لا تعرف الأحداث الكبرى ذلك التقويم الضيق في إطارها الزمني، ولكن تبقى دلالاتها والدروس المستفادة منها، ومن أبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ثورات الربيع العربي، التي عبرت عن الآمال والطموحات الحقيقية للشعوب العربية.
فالشعوب العربية تنشد الحرية، والكرامة، وأن تحيا حياة ديمقراطية، وأن يكون لها إسهام حضري يليق بها، ويعزز من مكانتها الإقليمية والدولية، ولكن سرعان ما انقلبت النظم العسكرية والثورات المضادة، على ثورات الربيع العربي.
كانت التجربة المصرية في ثورات الربيع العربي، متميزةً، وأسفرت عن استحقاقات انتخابية حرة ونزيهة، على صعيد البرلمان والرئاسة، وأتت هذه الانتخابات بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ الحياة السياسية المعاصرة في مصر، وهو الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.
وارتفعت مع مجيئ الدكتور محمد مرسي آمال النهوض الحضاري، واللحاق بركب الدول الصاعدة، ولكن لم تستمر التجربة أكثر من عام، ووقع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 بمصر، ليتسبب في انتكاسة مصر لسنوات، عبر القضاء على الحياة السياسية، وإغلاق ملف الممارسة الديمقراطية. وتمت تجاوزات غير مسبوقة في ملف حقوق الإنسان، فضلًا عن تقزيم دور مصر، على الصعيدين: الإقليمي والدولي، ومعاناة المجتمع المصري اقتصاديًّا واجتماعيًّا، نتيجة سوء إدارة الحكم العسكري، وتولي السيسي السلطة.
وفي إطار الملاحقات الأمنية والقضائية غير العادلة، تم القبض على الرئيس المدني المنتخب في أول أيام الانقلاب العسكري، رفقة الآلاف من مناهضي الانقلاب العسكري؛ ليكون من نصيبهم أحكام قضائية جائرة، فضلًا عن وفاة أعداد ليست بالقليلة في السجون المصرية، جراء سوء المعاملة، وغياب المعاملة الإنسانية للمرضى من المعتقلين.
وفي عصر يوم 17 يونيو 2019، لقي ربه شهيدًا الرئيس الدكتور محمد مرسي، في أثناء إلقائه كلمة أمام قضاة المحكمة الصورية التي نصبت له ولرفقائه. ولكن يبقى ملف الأحداث مفتوحًا؛ فلم تكن وفاة الدكتور محمد مرسي، مجرد وفاة شخص عادي، ولكنها تأتي في خضم أحداث تاريخية كبرى، تخص دولة محورية، تاريخيًا وحضاريًا.
ومن هنا رأى مركز المسار للدراسات الإنسانية، أنه من المناسب في إحياء الذكرى الأولى لاستشهاد الدكتور محمد مرسي، أن نلقى الضوء على بعض جوانب فترة حكمه. من خلال مساهمات متعددة، من قبل المتخصصين ومن عاصروا التجربة عن قرب.
كما يرحب مركز المسار للدراسات الإنسانية، بمساهمات الباحثين والكتاب، وكذلك السياسيين ومن عاصروا التجربة، لتكون هناك حالة من الثراء المعرفي، حول التجربة، للإفادة واستخلاص الدروس المستفادة منها.
وبلا شك أن هذه المساهمات، تستهدف الكشف عن بعض جوانب التجربة، للإفادة منها لأجيال القادمة، ولكن لا ندعي امتلاك الحقيقة، وأن هذه المساهمات تعبر عن وجهة نظر أصحابها، إلى أن يأذن الله عز وجل بعمل جماعي، يبلور التجربة، ويخلص إلى نتائجها والدروس المستفادة منها، في إطار من التجرد والحياد؛ لتكون ما تصل إليه هذه اللجنة، ملك للأمة المصرية والعربية.