمسألة اللاجئين.[10] لذلك، برزت بعض الانتقادات لمسألة تعامل الحكومة التركية مع الملف، وأخذت تلك الانتقادات في الازدياد حتى انتخابات البلديات التركية عام 2019، والتي خسر فيها الحزب الحاكم المدن الكبرى، ومنها اسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وديار بكر.
الواقع السياسي الجديد، بالإضافة إلى خشية حزب العدالة والتنمية من تمكّن المعارضة من كسب مزيد من الأصوات عبر استخدام ملف اللاجئين، دفع الإدارة التركية لاتخاذ عدة خطوات منها، التأكيد على تنفيذ السياسات المتعلقة بالتوزيع المتناسب اللاجئين على ولايات تركيا، بدلًا عن تجمعهم بأعداد كبيرة في الولايات الرئيسية. كما عملت أنقرة على تأمين المناطق التي تسيطر عليها شمالي سوريا، وتأسيس البنية التحتية اللازمة، في محاولة لتمهيد طريق العودة لجزء من اللاجئين.
علاوة على ذلك، كان من المهم أن تعمل تركيا على وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها، ولذلك شنت تركيا عملية “درع الربيع” في 2020، لوقف تقدم قوات بشار نحو مدينة إدلب، وبالتالي منع تدفق مزيد من اللاجئين. وبعد غضون أسبوع من شن تلك العملية، سافر الرئيس أردوغان إلى موسكو لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في المدينة الحدودية مع تركيا.
لكن استمرار المعارك مع نظام الأسد في إدلب، ورغم أنه يشكل حائط صد ضد اجتياح المدينة، إلا أن من شأن التصعيد العسكري في النهاية أن يدفع بالسوريين القاطنين في المنطقة نحو الأراضي التركية، ولذلك، عمدت تركيا للتوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار.
وإجمالًا، يمكن القول إن الأولويات التركية على الساحة السورية تطورت بمرور الوقت خلال الـ 12 عامًا الماضية. فمنذ اندلاع الثورة حتى عام 2015 حاز هدف إسقاط نظام الأسد أولوية لدى الحكومة التركية، ثم مع التدخل الروسي لدعم الأسد والدعم الأمريكي لـ”قسد”، بات هدف تركيا الأول هو إحباط أي محاولة لإنشاء كيان منافح لتركيا على الحدود مع سوريا. ومع تطور الأحداث، بات ملف اللاجئين له ثقله على الأجندة الداخلية التركية، وهو ما انعكس عن السياسة التي تنتهجها أنقرة حيال الملف السوري ككل.
عوامل تحريك ملف التطبيع مع الأسد
بناء على ما سبق ذكره من محددات للتفاعل التركي مع الشأن السوري، يمكن اعتبار أن الملفين اللذين يفرضان نفسيهما على الساحة هما ملفا تأمين الحدود واللاجئين، في مقابل تراجع هدف الإطاحة بالأسد، تحت إرغامات الواقع. والجدير بالذكر أن ملفا الحدود واللاجئين يلعب فيهما الأسد – ومن خلفه روسيا وإيران- دورًا مهمًا.
فمن الصعب على تركيا أن تحافظ على إدلب، وأن تمنع تدفق اللاجئين، دون التعامل مع روسيا والأسد، كما أنه من المتعسر أيضًا، الحفاظ على مناطق السيطرة التركية شمالي سوريا بما فيها من سكان في ظل استهدافها من روسيا والأسد. ومن ناحية أخرى، سيتعثر تحييد خطر (قسد) إذا ما تحالفت مع الأسد، في مواجهة العمليات العسكرية التركية المرتقبة.
ومن هذا المنطلق كان توجه الإدارة التركية نحو تدوير الزوايا، والتحاور مع نظام الأسد. لكن ما سرع من وتيرة هذا التقارب خلال الأسابيع الماضية هو التفجير الذي ضرب شارع الاستقلال، وما تبعه من استهداف (قسد) لعدة مناطق في الجنوب التركي بالصواريخ والقذائف، ما أدى إلى مقتل شخصين (معلمة وتلميذ) وإصابة نحو 14 مواطنين آخرين.[11] إذ أن هذا التفجير ساهم في تسخين الشارع التركي، وحتّم على الحكومة أن تتحرك بهدف “الثأر”، أو بهدف ردع التنظيمات المسلحة التي استهدفت الداخل التركي، وإبعاد خطرها.
أضف إلى ذلك قرب الانتخابات العامة في تركيا، وما صاحب ذلك من ضغط للمعارضة في ملف اللاجئين. فمعظم أحزاب المعارضة تتعهد بإعادة اللاجئين إلى سوريا، سواء فور الفوز بالانتخابات، أم على مراحل، تمتد من سنتين إلى 6 سنوات، وفق تقديراتهم المختلفة.[12] ووجهت أحزاب المعارضة التركية انتقادات حادة للحكومة من باب أن سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها الحكومة التركية – أو ما أسمته بـ”المهاجرين والأنصار”، اقتداءًا بالمفهوم الإسلامي- تهدد تركيا ديمغرافيًا، وتعطلها على المستوى الاقتصادي.
وحيث إن المعارضة طرحت التعامل مع بشار الأسد، والتفاهم معه حول مسألة عودة اللاجئين كحل الأزمة، فقد تحرك الرئيس التركي نحو سحب هذه الورقة من يد المعارضة، عبر بدء الانتقال بالعلاقات مع نظام الأسد، من العلاقات الاستخبارية إلى العلاقات السياسية.
لكن يجدر التأكيد هنا أن هذا لا يعني أن الإدارة التركية الحالية حال فوزها بالانتخابات سوف تنقلب على مسار التقارب مع الأسد. ذلك أن الانتخابات والتفجير الأخير ما هما إلا حدثان سرعا التقارب بشكل أو بآخر، لكن هناك أسباب جوهرية أخرى دفعت للتحاور مع النظام السوري، كملفي تأمين الحدود واللاجئين، كما أوضحنا آنفًا.
تحديات تواجه مسار التقارب
من نافلة القول أن نظام الأسد بحاجة أيضًا إلى التقارب مع تركيا، إذ أن فتح قناة تواصل سياسية مع دولة محورية في الإقليم كتركيا، من شأنه أن يقلل من العزلة الدولية المفروضة على نظام الأسد. كما أن تركيا بيدها أوراق ضغط أخرى، منها سيطرتها على إدلب وبعض المناطق الأخرى في الشمال السوري، فضلًا عن علاقاتها مع فصائل عدة من المعارضة.
هذه الأسباب مجتمعة تدفع الأسد للتفاعل إيجابيًا مع أنقرة، سواء بإدارتها الموجودة حاليًا، بقيادة الرئيس أردوغان، أم غيرها إن نتج عن الانتخابات تغير في تركيبة السلطة. ورغم الحديث عن تفضيل الأسد التعامل مع المعارضة التركية، وعدم وضع ثقل كبير لمسار التقارب مع تركيا حتى الانتهاء من الانتخابات، على أمل منه أن تتغير الإدارة في تركيا، إلا أنه غالبًا ما سيذهب في هذا المسار وسيستمر فيه، بدوافع ذاتية، أو بدوافع خارجية، قد تتمثل في رغبة روسية بالمحافظة على جبهة سوريا هادئة، في الوقت الذي تتصاعد في الأحداث في أوكرانيا.
لكن إعادة العلاقات الدبلوماسية – ورغم اعتبار ذلك تقدمًا في العلاقات بين الجانبين- إلا أن هناك تحديات جمة تنتظر الطرفين. فمطالب كل طرف منهما عالية السقف في نظر الطرف الآخر.
فمن الجانب التركي، تريد أنقرة تعاونًا جادًا من نظام الأسد فيما يخص مكافحة (قسد)، هذا فضلًا عن تحقيق تقدم في مسار الحل السياسي مع المعارضة السورية، بالإضافة إلى تأمين الشمال السوري لعودة اللاجئين.[13] أما من جانب الأسد، فهناك جملة مطالب، منها انسحاب القوات التركية المتمركزة في الشمال السوري، ووقف أي دعم للمعارضة السورية، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى النظام، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب.[14]
وكما هو واضح، فإن هذه الشروط هي في جوهرها تنازلات عن مكاسب حازها كل من الطرفين بعد معارك امتدت لسنوات، وبالتالي فليس من المتوقع أن تسير المفاوضات بينهما بشكل سلس، لكن الوضع الحالي يدفع الجانبين للحفاظ على قناة التواصل السياسية ودفعها قدمًا، الأمر الذي قد يحقق لكليهما مكاسب جزئية.
المصادر
[1] الحرة، “عائلات بأكملها”.. قصص مأساوية لضحايا تفجير إسطنبول، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[2] يورو نيوز، أردوغان يقول إنه قد يلتقي مع الرئيس السوري عندما يكون “الوقت مناسبا”، 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[3] DW عربي، وزيرا دفاع تركيا وسوريا يلتقيان في موسكو لأول مرة منذ 2011، 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[4] عربي 21، أردوغان يقترح عقد لقاء مع الأسد بحضور بوتين.. وروسيا ترحب، 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[5] المركز الديمقراطي العربي، السياسة التركية حيال الأزمة السورية “2011 ـ 2017”، 23 يونيو/ حزيران 2017
[6] Carnegie Endowment, Turkey and the Arab Spring, April 26, 2011
[7] Carnegie Europe, How Syria Changed Turkey’s Foreign Policy, September 14, 2021
[8] فرانس 24، أنقرة تشن عملية “المخلب – السيف” العسكرية ضد المقاتلين الأكراد في العراق وسوريا، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[9] The Washington Institute, The Future of Northeastern Syria: In Conversation with SDF Commander-in-Chief Mazloum Abdi, Jan 10, 2020
[10] مركز الشرق العربي للدراسات، الانتخابات البلدية التركية هل ستؤثر على اللاجئين السوريين؟، 2 أبريل/ نيسان 2019
[11] يني شفق، تركيا.. مقتل شخصين جراء قذائف مصدرها “واي بي جي” الإرهابي، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[12] الشرق الأوسط، أكبر أحزاب المعارضة التركية يطلق حملة لترحيل السوريين، 27 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[13] وكالة الأناضول التركية، أنقرة: لقاءاتنا مع النظام السوري من أجل مصالحنا وحقوق السوريين، 7 يناير/ كانون الثاني 2023
[14] المركز العربي للأبحاث، الانفتاح التركي على النظام السوري: دوافعه وآفاقه، 7 سبتمبر/ أيلول 2022