⁠اللوبيات الأجنبية في واشنطن.. مجالات التأثير واستراتيجيات كسب النفوذ

المحتويات


مقدمة المترجم

خلال العام الجاري 2024، اتخذت وزارة العدل الأمريكية خطوة كبيرة حين أتاحت للجمهور التعرف أكثر على منظومة اللوبيات النشطة في الساحة السياسية الأمريكية. فقد زادت الوزارة عدد تقاريرها المنشورة عن نشاط اللوبيات، كما أتاحت ميزة البحث لتسهيل الوصول إلى المعلومة.

وفي هذا السياق، نشر معهد “كوينسي” الأمريكي (Quincy Institute) ورقة بحثية حملت عنوان: “اللوبيات الأجنبية في الولايات المتحدة”، حلل فيها المعلومات التي كشفت عنها وزارة العدل الأمريكية مؤخرا، في محاولة لرسم خريطة أوضح لنفوذ تلك اللوبيات وأهدافها وطرق عملها.

واعتمادا على تحليل ما يقرب من 130 ألف نشاط سياسي لجماعات الضغط خلال عامي 2022 و2023 فقط، تناولت الورقة أبعادا مختلفة لعمل اللوبيات. وبعد الملخص التنفيذي والمقدمة، استعرضت الورقة أبرز الدول التي تتعاون مع شركات الضغط السياسي في واشنطن، ومنها السعودية والإمارات ومصر.

ثم انتقلت للحديث عن القضايا التي تستهدفها جهود اللوبيات، ومنها الحصول على السلاح الأمريكي، وكسب دعم واشنطن في قضايا التنافس الجيوسياسي، وغسيل سمعة بعض الأنظمة السياسية.

ليأتي بعد ذلك ذكرٌ لأهم شركات اللوبي في الولايات المتحدة والكيفية التي تتبعها لكسب نفوذها، ومنها الاستثمار في بعض المسؤولين الحكوميين السابقين، والدعم السخي للحملات الانتخابية. وتنتقل الورقة بعد ذلك إلى استعراضٍ لأبرز الجهات الأمريكية التي تستهدفها اللوبيات للتأثير عليها، بما في ذلك أعضاء الكونغرس وقادة الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وأشهر وسائل الإعلام الأمريكية. ثم تختم الورقة بأبرز الخلاصات وبعض التوصيات للجهات المعنية في الولايات المتحدة لزيادة الشفافية حول عمل اللوبيات.

وفي ثنايا كل هذه المحاور، تستخلص الورقة بعض الإحصائيات المناسبة التي وردت في التقارير التي كشفت عنها وزارة العدل الأمريكية، الأمر الذي يضفي أهمية على محتواها.

علاوة على ذلك، فإن الورقة سلطت الضوء على بعض نشاطات اللوبي التي تقف وراءها دول عربية، كالإمارات والسعودية، والشركات التي تتعاون معها، وطبيعة القضايا التي تضغط من أجلها، وتكلفة توظيف بعض شركات اللوبيات على تلك الدول.

ومن هنا، آثر “مركز المسار للدراسات الإنسانية” ترجمة هذه الورقة وإتاحتها للباحثين والدارسين والمهتمين العرب؛ للمساهمة في فهم أعمق للوبيات العاملة في الولايات المتحدة، التي تعد أحد المدخلات الرئيسية في عملية اتخاذ القرارات في واشنطن، خاصة تلك المتعلقة بالسياسات الخارجية، وبمنطقتنا العربية بطبيعة الحال.

وإليكم نص الورقة، التي تبدأ بـ”ملخص تنفيذي”.

ملخص تنفيذي

تحاول هذه الورقة التعمق في مجموعة البيانات المنشورة مؤخرا، والتي تتتبّع التأثير الأجنبي في العملية السياسية الأمريكية. ففي أوائل عام 2024، كُشفت معلومات جديدة بعد التعديلات التي أُدخلت على “قانون تسجيل الوكلاء الأجانب” (Foreign Agents Registration Act)، المعروف اختصارا باسم “فارا” (FARA)، والذي جعل جميع الأنشطة السياسية للوبيات الأجنبية وتبرعاتها للحملات السياسية متاحة للجمهور.

وتكشف الورقة عن شبكة معقدة من النفوذ الأجنبي في الولايات المتحدة، فيها دول تجني مصالح عديدة من حملات اللوبي الضخمة التي تنفذها في واشنطن، مثل المملكة العربية السعودية، وأوكرانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأذربيجان.

وغالبا ما تتبع عمليات الضغط في الولايات المتحدة نمطا موحدا من النشاطات، تستخدم فيه الدول الأجنبية شركات مقرها واشنطن؛ للضغط على أعضاء الكونغرس الفاعلين لتحقيق أهداف متعددة، مثل غسل سمعتها، أو تلقي أسلحة أمريكية، أو كسب تأييد أمريكا في الصراعات الإقليمية.

وفي عامي 2022 و2023، أبلغ المسجلون في قانون “فارا” عن 14.3 مليون دولار من المساهمات المالية السياسية، وما يقرب من 130 ألف نشاط سياسي.

إن هذه العلاقة بين جماعات الضغط التي تمثل دولا أجنبية وبين صانعي السياسات في واشنطن هي علاقة مثيرة للقلق في حد ذاتها؛ إذ أنها تثير تساؤلات حول ما إذا كان السياسيون يمنحون الأولوية -في واقع الأمر- لمصالح ناخبيهم من المواطنين الأمريكيين.

ومما زاد الطين بلة أن الأنظمة الاستبدادية تمثل غالبية الدول الأكثر نشاطا في عمل اللوبيات، بما في ذلك السعودية والإمارات، اللتين احتلتا المركزين الأول والرابع على التوالي بين الدول الأكثر انخراطا في الأنشطة السياسية بموجب قانون “فارا”، خلال الفترة من 2022 إلى 2023.

ومن المؤكد أن زيادة الشفافية حول قانون “فارا” هي تطور موضع ترحيب، ولكن لا يزال هناك الكثير مما يمكن فعله لمساعدة الأميركيين على فهم مَن وماذا وكيف تعمل اللوبيات الأجنبية. وفي هذا السياق، يورد “معهد كوينسي” عدة توصيات للجهات الأمريكية المعنية:

أولا، يجب أن يُطلب من المسجلين في “فارا” الإبلاغ عن رمز تعريف خاص بكل مكتب يتواصلون معه، وهذا من شأنه أن يساعد في تتبع عملية التواصل بين جماعات الضغط والسياسيين الأمريكيين.

ثانيا، هناك حاجة إلى قدر أكبر من الدقة اللغوية في وصف أنشطة اللوبيات السياسية.

ثالثا، يمكن للكونغرس أن يصدر تشريعا يفرض غرامات مدنية على عدم الإبلاغ عن الأنشطة السياسية، لكن هذه الخطوة يجب أن تكون مرفقة بضمانات تمنع إساءة استخدام قانون “فارا”.

مقدمة الورقة

عادة ما تتصدر عناوين الصحف أخبارُ القوى الأجنبية التي تؤثر على العملية السياسية في الولايات المتحدة. ففي العام الماضي وحده 2023، اتهمت وزارة العدل السيناتور، بوب مينينديز (ديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي) والنائب هنري كويلار (ديمقراطي عن ولاية تكساس) بخدمة مصالح قوى أجنبية.

وبالتأكيد، فإن هناك تركيزا متزايدا على محاولات الجهات الأجنبية الفاعلة التلاعب بالعملية السياسية الأمريكية. وعلى الرغم من ذلك، فإن اللوائح المتعلقة بقانون “فارا” لم يطرأ عليها تحديث منذ أكثر من 15 عاما.

كما أن القانون لا يقدم سوى رؤية محدودة للشعب الأمريكي حول محاولات الجهات الأجنبية صياغة السياسة الأمريكية وفق ما تراه مناسبا، وكل ذلك تحت سقف القوانين الأمريكية.

وبعيدا عن الحكومة الأمريكية، فقد حاولت العديد من المنظمات ملء هذا الفراغ وتوفير قدر أكبر من الشفافية حول قانون “فارا”. فعلى سبيل المثال، توفر منظمة “Foreign Lobby Watch – OpenSecrets” للجمهور الأمريكي قاعدة بيانات يمكن البحث فيها بسهولة عن جميع الأموال المتدفقة من العملاء الأجانب إلى أولئك المسجلين في قانون “فارا”.

علاوة على ذلك، زودت تقارير “معهد كوينسي” الجمهور بفهم متعمق لعمليات الضغط والعلاقات العامة التي تجري نيابة عن عدد من البلدان، بما في ذلك أرمينيا، وأذربيجان، والإمارات، وروسيا، وأوكرانيا.

ومع ذلك، فإن كل هذه المشاريع لا تقدم سوى لمحة جزئية عن مجال النفوذ الأجنبي في واشنطن، أضف إلى ذلك أن هذه المشاريع تتطلب قدرا غير عادي من الجهد لاستخلاص المعلومات من التقارير الغامضة التي تصدرها وحدة “فارا” في وزارة العدل الأمريكية.

ولحسن الحظ، اتخذت وحدة قانون “فارا”، في وقت سابق من هذا العام 2024، خطوة ضخمة لزيادة الشفافية حول جماعات الضغط الأجنبية النشطة على الأراضي الأمريكية. فلأول مرة، يمكن الآن لزوار موقع “فارا” البحث في قواعد بيانات جميع الأنشطة السياسية للمسجلين ومعرفة مساهماتهم في الحملات السياسية.

والجديد بالذكر أن في السابق، كان الحصول على هذه المعلومات يتطلب أسابيع أو أشهر من العمل المضني لجمعها ولو لبلد واحد فقط. لكن الآن يمكن لأي صانع سياسات أو صحفي أو فرد عادي من الجمهور، من خلال بضع نقرات فحسب في موقع “فارا”، معرفة ما يفعله أي وكيل أجنبي نيابة عن عملائه.

هذا المستوى غير المسبوق من الشفافية وتوفر المعلومات التي يقدمها “فارا” جاء بعد طلب قدمه “معهد كوينسي” إلى وزارة العدل الأمريكية في يونيو/حزيران 2023، بالتعاون مع مشروع مراقبة الحكومة (Project on Government Oversight)، والديمقراطية الآن العالم العربي (DAWN)، ومواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن (Citizens for Responsibility and Ethics in Washington).

والنتيجة هي قفزة كبيرة إلى الأمام في مستوى الشفافية، من شأنها أن تجعل الوصول للبيانات الموجودة تحت قانون “فارا” أكثر سهولة من أي وقت مضى، وأن تزود الجمهور بفهم غير مسبوق لمحاولات اللوبيات الأجنبية التأثير على الرأي العام الأمريكي وعلى السياسات الأمريكية اليومية.

وتقدم هذه الورقة نظرة عامة وتحليلا للشريحة الجديدة الاستثنائية من بيانات قانون “فارا”، والتي تتضمن أكثر من 14 مليون دولار قدمها وكلاء أجانب مسجلون للحملات الانتخابية المختلفة، وما يقرب من 130 ألف نشاط سياسي أبلغ عنها المسجلون في قانون “فارا” خلال عامي 2022 و2023.

ومن هذه البيانات، سجلنا وحللنا أكثر من 102 ألف رسالة بريد إلكتروني، و8700 اجتماع شخصي، و7300 مكالمة هاتفية، و2541 رسالة نصية، و2100 اجتماعا عبر الانترنت أَبلغ عنها وكلاء أجانب مسجلون في إطار قانون “فارا”.

هذه البيانات يُطلق عليها “الأنشطة السياسية”، ويعرّفها قانون “فارا” بأنها أي نشاط يهدف إلى التأثير على حكومة الولايات المتحدة أو الجمهور الأمريكي، بشأن السياسات الأمريكية أو المصالح الأجنبية الأخرى.

وغالبا ما تستهدف أنشطة اللوبي الكونغرس ومؤسسات السلطة التنفيذية الأمريكية، كالبيت الأبيض ووزارة الخارجية ووسائل الإعلام والجامعات ومراكز الفكر.

ونظرا لحجم الولايات المتحدة وقوتها ونظامها السياسي شديد الانفتاح، فإن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الحكومات الأجنبية راغبة في دفع أموال للشركات؛ للاستفادة من علاقاتها وخبراتها ومساهماتها من أجل كسب النفوذ، تماما كما تفعل الشركات الأمريكية الثرية.

ومع ذلك، فهذا يعني أيضا أن سياسة الولايات المتحدة يمكن أن تنحرف نحو علاقات أمنية واقتصادية أوثق مع الدول الاستبدادية الغنية الراغبة في تمويل عمليات الضغط الموسعة.

ولهذا السبب وحده، من الضروري أن نفهم مَن وماذا وكيف تعمل صناعة الضغط الأجنبي في أمريكا. ولذا، تهدف هذه الورقة إلى تقديم لمحة عامة عن هذا المجال الرائج والذي لا نفهم الكثير عنه حتى الآن.

وبخلاف هذه المقدمة، تنقسم هذه الورقة إلى 5 محاور. أولها محور “عملاء شركات الضغط”، وفيه نحدد اللوبيات الأجنبية الأكثر نشاطا، ثم في محور “قضايا على أجندات اللوبيات”، نحدد ونناقش السياسات الأمريكية التي حاولت هذه اللوبيات الأجنبية التأثير عليها.

ويلي ذلك قسم “اللوبيات الكبرى وسياسة الباب الدوار”، وفيه نناقش الشركات التي أبلغت عن معظم الأنشطة نيابة عن عملاء “فارا” وعن حجم المساهمات المالية التي أبلغت تلك الشركات ووكلاؤها الأجانب المسجلون عن تقديمها للحملات السياسية.

وفي القسم التالي الذي يحمل عنوان: “الجهات التي تستهدفها اللوبيات”، نناقش صناع السياسات ووسائل الإعلام ومراكز الفكر وغيرها من الأطراف التي تتعاون مع اللوبيات. وأخيرا، في قسم “خلاصات وتوصيات الورقة”، نناقش ما يعنيه كل هذا بالنسبة لحالة النفوذ الأجنبي في الولايات المتحدة، وما يمكن لوزارة العدل الأمريكية وغيرها أن تفعله، لتعزيز الشفافية فيما يتعلق بتأثير اللوبيات الأجنبية على السياسات الأمريكية.

عملاء شركات الضغط

يمكن لمجموعات متنوعة من القوى السياسية أن تعمل على توجيه السياسة الخارجية الأمريكية نحو مصالح دولة أجنبية.

وعلى سبيل المثال، فإن بعض الشركات الأجنبية قد يكون لها فروع مسجلة داخل الولايات المتحدة، وبالتالي لا يُطلب منها عادةً التسجيل بموجب قانون “فارا”، رغم أن أنشطة اللوبي التي تمارسها تتوافق مع مصالح البلد الأجنبي الذي تقيم فيه المنظمة الأم.

وبالمثل، فإن مجموعات الشتات التي تعيش في الولايات المتحدة، عادةً لا يُطلب منها التسجيل في قانون “فارا”، طالما أن أنشطتها وتمويلها يكون عبر مواطنين أمريكيين. ولهذا السبب، فإن منظمات مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (أيباك)، و”الجمعية الأرمنية-الأمريكية”، و”منظمة التراث التركية” (THO) غير مسجلين تحت قانون “فارا”.

ومع ذلك، حتى مع هذه الاستثناءات، فإن الوكلاء الأجانب المسجلين بموجب قانون “فارا”، في عامي 2022 و2023، يمثلون مصالح أكثر من نصف دول العالم.

لكن أوزان جماعات الضغط الأجنبية ليست متساوية، ففي الوقت الذي أنفقت فيه بعض الدول -مثل السعودية والصين واليابان- أكثر من 100 مليون دولار على مسجلي قانون “فارا” خلال الفترة الزمنية المشار إليها، لم تنفق دول أخرى شيئا، بحسب إفادة منظمة “OpenSecrets”.

غير أن أرقام الإنفاق ربما تكون مؤشرا خادعا على مدى براعة أو نفوذ اللوبي الأجنبي. فوفقا لـ”OpenSecrets”، فإن الصين أنفقت أموالا على المسجلين في قانون “فارا” ما يربو على 418 مليون دولار، منذ عام 2016، أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ومع ذلك، ذهبت الغالبية العظمى من هذا الإنفاق إلى اثنتين من وسائل الإعلام الصينية الحكومية: “CCTV” و”China Daily”.

ويُنظر إلى هذه المنصات الإعلامية على نطاق واسع على أنها أبواق صينية، لكنها لا تنخرط في أنشطة الضغط التقليدية. وفي أحسن أحوالها، فإنها لا تحظى سوى بجمهور ضئيل داخل الولايات المتحدة.

وبالمثل، فإن على الرغم من أن النفوذ الروسي غير المشروع في الولايات المتحدة يشكل مصدر قلق لمتخصصي الأمن القومي في الحكومة الأمريكية، فقد أصبحت جهود الضغط الروسية القانونية معدومة تقريبا في الولايات المتحدة، بعد أن تخلت سلسلة من شركات الضغط والعلاقات العامة عن عملائها الروس بعد الغزو واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022.

وعلى النقيض من أرقام الإنفاق، فإن الأنشطة السياسية للشركات التي تعمل نيابة عن القوى الأجنبية تقدم صورة أوضح بكثير عن مدى نشاط -وربما تأثير- اللوبيات الأجنبية التابعة لعدة بلدان في الولايات المتحدة.

ففي تحليلنا لجميع الأنشطة السياسية التي أجراها المسجلون في قانون “فارا”، خلال عامي 2022 و2023، وجدنا نمطا واضحا مفاده أن الدول الأكثر انخراطا في نشاطات اللوبي دائما ما تكون ثرية واستبدادية.

فمن بين الدول الـ 20 الأكثر نشاطا، تصنف منظمة “فريدوم هاوس” 13 دولة على أنها “غير حرة”. و3 منها فقط تعتبر “حرة”، بينما الـ 4 المتبقية مصنفة على أنها “حرة جزئيا”.

ونظرا للأتعاب السنوية الباهظة لشركات الضغط ذات العلاقات الواسعة، فإن البلدان الأكثر نشاطا عادة ما تكون كبيرة وغنية. لذلك، تقع تقريبا جميع البلدان الأكثر نشاطا في عمل اللوبيات في النصف الأعلى من أغنى البلدان في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

وفي حين أن استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تَعِد “بالعمل على تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم” من أجل تشجيع “نظام عالمي سلمي”، فإن نجاح جماعات الضغط التابعة لهؤلاء المستبدين يحكي قصة مختلفة. ذلك أن الأنظمة الثرية والاستبدادية تستغل مواردها في تمويل عمليات الضغط بالتعاون مع جهات تتمتع بصلات قوية.

هذه الأنظمة تنظر إلى اللوبي كوسيلة فعالة للضغط في سبيل قضايا شائكة للغاية، مثل مبيعات الأسلحة، وزيادة الانخراط العسكري الأمريكي، وغسل سمعة المستبدين.

وفي القسم التالي، نستكشف كل واحدة من هذه القضايا بعمق، ونوضح كيف تحاول جماعات الضغط التابعة لبعض القوى الأجنبية تحريك السياسة الخارجية الأمريكية لخدمة مصالحها بلا حدود.

قضايا على أجندات اللوبيات

خلال عامي 2022 و2023، أعلنت الولايات المتحدة عن مبيعات أسلحة ضخمة لأكثر من نصف الدول الـ 20 الأكثر نشاطا في عمليات اللوبي، بقيمة تزيد عن 29 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن هناك في بعض الحالات مسارا واضحا من الدعاية وراء بعض مبيعات الأسلحة الكبرى، وغيرها من التشابكات العسكرية مع الأنظمة في الخارج، إلا أن بعض هذه الدول لم تمارس ضغوطا صريحة لإتمام تلك الصفقات.

وباعتبارهما المشرفين على برامج المساعدة الأمنية، فإن السلطة التنفيذية والكونغرس هما الهدفان الرئيسيان لضغوط مبيعات الأسلحة.

على سبيل المثال، فإن الإمارات -التي سجلت 7704 نشاطا سياسيا في الفترة 2022-2023- تستخدم منذ فترة طويلة عمليات تأثير رسمية للدفع نحو المزيد من مبيعات الأسلحة. من ذلك، الضغوط التي مارستها شركة “American Defense International” -التي تمثل الإمارات- كي تبيع واشنطن طائرات “F-35” إليها.

وتَمَثل هذا الضغط في عقد اجتماعات شخصية مع أعضاء الكونغرس بما في ذلك السيناتور روجر ويكر (جمهوري عن ولاية مسيسيبي) والنائب آدم سميث (ديمقراطي عن ولاية واشنطن)، من بين آخرين.

ثم تعرضت تلك المحادثات بشأن صفقة بيع محتملة لطائرات “F-35” للإمارات للتوقف، ويرجع ذلك جزئيا إلى مخاوف واشنطن بشأن العلاقات الوثيقة بين الإمارات والصين.

لكن جهود اللوبي التي بذلتها الإمارات عالجت بفعالية هذا القلق، حيث بدت وكأنها تسعى للحصول على موافقة من رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ آنذاك، بوب مينينديز، لبيع طائرات هجومية خفيفة من الصين إلى الإمارات.

كما دافعت شركة “American Defense International” عن قانون “DEFEND”، وهو مشروع قانون أرفق بـ”قانون تفويض الدفاع الوطني” (NDAA) في عام 2022، والذي سمح للولايات المتحدة بإنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل مع حلفائها في الشرق الأوسط.

إذ عقدت الشركة عدة اجتماعات رفيعة المستوى، بما في ذلك مناقشة شخصية مع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، آدم سميث. ثم أُقر مشروع القانون كجزء من مشروع قانون السياسة الدفاعية السنوي.

أوكرانيا أيضا، بدورها، مارست ضغوطا للحصول على أسلحة ودعم أمريكي للدفاع عن نفسها ضد روسيا، ومن المرجح أن يُستجاب لمطالبها؛ نظرا للدعم الواسع من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، الذي تحظى به في الكونغرس.

إن عمليات اللوبي التي تقف خلفها أوكرانيا هي عمليات نافذة في الكونغرس إلى حد بعيد، حيث أُبلغ عن 13601 نشاطا سياسيا، وهو ثاني أكبر رقم لأي دولة في الفترة 2022-2023.

جزء كبير من هذا الضغط وُجه نحو تأمين المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة. ففي يوم واحد فقط، 26 يوليو/تموز 2022، نسقت مجموعة الاستشارات الأمريكية “BGR Government Affairs” نحو 15 اجتماعا بين أعضاء الكونغرس والبرلماني الأوكراني، فاديم إيفتشينكو، لمناقشة المساعدات الأمريكية لبلاده.

علاوة على ذلك، فإن شركة “Moran Global Strategies”، التي تمثل وزارة الصناعات الإستراتيجية في أوكرانيا، مارست ضغوطا على الكونغرس، خلال عام 2023، بخصوص “قانون تفويض الدفاع الوطني”.

وتضمن مشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي في نهاية المطاف العديد من عمليات نقل الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك تمديد “مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا” والتدريبات والمناورات الأمريكية في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبالمثل، استخدمت مصر جماعات الضغط الأجنبية للحصول على الأسلحة. ففي أوائل عام 2022، قدم السيناتور، راند بول (جمهوري عن ولاية كنتاكي)، تشريعا لإنهاء بيع طائرات الشحن من طراز “C-130” والمحركات والمعدات ذات الصلة بقيمة 2.2 مليار دولار.

ودعا السيناتور “بول” الرئيس بايدن إلى الالتزام بـ”قانون ليهي”، الذي يحظر على الولايات المتحدة إرسال مساعدة أمنية إلى وحدات الجيوش الأجنبية المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وفي المقابل، تبادلت شركة “Brownstein Hyatt Farber Schreck”، ممثلة وزارة الخارجية المصرية، عدة رسائل بريد إلكتروني ومكالمات هاتفية مع موظفي الكونغرس بشأن “تشريع راند بول بخصوص مصر”. فعندما صوت مجلس الشيوخ ضد دعوة السيناتور بول، ساعدت الشركة في تنسيق ونشر مقال افتتاحي في مجلة “نيوزويك” الأمريكية.

وأشاد المقال، الذي كتبه السفير المصري لدى واشنطن، معتز زهران، بالكونغرس لموافقته على “الطائرات والمعدات العسكرية التي ستسمح لمصر والولايات المتحدة بالقيام بمهام لصالح البلدين”. واختتم زهران مقالته بالرد مباشرة على انتقادات السيناتور بول، مدعيا أن “الحكومة المصرية خطت خطوات كبيرة نحو تعزيز ودعم حقوق الإنسان”.

بالإضافة إلى تأمين الأسلحة لأنفسها، تستخدم العديد من الدول الضغط الأجنبي كوسيلة لجر الولايات المتحدة إلى التنافس الإقليمي.

فعلى سبيل المثال، تمارس الشركات التي تمثل أذربيجان ضغوطا شديدة ضد الدعم الأمريكي لأرمينيا. ومنذ عام 2002، تنازل الرؤساء المتعاقبون عن المادة 907 من “قانون دعم الحرية”، مما سمح بتقديم المساعدات العسكرية لأذربيجان. إلا أن هذا النهج أصبح مهددا الآن بسبب حربي أذربيجان الثانية والثالثة، في إقليم “ناغورنو قره باغ”.

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2023، طرح السيناتور مينينديز مشروع قانون يلغي سلطة الإعفاء الرئاسي التي تتيح المساعدات الأجنبية لأذربيجان. كما طالب بمنح تمويل عسكري لأرمينيا، فضلا عن أمور أخرى.

وقد عارضت مجموعة فريدلاندر (The Friedlander Group)، وهي شركة ضغط تمثل أذربيجان، مشروع القانون بشدة. ووزعت الشركة رسالة تطلب من الكونغرس معارضة مشروع القانون، زاعمة أنه “يلحق ضررا كبيرا بعملية التطبيع بين أذربيجان وأرمينيا” وأن من شأنه “الإضرار بالولايات المتحدة باعتبارها وسيط غير منحاز”.

ويهدف جانب كبير من الضغط الذي تمارسه أذربيجان إلى ربط جارتها، أرمينيا، بشكل وثيق بمنافسي الولايات المتحدة الجيوسياسيين، روسيا وإيران، وهي نقطة تلقى رواجا كبيرا في واشنطن.

ولهذا السبب، وزّعت مجموعة “BGR”، التي تمثل حكومة أذربيجان، بريدا إلكترونيا، مباشرة بعد أن بدأت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، حذرت فيه من “الاحتضان الخطير الذي يبديه أرمن قره باغ لروسيا”، فيما أكد البريد أن أذربيجان تواجه “تسلل النفوذ الروسي الخبيث إلى المنطقة”.

وفي ملف آخر يعود تاريخه إلى مارس/آذار 2023، كتبت مجموعة “BGR” أن “تورط أرمينيا النشط في التهرب من العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا موثق بشكل جيد، هذا بالإضافة إلى دعم أرمينيا لإيران وسوريا”، مشيرة في هذا السياق إلى اتجاهات تصويت أرمينيا في المنظمات الدولية.

وفيما يخص دول الشرق الأوسط، فإن جماعات اللوبي الخاصة بهم لا تزال قائمة وفاعلة، خاصة ضد التهديدات غير المتكافئة. فمنذ أن شطبت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية وقوائم الإرهاب العالمي، في فبراير/شباط 2021، وجّهت الإمارات والسعودية جهود اللوبيات لإلغاء القرار.

وكشفت شركة “Brownstein” عن اجتماعات شخصية مع النائبين روبن كيلي (ديمقراطي عن ولاية إلينوي) ودان كيلدي (ديمقراطي عن ولاية ميشيغان)، حيث سألتهما عما إذا كانا سيوقّعان على خطاب للكونغرس يعيد إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.

وذُكر الحوثيون بالاسم في أكثر من 300 نشاط سياسي للإمارات في الفترة 2022-2023. ووزعت شركة “Akin Gump”، ممثلة السفارة الإماراتية في واشنطن، تقريرا بعنوان “الحوثيون إرهابيون”، أشارت فيه ضمنا إلى أن الحلفاء الديمقراطيين الرئيسيين لبايدن في الكونغرس، بما في ذلك السيناتور كريس كونز، والنائب غريغوري ميكس، يريدون من الإدارة الأمريكية التراجع عن قرارها. وفي عام 2022، لم يدعم أي من هذين النائبين تصنيف الحوثيين كإرهابيين.

وفي بعض الحالات، يمكن أن تصدر جهود اللوبي عن جهات مختلفة تدعي أنها تمثل نفس البلد. وهذا يعتبر عنصرا أساسيا في صناعة التأثير الأجنبي. فخلال التسعينيات، قاتلت الأحزاب الأنغولية المتحاربة، “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” و”الاتحاد الوطني من أجل الاستقلال الكامل لأنغولا” المعروف باسم (يونيتا)، في قاعات الكونغرس؛ سعيا من كل طرف للحصول على دعم الولايات المتحدة ضد الطرف الآخر.

وفي الآونة الأخيرة، استخدم “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” -وهو تحالف من كيانات المعارضة الإيرانية بما في ذلك “حركة مجاهدي خلق”- أنشطة اللوبي لزيادة الدعم في الولايات المتحدة لفكرة الإطاحة بالنظام الإيراني. وفي 7 فبراير/شباط 2023، أعلن مجلس النواب الأمريكي قرارا أعرب فيه عن دعم الشعب الإيراني وسط موجة من الاحتجاجات واسعة النطاق داخل إيران.

وأجرى “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” مكالمة هاتفية مع طاقم عضو مجلس النواب الأميركي، براد شيرمان (ديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا)، قبل أيام من تقديم القرار. حيث رحب المجلس بالقرار، قائلا إن “الشعب الإيراني مصمم على إنهاء هذا النظام ومستعد لدفع ثمن ذلك”.

بالإضافة إلى الهدفين السابق ذكرهما، فإن الدول تستخدم جماعات الضغط الأجنبية كوسيلة لتحسين سمعتها، حيث تروج الشركات التي يوظفونها بشكل علني لهذه الخدمة.

فعلى سبيل المثال، تفتخر شركة “Brownstein”، على موقعها الإلكتروني، قائلة: “يمكنك أن تطمئن إلى أننا سنُعِدُّ وننفذ استراتيجيةً لإدارة الأزمات لا تحمي سمعتك فحسب، بل تسمح لك بمواصلة الازدهار”.

وفي لحظات الأزمات، تلجأ الدول إلى جماعات اللوبي الأجنبية من أجل الحفاظ على علاقات سلسة مع الولايات المتحدة والإفلات من التدقيق أو حتى العقوبات.

وبدورها، فإن السعودية على دراية كبيرة بهذه الاستراتيجية؛ ذلك أن المملكة هي الدولة الأكثر نشاطا في مجموعة البيانات لدينا، مع ما لا يقل عن 14128 نشاط سياسي لها وحدها تحت غطاء اللوبي في الفترة 2022-2023.

ومن الملاحظ في غضون سنوات قليلة فقط، تحوُّل الرئيس بايدن من وصف السعودية بأنها “منبوذة” إلى التفكير في توقيع اتفاق أمني رسمي معها والتعاون في مجال التكنولوجيا النووية، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ولعبت عملية النفوذ الأجنبي السعودي، سواء في قاعات الكونغرس أو في قلب أمريكا، دورا ليس بالقليل في هذا التحول، حيث أعادت رسم صورة الدولة الخليجية الغنية بالنفط، لتصبح دولة حليفة وعصرية، تدافع عن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ونسقت الشركات العاملة لصالح السعودية، في الفترة 2022-2023، ظهورها في منظمات المجتمع المدني ومحطات الإذاعة المحلية، وساعدت في نشر مقالات افتتاحية في الصحف والمجلات في جميع أنحاء البلاد.

وإجمالا، تواصَل اللوبي السعودي بالطلاب والأساتذة الجامعيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة في 1500 مناسبة على الأقل. ونسقت الشركات الفعاليات الجامعية التي تستضيف مسؤولي السفارة السعودية في جامعة ولاية آيوا، وجامعة ولاية جورجيا، ومعهد جورجيا للتكنولوجيا، وجامعة داكوتا الجنوبية، وجامعة سانت توماس، وغيرها الكثير.

وفي أحدث إجراءاتها، استغلت السعودية جهود غسيل سمعتها لتستهدف النشاط الرياضي. ويمكن أن يُعزى الكثير من الارتفاع الأخير في نشاط اللوبي السعودي إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي واستثماراته في الرياضة.

ففي يونيو/حزيران من عام 2023، أعلنت رابطة لاعبي الغولف المحترفين الأمريكية اندماجها مع دوري “ليف” المموّل من السعودية، مما دفع اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات بمجلس الشيوخ إلى عقد جلسة استماع “للكشف عما حدث في صفقة دوري الغولف الأميركي مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي”.

وفي الفترة التي سبقت جلسة الاستماع، تواصلت شركة “Brownstein”، التي تمثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بكل عضو في اللجنة الفرعية تقريبا أو راسلته عبر البريد الإلكتروني أو التقت به. وأرسلت “Brownstein” “وثيقة حقائق/أكاذيب” حول صفقة الاندماج إلى مكاتب السيناتور جوش هاولي، والسيناتور روجر مارشال (جمهوري عن ولاية كانساس)، وكلاهما عضوان في اللجنة الفرعية للتحقيقات.

حتى إن مجموعات الضغط في “Brownstein” تبادلت المكالمات الهاتفية مع موظفي السيناتور “هاولي” في محاولة لتحديد “الأسئلة المحتملة” من السيناتور في جلسة الاستماع.

وبعد أسبوعين من الجلسة، قدم السيناتور رون وايدن (ديمقراطي عن ولاية أوريغون) مشروعي قانون إلى مجلس الشيوخ من شأنهما إلغاء الإعفاء الضريبي لدوري الغولف الأميركي وإنهاء الإعفاءات الضريبية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، فضلا عن قرارات أخرى.

وردا على ذلك، تبادلت شركة “Brownstein” الرسائل النصية مع أعضاء مجلس الشيوخ بوب مينينديز، وبن كاردين، وكاثرين كورتيز ماستو، وتوم كاربر “لمناقشة مشروعي قانون وايدن”. وفي النهاية، لم يمرر أي من مشروعي القانون.

كما سعت السعودية إلى الحصول على خدمات علاقات عامة لإظهار التزامها بتحسين سجلها في مجال الاتجار بالبشر. وناقش تقرير لوزارة الخارجية لعام 2021 “الشكاوى المستمرة بين العمال المهاجرين من عدم دفع الأجور، أو احتجاز جوازات السفر، أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو ظروف العمل المتدنية، وكلها كانت مؤشرات اتجار بالبشر”.

وفي العام التالي 2022، وقّعت هيئة حقوق الإنسان في المملكة عقدا قصير الأجل بقيمة 750 ألف دولار، مع شركة “Qorvis”، لتقديم خدمات العلاقات العامة، “بما في ذلك خدمات الاستشارات والدراسات المتعلقة بجرائم الاتجار بالبشر”.

وبالمثل، استخدمت شركة برامج التجسس الإسرائيلية “NSO Group” اللوبي الاجنبي لتحسين صورتها في الولايات المتحدة، حيث أبلغت عن أكثر من 700 نشاط سياسي في الفترة 2022-2023.

وفي أواخر عام 2021، وبعد العديد من التقارير التي تفيد باستخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” الخاص بها لاختراق أجهزة الصحفيين والمسؤولين في جميع أنحاء العالم، وُضعت مجموعة “NSO” الإسرائيلية على القائمة السوداء التابعة لوزارة التجارة الأمريكية، مما يصعّب من ممارستها الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.

ومنذ ذلك الحين، نسقت الشركة جهودا شاملة لرفع اسمها من القائمة. فعلى مدار عام 2022، أبلغت شركات الضغط التي تمثل مجموعة “NSO” عن عشرات المكالمات الهاتفية والاجتماعات مع أعضاء الكونغرس لمناقشة هذه القائمة السوداء المعروفة بـ “قائمة الكيانات”. وشمل ذلك عدة اجتماعات شخصية مع النائب بيت سيشنز (جمهوري عن ولاية تكساس)، كان أحدها لمناقشة الطعن على قرار وزارة التجارة الأمريكية.

وفي السياق نفسه، ساعدت مجموعة “Chartwell Strategy Group” في تنسيق مقابلة شخصية مع الرئيس التنفيذي لمجموعة “NSO”، يارون شوهات، مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في يناير/كانون الثاني 2023، أبرزت شركته بصورة إيجابية.

وفي المقال، الذي حمل عنوان “رئيس مجموعة “NSO” الإسرائيلية يؤكد من جديد التزام الشركة بتطوير برامج تجسس”، أفردت الصحيفة مساحة لـ”شوهات” ليقول فيها إن الشركة “تتصرف بمسؤولية”، وأن وضع مجموعة “NSO” على القائمة السوداء كان خطأ يأمل أن “يُصحَّح في المستقبل”.

ومن جانبها، رأت شركة “Paul Hastings”، وهي شركة أخرى تمثل مجموعة “NSO”، فرصة بعد هجوم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إذ عرضت الشركة تكنولوجيا مجموعة “NSO” على وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على أنها وسيلة لمحاربة الإرهاب بصورة إنسانية.

وكتبت إليه قائلة إن “شركة NSO أدركت في وقت مبكر -واتخذت خطوات ملموسة لمعالجة- الآثار المحتملة لمنتجاتها على حقوق الإنسان… وبالنيابة عن NSO، أتطلع إلى التعاون معك في هذه المهام المهمة والعاجلة”.

وإجمالا، ذكر أكثر من 100 نشاط ضغط سياسي لمجموعة “NSO” كلمة “حقوق الإنسان” في الفترة 2022-2023، أغلبها كان بالتزامن مع وضع الشركة على القائمة السوداء.

اللوبيات الكبرى وسياسة الباب الدوار

تتصدر مجموعة الاستشارات الأمريكية “BGR Government Affairs” قائمة كبرى شركات العلاقات العامة والضغط وأكثرها قدرة ونفوذا في واشنطن، خلال عامي 2022 و2023.

إذ نفذت المجموعة وحدها ما لا يقل عن 16866 نشاطا سياسيا خلال عامي 2022 و2023. وتفتخر هذه الشركة بمجموعة من العملاء في الفترة ذاتها، بما في ذلك أذربيجان، والبحرين، وبنغلاديش، والهند، وقطر، وأوزبكستان، ورابطة العالم الإسلامي (المملكة العربية السعودية)، وصربيا، وبنما، وكردستان، وغيانا، وكوريا الجنوبية، ومجلس تنمية التجارة في هونغ كونغ، وسجل الشحن في ليبيريا، والعديد من الشخصيات والأحزاب البارزة من أوكرانيا والعراق ولبنان وليبيا.

وليس بالضرورة أن تمثل القائمة التي تتصدرها “BGR” جودة هذه الأنشطة السياسية، حيث إن وسيلة البريد الإلكتروني تختلف كليةً عن وسيلة الاجتماع الشخصي في سياق ممارسة الضغوط على صانعي السياسات.

فإذا ما وضعنا القدرة على عقد اجتماعات شخصية مع الأهداف المقصودة بالضغط كمقياس، سنجد أن شركة “Akin Gump” هي التي تتصدر القائمة.

وكان من بين كبار العملاء الأجانب للشركة خلال هذه الفترة سفارة الإمارات في واشنطن، ودول المغرب، واليابان، وكمبوديا، وجزر مارشال، وأوزبكستان.

والجدير بالذكر هنا أن أحد الأسباب المهمة التي تمكّن شركات الضغط القدرة من جذب العملاء الأجانب الأثرياء وتسهيل الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين النافذين هي سياسة “الباب الدوار”. حيث تفتخر شركات مثل “Akin Gump” و”Brownstein” بقوائم تضم أسماء مسؤولين حكوميين سابقين وأعضاء سابقين في الكونغرس وموظفين رفيعي المستوى في السلطة التنفيذية الأمريكية.

وبالطبع، لا يمكننا التقليل من تأثير جماعات الضغط التي تنتهج سياسة “الباب الدوار”. فقد وجدت إحدى الدراسات التي فحصت عينة كبيرة من مشاريع القوانين في الكونغرس منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أن “عدد أعضاء الكونغرس السابقين الذين يضغطون من أجل مناقشة مشاريع القوانين كان له تأثير ملحوظ على احتمالية إحالة تلك المشاريع إلى اللجان المختصة لدراستها، حتى في ظل وجود لوبيات أخرى”.

وكما أشرنا آنفا، فإن ما يقرب من 100 عضو سابق في الكونغرس مارسوا ضغوطا من أجل المصالح الأجنبية بموجب قانون “فارا” منذ عام 2000.

ويتعاون عضوا الكونغرس السابقان إليانا روس ليهتينن، ولامار سميث، مع شركة “Akin Gump”، وعمل كلاهما نيابة عن الإمارات.

وفي دليل على تأثير اللوبي، اعترفت “روس ليهتينن” في ملفها بقانون “فارا”، أنها عندما دخلت الكونغرس كانت “ناقدة صريحة” للإمارات، لكنها أوضحت أن ذلك كان قبل أن “تقدّر تماما أهمية الإمارات للمصالح الأمريكية في المنطقة”.

وتتباهى أيضا شركة “Brownstein” بالعديد من الأعضاء السابقين في الكونغرس: مارك بيجيتش، ومارك بريور، وإد رويس، الذين مارسوا أنشطة لوبي لصالح السعودية، ومصر، وكمبوديا، والمغرب، من بين دول أخرى.

وفضلا عن وجود مسؤولين أمريكيين سابقين منخرطين في نشاط اللوبيات، فإن الغالبية العظمى من جماعات الضغط التي تمثل الشركات الكبرى تتمتع بخبرة حكومية.

إن السبب الأول والأكثر وضوحا الذي يجعل “الدوّارين” (أي الأشخاص الذين ينتقلون بين العمل الحكومي والعمل في اللوبي) مطلوبين هو أنهم معروفون في “الكابيتول هيل”. فعندما يتلقى سيناتور ما بريدا إلكترونيا أو اتصالا من أحد الناخبين، يسجله فقط، بينما إذا جاء هذا البريد أو الاتصال من زميل أو موظف سابق موثوق به، فإن احتمالية الإجابة عليه تكون أعلى.

ثانيا، المسؤولون السابقون المنتخبون لديهم معرفة عميقة بعملية صنع السياسات، مما يجعلهم مرغوبين جدا من قِبل شركات اللوبي. وفي هذا السياق، أوضح أحد المسؤولين الذين تحولوا إلى ممارسة أنشطة لوبي، قائلا: “كما هو الحال مع أي خدمة، فإن الأشخاص الذين لديهم خبرة يكونون ذوي قيمة مقارنة بأولئك الذين يفتقرون إلى الخبرة”.

والسبب الأخير هو أن المسؤولين السابقين يكون لديهم معرفة سياسية أو خبرة بأقاليم معينة حول العالم. ونظرا لأن السياسيين الحاليين من المتوقع أن يكون لديهم إجابة مُعدّة جيدا حول كل شيء، بدءا من الرعاية الصحية إلى خطوط الشحن في بحر الصين الجنوبي، فإن معرفة وخبرة المسؤولين السابقين في قضية معينة يمكن أن تكون مفيدة (في إقناعهم).

بل إن بعض أولئك الذين ينتقلون بين العمل الحكومي والعمل في اللوبي يتطلعون إلى وظيفة مستقبلية في شركات اللوبي حتى قبل أن يغادروا مناصبهم. وفي هذا، كتب الباحث القانوني، لورانس ليسيج، أن “الوضع الحالي للعديد من أعضاء الكونغرس ليس سوى خطوة انتقالية، فهم يتطلعون، ليس إلى منصب سياسي أعلى، بل إلى التعاون مع شركة من شركات اللوبي”.

ووفقا لما ذكره ليسيج، فإن النائب السابق، إد رويس (جمهوري عن ولاية كاليفورنيا) ردد السردية السعودية بالحرف تقريبا، أثناء وجوده في الكونغرس، وذلك استنادا إلى ملف وزعه أعضاء اللوبي الذين يعملون لصالح السعودية. وبعد أن غادر “رويس” الكونغرس، أصبح أحد أعضاء جماعات الضغط لصالح حكومة المملكة.

وفيما يخص المقابل المادي الذي تتلقاه شركات الضغط نظير أنشطتها، فإن خبرة كل شركة ومدى قدرتها على التواصل مع المسؤولين، ومدى معرفتها التقنية، كل هذا له ثمنه.

فبين عامي 1998 و2023، حصلت شركة “Akin Gump” على أكبر دخل لأي شركة ضغط، مسجلة 881 مليون دولار في المجموع. ووفقا لبيانها نصف السنوي الأخير، تلقت الشركة مبلغ 3.86 مليون دولار خلال فترة ستة أشهر فقط لممارسة الضغط نيابة عن عميل واحد فقط: الإمارات.

بالإضافة إلى قدرتها على التواصل مع النافذين وخبراتها الفنية، تمتلك جماعات الضغط سلاحا قويا آخر في ترسانة نفوذها، وهو المساهمات في الحملات الانتخابية.

ويُعرَف العاملون في اللوبيات بقدرتهم على توفير أموال هائلة لصالح الحملات الانتخابية، والشركات التي يعملون بها غالبا ما يكون لديها لجان عمل سياسية تنظم حفلات عشاء ومناسبات خاصة لجمع التبرعات. حيث يمكن دمج تبرعات الحملات -بما في ذلك من كيانات خارج الشركة نفسها- لإحداث ارتفاع كبير في تمويل حملات المرشحين، وهذا أيضا يعزز نفوذ الشركة.

ويقدم قانون “فارا” نافذة نادرة عن هذا العالم، حيث يُطلب من المسجلين الإبلاغ عن أي مساهمات قدموها في أي حملة سياسية، بما في ذلك المعلومات غير المتوفرة في التقارير القياسية للجنة الانتخابات الفيدرالية.

والأهم من ذلك، فإن التقارير الإضافية التي يُبلَّغ فيها عن هذه المعلومات تنص بوضوح على أن هذه التبرعات ليست بأموال أجنبية، بل “من أموالك الخاصة وبالأصالة عن نفسك”. وهذا يقود إلى حماية جماعات الضغط من اتهامات بأنها تساعد أجانب لينتهكوا الحظر الذي فرضته لجنة الانتخابات الفيدرالية على تلقي مساهمات الحملات الانتخابية من الرعايا الأجانب.

وتستمد هذه الشركات وجماعات الضغط التي تعمل لصالحها إيرادات من العملاء المحليين أيضا، والتي يمكن استخدامها، إلى جانب مصادر الدخل الأخرى، لتقديم هذه المساهمات.

ومن ناحية أخرى، أظهرت الأبحاث السابقة مرارا وتكرارا أن هناك علاقة قوية بين مساهمات الحملات الانتخابية التي يقدمها العملاء الأجانب واتصالاتهم مع مكاتب الكونغرس. بل إن بعض مساهمات الحملة تجري في نفس اليوم الذي يبلغ فيه المسجلون في “فارا” عن اجتماع مع عضو الكونغرس الذي تلقى المساهمة من شركتهم.

ومع ذلك، لا يوجد قانون يحظر على أعضاء الكونغرس قبول مساهمة في الحملة الانتخابية من إحدى جماعات الضغط في نفس اليوم الذي التقوا فيه، حتى لو كانت جماعة الضغط هذه تعمل نيابة عن قوة أجنبية.

وخلال عامي 2022 و2023، أفاد المسجلون في “فارا” عن تقديم 14.3 مليون دولار من المساهمات السياسية. ولوضع ذلك في نصابه الصحيح، وجد تحليل لمنظمة “OpenSecrets” أن المسجلين في قانون “فارا” تبرعوا بمبلغ 8.5 مليون دولار في الدورة الانتخابية لعام 2020.

وفي كثير من الأحيان، فإن كبار المستفيدين من مساهمات الحملات الانتخابية هم من قادة الأحزاب البارزين ورؤساء اللجان الرئيسية الذين تتواصل معهم اللوبيات بانتظام.

الجهات الأمريكية التي تستهدفها اللوبيات

إن البيانات التي تقدمها وحدة “فارا” لا توحّد صيغة أسماء الأفراد المستهدفين من أنشطة اللوبيات، وهذا يصعّب تحديد عدد المرات التي تواصلت فيها جهات الضغط مع مكتب معين في الكونغرس، حيث إن اللوبيات تستخدم مجموعة متنوعة من الأوصاف للإشارة إلى فرد واحد.

فعلى سبيل المثال، يُشار إلى السيناتور ليندسي جراهام باسم “السيناتور ليندسي جراهام”، و”السيناتور جراهام”، و”س. ليندسي جراهام”، و”مكتب ليندسي جراهام”، و”مكتب جراهام”، فضلا عن ألقاب أخرى.

وبالتالي، فإن توحيد هذه البيانات لما يقرب من 130 ألف نشاط سياسي مسجلين تحت قانون “فارا” في 2022 و2023، أمر بعيد الشأو عن نطاق هذه الورقة.

ومع ذلك، يوفر التحليل السريع انطباعا عاما بالنطاق الذي يركز فيه مسجلو “فارا” جهودهم. ويمكن القول إن الهدف الرئيسي للمسجلين في قانون “فارا” هم موظفو وأعضاء الكونغرس إلى حد بعيد. ففي الواقع، يمكن إرجاع أكثر من نصف الأنشطة السياسية التي أُبلغ عنها خلال عامي 2022 و2023 (ما يقرب من 70 ألف نشاط) إلى مكاتب ولجان مجلسي النواب والشيوخ.

وتعد طبقتي القيادة في كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، هدفا رئيسيا لجهود اللوبيات. فعلى سبيل المثال، تواصلت اللوبيات مع مكتب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر (ديمقراطي عن ولاية نيويورك) 134 مرة، بينما تواصلت مع مكتب زعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب، كيفن مكارثي (جمهوري عن ولاية كاليفورنيا) 273 مرة.

وعادةً ما تتواصل اللوبيات بأعضاء اللجان المهمة مثل لجان العلاقات الخارجية ولجان القوات المسلحة أكثر من غيرهم؛ نظرا لتأثيرهم الكبير على التشريعات الرئيسية التي تمس الدول الأجنبية، مثل “قانون تفويض الدفاع الوطني” الذي يقر سنويا.

ووجدت إحدى الأوراق البحثية التي حللت الاجتماعات الشخصية في الفترة من 2000 إلى 2018 أن الاجتماعات بين العملاء الأجانب المسجلين وأعضاء لجنتي الشؤون الخارجية بمجلسي النواب والشيوخ تمثل 25 بالمئة من جميع اجتماعات الكونجرس، بينما شكلت اللقاءات مع لجنتي القوات المسلحة حوالي 17 بالمئة.

وغالبا ما يتخذ الضغط نفسه شكلا أكثر دقة، إذ أبلغت العديد من شركات الضغط عن وجبات غداء أو تنظيم لقاءات، دون أن تفصح صراحة عن أي بند في جدول أعمال تلك اللقاءات. وفي الأغلب، فإن هذه الاجتماعات غير الرسمية تنظمها شركات الضغط نفسها.

فعلى سبيل المثال، سعت منظمة الدفاع الأمريكية (American Defense International) إلى ترتيب وجبات عشاء بين السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، وأعضاء رئيسيين في الكونغرس، بما في ذلك الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، آدم سميث.

وبانتظام، نظمت شركة “Brownstein” وجبات عشاء بين أعضاء في الكونغرس وسفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر آل سعود. وعلى مدار الفترة من 2022 إلى 2023، أبلغت الشركة عن 107 نشاطا سياسيا يتعلق فقط بترتيب وجبات عشاء.

وسائل الإعلام أيضا هدف رئيسي للعملاء الأجانب، مع إيلاء اهتمام خاص للنوافذ الإعلامية الرئيسية. وخلال عامي 2022 و2023، كانت أكثر وسائل الإعلام المطبوعة التي تواصلت معها اللوبيات هي صحيفة واشنطن بوست (1257 مرة)، ونيويورك تايمز (924 مرة)، وول ستريت جورنال (886 مرة).

وفي كثير من الحالات، ساعدت الشركات في تنسيق مقالات الرأي ونشرها في الصحف. حيث يفتخر الموقع الإلكتروني لمجموعة “BGR Group” قائلا: “حتى في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مقالة رأي يكتبها العميل -أو مقالة افتتاحية- تحمل ثقلا هائلا في أعين المسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات وأصحاب النفوذ من الدرجة الأولى، و”BGR” تعرف كيف تصوغ لك مقالا ناجحا يحظى بالنشر”.

وفي العام الماضي 2023، ساعدت مجموعة “BGR” في نشر مقال افتتاحي في صحيفة “واشنطن تايمز” لسفير البحرين لدى واشنطن، جاء فيه أن “الأمن الفعال والدائم لا يعتمد فقط على الأسلحة ولكن أيضا على النمو الاقتصادي والفرص”.

وفي حالة أخرى، ساعدت شركة “Qorvis” في نشر مقال افتتاحي على الموقع الالكتروني لقناة “فوكس نيوز”، لصالح دولة كمبوديا. ونُشر المقال باسم أعضاء وفد الكونغرس إلى الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، وهم النواب كارول ميلر (جمهوري عن ولاية فرجينيا الغربية)، وبيث فان دوين (جمهوري عن ولاية تكساس)، ورون إستس (جمهوري عن ولاية كانساس).

ويحاجج المقال بأن “لاوس وفيتنام لم تتخلصا من آثار الاستبداد المتبقية من أيامهما الشيوعية”. لكن كمبوديا تتمتع “بالدفء والإخلاص والرغبة في التقدم على المسرح العالمي” ويجب إضافتها إلى الخطة الأمريكية المسماة “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

ولم يُذكر الموقع الالكتروني لقناة “فوكس نيوز” أن شركة لوبي تمولها كمبوديا هي التي ساعدت في تنسيق المقال الافتتاحي، رغم أن هناك 11 رسالة بريد إلكتروني تتعلق بـ “تعديلات على المقال” بين الشركة وأعضاء الكونغرس الذين نُشر المقال باسمهم.

ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الشركات تكتب المقالات بنفسها بالفعل، على الرغم من أن هذه استراتيجية معروفة. ففي تحقيق أجراه الصحفي، كين سيلفرشتاين، اعترفت شركة أبكو العالمية (APCO Worldwide) بأنها “كتبت بالفعل مقالات ثم خرجت لتبحث عن “موقّعين” تذيّل المقالات بأسمائهم.

خلاصات وتوصيات الورقة

اتخذت وزارة العدل الأمريكية خطوات مهمة لزيادة شفافية قانون “فارا” وإمكانية الوصول إلى النشاطات التي تندرج تحته.

فخلال العقد الأخير فقط، زادت وحدة “فارا” بشكل كبير من عدد تقاريرها المتاحة عبر الإنترنت، وانتقلت إلى نظام كامل لتقديم التقارير الإلكترونية الذي يساعد كثيرا في قراءة التقارير آليا، وأدخلت خيار “البحث” والبيانات المجمّعة.

وفي أحدث التطورات، أتاحت لأول مرة مجموعة استثنائية من أنشطة ومساهمات المسجلين بموجب “فارا”، وهذا بدوره سمح لنا، في هذه الورقة، بتقديم لمحة عامة على صناعة اللوبيات الأجنبية في الولايات المتحدة.

ومع ما يقرب من 130 ألف نشاط سياسي أُبلغ عنها وأكثر من 14 مليون دولار من المساهمات السياسية في فترة عامين فقط، فيمكننا القول إن مجال اللوبيات الأجنبية في الولايات المتحدة يشهد ازدهارا.

وتعمل شركات اللوبيات بشكل محموم لإصدار تشريعات من شأنها أن تفيد عملائهم أو وكلائهم الأجانب. من ذلك أنهم يتبرعون بملايين الدولارات للحملات السياسية، وبعضها يذهب مباشرة إلى نفس أعضاء الكونغرس الذين يضغطون عليهم نيابة عن القوى الأجنبية.

كما أنهم يشكلون السرديات الإعلامية من خلال نشر مقالات الرأي والتأثير على تغطية القضايا التي تهم عملائهم الأجانب. وفي أغلب الأحيان، يكون هؤلاء العملاء تابعين لدول استبدادية غنية.

وفي حين أن وزارة العدل ووحدة قانون “فارا” قد خطتا خطوات كبيرة لزيادة وصول الجمهور إلى ملفات المسجلين، إلا أن بالإمكان أفضل مما هو كائن. وفيما يلي توصيتان يقدمهما “معهد كوينسي” حول الإصلاحات التي من شأنها أن تساعد على تحقيق قدر أكبر من شفافية قانون “فارا”.

التوصية الأولى: تحسين نظام إيداع تقارير قانون “فارا”

لا شك أن أحد أكبر التحديات التي يواجهها الجمهور والباحثون في هذه الشريحة الجديدة من بيانات أنشطة اللوبي السياسية هو محاولة تحديد جماعات الضغط التي تتصل بمكاتب معينة في الكونغرس.

وكما ذكرنا سابقا في هذه الورقة، فإن صيغة كتابة المعلومات في ملفات قانون “فارا” غير موحدة، ولهذا السبب، يمكن للمسجلين في القانون استخدام مجموعة متنوعة من الأوصاف للإشارة إلى عضو واحد في الكونغرس، على سبيل المثال “السيناتور مينينديز”، “مكتب مينينديز”، “بوب مينينديز،” وما إلى ذلك.

وهذا بدوره يعوق الشفافية، حيث يصعب تحديد كل هذه الصيغ المختلفة لنفس الشخص، ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما يكون لدى العديد من النواب نفس الاسم الأخير (على سبيل المثال، السيناتور بوب مينينديز وابنه النائب بوب مينينديز).

ويمكن لوحدة “فارا” معالجة هذه المشكلة من خلال مطالبة المسجلين بالإبلاغ عن صيغة موحدة لكل مكتب يتواصلون معه. ولدى لجنة الانتخابات الفيدرالية بالفعل معرّفا فريدا لكل حملة الانتخابية، لذا فإن هذه المشكلة حلها في المتناول.

التوصية الثانية: طلب مزيد من تحديد أنواع الأنشطة السياسية

من الشائع جدا أن يستخدم المسجلون في قانون “فارا” لغة فضفاضة بشكل لا يصدق عندما يصفون أنشطتهم السياسية، من ذلك استخدام مصطلحات غير واضحة بتاتا، مثل “العلاقات الثنائية”، و”التعاون”، و”مناقشة المستجدات”، و”تغيير السياسات”.

وتطلب لوائح قانون “فارا” من المسجلين توفير “درجة من التفاصيل الضرورية التي تسمح بالتوصل لتقييم عام معقول حول كل خطوة مهمة يتخذونها لتحقيق أهدافهم”. لكن عددا قليلا من مسجلي “فارا” يلتزمون بهذا المعيار. ولهذا السبب، فإن قدرة الجمهور محدودة على تقييم ما يفعله المسجلون في “فارا” نيابة عن عملائهم الأجانب.

ويمكن لوزارة العدل، جزئيا على الأقل، العمل على تخفيف هذه المشكلة من خلال توفير إرشادات متاحة للجمهور تشير بدقة إلى المعلومات المطلوبة في وصف الأنشطة السياسية.

ويمكن حل هذه المشكلة أيضا عبر مطالبة الوكلاء الأجانب المسجلين بتحديد أرقام مشاريع القوانين التي ضغطوا من أجل تمريرها، إن وجدت. واللافت أن “قانون الإفصاح عن أعمال اللوبي” (The Lobbying Disclosure Act) يطلب هذا بالفعل، رغم أنه أقل شفافية بكثير من قانون “فارا”.

كما أن بإمكان الكونغرس المساعدة في هذه الجهود أيضا، عبر إقرار تشريع يفرض غرامات مدنية على انتهاك قانون “فارا”، بحيث يشمل غرامات عن عدم الإبلاغ عن الأنشطة السياسية، كما هو الحال في تشريعات، مثل قانون “العملاء الأجانب” (Foreign Agents Disclosure and Registration Enhancement Act)، الذي حظي بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ويتضمن هذا القانون أحكاما لضمان عدم إساءة استخدام صلاحيات التنفيذ الجديدة، بما في ذلك إلزام “مكتب محاسبة الحكومة” والمفتش العام لوزارة العدل الأمريكية بتقديم تقارير حول سير تنفيذ القانون.

Exit mobile version