المحتويات |
---|
مقدمة |
أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لإسرائيل |
التطور التاريخي للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية |
تأثير التوغل الإسرائيلي في إفريقيا على الأمن القومي المصري |
صحوة مصرية متأخرة |
مقدمة
تحوز قارة أفريقيا أهمية كبرى على الصعد السياسية والاقتصادية والجغرافية؛ سواء لغناها بالموارد الطبيعية المهمة، أو لتحكمها في ممرات مائية استراتيجية، كمضيق جبل طارق وقناة السويس ومضيق باب المندب، أو من حيث أن دولها تشكل كتلة تصويتية مهمة في المنظمات العالمية.
ونظرًا لهذه الأهمية البالغة للقارة السمراء، فقد اتجهت إسرائيل منذ النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، إلى الاهتمام بأفريقيا عندما تبلور ما عرف بـ”الاتجاه الأفريقي” لإسرائيل، والذي سعت فيه تل أبيب إلى ملء الفراغ في أفريقيا، قبل أن يشغله خصوم إسرائيل من الدول العربية والإسلامية وخاصة مصر. وقد أعقب تبلور هذا الاتجاه، انعقاد مؤتمر “باندونج” – الذي عُقد في الفترة من 18 إلى 24 أبريل/ نيسان عام 1955 في باندونغ بإندونيسيا- والدور الريادي الذي لعبته مصر بقيادة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر مع الهند وإندونيسيا لعزل إسرائيل وإدانة مواقفها. ([1])
وقد استهدفت سياسة إسرائيل في أفريقيا تحقيق العديد من الأهداف، ([2]) في مقدمتها تحطيم أسوار العزلة واختراق الطوق الذي فرضته الدول العربية على إسرائيل، اقتصاديًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، وخلق عمق أفريقي لإسرائيل يناقض السياسات العربية.
على أن يلي ذلك توسيع دائرة الاعتراف بإسرائيل وعدم الاقتصار على دعم وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، مما يدعم مشروعية وجودها ويحمي مصالحها وأمنها القومي، بالإضافة إلى تقويض دور مصر كلاعب إقليمي، بل وتهديدها في أحد أهم شرايينها، ألا وهو نهر النيل، وذلك بزيادة نفوذها في مناطق حوض النيل.
هذه السياسة أشعرت مصر بالقلق، وظهر ذلك على لسان مساعدة وزير خارجية النـظام المصري، السفيرة سعاد شلبي، التي قالت، في فبراير/ شباط 2019، إن “إسرائيل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تقسيم أفريقيا، من أجل أن تخضع مصر لها” ([3]).
وكما أن الطبيعة لا تحب الفراغ، فكذلك السياسة، فما أن ينشأ فراغ في إقليم، نتيجة انسحاب طرف أو عكوفه عن الحضور، أيًا كانت الأسباب، فسرعان ما يتقدم الطرف المنافس لملء هذا الفراغ، خاصة إذا امتلك الأدوات والإمكانيات والوسائل اللازمة لذلك.
وبعد ذلك، انسحبت مصر من أفريقيا بشكل تدريجي، وخاصة في عهد الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، وكان هناك عزوف عن استثمار ميراث حقبة الخمسينات. وعلى إثر ذلك، تقدمت إسرائيل لشغل هذه المكانة وملء هذا الفراغ من خلال تشخيص احتياجات القارة السمراء، للأمن، والتسليح، والتدريب، والتكنولوجيا في مجال الطاقة المتجددة، والري، والمشروعات الإنمائية.
ومما يدل على أهمية إفريقيا بالنسبة لإسرائيل، أن إحدى دولها كانت مرشحة لأن تكون الوطن القومي لليهود وهي أوغندا، ولكن أتى وعد بلفور عام 1917 ليحسم تلك المسألة ويعدهم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ([4])
أهمية القارة الأفريقية بالنسبة لإسرائيل
ترى إسرائيل في أفريقيا أحد أهم ضمانات الحفاظ على أمنها القومي، كما أن مكاسب إسرائيل من تغلغلها في العمق الأفريقي بالغة الأهمية، على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والجغرافي.
فمن الناحية الاقتصادية، هناك الموارد الطبيعية، حيث تشكل غابات أفريقيا مصدرًا مهمًا للأخشاب، إلى جانب توفر مواد أخرى مثل البن والكاكاو والمطاط والفواكه الاستوائية.
وفيما يخص الموارد المعدنية، نجد أفريقيا من أكبر منتجي بعض السلع المعدنية مثل الفوسفات، والذهب، والمنجنيز، والكوبلت، والحديد، وغيرها من المعادن الهامة لقطاع الصناعة. هذا إلى جانب توافر الألماس فيها بوفرة، حيث تشير التقديرات إلى أن 30 بالمئة من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الأفريقية. ([5])
أما بالنسبة للموارد النفطية فتعد أفريقيا أكبر القارات التي تضم دولًا منتجة للنفط حيث يوجد بها قرابة 21 دولة منتجة للنفط، وتنتج القارة الأفريقية في الوقت الراهن نحو 11 بالمئة من النفط العالمي، بما يعادل حوالي 80 إلى 100 مليار برميل من النفط الخام سنويًا، كما أنها تمتلك قدرًا من الاحتياطيات النفطية، ربما يصل إلى نحو 10 بالمئة من الاحتياطي العالمي، حسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. ([6])
وعلى صعيد آخر، نجد أن القارة الأفريقية سوق استهلاكي جيد لأي دولة صناعية، فتعداد سكان القارة يتخطى المليار نسمة مما يجعل القارة سوقًا استهلاكيًا مناسبًا للتصدير وتصريف منتجات الدول الصناعية. ([7]) .
أما من الناحية الجغرافية، فهناك المغرب، الدولة الأفريقية التي تشرف على مضيق جبل طارق – الممر المائي الهام الذي يُعد المفتاح الغربي للبحر الأبيض المتوسط، والمهم لتجارة النفط وحركته سفنه.
كما تتحكم واحدة من الدول الأفريقية أيضًا – مصر- في قناة السويس، ذلك الممر المائي الهام للتجارة الدولية والملاحة العالمية. كما نجد أن دولًا أفريقية تشرف على ممر مائي مهم كمضيق باب المندب، حيث تتحكم به جيبوتي وإريتريا. ويكتسب ذلك الممر المائي أهمية نظرًا لأنه المفتاح الجنوبي لقناة السويس، والمهم لضمان استمرار حركة الملاحة بها. كل هذه الممرات أكسبت القارة الإفريقية ثقلًا إستراتيجيًا كبيرًا نظرًا لأهميتها للتجارة الدولة والملاحة العالمية بشكل عام. ([8])
أما الأهمية السياسية والدبلوماسية لأفريقيا فتكمن في أن دولها تشكل كتلة تصويتية كبيرة في أروقة المنظمات العالمية و تُعد أفريقيا أكبر كتلة تصويتية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تمثل الدول الأفريقية (54) دولة([9]) بنسبة 28 بالمئة من الأصوات مقارنة بـ 27 بالمئة في آسيا، والأمريكتين 17 بالمئة، وأوروبا الغربية 15 بالمئة.
وتمتلك أفريقيا أكثر من ربع الأصوات في جميع الهيئات الرئاسية للأمم المتحدة، وهي أكبر كتلة في وكالات أخرى مثل منظمة التجارة العالمية ومجموعة الـ 77 وحركة عدم الانحياز ([10]) حيث إنه إذا استطاعت دولة ما اجتذاب تلك الكتلة التصويتية لصفها والتأثير فيها ستضمن على الأغلب حسم عدد كبير من قضاياها داخل الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى عن طريق التصويت لها، أو على الأقل ستضمن أن تلك الكتلة لن تقف في وجهها، وعرقلة مصالحها، عن طريق التصويت ضدها. ([11])
التطور التاريخي للعلاقات الإسرائيلية-الأفريقية
بدأ الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا بشكل جدّي بحلول ستينيات القرن الماضي، مع حصول أغلب دول القارة على استقلالها من الاستعمار الأوروبي. ومنذ إعلان تأسيس “إسرائيل” عام 1948 وحتى أواخر عام 1956 لم تعترف أي دولة أفريقية بها سوى دولة غانا. ([12])
وفي الفترة من 1956 إلى 1967، كثفت “إسرائيل” تواصلها مع دول القارة، وكان لها خلال هذه الفترة علاقات دبلوماسية مع 32 بلد أفريقي، أي أكثر من نصف بلدان القارة الأفريقية. وعلى الصعيد الاقتصادي، نجد أن حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والدول الأفريقية في هذه المرحلة يقدر بحوالي 75 مليون دولار. ورغم أن الرقم ليس بالضخم، بالنظر إلى أنه يشمل كل المعاملات التجارية للقارة الأفريقية مع إسرائيل، إلا أن له دلالة على ازدياد حجم التعاون بين الطرفين، في مرحلة مبكرة من تأسيس “إسرائيل”. ([13])
ووُجِهَت إسرائيل بقطيعة أفريقية شبه كاملة بين حربي 1967 و1973 على إثر نكسة يونيو/ حزيران 1967، وحرب أكتوبر عام 1973، حيث تضامن الأفارقة مع مصر، واعتبروا إسرائيل دولة غاصبة محتلة. وصدرت قرارات من منظمة الوحدة الأفريقية مساندة لمصر في حربها ضد إسرائيل، لتشهد تلك الفترة قطع 29 دولة أفريقية علاقتها معها. ([14])
ثم هيأت “اتفاقية السلام” التي أبرمتها إسرائيل مع مصر عام 1979 فرصة لكسر عزلتها الأفريقية، وطبقًا للبيانات الإسرائيلية فإن عدد الدول الأفريقية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية أو أسّستها مع إسرائيل منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر/ تشرين الأول 1991 قد بلغ ثلاثين دولة. ([15]) وفي عام 1997 بلغ عدد الدول الإفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل 48 دولة. ([16]) والجدير بالذكر هنا، أن هذه العلاقات الدبلوماسية لم يتمخض عن جميعها فتح سفارات، إلا أنها كانت موجودة من حيث الأصل.
وبعد مؤتمر مدريد للسلام واتفاقيتي “وادي عربة” و”أوسلو” في تسعينيات القرن الماضي شهدت المنطقة هرولة أفريقية نحو إسرائيل. وبحلول عام 2002، تمكنت إسرائيل من استعادة علاقاتها مع 45 دولة أفريقية على مستويات دبلوماسية مختلفة.
واستمرت “إسرائيل” في سعيها للوصول لمرحلة الرجوع شبه الكامل للعلاقات الدبلوماسية مع أفريقيا خلال الأعوام التالية. لكن الملاحظ أنها كثفت جهودها بدءًا من عام 2016، حيث شهدت أفريقيا حراكًا إسرائيليًّا غير مسبوق، حين أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”.
في ذلك العام، قام نتنياهو بجولات مكوكية للعديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، واستضافت “إسرائيل” مؤتمرًا زراعيًّا، ضمّ مسؤولين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، التي تضم 15 دولة. آنذاك، أعلنت “إسرائيل” استئناف العلاقات الدبلوماسية مع غينيا بعد قرابة نصف قرن من القطيعة.
وفي عام 2017، حضر نتنياهو المؤتمر السنوي لإيكواس، في ليبيريا، في سابقة تاريخية بمشاركة زعيم غير أفريقي لأول مرة في مؤتمرات المنظمة الإقليمية. وفي العام ذاته، ألغيت قمة كان مزمعًا عقدها بين أفريقيا وإسرائيل في توغو. وفي 2018، افتتحت تنزانيا سفارة في تل أبيب.
وفي زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلي كبير لتشاد، أعلن نتنياهو عام 2019 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة دامت منذ عام 1972، ولاحقًا افتتح سفارة للكيان الإسرائيلي في رواندا.
دَفعة جديدة نحو التطبيع
في يناير/كانون الثاني 2019، أعلنت تل أبيب أنها أقامت علاقات دبلوماسية مع تشاد ومالي اللتين تمتازان بأغلبية مسلمة، في حين تبعت هذه الحملة عدة دول أفريقية أخرى .
وفي الثالث من فبراير/شباط 2020، جرى لقاء بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في العاصمة الأوغندية كمبالا. ([17])
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ([18]). وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، جرى توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية. ([19])
وفي 12 أغسطس/آب 2021، افتتح وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، يائير لبيد، مكتبًا تمثيليًا لإسرائيل بالعاصمة المغربية الرباط.
وبهذا تكون إسرائيل قد نجحت -حتى كتابة هذه السطور- بفتح سفارات في 11 دولة أفريقية من أصل 54 دولة، وهي السنغال، مصر، أنغولا، غانا، ساحل العاج، إثيوبيا، جنوب أفريقيا، نيجيريا، كينيا، الكاميرون والمغرب وثمة العديد من السفراء الإسرائيليين غير المقيمين في دول أفريقية. ([20])
تأثير التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا على الأمن القومي المصري
وكما سنبيّن، فقد أحدث تأثير التغلغل الإسرائيلي التدريجي في القارة السمراء كثيرًا من التحديات التي تهدد المصالح المصرية والتي يجب على القاهرة أن تسرع للتعامل معها قبل فوات الأوان، حيث تعد هذه التحديات خناقًا يزيد إحكامه على مصر يومًا بعد يوم، ومن هذه التحديات:
التحدي الأول : الأمن القومي المصري
تهديد أمن البحر الأحمر وقناة السويس
مثلت إفريقيا موقعًا حيويًا بالنسبة لإسرائيل، بسبب قربها الجغرافي منها من ناحية، وبسبب إحاطتها بالدول العربية التي كانت تناصبها العداء من ناحية أخرى، وما لذلك من تأثيرات هامة في الصراع العربي الصهيوني.
وقد شكّل كلٌ من البحر الأحمر والقرن الإفريقي وحوض النيل مواقع بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل؛ حيث إن ترتيب التحالفات وتوازن القوى في هذه المناطق يرتبط بالأمن القومي العربي عمومًا والمصري على وجه الخصوص، ومن ثم سيرتبط بمنظومة الأمن الإسرائيلي، فهذا الممر المائي والذي يسمى “قوس الأزمات” هو من يقرر السلم العالمي، ويؤثر على مصالح الدول الكبرى حيث يمر معظم النفط العالمي([21]).
ومن هذا المنطلق خططت إسرائيل للتغلغل في هذه المناطق، وتطويق الأمن القومي العربي بحزام موال لها في البحر الأحمر، لخشيتها من تحوله إلى بحيرة عربية خالصة. فالبحر الأحمر نقطة رئيسية في الأمن القومي المصري، نظرًا لأنه المجال الملاحي المهم لمصر من خلال قناة السويس والسيطرة عليه تعتبر نقطة قوة كبرى لمن يمتلكه.([22])
التواجد العسكري الإسرائيلي في أفريقيا:
سعت تل أبيب ولظروف توتر علاقاتها مع الدول العربية إلى تعزيز وجودها العسكري والأمني في أفريقيا. واتخذ التواجد العسكري والأمني شكل تقديم الاستشارات العسكرية التي يقدمها بعض العسكريين المتقاعدين في الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن توسيع دور الشركات الإسرائيلية الأمنية في أفريقيا، وتدريب إسرائيل لوحدات النخبة في الجيوش الأفريقية، وقتال عناصر أفريقية كمرتزقة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
فسنجد على سبيل المثال في التقرير الذي بثته القناة الإسرائيلية 13، أن هناك 12 دولة أفريقية تستفيد من الخبرات الإسرائيلية في تدريب فرق النخبة والحرس الرئاسي،([23]) كما أصدر جهاز الموساد الإسرائيلي كتابًا يفتخر خلاله بما أسماه “الانتصار الإسرائيلي” في انفصال جنوب السودان. وتضمن الكتاب ملامح وأبعاد الدور الإسرائيلي وأبرز الأدوات التي استخدمتها إسرائيل في انفصال جنوب السودان. ([24])
ونجد أن الأداة العسكرية كانت في مقدمة تلك الأدوات، حيث أرسل الموساد في الستينيات صفقات أسلحة إسرائيلية للجنوب عبر الأراضي الأوغندية ثم الإثيوبية، وقامت إسرائيل بتدريب المتمردين في أوغندا وكينيا وإثيوبيا.
علاوة على ذلك، فقد نجحت إسرائيل في إنشاء مراكز عسكرية لها بالبحر الأحمر في جزر فاطمة ودهلك وحالب على الساحل الإريتري، وغيرها من جزر البحر الأحمر، حيث احتفظت بمراكز رصد معلومات وقوات كوماندوز وقطع بحرية صغيرة على تلك الجزر قبالة السواحل السعودية والمصرية واليمنية مما يهدد المصالح المصرية بشكل مباشر.([25])
وبالتالي تسعى إسرائيل من خلال هذا التواجد العسكري في القارة المتعدد صوره – كما أسلفنا- إلى تعزيز نفوذها في تلك المنطقة التي لها أهمية إستراتيجية وحيوية، وذلك قد يهدد الأمن القومي العربي وبالأخص المصري.
التحدي الثاني: الأمن المائي المصري
سد النهضة :خطة تعطيش وإفقار مصر:
تقيم إسرائيل علاقات وطيدة مع دول حوض النيل مثل أثيوبيا وكينيا وأوغندا؛ وذلك لأن تلك الدول تعتبر هي المسيطرة على منابع النيل خصوصًا أثيوبيا، الأمر الذي يهدد الأمن القومي لبعض الدول العربية خصوصًا مصر والسودان. ونجد إسرائيل في ذلك الصدد تدعم الحركات الانفصالية وحركات التمرد في دول منابع النيل خاصة في جنوب السودان مما أدى -إلى جانب عوامل أخرى- لتكوين الدولة رقم 11 في دول حوض النيل ([26]) وهي دولة جنوب السودان.
كما نجد أيضًا أنه منذ نهاية التسعينات، بدأ طرح فكرة تسعير المياه، ولهذا بعثت أوغندا وفدًا إلى إسرائيل لدراسة المشروعات المائية الواقعة شمالي أوغندا، واستخدام مياه بحيرة فيكتوريا، ما سيؤثر بدوره على منسوب مياه النيل الأبيض. وفي عام 1996، أجرى خبراء إسرائيليون أبحاثًا في حوض النيل بأوغندا، بهدف إقامة مشروعات للري، ليتبع ذلك، في نفس العام، توجه الأخيرة انتقادات إلى كل من مصر والسودان، تحت دعوى أنهما تأخذان أكثر من حقهما في مياه النيل.[27]
وبعد ذلك بنحو 4 أعوام، جرى اتفاق بين أوغندا وإسرائيل لإقامة مشروعات للري في 10 مقاطعات بالدولة الأفريقية. وفي عام 2009، تحدثت مصادر من وزارة الري المصرية عن أن مسؤولين من أوغندا التقوا بأكاديميين إسرائيليين في تل أبيب بهدف إنشاء سدود على النيل.
هذه التحركات الإسرائيلية بدورها، تخلق تعقيدات أكبر في تلك المنطقة، وتسبب أزمة في ملف المياه بالنسبة لمصر والسودان، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لتلك الدول. والجدير بالذكر هنا هو دعم إسرائيل وتشجعيها لأثيوبيا لبناء سد النهضة،([28]) وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا، ويخلق أزمة بين دول حوض النيل خصوصًا بين مصر وأثيوبيا.
فلم تُخفِ إسرائيل دورها في المساعدة التكنولوجية في بناء السد، معتبرة أن ذلك أمر طبيعي لأنها تبيع التكنولوجيا حول العالم. كما شهدت فترة ما قبل بناء السد، وجود عدد كبير من المهندسين الإسرائيليين، وزيارات متكررة لأثيوبيا. أضف إلى ذلك، تصريح السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسابي ميزال، أن على مصر عدم التعامل بأن النيل ملك لها وعليها أن تتقبل وجود السد الإثيوبي، وأن على إثيوبيا أن تعمل على عقد تفاهمات تحفظ حقوقها في مياه النيل. كما ذكرت قناة لؤومنوت العبرية، في تقرير مطول لها، أنّ إسرائيل تدعم إثيوبيا في بناءها للسد.[29]
كذلك تنشط العديد من الشركات الإسرائيلية، لتلبية احتياجات بناء السد، على سبيل المثال شركة “سوليل بونيه” للإنشاءات، وشركة “أغروتوب” للزراعة، وشركة “كور” للإلكترونيات، وشركة “موتورولا إسرائيل” للكهرباء والماء، وشركة “كارمل” للكيماويات، وهي شركة لها علاقات مع عدد كبير من الجامعات الإثيوبية.
وقد ألمح النظام المصري إلى الدور الإسرائيلي في بناء سد النهضة، عبر تصريحات لإعلاميين مقربين من النظام ومسؤولين سابقين. فقد صرح وزير الري والمياه المصري السابق، محمد نصر علام، أن هناك خبراء مياه إسرائيليين يعملون بمبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية، ويقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية.[30]
كما قال الإعلامي والبرلماني المقرب من النظام المصري، مصطفى بكري، إن أزمة سد النهضة سياسية تهدف إلى إيصال مياه نهر النيل للدولة العبرية. كذلك، صرح الدبلوماسي السابق ورئيس مكتبة الإسكندرية، مصطفى الفقي، بأن إسرائيل لها تأثير على ملف سد النهضة لأنها تحلم أن تكون إحدى دول مصب نهر النيل منذ عهد الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات.[31]
وبالنظر إلى الآثار الكارثية على مصر جراء بناء سد النهضة، يتبين خطر الدور الذي تلعبه إسرائيل في أفريقيا على مصالح مصر الجوهرية.
فقد أكدت عدة دراسات أن إنشاء السد سيتسبب في خسارة مصر والسودان كمية كبيرة من المياه تقدر بنحو 12 مليار متر مكعب، مما سيؤدي إلى توقف مشروعات استصلاح الأراضي في مصر بسبب العجز في كمية المياه.
حيث إن الرقعة الزراعية في مصر تقدر بنحو 8 ملايين فدان، وبرغم ذلك تستورد مصر نحو 60 بالمئة من الغذاء من الخارج، فماذا لو انخفضت حصة مصر المائية في المستقبل، وتوقف التوسع في المساحات الزراعية واستصلاح الأراضي الصحراوية؟ حيث من المرجح أن يؤدي إنشاء سد النهضة إلى وقف زراعة مليون فدان من الأراضي الزراعية([32]).
علاوة على ذلك، فإن نقص مخزون المياه خلف السد العالي في مصر سيؤثر سلبيًا على الطاقة الكهربائية المولدة في مصر بنطاق 20 و 40 بالمئة – حسب خبراء في مجال المياه- وتهديد 6.5 مليون عامل في قطاع الزراعة، مما يؤدي إلي زيادة معدلات البطالة بشكل كبير وزيادة مشكلات المياه في مصر.
وتشير الإحصاءات إلى أن نصيب الفرد من المياه في مصر يبلغ حوالي 750 متر مكعب سنويًا، وهو أقل من المتوسط العالمي لاستهلاك المياه للفرد والذي يبلغ حوالي 1000 متر مكعب سنويًا. ومن المتوقع أن تنخفض حصة الفرد في مصر من المياه إلى 525 متر مكعب سنويًا عام 2050 في ظل استقرار نصيب مصر من مياه النيل. ولكن في ظل إنشاء سد النهضة في إثيوبيا وتخفيض حوالي 9 أو 12 مليار متر مكعب سنويًا من حصة مصر من مياه النيل، فإن ذلك يعني أن معدلاتها الحالية ستكون أقل.
هذا الانخفاض سيلقي أعباء اقتصادية جديدة على كاهل الاقتصاد المصري، تتمثل في تكاليف اللجوء إلى تحلية مياه البحر لتغطية العجز في مياه الشرب، أو إعادة معالجة المياه لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية،([33]) ويؤدي نقص المياه إلى تأثر الزراعات المستهلكة لكميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر، مما سيقود إلى زيادة في فجوة السكر بنسبة 32 بالمئة.
كما ستضطر الدولة المصرية إلي تقليل المساحات المزروعة من الأرز، مما سيؤدي إلى خفض في الإنتاج بعد أن كانت مصر تكتفي فيه ذاتيًا. وهناك مشكلات أخرى مترتبة على نقص نصيب مصر من مياه النيل وهي زيادة نسبة الملوحة، ونقص كميات المياه المخصصة لغسل تراكمات الأملاح في الأراضي الزراعية، وزيادة الفجوة الغذائية المصرية إلى نسبة 75 بالمئة من احتياجاتها من الغذاء، بدلًا من 60 بالمئة حاليًا، وزحف مياه البحر المتوسط إلي الدلتا والمياه الجوفية؛ وذلك لنقص تدفقات المياه العذبة.
هذا فضلًا عن تأثر الثروة السمكية سلبًا، واحتمال اختفاء الأسماك لمدة قد تمتد إلى خمس سنوات واختفاء أنواع منها تمامًا في نهر النيل، ([34])وارتفاع معدلات تصحر الأراضي الزراعية لعدم وجود مياه كافية لزراعتها.
هذه الآثار الضخمة التي من المتوقع أن تتكبدها مصر على كافة المستويات، لعبت فيها إسرائيل دورًا رئيسيًا، ما يؤكد خطورة ترك المجال الأفريقي لمصر بيد قوى أخرى، خاصة وإن كانت دولة معادية، خاضت معها مصر عدة حروب.
التحدي الثالث: تداعيات التطبيع السوداني-الإسرائيلي على مصر
مياه النيل ..هل تتبدل مواقف السودان؟
وهناك ملف آخر وهو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، هذا الملف بدوره قد يجعل إسرائيل تفكر في التأثير على موقف السودان الحالي المتضامن مع مصر إزاء قضية سد النهضة، عن طريق استغلال التباين في وجهات النظر السودانية حول ملف سد النهضة، واستغلال الوضع غير المستقر سياسيًا واقتصاديًا في السودان لتهديد أمن مصر المائي، والتأثير في توجهات السودان المتضامن مع مصر إزاء السد.
خصوصًا وأن الشركات الإسرائيلية تجد أيضًا آفاقًا اقتصاديةً في السودان، حيث ترى أن سد النهضة الإثيوبي، الذي تعمل إثيوبيا على ملء خزانه حاليًا، يوفر الفرصة لمشاريع تنموية كبرى في السودان بأيادٍ إسرائيلية. وبناءً على التوقعات المتفائلة، فإن سد النهضة سيحسن تنظيم المياه في نهر النيل ويوفر الكهرباء للدول المجاورة، مما يوسع القدرات الزراعية والصناعية في السودان، وقد تجد شركات التكنولوجيا والمياه والزراعة الإسرائيلية في السودان ضالتها.([35])
كما أن من أبرز الأهداف الإسرائيلية العامة في إفريقيا، هي التأثير في الأمن المائي والغذائي العربي، وبالأخص المصري. فهي تستخدم الماء وسيلة للضغط على الدول العربية الإفريقية، وعلى رأسها مصر التي تعد قضية المياه بالنسبة لها قضية مصير. ومن ثم فإن التنسيق الإسرائيلي مع دول منابع النيل، وخاصة إثيوبيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية، وحاليًا بالتطبيع مع السودان، قد يمثّل تهديدًا سواء على المدى القصير أو الطويل للمصالح المصرية، بشكل لا يحتمل التأويل([36]).
سد النهضة ليس الأخير:
أما التهديد على المدى الطويل فقد نجده من خلال سعي إسرائيل لإقناع السودان مستقبلًا، بإنشاء سدود على النيل بما يؤثر على أمن مصر المائي، خصوصًا أن اسرائيل لها أدوار تاريخية في هذا الشأن. ففي مجال بناء السدود المائية مثلًا، قدمت إسرائيل دراسات فنية إلى زئير ورواندا لبناء سدود، وذلك في إطار برنامج شامل لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى، وبالتالي التحكم في مجرى النيل. وخلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أفيغادور ليبرمان، في سبتمبر/ أيلول 2011 لعدد من الدول الإفريقية، أبرم 5 اتفاقيات لتمويل 5 سدود على نهر النيل في تنزانيا ورواندا. وقد أكد خبراء المياه الدوليون أن هذه المشاريع ستؤثر سلبًا على حصة مصر السنوية من المياه([37]) .
حدود التطبيع السوداني الإسرائيلي:
قد تفتح اتفاقية التطبيع الإسرائيلية-السودانية المجال لعلاقات عسكرية واستخباراتية متبادلة بين السودان وإسرائيل، خصوصًا في ظل الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الواضحة في القارة، والتي تسعى من خلالها إلى النفوذ والتطويق الإستراتيجي للأمن العربي وتهديده.
لذلك، من المحتمل أن تحاول إسرائيل إقناع السودان بالتطبيع الكامل والحصول على تسهيلات عسكرية من السودان في شكل قواعد عسكرية، أو تواجد عسكري وأمني من خلال تقديم الاستشارات العسكرية من جانب العسكريين المتقاعدين في الجيش الإسرائيلي، وتقديم الخبرات العسكرية أو الإستشارات الإستخباراتية، وكلها تسهيلات قد تجعل لها موطئ قدم في السودان. وهذا قد يؤثر على الأمن القومي المصري نظرًا للموقع الجغرافي المشترك مع السودان.([38])
التحدي الرابع: تهديد مكانة مصر السياسية و الدبلوماسية
- فقدان مصر لدور الوساطة والضغط الدولي في القضية الفلسطينية
كانت مصر هي اللاعب الأهم في نظر اللاعبين الإقليميين والدوليين للقيام بدور الوساطة في القضية الفلسطينية. كذلك كانت هي المتنفس الدبلوماسي لإسرائيل في حل خلافاتها مع العرب، حينما تغلق أمامها أبواب الدعم الدولي. وقد حاولت إسرائيل استمالة التكتل الأفريقي في صفها للتصويت لقضاياها، خصوصًا وأن ذلك التكتل يميل تاريخيًا لفلسطين على حساب إسرائيل ([39])، وهو ما أزعج الأخيرة.
فمن بين 1400 تصويت دولي خاص بالصراع العربي الإسرائيلي منذ 1990، صوتت الدول الأفريقية لصالح إسرائيل في عدد قليل جدًا منها، ولذلك تسعى الأخيرة لاستمالة التصويت الأفريقي بجانبها، ويتمثل طموحها الأعلى بأن تصوت الدول الأفريقية الـ54 لصالحها ([40])، والأدنى أن تمتنع عن التصويت ضدها؛ مما سيحسن من وضع إسرائيل دوليًا، ويجعلها قادرةً على حسم كثيرٍ من قضاياها في الساحات الدولية بعيدًا عن حاجتها إلى الوساطة المصرية.
وبالطبع، فإن مصر تكتسب جزءًا من زخمها في وساطتها بسبب دعم محيطها العربي والإفريقي لها، وإذا ما فقدت هذا الزخم والتأييد، فقد يضعف ذلك من مكانتها أو يقوض قدراتها كوسيط فعال في الملف الفلسطيني.
- تفوق دبلوماسي إسرائيلي على مصر:
تعتبر إثيوبيا أن إسرائيل هي الداعم الأكبر لها في مجال التنمية والدفاع، بل وتسعى جاهدةً لتعزيز علاقاتها بها وجعلها جزءًا من النظام الأفريقي. ([41]) فقد استطاعت إسرائيل أن تجبر مصر على التواصل معها، بل وطلب وساطتها لدى الجانب الإثيوبي في تعنته أمام المطالب المصرية. كما أعطى السد الإثيوبي لإسرائيل مزيدًا من القوّة السياسية.
فبعد أقل من 24 ساعة على انتهاء جولة نتنياهو في عدد من دول حوض النيل وتحديدًا أوغندا، وكينيا، وروندا، وإثيوبيا، زار وزير الخارجية المصري تل أبيب في يونيو/حزيران 2016، وكان العنوان الأبرز لزيارته: “طلب مصري لأن تكون إسرائيل وسيطًا بين القاهرة وأديس أبابا، لمنع الحرب القادمة على المياه”. وكانت تلك الزيارة هي الأولى منذ قرابة عشر سنوات، ويعد هذا إقرارًا علنيًا من القاهرة، للقوّة السياسية الإسرائيلية التي تتصاعد في ظل علاقات إسرائيل مع دول القرن الأفريقي تحديدًا، ([42]) كما ينذر بزيادة حجم التطبيع مع إسرائيل في المستقبل. حيث سبق أن أوصى معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، صنَّاع القرار الإسرائيليين، باستغلال أزمة المياه وسد النهضة، لتوسيع التطبيع مع القاهرة.([43])
- فقدان دعم الاتحاد الافريقي لمصر والقضايا العربية :
تسعى إسرائيل منذ 2002 للحصول على مكانة “دولة مراقب” في الاتحاد الأفريقي، والمشاركة في قممه الدورية؛ مما ينذر بوجود دخيل على البيت الأفريقي، الذي طالما وقفت غالبية دوله مناهضة للممارسات الإسرائيلية وداعمة للمواقف العربية خاصة فلسطين ومصر. وهذا الأمر قد يُفقد العرب ومصر تأييدًا إقليميًا كان مضمونًا في السابق، وكان أحد مصادر القوة على المستوى الدولي ومستوى الشرعية الدولية، ويعد هزيمة واضحة للنفوذ الناعم لمصر في المنظمة الإقليمية المهمة. ([44])
وبدلًا من أن تتوسع مصر في حشد التأييد اللازم ضد الممارسات الإسرائيلية التي تهدد أمنها القومي، مثل دعم إسرائيل لإثيوبيا في بناء سد النهضة، فقد تجد في المستقبل القريب دعمًا مضادًا من قبل الاتحاد الإفريقي لمصالح مصر والعرب.([45]) فغياب الدور المصري وتسويق إسرائيل لنفسها على أنها تعرضت للتمييز العنصري مثل الأفارقة، خلق نوعًا من التعاطف والتاريخ المأساوي المشترك بينها وبين الشعوب الأفريقية، مما زاد من تقبل إسرائيل على المستويين الشعبي والرسمي ليكون لها اليد العليا على حكومات أفريقية في حين غابت مصر عن الوجدان الشعبي والرسمي لبعض دول أفريقيا.([46])
صحوة مصرية متأخرة دون جدوى
في الآونة الأخيرة، شرعت مصر في تكثيف جهودها لتعزيز تواجدها الإفريقي عمومًا، وفي دول حوض النيل بصفةٍ خاصة. وذلك بهدف استعادة بعض من النفوذ والقيادة التي كانت تتمتع بها في الماضي. وقد رسخ دستور الانقلاب العسكري لعام 2014 أسسًا قانونيةً تؤكد البعد الإفريقي للهوية المصرية، مما شكل دعمًا قانونيًا لتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا عموما ودول حوض النيل خاصة بعد 2014.
واستخدمت الدولة المصرية العديد من الآليات التنفيذية ضمن رؤية طويلة المدى لتحسين نمط واتجاهات العلاقات المصرية الإفريقية على المستويات الاقتصادية والتنموية والعسكرية والسياسية ومجالات الطاقة والأمن. ([47])
وقد بلغت إجمالي استثمارات مصر في دول أفريقيا 10.2 مليار دولار، حيث أنفقت مصر ما يقرب من 80 مليون دولار لتنفيذ العديد من المشروعات في مجال الموارد المائية، من إنشاء سدود وحفر آبار وتسهيل الاستفادة من المياه في السودان وتنزانيا وكينيا وأوغندا وجنوب السودان والكونغو.
وفي مجال التعاون التكنولوجي، سعت مصر للمساهمة بفاعلية في تحويل المجتمعات بتلك الدول إلى مجتمعات تكنولوجية، وتبنت مجموعة من المبادرات، كالبدء في إنشاء مركز استجابة طوارئ في أوغندا، وإنشاء مشروع بانوراما التراث الطبيعي والحضاري في الكونغو، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات بناء القدرات والحوكمة الإلكترونية، وإنشاء وإدارة القرى الذكية بعدد من دول الحوض. ([48])
كما شهد التعاون الأمني لمصر نشاطًا مكثفًا، تجلى في الجولات الإفريقية لرئيس أركان الجيش المصري ورئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، بهدف تعزيز أوجه التعاون الأمني والعسكري في مجالات التدريب والتأهيل ونقل الخبرات. هذا بالإضافة إلى التنسيق حول الملفات الأمنية المخابراتية، الذي تعززت بتوقيع مصر عدة اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني والمخابراتي والدفاعي مع كل من بورندي، وكينيا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا، والسودان. وقد استحوذت إفريقيا على 30 بالمئة من الزيارات الخارجية للسيسي منذ 2014. ووصلت الزيارات الرسمية إلى أكثر من 150 زيارة متبادلة مع دول الحوض منذ 2015. ([49])
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجهود لم تثمر عن نتيجة إيجابية حتى الآن، ولم يستطع نظام السيسي أن يستفيد منها في أحد أهم ملفاته حيوية في الوقت الراهن، وهو ملف سد النهضة الإثيوبي. وهذه إشارة واضحة على إخفاق النظام في تحقيق ما يصبو إليه في هذا الملف الاستراتيجي.
وأخيرًا، لا يزال من المبكر الحديث عن انتصار إسرائيلي حاسم في السباق بين تل أبيب والقاهرة على النفوذ في أفريقيا. فالقارة لا تزال تنظر إلى مصر بالكثير من الاعتبار، لا سيما وهي إحدى أثقل دولها نفوذًا حتى اللحظة.
بيد أن الخيارات التي انتهجتها مصر على مدار أربعين عامًا، مع صحوة متأخرة منحصرة تقريبًا في دول حوض النيل، تظل عبئًا ثقيلًا تصعُب إزالته في يوم وليلة.
وحتى تنفض القاهرة ذلك العبء تدريجيًا، ثم تبلور إستراتيجية إفريقية شاملة غير مقتصرة على ملف سد النهضة، وتعمل بدأب على تشكيل تكتُّل عربي-أفريقي يساهم في تمتين علاقتها بدول إفريقيا، أو على أقل تقدير يُجمِّد تلك الحميمية مع إسرائيل، ستبقى تل أبيب على الأرجح تتحرَّك بسهولة دبلوماسيًا وعسكريًا وتجاريًا في عُمق القاهرة الأفريقية، وستظل العودة إلى صلابة الخمسينيات والستينيات أمرًا بعيد المنال، وهو ما يضر بمصالح مصر الاستراتيجية ويخدم التطلعات الإسرائيلية. ([50])
المصادر
[1] الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا: (الأهداف و الأدوات و النتائج) ،المركز الديمقراطي العربي، 12 أغسطس / آب 2022.
https://cutt.ly/LwNeijeb
[2] أهداف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا، البيان، 7 سبتمبر / أيلول 2017
[3] مساعد وزير الخارجية: لابد من توثيق علاقة مصر بإثيوبيا لمواجهة إسرائيل، الوطن، 25 فبراير/ شباط 2019 https://cutt.us/UgSrj
[4] إحدى دولها كانت مرشحة كوطن قومي لليهود.. قصة تغلغل إسرائيل في القارة السمراء،الجزيرة،7 فبراير/ شباط 2022
[5] إفريقيا قاطرة للاقتصاد العالمى بـ30% من الثروات المعدنية ،اليوم السابع ،22 اكتوبر تشرين الاول 2019، https://2u.pw/n9Xo7c
[6] القارة السمراء والمستقبل، الشروق، 5 سبتمبر/ أيلول 2021
[7] التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، المركز الديمقراطى العربى، 29 مايو/ أيار 2020.
https://cutt.ly/8wNeiBsL
[8] الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا: (الأهداف و الأدوات و النتائج)، المركز الديمقراطي العربي، 12 أغسطس / آب 2022.
https://cutt.ly/bwNeorJH
[9] هل عادت أفريقيا إلى واجهة الصراع الدولي؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 20 أغسطس /آب 2020
[10] مسارات النفوذ: زخم مستمر واهتمام أمريكي متزايد بأفريقيا ،المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 14 مايو / أيار 2023.
مسارات النفوذ: زخم مستمر واهتمام أمريكي متزايد بأفريقيا
[11] التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، المركز الديمقراطى العربى، 29 مايو/ أيار 2020 https://democraticac.de/?p=66814
[12] التدخل الإسرائيلي في أفريقيا وتأثيره على الأمن القومي المصري “دراسة حالة إثيوبيا”، المركز الديمقراطي العربي، 10 يوليو/ تموز 2016.
[13] عودة إسرائيل إلى إفريقيا، 1980 ـ 1990، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، تاريخ الوصول 22 مايو/ أيار 2023 https://www.palestine-studies.org/ar/node/35189
[14] الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا: (الأهداف و الأدوات و النتائج) ،المركز الديمقراطي العربي، 12 أغسطس / آب 2022.
[15] إعادة إحياء العلاقات الإسرائيلية مع القارة الأفريقية خلال مؤتمر في باريس،THE TIMES OF ISRAEL، يونيو/ حزيران 2022
[16] إسرائيل على الجبهة الإفريقية دراسة في العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية، مركز أبحاث منظمة التحرير، تاريخ الوصول: 22 مايو/ أيار 2023
[17] البرهان يوضح سبب لقائه نتنياهو: قمت بالخطوة لحفظ أمن السودان وتحقيق مصالح الشعب، CNN، 4 فبراير/ شباط 2020
[18] ترامب يعلن موافقة السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات، سويس إنفو، 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020
[19] المغرب يوقّع اتفاق التطبيع مع “إسرائيل” برعاية أميركية في الرباط، الميادين، 9 يونيو /حزيران 2020 https://2u.pw/G3E2Ld
[20] إحدى دولها كانت مرشحة كوطن قومي لليهود.. قصة تغلغل إسرائيل في القارة السمراء، الجزيرة،7 فبراير/ شباط 2022
[21] إسرائيل على الجبهة الإفريقية – دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، الحوار، تاريخ الوصول: 22 مايو/ أيار 2023
[22] أثر التطبيع السوداني – الإسرائيلي على الأمن القومي المصري، المركز الديمقراطي العربي، 25 نوفمبر/ تشرين ثان 2020.
[23] الاختراق العسكري الإسرائيلي لأفريقيا.. الأهداف والمخاطر (دراسة)، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 22 أغسطس/ آب 2020
https://pharostudies.com/?p=5242
[24] إسرائيل والسودان من برنارد لويس للولايات السودانية المتحدة .. فصل آخر من صفقة القرن، المركز العربي للبحوث والدراسات، 20 أبريل / نيسان 2020
[25] إسرائيل على الجبهة الإفريقية دراسة في العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية، مركز أبحاث منظمة التحرير، تاريخ الوصول: 22 مايو/ أيار 2023
[26] التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، المركز الديمقراطى العربى، 29 مايو/ أيار 2020.
https://rb.gy/y0me33
[27] اﻟﺼﺭﺍﻋﺎﺕ ﻓﻲ ﺩﻭل ﺤﻭﺽ ﺍﻟﻨﻴل ﻭﺍﻟﺘﻐﻠﻐل ﺍﻷﺠﻨﺒﻲ ﻭﺃﺜﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻤﻥ ﺍﻟﻘﻭﻤﻲ، تاريخ الوصول: 27 مايو/ أيار 2023
[28] الدور الإسرائيلي الخفيّ في دعم سد النهضة ،المركز الديمقراطي العربي، 29 يناير/كانون ثان 2023 https://democraticac.de/?p=87437
[29] المنافع السياسية والاقتصادية لإسرائيل من أزمة سد النهضة، مركز الجزيرة للدراسات، 22 مايو/ أيار 2021
[30] وزير الري الأسبق الهدف الحقيقي لإثيوبيا من سد النهضة غير الهدف المعلن تماما.. تعرف عليه، برنامج الحكاية، 28 فبراير/ شباط 2020
[31] سد النهضة: هل هناك “دور” لإسرائيل في أزمة السد بين مصر وإثيوبيا؟ – صحف عربية، BBC عربي، 16 يوليو/ تموز 2021
[32] الدور الإسرائيلي الخفيّ في دعم سد النهضة ،المركز الديمقراطي العربي، 29 يناير/ كانون ثان 2023 https://democraticac.de/?p=87437
[33] الصراع المصري الأثيوبي علي المياه وأثره علي الأمن القومي المصري (2011-2022)، المركز الديمقراطي، 6أغسطس /آب 2022.
https://rb.gy/183dfx
[34] “السد الإثيوبي” يهدد 12 نوعاً من أسماك النيل في مصر، اندبندنت عربية، 24 يوليو/ تموز 2020 https://cutt.us/gWPHE
[35] أطماع إسرائيل بالقارة الأفريقية.. موارد السودان أولا، الجزيرة، 8 فبراير/ شباط 2021 https://cutt.us/D8itD
[36] ماذا يعني تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل لمصر؟، مصر360، 6 فبراير/ شباط 2023 https://cutt.us/pD9tU
[37] أثر التطبيع السوداني – الإسرائيلي على الأمن القومي المصري ،المركز الديمقراطي العربي، 25 نوفمبر/ تشرين ثان 2020.
[38] المصدر نفسه
[39] الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.. كيف تغيرت مواقف القارة المناصرة لفلسطين؟، الجزيرة، 20 مارس /آزار 2023 https://cutt.us/fTMoo
[40] إسرائيل تعول على إفريقيا لتعزيز دعمها في المؤسسات الدولية، سويس انفو، 24 مارس/ آزار 2021 https://cutt.us/xf5gW
[41] إثيوبيا تدعم منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، فرانس 24، 7 يوليو/ تموز 2016
[42] المنافع السياسية والاقتصادية لإسرائيل من أزمة سد النهضة، الجزيرة، 22 مايو/ أيار 2021
http://studies.aljazeera.net/ar/article/5010
[43] أبرزها منابع النيل.. تداعيات انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي على مصر، الجزيرة، 4 أغسطس/ آب 2021
[44] أبرزها منابع النيل.. تداعيات انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي على مصر، الجزيرة، 4 أغسطس /آب 2021 https://cutt.us/osUcf
[45] الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.. كيف تغيرت مواقف القارة المناصرة لفلسطين؟، الجزيرة، 20 مارس / آزار 2023 https://cutt.us/fTMoo
[46] إسرائيل في إفريقيا.. يد ناعمة وأخرى ناهبة، مصر360، 5 أغسطس/ آب 2020
[47] تعاون مصر ودول حوض النيل.. القاهرة في قلب القارة السمراء بمسئولية تاريخية وعلاقات أخوية، الأهرام، 19 سبتمبر/ أيلول 2021.
https://gate.ahram.org.eg/News/2960226.aspx
[48] الاستثمارات المشتركة بين مصر ودول حوض النيل، مركز فاروس، 28 يونيو/ حزيران 2020
https://pharostudies.com/?p=479
[49] محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ “2014” إثيوبيا نموذجاً، المركز الديمقراطي العربي،27 مايو / آذار 2022.
http://tinyurl.com/5xsku3ad
[50] حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغلت إسرائيل في أفريقيا ،الجزيرة، 12 أغسطس / آب 2021