يكشف تحليل استطلاعات الرأي العام عن توجهات الرأي العام المصري نحو الإخوان والقضايا التى ترتبط بحضورهم السياسي في الشأن المصري مع الأخذ في الاعتبار حالة السيولة والتقلب المستمرة في المزاج الشعبي منذ يناير 2011. وتعتمد هذه الورقة في تحليل شعبية الإخوان في استطلاعات الرأي العام علي منهجية تستبعد الاستطلاعات المشكوك في مصداقيتها بشدة مثل استطلاعات بصيرة أو الداعمة بشدة مثل استطلاعات مركز تكامل، وهي تركز على الاستطلاعات التي تجريها مراكز بحوث أجنبية (أمريكية تحديدًا) كونها تسعي في الأغلب لاستيفاء الجوانب الأكاديمية والمهنية قدر الإمكان، وذلك على الرغم مما يشوبها هي أيضًا من تحيزات كامنة أو مستترة. ومن الجدير بالذكر أن هناك حالة من عدم الثبات والاستقرار في الأرقام والنسب والإحصاءات التي توردها الاستطلاعات المختلفة ، وهو ما يمكن تفسيره بعاملين أساسين أحدهما التغير والتقلب في مزاج الشارع المصري باستمرار في ظل حالة السيولة وعدم استقرار الآراء، والآخر تعدد الجهات القائمة بالاستطلاعات في ظل اختلاف المنهجيات والتوقيتات والتحيزات من جهة أخرى. وتسعي الورقة لرسم صورة كلية تعرض الاتجاهات الأساسية للرأي العام المصري تجاه الإخوان بناء علي مقارنة الأرقام والنسب والإحصاءات المعقولة والمتوازنة واستبعاد المبالغ والمتطرف منها.
وفيما يلي نعرض لأبرز النتائج التي توصلت إليها الورقة من خلال تحليل استطلاعات الرأي العام:
أولاً: استمرار دعم القاعدة الاجتماعية الصلبة للإخوان في مقابل استمرار كتلة الرفض:
يعكس الاتجاه العام في استطلاعات الرأي ابتعاد كثير من الشرائح المحايدة والمتأرجحة عن الإخوان، مقابل استمرار الكتلة التقليدية المؤيدة حتى في ظل القمع. وهي تتراوح وفقًا للاستطلاعات بين 25 -35 في المائة من الرأي العام المصري.
فاستطلاعات الرأي العام المنضبطة تؤكد علي استمرار شعبية الإخوان في مصر، باعتبارها القوة السياسية والشعبية الأبرز، وعلى الرغم من قسوة حملة النظام والقوي الدولية والإقليمية المعادية للإخوان إلا أنه يمكن القول إن الإخوان ما تزال تحافظ على حاضنة اجتماعية وشعبية متماسكة تصل إلى نحو 30 بالمائة في ظل حالة القمع الراهنة، بينما وصلت أوج قوتها إلى نحو 45 بالمائة في لحظة الصدام مع انقلاب الثالث من يوليو. وهذا التراجع متوقع ومفهوم في ظل حالة التخويف والعنف المستخدم ضد الإخوان والمتعاطفين معهم في الدولة والمجتمع.
لقد ساهمت فترة الحرية النسبية بعد يناير 2011 في استقرار وبروز قاعدة اجتماعية مؤيدة للإخوان وللتوجهات العامة التي يمثلونها أو يعبرون عنها في مقابل القوى العلمانية والقواعد الاجتماعية المؤيدة لمؤسسة الدولة العميقة. وفي المقابل تشكلت قاعدة اجتماعية صلبة معارضة بقوة للإخوان هي النسبة التى أيدت أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة وانقلاب 2013.
وقد أشار استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في عام 2017 إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» تحظى بدعم ثلث الجمهور في مصر والسعودية والإمارات، على الرغم من أن جميع الحكومات الثلاث قد حظرت جماعة الإخوان كونها “إرهابية”. وتؤكد ميشيل دان أن آراء المصريين متماسكة حول جماعة الإخوان المسلمين في السنوات الأخيرة. ويُظهر هذا الأمر أنه على الرغم من الحملات الإعلامية التي ترعاها الحكومة ضد الجماعة، وإجراءات القمع العامة المفروضة عليها، فإن الرأي العام لا يتأثر بسهولة. وعلى نحو منفصل، تظهر نتائج استطلاعات الرأي الأخرى أن عددًا كبيرًا من المصريين يؤمنون بفكرة استلام مسؤولين دينيين مناصب حكومية[1].
وفي المقابل هناك قاعدة اجتماعية صلبة معارضة بقوة للإخوان هي النسبة التي أيدت أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة وعارضت دستور 2012، وهي تتراوح بين 6 مليون إلى 12 مليون مواطن لديهم عداء ورفض للإخوان بشكل مستقر. وتظهر استطلاعات الرأي العام انضمام فئات اجتماعية أخرى وكتل جديدة غير راضية عن أداء الإخوان، وهي النسبة التى ارتفعت من 20% في عام 2011 تمثل القاعدة الاجتماعية التى ترفض الإخوان بشكل كلي وقاطع، ثم ازدادت بنسبة قليلة إلى 27% في عام 2012، ووصلت إلى 36% عام 2013[2]، أما الارتفاع الرهيب في عام 2014 الذي يصل إلي 56%، فهو يرتبط بأجواء الحكم البوليسي الذي يصعب فيه الحصول على إجابات دقيقة حول مثل هذه الأسئلة التى قد تلقي بأصحابها إلي السجون أو المعتقلات.
ثانياً: تذبذب مواقف الكتل المتأرجحة والمحايدة من الإخوان:
في ظل الحصار والتهديد تتراجع بعض الشرائح الاجتماعية المحايدة والمتأرجحة عن إعلان دعمها للإخوان مقابل استمرار الكتلة التقليدية المؤيدة، حتى في ظل القمع. فقد وصلت نسبة القبول العام للإخوان في عامي 2011 و2012 إلى مستويات غير مسبوقة هي 80% في عام 2011، و70% عام 2012، ثم بدأ معدل القبول في الانخفاض ليصل إلى 63 % عام 2013، و38 %عام 2014. وفي المقابل هناك زيادة في عدم الرضا من 20 % (2011) إلى 27% (2012) و36% (2013) و56 % (2014) [3]. ويلاحظ وجود زيادة مفاجئة ودراماتيكية في مستوى قبول الإخوان في الاستطلاعات بعد يناير 2011، ثم انخفاض متسارع ودراماتيكي أيضاً، حتى وصل في استطلاع بيو إلى 38 % في أبريل 2014 ، وفي استطلاع زغبي 34 في سبتمبر 2013. كما يلاحظ أن شعبية الدكتور مرسي (رحمه الله) استمرت تدور حول نسبة 40% أو أكثر قليلاً على الرغم من عزله بعد الانقلاب، في حين كانت شعبية السيسي بين 40-55% من خلال الكتل الصلبة للدولة والرافضة للإخوان، ودعم الكتل المتأرجحة والمحايدة شعبيًا، وهي التي تراجعت بشكل كبير بسبب سوء الوضع الاقتصادي، وفشل السياسات في ملفات مثل سد النهضة وتيران وصنافير.
والحقيقة أن الارتفاع المفاجيء في التوقعات ومستوي الثقة في الإخوان في أعقاب الثورة وأثناء الانتخابات البرلمانية خلق ثورة توقعات متزايدة وارتفاعًا في مستوى طموحات شرائح الفئات المجتمعية المختلفة، ولكن ذروة الانتصار كانت بمثابة بداية منحدر الهبوط في الشعبية، فالفئات الاجتماعية من الكتل المتأرجحة التى تعلقت آمالها بإمكانية تحسين مستواها الاقتصادي عبر تحقيق الاستقرار السياسي بدأت تدريجياً في الانفضاض عن الإخوان، ويأست سريعًا من قدرتهم على الحكم، فتحولوا إلي تأييد قوى سياسية معادية للإخوان، وبعضها من القوى المؤيدة لنظام مبارك .
هذه الفئات المتأرجحه باستمرار والمحايدة هي نفسها -الآن- التي تجدها رافضة بشكل قوي لسياسات نظام السيسي، وذلك بعد مرحلة دعم نسبي للانقلاب. ولا شك أن التحول الراهن في مزاج القوى المتأرجحة يخلق أساسًا لعودة الدعم للإخوان المسلمين مرة أخرى في وسط هذه الفئات الاجتماعية، وذلك إذا أحسن الإخوان إدارة الصورة الإعلامية وإيجاد سياسات تستقطب تلك الشرائح المتضررة من نظام السيسي.
كتلة داعمة لمشاركة الإخوان في نظام ديموقراطي:
هناك شريحة من المجتمع تفضل الديموقراطية والتعددية والحريات السياسية كمحدد أساسي لبنية النظام السياسي، وهي إما داعمة للإخوان أو تشجع انخراطهم في العملية السياسية علي الأقل.
وفي استطلاع بيو فإن معظم المصريين يعتقدون أن الديموقراطية هي أفضل وسيلة للحكم، ولكن 56 في المائة غير راضين عن الطريقة التى تعمل بها الديموقراطية في مصر، مقابل 43 في المائة راضين عنها[4]. وهناك أكثر من النصف يفضلون الديموقراطية على الاستقرار كأولوية قصوى، ولكن نسبة من يميلون للاستقرار ارتفعت[5]. وفي عهد الرئيس محمد مرسي (رحمه الله) كان الذين يفضلون الاستقرار من “حزب الكنبة” يعارضون ممارسات جبهة الإنقاذ والشباب، وكذلك –للمفارقة- كان الإسلاميون هم من يفضلون الاستقرار مع الديموقراطية. وفي ظل انقلاب 3 يوليو كان “حزب الكنبة” والكتل المتأرجحة تفضل الاستقرار مع رفض الإسلاميين، وهو المطلب الذي يجاريهم فيه العلمانيون والأحزاب المدنية. وهو أمر بلا شك في طريقه للتغير بعد اختيارات السيسي الإقصائية تجاه كلٍّ من الإسلاميين والقوي السياسية المختلفة.
ويؤكد الاستطلاع الأحدث البارومتر العربي في التقرير الرابع الصادر في عام 2017 أن 39% من المواطنين يفضلون نموذجًا ديموقراطيًا يوصف بأنه “نظام برلماني يتنافس فيه الوطنيون والجناح اليساري والجناح اليميني والأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية”، التي يرى 39 % أنها مناسبة أو مناسبة جدا. وهي نسبة انخفضت بمقدار 30 نقطة (69 % في عام 2013). وعلى الرغم من الدعم الفاتر للديمقراطية الليبرالية، فإن عددًا محدودًا من المصريين (7 % فقط) يفضلون “نظاما برلمانيا لا تتنافس فيه الأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية”. وذلك إلي جانب 9 % فقط يؤيدون وجود “نظام برلماني تتنافس فيه الأحزاب غير الدينية فقط في الانتخابات البرلمانية”. وهذه النسب تكشف عن وجود توجه لدى نسبة كبيرة من المواطنين تقبل بعودة التنافس ومشاركة الإسلاميين في الانتخابات. وهنا يتم الربط بين النظم البرلمانية والديموقراطية وما يحدث فيها من انتخابات بوجود الإخوان والإسلاميين كقوي أساسية في العملية السياسية، فالديموقراطية والانتخابات في تصورات من يدعمها من الشعب وهم الأكثرية لا يمكن أن تحدث دون وجود الإسلاميين في اللعبة السياسية.
وقد وجد البارومتر العربي بأن 9 % فقط يؤيدون وجود “نظام تحكمه الشريعة الإسلامية لا توجد فيه أحزاب سياسية أو انتخابات”، في حين هناك 15 % فقط يدعمون نظام “الحكومة التي توفر احتياجات مواطنيها دون منحهم الحق في المشاركة في العملية السياسية”[6].
وبالطبع، فإن هذه الفكرة التي تقيم تناقضًا بين الشريعة والديموقراطية ملتبسة لدى القوى السياسية وكذلك بين القائمين بالاستطلاعات. فهناك إشكالية تثيرها استطلاعات الرأي العام؛ حيث يفترض بعضها تطابقًا بين دعم الإخوان، ودعم وجود قادة ونفوذ لرجال الدين في الحكومة، وهو ما يعكس فهماً مغلوطًا للإسلام ودوره في الحياة السياسية، فليس هدف الإسلاميين تشكيل حكومة من رجال دين، وداعمو الإخوان لا يتبنون بالضروة هذا النمط من الحكم. ولكن علي الرغم من ذلك فإن 25 % من المواطنين في استطلاع البارومتر العربي يعتقدون أنه سيكون من الأفضل أن يشغل عدد أكبر من الأشخاص الدينيين مناصب عامة (25 %). وبناء على ذلك الفهم الخاطئ يستنتج معدو الاستطلاع أن فترة حكم الدكتور مرسي “قد أدت بالمصريين إلى خسارة الثقة في الإسلام السياسي”. وهو حكم غير دقيق يعكس تحيزات لدى القائمين بالاستطلاع، ويتجاهل حقيقة الخوف التي تجعل العينة التي يتم استطلاع آرائها شديدة الحذر في إبداء مواقف إيجابية، أو داعمة لحركات إسلامية – مثل الإخوان – بشكل مباشر.
ثالثاً: تصاعد الانقسامات المجتمعية وأثرها على شعبية الإخوان في 2013 و2014
في ظل حالة السيولة والتغير الاجتماعي والسياسي المتسارع في مصر حدث تغير في صورة ومكانة الإخوان لدى الرأي العام. وتعكس نتائج استطلاعات زغبي وبيو هذه التطورات. فاستطلاعات جيمس زعبي[7] الثلاثة خلال عام 2013 تعكس تراجعًا بسيطًا، ثم تصاعدًا في شعبية الإخوان عام 2013 .
يبين الجدول السابق انخفاض شعبية الحرية والعدالة إلى نحو 26% و%24 على التوالي في مايو ويوليو 2013، ثم ارتفعت نسبيًا إلى 34% في سبتمبر 2013، على الرغم من حالة الصدام بعد انقلاب 3 يوليو. ويختلف ذلك بشكل كبير مقارنة بالنسبة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية التي حصل عليها مرسي في الانتخابات الرئاسية.
وفي المقابل فإن استطلاع بيو في مارس 2013 قدم نتائج أقل سلبية عن أداء الإخوان، حيث أكد أن 53% من المصريين لديهم اتجاهات إيجابية عن د محمد مرسي (رحمه الله) في مقابل 43% لديهم اتجاهات سلبية نحوه[8]. وتوصل إلى أن دستور 2012 يؤيده نحو 49%، على حين يرفضه 45%[9]. بينما كان لدى 63% من المصريين اتجاهات إيجابية عن الإخوان، وهو ما انخفض من 75% في عام 2011، إلى 70 % في 2012. بينما ظل حزب الحرية والعدالة عند 52%[10].
وفي هذا الاستطلاع يلاحظ أن نسبة مؤيدي الدكتور محمد مرسي (رحمه الله) كانت أعلي من 40 في المائة أي أعلى من النسبة التى يحصل عليها الاخوان في استطلاعات أخرى مما قد يعنى وجود شرائح غير مؤيدة للثورة كانت تؤيد د محمد مرسي (رحمه الله) خصوصًا من القوى السلفية المحافظة في حزب النور أو بعض الفئات الاجتماعية التى تستفيد من وجود د محمد مرسي (رحمه الله).
لقد أدت تطورات ما بعد تدخل الجيش والصدامات الدموية وحركة الاحتجاج إلى انخفاض انخفاض دراماتيكي في مستوي القبول العام للإخوان من 80% في عام 2011 إلى 70% (2012) و63% (2013) و38% (2014). وفي المقابل هناك زيادة في عدم الرضا عنهم من 20 % (2011) إلى 27% (2012) و36% (2013) و56% (2014) [11]. ويعكس ذلك ابتعاد كثير من الشرائح المحايدة عن إعلان دعمها للإخوان مقابل استمرار الكتلة التقليدية المؤيدة للإخوان – حتى في ظل القمع- التى تتراوح بين 25% -35 % من الرأي العام المصري.
في مقابل بعض الاستطلاعات التى تقدم نتائج محايدة نسبيًا، فإن هناك البعض الآخر الذي يظهر تحيزه بشكل كبير. فهناك استطلاعات رأي مؤيدة للإخوان؛ مثل استطلاع المركز المصري لدراسات الرأي العام الذي يؤكد أن نسبة مؤيدي شرعية مرسي بلغت 68% مقابل 18% مؤيد لعزله، و12% يمثلون الطريق الثالث. هذه الأرقام مفاجئة ومبالغ فيها نسبيًا، ولكنها تسير في اتجاه أن هناك نسبة عالية ترفض عزل د محمد مرسي (رحمه الله) قدمها استطلاع مؤسسة جيمس زغبي في سبتمبر 2013 الذي كان يؤكد أن 51 % من المصريين ضد عزل د محمد مرسي (رحمه الله)، وهو اتجاه قابل للتصاعد في الفترة القادمة في ظل عجز وفشل السلطة الحالية.
كان المزاج العام المصري – بصفة عامة- يتحول تدريجيًا نحو عدم الرضا والقلق من المستقبل في نهاية العام الذي تولى فيه مرسي، وهذا ما رصده استطلاع بيو في مارس 2013. فقد كان هناك 30% فقط يشعرون بالرضا ويرون أن مصر تسير في الاتجاه السليم، مقابل 53% في عام 2012، ونحو 65% في الأيام التالية للثورة[12]. واستطلاع زعبي مايو 2013 رصد أن نسبة المتفائلين بالمستقبل هي فقط 36%، في حين كانت 82% في 2011 .
ونظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية، فإن 23% فقط في استطلاع بيو يرون أن الأوضاع الاقتصادية في طريقها للتحسن، وهي أقل حتى من نسبة 30 % يرون أن مصر تسير في الاتجاه السليم، وهذا يعنى أن نسبة الرضا العام أعلى من نسبة الرضا عن الأوضاع الاقتصادية بسبب وجود أسباب أخرى، فوجود سبب سياسي مرتبط بالحريات السياسية أو تأييد الثورة أو وجود نخبة أيديولوجية معينة في السلطة يجعل هذا القسم من الناس يشعر بالرضا والتفاؤل حتى لو كانت أوضاعهم الاقتصادية أسوأ، ولذلك فنحو 29% متفائلون بأن الأوضاع الاقتصادية ستتحسن خلال عام[13]. ويلاحظ أنه رغم إدراك هذا التدهور الاقتصادي فإن 39% من المصريين يرون أن أوضاع مصر أفضل بعد مبارك، ربما بسبب إيمانهم بالثورة. انخفضت هذه النسبة من 44 إلي 39% في عام واحد، وهذه قد تكون مؤشرًا على نسبة القسم المؤيد للثورة ضد مبارك. وفي المقابل فإن 30% يرون أن الأوضاع أسوأ ؛ حيث ارتفعت النسبة من 26 إلى 30 في عام واحد. أي أن نحو 40 % من المصريين يؤيدون مسارًا ثوريًا.
رابعاً: شعبية الإخوان مقارنة بالقوى الأخرى: القوة الشعبية الأبرز لكن فرصة العودة للحكم قبل 2020 ضعيفة:
يؤكد مركز بروكينجز في ورقة عن مستقبل الإسلاميين في الشرق الأوسط[14] أنه على الرغم من الحصار المفروض على جماعة الإخوان المسلمين فإنهم لا يزالون من أفضل القوى السياسية المنظمة في البلاد، وإذا تعرضت البلاد لموجة جديدة من الاحتجاجات والاضطرابات السياسية لإعادة الديموقراطية، فمن المتصور أن يستعيد التنظيم فاعليته وسطوته، خاصة أن الأحزاب السياسية “البديلة” من المرجح أن تكون قدراتها محدودة من الناحية التنظيمية. وعلى الرغم من هذه الأفضلية النسبية فإن قدرة الإخوان على الوصول للحكم في استطلاع بروكينجز جاءت أقل من دول عربية أخري، حيث أكد الأكاديميون والخبراء المشاركون أن الدول التي يرجح أن يكون لها حكومة إسلامية بحلول عام 2020، هي: تونس بنسبة 53%، سوريا بنسبة 47%، اليمن بنسبة 47%، ليبيا بنسبة 37%، مصر بنسبة 12.5%.
وقد قامت مؤسسة جيمس زعبي[15] بإجراء ثلاثة استطلاعات للرأي على فترات مختلفة خلال عام 2013 تعكس تغير المزاج الشعبي مقارنة بنتائج الانتخابات البرلمانية في 2011، حيث تراجعت شعبية بعض القوى والأحزاب، وظهرت قوى وحركات جديدة. وهذا يعكس التغير المستمر والتقلبات في المزاج الشعبي، مما يجعل مهام القائمين باستطلاعات الرأي العام أكثر صعوبة.
وفي الوقت الراهن يمكن القول إن شعبية تلك القوى في حالة انهيار كامل مقارنة بشعبية الإخوان التي تحافظ على قدر من الاستمرارية.
ويبقى المتغير الأبرز في الوقت الراهن هو دور وشعبية المؤسسة العسكرية، ففي حين كان هناك تأييد كاسح للمؤسسة العسكرية تصل نسبته إلى 94% في مايو 2013؛ حيث كان أغلب الإسلاميين يدعمون المؤسسة – أيضاً – في تلك الفترة، إلا أنه كان هناك انقسام بين من يؤيدون تدخل المؤسسة العسكرية ومن يعارضونها، فقد بلغت نسبة المؤيدين للتدخل 44% مقابل معارضة 56%. ويعكس ذلك أن أغلبية مؤيدي الإخوان والرئيس مرسي في هذه الفترة كانت تؤيد بالدرجة نفسها تقريباً المؤسسة العسكرية، وبالطبع فهي كانت ترفض أي تدخل عسكري ضد سياسات الرئيس، وفي أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013 انصرف معظمهم عن تأييد المؤسسة العسكرية، بل تحول كثير منهم إلى حالة العداء.
في استطلاع بيو 2014[16]، وبعد أقل من عام على الانقلاب، استمر 43% في رفض الإطاحة بمرسي فيما فضل ذلك 54% ، وهي نفس النسبة تقريباً التى كانت تؤيد السيسي كرئيس في هذا الاستطلاع، في حين كان هناك 45% ينظرون إليه بشكل سلبي[17]. وهذا يعنى استمرار الانقسام بين مؤيدي الإخوان الذين حافظوا على نفس نسبتهم، وهي أكثر من 40% أو أربعة من كل عشر مصريين ، ومؤيدي السيسي الذين سينخفض عددهم بشكل دراماتيكي بعد توليه السلطة رسمياً.
ثقة الرأي العام في الإخوان والجيش والقضاء[18]
يلاحظ من الجدول السابق خطورة الانخفاض والتدهور الشديد في مستوى الثقة في الجيش التى وصلت إلى 56% في مارس 2014، بعدما كانت 73% في 2013، و88% في 2011 في أعقاب الإطاحة بمبارك[19]. ولا شك أن هذا الانخفاض يعكس طبيعة النظام القائم الذي لا يرى فيه الناس فصلًا بين النظام والجيش.
وعلي عكس استطلاع مركز بيو يأتي استطلاع آخر باسم البارومتر العربي في تقريره الرابع الصادر في عام 2017، ليروج لصورة وردية عن الوضع في مصر، حيث أشار لوجود أغلبية واضحة من المواطنين تثق في القوات المسلحة (85 %)، والشرطة (72 %)، وهذه النسبة عالية للغاية مقارنة باستطلاع مركز بيو. فهي تعكس تحيزات في صياغة التقرير، أو خوف المواطنين الذين استُطلعت آراؤهم[20].
ويلاحظ أن المؤسسة العسكرية تمتلك عددا من الأدوات تستخدمها في تحقيق مصالحها وتعظيم نفوذها والحفاظ عليه في الحياة السياسية في مصر. وللمفارقة، فإن أدوات الحركة والتأثير التي تمتلكها المؤسسة العسكرية المصرية، هي ذاتها التي تمتلكها الدولة المصرية؛ وهذا ناجم عن حالة التماهي الشديد التي تداخلت فيها علاقة المؤسسة مع النظام السياسي والدولة ككل. هذه الشبكة الواسعة من أدوات التأثير التي تمتلكها المؤسسة العسكرية تعد أبرز نقاط القوة لديها، فهي بالفعل تمتلك قوة الدولة العنيفة والأيديولوجية. أما أبرز نقاط الضعف التي تعاني منها المؤسسة العسكرية، فهي تورطها في الحكم بشكل مباشر عبر رجلها القوي وزير الدفاع السابق، والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي؛ وهو ما أزال قشرة القداسة التي كانت تحيط بالمؤسسة باعتبارها درع الدولة وسيفه، وبناة مجدها وحماة شعبها، وقد سلطت سهام النقد على أداء المؤسسة على الصعيد السياسي، بل ممارساتها على الصعيد العسكري، وزاد من رغبة القوى السياسية والثورية في تقليص حضور المؤسسة العسكرية في المجال السياسي، وقصر نشاطها على المجال العسكري والاستخباري .
خامساً: استخلاصات هامة:
- إن القوي المعارضة للإخوان في السلطة، والخارج راهنا على فشل الإخوان سريعًا بعد فوزهم في الانتخابات البرلمانية من خلال حملات تشويه متعمدة، وبنت تقديراتها على أساس استنزاف الإخوان وجعلهم يخسرون رصيد الشعبية والقبول الاجتماعي. فعندما اضطرت إلي إجراء الانتخابات الرئاسية اعتمادًا على ضعف قدرة الإخوان على المنافسة بقوة بسبب انخفاض شعبيتهم خلال الشهور الخمسة التالية لانتخابات البرلمان، وكذلك غياب الرمز السياسي الإخواني القادر على المنافسة السياسية في الانتخابات الرئاسية في مواجهة شخصيات أكثر خبرة وحضورًا في الرأي العام مثل عمرو موسي أو أبوالفتوح. وعلي الرغم من انخفاض شعبية الإخوان بسبب الأداء البرلماني المتعثر، وهو ما تجلى في انخفاض التصويت للدكتور محمد مرسي (رحمه الله) عن مثيله في انتخابات البرلمان، فإن ماكينة الإخوان الانتخابية نجحت في إيصال د محمد مرسي (رحمه الله) إلى مقعد الرئاسة.
- كشفت سنة حكم د محمد مرسي (رحمه الله) عن تشكل قاعدة اجتماعية عريضة مؤيدة للإخوان والتوجهات العامة التي يمثلونها أو يعبرون عنها في مقابل القوى العلمانية والقواعد الاجتماعية المؤيدة لمؤسسة الدولة العميقة، وهي تدور حول نسبة من 25% إلى 40%، كما تبينها استطلاعات الرأي العام، فهذه النسبة استمرت في دعم الإخوان ود محمد مرسي (محمد مرسي) حتى بعد مرحلة الانقلاب العسكري. أما الأداء السياسي للإخوان وبرامجهم التى تنفتح على الاتجاهات والفئات الاجتماعية الأخرى فيمكن أن توفر نسبة تأييد أخرى من الكتل الاجتماعية المحايدة والمتأرجحة تبلغ نسبتها ما بين 10%-20% وذلك في أجواء ديموقراطية وانتخابية حرة.
- إن مواقف الدعم والتأييد لا تعكس بالضرورة الوضع في حالة المظاهرات والاحتجاجات من جهة، والانتخابات من جهة أخري، فليس كل الداعمين في الاستطلاعات لديهم القدرة أو الرغبة على المشاركة في الاحتجاجات، خصوصاً إذا واجهت عنفًا دمويًا. كما يلاحظ وجود أزمة في قدرة استطلاعات الرأي العام على توقع أداء الإخوان في الانتخابات بشكل دقيق؛ فقد أبرزت كثير من الاستطلاعات انخفاض الشعبية في عام 2012 بسبب أداء البرلمان والحملة الإعلامية ضدهم، ولكنهم تمكنوا من الفوز في الانتخابات الرئاسية. ويمكن تفسير ذلك في أن النسب في الاستطلاعات تعكس شعبية الحزب في أوساط الرأي العام بمختلف فئاته حتى الفئات المعادية والفئات التي تمثل “حزب الكنبة”، التى قد لا تشارك أصلًا في الانتخابات، وهذا قد يفسر الانخفاض الكبير رغم الأداء المعقول في الانتخابات في كثير من الأحيان. فالانتخابات تعبر عن قدرة الماكينة الانتخابية للإخوان على جذب قطاعات شعبية لديها استعداد للمشاركة والخروج والتصويت، ولكنها لا تمثل مجمل الرأي العام، حيث تذهب الاستطلاعات إلى المواطنين في مقارهم ومنازلهم، وهناك قسم منهم بالتأكيد لا يفضل المشاركة في أية استحقاقات سياسية وانتخابية.
الهوامش
[1] David Pollock, Michele Dunne, and Ali Shihabi, The Scoop on the Arab Street: New Polls, Taboo Topics, Washington Institute November 1, 2017
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-scoop-on-the-arab-street-new-polls-taboo-topics
[2] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 13
[3] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 13
http://www.pewglobal.org/2014/05/22/one-year-after-morsis-ouster-divides-persist-on-el-sisi-muslim-brotherhood/
[4] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Center, May 16 2013, p. 1, 2
http://www.pewglobal.org/2013/05/16/egyptians-increasingly-glum/
[5] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Center, May 16 2013, p. 2
[6] Daniel Tavana, Findings from the Arab Barometer,EGYPT WAVE 4 COUNTRY REPORT, July 20, 2017
[7] Egyptian Attitudes September, Zogby Research Services, Sir Bani Yas Forum Abu Dhabi, UAEhttp://b.3cdn.net/aai/fe64c5aaef408b33d1_0lm6bnk0v.pdf
جري الاستطلاع من خلال المقابلة وجهاً لوجه مع 1405 أشخاص (عينة ممثلة) خلال الفترة من 16-28 سبتمبر 2013.
[8] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Centre, May 16 2013, p. 1
[9] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Centre, May 16 2013, p. 1
[10] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Centre, May 16 2013, p. 2
[11] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 13
[12] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Center, May 16 2013, p. 1
استفتاء بيو في مارس 2013 والذي نشرت نتائجه في مايو 2013
nationwide survey of Egypt by the Pew Research Center. Face-to-face interviews were conducted with 1,000 adults in Egypt from March 3 to March 23.
[13] Egyptians Increasingly Glum, Pew Research Center, May 16 2013, p. 1
[14] Shadi hamed and willim McCants, How likely is it that an Islamist group will govern in the Middle East before 2020?, Brookings, 2 August 2017, link: https://www.brookings.edu/blog/markaz/2017/08/02/how-likely-is-it-that-an-islamist-group-will-govern-in-the-middle-east-at-some-point-before-2020/
[15] Egyptian Attitudes September, Zogby Research Services, Sir Bani Yas Forum Abu Dhabi, UAE
http://b.3cdn.net/aai/fe64c5aaef408b33d1_0lm6bnk0v.pdf
جرى الاستطلاع من خلال المقابلة وجهاً لوجه مع عينة ممثلة عددها، 1405 خلال الفترة من 16-28 سبتمبر 2013.
[16] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014,
أجري الاستطلاع في أبريل 2014
[17] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 4
[18] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 4
[19] One Year After Morsi’s Ouster, Pew , 22 May 2014, p. 5
[20] Daniel Tavana, Findings from the Arab Barometer,EGYPT WAVE 4 COUNTRY REPORT, July 20, 2017