المحتويات
المحور الأول: الحكم على رئيس بلدية اسطنبول
- كيف استقبلت المعارضة الحكم؟
- رد فعل الحكومة على الحكم
- هل يترشح إمام أوغلو للرئاسة؟
- احتمالية تقديم موعد الانتخابات
- موقف المعارضة من تبكير الانتخابات
- هل بإمكان أردوغان تقديم موعد الانتخابات؟
المحور الثاني: مستجدات الحالة الاقتصادية في تركيا
- بوادر نجاح خطة أردوغان
- اقتصاد الانتخابات
المحور الثالث: العلاقات التركية-السعودية
- نظرة تاريخية على أسباب توتر العلاقات
- أسباب ودوافع التقارب بين الطرفين
- مستقبل العلاقات بين البلدين
مقدمة
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا، أصدرت محكمة تركية حكمًا ضد رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بالحبس والمنع من ممارسة السياسة لمدة عامين، الحكم الذي ثار حوله لغط واسع، واتهمت كل من المعارضة والحكومة بعضهما البعض باستغلال الحكم سياسيًا. لكن الخلاف لم يكن بين الطرفين فقط، بل طفى خلاف المعارضة على السطح، حول شخصية المرشح المشترك، بعد الحكم القضائي.
ونحاول في هذا العدد من ملفات تركية استعراض الجدل الذي ثار حول الحكم من جوانب عدة، ومحاولات توظيف الحكم سياسيًا، واحتمالية ترشح إمام أوغلو للرئاسة. كما نتناول عزم الحزب الحاكم تقديم موعد الانتخابات، وموقف المعارضة من ذلك، وأسباب تمسكها بعقد الانتخابات قبل تاريخ 6 أبريل/ نيسان 2023.
علاوة على ذلك، عرّجنا على الاقتصاد التركي، ونتائج اتباع الرئيس التركي سياسة غير تقليدية، أسمها “كسر مثلث الشر”، المتمثل في أسعار الفائدة، والتضخم، وسعر الصرف، هذا فضلًا عن رصد الخطوات الاقتصادية التي يتخذها أردوغان في سياق الانتخابات، والتي كان منها قرارات رفض الرئيس التركي اتخاذها في السابق.
وعلى المستوى الخارجي، نستعرض مسار العلاقات التركية-السعودية، مع إعلان المملكة عن إيداعها 5 مليار دولار في البنك المركزي التركي قريبًا. إذ نُلقي نظرة تاريخية على جذور العلاقات بين الأتراك وأسرة آل سعود الحاكمة، وتطور العلاقات بين الطرفين، مرورًا بوصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، والثورات العربية، ومرحلتي التوتر والتقارب الأخيرتين.
المحور الأول: الحكم على رئيس بلدية اسطنبول
في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية السابعة باسطنبول حكمًا بسجن رئيس بلدية إسطنبول، عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، لمدة عامين و7 أشهر و15 يومًا، وحرمانه من العمل السياسي للفترة ذاتها؛ بتهمة إهانة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات.[1] وترجع القضية إلى عام 2019، حين فاز إمام أوغلو في انتخابات رئاسة البلدية على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدرم. ورأت حينها الهيئة أن الطعون التي تقدم بها الحزب الحاكم بها بعض الوجاهة، فقررت إعادة الانتخابات.
وقد أسفرت جولة الإعادة عن فوز إمام أوغلو برئاسة البلدية مرة أخرى، بل إن فارق الأصوات كان لصالحه بشكل أوسع بكثير، بفارق نحو 800 ألف صوت عن يلدرم. وفي لقاء في مؤتمر الإدارات المحلية والإقليمية الأوروبية في مدينة “ستراسبورغ” الفرنسية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صرح إمام أوغلو أن قرار إعادة الانتخابات جاء بضغط من العدالة والتنمية، الأمر الذي علق عليه وزير الداخلية، سليمان صويلو، قائلًا: “أقول للأحمق الذي ذهب للبرلمان الأوروبي وشكا تركيا، إن هذا الشعب سيجعلك تدفع ثمن ذلك”.[2]
وفيما بدا أنه رد على صويلو، قال إمام أوغلو حينها، إن “من ألغوا الانتخابات هم الحمقى”، لترفع بعدها الهيئة العليا للانتخابات شكوى ضد رئيس بلدية اسطنبول، ويفتح المدعي العام في المدينة تحقيقًا بتهمة “إهانة موظفين عموميين يعملون كمجلس بشكل علني بسبب واجباتهم”.
ومن الجانب القانوني، فإن الحكم لن ينفذ على إمام أوغلو حاليًا، إذ أن بإمكانه الطعن عليه على مرحلتين، أولاهما لدى محكمة الاستئناف، والثانية لدى المحكمة العليا (محكمة النقض). وبالفعل، لجأ إمام أوغلو إلى محكمة الاستئناف، وحتى المدعي العام نفسه قام بالشيء ذاته، بسبب أخطاء لمسها في حيثيات الحكم، حسب وصفه.[3] ما يعني أن إمام أوغلو مستمر في مهامه كرئيس لبلدية اسطنبول الكبرى، وأن ترشحه للرئاسة ما زال ممكنًا بحكم القانون، وربما هذا الجزء الأخير المتعلق بالترشح للرئاسة، هو ما أثار جدلًا واسعًا في الداخل التركي حول الحكم القضائي الأخير.
كيف استقبلت المعارضة الحكم؟
بالنسبة للمعارضة التركية، فيمكن القول إنها اتفقت فقط على رفض الحكم، لكنها اختلفت على ما سوى ذلك، فسرعان ما برزت خلافات بين قادة المعارضة. فـبالحديث عن إمام أوغلو نفسه، فقد اعتبر الحكم مسيسًا، وألقى خطابين أمام بلدية اسطنبول الكبرى هاجم فيهما الحكومة، أحدهما شاركت فيه رئيسة حزب الجيد المعارض، ميرال أكشنار، والآخر تواجد فيه كافة أعضاء طاولة الستة، وعلى رأسهم رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، الذي قطع زيارته إلى ألمانيا، وعاد فورًا لتركيا بعد النطق بالحكم.[4]
وكان المجمع عليه من المعارضة أن هذا الحكم ليس قضائيًا بحتًا، بل تدخلت فيه السلطة التنفيذية، وذكر بعض إعلاميي المعارضة أن هدف الحكم هو قطع الطريق على ترشح إمام أوغلو للرئاسة،[5] بينما لم تصدر تصريحات كتلك من جانب قادة أحزاب المعارضة؛ ذلك أنهم لم يقرروا بعد مرشحهم للرئاسة. لكنهم في المقابل، فسروا الحكم – في تصريحاتهم- على أنه محاولة للانتقام من إمام أوغلو، ليس بسبب احتمالية ترشحه للرئاسة، بل بسبب فوزه في انتخابات البلدية قبل نحو 3 أعوام.
لكن اللافت كان وجود أكشنار مع إمام أوغلو، وقت النطق بالحكم، إذ تبادلا العناق والابتسامات فور إعلان قرار المحكمة،[6] الأمر الذي فسره البعض تفسيرًا سياسيًا، يتعلق برغبة أكشنار في ترشيح إمام أوغلو للرئاسة. وكما بات مقررًا في الداخل التركي، فإن هناك إشارات عديدة تؤكد وجود خلاف بين أطراف المعارضة حول شخصية المرشح المنافس لرئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أن الأمر بات أكثر تأكيدًا وعلانية مع صدور الحكم القضائي ضد إمام أوغلو.
فـمن جانبه، ذكر رئيس بلدية اسطنبول أنه سيكون بعد هذا الحكم “الشخص الأكثر نشاطًا على طاولة الستة”،[7] برغم أنه ليس طرفًا فيها، فأعضاء الطاولة هم رؤساء 6 أحزاب معارِضة، منهم كليتشدار أوغلو، رئيس حزبه. تصريح إمام أوغلو فسره البعض على أنه يعتبر نفسه ندًا لكليتشدار أوغلو، الذي لا يُخفي رغبته في الترشح للرئاسة، ويضع “فيتو” على ترشح أي من إمام أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش.
أما التصريح الثاني الذي كان لافتًا، خلال حملة دعم إمام أوغلو ضد الحكم الصادر، هو ما قالته أكشنار مع معانقتها له: “لقد بدأنا الآن”، ليرد عليها بالعبارة ذاتها. ثم قالت له أكشنار في خطابها أمام الحشد الجماهيري الداعم له: “لم يعد خلفك فقط 16 مليونًا في إسطنبول، بل الآن 85 مليونًا يقف معك”، في إشارة إلى عدد سكان اسطنبول، وعدد سكان تركيا.[8]
ويبدو أن كليتشدار أوغلو التقط الإشارات التي تعنيها هذه التصريحات، لذلك وبعد عودته مباشرة من ألمانيا، ذهب إلى الحشد وأكد لـ”غريمه” داخل الحزب أنه “لن يحول أحد دون أن يواصل أكرم إمام أوغلو خدمة بلدية إسطنبول”،[9] ما يؤكد تصميم كليتشدار أوغلو على إبقاء إمام أوغلو كرئيس للبلدية، وإرسال رسالة لكل من يفكر في ترشيحه، بأن حزب الشعب الجمهوري لن يقبل.
علاوة على ذلك، فقد طفت سجالات أخرى على السطح تؤكد أن الخلاف بين كليتشدار أوغلو وأكشنار مستمر، وربما يتعمق بمرور الوقت. فقد أوضح كليتشدار أوغلو في مقابلة على قناة “Halk Tv”، أنه علم بالتجمع الداعم لإمام أوغلو، من وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن الأخير ينتمي لحزبه، مضيفًا: “أكشنار لم تتصل بي”، ومؤكدًا أنه “يجب أن لا يتدخل أي حزب بالشؤون الداخلية للحزب الآخر، ولكل حزب قواعده الخاصة”.[10]
ووجه كليتشدار أوغلو دعوة لإمام أوغلو للمشاركة في اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه، وجرى تداول صورة لهما وهما يتعانقان، وقال حينها زعيم المعارضة: “أنا وأكرم إمام أوغلو مثل الأب وابنه. إنه ابني وابن حزب الشعب الجمهوري. ومن واجبي أن أقف معه”، الأمر الذي فسره البعض على أنه محاولة لتخفيف حدة الخلاف، وللتأكيد على أن إمام أوغلو ما زال ملتزمًا بقرارات وتوجهات رئيس حزبه.[11]
وعلى هذا يمكن القول، إن المعارضة وللوهلة الأولى اعتبرت الحكم سياسيًا، وفرصة سانحة للتأكيد على سرديتها في عدم التزام الحكومة بقواعد النظام الديمقراطي، لكن هذه الصورة التي بدت فيها المعارضة موحدة ويجمعها أهداف مشتركة سرعان ما تلاشت بشكل أو بآخر، مع محاولة أطراف داخل المعسكر الواحد استغلال الحدث، إما للتقدم خطوة أخرى نحو ترشيح إمام أوغلو للرئاسة، أو محاولة كبح جماح الدافعين في هذا المسار.
رد فعل الحكومة على الحكم
وفي مقابل الحشود الجماهيرية، والتصريحات المتعددة من قِبل المعارضة، اتسم رد فعل الحكومة التركية بالهدوء، إن جاز التعبير. فالتصريحات التي صدرت من المسؤولين الأتراك كانت “دبلوماسية” إلى حد بعيد. فمن جانبه، ذكر وزير العدل، عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، بكير بوزداغ، أن “السلطة القضائية تمارس من قِبل محاكم مستقلة ومحايدة نيابة عن الأمة التركية. ولا يمكن لأي جهاز أو سلطة أو سلطة أو شخص إصدار الأوامر والتعليمات أو إرسال التعاميم أو تقديم المشورة أو اقتراح”.[12]
وأضاف أن “قرار المحكمة ليس نهائيًا، والطعون والاستئناف ضد هذا القرار مفتوحة، كما أن قرارات المحاكم الابتدائية تخضع لتدقيق السلطة القضائية المنصوص عليها في قانوننا”، مؤكدًا أن “هذا القرار مفتوح أيضًا أمام محكمة الاستئناف العليا”. وكما هو واضح، فإن تصريح “بوزداغ” لم يؤيد الحكم على إمام أوغلو، كما أنه لم يعارضه أيضًا، بل ركز فقط على احترام القضاء، وعلى إمكانية الطعن قضائيًا على الحكم.
أما أردوغان، فقد استغرق الأمر عدة أيام، ليخرج بتصريح حول الحكم، قال فيه إن “كل ما يقدمه (حزب الشعب الجمهوري) هو الكذب والافتراء، والعاصفة التي تبعت قرارًا صدر من محكمة، تحمل الذهنية الفاشية ذاتها، وهذا القرار لا علاقة له بي ولا بشخصي ولا بالشعب، الموضوع يتعلق بإهانة وجهها شخص بحق القضاة، وهذا غير مرتبط بصراع فكري أو خدمي”.[13]
وأضاف: “من جهة نضحك ومن جهة نحزن، نضحك عندما نرى كلمات وادعاءات كاذبة، ونحزن عندما نرى ألاعيب صراع العرش البيزنطي تجري على حسابنا”، في إشارة إلى محاولة استغلال الحكم في الخلاف الداخلي للمعارضة حول شخصية المرشح الرئاسي. وأردف: “ما تعرف بالطاولة السداسية لم تختر مرشحًا بعد، والآن تحاول بعض الأطراف تحويل القرار القضائي لصالح المعارضة على حساب الحكومة، وهذا اسمه فاشية الحزب الواحد، ولا يمكن أن يخدعونا بهذا”.
وأضاف: “عليهم المنافسة برجولة بدلًا عن محاولة النهوض على ظهر الآخرين، ففي السابق كانوا يحاولون اجتياز الإرادة الشعبية عبر الانقلابيين والأوصياء، واليوم عبر القرار القضائي، ولكن ليس هناك قرار قضائي نهائي بعد، ستذهب المحكمة للاستئناف، وبعدها للمحكمة الإدارية العليا، وإن كان هناك خطأ في المحكمة (الأولى) يجري تصحيحه، إلا أنهم يحاولون جعلنا أداة لهذه اللعبة التي لم نكن بها ولن نكون”.[14]
وعلى هذا، يمكن القول إن أردوغان ركز على ذات الرسائل التي أعرب عنها وزير العدل، من احترام القضاء، وإمكانية الاعتراض على قراراته بالطرق التي نص عليه القانون، لكنه زاد على ذلك هجومه على ما اعتبره محاولة من المعارضة لاستغلال الحكم سياسيًا، أو ما وصفها بـ”لعبة العروش”. وقد كان من شأن تأييد أردوغان للحكم – إن حدث- أن يؤكد أنه حكم سياسي، وبذلك يصب التصريح في صالح المعارضة، أما إن اتجه أردوغان للاعتراض على الحكم، فهو بذلك يؤكد سردية المعارضة بأن الحكم غير عادل، لذلك ربما كان هذا التصريح، على تلك الشاكلة، في محله.
وقد يكون ذلك ما حدا بإمام أوغلو لانتقاد تصريحات أردوغان من قبيل أنها ليست صريحة بما فيه الكفاية. فقد قال إمام أوغلو لصحيفة “خبر تورك” إنه “يجب على الرئيس التركي التعليق على القرار بوضوح.. هل يوافق على هذا القرار أم يعارضه؟” وأضاف: “لا يستطيع أن يقول إنني لا أتحدث عن أحكام قضائية.. لأنه تحدث بأفكاره دون تردد حتى في أعلى القرارات القضائية”. وتابع: “أريد قتالًا شجاعًا.. يجب على السيد الرئيس أن يخرج ويشارك برأيه علانية. يمكنه أن يقول نعم هذا القرار صحيح، أو يقول: هذا القرار خاطئ ويجب سحبه من الاستئناف”.[15]
وكما قلنا آنفًا، فإن ما تسبب في هذا الجدل حول هذا الحكم بالأساس هو احتمالية ترشح إمام أوغلو للرئاسة، ودفع بعض أطراف المعارضة نحو ترشحه، بينما تدفع أطراف أخرى داخل حزبه في الاتجاه المعاكس، وهنا يبقى السؤال، كيف سيؤثر الحكم على مسألة ترشيح إمام أوغلو للرئاسة؟
هل يترشح إمام أوغلو للرئاسة؟
وفق الخبراء القانونيين، فإنه لا توجد أية مشكلة قانونية تمنع رئيس بلدية اسطنبول من الترشح لمنافسة الرئيس أردوغان، فالحكم بسجنه لمدة عامين و7 أشهر و15 يومًا، وحرمانه من العمل السياسي للفترة ذاتها، ما زال حُكمًا أوليًا لم يؤكد بعد. ومن طبيعة هذه القضايا في تركيا أن تستغرق شهورًا، وربما تصل لنحو سنتين، وفق بعض التقديرات. لكن ربما من المفيد هنا توضيح ما قد يحدث حال تأكيد الحكم مِن قِبل المحكمة العليا بعد ترشحه، أو بعد فوزه إن حدث.
الحالة الأولى هو فرض تأكيد الحكم على إمام أوغلو أثناء ترشحه وقبل موعد الاقتراع، فهنا يُستبعد من السباق الرئاسي؛ لأنه بذلك ممنوع من ممارسة السياسة. أما الحالة الثانية فهي فرض تأكيد الحكم بعد إعلان فوز إمام أوغلو وقبل استلام مهامه رسميًا، وهنا أيضًا سيُمنع من استلام منصب رئيس الجمهورية؛ لعلة أن الحكم يشتمل على منعه من ممارسة السياسية. بينما الحالة الثالثة تتضمّن تأكيد الحكم لكن بعد استلام إمام أوغلو منصبه كرئيس – على فرض حدوثه- وهنا لا يُنفذ الحكم لأن المسؤول بات يتمتع بحصانة فور استلامه للمنصب، تحميه من المساءلة القضائية فترة وجوده فيه.[16]
وعلى هذا، فإن ترشيح إمام أوغلو قد يكون فيه مخاطرة نسبية من طرف المعارضة؛ ذلك أنها إن أجمعت عليه كمرشح موحد لها ثم تأكد عليه الحكم، فقد تصبح بلا مرشح للرئاسة. لكن كما أسلفنا، فإن هذا الاحتمال فرصه ضئيلة، بالنظر إلى الفترة الطويلة التي تأخذها المحاكم التركية عادة في مرحلتي الاستئناف والنقض، لكنه يبقى احتمالًا على أي حال. ومن نافلة القول أن تأكيد الحكم على إمام أوغلو بشكل سريع – حال حدوثه- من شأنه أن يعطي انطباعًا أقوى لدى شرائح مختلفة من الشعب بأن الحكم يشوبه التسييس.
هذا من وجهة النظر القانونية، لكنها ليست العامل الوحيد بالتأكيد بالنسبة للمعارضة في تحديد هوية المرشح الموحد للرئاسة. فعلى الجانب السياسي، فإن الخلافات بين تحالف المعارضة تبدو مستمرة حتى الآن، وخاصة بين كليتشدار أوغلو وأكشنار.
فقد صرحت أكشنار في غير مرة أنها تؤيد ترشيح أي من “إمام أوغلو” أو “يافاش”، كما أجابت على سؤال وُجه لها حول تشريح كليتشدار أوغلو بأن المرشح الذي سيختاره تحالف المعارضة “يجب أن يكون قادرًا على الفوز”،[17] في إشارة إلى عدم ثقتها بقدرة زعيم حزب الشعب الجمهوري على هزيمة أردوغان.
أما من جانبه، يرى كليتشدار أوغلو أنه يجب الاحتفاظ برئاسة بلديتي اسطنبول وأنقرة في يد المعارضة، ما يعني استمرار “إمام أوغلو” و “يافاش” كلٌ في منصبه. هذا ما يُعلنه زعيم المعارضة، لكن ربما هناك أسبابًا شخصية، تتمثل في اقتناع كليتشدار أوغلو بأن هناك فرصة حقيقية للفوز على أردوغان هذه المرة، الشخص الذي ألحق به هزائم انتخابية متتالية منذ صعوده لرئاسة حزب الشعب الجمهوري عام 2010. لذلك، قد يجد كليتشدار أوغلو – صاحب الـ75 عامًا-في الانتخابات القادمة فرصة غير مسبوقة، وربما أخيرة، يعزز فيها من مكانته، أو بالأحرى يثأر فيها للإخفاقات السابقة، ويختم بها مشواره السياسي.
وعلى هذا، فإن كل طرف له أسبابًا أساسية ينطلق منها في رفض أو دعم ترشح إمام أوغلو للرئاسة، بعيدًا عن الحكم الأخير عليه، لكن يمكن أن يكون هذا الحكم عاملًا آخر يُستغل في هذا الخلاف ضمن العوامل الأخرى التي ذكرنا بعضها أعلاه. فمن جانب زعيمة حزب الجيد، فقد تستغل الحكم للتدليل على خوف الحزب الحاكم من ترشح إمام أوغلو للرئاسة، وإن هذا الحكم دليل على شعبيته وقدرته على تخطي الرئيس أردوغان. أما من جانب كليتشدار أوغلو، فإنه قد يحذر من المشكلة القانونية التي من المحتمل حدوثها حال تأكد الحكم على إمام أوغلو، وبالتالي يدفع في سبيل تجنب هذه المخاطرة، بالإضافة إلى أهمية التمسك بالبلديات، حسبما يُعلن.
لكن في العموم، يبدو أن الحكم القضائي الأخير لم يُرجح كفة طرف على آخر داخل تحالف المعارضة. وجدير بالذكر هنا أن الاجتماع العاشر للطاولة السداسية المعارضة، عُقد في 5 يناير/ كانون الثاني 2023، وتجاوز الـ 9 ساعات، وكانت مسألة مرشح الرئاسة مطروحة للنقاش، غير أن الطاولة لم تُعلن اسم مرشحها، واكتفت بالتأكيد على أنها ستقدم مرشحًا موحدًا.
وكان من اللافت تصريح رئيس حزب الشعب الجمهوري بـ”ألا تقلقوا بتاتًا، فإمام أوغلو سيجعل إسطنبول لؤلؤة العالم”،[18] في إشارة جديدة تؤكد تمسكه بالترشح، وتجنب ترشيح رئيس بلدية اسطنبول في الانتخابات المرتقبة.
احتمالية تقديم موعد الانتخابات
وفي ذات السياق المتعلق بالانتخابات الرئاسية، التي يصفها البعض بأنها الأهم في تاريخ الجمهورية التركية، زاد الحديث عن تقديم موعد الانتخابات، ليس بالمنظور الذي كانت تتحدث به المعارضة قبل أشهر، من إجراء انتخابات مبكرة، لكن الذي بات مطروحًا، حتى مِن قِبل الحزب الحاكم، هو تقديمها لأسابيع وربما شهرين على الأقصى؛ لأسباب مختلفة، منها ما تعلنه الإدارة التركية، وربما منها ما لا تعلنه في خطابها الإعلامي.
ففي 5 يناير/ كانون الثاني 2023، قال الرئيس أردوغان إن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا المقررة هذا العام “قد يتم تقديمه من موعده المحدد في 18 يونيو/ حزيران”، مضيفًا أن “تبكير موعد الانتخابات قليلًا قد يتم مراعاة للظروف الموسمية”.[19] ولم يُفهم على وجه التحديد المقصود بكلمة “الظروف الموسمية”، التي ذكرها الرئيس التركي، غير أن المتحدث باسم الحزب الحاكم، عمر تشليك، في تصريح سابق له، قال: “نريد إجراء الانتخابات في 18 حزيران/ يونيو، لكن بما أن هذا الموعد يتزامن مع موسم العطلة الصيفية حيث يسافر الناس، فإننا نبحث تقديم الموعد قليلًا”، ما يعني أن السبب قد يكون عطلة الصيف.[20]
لكن بدوره، يرى رئيس قناة “تي24” المعارضة، جوكتشار طهينجي أوغلو، أن هناك أسبابًا واضحة، وأخرى مستبطنة، لإعطاء حزب العدالة والتنمية الضوء الأخضر للدعوة إلى انتخابات مبكرة. الواضح منها بحسب- طهينجي أوغلو- هو خوف العدالة والتنمية من ذهاب مؤيديه إلى مواسم الحج والعمرة والعطلات، ما يجعل الانتخابات حال عقدها في شهر يونيو/ حزيران القادم محفوفة بالمخاطر حول حظوظ الحزب. فالعدالة والتنمية يريد – بحسب رئيس قناة “تي24”- أن يتوجه ناخبوه إلى صناديق الاقتراع بإقبال كبير وبدون خسارة، ولهذا السبب يعتقدون أنه سيكون من الصواب تقديم الانتخابات.[21]
بينما أثار معارضون آخرون، مسألة عدم أحقية الرئيس التركي في الترشح للانتخابات القادمة، باعتبار أنه استوفى فترتين في منصب الرئاسة وفق ما يحدده الدستور التركي. فقد انتُخب أردوغان كرئيس للجمهورية في أغسطس/ آب 2014، وكان ذلك في ظل النظام البرلماني، قبل أن يُعدل الدستور في أبريل/ نيسان 2017، ويتحول النظام السياسي في البلاد إلى الرئاسي.
ليعود أردوغان وينجح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت، في يونيو/ حزيران 2018، ويستمر في منصبه كرئيس للجمهورية، لكن هذه المرة تحت النظام الرئاسي، الذي يُعطي الرئيس سلطات أوسع. وعلى هذا، تحاول المعارضة ترويج أن أردوغان قد استوفى فترتين ولا يحق له الترشح. لكن في المقابل، أعد رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، وهو رجل قانون، ورقة بحثية حول أحقية أردوغان في الترشح للانتخابات القادمة بعد تحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
كما أن وكالة الأناضول التركية، نشرت في فبراير/ شباط 2021، تصريحات لنائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي للشؤون السياسية والقانونية، حياتي يازجي، قال فيها إن “النقاش الدائر حول أحقية أردوغان في الترشح لولاية جديدة هو “جدل مفتعل”، ولا يصح لأي شخص على دراية بالدستور والقوانين المعنية أن يشترك في جدل كهذا”. وأضاف أن “الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذي جرى في 16 أبريل/ نيسان 2017، أقر تعديلات مهمة، أبرزها التحول إلى النظام الرئاسي، وأعاد توضيح كافة القواعد المتعلقة بالترشح للانتخابات وفترات كل ولاية رئاسية”.[22]
وقد ربط البعض عزم التحالف الحاكم تقديم موعد الانتخابات قليلًا بهذا النقاش المتعلق بقانونية ترشح أردوغان، باعتبار أن هذا التقديم قد يساهم في الابتعاد عن هذا الجدل، على أساس أن أردوغان بتحريكه لموعد الانتخابات لن يكون قد أكمل فترتين رئاسيتين كاملتين، وتكون هذه نقطة جديدة تدعم قانونية ترشحه، تضاف لمسألة تغير الدستور.
وعلى أي حال، فإن قرار قبول أوراق ترشح أردوغان هو في يد اللجنة العليا للانتخابات، ولا يبدو أنه يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للتحالف الحاكم، الذي يرى أن الحديث حول هذه القضية هو “جدل مفتعل” من المعارضة، لا أساس له قانونيًا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف سيقدّم التحالف الحاكم موعد الانتخابات، وما موقف المعارضة من تقديم الموعد، وهي التي ما فتئت تطالب بانتخابات مبكرة؟
موقف المعارضة من تبكير الانتخابات
خلال عامي 2021، و2022، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في تركيا، طالبت أحزاب المعارضة مرارًا بعقد انتخابات مبكرة، مدعية أن البلاد لم تعد تحتمل الإدارة الحالية، وأنها بحاجة إلى إدارة جديدة تنقذها من تدهور الوضع. لكن الرئيس أردوغان، من جانبه، أكد في غير مرة أن عقد انتخابات مبكرة غير مطروح على الطاولة، وأن على المعارضة أن تنسى هذا المسعى، لأنه لن يتجاوب معه.[23]
والمطروح حاليًا – كما أسلفنا- ليس انتخابات مبكرة بالرؤية التي كانت تطلبها المعارضة، فلم يتبق على الموعد الرسمي سوى 6 أشهر، لكن المطروح هو تحريك الموعد قليلًا. وفي هذا السياق، أعلنت أحزاب المعارضة موقفها من تبكير الانتخابات بالصيغة التي يطرحها الرئيس التركي، في البيان الذي نشرته “طاولة الستة”، عقب اجتماعها في 5 يناير/ كانون الثاني 2023.
وقالت الطاولة في بيانها: “ندعم أي اقتراح لتقديم الانتخابات قبل تاريخ 6 أبريل/ نيسان 2023، وفق النظام الذي أجريت وفقه انتخابات 2018، ولن ندعم أي انتخابات مبكرة تجري وفق النظام المستحدث الأخير”.[24]
موقف المعارضة، وتحديدها ليوم 6 أبريل على وجه الخصوص، يعود لرغبتها في أن تُجرى الانتخابات وفق قانون الانتخابات القديم، الذي أدخلت عليه تعديلات قبل أقل من عام. ففي 6 أبريل/ نيسان 2022، نشرت الجريدة الرسمية في تركيا قانون الانتخابات الجديد، ومن المقرر دستوريًا أن يُفعّل هذا القانون بعد عام من نشره في الجريدة الرسمية، أي في 6 أبريل من العام الجاري 2023.[25]
وتشترط المعارضة للموافقة على تقديم موعد الانتخابات أن تتم قبل هذا التاريخ، لأنها تعتقد أن قانون الانتخابات الجديد يصب في صالح التحالف الحاكم. فقد تضَمّن القانون الجديد بندًا بتخفيض العتبة الانتخابية من 10 بالمئة إلى 7 بالمئة، النسبة التي من الصعب أن تصل إليها بعض الأحزاب، خصوصًا المؤسسة حديثًا، كحزبي “الديمقراطية والتقدم”، برئاسة علي باباجان، و”المستقبل” برئاسة أحمد داوود أوغلو، الحزبين اللذين خرجا من عباءة “العدالة والتنمية” الحاكم.
وبالطبع، فإن إجراء الانتخابات وفق القانون القديم، الذي يضع العتبة الانتخابية 10 بالمئة، يجب أن يكون مرفوضًا من باب أولى من قِبل هذه الأحزاب، لأنه يُصعّب عليها الدخول للبرلمان، غير أن هناك بندًا في القانون القديم كان يسمح لتلك الأحزاب الصغيرة بـ”الالتفاف” – إن جاز التعبير- على هذه العتبة الانتخابية.
إذ كان القانون القديم يسمح بأن يدخل المرشح الانتخابات على قائمة حزب معين، ثم يستقيل المرشح من الحزب الذي فاز ضمن قوائمه لينضم لآخر، دون أن تسقط عنه عضويته في البرلمان. وقد استخدمت بعض الأحزاب هذا البند بالفعل في دخول البرلمان التركي، كحزبي “السعادة” ذي التوجه الإسلامي، و”الجيد” ذي التوجه القومي، اللذين أصبح لهما تمثيلًا في مجلس الأمة، عبر ترشيح بعض أفرادهم على قوائم حزب الشعب الجمهوري.[26]
لذلك، يُعتبر هذا البند سببًا في تعزيز تحالف المعارضة، فمن جهة، كانت الأحزاب الكبيرة – كحزب الشعب الجمهوري- يستفيد من جذب الكتل التصويتية التابعة للأحزاب الصغيرة، وبالتالي تعزيز فرصه للفوز في الانتخابات، ومن جهة أخرى، كانت الأحزاب الصغيرة تستفيد من هذا البند بأنه يسمح لها بالتواجد في البرلمان في نهاية المطاف، حتى ولو كان ترشيح أعضائها في البداية كان على قوائم أحزاب أخرى.
لكن من جانبه، يعتبر التحالف الحاكم أن هذا البند يترك ثغرة للالتفاف على القانون، وقد وجه الرئيس التركي انتقادات لهذا البند، معتبرًا أنه يُستغل في “التلاعب بالسياسة”، ففي مارس/ آذار 2022، قال أردوغان: “هدفنا منع أحزاب اللافتات من التلاعب بالسياسة. حزب الشعب الجمهوري كان يتبرع ببعض الأماكن التي كان من المفترض أن يتم فيها انتخاب أعضائه لمرشحي الأحزاب الأخرى”.[27]
وعلى هذا، تحاول المعارضة استغلال سعي الرئيس التركي لتقديم موعد الانتخابات، بالاشتراط أن تُجرى قبل يوم 6 أبريل/ نيسان 2023، وبالتالي تجرى وفق قانون الانتخابات القديم؛ وذلك لتحديد الدستور التركي مدة عام قبل وضع القانون محل التنفيذ.
هل بإمكان أردوغان تقديم موعد الانتخابات؟
وضع المعارضة التركية لهذا الشرط المتعلق بتاريخ الانتخابات، ينبع من حاجة التحالف الحاكم إلى موافقة البرلمان بأغلبية 360 نائبًا من أصل 600 نائب على مقترح تبكير الانتخابات، وهذا الرقم لا تبلغه كتلة حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، وبالتالي، فهُم في حاجة إلى أصوات من المعارضة توافق على مقترحهما، حال تقديمه رسميًا في مجلس الأمة التركي.
لكن من الصعب أن يوافق التحالف الحاكم على طلب المعارضة بإجراء الانتخابات قبل يوم 6 أبريل، وأن يتخلى عن عقد الانتخابات وفق القانون الجديد، لمجرد احتياجه لتقديم الانتخابات بضعة أسابيع، خصوصًا وأن هناك طريقًا آخر يُمَكّن الرئيس التركي من تبكير موعد الانتخابات، دون اللجوء إلى موافقة البرلمان. فالدستور التركي يخول الرئيس حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا ما قد يلجأ إليه أردوغان إذا لم يمرر مجلس الأمة مقترح تبكير الانتخابات.
وحول الموعد المقترح، فقد ذكرت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، أوزليم زينغين، أن “الانتخابات ستكون بعد أبريل/ نيسان 2023 لكي تتم الاستفادة من التعديلات على قانون الانتخابات”، مضيفة أن “هناك فرق شهر فقط ما بين يونيو/ حزيران، ومايو/ أيار، وهذا لا يسمى انتخابات مبكرة”.[28]
وفي السياق نفسه، نقلت وكالة “دويتشه فيله” الألمانية، بنسختها التركية، عن مصدر في حزب العدالة والتنمية، أن أردوغان بحث مع حليفه، رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، تقديم موعد الانتخابات إلى 30 أبريل/ نيسان 2023، لافتًا إلى أن زعيم الحركة القومية لم يعترض على ذلك. وعقد أردوغان اجتماعًا مع الهيئة التنفيذية لحزبه عقب لقائه بهتشلي، وترجح أوساط داخل الحزب الحاكم أن الانتخابات قد تشهد جولة ثانية، باعتبار عدم قدرة أي من المرشحين على حسم الانتخابات من الجولة الأولى، حسب أغلب التوقعات، وأنه وفقًا للمقترح فستعقد الجولة الثانية في 14 أيار/ مايو.[29]
المحور الثاني: مستجدات الحالة الاقتصادية في تركيا
يعد الاقتصاد الملف الأبرز في الداخل التركي حاليًا، وهو العامل الأول الذي يحدد مسار التصويت في الانتخابات العامة المرتقبة، وفق كثيرين. وخلال العامين الماضيين، تعرض الاقتصاد التركي لعدة أزمات، كانت من بينها أسباب تتعلق بقرارات اقتصادية للإدارة التركية، بينما كانت هناك بعض الأسباب العالمية، والمتجاوزة للقطر التركي.
فـبالحديث عن الأحداث العالمية، كان لانتشار جائحة كورونا، منذ أواخر عام 2019، أثر سلبي على الاقتصادات العالمية، لما سببته من إغلاق عام في كثير من الدول. فالقيود الاجتماعية التي فرضتها الحكومات، ومنها الحكومة التركية، للسيطرة على انتشار الفيروس، أثرت على النمو الاقتصادي في كثير من دول العالم.
ومع انحسار موجات فيروس كورونا – بشكل أو بآخر- جاءت الحرب الروسية-الأوكرانية، في فبراير/ شباط 2022، لتشكل سببًا آخر في أزمات اقتصادية عصفت بكثير من الدول، حيث سببت الحرب ارتفاع أسعار الطاقة، والغذاء. فعلى سبيل المثال، تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم، بينما تنتج أوكرانيا 30 بالمئة من زيت عباد الشمس في العالم، و6 بالمئة من الشعير، و4 بالمئة من القمح، و3 بالمئة من الذرة.[30]
ومع صعوبة تحصيل أوكرانيا لمزروعاتها، بالإضافة إلى المشكلات التي أثيرت حول تصدريها، ومع فرض الدول الغربية عقوبات على روسيا، بات من الصعب على دول عديدة حول العالم الاستفادة من منتجات الدولتين، وعلى هذا، عانت دول عدة من أزمات اقتصادية، هذا فضلًا عن ارتفاع أسعار الطاقة، التي بارتفاعها ترتفع أسعار السلع؛ نظرًا لما يُستخدم من طاقة في إنتاج ونقل تلك السلع.
هذا بالنسبة للأسباب العالمية، أما بالنسبة للداخل التركي، فقد انتهج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سياسة يعدها الخبراء مخالفة لما استقرت عليه القواعد الاقتصادية، مفادها أن معدل التضخم المرتفع هو نتيجة أسعار الفائدة العالية، ما يخالف النظريات الاقتصادية السائدة التي ترى أن العلاقة هي عكس ذلك.
وقد أشار البعض إلى الخلفية الإسلامية للرئيس التركي باعتبارها دافعًا نحو تقليل الفائدة، لأن الربا محرم في الإسلام، لكن بالنسبة لآخرين، فإن رؤيته الاقتصادية نابعة أيضًا من خبرته كرجل اقتصاد، فهو يعتبر أن أسعار الفائدة المنخفضة ضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي واستحداث فرص العمل وجذب الاستثمارات الأجنبية، معتبرًا أن تكاليف الاقتراض المرتفعة تؤدي إلى تباطؤ العجلة الاقتصادية وارتفاع الأسعار.[31]
ذلك أن الشركات تستجيب لرفع تكلفة الاقتراض من خلال زيادة أسعار سلعها. ومن هذا المنطلق، يعتقد أردوغان أن تخفيض معدلات الفائدة سيعزّز الاستثمار والإنتاج والتوظيف، وأن ضعف الليرة سيعطي زخمًا للصادرات التركية، ويقلّص الواردات، ويقوّم العجز الحالي في الحساب الجاري، ما سيؤدي إلى خفض معدل التضخم.
وبدا الرئيس التركي مصممًا على هذه السياسية إلى حد بعيد، إذ أقال ثلاثة محافظين متتالين للبنك المركزي التركي، وفي الوقت الذي كانت فيه دول العالم ترفع نسبة الفائدة، لتجاري رفع الفائدة على الدولار الأمريكي، وبالتالي تحافظ على الأموال المودعة لديها من السفر إلى خارج البلاد، كان الرئيس التركي يصرح بـ”ألا ينتظر منه أحد خفض أسعار الفائدة”، مؤكدًا أنه يدعم خفضها حتى تصل إلى رقم فردي.[32]
بوادر نجاح خطة أردوغان
هذه “السباحة عكس التيار” – كما يمكن أن توصف- يبدو أنها في طريقها لتحقيق جزء من أهدافها. فباعتبار أن هدف الرئيس أردوغان هو خفض الفائدة، وفي نفس الوقت السيطرة على التضخم، وسعر صرف الليرة – المعادلة التي يُطلق عليها أردوغان “كسر مثلث الشر”- فلربما بات الرئيس التركي قريبًا من الوصول لتلك الصيغة.
فلا تزال قيمة الليرة التركية متماسكة – نوعًا ما- أمام سعر صرف العملات الصعبة، رغم تخفيض البنك المركزي معدل الفائدة من 14 بالمئة إلى 9 بالمئة، خلال 4 أشهر فقط، إذ يتراوح سعر صرف الدولار عند 18.6 ليرة تركية منذ ثلاثة أشهر، وزاد قليلًا خلال الأيام الأخيرة ليصل 18.7 ليرة تركية، مقابل الدولار الواحد.
كما شهدت تركيا انخفاضًا في نسب التضخم، للمرة الأولى منذ مايو/ أيار 2021، حيث أظهرت بيانات “معهد الإحصاء التركي”، أن التضخم السنوي تراجع إلى 84.39 بالمئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مقارنة بمعدل 85,51 الذي سُجّل في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.[33]
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022، أظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي أن التضخم السنوي في تركيا قد تباطأ بشكل حاد إلى 64.27 بالمئة، للشهر الثاني على التوالي، وانخفض مؤشر أسعار المنتجين المحليين 0.24 بالمئة على أساس شهري في ديسمبر/ كانون الأول مع ارتفاعه 97.72 بالمئة على أساس سنوي.[34]
ويبدو أن البنك المركزي التركي يهدف إلى استقرار سعر الفائدة عند 9 بالمئة، إذ أعلن في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022، الإبقاء على سعر الفائدة عند 9 بالمئة.[35] لذا، يمكن القول إن أردوغان حقق جزءًا من خطته الاقتصادية غير التقليدية، وهو خفض الفائدة لرقم أحادي، وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر بوادر استقرار سعر صرف الليرة، وتراجع التضخم. ويتوقع أردوغان أن ينخفض التضخم إلى حوالي 40 بالمئة في غضون أشهر عدة، وأن يصل إلى 20 بالمئة مع نهاية العام 2023.[36]
وفي هذا السياق، أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية على قدرة الاقتصاد التركي على استعادة قوته، إذ أوردت أن المستثمرين قد يعتقدون أن الاقتصاد التركي بعد عام عصيب لن يكون قادرًا على التعامل مع الصعوبات المالية في 2023، أو أن أنقرة ربما تضطر إلى إجراء تغييرات في سياساتها، “ولكن كلا الأمرين قد لا يتحققان”، مضيفة أنه “إذا استمر التحسن في أرقام التجارة، فإن نموذج الرئيس أردوغان الاقتصادي يمكن أن يخرج من هذه المرحلة بكامل عافيته”.[37]
اقتصاد الانتخابات
وبالتوازي مع الخطة الاقتصادية العامة التي ينتهجها الرئيس أردوغان، فإن هناك عدة إجراءات اقتصادية اتخذها الرئيس التركي خلال الفترة الأخيرة، والتي يمكن قراءتها في سياق الانتخابات المزمعة بعد نحو 6 أشهر، إذا لم يُقدم موعدها. فالرئيس التركي يحاول من خلال هذه الإجراءات جذب أصوات شرائح انتخابية واسعة، والتأكيد على أنه يقف بجانب الشعب، في وقت حد فيه التضخم من القدرة الشرائية لكثير من فئات الشعب التركي.
من هذه الإجراءات التي يمكن وصفها بـ”اقتصاد الانتخابات”، أعلن أردوغان، رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا إلى 8 آلاف و500 ليرة (455 دولارًا)، اعتبارًا من يناير / كانون الثاني 2023، بزيادة بنسبة 55 بالمئة عن المستوى المحدد في يوليو / تموز وبنسبة 100 بالمئة عن يناير 2022.[38] كما تم رفع أجور موظفي الدولة والمتقاعدين بنسبة 25 بالمئة، ثم عاد ورفعها إلى 30 بالمئة، تماهيًا مع مطالب شعبية.[39]
كذلك، أعلن أردوغان إلغاء فوائد القروض على مساكن الطلبة الحكومية، وديون مستحقة على الطلاب، واستفاد من القرار نحو مليون و392 ألفًا و629 طالبًا من مختلف الولايات. وقال أردوغان إنه “بهذا القرار، سيتم إزالة أعباء تزيد قيمتها على الـ26 مليار ليرة عن شبابنا”، مشيرًا إلى أن “الحكومة رفعت حجم القروض والمنح الدراسية 14 مرة في آخر 20 سنة”.[40]
وفي خطوة لافتة، أعلن الرئيس التركي عن إلغاء شرط سن التقاعد، رغم رفضه في السابق إلغاء هذا الشرط، في خطوة تسمح لـمليونين و250 ألف مواطن تركي، بالتقاعد على الفور.[41] ويعد هذا المطلب من المشاكل المزمنة من 20 عامًا، وقد وعدت المعارضة التركية بحل تلك المشكلة عند وصولها للرئاسة، لذلك، يبدو أن أردوغان قرر سحب هذه الورقة منها، خصوصًا وأن عدد المطالبين بهذا القانون لم يكن بالقليل، إذ بإمكان 2 مليون مواطن ترجيح كفة الانتخابات لصالح المرشح الذي سيدعمونه.
علاوة على ذلك، تم تثبيت 424 ألفًا من أصل 520 ألف موظف من أصحاب العقود في القطاع العام، كما نفذت الحكومة برامج دعم استهلاك الغاز الطبيعي للمواطنين، وتم تقديم 402 مليون ليرة تركية لدعم أكثر من 544 ألف أسرة. وزادت المساعدة الغذائية المقدمة للطلاب المقيمين في مساكن وزارة الشباب والرياضة.[42]
أضف إلى ذلك عزم الحكومة التركية بناء 500 ألف وحدة سكنية اجتماعية و50 ألف مكان عمل، بالإضافة إلى تقديم 250 ألف قطعة أرض صالحة للإعمار. ومن المتوقع أن يؤدي المشروع إلى زيادة عدد وحدات الإسكان الاجتماعي إلى المليونين، وسيزيد عدد الأشخاص المستفيدين من هذه الوحدات السكنية إلى أكثر من 10 ملايين.[43]
هذه الخطوات من شأنها أن ترفع أسهم الرئيس التركي في الانتخابات المقبلة، وربما حدث شيء من ذلك، باعتبار أن معظم استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022، أظهرت ارتفاعًا في نسبة التأييد الشعبي لأردوغان والحزب الحاكم، مع اختلاف مقدار نسبة الزيادة من استطلاع لآخر.[44] وعلى هذا، فإن من المتوقع أن يستمر أردوغان في الإعلان عن خطوات أخرى خلال الأشهر المقبلة وحتى الوصول إلى تاريخ الانتخابات التي توصف بـ”المصيرية”.
المحور الثالث: العلاقات التركية-السعودية
في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2022، استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالعاصمة التركية أنقرة، رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، رفقة وفد برلماني بدعوة رسمية من نظيره التركي.[45]
وقد سبقت هذه الزيارة بأيام زيارة مساعد وزير الدفاع السعودي، طلال العتيبي، في الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2022، على رأس وفد رفيع المستوى من جهات عدة، التقى خلالها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة التركية يشار جولر، وعددًا من المسؤولين الأتراك، وبحث الجانبان التعاون الدفاعي وتفعيل الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين في هذا المجال وتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة ويدعم أمن المنطقة واستقرارها، وفق وكالة الأنباء السعودية، كما زار العتيبي عددًا من المصانع والشركات التابعة لوزارة الدفاع التركية.
وفي الثامن من نفس الشهر نفسه أعلنت السعودية، أنّها ستضع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي خلال أيام. وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إنّ “هذا سيحدث قريبًا، وأنّ القرار اتخذ بين السعودية وتركيا”، مشيرًا إلى أنّ “المناقشات تدور حول التفاصيل المتبقية، وأنّ الإيداع قد يتم في غضون أيام”.[46]
هذه التقاربات الحثيثة التي طغت على علاقة الدولتين خلال هذا الشهر تبرز حالة جديدة ومتسارعة في ملف العلاقات التركية-السعودية، حيث تعد تركيا والسعودية من أكبر القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. ورغم حالة الخلاف بينهما منذ ثورات الربيع العربي – بسبب تعارض المصالح ووجهات النظر المتباينة حيال العديد من القضايا والملفات- إلا أنه يبدو أن الوقت قد حان – في نظر قيادتي البلدين- لاحتواء هذه الخلافات، وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بين البلدين.
وقد حمل شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022 تطورًا على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري بين الدولتين، مما يشير إلى نمو العلاقات، التي ظلت تضعف في العشر سنوات الأخيرة حتى وصلت إلى ذروة ضعفها في عامي 2018 و 2019. ونحاول في هذا المحور الإجابة على مجموعة من الأسئلة حول أسباب توتر العلاقات بين البلدين، وأسباب التقارب والنمو، ومصير هذه العلاقات في المستقبل.
أسباب توتر العلاقات التركية-السعودية
مدخل تاريخي
ربما لم يستطع السعوديون نسيان التاريخ القديم مع الأتراك، فنظرة النظام الحاكم إلى أنقرة غالبًا ما تحمل في طياتها إرث الماضي القديم، وكثيرًا ما يظهر على لسان الإعلاميين والساسة السعوديين انتقادات لاذعة لما يصفونه بـ”العثمانية الجديدة”، وهي السياسة التي يرونها تستدعي العثمانية القديمة التي ما قامت دولة آل سعود إلا على أنقاضها. فمع محاولات آل سعود لبناء دولتهم بالتحالف مع الداعية “محمد بن عبد الوهاب”، اتهم الأخير العثمانيين بالابتداع في الدين بسبب اعتناقهم التصوف وتوقير الأضرحة.
وكانت الدولة العثمانية غريمًا رئيسيًا للأسرة السعودية، إذ قضت على عاصمة دولتهم الأولى في الدرعية عام 1812، بعد أن أرسلت حلفائها في مصر، بجيش يقوده إبراهيم باشا، لسحق دولتهم الناشئة واقتياد عبد الله بن سعود، آخر ملوك الدولة السعودية الأولى، إلى إسطنبول، حيث تم إعدامه علنًا أمام مسجد أيا صوفيا الشهير في قلب عاصمة الخلافة العثمانية.[47]
حاول آل سعود بناء دولتهم الثانية بعد ذلك بأعوام، ليقوم الأتراك بدعم قبيلة آل رشيد المنافسة لآل سعود، وتولى آل رشيد بدورهم مهمة الإطاحة بالدولة السعودية الثانية عام 1891.
وبحلول الحرب العالمية الأولى، كان عبد العزيز بن سعود، وريث أسرة آل سعود ووالد العاهل السعودي الحالي سلمان، يقاتل من جديد ضد الأتراك بدعم من البريطانيين، حيث ساهم في طرد العثمانيين من الجزيرة العربية نهائيًا، وبحلول عام 1924 كانت الخلافة العثمانية قد انهارت، وبعد ذلك بثمانية أعوام تأسست دولة آل سعود الثالثة رسميًا عام 1932.[48]
عشرية التنافس
بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1924، سيطر التيار العلماني على مقاليد الحكم في تركيا وولى ظهره تمامًا للشرق الإسلامي مستعيضًا عن ذلك بالغرب، وظلت هناك شبه قطيعة بين الرياض وأنقرة تخللتها بعض التقاربات أثناء صعود الأحزاب الإسلامية في تركيا، ووصلت هذه التقاربات إلى ذروتها بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، إذ زادت الزيارات المتبادلة وحجم التبادل التجاري والسياحة، وظلت العلاقات في نموها حتى اندلاع ثورات الربيع العربي.
وإزاء تلك الهبات الشعبية، تبنت كل دولة مسارًا متعارضًا مع الأخرى، ففي حين دعمت تركيا الثورات العربية وصعود التيار الإسلامي لاعتبارات عدة، وقفت السعودية لهذا النهج بالمرصاد، مُحاولةً إجهاض هذه الثورات، ومستعينة على ذلك بقوتها الاقتصادية والمالية الهائلة؛ إذ اعتبرت أن نجاح هذه الثورات وصعود التيار الإسلامي تهديدًا مباشرًا لنظامها الحاكم، وتقويضًا لنفوذها في المنطقة.
ومنذ هذه اللحظة تمر العلاقات بين البلدين خلال عشرة سنوات بتحولات دراماتيكية متعددة. ورغم وجهات النظر المتباينة حول الربيع العربي بشكل عام، إلا أن البلدين اتخذا موقفًا واحدًا تجاه الأزمة السورية في بداياتها، حيث أيدا إسقاط نظام بشار الأسد. ولكن سرعان ما اتسعت هوة الاختلافات بينهما، ففي عام 2013، حدث الانقلاب العسكري في مصر، ودعمت السعودية الانقلاب بقوة، وصنفت جماعة “الإخوان المسلمين” كجماعة إرهابية. في حين عارضت تركيا الانقلاب وفتحت أبوابها لمعارضيه والمتضررين منه.
وعندما تولى الملك سلمان الحكم عام 2015، نشأت علاقة بدت حينها متميزة بينه وبين الرئيس أردوغان، وكان لهذه العلاقة دور مهم في دفع البلدين إلى تبني مقاربات متشابهة في قضايا إقليمية رئيسية كملف اليمن والدور الإيراني في المنطقة. فبعد إطلاق السعودية عملية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن، في مارس/ آذار من العام نفسه، أبدت تركيا دعمها للعملية وانتقدت بشدة الدور الإيراني في الإقليم. وبعد ذلك بأشهر، استقبل أردوغان الملك سلمان في أنقرة ومنحه وسام الجمهورية، ووصفه بأنه ضمانة للاستقرار والأمن في المنطقة.[49]
ليأتي بعد ذلك الانقلاب العسكري التركي الفاشل عام 2016 ويفتح صفحة جديدة من الريبة والقلق في العلاقات، حيث تأخرت السعودية في التعبير عن موقفها من الانقلاب العسكري وانتظرت طويلًا حتى خرج بيان داعم لحكومة أنقرة لم يحمل اسم أي مسئول رفيع المستوى داخل المملكة، ولكن الموقف الإعلامي السعودي بدا أكثر دعمًا للانقلاب، وفي مقدمة الموقف الإعلامي كانت قناة “العربية” السعودية، التي استضافت فتح الله كولن، المتهم الأول في عملية الانقلاب الفاشلة.
ورغم ذلك، امتنعت تركيا عن تبني خطاب هجومي على السعودية، وإن كانت تبنته ضد الإمارات، متهمة إياها بدفع ثلاثة مليارات دولار لدعم الانقلاب العسكري الفاشل.[50] ثم أتى عام 2017 لتقود السعودية تحالفها مع مصر والإمارات لفرض حصار على قطر، لتتحرك تركيا وتقدم كافة أشكال الدعم إلى قطر، ليس فقط من خلال إنشاء جسر جوي مفتوح لتزويد قطر بالبضائع، ولكن أيضًا من خلال تفعيل اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية تركية على أراضي قطر، كانت قد أبرمت عام 2014.
وأرسلت أنقرة إلى الدوحة 5000 جندي تركي لمنع أية مغامرة عسكرية تجاه قطر، وبالتالي ساهمت في إفشال الحصار. ليس هذا فحسب بل سعت تركيا الى استغلال التخوفات التي أحدثها الحصار على جيران السعودية وفتحت معهم علاقات تعاون عسكرية، مثل سلطنة عمان والكويت والأردن التي كانت مناطق نفوذ خالصة للسعودية.[51]
وفي عام 2018، اتهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تركيا بأنها أحد أضلاع “ثالوث الشر” في المنطقة جامعًا إياها مع إيران والجماعات الإسلامية. وفي نفس العام، وقعت جريمة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده باسطنبول، وإزاء ذلك، لم تتحاشى تركيا أن توجه سهامها إلى ولي العهد السعودي على وجه الخصوص، وتسببت بما كشفته من تفاصيل للجريمة في حشد ضغط دولي وحقوقي وإعلامي كبير، مستغلة الأداء الدبلوماسي السعودي “الهزيل”، والأخطاء الفادحة التي ارتكبها منفذو العملية السعوديون.[52]
هذه الأدلة التي كشفتها الأجهزة الأمنية التركية – التي احتوت مقاطع فيديو لتحركات منفذي جريمة القتل وصلاتهم بابن سلمان- وضعت الرياض بصفة عامة وولي العهد السعودي بصفة خاصة في حرج شديد، و عرّضت أنقرة لانتقادات حادة من الإعلام السعودي، ثم نتج عن هذا الاحتقان المقاطعة السعودية غير الرسمية للبضائع التركية، وإيقاف الرحلات الجوية إلى تركيا بحجة اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة جائحة كورونا.
ويمكن القول إن هذه العشرية – التي بدأت بثورات الربيع العربي- اتسمت بغياب العوامل المساعدة على ترميم العلاقات بين البلدين، وربما يعود ذلك إلى تطلعات كل من الدولتين للعب دور إقليمي أكبر، وإصرار السعودية على مجابهة تركيا بتحالف مع الإمارات ومصر، بالإضافة إلى الدور السلبي الذي لعبته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في تأجيج الخلافات بين الأطراف وتعميق الأزمة الخليجية.
أسباب و دوافع التقارب
خطوات متلاحقة نحو التقارب
التحولات الدراماتيكية التي ظهرت في المنطقة مطلع العام 2021، جعلت الفرصة سانحة لخلق مسار جديد في العلاقات التركية-العربية، بعد ما يقرب من عقد من التنافس الحاد على إعادة تشكيل الوضع الإقليمي. ففي مايو/ أيار 2021، دخلت أنقرة في مفاوضات لإصلاح العلاقات مع مصر، أعقبها إبرام مصالحة مع الإمارات تُوجت بزيارة ولي عهد أبو ظبي حينها ورئيس الإمارات الحالي، محمد بن زايد، إلى أنقرة نهاية عام 2021.
وفي يوم 28 أبريل/ نيسان 2022، أجرى أردوغان زيارة إلى السعودية فتحت آفاقًا جديدة في علاقات البلدين. وقبل الزيارة بأسابيع، أوقفت محكمة تركية الإجراءات القانونية ضد 26 سعوديًا يشتبه بتورطهم في قتل خاشقجي، وأحالت القضية إلى القضاء السعودي. ويُعتقد على نطاق واسع أن هذه الخطوة كانت شرطًا سعوديًا أساسيًا للبدء في إصلاح العلاقات. وفي 22 يونيو/ حزيران 2022 رد ابن سلمان الزيارة إلى تركيا،[53] والتقى الرئيس أردوغان في أنقرة، ثم تبعها زيارة من رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، وزيارة لمساعد وزير الدفاع السعودي إلى أنقرة.[54]
تغيرات إقليمية ودولية
ومن الواضح أن الأوضاع العالمية بعد هذه السنوات العشر قد تغيرت، ما جعل هناك ضرورة ملحة لاستئناف التعاون بين الدولتين وذلك لأسباب محلية إقليمية ودولية.
- الأسباب المحلية
بالنسبة لأنقرة فإن تدهور الوضع الاقتصادي، وفقدان الليرة التركية لنحو 70 بالمئة من قيمتها، والتضخم الذي تجاوز في بعض القطاعات حاجز الـ 85 بالمئة، وانكماش القطاع الصناعي بنسبة 30 بالمئة، وقطاع الملابس والمنسوجات 60 بالمئة، ناهيك عن ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستيراد بسبب تراجع قيمة العملة،[55] كل ذلك أتى في وقت تقترب فيه البلاد من انتخابات حاسمة ستتوقف نتائجها – إلى حد بعيد- على الرضا الشعبي عن الأداء الاقتصادي للرئيس. وهنا وجدت تركيا – كدولة صناعية- في السوق السعودي فرصة لزيادة صادراتها، وجلب مزيد من الاستثمارات السعودية.
أما المملكة، فهي في حاجة ملحة لعودتها إلى خانة الأمان الاقتصادي، حيث صرح صندوق النقد الدولي أنه بحلول عام 2035 سوف تندثر أموال السعودية وينهار اقتصادها إن لم تتخذ إجراءات اقتصادية حاسمة. وتعود أسباب التراجع النسبي للاقتصاد السعودي إلى جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، وحرب اليمن، التي تضع المملكة تحت وضع مأزوم من ناحية الكلفة.
فوفقًا لبعض التقارير الغربية، فإن تكلف حرب السعودية في اليمن أكثر من 150 مليون دولار يوميًا، وتذهب تقديرات إلى أن السعودية تكبدت ما يزيد عن 100 مليار دولار بسبب حرب اليمن.[56] لذا فإن الرياض تحاول تخفيف التوترات وإنهاء الأزمات الأمنية والاقتصادية. حتى إن المملكة اضطرت إلى اللجوء للاحتياطي النقدي واتخذت إجراءات تقشفية وصفتها بـ”المؤلمة”. وتسعى المملكة لتحويل اقتصادها من اقتصاد ريعي قائم على النفط، إلى اقتصاد غير نفطي من خلال رؤية 2030، ومشروع نيوم. ومن نافلة القول أن ذلك يحتاج إلى استقرار سياسي وعسكري؛ لذا فإن الرياض تحاول تحقيق ذلك عن طريق سياسة تخفيف التوترات وتقليل انخراطها في أزمات المنطقة.
كما أن السنوات الأخيرة أظهرت ابتزازًا أمريكيًا للمملكة، مقابل تقديم خدمات واشنطن العسكرية لها، وعلى هذا فإن التعاون مع تركيا قد يوفر للمملكة جزءًا من ترسانتها العسكرية اللازمة لتأمينها، خصوصًا وأن الصناعات العسكرية التركية قد ذاع صيتها خلال السنوات الأخيرة، من ذلك مسيرات بيرقدار التي كان لها دور حاسم في كثير من المعارك، في ليبيا وأذربيجان وسوريا والعراق وأوكرانيا.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبحث المملكة عن شريك اقتصادي يمكنه استيعاب الاستثمارات السعودية بشكل آمن. وبالفعل، فإن هناك مساعي لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، والذي يعد الأضخم بين الدول الإسلامية حيث بلغ 5.65 مليار دولار في عام 2016، ببلوغ الصادرات التركية للمملكة 3.2 مليار دولار وصادرات المملكة لتركيا 2.5 مليار دولار.[57]
- الأسباب الإقليمية
ربما أصبحت تركيا الآن، أكثر من أي وقت مضى، على استعداد لإعادة تقييم سياساتها فيما يخص مناصرة ثورات الربيع العربي، على حساب علاقاتها بدول الإقليم، حيث إن جذورة الثورات قد تراجعت، وبات من الصعب المراهنة عليها، وفق الرؤية التركية الجديدة للمنطقة.
ومن ناحية أخرى، فإن صراع تركيا مع اليونان، فيما يخص ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط تحتاج فيه أنقرة إلى القاهرة التي تربطها بالسعودية علاقات جيدة، لذا من الممكن أن تستغل تركيا علاقة الرياض بالقاهرة لتسريع وتيرة تقاربها مع مصر، الأمر الذي يقوي من موقفها في شرق المتوسط. كما أنه في عدة مواقف بدت السعودية أقرب إلى الغريم اليوناني، وقد ظهر ذلك مثلًا في إجراء المملكة مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان، قرب الحدود التركية، في مارس/ آذار 2021.[58] لذلك، فإن تحييد السعودية نفسها في الخلاف التركي-اليوناني هو هدف سعت إليه أنقرة عبر التقارب الأخير.
ويأتي ثالثًا الموقف من إيران وبرنامجها النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، حيث تخشى أنقرة والرياض من تساهل الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس جو بايدن، مع الملف النووي الإيراني، هذه السياسة التي قد تمكّن طهران من تقديم دعم أكبر للمليشيات والحركات الموالية لها في سوريا والعراق واليمن،[59] مما سيخل بالتوازنات في المنطقة. وفي هذا السياق، يعد التحالف مع قوى عسكرية سنية – كتركيا- مصلحة سعودية، يجنبها حدوث مفاجآت مشابهة لما جرى في العام 2011، حين قررت واشنطن الانسحاب من العراق، فاتحة الباب على مصراعيه للتوغل الإيراني في المنطقة.
- الأسباب الدولية
خلال السنوات الماضية، وخاصة منذ الانقلاب التركي الفاشل عام 2016، تمر تركيا بالعديد من الأزمات السياسية مع الغرب، سواء دول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. ويعود ذلك لجملة أسباب، قد يكون أهمها أو الرابط بينها هو ازدياد الدور الإقليمي والدولي لتركيا، فلم يعد الغرب وحده بالنسبة لتركيا هو المستقبل، إذ تحاول أنقرة البحث عن شركاء وتحالفات أخرى، خاصة في منطقة آسيا والشرق الأوسط، وربما هذا أحد الأسباب التي دفعت بتركيا لتحسين علاقاتها مع السعودية، ودول عربية أخرى كمصر والإمارات.
ومن جانبها، تحمل السعودية شعورًا متزايدًا بعدم الثقة تجاه الإدارة الأمريكية بعد سعيها لتقليل الانخراط في قضايا الشرق الأوسط والتركيز على روسيا والصين، واستئناف العلاقات مع إيران، والانسحاب “الفوضوي” من أفغانستان. وفي السياق ذاته، أتت إدارة بايدن على فتح ملفات شائكة تستهدف فيها المملكة، مثل مقتل خاشقجي وملف السعودية الحقوقي، لذلك، كان أحد دوافع المملكة للتقارب مع تركيا هو البحث عن شركاء أقوياء، حتى تتمكن من الوقوف في وجه الابتزاز الأمريكي.
مستقبل العلاقات بين البلدين
يبدو أن التقارب بين البلدين لا ينبع من رغبة حقيقية يؤمن بها الطرفان ويسعيان إليها بقدر ما يحكمها عوامل دولية وإقليمية تحتم على كليهما تحديد شكل العلاقة. وبالتالي، فإنه بالنظر لتطورات الأوضاع الدولية والإقليمية، فقد تقلصت أسباب الخلاف بين البلدين، كما ازدادت رقعة التوافق، بقدر لم تشهده المنطقة عمومًا منذ سنوات مما ينذر بنمو في علاقات الجانبين على المدى القريب.
ولكن على المدى البعيد، وإن كان الطرفان يحاولان تجاوز الأزمة الخلافية بينهما، إلا أنه لا يزال كل طرف يحافظ على توجهاته الاستراتيجية في المنطقة، لذا فإن التخفيف من حدة التوتر لا تعني انتهائه، فالملفات الشائكة والتي كانت سببًا للخلاف لا زالت قائمة، وإذا استثنينا أزمتي خاشقجي وحصار قطر، فإن الملفات الأخرى -كدعم تركيا لخيارات الشعوب-وبرغم تراجعها في الوقت الحالي، إلا أنها قد تعود للواجهة حال حدوث أية تطورات، وعلى هذا لا يمكن وصف العلاقات التركية-السعودية حاليًا بأنها “تحالف استراتيجي”، لكنها تقارب مصلحي، قد يكتب له الاستمرار، إذا لم تحدث تطورات كبيرة في المنطقة.
المصادر
[1] BBC عربي، أكرم إمام أوغلو: حكم بسجن عمدة إسطنبول المعارض الأبرز لرجب طيب أردوغان، 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[2] تلفزيون سوريا، إمام أوغلو مهدد بالسجن والإيقاف عن ممارسة العمل السياسي بقرار قضائي.. ما القصة؟، 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[3] جريدة الشرق الأوسط، الادعاء العام التركي يطعن على حكم سجن إمام أوغلو لأخطاء في الإجراءات، 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[4] صحيفة الفجر، المعارضة التركية تستنكر قرار سجن رئيس بلدية اسطنبول.. تفاصيل، 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[5] الحرة، المعارضة “تحتشد” بعد حكم إمام أوغلو.. ومحللون يناقشون “السيناريوهات” المقبلة، 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[6] يني شفق، ما سبب هذه السعادة.. عناق إمام أوغلو-أكشنار يثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، 16 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[7] قناة الحوار، الحظر السياسي على إمام أوغلو.. ما انعكاساته على المعارضة التركية؟، 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[8] عربي 21، “إمام أوغلو” يعمق الصدع بين المعارضة التركية.. و3 رسائل من أردوغان، 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[9] الصحفي التركي إسماعيل ياشا، كليتشدار أوغلو: “لن يحول أحد دون أن يواصل أكرم إمام أوغلو خدمة بلدية إسطنبول”، 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[10] ديلي صباح، أين هي المعارضة التركية من الاتفاق على مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟، 21 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[11] يني شفق، بعناق على طريقة أكشنار.. كليجدار أوغلو يحاول تخفيف حدة الخلافات وردود الفعل الغاضبة مستمرة، 21 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[12] تركيا الآن، وزير العدل التركي يعلق على الحكم ضد إمام أوغلو، 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[13] العربي الجديد، أردوغان: لا علاقة لنا بالقرار القضائي بحق إمام أوغلو، 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[14] المصدر نفسه
[15] عربي 21، إمام أوغلو يرفض موقف أردوغان حول قرار سجنه.. أريد “قتالا شجاعا”، 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[16] قناة مسك الفضائية، هل تغيرت الخارطة الانتخابية بعد قضية أكرم إمام أوغلو؟ في حلقة اليوم من شؤون تركية، 19 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[17] مركز المسار للدراسات الإنسانية، ملفات تركية – أغسطس/ سبتمبر 2022، 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[18] أخبار تركيا، كمال كيليتشدار أوغلو: لا تقلقوا بتاتا، فإمام أوغلو سيجعل إسطنبول لؤلؤة العالم، 6 يناير/ كانون الثاني 2023
[19] صحيفة سبق، الرئيس التركي يلوح بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية عن 18 يونيو، 5 يناير/ كانون الثاني 2023
[20] نيو ترك بوست، أردوغان يبحث تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، 4 يناير/ كانون الثاني 2023
[21] عربي بوست، لماذا يتجه “العدالة والتنمية” لتقديم موعد الانتخابات في تركيا؟ جدل بين الحكومة والمعارضة حول الموعد، 5 يناير/ كانون الثاني 2023
[22] المصدر نفسه
[23] الحرة، الانتخابات المبكرة في تركيا.. إصرار المعارضة يواجه “رفض إردوغان”، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021
[24] أنباء تركيا، بيان قادة تحالف المعارضة السداسي بعد اجتماعهم، 5 يناير/ كانون الثاني 2023
[25] عربي بوست، لماذا يتجه “العدالة والتنمية” لتقديم موعد الانتخابات في تركيا؟ جدل بين الحكومة والمعارضة حول الموعد، 5 يناير/ كانون الثاني 2023
[26] الحرة، تركيا.. مشروع قانون انتخابات جديد “يغير قواعد اللعبة”، 17 مارس/ آذار 2022
[27] المصدر نفسه
[28] عربي 21، الحزب الحاكم في تركيا يدرس تقديم موعد الانتخابات لهذا السبب، 2 يناير/ كانون الثاني 2023
[29] المصدر نفسه
[30] الجزيرة نت، 4 طرق تدمر بها الحرب الروسية على أوكرانيا الاقتصاد العالمي، 25 مايو/ أيار 2022
[31] مركز كارنيغي للشرق الأوسط، لماذا قرّر الرئيس التركي خفض معدّلات الفائدة، متسبّبًا بزيادة التضخم وتراجع قيمة الليرة؟، 2 ديسمبر/ كانون الأول 2021
[32] يورو نيوز، إردوغان: تركيا ستواصل خفض أسعار الفائدة ما دمت في السلطة، 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[33] عربي 21، ما سر صمود سعر الصرف في تركيا رغم خفض الفائدة لخانة الآحاد؟، 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[34] الشرق الأوسط، تركيا تعلن تراجع التضخم السنوي بأكثر من 20%، 4 يناير/ كانون الثاني 2023
[35] الأناضول، “المركزي التركي” يبقي على سعر الفائدة عند 9 في المئة، 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[36] سكاي نيوز عربية، أردوغان يتوقع تراجع التضخم التركي إلى 20 بالمئة في 2023، 13 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[37] WSJ, Turkey’s Unsustainable Economic Model May Be Sustained for Quite a While, Dec. 13, 2022
[38] الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية التركية، الرئيس أردوغان يعلن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 8 آلاف و500 ليرة، 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[39] الأناضول، أردوغان: تعديل زيادة رواتب الموظفين من 25 إلى 30 بالمئة، 4 يناير/ كانون الثاني 2023
[40] وكالة أنباء تركيا، تركيا.. أكبر أحزاب المعارضة يشيد بأحد قرارات أردوغان اليوم، 18 يوليو/ تموز 2022
[41] ديلي صباح، تركيا تلغي شرط سن التقاعد للموظفين والعمال، 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[42] عربي 21، قرارات اقتصادية ومشاريع كبرى بتركيا تسبق انتخابات مصيرية.. هذه أبرزها، 3 يناير/ كانون الثاني 2023
[43] ترك برس، الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد.. قراءة في انعكاسات مشروع الإسكان على الاقتصاد التركي، 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[44] عربي 21، تباين باستطلاعات الرأي في تركيا بعد “الحظر السياسي” لإمام أوغلو، 4 يناير/ كانون الثاني 2023
[45] الشرق الأوسط، إردوغان يؤكد عمق العلاقات مع السعودية والتطلّع لتعزيزها، 27 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[46] الميادين، السعودية ستضع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، 8 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[47] ميدان، مواجهة في الرمال.. هكذا وأد المصريون دولة السعوديين الأولى، 8 سبتمبر/ أيلول 2018
[48] ميدان، أكبر من خاشقجي.. هذه قصة التنافس التركي السعودي على الشرق الأوسط، 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018
[49] الجزيرة نت، المصالحة التركية السعودية وتأثيراتها الإقليمية، 7 مايو/ أيار 2022
[50] الشروق، الإمارات دعمت انقلاب تركيا بثلاثة مليارات دولار، 13 يونيو/ حزيران 2017
[51] الجزيرة نت، تركيا في صلب حسابات الحصار على قطر، 14 يونيو/ حزيران 2017
[52] فرانس 24، تلفزيون تركي ينشر مشاهد فيديو من كاميرا المراقبة في قضية خاشفجي، 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2018
[53] BBC، زيارة محمد بن سلمان إلى تركيا: ولي العهد السعودي في أنقرة للمرة الأولى منذ اغتيال خاشقجي، 22 يونيو/ حزيران 2022
[54] TRT عربي، رئيس مجلس الشورى ومساعد وزير الدفاع السعوديان يزوران تركيا، 25 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[55] مركز البيان للدراسات والتخطيط، مستقبل العلاقات التركية – السعودية، 8 مايو/ أيار 2022
[56] RT، تقرير: حرب اليمن باهظة جدا على السعودية وزهيدة للغاية على إيران!، 17 سبتمبر/ أيلول 2018
[57] مركز البيان للدراسات والتخطيط، مستقبل العلاقات التركية – السعودية، 8 مايو/ أيار 2022
[58] RT، وزير الدفاع التركي: لا قيمة لمناورات اليونان والسعودية أمام قدرات تركيا العسكرية، 15 مارس/ آذار 2021
[59] اندبندنت عربية، السعودية وتركيا: أعباء الماضي لا تلغي فرص المستقبل، 22 يونيو/ حزيران 2022