السلطوية والتحكم البيوسياسي
مصر نموذجًا
مقدمة
تسعى السلطة في كل زمان إلى بسط سيطرتها على المواطن بسبل شتى، ومن المفترض أنها تمارس هذه السلطة بموجب عقد اجتماعي يفوض فيه المواطنون السلطة للحكام على أن يمارسوا هذه السلطة لصالح المواطن.
ولتحقيق صالح المواطن لابد من مراعاة احتياجاته ومطالبه الأساسية، بل تسعى دول “الرفاة” لتحقيق الاحتياجات الأساسية وغير الأساسية إن أمكن. وتعد الاحتياجات البيوسياسية من الاحتياجات الأساسية للمواطنين في كل زمان لأنها تمسّ حياة الإنسان بشكل مباشر، ويعد التحكم فيها لونًا من ألوان ممارسة السلطة.
عانت مصر من نظم سلطوية لا تراعي المواطن مجملًا واحتياجاته البيولوجية خاصة، فتحكمت في موارد الحياة وفشلت فشلًا ذريعًا في إدارة هذه الملفات، فضلًا عن اتهامات الفساد وغيرها، ولذا تكررت الأزمات والتي لم يدفع ضريبتها في نهاية المطاف سوى المواطن.
تناقش هذه الورقة تحكم السلطوية في الحياة البيوسياسية في مصر من خلال مناقشة أداء نظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013م في ملفات ثلاثة مهمة تؤثر على حياة المواطن بشكل مباشر، وهي ملفات الأمن الغذائي والأمن المائي والصحة، لتختم الدراسة بأهم الاستنتاجات التي توصلت لها.
أولًا: الأمن الغذائي
تتعاظم أهمية الأمن الغذائي والحديث عنه نظرًا لتماسه مع الحياة اليومية للمواطن إضافة إلى تماسه مع غالبية الشعب المصري، فقد أظهرت بعض الدراسات أن ما يقرب من ربع المصريين عانوا من تزعزع الأمن الغذائي، كما تعرض حوالي 16 بالمئة تقريبًا من المصريين من نوع واحد على الأقل من الصدمات خلال عام 2017- 2018م.[1]
تتعاظم أزمات الأمن الغذائي في الأسر الفقيرة مقارنة بنظيراتها الغنية، فقد أظهرت بعض الدراسات أن نسبة تعرض الأسر الفقيرة لأزمات الأمن الغذائي بلغت حوالي أربعة أضعاف نظيراتها من الأسر الغنية، كما أن نسبة تعرض الأسر الفقيرة للأزمات تفوق ضعف نسبة نظيراتها من الأسر الغنية، ومما يفاقم احتمالية التعرض لهذه الأزمات لأفراد الأسرة “Job informality” (انخراط أفراد الأسرة في أعمال غير رسمية)، إضافة إلى العجز حيث تتزايد نسب التعرض للأزمات والصدمات في حالة ذوي الاحتياجات الخاصة.[2]
لا تتوقف تداعيات تزعزع الأمن الغذائي على محدودية توافر الغذاء فقط، بل تتعداه للتأثير على أبواب إنفاق الأسر، أي أن تزعزع الأمن الغذائي يؤدي إلى تخفيض الإنفاق على الصحة ورأس المال الاجتماعي، ولذا يكمن دور السلطة في إقرار حماية مجتمعية تدعم الأسر الفقيرة وتحول دون هشاشتها في مواجهة أزمات الغذاء والصدمات الاقتصادية[3]، ويعد ذلك خطيرًا بالنظر إلى تبعات ذلك على فئات محددة كالأطفال والمرضى، حيث يستتبع تدهور الأمن الغذائي مشكلات خطيرة تهدد مستقبل الأطفال تتمثل في سوء التغذية وما يتبعه من أزمات صحية كالتقزم وغيرها، وقد بلغت نسبة الأطفال الذين يعانون من التقزم في مصر حوالي 39 بالمئة.
تتعدد أبعاد معضلة الأمن الغذائي في مصر، وفي مقدمتها هشاشة الأمن الغذائي، مما يجعله سريع التأثر بالأزمات العالمية التي تحدث، وقد تجلى ذلك خلال أزمات مثل إنفلوانزا الطيور خلال عام 2006م، وأزمة الوقود والغذاء خلال الأعوام2007- 2009م، وأزمات تزعزع الاستقرار السياسي التي تلت ثورة يناير/كانون الثاني 2011م.[4]
تتضمن هذه الأبعاد أيضًا تقلص مساحة الأرض الزراعية وشح موارد المياه، والتغيرات المناخية، واقتصاديات الغذاء، حيث تستورد مصر ما بين (45 بالمئة – 55 بالمئة) من احتياجاتها من القمح، ما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار الغذاء العالمية خاصة في ظل محدودية موارد مصر من التدفقات الأجنبية وانتشار البطالة وانخفاض معدل النمو الاقتصادي للفرد[5]، وإزاء هذا الوضع تقف الأسر محدودة الدخل عاجزة عن شراء احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن حوالي 42 بالمئة من المصريين لا يقدرون على شراء احتياجاتهم من السلع الغذائية الرئيسة نظرًا لكونها فوق مقدرتهم المادية، وذلك بالنظر إلى وقوع هذه الفئات تحت خط الفقر.[6]
وفقا للمؤشر العالمي للأمن الغذائي، شغلت مصر المرتبة 56 عام 2012م، كما احتلت المرتبة الثانية والستين عام 2021م، ويوضح الشكل التالي التغيرات التي شهدتها مصر ما بين عامي (2012م- 2021م).
شهدت أسعار المواد الغذائية خاصة المواد الأساسية تضخمًا كبيرًا في سبتمبر/أيلول 2021م، فقد ارتفعت أسعار بذور الحبوب الشتوية لموسم الزراعة الحالي مقارنة بالموسم السابق، حيث تراوح متوسط سعر أردب القمح (670-700 جنيهًا) عام 2020م، وارتفع المتوسط ليتراوح بين (705- 725جنيهًا) للأردب عام 2021م، كما ارتفع سعر كيس الشعير البالغ 30 كجم من 185 جنيهًا إلى 250 جنيهًا.[8]
السياسات الحكومية لحل معضلات الأمن الغذائي في مصر:
تنوعت سياسات الحكومة بين سياسات اتخذت فعلًا، وسياسات سيجري تطبيقها مستقبلًا:
- السياسات التي طبقت بالفعل:
1- خلال موسم شراء القمح لعام 2021م، اشترت وزارة التموين والتجارة الداخلية حوالي 3.428 مليون طن من القمح المحلي، وهذه الكمية أقل من الكمية التي استهدفتها الحكومة سلفًا لهذا العام والبالغة 3.6 مليون طن، كما أنها أقل من الكمية التي اشترتها الحكومة عام 2020م والبالغة 3.483 مليون طن.
2- تقييد زراعة الأرز وذلك من خلال التطبيق الصارم للقيود في عام 2021م، فقد جرى تحويل بعض الأراضي إلى محاصيل القطن والذرة وهي محاصيل مرتفعة السعر أيضًا، مما ساهم في ارتفاع أسعار القطن عام 2021م بمعدل 70 بالمئة تقريبًا مقارنة بالأسعار عام 2020م، لتصل إلى 3900 جنيه للقنطار، كما زادت مساحة الأراضي المخصصة لزراعة القطن من 183 ألف فدان عام 2020م إلى 236 فدان عام 2021م.[9]
في المقابل بلغت المساحة المخصصة لزراعة الأرز في تسع محافظات 1.074 مليون فدان عام 2021م ، وكان المزارعون قد اعتادوا على زراعة ما يقدر بنحو 200000 إلى 300000 هكتار إضافية (تعادل حوالي 494220.00- 741330.00 فدان) بشكل غير قانوني، ولكن في عام 2021 لم تكن هذه المنطقة مزروعة، وقد تمَّ تعويض نقص الإنتاج عن المعتاد من خلال توزيع أصناف جديدة عالية الغلة من الأرز في منطقة الزراعة المخصصة ما أدى إلى الحد من الانخفاض في إنتاج عام 2021.[10]
- السياسات المستهدفة مستقبلًا:
1- تهدف الحكومة إلى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي للبلاد من الغذاء من 50 بالمئة تقريبًا عام 2020م إلى 65 بالمئة تقريبًا عام 2025م، وذلك عن طريق:
- زيادة المساحات المزروعة من 3.4 فدان إلى 3.7 مليون فدان،
- زيادة متوسط إنتاج الغلة من 2.7 طن إلى 3 أطنان للفدان، وذلك باستخدام بذور محسنة وممارسات زراعية أفضل،
- خفض متوسط استهلاك الفرد من أكثر من 180 كجم إلى 150 كجم في عام 2020م،
- توحيد وزن الخبز المدعوم لينخفض من (100 – 110 جرامًا) في المتوسط إلى 90 جرامًا، مما أدى إلى انخفاض القمح المستخدم في إنتاج الخبز المدعوم من 9.6 مليون طن إلى 8.76 مليون طن.
2- تشير التوقعات أيضًا إلى زيادة واردات القمح لعام 2021/2022م حسب التقديرات بنحو 13 مليون طن، أي بزيادة قدرها 7 بالمئة عن متوسط الواردات في العام السابق، وتعد روسيا وأوكرانيا ورومانيا الدول الثلاث الكبرى الموردة للقمح، لذا فمن المتوقع أن تفرض روسيا رسومًا إضافية في مقابل التصدير مما سيزيد التكلفة النهائية للقمح المستورد.[11]
3- تغيير سياسات الدعم التي توفرها الحكومة للمواطن: تدرس الحكومة زيادة سعر الخبز المدعم الذي يبلغ حاليًا 0.05 جنيهًا مصريًا (5 قروش ولم يتغير خلال الثلاثين عامًا الماضية)، لكن من غير المرجح أن يصل السعر الجديد إلى التكلفة الحقيقية للإنتاج البالغة 0.67 جنيهًا مصريًا.
يستفيد حوالي 71 مليون مصري ( أي حوالي 70 بالمئة من المصريين) من برنامج بطاقة الدعم الذي يمنحهم 21 جنيهًا مصريًا من السلع شهريًّا بالإضافة إلى خمسة أرغفة من الخبز يوميًا، وتبلغ الموارد المخصصة لتمويل دعم السلع الغذائية خلال السنة المالية 2021/2022م حوالي 87.22 مليار جنيه مصري، منها 50.62 مليار جنيه لدعم الخبز، بينما بلغت مخصصات دعم الخبز والغذاء 84.5 مليار جنيه مصري في السنة المالية 2020/2021م.[12]
ومما سبق يتضح أن السياسات الحكومية التي اتخذت ليست كافية لدعم المواطن حيال أي أزمات مالية متخذة، كما أن الحكومة لم توظف كافة الأطراف المعنية بحل المعضلة، فلم نشهد تفعيلًا قويًّا لدور وزارة الزراعة أو كليَّات الزراعة على سبيل المثال، ولم نشهد تغيُّرًا في خريطة العلاقات الخارجية مع دول قد تساعد مصر في حل معضلات الأمن الغذائي، إما بشكل مباشر من خلال توفير المواد الغذائية، أو بشكل غير مباشر من خلال استيراد تجارب ناجحة للتعامل مع الأزمة.
ثانيًا: الأمن المائي
يرتبط الأمن المائي ارتباطًا وثيقًا بالأمن الغذائي، إذ أن المياه أحد أبرز احتياجات الزراعة لتوفير احتياجات الأمن الغذائي، كما أنها أحد أهم احتياجات الفرد في الحياة اليومية، كما تتعاظم أهمية الأمن المائي كأحد أهم الأبعاد لاستقرار النظام السياسي ودعم أركان شرعيته داخليًّا، إضافة إلى تأثيراته على استقرار المنطقة برمتها.
يتعرض الأمن المائي في مصر حاليًّا للخطر، ومن المتوقع استمرار هذا الخطر مستقبلًا، فقد انخفض نصيب الفرد من موارد المياه في البلاد سنويًّا من 2526 متر مكعب عام 1947م إلى أقل من 700 متر مكعب عام 2013م، وهو أقل بكثير من عتبة 1000 متر مكعب سنويًّا التي تعتبرها الأمم المتحدة ضرورية لتوفير مياه كافية للشرب والزراعة والتغذية، ومن المتوقع أن يستمر الأمر على هذا المنوال مسقبلًا، حتى أن بعض التوقعات تتكهن بانخفاض نصيب الفرد من المياه في مصر عن 350 متر مكعب سنويًّا بحلول عام 2050م.[13]
تتضافر عدة عوامل تشكل سياق الأمن المائي في مصر، وتؤثر عليه تأثيرًا كبيرًا، ومن هذه العوامل:
السياق والمخاطر
- عدم تحكم مصر في كافة الموارد المائية التي تعتمد عليها لسد احتياجاتها
تعتمد مصر على نهر النيل في 90 بالمئة من إمداداتها المائية، وبالتالي فهي شديدة الحساسية لأي تغيرات قد تؤثر على حصتها من مياه نهر النيل بشكل مباشر أو غير مباشر، لهذا تعاظمت مخاوف الأمن المائي في مصر مع ظهور رافد النيل الأزرق في شمال إثيوبيا، والذي يتدفق منه حوالي 85 بالمئة من مياه النيل، وأعلنت وزارة الري والموارد المائية حالة الطوارئ على مستوى البلاد عام 2019م، وأكدت على انخفاض حصة مصر من مياه النيل بمعدل مقداره 5 مليارات متر مكعب على مدار العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض هطول الأمطار في المرتفعات الإثيوبية.[14]
مثّل سد النهضة الإثيوبي، والذي بدأ بناؤه عام 2011م تحديًا آخر للحكومة، وتعددت جولات المحادثات لحل الخلاف بشأن معدل ملء حوض السد، وأصرت مصر على أن خطط إثيوبيا لملء الحوض في غضون ست سنوات تهدد إمداداتها المائية، واقترحت جدولًا زمنيًّا بديلًا يتراوح بين 12 و 21 عامًا.[15]
وقد أعلنت أديس أبابا في يوليو/تموز 2020 استكمال المرحلة الأولى لملء الخزان بسعة 4.9 مليار متر مكعب، كما أعلنت في 19 يوليو 2021م أنها انتهت من الملء الثاني لخزان السد دون اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب – مصر والسودان- وفي ظل اعتراض الدولتين، وأكدت اللجنة السودانية العليا لمتابعة أعمال سد النهضة، خلال اجتماعها مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 5 يوليو/تموز 2021م، أهمية استمرار الإجراءات الاحترازية للحد من الآثار السلبية للملء الثاني للسد، كما اتخذت مصر خطوات نحو استكشاف حلول لتجنب أي مخاطر مائية وشيكة.
- عدم التناسب بين عرض الموارد المائية والطلب عليها
لا يتوافق حجم الموارد المائية المتاحة مع زيادة عدد السكان، حيث زاد عدد سكان البلاد بأكثر من 40 بالمئة منذ أوائل التسعينيات، ومن المتوقع أن يتجاوز 110 مليون بحلول عام 2025م. ويبلغ معدل النمو الحالي حوالي 2.6 مليون فرد كل عام، مما يساعد على اقتراب الطلب على المياه من معدلات العرض الموجودة فعلًا والتي لم تشهد أي زيادة عليها[16]، وتواجه مصر مشكلة حقيقة في ظل تزايد الطلب على المياه مع ثبات العرض.
ج- مشكلة تلوث المياه
لا تقتصر تحديات الأمن المائي في مصر على محدودية الموارد فقط، بل تجمع إلى ذلك أيضًا عدم صلاحية المياه للاستخدام الآدمي بسبب مشكلة التلوث الناتجة عن النفايات الصناعية وغيرها، إضافة إلى تسرب مياه الصرف الصحي وضعف فعالية نظام الري وغيرها من العوامل، مما يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من المياه تصل إلى 3 مليار مكعبات عن طريق التبخر.[17]
إجراءات الحكومة لحماية الأمن المائي:
- خطوات تم تنفيذها فعلًا:
1- إنشاء محطات تحلية مياه، وتشغيل المحطات التي تمَّ الانتهاء منها
في بداية عام 2020م، قامت مصر بتشغيل 58 محطة تحلية، بطاقة إجمالية قدرها 440 ألف متر مكعب في اليوم، كما يجري بناء 39 محطة أخرى لتحلية المياه بتوجيه من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وستبلغ الطاقة الإجمالية للمحطات الجديدة 1.4 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى مشاريع جارية بالفعل في محافظات مصرية مختلفة مثل بورسعيد والدقهلية وكفر الشيخ ومطروح. كما عطلت جائحة كورونا إنجاز 16 محطة كان من المقرر الانتهاء منها، تستهدف مصر أن تبلغ كمية المياة المحلاة من هذه المحطات 1.8 مليون متر مكعب.[18]
يمثل إنشاء محطات الصرف الصحي تحديًا كبيرًا آخر للبنية التحتية لقطاع المياه. بحلول بداية عام 2020، كانت الحكومة قد أنجزت بالفعل 26 من أصل 52 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي المخطط لها في صعيد مصر، ومن المقرر الانتهاء من باقي المرافق بحلول نهاية العام، ستبلغ سعة المحطات الجديدة مجتمعة 418 مليون متر مكعب وتخدم 8 ملايين شخص في المنطقة.[19]
معضلة التمويل
قدرت تكلفة توسيع البنية التحتية هذه من قبل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بحوالي 8.1 مليار جنيه مصري (499.2 مليون دولار)، ولكن ذلك ما هو إلا جزء يسير من متطلبات الإنفاق على المدى الطويل. لذلك أصبحت مسألة كيفية سداد مصر لخط أنابيبها من مشاريع المياه مسألة تهم المستثمرين والمخططين الحكوميين على حد سواء.[20]
في أواخر عام 2018م، وجد تحليل للبنك الدولي للبنية التحتية للمياه في مصر أن القطاع يحتاج 45 مليار دولار من الاستثمارات الإضافية مقارنة بالتوقعات الحالية لخط الأساس وتلبي الحكومة هذا المطلب من خلال مزيج من الإنفاق المباشر واستثمارات القطاع الخاص والقروض من مؤسسات تمويل التنمية.[21]
وقد استعانت الحكومة بالفعل بالقطاع الخاص لتنفيذ أعمال التحلية، وتعاونت مع شركات مثل أوراسكوم للإنشاءات وأكواليا وشركة معالجة وتحلية المياه الإيطالية Fisia Italimpianti وشركة أكوا باور السعودية، كما استعانت بعدد من المؤسسات التنموية لدعم جهودها بشكل مباشر أو غير مباشر مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، فضلًا عن المساعدات الحكومية الرسمية مثل الدعم المقدم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وحكومتي هولندا وإيطاليا.[22]
- خطوات أعلن عنها لكن لم تنفذ بعد:
1- في أبريل/نيسان 2019م، قدم محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، الخطة الوطنية لمصر 2017-37 لمعالجة مشكلة ندرة المياه، وتبلغ تكلفة تنفيذ هذه الخطة 50 مليون دولار، وترتكز على عدة محاور، منها تحسين جودة المياه، وترشيد استخدام المياه، وتوفير بيئة منتجة يمكن من خلالها للجهات المعنية بالدولة تنسيق جهودها، وتشمل المبادرة تشجيع المزارعين على نشر أنظمة الري الحديثة، والعمل مع مراكز البحوث لإنتاج المحاصيل التي تستخدم كميات أقل من المياه، والتعاون مع الدول الأفريقية في أبحاث استخدام المياه، وإنشاء محطات جديدة لمياه الصرف الصحي وتحلية المياه.[23]
2- أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية في بيان لها، في 26 يوليو/تموز 2021م، أن الحكومة لديها استراتيجية من أربعة محاور تمتد حتى عام 2050 لحل جميع المشاكل والأزمات المتعلقة بالمياه في البلاد، وتتمثل محاور هذه الاستراتيجية فيما يلي:
- خطوات لتحسين الجودة الشاملة للمياه لإعادة استخدامها بأمان دون التسبب في مشاكل صحية.
- تقنين استخدام المياه من خلال نظام إدارة جديد، وإنشاء مرافق توزيع المياه، وتوسيع أنظمة الري الحديثة، واستخدام الطاقة الشمسية كأحد أهم بدائل الطاقة المتجددة.
ج- تنمية الموارد المائية للتكيف مع تداعيات تغير المناخ. ويشمل ذلك عددًا من مشاريع الحماية والتخفيف من الفيضانات من خلال مرافق حصاد الأمطار على طول الساحل الشمالي الغربي في محافظات سيناء والبحر الأحمر وصعيد مصر. كما تمَّ تنفيذ سلة من مشروعات حماية السواحل على مساحة تزيد عن 120 كيلومترا مع خطط لتغطية 120 كيلومترًا أخرى بالإضافة إلى سلسلة من محطات الضخ.
د- تدريب وبناء قدرات العاملين في مجال المياه، مع رفع مستوى الوعي حول مخاطر المياه في الدولة والقوانين اللازمة لحماية الموارد المائية.[24]
ربما يكون النقد الأبرز الموجه للنظام المصري في تعامله مع الموارد المائية هو تراخيه بل وفشله الذريع في التعامل مع المصدر الأعظم للمياه وهو نهر النيل، بينما يلتفت إلى إجراءات أخرى كتحلية المياه وغيرها تكبد الشعب تكلفة أكبر وفي ذات الحين تكون عوائدها أقل مقارنة بما كان سيتحقق لو أنه نجح في إنجاز ملف سد النهضة بما يحقق المصالح المصرية.
ثالثًا: سياسات الصحة
تكشف سياسات الصحة عن مدى حضور المواطن في الرؤية العامة للنظام، والتي يحاول بها ترجمتها في صورة سياسات، وفيما يلي نتناول مدى حضور الصحة في النظام المصري ما بعد 3 يوليو/تموز 2013م.
نظريًّا، تناول دستور مصر الجديد لعام 2014م الصحة كأحد أبرز حقوق الإنسان الأساسية، وأعلن التزامه بتغطية جميع السكان بخدمات صحية جيدة، وخطت مصر أولى خطوات التغطية الصحية الشاملة مؤخرًا من خلال الموافقة على قانون التأمين الصحي الاجتماعي والذي يعد ضمانة للتمويل الكافي والمستدام لملف الصحة.
على الرغم من هذه الإجراءات الشكلية، فقد جاءت مصر كإحدى الدول العشرين الأسوأ عالميًّا في تصنيف الصحة العالمية لعام 2019م[25]، وفيما يلي نستعرض أداء نظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013م من خلال مجموعة من المؤشرات كما يلي:
- مؤشرات على سياسات الصحة:
ا – الإنفاق على الصحة
تميزت إدارة المالية العامة في مصر عقب 2013م بالاعتماد على القروض والمنح كأحد أهم موارد الموازنة العامة للدولة، حيث تلقت مصر منحًا بقيمة 95.86 مليار جنيه في العام المالي 2013-2014م[26] بينما لم تتجاوز المنح في العام المالي السابق له 2012-2013م قيمة 5.2 مليار جنيه[27]، وقد تأثرت ميزانية الصحة بهذا الأمر، وسنفصل فيما يلي مخصصات ميزانية الصحة في الموازنة العامة خلال الفترة 2014- 2019م.
ومن خلال تتبع الجدول السابق، نلاحظ أن نسبة الزيادة في مخصصات القطاع تراوحت بين 6 – 12.5 بالمئة. وعلى الرغم من أن دستور عام 2014م قد نص على تخصيص نسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على قطاع الصحة إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تفِ بهذا الاستحقاق الدستوري مطلقًا، والشكل التالي يوضح الفارق بين المستهدف تخصيصه من الناتج المحلي الإجمالي والمخصص فعليًّا ما بين عامي 2015م- 2020م.[29]
كما يلاحظ تراجع نسبة الأجور من مخصصات القطاع، من 62.8 بالمئة في العام المالي 2014 – 2015م ، إلى 51.1 بالمئة في العام المالي 2018- 2019م رغم التضخم الكبير وارتفاع الأسعار، لا سيما مع رفع الدعم عن البنزين والكهرباء.
وتراجعت أيضًا مخصصات الدعم الموجهة لقطاع الصحة، حيث شكلت نسبة الدعم والمزايا والمنح الاجتماعية نسبة 6.2 بالمئة – 8.5 بالمئة، وهي نسبة قليلة جدًّا مقارنة بما كان عليه الوضع في عهد مبارك، وتميزت سياسة الإنفاق على الصحة في مجملها بإفراط الاعتماد على القروض والمنح وكذلك التبرعات ودعم منظمات المجتمع المدني للمستشفيات الحكومية.[31]
وقد آلت السياسات العامة للصحة إلى تحمل المواطن حوالي 70 بالمئة من نفقات الصحة[32]، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الدواء وارتفاع تكلفة العلاج بالمستشفيات الخاصة، وارتفاع أسعار الكشف في العيادات الخاصة، كما اقتصرت نسبة الذين يشملهم التأمين الصحي على 8 بالمئة فقط من المواطنين، رغم أن المستهدف الفعلي للتأمين الصحي هو نطاق 60 بالمئة من المواطنين.[33]
2 – خصخصة المستشفيات
على الرغم من أن دستور 2014م نص في المواد 18 و33 و34 على حماية الملكية العامة وعدم المساس بها، إلا أن نظام السيسي أقدم على خصخصة قطاع الصحة، حيث بدأها باتفاقية إعادة هيكلة وتطوير مستشفى المنيل الجامعي (قصر العيني) في إبريل/نيسان 2016م، وتسببت هذه الاتفاقية في إهدار الخدمات المجانية التي يستفيد منها المواطن، فضلًا عن مشاكل أخرى تتعلق بتدريب طلبة كلية الطب.
كما أقدم هذا النظام على خصخصة مستشفيات التكامل الصحي، فقد أشار السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016م إلى عرض 516 مستشفى للتكامل الصحي للشراكة مع القطاع الخاص، وتمَّ الإعلان عن طرح عدد 70 مستشفى بدأ التنفيذ الفعلي في 45 مستشفى تتوزع على سبع محافظات على مستوى الجمهورية[34]، وتتميز هذه المستشفيات بأجورها الرمزية مقابل الخدمة الطبية فتساعد الفقراء ومحدودي الدخل. كما أعلن السيسي في مارس/آذار 2019م عرض مستشفيات الصحة الحكومية على القطاع الخاص للتشغيل والإدارة، معللًا ذلك بعجز الحكومة عن الإدارة الجيدة للخدمات الصحية.[35]
3 – عدم الاعتناء بمطالب الموارد البشرية العاملة في القطاع الطبي
عانت الكوادر الطبية من إهمال الدولة لها على الأصعدة المختلفة، مما جعل هذه الكوادر تؤثر السفر للخارج أو العمل بالقطاع الخاص، وقد صرحت وزيرة الصحة في شهر سبتمبر/أيلول 2018م أن 60 بالمئة من الأطباء قد سافروا للخارج بحثًا عن فرص عمل جيدة، كما أعلنت نقابة المهن التمريضية وجود عجز كبير بالهيئات التمريضية لأنهم يفضلون السفر للخارج أو العمل بالقطاع الخاص.[36]
وقد أدت هجرة الكوادر الطبية إلى تراجع عدد الأطباء في مصر مقارنة بعدد السكان عن المعدل العالمي المقابل له، ففي مصر يوجد 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، بينما المتوسط العالمي هو 32 طبيب لكل 10 آلاف مواطن. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تقدم عدد من الكوادر الطبية باستقالته من وزارة الصحة المصرية، ووصل عدد الأطباء المستقيلين 6300 طبيب ما بين عامي 2016 – 2019م[37]، ومما ساعد على ذلك الأجور المتدنية للأطباء، وغياب البيئة الآمنة لهم، حيث تكررت اعتداءات مرضى أو ذويهم على الأطباء، فضلًا عن اعتداءات قوات الأمن وما تعرض له بعض الأطباء من اعتقالات.[38]
4 – منظومة التأمين الصحي الشاملة
صدر قانون التأمين الصحي الشامل في ديسمبر/كانون الأول 2017م، وصدرت اللائحة التنفيذية للقانون في مايو/أيار 2018م، ووفقًا للتعديلات الدستورية الصادرة عام 2014م تلتزم الدولة بتخصيص نسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لملف الصحة، وقد شابت هذه المنظومة عدة أوجه قصور، وفي مقدمتها:
- الانفتاح على القطاع الخاص، وذلك من خلال فصل الخدمة عن التمويل، وإنشاء هيئة للجودة والاعتماد تكون وظيفتها اعتماد المستشفيات المتنافسة دون تفرقة بين ما هو حكومي وما هو خاص، ومن ثم يقتصر دور وزارة الصحة على تأهيل المستشفيات الحكومية لمقابلة معايير الجودة، كما يفتح ذلك الباب لخصخصة قطاع الصحة، في خضم ذلك استحوذت مجموعة أبراج كابيتال الإماراتية على 11 مستشفى بمصر منها كليوباترا والنيل بدراوي والشروق.[39]
- تخلت الدولة عن التزامها تجاه الأطفال من سن يوم وحتى 6 سنوات، وكذلك أطفال المدارس وطلبة الجامعات، والخريجين الذين لم يعملوا بعد، كذلك المرأة غير العاملة.
- بموجب هذا القانون جعلت الدولة الإنفاق من جيب المواطن يتحول من 72 بالمئة كما أعلنت وزارة الصحة المصرية على لسان عادل عدوي وزير الصحة السابق في أغسطس/آب 2014 عندما أطلق الورقة البيضاء لاستراتيجية الصحة حتى عام 2030م، ليصبح 90 بالمئة من جيب المواطن و 10 بالمئة فقط تتحملها الدولة، وهي النسبة المخصصة لغير القادرين.
- إنهاء عصر المستشفيات الحكومية حتى ولو كانت خدماتها بسيطة أو ضعيفة، وفتح المجال لتحويل الخدمة الحكومية إلى خدمة بأجر تخضع لسياسات تسعير تنافسية.[40]
5 – سياسات التعامل مع الأزمات والطورئ
أثر ظهور جائحة كورونا على العالم كافة، وتعاملت الحكومة المصرية مع الجائحة، لكن تمَّ انتقاد أدائها لاتسامه بعدم الشفافية فيما يتعلق بمدى انتشار المرض أو حجم الوفيات، مما ساهم في فقد ثقة عموم المصريين في التصريحات الحكومية، والمماطلة في اتخاذ التدابير مما جعل هذه التدابير تأتي متأخرة للغاية مقارنة بالوضع القائم من ناحية وتدابير الدول الأخرى من ناحية أخرى[41]، واتخذت الحكومة التدابير التالية في بدايات ظهور الجائحة:
- إنكار وجود مصابين رغم تصريح بعض الدول مثل كندا وفرنسا وتايوان قدوم مواطنين من مصر يحملون الفيروس.
- استقبال طائرة مكونة من 114 سائحًا صينيًّا في ذات الوقت الذي حظرت فيه معظم دول العالم الطائرات القادمة من الصين باعتبارها نقطة انطلاق للفيروس.
- الإعلان المتأخر عن حالات إصابة كورونا، وذلك بعد إعلان عدة دول اكتشافها حالات إصابة بالكورونا قدمت من مصر، ومن هذه الدول كندا وفرنسا وأمريكا وتايوان ولبنان واليونان.
- زيارة وزيرة الصحة المصرية هالة زايد الصين لتقديم معونات طبية، والتأكيد على دعم مصر للصين لمواجهة فيروس كورونا، واستمرت الرحلة أسبوعًا تقريبًا.[42]
- عدم حظر التجمعات العامة، فلم تغلق مصر المدارس، ولم توقف صلاة الجمعة، ولم تعلق الأحداث الرياضية من أجل الحد من انتقال الفيروس، وقررت الحكومة حظر التجمعات العامة الكبيرة في ليلة الاثنين (9/3/2020) فقط.
- إنشاء “اللجنة العلمية لإدارة الأزمة” وتعيين وزير الصحة الأسبق عوض تاج الدين مستشارًا للرئيس للشئون الصحية.
- إسناد أمر التعامل مع الأزمة إلى جهات تابعة للقوات المسلحة بالتعاون مع وزارة الصحة، وهذه الجهات هي إدارة الحرب الكيميائية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
- تبنت وزارة الصحة استراتيجية “الحد من المخاطر” تعمل على تسطيح منحنى الإصابات وتجنب الدخول في صدمة وتجنب العجز عن التعامل مع عدد كبير من الحالات، نجحت الوزارة في ذلك فعلًا في ذروة الموجة الأولى في يونيو/حزيران 2020م.
- اتباع سياسة الإغلاق الجزئي لأسباب اقتصادية، مع إجراء الفحص لفئات محددة، واقتصر هذا الفحص على إجراء الـ PCR للمخالطين الذين تظهر عليهم الأعراض والقادمين من الخارج، وأجريت الفحوصات في المستشفيات الحكومية والحد من دور القطاع الخاص في هذا الصدد، وقد بلغ عدد الفحوصات التي أجرتها مصر 9500 فحص لكل مليون مواطن.
- عدم مشاركة أي معلومات عن معدل انتشار المرض، والاكتفاء بالحكومة كمصدر وحيد للمعلومات باعتبارها الجهة الوحيدة لإجراء هذه الفحوصات.
- التقليل من دور الدولة في تقديم الرعاية الصحية إلى المشتبهين بالإصابة بفيروس كورونا، وعللت وزيرة الصحة ذلك بمحدودية قدرات وزارة الصحة، وإسناد مسئولية إجراءات العزل في الغالب إلى المريض ذاته، وصلت الرعاية الصحية في بعض البيوت إلى تعاون الأفراد على إيجاد أجهزة تساعد في قياس نسبة الأوكسجين في الدم وجلب أسطوانات الأوكسجين إلى بيوت المصابين من أجل علاجهم داخل المنازل، مع غياب كبير لدور الدولة.
- غلب على تعامل الدولة مع أزمة كورونا تبعية الموقف الفني الصحي ممثلًا في وزيرة الصحة للموقف السياسي ممثلًا في رئيس الحكومة، ويمكن ملاحظة ذلك في تصريحات كليهما حول الأزمة وما يترتب عليها من قرارات، ويمكن تتبع تصريحاتهم بخصوص حجم انتشار المرض وما يترتب عليه من قرارات الإغلاق الكلي أو الجزئي.[43]
ج- آثار السياسات الصحية على المواطن
خلفت هذه السياسات الصحية آثارًا بالغة السوء على المواطنين، وفي مقدمتها:
- أزمات شح الدواء
واجه المواطن المصري عدة أزمات تتعلق بالشح الشديد في الأدوية، تصدرتها أزمة نقص لبن الأطفال، والتي جعلت تجارته خاضعة للسوق السوداء، وظل الأمر على هذا الحال إلى أن تدخل الجيش واستحوذ على الاستيراد وتحكم في الأسعار تحكمًا كاملًا، وتلى ذلك أزمة نقص المحاليل الوريدية (محاليل الملح والجفاف والجلوكوز) بسبب توقف عدد من الشركات والمصانع الإنتاجية عن التوريد المحلي بسبب زيادة سعر صرف الدولار، فتزايدت أسعارها بنسبة 60 بالمئة تقريبًا، كما عانى المواطن من عدم توافر عدد من الأدوية وصل إلى 1650 صنفًا تقريبًا دون بدائل.[44]
- زيادة أسعار عدد كبير من الأدوية
واجه المواطن المصري أيضًا تزايدًا في أسعار 3 آلاف صنف دوائي تقريبًا من أصل 7 آلاف صنف متداولة بالسوق المصري، وتكررت الزيارة مرتين خلال أقل من عامين.[45]
- الاعتماد على مصادر غير دائمة لتمويل نفقات قطاع الصحة
اعتمدت مصر على مصادر غير دائمة لتمويل جهودها في مجال الرعاية الصحية من حملات ومبادرات وغيرها، وتمثلت هذه المصادر في القروض والتبرعات، فعلى سبيل المثال اقترضت من البنك الدولي لتمويل حملة “100 مليون صحة” 129 مليون دولار لإجراء المسح الطبي لفيروس سي الكبدي و 300 مليون دولار لإجراء المسح الطبي لداء السكري.
مول صندوق “تحيا مصر” مبادرة “نور حياة” لمكافحة العمى بمبلغ مقداره مليار جنيه، وتستهدف المبادرة مكافحة مسببات ضعف الإبصار والعمى بعدد من المحافظات، وتستهدف المبادرة إجراء 200 ألف عملية مياه بيضاء و 15 ألف عملية مياه زرقاء لكن التمويل أكد على تجهيز 20 مستشفى تابعة للقوات المسلحة لاستقبال الحالات بدلًا من تخصيص هذا التمويل لتطوير مستشفيات طب وجراحة العيون بوزارة الصحة المصرية وهذا يؤدي إلى تدهور الخدمة الصحية الحكومية المجانية.[46]
مما سبق، يتضح أن ملف الصحة لم يحظ بأولوية الحكومة مقارنة بملفات أخرى كالبنية التحتية والمشاريع التنموية كقناة السويس وغيرها، فلم تخصص له الموارد المالية الكافية، ولم تحظ الجهات المعنية به بالاستقلالية الكافية لها، بل اختيرت الشخصيات التي تتمتع بالولاء بل التبعية للقيادة السياسية، مما يشير إلى غياب احتياجات المواطن الأساسية عن أعين الحكومة، وتُرك المواطن يواجه أزماته في هذا الصدد وحيدًا
خاتمة
توصلت الدراسة من خلال ما سبق إلى عدد من الاستنتاجات، وفي مقدمتها تراجع أولوية الاحتياجات البيولوجية للمواطن مقارنة بأولويات أخرى مثل العناية بالبنية التحتية حفاظا على مصالح النظام البحتة وليست مصالح المواطن.
توصلت الدراسة أيضا إلى أن السياسات والتدابير التي اتخذها النظام المصري الحالي كانت استكمالا لحلقة الفساد التي دأبت عليها النظم المتعاقبة، وبالتالي فقد زادت هذه الإجراءات الطين بلة، كما أن أثرها لا يقتصر تأثيرها على الأجيال المعاصرة للنظام الحالي بل يؤثر على الأجيال المستقبلية أيضا سواء ما يتعلق بالغذاء أو الماء أو الصحة، وتكشف الدراسة عن أن “حياة كريمة” التي رفعها النظام الحالي كأحد أهدافه ما هو إلا محض شعار لا يصدقه أي شيء من سياسات النظام أو خطواته واقعا.
ومما يفاقم الوضع في هذه المجالات الثلاث “الماء والغذاء والصحة” ويجعل الأزمات متعاقبة عدم شفافية النظام فيما يتعلق بأدائه، وتعد حملة فيروس سي ووباء كورونا خير دليل على ذلك.
وإن الأيام وإن كانت حبلى بالتغيير، وأي نظام معرض للزوال غير أنه من المؤسف أن بعض السياسات التي اتخذها هذا النظام لا يمكن التراجع عنها مستقبلا للأسف لأنها مرتبطة باتفاقيات ومواثيق مع دول أخرى لا يمكن لمصر تغييرها وحدها.
[1] Rania Roshdy, Imane Helmy. Household Vulnerability and Resilience in Egypt: The Role of Social Policies. Economic Research Forum. Policy Brief. 2019, p 1.
[2]Ibid
[3] Ibid
[4] Clemens Breisinger, Perrihan Al-Riffai, Olivier Ecker, Riham Abuismail, Jane Waite,
Noura Abdelwahab, Alaa Zohery, Heba El-Laithy, Dina Armanious, Tackling Egypt’s Rising Food Insecurity in a Time of Transition, International Food Policy Research Institute, 2013, p 1
[5] Ibid
[6] Khaled Nasser, FOOD SECURITY ACTION PLAN FOR THE EGYPT 2014-2023, Research Gate, 2015, p. 5
[7] Rankings and Trends, Global Food Security Index, 2021, available at https://impact.economist.com/sustainability/project/food-security-index/Index
[8] GIEWS – Global Information and Early Warning System, FAO, 16 November 2021, available at https://www.fao.org/giews/countrybrief/country.jsp?code=EGY
[9] Ibid
[10] Ibid
[11] Ibid
[12] Ibid
[13] Security Implications of Growing Water Scarcity in Egypt, Climate Diplomacy, available at https://climate-diplomacy.org/case-studies/security-implications-growing-water-scarcity-egypt
[14] What is Egypt’s strategy for long-term water security? : The report 2020, Oxford Business Group, 2020, available at https://oxfordbusinessgroup.com/analysis/flow-plan-increasing-private-investment-and-constructing-new-desalination-facilities-tackle-water
[15] Ibid
[16] Ibid
[17]Ibid
[18] Ibid
[19]Ibid
[20] Ibid
[21] Ibid
[22]Ibid
[23] Ibid
[24] Rasha Mahmoud, Egypt announces four-point plan to mitigate possible water crisis, Al-Monitor, 4 August 2021, available at https://www.al-monitor.com/originals/2021/08/egypt-announces-four-point-plan-mitigate-possible-water-crisis
[25] مؤشر الرفاه العالمي للرعاية الصحية، متاح على الرابط https://www.stlucianewsonline.com/global-index-ranks-saint-lucia-second-unhealthiest-country-in-the-world/
[26] الموقع الرسمي لوزارة المالية، جمهورية مصر العربية، حساب ختامي الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013 / 2014 ، قطاع الحسابات الختامية، متاح على الرابط http://www.mof.gov.eg/MOFGallerySource/Arabic/closingaccounts13-14.pdf
[27] الموقع الرسمي لوزارة المالية، جمهورية مصر العربية، حساب ختامي الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013 / 2014 ، قطاع الحسابات الختامية، متاح على الرابط:
http://www.mof.gov.eg/MOFGallerySource/Arabic/closingaccounts12-13.pdf
[28] محمد عباس، أمجد حمدي، الإنفاق على الصحة في النظم المصرية: دراسة مقارنة، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 22 أكتوبر 2019م
[29] المرجع السابق
[30] المرجع السابق
[31] المرجع السابق
[32] تصريحات وزير الصحة السابق د. أحمد عماد أمام البرلمان، متاح على الرابط https://www.elwatannews.com/news/details/1944691
[33] محمد عباس، أمجد حمدي، مرجع سابق
[34] العربي الجديد، الحكومة المصرية توافق على بيع 25 مستشفى تكاملي للمستثمرين، نشر بتاريخ ،متاح على الرابط https://www.alaraby.co.uk/society/2017/5/6/الحكومة-المصرية-توافق-على-بيع-45-مستشفى-تكامليا-للمستثمرين
[35] مصطفى جاويش، مرجع سابق
[36] مصطفى جاويش، السياسة الصحية لماذا غابت عن التعديلات الدستورية في مصر، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 28 إبريل 2019م
[37] العربي الجديد، عجز الأطبّاء في مصر… موسم الهجرة إلى السعودية، نشر بتاريخ 4 إبريل 2019م، متاح على الرابط
[38] مصطفى جاويش، ، السياسة الصحية لماذا غابت عن التعديلات الدستورية في مصر، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 28 إبريل 2019م
[39] أمجد حمدي، مشروع التأمين الصحي الشامل في مصر، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 20 سبتمبر 2018م.
[40] المرجع السابق
[41] سودارسان راغفان، هبة فاروق، واشنطن بوست: مصر في مواجهة كورونا، ترجمة: عادل رفيق، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 11 مارس 2020م.
[42] أسماء شكر، الإخفاء القسري لفيروس كورونا في مصر، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 13 مارس 2020م.
[43] أحمد محسن، تصميم السياسات الصحية لمواجهة أزمة جائحة كورونا في مصر وتركيا، حكامة، العدد 3 المجلد 2، نشر بتاريخ سبتمبر 2021م.
[44] مصطفى جاويش، السياسة الصحية لماذا غابت عن التعديلات الدستورية في مصر، المعهد المصري للدراسات، نشر بتاريخ 28 إبريل 2019م
[45] مصطفى جاويش، مرجع سابق
[46] مصطفى جاويش، مرجع سابق