المحتويات
- مقدمة
- أولًا: ملخص تنفيذي
- ثانيًا: موقع مصر في تطورات الإستراتيجيات الإقليمية الروسية والأمريكية
- ثالثًا: تعاون متصاعد بين مصر وروسيا
- رابعًا. تذبذب في مسار العلاقات المصرية-الأمريكية
- خامسًا: مستقبل العلاقات وسيناريوهات استقرار سلطة 3 يوليو
- خاتمة
نظام السيسي بين الولايات المتحدة وروسيا.. المصالح والتوجهات والتداعيات
مقدمة
كانت نتائج القمة الخامسة عشرة لمجموعة (بريكس)، التي انعقدت في مدينة جوهانسبرج، عاصمة جنوب أفريقيا، خلال الفترة بين 22 – 24 أغسطس/آب 2023، كاشفة عن الصراع الجيوسياسي العالمي بين قوى شرقية وأخرى غربية، حيث البلدان الإقليمية التي تملك إمكانات جيوسياسية وسوقية في القلب من هذا الصراع. وانتهت القمة إلى تقديم دعوات لـ 6 دول للانضمام للمجموعة، كانت مصر من بينها.
وحاولت سلطة 3 يوليو استثمار هذا الحدث في الترويج لعنوانين، الأول يتعلق بمعالجة ملف سد النهضة، والثاني يتمثل في انتهاء الأزمة المالية الدولارية من بوابة نجاح السياسة الخارجية.
غير أن القراءة الجيوسياسية للمشهد تكشف أن الدعوات الست التي وجهتها “بريكس” كانت ذات طبيعة جيوسياسية في المقام الأول، كما تكشف عن الصراع بين قوى شرقية تقودها الصين وروسيا، وقوى غربية تتزعمها الولايات المتحدة، حول منطقة قلب العالم. هذا الوضع يفتح الباب للتساؤل حول موضع مصر ضمن خارطة الصراع بين المعسكرين، ومدى تأثير ذلك الصراع على استقرارها السياسي والاقتصادي.
وخلال الأسطر القادمة سنحاول استعراض العلاقات المصرية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا على وجه الخصوص، محاولين فهم مصالح كل طرف مع القاهرة. كما سنتطرق إلى دخول مصر للبريكس، والدور الذي قد تضطلع به داخل المنظمة.، هذا علاوة على استشراف السلوك المستقبلي للنظام المصري حيال المنافسة المتصاعدة على المستوى الدولي.
أولًا: ملخص تنفيذي
- الدول الأعضاء المنضمة حديثًا إلى مجموعة “بريكس” كلهم ذوي أهمية إستراتيجية. وباستثناء الأرجنتين -التي لها أهمية جيوسياسية مختلفة- فإن بقية الدول لها علاقة بأمن أهم 3 ممرات ملاحية في المنطقة، هذه الممرات هي: قناة السويس – مضيق باب المندب – مضيق هرمز. وبشكل عام، فإن العلاقات المصرية تتنامى شرقًا، فيما هي تراوح مكانها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الآن، في ظل عدد من المشكلات الجارية في المنطقة. وقد فصّلنا ذلك في متن الدراسة.
- وثيقة السياسة الخارجية الروسية الجديدة تبدي اهتمامًا بالمنطقة، وبالعالم الإسلامي ومنظماته، ويعنيها في مصر موقعها الجيوسياسي الهام، ومطالبها الاقتصادية من القمح والسلاح والطاقة، فضلًا عن حماية المسيحيين. وتسعى روسيا لتطوير ترتيبات أمنية تخص الإقليم، أسوة بالترتيبات الأمريكية.
- طورت مصر علاقتها بروسيا بصورة قوية خلال العشرية المنصرمة، اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، كما طورت علاقتها بالصين اقتصاديًا وماليًا، وانتهى الحال بمصر كعضو من المحتمل أن يكون محدود الفاعلية في مجموعة “بريكس الاقتصادية”.
- تعكس علاقات مصر بالولايات المتحدة استقرارًا قلقًا؛ تشوبه محاولات تفلت مصرية من بعض الالتزامات، في مقابل جهود ضبط أمريكية. حيث حاولت مصر تجاوز الخطوط الحمراء في مشتريات السلاح، وباشرت الولايات المتحدة جهودها وضغوطها لاحتواء هذا التوجه، وتمكنت من السيطرة عليه نسبيًا. وتُعد أهم ملامح ذلك تراجع مصر عن صفقة مقاتلات “سوخوي 35” الروسية، والتفاوض حول بدائلها الأمريكية: “إف 15” أو “إف 16”.
- أدى تعزيز القاهرة لعلاقتها بالكيان الصهيوني، والسيطرة على تفجرات الوضع الأمني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى تراجع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن تصوراتها للتعامل مع مصر التي أعلنتها خلال الحملة الانتخابية، والاتجاه بدلًا من ذلك إلى استمرار سياسة استدراج مصر والسعي لتصفية القوة التسليحية الروسية فيها، سواء عبر التخزين (المروحيات) أو إعادة البيع (ميج 29) أو إلغاء صفقات الشراء (سو 35).
- وفق أولويات الولايات المتحدة في تعاملها مع مصر، فإنها لا تمانع أن تحاول القاهرة حل أزماتها الاقتصادية عبر الاعتماد على أطراف أخرى غير أمريكية، في مقابل بقاء مصر على التزاماتها الأمنية تجاه الولايات المتحدة، والتي يأتي في مقدمتها الحفاظ على “معاهدة السلام” مع إسرائيل، وحرية الملاحة في قناة السويس.
ثانيًا: موقع مصر في تطورات الإستراتيجيات الإقليمية الروسية والأمريكية
يتعلق هذا المحور بموقع مصر في تطورات الاستراتيجيتين الروسية والأمريكية. فما ملامح الحضور المصري في هاتين الاستراتيجيتين؟
أ. مصر في الإستراتيجية الروسية: في 31 مارس/آذار 2023، وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا يحدد المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية، وخرجت هذه الوثيقة للعلن للمرة الأولى خلال اجتماع للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن القومي الروسي[1].
وفي هذه الوثيقة، ظهر اسم مصر مرة وحيدة، في البند 56 من الوثيقة، وذلك في إطار حديث الوثيقة عن العالم الإسلامي. حيث تحدثت عن تطوير التعاون الكامل والموثوق مع إيران، وتقديم الدعم الشامل لسوريا، وتعميق الشراكات متعددة الأوجه ذات المنفعة المتبادلة مع تركيا والسعودية ومصر. علاوة على تطوير العلاقات مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ نظرًا لأهميتها وإيجابية سياستها تجاه الاتحاد الروسي.
كما ظهر مسمى الشرق الأوسط أربع مرات، أولاها في المحور الخامس من البند 19، حين تحدثت الوثيقة عن دعم التكامل الإقليمي ودون الإقليمي داخل المؤسسات الصديقة المتعددة الأطراف، ومنصات الحوار، والاتحادات الإقليمية في آسيا، والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والشرق الأوسط.
والمرة الثانية أتت في إطار المحور السابع من المادة 31، والتي تحدثت عن تعزيز التعاون متعدد الأوجه مع الحلفاء والشركاء في مجال مكافحة الإرهاب، وتزويدهم بالمساعدة العملية في عمليات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك “حماية المسيحيين” في الشرق الأوسط.
وذُكرت المنطقة للمرة الثالثة في المحور الثاني من المادة 56، والتي تحدثت عن تأسيس كيان تنظيمي مستدام وشامل للأمن والتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقوم هذا الكيان على الجمع بين قدرات جميع الدول، والتحالفات بين دول المنطقة، فضلًا عن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
وذكرت الوثيقة في هذا الصدد أن روسيا تعتزم التعاون بنشاط مع جميع الدول والمؤسسات المعنية من أجل تنفيذ مفهوم الأمن الجماعي الروسي لمنطقة “الخليج الفارسي”، معتبرة تنفيذ هذه المبادرة خطوة مهمة نحو التطبيع المستدام والشامل للوضع في منطقة الشرق الأوسط.
أما الذكر الرابع فأتى في إطار المحور الخامس لنفس المادة، المادة 56، ونص السياق على المساعدة في التغلب على عواقب النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والمناطق الأخرى التي تقع فيها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
وبشكل عام، فإن الوثيقة تعمل على تطوير واسع لعلاقة روسيا بالعالم الإسلامي، لأغراض عدة، يمكن إجمالها في مكافحة الإرهاب، وتطبيق التمظهرات الإقليمية لمفهوم الأمن الجماعي الذي تتبناه روسيا للمناطق محل اهتمامها، ومنها منطقة الخليج، ودول العالم الإسلامي. وذلك في إطار رؤية روسية لعالم متعدد الأقطاب، تواجه فيه روسيا طموحات الهيمنة الأمريكية، هذا فضلا عن حماية المسيحيين.
إذ أن الوثيقة الروسية ذكرت في المحور السابع من البند رقم (30) أنها ترمي إلى “تعزيز التعاون متعدد الأوجه مع الحلفاء والشركاء في مجال مكافحة الإرهاب، وتزويدهم بالمساعدة العملية في عمليات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك حماية المسيحيين في الشرق الأوسط”.
وفيما يتعلق بخصوصية العلاقات مع مصر، فإن روسيا تسعى لاختراق جدار الدول الحليفة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها مصر، بغية استعادة دورها في المنطقة. ويشمل اختراق المجال المصري القطاعات العسكرية والاقتصادية والثقافية. وسنتناول تفاصيل هذه المجالات في المحور الخاص بتطورات العلاقات المصرية-الروسية.
وتدفع مصر نحو روسيا اعتبارات عدة، أهمها: حاجة مصر لداعم دولي في ضوء الاضطرابات الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستجابة لتوجه رأس النظام والقوات المسلحة المصرية لتنويع مصادر السلاح خلال عملية تحديث ترسانتها، ومساعي تخفيف حدة أزمة التمويل بالعملة الأجنبية، ومواجهة ضغوط حقوق الإنسان، عبر موازنات السياسة الخارجية[2].
ب. مصر في الاستراتيجية الأمريكية: بشكل عام، يمكن أن تُختصر المصالح الأمريكية في مصر في 3 ملامح أساسية، أولها يتعلق بتأمين الحدود الشمالية الشرقية لمصر، وهو أمر يتعلق بتأمين الحدود الجنوبية الغربية للكيان الصهيوني، ويتطور الأمر في هذا الملف لصالح التدخل الدوري لضبط مسار الصراع بين قوى المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
أما الأمر الثاني فيتعلق بتأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، وهي حلقة الوصل الأساسية بين تمركزات كل من القيادة الامريكية للشرق الأوسط “سنتكوم” والقيادة الأمريكية لأوروبا “يوكوم” وبين منطقة المحيط الهندي وتخومها، هذا فضلًا عن استقرار حركة التجارة الدولية. غير أن “سنتكوم” وسعت تصورها الأمني في نهاية العقد الماضي ليشمل ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر، وأعدت لذلك قوة خاصة، تعرف باسم “قوة المهام المشتركة 153” أو اختصارًا باسم “إف 153″، والتي آلت قيادتها إلى مصر مؤقتًا في مطلع 2023.
وبالحديث عن الإدارة الأمريكية الحاليةـ، فبالرغم من أنها نشرت استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، إلا أن محللين يصفونها بأنها “تصورية”، نظرًا لمخالفتها للسياسات الأمريكية المطبقة حاليًا[3].
حيث ما يُطبَّق على أرض الواقع هو استمرار “الحديث” عن حل الدولتين على الصعيد الفلسطيني؛ من دون سياسة ترسيخ المفهوم والسعي الفعلي لتطبيقه، علاوة على رعاية مسار التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، وتجاوز الملف الحقوقي عمليًا في كل من السعودية ومصر؛ لصالح رعاية ترتيبات أمنية متجددة، والاستمرار في سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بشكل أو بآخر.
كما أن ما يمكن أن يوصف بـ”الحديث الرغبوي” عن إحلال الديمقراطية في سوريا محل نظام “الأسد” ما زال مستمرًا، في سياق من غياب الرؤية تجاه ملف إيران، ربما باستثناء استمرار المحادثات بشأن الاتفاق النووي.
وعلى مدى العامين الأولين من حكم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حاولت إدارته تعزيز علاقاتها مع مصر، حيث التقى بايدن بالسيسي، ثلاث مرات في عام 2022: خلال زيارة بايدن إلى السعودية في يوليو/تموز 2022، وفي مؤتمر المناخ “COP27” في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في شرم الشيخ بمصر، وعلى هامش اجتماع قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، بواشنطن، في ديسمبر/كانون الأول 2022. حيث لم تختلف سياسة بايدن تجاه مصر كثيرًا عن سياسات الإدارات السابقة، التي نظرت إلى مصر كشريك استراتيجي رئيسي في منطقة تتزايد فيها الاضطرابات.
وكان لافتًا أن سلطة 3 يوليو قدمت “تنازلات سيادية” لإدارة “بايدن”، من بينها تنازلات عن صفقات سلاح ضخمة ومهمة، سنأتي لذكر إحداها فيما بعد. علاوة على تقديم خدمات أمنية لإدارة الاحتلال الصهيوني، خلال عدوانها الدموي على غزة في مايو/أيار 2021؛ وبخاصة بعد تعديل الاتفاقية الأمنية بين مصر والكيان الصهيوني في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021[4]، وإعادة ترتيب الانتشار العسكري في سيناء عبر قوتين منضبطتين، إحداهما رسمية (الجيش) والأخرى مصلحية (ميليشيات أبرزها فرسان الهيثم)[5]، علاوة على استيعاب قبائل شمال سيناء ضمن خطة معلوماتية استخباراتية[6]، ووجود شبهات تتعلق بتورط الأجهزة الأمنية المصرية في تسهيل اغتيال بعض قادة حركة الجهاد الإسلامي خلال مقاومتها للعدوان الصهيوني[7]. هذا الدور دفع الرئيس بايدن إلى إجراء أول مكالمة هاتفية له مع السيسي ليشكره على جهوده في تأمين وقف إطلاق النار[8].
وفي المجمل، فإن الإدارة الأمريكية تحاول الحفاظ على علاقاتها مع النظام المصري، باعتبار أنه ما زال ملتزمًا -في المجمل- بالحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة. غير أن هناك بعض المحطات التي بذلت فيها الإدارة الأمريكية ضغوطًا لمنع مصر من التملص من بعض التزاماتها تجاه الولايات المتحدة، سنستعرضها في محور قادم.
ثالثًا: تعاون متصاعد بين مصر وروسيا
في 26 أغسطس/آب 2023، احتفلت مصر وروسيا بمرور 80 عامًا على تأسيس العلاقات بين البلدين في نفس اليوم من العام 1943، وبهذه المناسبة أنارت السلطات المصرية مقر وزارة الخارجية باسمي البلدين، وبرج تلفزيون “أوستانكينو” في العاصمة الروسية موسكو، بألوان علمي البلدين[9]. وكانت الدولتان قد وقعتا، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018، اتفاقية بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين، والتي تشمل العلاقات التجارية والصناعية على جانب العلاقات الثقافية والعسكرية[10].
أ. العلاقات العسكرية: وفيما يتعلق بالعلاقات العسكرية بين البلدين، فهناك عدة مظاهر لهذه العلاقة، يمكن التعرف عليها فيما يلي:
– طلب روسيا إقامة قاعدة عسكرية جوية في شمال غرب مصر، الأمر الذي قابلته القاهرة بالرفض نتيجة موقع مصر في القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوس0ط (سنتكوم)، ما دفع موسكو لتطوير العلاقة باتجاه السماح بتسهيلات عسكرية تشمل السماح للطائرات العسكرية الروسية باستخدام المجال الجوي المصري، والقواعد الجوية المصرية لأغراض لوجيستية[11]. وبلغ الأمر حد رفض القاهرة مطالب أمريكية بحظر الطيران العسكري الروسي[12] في مجالها الجوي[13].
– ومن جهة ثانية، ثمة صفقات التسليح الروسية، والتي يمكن القول بأنها مرت بمرحلتين:
= المرحلة الأولى: استهدفت منها تعزيز منظومة الدفاع الجوي المصري، وتمثلت في صفقة عام 2014، كان من بينها الطائرات المروحية الروسية الهجومية “كاموف 52″، التي تُعد البديل المباشر للأباتشي الأمريكية، التي توقف تصديرها لمصر حتى الآن.
هذا علاوة على تزكية روسيا لمصر للحصول على حاملتي الطائرات “ميسترال” من فرنسا (وهي الصفقة التي منعها الغرب عن روسيا كجزء من العقوبات المفروضة عليها لغزوها شبه جزيرة القرم الأوكرانية. هذا بالإضافة إلى حصول مصر على وحدات من صواريخ الدفاع الجوي “إس 300”[14]، حيث اتفق الطرفان على تحديث منظومة الدفاع الجوي قصيرة المدى إلى منظومة “تور إم2″، وتطوير منظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى إلى منظومة “بوك إم2”. كما أهدت القوات المسلحة الروسية نظيرتها المصرية القطعة البحرية “مولينا بي32”.
أضف إلى ذلك صفقة مقاتلات “ميج 29 إم2”[15]، التي بلغت قيمتها نحو 3 مليار دولار. كما بدأت قوات المظلات من البلدين تدريبًا مشتركا في 2016، وبات يُعقد دوريًا بعد ذلك[16].
= المرحلة الثانية: تمثلت هذه المرحلة في صفقة لاستكمال دعم القوات الجوية المصرية، وكانت فاتحتها سربين من مقاتلات “سو 35″، تعاقدت عليهما مصر بالفعل مقابل مبلغ ملياري دولار، لكنها امتنعت عن إكمال الصفقة بسبب ضغوط أمريكية عليها.
حيث حذرت الخارجية الأميركية في أكثر من مناسبة؛ من أنها ستفرض عقوبات على مصر حال شرائها مقاتلات سوخوي الروسية. وكان من شأن هذه الصفقة أن تُعقّد إمكانية حصولها على مساعدات أمريكية عسكرية وغير عسكرية، بل ربما كانت لتقف حائلًا دون إتمام أية صفقات سلاح بين القاهرة وواشنطن مستقبلًا[17]. وقد تحملت مصر تكاليف صيانة هذه الطائرات حتى بيعها لإيران[18].
غير أن التعاون العسكري بين البلدين أضحت له بنية مؤسسية تضمن استمراره، وتتمثل هذه البنية في لجنة خاصة تضم وزيري الدفاع والخارجية في البلدين، وتأسست هذه الآلية في 2013، واستمرت حتى اليوم[19].
ب. العلاقات الاقتصادية:
على الصعيد الاقتصادي، أسست سلطة 3 يوليو بنية تحتية لعلاقات اقتصادية مع روسيا، تمثلت في مذكرتي تفاهم في مجال الاستثمار، الأولى بين وزارة الاستثمار المصرية ووزارة التنمية الاقتصادية الروسية، والثانية بين وزارة الاستثمار وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، علاوة على توقيع اتفاقية بين البنكين الأهلي ومصر من الجهة المصرية والصندوق الروسي للاستثمار المباشر، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم إطارية بشأن البدء في إنشاء المنطقة الصناعية الروسية، وكلها تهدف لتحفيز الاستثمار الروسي في مصر، والشراكة بين الشركات المصرية والروسية[20].
تتضمن الاستثمارات خطة لتطوير خطوط السكك الحديدية في مصر من خلال استيراد العربات الروسية، فضلًا عن إقامة شركة لصيانة عربات القطار، ودعوة لشراء أصول مصرية على ألا تتعدى الملكية الروسية نسبة 50 بالمئة، علاوة على أن المشروعات المشتركة تتمثل في تجميع السيارات والمعدات الزراعية ومعدات الطرق وبناء السفن، وصناعة الأدوية ومواد البناء والمنسوجات والملابس.
وضمن الصعيد الاقتصادي، وفيما يخص القمح، ومع إنهاء روسيا العمل باتفاقية الحبوب[21] التي أبرمتها تركيا مع كل من روسيا وأوكرانيا برعاية أممية في 21 يوليو/تموز 2022[22]، اتجهت مصر للسمسرة في القمح الروسي عبر إعادة تصديره إلى البلدان الأفريقية[23]، كمسار مواز لمسار اتفاقية الحبوب في حال الاتفاق على إحيائها، وبشرط إنشاء موسكو مركز توزيع لوجستي عالمي في قناة السويس.
ويعد الشرط المصري سبيلًا لإضفاء مشروعية أممية على أية استثمارات روسية في منطقة القناة. غير أن تركيا تمكنت من الاتفاق مع روسيا على خطط لتصدير القمح الروسي لدول أفريقيا، وليس واضحًا إن كان ذلك بالتعاون مع مصر أم بديلًا عنها[24].
وبالحديث عن المركز اللوجيستي الذي تريد سلطة 3 يوليو أن يؤدي لخفض الميزان التجاري مع روسيا، فإن مصر كذلك ساعدت روسيا على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهو ما يبدو أنه أتى بضوء غربي أخضر نتيجة أزمة الطاقة التي تعرضت لها أوروبا، بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
حيث نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن وساطة مصرية لبيع النفط الروسي عن طريق ميناء الحمراء السكندري[25].
وفي المجال النووي، كانت الدولتان قد وقعتا اتفاق تنفيذ مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2017 خلال زيارة الرئيس الروسي للقاهرة[26].
وفيما نشرت نوافذ إعلامية منح مصر الإذن للشركات الروسية بتنفيذ الوحدة الأولى في يونيو 2022، والوحدة الثانية في أكتوبر 2022، والوحدة الثالثة في مارس 2023، فإنها وافقت على إنشاء الوحدة الرابعة في 30 أغسطس 2023[27].
ومع وجود قدر من الضبابية على المستوى الإعلامي، فقد نشرت صحيفة مصرية أن محطة الضبعة المجمعة شهدت اكتمال مرحلة صب أساسات المحطة الأولى من 4 محطات بقدرة 1200 ميجاوات؛ وفق المصدر المصري[28]، و1400 ميجاوات وفق خبر نشرته قناة روسيا اليوم[29].
وأشارت صحف مصرية لبدء عملية صب أساسات الجسم الخرساني للمحطة الثانية، وبدأ توريد معدات المحطة الأولى، والتي توقعت الصحيفة أن يبدأ إنتاجها للكهرباء في عام 2028[30]. تأتي هذه المعلومات في ظل غياب شبكة توزيع كهرباء فعالة أدت لتعطيل تشغيل محطات “سيمنز” الكهربائية المصرية[31].
أخيرًا وعلى صعيد التعاون الثقافي، وفرت موسكو 270 منحة تعليمية للمصريين ضمن برامج التبادل الطلابي، في ظل وجود 16 ألف مصرى يدرسون في روسيا[32].
رابعًا: تذبذب في مسار العلاقات المصرية-الأمريكية
خلال العامين الأولين من حكم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أثبتت القاهرة أنها ركيزة قوية للمصالح الأمريكية في المنطقة خلال العامين الأولين من عمر إدارة بايدن”. وتوسطت في وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد الاشتباكات العنيفة بين حركة الجهاد الإسلامي والكيان الصهيوني؛ والتي شهدها القطاع خلال الفترة بين 10 – 13 مايو/أيار 2023[33]. كما عززت مصر علاقاتها الثنائية مع “إسرائيل”. وحافظت على سياسة طويلة الأمد تتمثل في تأمين الوصول السريع للسفن الحربية الأمريكية إلى قناة السويس والمرور عبرها[34].
وخلال هذه الفترة، تجاوزت كل من واشنطن والقاهرة خلافاتهما بشأن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وقللت تأثير هذه الأمور على شراكتهما الاستراتيجية. كان هذا واضحًا منذ أن تولى بايدن منصبه لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2021، حيث أثار من حين لآخر قضية انتهاكات مصر لحقوق الإنسان مع نظيره المصري، وحجب جزء من المساعدة الاقتصادية الأمريكية لمصر (300 مليون دولار) في مطلع 2021[35]، كما قررت إدارة بايدن حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية في منتصف سبتمبر/أيلول 2023[36]، والتهديد بقطع المزيد من المساعدات العسكرية ([37]45 – 85[38] مليون دولار أخرى)، ومع التراجع عن بعض المقتطعات للحد من احتمال الإضرار بشكل كبير بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وبالملفات المشتركة[39]، كشفت المستجدات عن تذبذب العلاقة في عدة ملفات.
– فمن ناحية، كانت ملفات السلاح الروسي الموجه لمصر أحد الملفات التي أثارت مشكلات عميقة بين البلدين، وبلغ الأمر حد تهديد الولايات المتحدة لمصر بأنها ستفرض عقوبات على مصر حال شرائها مقاتلات سوخوي الروسية، وكما ذكرنا آنفًا، فقد تخلت مصر عن الصفقة، وتحملت تكاليف صيانة هذه الطائرات حتى بيعها لإيران[40].
وبجانب مشكلة طائرات “سو 35″، هناك مشكلة أخرى تمثلت في رفض مصر طلبًا أمريكيًا لشراء طائرات “ميج 29” الروسية الموجودة في مصر، وذلك بغرض توجيهها إلى أوكرانيا، وذلك بعد شراء المتاح من نفس الطائرة من عدة دول، غير أن مصر ترفض هذا الطلب حتى الآن[41].
وكانت مصر قد تقدمت بطلب شراء 4 أسراب من هذه الطائرة في مايو/أيار 2015[42]، ووقعت عقود الشراء في سبتمبر 2017[43]، وحصلت عليها بالفعل.
وفي محاولة لإغواء مصر لبيع الطائرة؛ عرضت الولايات المتحدة بيع مصر طائرات “إف 15” ذات السمعة القتالية العالية[44]، ثم “إف 16”[45]، وإثر استمرار الرفض، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للقاهرة في 24 يوليو/تموز 2022[46]؛ وتطور الأمر إلى تلويح الكونجرس الأمريكي بالنظر في وعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمنح مصر طائرات “إف 35” على نحو مانشر موقع “الدفاع العربي”[47]، وإن لم تنشر وسائل الإعلام خلفيات هذه المعلومة.
ومع جدية التحذير الروسي، ومن ثم القلق المصري، تجاوزت الولايات المتحدة هذه الأزمة بعد التنازلات التي قدمتها مصر؛ وكان أبرزها تجميد صفقة مقاتلات “سو 35” ثم إلغاءها، وحضر “بايدن” قمة المناخ في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022[48]، وقدمت الولايات المتحدة لمصر 500 مليون دولار لجهود مواجهة أزمة المناخ[49]، وتصريح بايدن أن بلاده “تسعى لأن تكون علاقاتها مع مصر أقوى”[50].
– ومن ناحية أخرى، في منتصف شهر مارس/آذار 2023، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن تسريب وثائق أمريكية، بلغ عددها 100 وثيقة، تخص السياسة العسكرية الأمريكية في التعاطي مع الحرب الروسية على أوكرانيا، وأفادت إحدى عن تسجيل صوتي لرأس سلطة 3 يوليو يؤكد على ضرورة إنتاج 40 ألف قطعة ذخيرة صاروخية لروسيا كنوع من رد الجميل لهذا البلد؛ بحسب ما نسب لرأس سلطة 3 يوليو[51]، وذلك في إشارة لتلبية روسيا احتياجات مصر من النفط والقمح.
فيما نفت الأطراف الثلاثة: الولايات المتحدة – روسيا – مصر، وقوع تصرف كهذا. غير أن وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي فتحا تحقيقًا جنائيًا في ملف تسريب الوثائق. وقاد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، تحقيقًا لتقييم مدى الضرر الناجم عن هذه التسريبات – عسكريًا. كما صرح مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون العامة، كريس ميجر، أن تسريب الوثائق يمثل “خطرًا جسيما للغاية على الأمن القومي مع إمكانية نشر معلومات مضللة”[52].
وفيما يرى مراقبون أن التسجيل كان يتحدث عن سلوك مستقبلي لا عن تسليم فعلي، نفى آخرون إمكانية حدوث هذا بالنظر للقدرات الفعلية للقوات المسلحة المصرية. فيما أكد آخرون صعوبة إقدام المؤسسة العسكرية المصرية على خطوة كهذه، في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أنها ممكنة، وقد تأتي في إطار محاولة مصر بناء جسور مع قوى دولية كبرى، إثر انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة[53].
ومن ناحية ثالثة، ثمة ملف علاقة مصر بالدول الشرقية، روسيا والصين، وهو الأمر الذي تطور في قفزة نوعية بعد الدعوة التي وجهتها المجموعة لمصر للانضمام إليها. وقد علقت وزارة الخارجية الأمريكية على قبول مجموعة “بريكس” انضمام أعضاء جدد إليها، قائلة إن “واشنطن تعتبر أن للدول الحق في اختيار الشركاء والجمعيات بشكل مستقل”، وأن “الولايات المتحدة كما كانت في السابق تعتبر أن الدول يمكنها اختيار شركائها وجمعياتها التي ستتفاعل معها. وسنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا في المنتديات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف لتعزيز رفاهيتنا المشتركة والحفاظ على السلام العالمي والأمن”[54].
ويمكن القول هنا إن موقف الولايات المتحدة من المؤسسة العسكرية المصرية يعكس اتجاهًا أمريكيًا -يمكن القول إنه تقليدي- بالفصل بين المجالين السياسي والعسكري، حيث يمثل تغاضيها عن التحاق مصر بمجموعة “بريكس” تجليًا لهذا التفريق بين مؤسسة عسكرية ترتبط بالإستراتيجية العسكرية الأمريكية، وحكومة تحاول البحث عما ينقذها من أزمتها الاقتصادية والمالية.
أما تعقيب المسؤولين الأمريكيين على انضمام مصر وغيرها لمجموعة “بريكس”، فقد اتسم بقدر من اللامبالاة. حيث علقت وزارة الخارجية الأمريكية على قبول مجموعة “بريكس” انضمام أعضاء جدد إليها، قائلة إن واشنطن تعتبر أن للدول الحق في اختيار الشركاء والجمعيات بشكل مستقل. وقالت الخارجية الأمريكية: “الولايات المتحدة كما كانت في السابق تعتبر أن الدول يمكنها اختيار شركائها وجمعياتها التي ستتفاعل معها. وسنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا في المنتديات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف لتعزيز رفاهيتنا المشتركة والحفاظ على السلام العالمي والأمن”.[55]
وما يشجع الولايات المتحدة على الاستمرار في هذه السياسة هو ما عبرت عنه صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية؛ نقلًا عن مسؤولين غربيين من أن ثمة خلافات حالية بين نيودلهي وبكين حول هوية مجموعة بريكس ودورها العالمي، حيث تدعم الهند توجها لحياد المجموعة سياسيًا، فيما تدعم الصين تحولها إلى مجموعة سياسية في مواجهة الغرب[56].
ونتيجة لهذا، استبعد مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، تحول المجموعة إلى منافس جيوسياسي للولايات المتحدة، وذلك بالنظر لتشكل المجموعة من دول متنوعة؛ لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة[57].
وعلى هذا، يمكن القول إن الولايات المتحدة تعطي اهتمامًا أكبر للقضايا الأمنية والسياسية من القضايا الاقتصادية في علاقاتها مع مصر. وبالتالي، لا ترى الإدارة الأمريكية انضمام مصر إلى مجموعة “بريكس” من منظور تفلت مصر من دورها في الاستراتيجية الأمنية في الشرق الأوسط، بقدر ما تراه محاولة من القاهرة لإيجاد حل لاقتصادها المتعثر.
خامسًا: مستقبل العلاقات وسيناريوهات استقرار سلطة 3 يوليو
إن بناء تصور لسيناريوهات تتعلق بهذه المصفوفة الدولية الآخذة في التشكل يواجه مشكلتين؛ أولاهما أن الدولة المصرية فاعل ضعيف بالنظر لوضعها الاقتصادي والمالي والإداري، ومن ثم فهي أقرب أن تكون مفعولًا به، من أن تكون فاعلًا كفؤًا.
وثاني المشكلتين أن الوضع العالمي لم تتبور ملاحه بعد، وتعمل الولايات المتحدة على أن يكون هذا “العقد حاسمًا”، بتعبير الخبير الأمريكي، مدير مركز أطلس للدراسات الاستشرافية، جوناثان وارد[58]، في تقويض أسس القوة الاقتصادية الصينية، وإضعاف القوة العسكرية والسياسية الروسية، وهو وضع يصعب معه صوغ رؤية مستقبلية؛ ما يرجع إلى استمرار عملية الاستقطاب وتبدل المواقف وتدافع الإستراتيجيات.
غير أن هناك عدة عوامل تجعل مصر لا تنحاز بشكل واضح باتجاه الشرق في المدى المنظور؛ منها دورها البارز في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة، وذلك لقيادتها “القوة 153″، المنوط بها تأمين البحر الأحمر، وموقعها في القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، علاوة على أزمتها المالية الدولارية الخانقة، والتي لن تجد حلًا سحريًا لدى مجموعة “بريكس”.
صحيح أن المؤسسة العسكرية تجتهد لتحديث الشطر الشرقي من ترسانتها التسليحية عبر مشتروات السلاح من روسيا؛ إلا أن ذلك لا يعني استعدادها للتضحية بالشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصة وأن ملامح التحدي بين الشرق والغرب لم تتبد له أية نتائج تشي بتفوق شرقي بعد.
وفي هذا السياق، فإن العسكرية التي لم تمانع في مشتروات السلاح من روسيا لم تتردد في إلغاء الصفقة بعد التحذيرات الأمريكية. كما أنها لن تضحي بموقعها في قيادة القوة الاستراتيجية لتأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب لصالح إستراتيجية روسية أو صينية لم تتبلور بعد. هذا علاوة على أهمية المعونة العسكرية الأمريكية في صيانة ما يصلح للقتال من معدات عسكرية ذات منشأ أمريكي.
وما يمكن أن يكون فيه بعض المرونة من الجانبين، المصري والأمريكي، هو المسار الاقتصادي – المالي، وهو – كما يسميه الباحث – مسار استغاثي، نتيجة الأعباء المالية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي ترتبت على تخبط الأداء في الملف الاقتصادي طيلة العشرية المنصرمة.
ومن المتوقع – في هذا الصدد – أن تحرص المؤسسة العسكرية على ترك مسافة ما بينها وبين مؤسسة الرئاسة، لضمان عدم تغول المسار الاقتصادي المالي على الملف الجيوسياسي، وذلك استنادًا لالتزامها التعاطي ضمن الإستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة.
خاتمة
موقع مصر في عالم يموج بالمتغيرات واتجاهات التشكل يشي باحتمالات عدة فيما يتعلق بتأثير هذه المتغيرات على الاستقرار، لكن الواضح أن العامل الحاسم في تحقيق الاستقرار من عدمه هو ذلك الصراع الجيوسياسي بين شرق تتزعمه الصين وتمثل روسيا مخزن عتاده العسكري، وبين غرب تقوده الولايات المتحدة وتسيطر عليه في غيبة أوروبا الواهنة.
اتجاه القاهرة لتوسيع نطاق تعاطيها مع الشرق يرجع إلى أزمتها المالية في المقام الأول. أما تأسيس علاقتها مع الشرق فلا يمكن اعتباره علامة تغيير وجهة. فقد تكون هذه الوجهة محض وكالة لبناء توازن داخل معسكر الشرق. لكن نوايا الشرق لا تخلو من محاولة ابتلاع المنطقة في المستقبل البعيد، ومفتاح الابتلاع يتمثل في التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات مع دول الإقليم.
وخلصت الورقة إلى أن العلاقات المصرية-الروسية في حالة صعود، بينما تشوب العلاقات المصرية-الأمريكية بعض الخلافات، التي يحاول الطرفان السيطرة عليها. لكن في العموم، ما زالت مصر ملتزمة بكونها جزءًا من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المنطقة ويبدو أنها ستستمر كذلك في المدى المنظور. هذا مع وجود مساحة تتحرك فيها مصر بحرية أكبر -وبتفهم أمريكي لذلك- هي سعيها لحل أزمتها الاقتصادية، حتى بالتقارب مع دول منافسة للولايات المتحدة.
ومن هنا، فإن انضمام مصر إلى مجموعة “بريكس” على سبيل المثال، مُتفهم من جانب الولايات المتحدة في هذا الإطار. علاوة على ذلك، فإن الخلافات داخل المجموعة حول القضايا السياسية لا تجعلها كتلة موحدة تهدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة، بقدر كونها ملاذًا اقتصاديًا لدول متعثرة، مثل مصر.
[1] The Ministry of Foreign Affairs of the Russian Federation, Foreign policy Fundamental documents: The Concept of the Foreign Policy of the Russian Federation, 31 March 2023. https://bit.ly/45SSRab
[2] أحمد سلمان محمد، مرجع سابق، ص ص: 180 – 182.
[3] Charles W. Dunne, Joe Biden’s Imaginary Middle East Policy, Arab Center Washington D C, Aug 24 – 2023. https://bit.ly/3EvYbV3
[4] مصطفى سيف، مصر تعلن تعديل بنود “اتفاقية أمنية” مع إسرائيل..ما التفاصيل؟، موقع “قناة سكاي نيوز عربية”، 8 نوفمبر 2021. https://bit.ly/3rCD2Ww
[5] ديفيد شينكر، إعادة عسكرة سيناء في مصر قد تُفجّر الوضع في المستقبل، موقع “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ٣ يونيو ٢٠٢٢، (نقلا عن مجلة فورين بوليسي). https://bit.ly/46iEqg5
[6] مراسلون، مصر.. تساؤلات حول استمرار “المناديب” بعد إعلان إنهاء الإرهاب في سيناء، موقع “قناة الحرة” الامريكية بالعربية، 26 يونيو 2023. https://bit.ly/48zYsEB
[7] محمد ضمور، أمين عام “الجهاد الإسلامي” يكشف سبب مقتل قادة “سرايا القدس”، موقع “وكالة سبوتنيك” الروسية بالعربية، 23 مايو 2023. https://bit.ly/3LSAZEH
[8] Khalil Al-Anani – Yara M. Asi – Amal Ghazal – Imad K. Harb – Khalil E. Jahshan – Kristian Coates Ulrichsen, The Biden Administration and the Middle East in 2023, 4 Jan 2023. https://bit.ly/44CDDF1
[9] المحرر، روسيا ومصر تحتفلان بمرور 80 عاما على بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما… صور وفيديو، موقع “وكالة سبوتنيك الإخبارية” الروسية بالعربية، 26 أغسطس 2023. https://bit.ly/3EpfOGb
[10] مراسلون، مصر وروسيا توقعان اتفاقية شراكة شاملة، موقع “صحيفة الشرق الأوسط”، 17 أكتوبر 2018. https://bit.ly/3R9FJte
[11] أحمد سلمان محمد، العلاقات الروسية المصرية في عهد السيسي، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، ع: 6، ص ص: 177 – 178.
[12] المحرر، رغم رفض أمريكا.. “وول ستريت”: مصر سمحت لروسيا باستخدام مجالها الجوي لنقل أسلحة من سوريا لاستخدامها في أوكرانيا، موقع “عربي بوست”، 12 مايو 2023. https://bit.ly/3PBqM0w
[13] وكالات، مصر ترفض طلبا أمريكيا بحظر الطيران الروسي فوق الأراضي المصرية نحو سوريا، موقع “قناة روسيا اليوم” بالعربية، 12 مايو 2023. https://ar.rt.com/vark
[14] المحرر، “مصر حصلت على درة تاج دفاع الجيش الروسي”.. كيف طورت روسيا الجيش المصري بعد 2013؟، موقع “قناة روسيا اليوم” بالعربية، 30 يونيو 2023. https://ar.rt.com/vlt5
[15] المحرر، “مصر حصلت على درة تاج دفاع الجيش الروسي”.. كيف طورت روسيا الجيش المصري بعد 2013؟، موقع “قناة روسيا اليوم” بالعربية، 30 يونيو 2023. https://ar.rt.com/vlt5
[16] أحمد سلمان محمد، مرجع سابق، ص: 183.
[17] محمود سامي، هل تهدد الحرب الأوكرانية أحد أهم مصادر التسليح المصري؟، الجزيرة نت، 9 مارس 2022. https://bit.ly/3Z7cKrR
[18] المحرر، اشترتها إيران.. لماذا تخلى النظام المصري عن مقاتلات سوخوي الروسية؟، موقع “صحيفة البلاغ” المصرية، 2 يناير 2023. https://bit.ly/3LdK36G
[19] سمير حسني، وزير الدفاع: آلية 2+2 بين مصر وروسيا هدفها مواجهة التحديات المشتركة للبلدين، موقع “صحيفة اليوم السابع” المصرية، 24 يونيو 2019. https://bit.ly/3sKpSqL
[20] أحمد سلمان محمد، مرجع سابق، ص ص: 181 – 182.
[21] المحرر، أردوغان يرى أن التوصل إلى حل بشأن اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بات وشيكا، موقع “قناة فرانس 24” بالعربية، 4 سبتمبر 2023. https://bit.ly/3OYbgvk
[22] المحرر، روسيا وأوكرانيا: توقيع اتفاق في إسطنبول للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، موقع “قناة بي بي سي” بالعربية، 21 يوليو 2022. https://bit.ly/482BAxa
[23] نسرين محفوف، مصر: مستعدون لإعادة تصدير القمح الروسي لدول إفريقيا، موقع “تلفزيون النهار” الجزائري، 21 أغسطس 2023. https://bit.ly/3R8a7nv
[24] المحرر، بوتين يفرض شروطاً لإحياء اتفاق الحبوب المدعوم من الأمم المتحدة، موقع “مستقبل وطن نيوز”، 5 سبتمبر 2023. https://bit.ly/480qAQM
[25] وكالات، روسيا تجد منفذاً جديداً لسوق النفط عبر ميناء مصري صغير، موقع “قناة الشرق الاقتصادية” السعودية، 3 أغسطس 2022. https://bit.ly/4699WgJ
[26] المحرر، “الضبعة”.. الملف الأدسم على طاولة بوتين والسيسي في القاهرة، موقع “قناة روسيا اليوم” بالعربية، 11 ديسمبر 2017. https://ar.rt.com/jlwe
[27] المحرر، مصر توافق على إنشاء الوحدة الرابعة بمحطة الضبعة النووية، موقع “قناة سكاي نيوز عربية”، 30 أغسطس 2023. https://bit.ly/44DCf55
[28] رحمة رمضان، كل ما تريد معرفته عن آخر تطورات المشروع النووي المصري بالضبعة.. التفاصيل، موقع “صحيفة اليوم السابع” المصرية، 12 مارس 2023. https://bit.ly/47XIELp
[29] المحرر، مصر.. الانتهاء من صبّ الجزيرة النووية للمفاعل الأول في محطة الضبعة، موقع “قناة روسيا اليوم” بالعربية، 21 أغسطس 2023. https://ar.rt.com/vwbc
[30] رحمة رمضان، كل ما تريد معرفته عن آخر تطورات المشروع النووي المصري بالضبعة.. التفاصيل، موقع “صحيفة اليوم السابع” المصرية، 12 مارس 2023. https://bit.ly/47XIELp
[31] رحمة رمضان، كل ما تريد معرفته عن آخر تطورات المشروع النووي المصري بالضبعة.. التفاصيل، موقع “صحيفة اليوم السابع” المصرية، 12 مارس 2023. https://bit.ly/47XIELp
[32] خالد الشامي، نائبة رئيس جامعة روسيا: 16 ألف طالب مصري يدرسون بجامعاتنا و270 منحة مجانية، موقع “صحيفة المصري اليوم”، 19 اغسطس 2023. https://bit.ly/44QICSF
[33] المحرر، غزة: وساطة مصرية تنهي القتال بين إسرائيل والجهاد بعد خمسة أيام من القصف المتبادل، موقع “قناة بي بي سي” بالعربية، 13 مايو 2023. https://bit.ly/45PajN4
[34] Khalil Al-Anani – Yara M. Asi – Amal Ghazal – Imad K. Harb – Khalil E. Jahshan – Kristian Coates Ulrichsen, The Biden Administration and the Middle East in 2023, 4 Jan 2023. https://bit.ly/44CDDF1
[35] المحرر، مصادر لـCNN: إدارة بايدن تقرر منع ملايين الدولارات من المعونة عن مصر بسبب عدم تنفيذ شروطها، موقع “قناة سي إن إن” بالعربية، 28 يناير 2022. https://bit.ly/3F5JpF0
[36] المحرر، واشنطن تحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، موقع “قناة دويتشه فيله” بالعربية، 15 سبتمبر 2022. https://bit.ly/3LP6HT8
[37] المحرر، واشنطن تعتزم حجب مساعدات عسكرية عن مصر بسبب ملف حقوق الإنسان، موقع “قناة فرانس 24” بالعربية، 14 سبتمبر 2023. https://bit.ly/3ZGDa3M
[38] المحرر، واشنطن تحجب مساعدات عسكرية عن مصر بسبب “انتهاكات” حقوق الإنسان، موقع “قناة بي بي سي” بالعربية، 15 سبتمبر 2023. https://www.bbc.com/arabic/articles/cg3zpqg75z1o
[39] المحرر، وكالة: أمريكا تقرر الإفراج عن 195 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر، موقع “مدى مصر”، 25 يوليو 2018. https://bit.ly/3EGIQBd
[40] المحرر، اشترتها إيران.. لماذا تخلى النظام المصري عن مقاتلات سوخوي الروسية؟، موقع “صحيفة البلاغ” المصرية، 2 يناير 2023. https://bit.ly/3LdK36G
[41] أحمد صوان، هل ستمنح مصر أوكرانيا طائرات MiG-29؟، موقع “مصر 260″، 23 أبريل 2022. https://bit.ly/3PouCtE
[42] إنجى مجدى، صحيفة روسية: مصر تشترى 46 طائرة مقاتلة من طراز ميج 29 بـ2 مليار دولار، موقع “صحيفة اليوم السابع” المصرية، 26 مايو 2015. https://bit.ly/48fvxp5
[43] وكالات، مصر تحصل على مقاتلات “ميغ-29” الروسية، موقع “قناة العالم” الإيرانية بالعربية، ١٢ سبتمبر ٢٠١٧. https://bit.ly/3EIbq5l
[44] المحرر، بعد إعلان واشنطن.. ما أهمية انضمام مقاتلات “إف-15” لجيش مصر؟، موقع “قناة سكاي نيوز عربية”، 16 مارس 2022. https://bit.ly/3PKk3AL
[45] أحمد صوان، إشارة سابقة. https://bit.ly/3PouCtE
[46] المحرر، لافروف يصل إلى القاهرة في مستهل جولته الأفريقية، موقع “قناة سكاي نيوز عربية”، 24 يوليو 2022. https://bit.ly/3t6a7dG
[47] المحرر، مصر ستحصل على مقاتلات F-15 المطورة مقابل تخليها عن سوخوي 35، موقع الدفاع العربي”، 11 يوليو 2023. https://bit.ly/48A5uJv
[48] المحرر، البيت الأبيض: بايدن سيزور مصر للمشاركة في قمة المناخ، موقع “قناة سي إن إن” بالعربية، 29 أكتوبر 2022. https://bit.ly/3EJ1B7c
[49] محسن البديوي، برلمانى : تخصيص أمريكا مبلغ 500 مليون دولار لمصر نتيجة جهود الدولة فى مواجهة التغييرات المناخية، موقع “برلماني”، 12 نوفمبر 2022. https://bit.ly/3r7MmBK
[50] وكالات، بايدن: نسعى لأن تكون العلاقة مع مصر.. أقوى، موقع “صحيفة الجريدة الكويتية”، 11 نوفمبر 2022. https://bit.ly/45U5mCN
[51] المحرر، صور وثائق البنتاغون المسربة تؤكد.. طويت وأخرجت على عجل!، موقع “قناة العربية”، 10 أبريل 2023. https://bit.ly/45WTRdK
[52] المحرر، الوثائق الأمريكية المسربة: مصر والإمارات تعاونتا مع روسيا من دون علم الولايات المتحدة – التايمز، موقع “قناة بي بي سي” بالعربية، 12 أبريل 2023. https://bit.ly/3EEZ7H5
[53] المحرر، تسريبات البنتاغون.. هل أنتجت مصر فعلا صواريخ لصالح روسيا؟، موقع “قناة دويتشه فيله” بالعربية، 11 أبريل 2023. https://bit.ly/3Rk9A25
[54] بسام رمضان – وكالات، أمريكا تعلق على انضمام مصر و5 دول أخرى إلى «بريكس»، موقع “صحيفة المصري اليوم”، 24 أغسطس 2023. https://bit.ly/3ZkIwla
[55] المحرر، المصري اليوم، أمريكا تعلق على انضمام مصر و5 دول أخرى إلى «بريكس»، 24 أغسطس/آب 2023
[56] المحرر، تقرير: الصين بعكس الهند تدفع باتجاه تحوّل مجموعة بريكس نداً سياسياً لمجموعة السبع، موقع “قناة يورونيوز” بالعربية، 21 أغسطس 2023. https://bit.ly/45VP9Nj
[57] المحرر، قمة بريكس تكشف انقسامات بشأن ضم دول جديدة والتخلي عن الدولار، موقع “قناة سكاي نيوز عربية”، 23 أغسطس 2023. https://bit.ly/3Zj6nSl
[58]سي Dr. Satu Limaye, The Decisive Decade and China’s Vision of Victory.. A Conversation With: Dr. Jonathan Ward And Denny Roy, East – West Center, 2nd May 2023. https://bit.ly/46a7R3s