المحتويات
المحور الأول: مذكرة تفاهم جديدة مع ليبيا
- بنود مذكرة التفاهم
- ردود الفعل عليها
- دوافع تركيا لتوقيع الاتفاق
- دوافع ليبيا لتوقيع الاتفاق
- دلالات توقيع الاتفاق
المحور الثاني: مستجدات مسار التقارب التركي-المصري
- رد فعل الطرفين على مذكرة التفاهم
المحور الثالث: تطورات العلاقات التركية-الأمريكية
- التأثيرات الدافعة لتقدم العلاقات التركية-الأمريكية
- التأثيرات الدافعة لتراجع العلاقات التركية-الأمريكية
- إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟
المحور الرابع: مستجدات الانتخابات الرئاسية
- جدل حول قانون حماية ارتداء الحجاب
- زيارة كليتشدار أوغلو للولايات المتحدة
مقدمة
اتخذت القيادة التركية خطوة لافتة خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بتوقيعها مذكرة تفاهم مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية في مجال التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية شرقي البحر المتوسط. وفي هذا السياق نستعرض، بنود مذكرة التفاهم، وردود الفعل عليها من داخل وخارج ليبيا، ودوافع كل من أنقرة وطرابلس لتوقيع الاتفاق، كما نستخلص بعض الدلالات من توقيع مذكرة التفاهم.
كذلك، نشير في هذا السياق إلى مسار تطبيع العلاقات التركية-المصرية، إذ أوضحت البيانات الصادرة عن الجانبين بعد توقيع مذكرة التفاهم أن هناك اتفاقًا بينهما على التهدئة الإعلامية، وعدم إصدار تصريحات ناقدة للطرف الآخر.
علاوة على ذلك، فإننا نستعرض مستجدات العلاقات التركية-الأمريكية، وفي هذا نبرز دوافع تقدم العلاقات بين الجانبين، كما نشير إلى المشكلات التي تعترض العلاقات في الوقت الراهن. وأخيرًا، نحاول استشراف مستقبل علاقات أنقرة بواشنطن.
وفي الداخل التركي، نناقش مستجدات الانتخابات الرئاسية المرتقبة، إذ اُعلن رسميًا عن موعدها، وحتى الآن لم تعلن المعارضة مرشحها بعد. لكن رغم ذلك، دار سجال –وما زال- حول حرية ارتداء الحجاب، حاول الحزب الحاكم استغلاله لصالحه. علاوة على ذلك، زار المرشح المحتمل، زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، الولايات المتحدة، وصاحب تلك الزيارة علامات استفهام عديدة، نستعرضها في عددنا لهذا الشهر.
المحور الأول: مذكرة تفاهم جديدة مع ليبيا
في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وصل وفد تركي رفيع إلى العاصمة الليبية، طرابلس، في زيارة رسمية استغرقت يومًا واحدًا. وضم الوفد، وزراء الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والتجارة محمد موش، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، ومتحدث الرئاسة السفير إبراهيم قالن، وفقًا لبيان الخارجية التركية.[1]
اجتمع المسؤولون الأتراك بنظرائهم من حكومة الوحدة الوطنية الليبية – التي ما زالت تحظى باعتراف دولي. وكان على رأسهم رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، وحضر أيضًا وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ووزير النفط والغاز المكلف محمد الحويج، ووزيري الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي، ولشؤون مجلس الوزراء ورئيس الحكومة عادل جمعة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس الأركان العامة محمد الحداد.[2]
الزيارة المفاجئة كان هدفها واضحًا ومحددًا مسبقًا، وهو توقيع عدة مذكرات تفاهم بين البلدين، أهمها تلك التي تخص مجال الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي). فبموجب هذا الاتفاق، سوف تتعاون الشركات التركية مع الجانب الليبي في التنقيب بالمناطق الاقتصادية التابعة لليبيا، التي حددها اتفاق ترسيم الحدود البحرية، الموقع بين الطرفين في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.[3]
في هذا السياق، لم تُنشر تفاصيل مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية، لكن الموقع الرسمي للتلفزيون الحكومي التركي “تي آر تي (TRT)” ذكر أن “مذكرة التفاهم المتعلقة بالمواد الهيدروكربونية لها تأثير كبير”، وأنه “وعلى الرغم من عدم الإعلان عن جميع التفاصيل حتى الآن، إلا أن الشركات التركية والليبية ستتمكن من العمل معًا في المناطق الغنية باحتياطات النفط والغاز الطبيعي”. وأضاف الموقع الحكومي التركي أن الاتفاقية “تسمح لشركات البلدين بإجراء البحوث السيزمية والحفر”، ليس فقط في البحر، بل في البر الليبي.[4]
علاوة على ذلك، قال المتحدث باسم حكومة الوحدة، محمد حمودة، لقناة “فبراير” المحلية إن “المذكرة تنص على تبادل الخبرات والمعلومات، والتعاون في مختلف النواحي القانونية والفنية والعلمية، وتنظيم الندوات والمؤتمرات المشتركة وتشجيع الشراكة بين القطاع الخاص والعام، وتشجيع الشركات بين الجانبين لزيادة فرص الاستثمار والاكتشاف والتنقيب، وكذلك بيع الغاز والنفط”.[5]
كما وقع الطرفان مذكرات تفاهم أخرى في اليوم نفسه، اشتملت على مجالات البروتوكول والاتصالات والإعلام والتدريب الأمني.[6] لكن كما أسلفنا، فإن اتفاق التنقيب عن النفط والغاز كان الأبرز.
وحيث إن مذكرة التفاهم هذه بُنيت على مذكرة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا الموقعة في 2019، فإنها أثارت ردود أفعال كبيرة، عكست ما كان جاريًا حينها من اصطفافات في المنطقة، بشكل أو بآخر. فقد صدرت عدة بيانات تنتقد مذكرة التفاهم الجديدة؛ ولاعتبارات قريبة من تلك التي كانت موجودة قبل نحو 3 سنوات.
ردود الفعل على الاتفاقية
عند توقيع اتفاقية تحديد الجرف القاري لكلا الدولتين عام 2019، كان الاعتراض الأساسي عليها صادرًا من اليونان، الخصم الرئيسي لتركيا فيما يخص الحدود البحرية في بحري المتوسط وإيجة، وتحركت اليونان حينها لعقد اتفاقية ترسيم للحدود البحرية مع مصر، في مقابل الاتفاقية التركية مع حكومة الوفاق، المعترف بها دوليًا في حينه.
وكانت مصر أحد المعترضين أيضًا على تلك الاتفاقية، وإن كانت دوافعها مختلفة عن دوافع اليونان. فرغم أن الاتفاقية التركية-الليبية لا تضر مصر، باعتراف وزير خارجية النظام المصري، سامح شكري،[7] إلا أن مصر اعترضت عليها من باب المناكفة مع تركيا –التي تجمعها بها علاقات متوترة منذ 2013- والاصطفاف مع اليونان، هذا فضلًا عن أن الاتفاقية البحرية صحبتها اتفاقية أمنية أخرى، تمكنت بموجبها أنقرة من دعم حكومة الوفاق، التي كانت القاهرة تعارضها، بل وتدعم خصمها، خليفة حفتر.
كذلك، كان الاتحاد الأوروبي أيضًا أحد الجهات التي اعترضت على الاتفاقية، وتمكنت اليونان – بمساعدة فرنسا- من حشد دول من الاتحاد لدعم أثينا، عبر الضغط على تركيا بطرق عدة، منها التلويح بالعقوبات.[8] وأخيرًا، كان حفتر أحد من عارض اتفاقية 2019، من باب أنها وُقعت مع حكومة غير شرعية –وفق زعمه- هذا فضلًا عن أن الدعم التركي ساهم في دحر قوات حفتر، وإخراجها من كامل الغرب الليبي، بعد أن كانت قواتها، الساعية إلى إسقاط حكومة الوفاق، على أبواب طرابلس.
وبالنظر إلى الجهات التي اعترضت على اتفاقية التنقيب عن المواد الهيدروكربونية الموقعة مؤخرًا، نجد أنها هي ذات الأطراف التي اعترضت على مذكرة التفاهم في 2019.
فمن الجانب اليوناني، قال الناطق باسم الحكومة اليونانية، جيانيس أوكونومو، تعقيبًا على مذكرة التفاهم الموقعة مؤخرًا: “لا تنسوا أن لدينا حقوقًا سيادية في المنطقة، فلدينا اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر، وما تحاول تركيا فعله ينتهك الحقوق السيادية للدول الأخرى، وبالتأكيد لن تحظى بموافقة المجتمع الدولي”، مضيفًا: “لن تسمح بلادنا ولا حلفاؤنا بذلك”.[9] كما وصف وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، مذكرة التفاهم بأنها “غير قانونية”، مدعيًا أنها تنتهك المياه اليونانية.
وسارع “ديندياس” بُعيد الاتفاق للاتصال بـ”شكري”، ثم أجرى زيارة للقاهرة كرر فيها الطرفان ما قالاه في الاتصال من أن “حكومة الوحدة الليبية منتهية ولايتها ولا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم”.[10] وطلب وزير النظام المصري من الأمم المتحدة اتخاذ موقف واضح إزاء شرعية أو عدم شرعية حكومة الوحدة، مدعيًا أن حكومة الدبيبة اختيرت للاضطلاع “بمدة ولايتها وبمهمة محددة، وهي الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية بعقد الانتخابات في 24 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي المسؤولية التي لم تضطلع بها”.[11]
أما من الجانب الليبي، اعتبر رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق، عقيلة صالح، أن “أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من رئيس حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة وغير قانونية نظرًا لانتهاء ولايتها قانونًا”، فيما قال رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس النواب الليبي، عيسى العريبي، إن الاتفاقيات الموقعة “غير قانونية”.[12] كما أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب (حكومة فتحي باشاغا) عن حقها في “اللجوء إلى القضاء” للنظر في الاتفاقيات، مجددة رفضها لاستمرار “حكومة الوحدة الوطنية” في السلطة، وأن مواصلة وجودها “اغتصاب للسلطة”.[13]
بدوره، نشر الاتحاد الأوروبي بيانًا عبّر فيه عن رفضه لمذكرات التفاهم، على أساس موقفه للمذكرات السابقة التي وُقعت في عام 2019، وقال: “تنتهك مذكرة التفاهم التركية-الليبية، لعام 2019، حقوق السيادة لدول أخرى، وتخالف قانون البحار ولا يمكن أن يكون لها أي عواقب قانونية على الدول الأخرى”. وبالطبع، فإن الإتحاد الأوروبي يشير هنا إلى ذات المزاعم اليونانية بأن الاتفاق التركي-الليبي يعتدي على حقوقها السيادية.
هذه الانتقادات التي تشابهت نوعًا ما مع تلك التي وُجهت لاتفاقية 2019، كانت متوقعة بالنسبة لأنقرة، ذلك أنها تقوي من موقفها في خلافها طويل الأمد مع أثينا، حول حقوق كلتا الدولتين في شرق البحر المتوسط. لذلك، قال تشاووش أوغلو عند توقيع مذكرة التفاهم مؤخرًا: “سنوقع مع ليبيا اليوم مذكرة تفاهم في مجال الغاز، ولا يحق لدول أخرى التدخل في الاتفاقية الموقعة بين بلدين ذوي سيادة”.[14]
وقد أكدت حكومة الوحدة على الرسالة ذاتها، حيث قال الدبيبة على هامش اجتماع مع فعاليات نسائية ليبية بطرابلس لتوضيح بعض تفاصيل الاتفاق إن “لدينا الحق في توقيع أي مذكرة تفاهم، ووقعنا المئات منها لتحقيق التعاون مع البلدان الأخرى”، مضيفًا: “لا تهمنا مواقف الدول التي عارضت مذكرة التفاهم، ما يهمنا الإجابة عن تساؤلات الليبيين وتبديد أي تشويش بشأنها”.[15]
كما قال المتحدث باسم الحكومة الليبية إن “ما يثار حول مذكرة التفاهم هو شأن خاص للدولتين والتطرق والتدخل بهذا الأمر مرفوض”، معتبرًا أن “ما يثار حول الاتفاقية محليًا نابع عن عدم دراية بتفاصيل هذه المذكرة أو من باب المناكفات السياسية”. وأردف: ”ونأمل أن الصراع والخلاف السياسي المحلي لا يأتي على حساب المصلحة الاستراتيجية للشعب الليبي والمصالح الكبرى”.[16]
إذن، جاءت مذكرة التفاهم الأخيرة لتُعضد مذكرة التفاهم الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، كما تُعطي المذكرة الجديدة الغطاء القانوني لكل من الدولتين لممارسة نشاطات التنقيب عن الغاز والنفط في الجرف القاري المتفق عليه بينهما. ولذا، كانت اليونان الدولة الأكثر حدة في الاعتراض على الاتفاقية، لما لها من تقوية للموقف القانوني التركي شرقي المتوسط.
كما اعترض النظام المصري على الاتفاقية، لما له من علاقات وثيقة باليونان، وعلاقات مع أنقرة هي بالتأكيد أقل بكثير من مستوى العلاقات مع أثينا، حتى في ظل الحديث عن التقارب المصري-التركي الجاري. هذا فضلًا عن كون حكومة الوحدة فاقدة للشرعية، في نظر نظام قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي. وهي ذات الحجة المعلنة التي ارتكنت عليها قوى الشرق الليبي، حفتر وصالح وباشاغا، لرفض الاتفاق.
دوافع تركيا لتوقيع مذكرة التفاهم
ورغم الاعتراضات التي صاحبت مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية بين تركيا وليبيا، إلا أنها باتت أمرًا واقعًا، يُمَكِّن الطرفين من التنقيب عن النفط والغاز، لكن السؤال يدور حول الدوافع لتوقيع هذا الاتفاق في الوقت الحالي. وفي هذا السياق، يبدو أن هناك دافعين مهمين بالنسبة لأنقرة، وآخرين بالنسبة لحكومة الدبيبة.
الدافع الأول بالنسبة لتركيا هو تأزم العلاقات مع اليونان، وعدم وجود أفق للوصول لاتفاق قريب بينهما حول الحدود البحرية لكلتا الدولتين. بل على العكس من ذلك، اتخذت اليونان بعض الخطوات التي استفزت الجانب التركي، والتي أشرنا إليها في العدد السابق من ملفات تركية. من ذلك، تسليح بعض الجزر في البحر المتوسط، على الرغم من أن هذه الجزر يجب أن تكون منزوعة السلاح وفق الاتفاقات الدولية. كما فَعّلت اليونان منظومة “إس 300” روسية الصنع، واستخدمتها في التحرش بالطائرات التركية، وفق رواية أنقرة.
هذه التحركات ردت عليها تركيا بالتشكيك في تبعية تلك الجزر لليونان، حيث وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الجزر بـ”المحتلة”، كما هدد تشاووش أوغلو بوضع مسألة السيادة على الجزر “محل نقاش” إن لم تتراجع اليونان عن تسليحها. علاوة على ذلك، كرر الرئيس التركي في غير مرة تهديده المبطن باستخدام القوة، إذا لم تتراجع اليونان عن استفزازاتها، وفق وصفه. إذ قال في أكثر من مناسبة، مخاطبًا اليونان: “يمكن أن نأتيكم فجأة بين ليلة وضحاها”.[17]
وبطبيعة الحال، فإن أجواء كهذه لا تساعد على مفاوضات أو استمرار اللقاءات الاستكشافية بين تركيا واليونان، والتي عادت في يناير/ كانون الثاني 2021، ثم توقفت قبل أشهر مع تجدد التصعيد بينهما. كما أنه وبعد الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، إلى واشنطن، في مايو/ أيار 2022، وإلقائه كلمة أمام الكونغرس، دعا فيها إلى وضع قيود على بيع الأسلحة لتركيا، قرر أردوغان إلغاء اجتماع المجلس الإستراتيجي المشترك مع اليونان.[18]
ويبدو أن صانع القرار التركي وفي وسط هذه الاستفزازات اليونانية –كما تصفها أنقرة- تأكد من صعوبة تحقيق إنجاز ما عبر المسار السياسي لحل الخلاف التركي-اليوناني في بحري المتوسط وإيجة، على الأقل في المدى القريب. لذلك، كان الخيار هو اتخاذ خطوة إلى الأمام، ووضع اتفاق 2019 مع الجانب الليبي موضع تنفيذ، أو على الأقل وضع الإطار القانوني للتنقيب عن الغاز في المناطق التي حددها اتفاق ترسيم الحدود بين الطرفين.
أما الدافع الثاني فهو الواقع الليبي في الوقت الحالي. إذ عاد الخلاف مرة أخرى، بعد فشل حكومة الوحدة الوطنية في عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وبذلك صار هناك انقسام في الساحة السياسية الليبية، أو بالأحري: تجدد الانقسام الذي كان موجودًا قبل تولي حكومة الوحدة الوطنية السلطة، بشكل أو بآخر.
ففي الشرق حاليًا، هناك حكومة فتحي باشاغا، المدعومة من معسكر حفتر، وفي الغرب هناك حكومة الدبيبة، المعترف بها دوليًا حتى الآن، والمدعومة من الجيش الليبي المتمركز في طرابلس. وهناك محاولات قائمة للإطاحة بالدبيبة، من ذلك محاولة قوات تابعة لباشاغا دخول العاصمة مرتين بالقوة. كما أن عقد انتخابات رئاسية ونيابية على كامل التراب الليبي في الوقت الحالي من المتعسر تحققه، فما زال الخلاف جاريًا بين الأجسام الليبية المختلفة حول القاعدة الدستورية التي تُقام الانتخابات على أساسها.[19]
وعلى هذا، فمن الواضح أن الوضع في ليبيا غير مستقر، وإن كانت حكومة الدبيبة هي المعترف بها دوليًا اليوم، وهي التي تملك زمام الأمور في طرابلس، إلا أن المستقبل القريب قد يكون مختلفًا، وقد تسيطر على الأوضاع فئة تعارض التحالف مع تركيا. ولذا، كان خيار الحكومة التركية باتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام، وتوقيع مذكرة التفاهم حول التنقيب عن النفط. فرغم أن هذا الاتفاق قد لا يوضع موضع التنفيذ قريبًا؛ بسبب اضطراب الحالة الليبية، وجنوح تركيا إلى التهدئة –بشكل أو بآخر- مع أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن مجرد توقيع هذا الاتفاق يحقق مصلحتين لتركيا في هذا السياق.
المصلحة الأولى هي أن اتخاذ هذه الخطوة قد يُصَعب الأمر على أي حكومة ليبية قادمة بالتملص من مذكرات التفاهم الموقعة مع أنقرة، على عكس أن تُقدِم الأخيرة على خطوة كهذه مع حكومة قد لا تحبذ الدور التركي في ليبيا. أما المصلحة الثانية، فهي وضع الأساس القانوني الموجود الذي يُبنى عليه مشروعية التنقيب في هذه المناطق، والذي من الممكن – من الآن فصاعدًا- أن تستخدمه أنقرة أو طرابلس، لإجراء عمليات تنقيب، حال توفرت لذلك الظروف الملائمة.
دوافع ليبيا لتوقيع مذكرة التفاهم
وفيما يخص الدوافع الليبية، ففيما يبدو، فإن هناك دافعين رئيسيين. الدافع الأول هو تلبية مطالب الحكومة التركية، أحد الداعمين لحكومة الوفاق في السابق، وحكومة الوحدة الوطنية في الوقت الحالي. إذ يرى مراقبون أن تركيا لم تحصل مكاسب ملموسة من هذا الدعم حتى الآن، وأنها ليست راضية خاصة فيما حققه الدبيبة لها على المستوى الاقتصادي خلال 18 شهرًا في السلطة، حيث إن سلسلة مشاريع البنية التحتية التي وعد بها الدبيبة خلال زيارة رفيعة المستوى لأنقرة في 2021 لم تتحقق بعد.[20]
ولذلك، فإن أحد الدوافع الليبية لتوقيع هذه الاتفاقية هو الحفاظ على هذا الحليف، الذي كان سببًا رئيسيًا في عدم وقوع العاصمة طرابلس تحت قبضة حفتر. ويقوى هذا الدافع عندما نعلم أن الاتفاقية ذاتها تصب في صالح كل من تركيا وليبيا، وفق الخبراء. فالسردية اليونانية في البحر المتوسط تحرم تركيا وليبيا وحتى مصر من مساحات كبيرة؛ بسبب اعتبار أثينا أن الجزر الصغيرة في البحر المتوسط لها ما للدول الكبيرة من جرف قاري، الأمر الذي يقتطع من المساحات البحرية لتلك الدول، لصالح الجزر اليونانية.[21]
كما يقوي هذا الدافع أيضًا لدى حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن الطرف الآخر في الاتفاق لديه القدرات الوطنية اللازمة لعمليات التنقيب. فخلال السنوات الماضية، عملت تركيا على امتلاك أسطولها الخاص من سفن التنقيب، وهي تتطور في ذلك بشكل مطرد. وقد أجرت سفن التنقيب التركية عمليات ناجحة في البحر الأسود، وأعلنت عن عدة اكتشافات، منها ما أُعلن عنه، في أغسطس/ آب 2022، باكتشاف أكبر حقل للغاز في تاريخ البلاد في موقع “تونا 1” باحتياطي بلغ 320 مليار متر مُكعب قبالة سواحل ولاية زنغولداك، ثم أعلن لاحقًا عن ارتفاع التقديرات عقب اكتشاف 85 مليون متر مُكعب إضافي من الغاز الطبيعي.[22]
إذن، فإن كون الاتفاق مصلحة لليبيا، بجانب قدرة تركيا على إجراء عمليات التنقيب بسفنها الوطنية، شجعا حكومة الوفاق في نهاية المطاف على تلبية مطالب الحليف التركي، الذي لا تريد طرابلس أن تخسره.
أما الدافع الثاني وراء توقيع حكومة الدبيبة مذكرة التفاهم الأخيرة هو أنه يعطي رسالة داخلية وخارجية على أن حكومة الوحدة قائمة ومستقرة، ومُعترف بها، ولها علاقات جيدة مع دول فاعلة في الإقليم، ولديها صلاحية إبرام اتفاقيات، ولو كانت تلك الرسالة على المستوى الإعلامي فقط. ففي المقابل، تفتقر حكومة باشاغا – المكلفة من مجلس نواب طبرق- إلى القدرة على عقد هذه الاتفاقيات، لافتقارها للاعتراف الدولي. وفي الوقت الذي ينازع فيه باشاغا، الدبيبة على الشرعية السياسية، فإن اتفاقًا كهذا من شأنه أن يقوي موقف الأخير.
دلالات توقيع مذكرة التفاهم
وبعيدًا عن دوافع كلا الطرفين التي قادته إلى توقيع مذكرة التفاهم، فإن هناك بعض الدلالات التي قد تُستخلص من الاتفاق، وبعض ردود الفعل عليه أيضًا. والدلالة الأولى هي أن صانع القرار التركي اعترف بواقع الحال بشرعية حكومة الدبيبة، إذ كانت البيانات التركية تؤكد على “ضرورة نبذ العنف وتجنب التصعيد وتلافي الاقتتال، وحل الأزمة السياسية الراهنة والانسداد الحاصل بوجود حكومتين متنازعتي الشرعية”. كما اجتمع المسؤولون الأتراك بكل من الدبيبة وباشاغا، الشخصيتان اللتان تتنازعان الشرعية.[23]
لكن مع توقيع الحكومة التركية هذا الاتفاق مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، فإنها تقر بواقع الحال اعترافها بالدبيبة كرئيس وزراء شرعي لليبيا. وجدير بالذكر هنا أن الباب لا يزال مفتوحًا أمام أنقرة للعب دور الوساطة بين الطرفين المتنازعين على الشرعية في ليبيا؛ ذلك أن تركيا لم يصدر منها حتى الآن تصريحات تهاجم باشاغا، وما زالت التصريحات التركية متحفظة نوعًا ما عند الحديث في الشأن الليبي.
أما الدلالة الأخرى، وربما الأهم، لهذا الاتفاق، هي ما جاء من ردود فعل على لسان معسكر حفتر. فحين تحدث كل من عقيلة صالح، وباشاغا، بل وحتى حفتر، لم يهاجم أي منهم تركيا، بل ركزوا في هجومهم على حكومة الدبيبة.
فقد صرح صالح، عقب توقيع مذكرة التفاهم، أن “أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من رئيس حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة وغير قانونية، نظرًا لانتهاء ولايتها قانونًا وانعدام أي إجراء تتخذه منذ انتهاء ولايتها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021. وأشار صالح إلى أن أي مذكرة أو اتفاق يجب أن يتم عبر رئيس الدولة أو البرلمان، أو عبر الحكومة الشرعية التي نالت ثقة البرلمان، ممثلة في حكومة فتحي باشاغا.[24]
أما باشاغا، فكتب عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي: “يتابع مجلس وزراء الحكومة الليبية استمرار الحكومة المنتهية الولاية… توقيع التزامات على الدولة الليبية”، مؤكدًا أن حكومته سترد بشكل مناسب على هذه التجاوزات. وشدد على أن “الحكومة الليبية تعبر عن رفضها الشديد لاستمرار الحكومة المنتهية الولاية في اغتصاب السلطة وتؤكد على حق الدولة الليبية في التفاوض مع جميع دول العالم وتوقيع المذكرات والاتفاقيات”.[25]
وفيما يخص حفتر، فقد ركز على تأليب الشعب الليبي على حكومة الوحدة، قائلًا إن “حجم الأموال الطائلة التي أنفقتها الحكومات المتعاقبة في 10 سنوات كان بوسعها رفع حال المواطن إلى أعلى المستويات لكنها فشلت في ذلك، والآن لا حل إلا بانتفاضة الشعب ضد العبث السياسي الذي فاقم معاناته وضد المتربعين على السلطة كأنها ميراث لهم، ومن يحملون السلاح خارج الجيش والشرطة، والمعرقلين لبناء الدولة، والداعين إلى الكراهية والبغضاء”.[26]
ويبدو أن تجنب انتقاد تركيا جاء نتيجة للسياسة التركية التي صارت أكثر مرونة على الساحة الليبية خلال الأشهر الماضية، إذ بدا أن هناك انفتاحًا تركيًا على التعامل مع بعض الشخصيات التابعة لحفتر، من ذلك، زيارة عقيلة صالح إلى أنقرة، في أغسطس/ آب 2022، ولقائه بالرئيس أردوغان.[27]
ويبدو أن تركيا ما زالت مستمرة في هذا الخط الجديد الذي رسمته لسياستها على الساحة الليبية. ففي ذات البيان الذي أعلن فيه تشاووش أوغلو توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة، بيّن فيه أيضًا أن بلاده “ستعيد فتح قنصليتها في مدينة بنغازي عند توفر الظروف المناسبة”.[28] فلم يُغلق الوزير التركي الباب أمام فتح القنصلية في المدينة التي يسيطر عليها حفتر.
ومن المهم أن نؤكد هنا أن موضعة تركيا نفسها على أنها وسيط بين الأطراف الليبية المختلفة قد يُمَكنها من الاحتفاظ باتفاقاتها مع ليبيا، حتى في حال تغيرت الحكومة، خصوصًا وأن الرؤية التركية للحقوق البحرية لدول المتوسط، تمنح ليبيا جرفًا قاريًا أكبر من هذا الذي تطرحه اليونان.
المحور الثاني: مستجدات مسار التقارب التركي-المصري
في النصف الثاني من عام 2020، بدأ الحديث عن تقارب مصري-تركي، بعد أزمة عميقة في العلاقات السياسية بين الطرفين، جراء الانقلاب الذي نفذه عبد الفتاح السيسي، على أول رئيس مصري منتخب في تاريخ مصر، محمد مرسي. ومنذ 2020، اتخذ الطرفان بعض الخطوات لحلحلة الأزمة بينهما، إلا أن ذلك لم يسفر حتى الآن –وبعد نحو سنتين من بدء المحادثات- عن لقاء على مستوى وزراء الخارجية.
فمن الخطوات التي اتخذها الجانبان كانت لقاءين على مستوى نائبي وزيري خارجية البلدين. اللقاء الأول عُقد في القاهرة، في مايو/ أيار 2021 في القاهرة،[29] واللقاء الثاني كان في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه في أنقرة.[30] ويُلاحظ هنا أن الفترة بين اللقاءين كانت كبيرة نوعًا ما، بالمقارنة مثلًا مع مسار التقارب التركي-الإماراتي، أو حتى المسار التركي-السعودي، اللذين تجري فيهما اللقاءات كل بضعة أشهر، أو حتى أسابيع، منها لقاءات كانت على مستوى رأس الدولة.[31]
ومنذ ذلك الحين، لم تكرر هذه الاجتماعات، كما لم يحدث تطور لافت في العلاقات، سوى تعيين الدبلوماسي صالح موتلو، كقائم بالأعمال التركي في القاهرة. لكن يجدر القول هنا أن مستوى القائم بالأعمال هو التمثيل الدبلوماسي للجمهورية التركية في مصر منذ انقلاب السيسي عام 2013، لذا، فإن تعيين “موتلو” لا يدل على رفع التمثيل الدبلوماسي التركي في مصر، حتى الآن.[32]
وحاليًا، تصدر تصريحات من حين لآخر تدل على حسن النية للتقدم في العلاقات، وتصدر من الجانب التركي على وجه الخصوص. ومن ذلك، تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أن مناخ التطبيع بدأ يكتسب أرضية في محيط تركيا في الشرق الأوسط. وأضاف: “علاقاتنا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل تتطور على أساس المصالح المشتركة، وهناك عملية مماثلة تجري مع مصر”.[33]
ولا يمكننا القول هنا بأن مسار التقارب بين الطرفين فشل بالكلية بسبب بطء وتيرته؛ ذلك أن هناك خطوات قد اتُخذت بالفعل، منها عدم استهداف الطرفين لبعضهما بعضًا في المنصات الدولية، وتهدئة حدة الانتقادات والهجوم الإعلامي. وقد طال ذلك بعض البرامج المؤثرة للإعلام المصري المعارض في تركيا.[34] والأمر كذلك بالنسبة للإعلام المصري، الذي خفتت حدة هجومه على تركيا كثيرًا منذ ذلك الحين.
فعلى سبيل المثال، في إحدى حلقات الإعلامي المعروف بقربه من السلطة في مصر، نشأت الديهي، وفي معرض انتقاده لبعض المعارضين المصريين في الخارج، كانت لهجته هادئة إلى حد بعيد في انتقاد تركيا، مقارنة بما كان في السابق. حيث قال موجهًا حديثه للسلطات التركية: “أعتقد أنه لا يليق بالتوجه (الجديد)، ووجود نوع من ترطيب الأجواء والعلاقات بين أنقرة والقاهرة أن يكون هناك هذه الملاذات للجماعات الإرهابية”،[35] وفق زعمه. والمعروف أن الإعلاميين المصريين كانوا ربما يصلون إلى السباب في انتقاد أنقرة في السابق. لذلك تُعبر هذه اللهجة عن تغير واضح في تعاطي الإعلام المصري مع الحكومة التركية.
رد فعل الطرفين على مذكرة التفاهم
يتضح من الوقائع أن هناك تقدم طفيف في العلاقات، ظهر في الأداء الإعلامي لكلا الطرفين، وفي عدم تصادمهما في المحافل الدولية والإقليمية عبر إصدار بيانات تهاجم سياسة الطرف الآخر، وما إلى ذلك. وقد كان هذا ملاحظًا بشكل واضح في ردود الفعل على مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية، التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية، مع الحكومة التركية، والتي استعرضنا تفاصيلها في المحور السابق الخاص بليبيا.
فرغم تبني كل من مصر وتركيا سياسات متباينة على الساحة الليبية، لم يصدر عن القاهرة ولا أنقرة تصريحات تنتقد الطرف الآخر. فمن ناحية، لا يعترف نظام السيسي بحكومة الوحدة – برئاسة عبد الحميد الدبيبة- كحكومة شرعية، بل ويدعم الطرف المضاد لها، خليفة حفتر. ومن ناحية أخرى، تتصدى تركيا لمشروع حفتر في الاستيلاء على الحكم بقوة السلاح، وتدعم الحكومة الشرعية. لكن الاتفاق التركي-الليبي الأخير كان نموذجًا على عدم استهداف الطرفين لبعضهما بالبيانات.
فمن الجانب المصري، اعتبر وزير خارجية النظام، سامح شكري، أن “حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها” في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.[36] وطلب وزير النظام المصري من الأمم المتحدة اتخاذ موقف واضح إزاء شرعية أو عدم شرعية حكومة الوحدة، مدعيًا أن مدتها قد انتهت.[37] واقتصرت التصريحات المصرية المختلفة على على التشكيك في شرعية حكومة الوحدة، دون التطرق لتركيا.
وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، حيث قال إن “مصر أدلت بتصريحات حول الشرعية ولم تذكر شيئًا ضد الاتفاق المبرم مع تركيا”.[38] كما جاءت تصريحات الناطق باسم الخارجية التركية، طانجو بيلغيتش، في السياق نفسه، إذ انتقد تصريحات اليونان والاتحاد الأوروبي دون التطرق إلى مصر. فقد أكد المسؤول التركي على “عدم أهمية التصريحات الصادرة من اليونان والاتحاد الأوروبي بحق مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية”.[39]
لكن مؤخرًا، وردًا من شكري على سؤال وُجه إليه حول العلاقات مع تركيا، قال وزير النظام المصري إن “الجلسات الاستكشافية المشتركة قد توقفت”، بحجة أنه “لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا”.[40] وربما يوضح هذا التصريح سبب توقف المحادثات منذ سبتمبر/ أيلول 2021، أي منذ نحو عام، إلا أنه لا يعني أنها انهارت بالكلية.
فخلال هذا العام لم يعد الطرفان لما كان من هجوم إعلامي، كما تجنب الرئيس التركي مهاجمة النظام المصري، وهذا يدلل على أن هناك حفاظًا من كلا الطرفين على ما اتُفق عليه سلفًا. لذلك، يمكن فهم تصريح “شكري” كما قاله، وهو أن المحادثات “توقفت”، ولم تُلغَ كليًا.
وفي المحصلة، يمكن القول إنه من الصعب توقع انفراجة في مسار التقارب التركي-المصري، في المدى القريب، لكن هذا لا يلغي أيضًا مسار التقارب بالكلية، ولا ما تحقق منه حتى الآن. ما يعني أن الباب ما يزال مفتوحًا لتحقيق تقدم بين الطرفين، على المدى المتوسط أو البعيد، إذا توفرت الظروف الملائمة لذلك.
المحور الثالث: مستجدات العلاقات التركية-الأمريكية
يمكن أن نصف علاقة تركيا بالولايات المتحدة بالعلاقة المعقدة التي تحتاج إلى تقييم دوري في ضوء المتغيرات المتسارعة من حولنا. ونحاول في هذا المحور أن نقف على التحولات المتسارعة في العلاقات التركية-الأمريكية خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2022، وأثر الحرب الأوكرانية على هذه العلاقة سواء كانت هذه التأثيرات محفزة لنمو العلاقة أو مهددة لاستمرارها.
وقبل الشروع في ذكر تفاصيل العلاقة بين واشنطن وأنقرة مؤخرًا، يجدر بالذكر أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أصدر، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، استراتيجية الأمن القومي في عهده، والتي توضح الخطوط العريضة، والمسارات الكبرى للسياسات الأمريكية خلال السنوات المقبلة، ومن ذلك بالتأكيد العلاقات مع تركيا. كما ذكرت الاستراتيجية السياسات الأمريكية في بعض المساحات التي لها ارتباط بالمصالح التركية أيضًا، منها العلاقات الأرمينية-الأذرية، والعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي والناتو، والساحة السورية.
التأثيرات الدافعة لتقدم العلاقات التركية–الأمريكية
أولًا: سماح إدارة بايدن ببيع مقاتلات إف-16 لتركيا
كانت تركيا قد تقدمت للولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بطلب شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز إف-16 وقد قوبل هذا الطلب بالكثير من التعنت من قبل الكونجرس الأمريكي، ما جعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يعلن أن بلاده يمكنها تأمين طائرات مقاتلة من دول أخرى في حالة الرفض الأمريكي.
وقد سعى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إقناع الكونجرس الأمريكي بضرورة إنفاذ صفقة بيع طائرات إف-16 إلى تركيا. ورغم وضع الكونجرس لعدة عراقيل في سبيل إنفاذ الصفقة، إلا أن بايدن كان حريصًا على إزالة كل الشروط والمعوقات أمام إتمامها، ساعيًا لتهدئة التوتر بين واشنطن وأنقرة ورأى في ذلك مصلحة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وللأمن القومي الأمريكي.[41]
ثانيًا: أهمية تركيا كشريك للولايات المتحدة
لا شك أن تركيا تحتل أهمية كبرى؛ نظرًا لامتلاكها عناصر قوة ربما يصعب على الولايات المتحدة تجاهلها أو تعويضها بحليف آخر، ففضلًا عن موقعها الجيوسياسي، تعتبر تركيا لاعبًا رئيسًا في كثير من صراعات الشرق الأوسط، وحارس بوابة أوروبا، ووكيل الولايات المتحدة في كثير من القضايا، وحليفًا قويًا في حلف الناتو. كما تضم الأراضي التركية قواعد عسكرية، ومراكز للاستخبارات وجمع المعلومات، ومراكز للرصد والإنذار المبكر.
وقد عملت تركيا طوال فترة تواجدها في حلف الناتو على أن يكون لها دور فعال في حماية الدول الأعضاء وطمأنتهم، فاكتسبت بذلك أهمية بالغة لدرجة جعلت الرئيس التركي يصرح بأن حلف الناتو دون تركيا هو حلف محكوم عليه بالانهيار.[42] وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن دور تركيا وموقعها يصعبان على الولايات المتحدة الاستغناء عنها، خاصة في الوقت الراهن.
ثالثًا: دور تركيا في الحرب الأوكرانية
يعد الدور التركي في الحرب الأوكرانية من أكثر الأدوار تعقيدًا، حيث حافظت تركيا على توازن العلاقات بين أطراف الصراع رغم كونها محسوبة على حلف الناتو الذي يوجه الحرب ضد روسيا، والذي أُنشئ خصيصًا لمواجهة تنامي الدور الروسي في العالم. وتعد تركيا هي ثاني أكبر دولة مساهمة في الحلف بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالرغم من ذلك، فإنها تحافظ على علاقات قوية مع روسيا، وقد حرصت أنقرة على لعب دور الوسيط في هذه الحرب، وظهر ذلك من خلال تدخلها لحل أزمة الغذاء العالمي، ونقل القمح الأوكراني إلى موانيها بموافقة روسيا، وكذلك قامت بالوساطة بين كييف وموسكو فيما يخص قضية الأسرى، واتهمت الغرب باتخاذ إجراءات وصفها بـ”الاستفزازية” تجاه روسيا،[43] كما وافقت على تحويلات مالية من كيانات روسية.[44]
كذلك لم تساهم تركيا مع بقية دول الناتو في فرض عقوبات على روسيا، وشرعت في تهيئة نفسها للعمل على نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر محطات تركية، وذلك بعد حديث بوتين عن إمكانية ذلك. وعلى الصعيد الآخر، زودت أنقرة كييف بالمسيرات التركية كما رفضت سلوك موسكو بضم مناطق من أوكرانيا عبر استفتاءات، ولم تعترف بها كما أغلقت أبواب مضائقها في وجه البحرية العسكرية الروسية.
التأثيرات الدافعة لتراجع العلاقات التركية-الأمريكية
أولًا: الأزمة التركية-اليونانية
- السماح بتسليح قبرص الرومية
جاء إعلان وزارة الخارجية الأميركية في 16 سبتمبر/ أيلول 2022 بأن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، رفع القيود المفروضة على تجارة الأسلحة على جزيرة قبرص.[45] وبهذا الإعلان تكون واشنطن قد غيرت من موقفها الخاص بتسليح الجزيرة التي كانت تحظر توريد الأسلحة إليها منذ العام 1987 وذلك سعيًا منها إلى وحدة الجزيرة بالجهود الدبلوماسية، بعد أن تم تقسيمها بين تركيا واليونان إثر انقلاب قام به قبارصة موالين لليونان ساعين لضمها إلى اليونان.
وفي المقابل، قالت وزارة الخارجية التركية -في بيان لها- إن قرار واشنطن “يتعارض مع مبدأ المساواة بين الجانبين، وسيؤدي إلى سباق تسلح في الجزيرة، ما يضر بالسلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط”.[46]
وأشار الرئيس التركي إلى أن تركيا قامت بنشر طائرات مسيرة عادية وأخرى مسلحة في أراضي جمهورية شمال قبرص التركية، كما أوضح أن المقاتلات التركية يمكنها الوصول إلى شمال قبرص في فترة وجيزة فور إقلاعها من البر الرئيسي لتركيا.[47]
- تزايد التواجد العسكري الأمريكي على الحدود التركية
في مايو/ أيار 2022، تم تعديل اتفاقية التعاون الدفاعي والعسكري بين اليونان والولايات المتحدة، المُبرمة منذ عام 1990 بحيث يكون من المُقرر أن يتم تجديد الوجود الأمريكي العسكري في اليونان كل 5 سنوات بدلًا من سنة واحدة، مما يعد تكثيفًا للتواجد العسكري الأمريكي على أرض اليونان خاصه البلدات المتاخمة للحدود التركية. هذا إضافة إلى تطوير القاعدة البحرية الأمريكية (سودا) الموجودة بجزيرة كريت بالإضافة إلى قاعدة (اليكساندرو بولي) الأمريكية القريبة من تركيا والتي تضم قرابة 1800 مدرعة و20 ألف جنديًا أمريكيًا.[48]
- مساعدة الولايات المتحدة لليونان في تعزيز قدراتها الجوية
تعمل اليونان جاهدة على تقوية سلاحها الجوي ردًا منها على التنامي المتسارع في القوة الجوية التركية، مما دفعها إلى استيراد نظام مضاد للمسيرات التركية من تل أبيب، وكذلك التعاقد من أجل الحصول على 40 طائرة (إف -35) وتحديث 84 طائرة (إف- 16) وكذلك شراء مسيرات (إم كيو- 9) الأمريكية، ووضع خطة لتصنيع مسيرات يونانية محلية الصنع لمواجهة المسيرات التركية.
- تسليح جزر بحر إيجة
وفي أغسطس/ آب 2022، اتهمت وزارة الدفاع التركية اليونان باستهداف مقاتلاتها من طراز “إف – 16” أمريكية الصُنع أثناء تحليقها شرقي المتوسط، واتهمت مقاتلات “إف-16″ يونانية باعتراض مقاتلتين تركيتين، كانتا تنفذان مهامًا لحلف الناتو فوق بحر إيجة، مضيفة أن الطائرتين ردتا بـ”قوة”.
بعدها انتقل الرئيس أردوغان، في خطاب له في سبتمبر الماضي من مجرد “التشكيك في سيادة” اليونان على جزر بحر إيجة، إلى اتهامها “باحتلال” تلك الجزر، مُهددًا بإمكانية شن عمل عسكري ضد اليونان في أي لحظة.
تعتبر تركيا تسليح جزر بحر إيجة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، حيث إن هذه الجزر وفقًا لاتفاقيتي لوزان و باريس مناطق منزوعة السلاح. وبرغم من تعهد اليونان بعدم تسليحها الجزر إلا أنها أقدمت على جلب آلاف الجنود لهذه الجزر وبناء المطارات العسكرية ومستودعات الذخيرة فيها، مدعية أن في ذلك تأمينًا لها و حفاظًا على أمنها القومي. وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2022، أكدت مصادر أمنية تركية أنه تم رصد سفينتين يونانيتين تنقلان مدرعات إلى جزر منزوعة السلاح في بحر إيجة. وقالت المصادر لوكالة الأناضول التركية الرسمية إن مسيرات تركية رصدت سفينتي الإنزال وهما تتجهان إلى جزيرتي لسبوس وساموس، حيث نقلتا 23 مدرعة إلى الأولى و18 أخرى إلى الثانية.
في هذا السياق، دعت تركيا جارتها للالتزام بالاتفاقيات الدولية، والتوقف عن تسليح جزر بحر إيجة، مُشددة على أن ذلك تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها القومي. وقد انحازت الولايات المتحدة إلى اليونان وجاء ردها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحافة قائلًا إن “سيادة اليونان على هاتين الجزيرتين ليست موضع شك” وذلك بعد احتجاج أنقرة على التواجد العسكري لليونان فوق الجزيرتين.[49]
- دور جزر بحر إيجة في أزمة الطاقة العالمية
أبرمت تركيا اتفاقية التنقيب عن الغاز مع الحكومة الليبية مما اعتبرته اليونان تعديًا مباشرًا على حقوقها في غاز المتوسط، واعتبرت اليونان هذه الاتفاقية عدائية، حيث أنها تنتهك أجزاء من حدود الدولة اليونانية، على حد زعم اليونان. ولا شك أن الولايات المتحدة تسعى لتأمين إمدادات الغاز إلى أوروبا وبسط سيطرتها على هذه المنطقة ذات الأهمية الكبرى للطاقة العالمية.[50]
- الضغط على واشنطن لإيقاف بيع صفقة مقاتلات إف 16 لأنقرة
استغل رئيس الوزراء اليوناني زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، وإلقائه خطابًا أمام الكونغرس، ليناشد الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس بعدم السماح ببيع مقاتلات “إف 16” لتركيا، متهمًا الأخيرة بانتهاك مجال اليونان الجوي. الأمر الذي استفز أنقرة ودفع الرئيس أردوغان للتصريح بأنه لن يشارك في أي حوار مستقبلي مع رئيس الحكومة اليونانية، قائلًا: “لم يعد موجودًا شخصًا اسمه ميتسوتاكيس بالنسبة لي”.[51]
ثانيًا: سعي تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي
أكد الرئيس أردوغان عزم بلاده على الانضمام إلى المنظمة كعضو وليس كشريك،[52] مما يعطي دلالة قوية للولايات المتحدة والغرب أن تركيا تيمم وجهها نحو تحالف ممانع للولايات المتحدة وأوروبا، حيث تعتبر دول الناتو أهداف وقيم تلك المنظمة متعارضة مع الحلف الأوروبي. و تضم المنظمة – التي تأسست عام 2001 لمكافحة الإرهاب- دولًا على رأسها روسيا والصين وإيران، ما يُشعر الولايات المتحدة بمزيد من القلق إزاء هذه التحركات.
ثالثًا: اعتراض تركيا على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة لزيادة قوة حلف الناتو، خاصة بعد زيادة التوترات بينها وبين روسيا لذا أظهرت واشنطن رغبة كبيرة في ضم السويد وفنلندا إلى الحلف؛ وذلك لتقويض روسيا في منطقة بحر البلطيق وهذا ما توافق عليه تركيا من حيث المبدأ، لكن لها مطالب مهمة مقابل ذلك،[53] وتضع شروطًا على انضمام كلتا الدولتين، مطالبة إياهما بالتخلي عن دعم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، المنظمتين المدرجتين على قوائم الإرهاب التركية.
وجدير بالذكر أن موقف الدولتين تجاه هذه التنظيمات هو نفس موقف بايدن وإدارته مما يضع أمريكا والناتو والسويد وفنلندا في حرج. فقد ذكرت تقارير أن بايدن رفض تماهي فنلندا والسويد مع مطالب الدولة التركية، والتوقيع على اتفاق يقضي بمحاربة تلك التنظيمات في البلدين. كما أكّد البيت الأبيض أنّه لم يقدّم “أيّ تنازلات لتركيا لضمان إعطاء الضوء الأخضر” لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي.[54]
رابعًا: الأزمة الأذربيجانية-الأرمينية
في الأزمة الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان، حرصت الولايات المتحدة على إعلان إنحيازها إلى أرمينيا التي تحمل إرثًا عدائيًا تاريخيًا تجاه تركيا. وظهر الدعم الأمريكي لأرمينيا في موقف رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، التي أصرت على زيارة أرمينيا وتحميل المسؤولية عن اندلاع المواجهات الأخيرة لأذربيجان المدعومة من تركيا،[55] وتأكيد التزام واشنطن بأمن يريفان وديمقراطيتها. في حين دعا الرئيس أردوغان أرمينيا إلى وقف استفزازاتها ضد أذربيجان.
خامسًا: انتقاد السياسات الداخلية التركية
في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أقرّ البرلمان التركي قانونًا لمكافحة التضليل الإعلامي، يفرض على من ينشر معلومات كاذبة أو مضلّلة عقوبة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات،[56] وتنصّ المادة 29 من هذا القانون، بوجه خاص، على فرض عقوبة السجن لفترة تُراوح بين سنة وثلاث سنوات على كلّ من يرتكب جرم “نشر معلومات كاذبة أو مضلّلة، تتعارض مع الأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد، أو من شأنها الإضرار بالصحّة العامة، أو تعكير صفو النظام العام، أو نشر الخوف أو الذعر بين الناس”.
وقد أغضب هذا القانون بعض الأحزاب المعارضة التركية، فضلًا عن الولايات المتحدة. ويفسر البعض هذا بأن هذا القانون يقوض عمل المؤسسات التي كانت تتلقى دعمًا ماليًا من الولايات المتحدة عبر منظمات حقوقية وداعمة للديمقراطية، ما عرض القانون لانتقادات من منظمات أمريكية ودولية.
إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟
برغم ما يبدو من التعارض الكبير في المصالح بين الولايات المتحدة وتركيا وعدم التوافق على كثير من الملفات، والذي يُشعر الولايات المتحدة بعدم الاطمئنان للتحركات التركية، حيث يبدو أن الولايات المتحدة لا ترضي لتركيا بغير دور التابع بناء على التاريخ التركي القديم في خدمة السياسات الأمريكية وحماية مصالحها في المنطقة، برغم هذا إلا أنه يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية – وفيما يبدو- لا تسعى إلى التخلي عن تركيا أو استبدالها بحليف آخر، بل تريد من خلال ضغوطاتها على تركيا إلى وضع حدود للدور التركي الآخذ في الاستقلال، والجنوح نحو روسيا والشرق.
فدور تركيا وموقعها قد يحتم على واشنطن عدم الاستغناء عنها، ومحاولة استيعاب دورها، خاصة في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية. وربما تحاول واشنطن اتخاذ خطوات استباقية تحسبًا لانضمام تركيا إلى المعسكر المقابل، أو تقوية علاقاته معه على حساب الولايات المتحدة.
المحور الرابع: مستجدات الانتخابات الرئاسية
في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التركية، عن موعد الانتخابات القادمة، وهو في 18 يونيو/ حزيران 2023، على أن تكون هذه الانتخابات هي انتخابات رئاسية وبرلمانية في نفس الوقت، وهذا ما أكده وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، في تصريح لشبكة “سي إن إن ترك”، في أغسطس/ آب 2022.[57]
وقبل إعلان الهيئة عن الموعد بيوم واحد، كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن رؤية “قرن تركيا” لحزبه العدالة والتنمية، المتعلقة بالبرامج وأهداف الجمهورية في مئويتها الجديدة، في حفل ضخم بالعاصمة أنقرة. ووجه الحزب الحاكم دعوات إلى لـ11 حزبًا تركيًا، بالإضافة إلى أبرز الصحفيين المعارضين، حتى إن بعضهم صرح أن هذه هي المرة الأولى التي يوَجه إليه دعوة لحضور حدث لحزب العدالة والتنمية، كالصحفية المعارضة، أوزليم جورسيس.[58]
وبطبيعة الحال، فإن إعلان موعد الانتخابات، بالإضافة إلى الكشف عن رؤية “قرن تركيا”، ودعوة معارضين لهذا الحفل، كل ذلك يأتي في ظل السباق الانتخابي الذي بدأ بالفعل، حتى في ظل عدم إعلان المعارضة عن مرشحها لمنافسة أردوغان. وكما أشرنا في العدد السابق من “ملفات تركية”، فإن الإشارات والدلائل عديدة على رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري، زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، للترشح للرئاسة.
وقد ذكرنا في العدد السابق بعض هذه الدلائل، منها تصريحات لكليتشدار أوغلو نفسه، وطلبه الدعم من حزبه في مؤتمر عام بمدينة إزمير، التي تُعد معقل حزب الشعب الجمهوري. كما تعددت التصريحات من مسؤولين في الحزب، قريبين من كليتشدار أوغلو، يصرحون فيها بأنه مرشح الحزب، وأنه الرئيس القادم للجمهورية التركية.
وخلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حدثت عدة تطورات، تصب كلها في اتجاه تحضير كليتشدار أوغلو نفسه لمنافسة أردوغان، واستعداد الأخير لهذا السيناريو.
جدل حول قانون حماية ارتداء الحجاب
في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، خرج كليتشدار أوغلو في مقطع فيديو وهو يضع على مكتبه مسبحة وكتابًا للمفكر القومي التركي، ضياء كوك ألب، حيث قال إن حزبه سيقدم مقترح قانون يضمن قانونية وضع الحجاب في البلاد. واعتذر زعيم المعارضة عن “أخطاء الماضي” من خلال محاربة حزبه للحجاب، متعهدًا بالدفاع عنه عبر تقديم مقترح لمجلس البرلمان. وبرر قراره بأنه محاولة منع استغلال قضية الحجاب سياسيًا في البلاد.[59]
ويُعد الجانب الأيديولوجي أحد الجوانب المهمة بالنسبة لفئات من المجتمع التركي – خصوصًا المحافظين- إذ يأخذونه في الاعتبار عند التصويت في الاستحقاقات الانتخابية. ولذا، فمن الضروري بالنسبة لكليتشدار أوغلو طمأنة هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع التركي، التي تتوجس من عودة التضييق على ارتداء الحجاب، كما كان الوضع قبل سنوات قليلة.
فحتى عام 2008، وبعد صعود العدالة والتنمية للحكم بنحو 5 سنوات، كان هناك اعتراض واسع من الأحزاب العلمانية وعلى رأسها، حزب الشعب الجمهوري، على أن يُسمح بارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية. واستمر السجال جاريًا حتى عام 2010، حتى إن زوجات رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية من المحجبات لم يكن يُسمح لهن بالحضور في الفعاليات التي تخص القوات المسلحة.[60]
أما في عام 2010، فقد أُدخلت تعديلات على الدستور التركي، واتُخذت بعض التدابير لحفظ “الحقوق” العامة للمواطنين، ثم طُرحت تلك على الاستفتاء الشعبي، ليتم قبولها وتصبح سارية المفعول. في 1 تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2013، رُفع الحظر رسميًا عن الموظفات في المؤسسات العامة، من خلال “حزمة الديمقراطية” التي أعلن عنها أردوغان، كرئيس للوزراء في تلك الفترة. وشهدت مراسم احتفال الأتراك بعيد النصر يوم 30 أغسطس/آب 2016، حدثًا تاريخيًا، حيث ظهرت أول سيدة محجبة تعمل في سلك الشرطة النسائية، بعد صدور قرار يجيز للمنتسبات ارتداء الحجاب.[61]
هذا الإرث من التضييق على المحجبات يبدو أنه أثقل كاهل قيادات أحزاب المعارضة التركية، التي رأت في تغيير موقفها من الحجاب – ومن الفئات المتدينة بشكل عام- ضرورة لكسب أصواتها، أو على الأقل تفتيت الكتلة التي اعتادت التصويت لأردوغان، لأسباب أيدلوجية.
وربما أراد كليتشدار أوغلو عبر طرح قانون حماية ارتداء الحجاب كسب نقاط لصالحه، ليس فقط من باب طمأنة المحجبات، بل من باب إحراج حزب العدالة والتنمية أيضًا، حيث إن موافقة الأخير على هذا الاقتراح من شأنه أن يساعد حزب الشعب الجمهوري في مسعاه، ويُمَكنه من تحقيق نقطة لصالحه، وسط سباق انتخابي محموم. أما إذا رفض الحزب الحاكم الاقتراح، فقد يُنظر إليه على أنه يُعارض حماية المحجبات بنص القانون، لأسباب مصلحية حزبية.
لكن رد حزب العدالة أتى بعيدًا عن هذين الخيارين، حيث اختار الرئيس التركي رفع السقف، وتحويل المقترح من قانون قد يطرأ عليه التغيير، إلى وضعه في الدستور، ما يعطيه ضمانة أكبر. وقال أردوغان في تصريحات صحفية: “كليتشدار أوغلو مرر الكرة دون أن يدري، وكان علي أن أسجل الهدف، لا يدرك أني قضيت حياتي كمهاجم”.[62]
ووجه أردوغان حديثه إلى كليتشدار أوغلو قائلًا: “إذا كنت صادقًا، ومخلصًا في طرحك، وإذا كنت تريد إخراج مسألة الحجاب من الجدل كحق إنساني، فتعال لتحقيق ذلك. لكن ليس من خلال القانون، بل بتعديل دستوري”. وأضاف: “بهذا الشكل سنكون قد أعطينا حزب الشعب الجمهوري بعد 14 سنة فرصة لتنظيف واحدة من ماضيه المخزي”، مشيرًا إلى أن كليتشدار أوغلو كان أحد أولئك الأشخاص الذين رفعوا دعوى قضائية ضد رئيس مجلس التعليم العالي الأسبق بتهمة إساءة استخدام السلطة لقوله: “ارفعوا حظر الحجاب”.[63]
وجدير بالذكر هنا، أن الدستور التركي يخول البرلمان حق تعديل الدستور بأغلبية الثلثين، دون الحاجة لطرح الأمر في استفتاء شعبي،[64] وحيث إن لـ”العدالة والتنمية” 42.56 بالمئة من مقاعد البرلمان، وحليفه “الحركة القومية” 11.10 بالمئة، و”الشعب الجمهوري” 22.65 بالمئة،[65] فإن بإمكان تلك الأحزاب إضافة مادة حماية ارتداء الحجاب إلى الدستور مباشرة، دون الحاجة إلى استفتاء.
في هذا السياق، رد كليتشدار أوغلو على مقترح أردوغان بالرفض، مؤكدًا على اقتراحه بإدراج هذا الأمر كقانون، وليس كمادة دستورية. وقد هوجم زعيم المعارضة من شخصيات معارضة لطرحه هذا الاقتراح، دون الرجوع إليهم. من بينهم، زعيمة حزب الجيد، والشخصية الثانية في “طاولة الستة”، ميرال أكشنار، إذ قالت إنه من الخطأ إثارة “الجروح المغلقة”، مشيرة إلى أنها غير مدركة لما يسعى خلفه كليتشدار أوغلو.[66]
وبدوره، قال الكاتب التركي، كرتولوش تايز، إن مجموعة ضيقة حول كليتشدار أوغلو كان لديها علم بطرحه، مشيرًا إلى أن الجميع يقول إن “قضية الحجاب انتهت بحكم الواقع.. لا يمكن فهم لماذا أثارها كليتشدار أوغلو”. وتابع بأن قواعد حزب الشعب الجمهوري مرتبكة، وترى أنه من الخطأ للغاية الدخول في سباق مع حزب العدالة والتنمية في هذا المجال.[67]
ويبدو أن الأمر كذلك، فقد استغل الرئيس أردوغان طرح كليتشدار أوغلو لمسألة الحجاب، لتحقيق عدة أهداف، منها تذكير الشعب بالانتهاكات التي حدثت للمحجبات وللمتدينين عمومًا على يد حزب الشعب الجمهوري، وللتأكيد على الإنجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية طيلة 20 عامًا في هذا السياق. هذا فضلًا عن استغلال الأجواء الانتخابية لتكريس تلك المكاسب عبر النص عليها في دستور البلاد. وكل هذا من شأنه أيضًا أن يصرف عن النظر – نوعًا ما- عن بعض الملفات التي قد يكون خطاب المعارضة فيها أكثر تأثيرًا، كملف الاقتصاد.
وعلى هذا، جرى إعداد نص تعديل دستوري يتضمن المنع القسري لارتداء الحجاب، أو الإجبار القسري لارتدائه، كما يتضمن تعريف “الأسرة”، حيث تمت كتابة جملة قصيرة فقط وهي: “تتكون الأسرة من رجال ونساء”. وأعلن الرئيس أردوغان في خطاب “قرن تركيا” أن “التعديل الدستوري الخاص بالحجاب سيعرض على البرلمان الأسبوع المقبل”، أي في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.[68]
وقال أردوغان – في خطاب آخر: “دعونا نرى من سيتخذ موقفا بشأنها عندما يصل إلى البرلمان، وإذا تم قبول المقترح بأغلبية كافية في البرلمان فسيكون انتصارًا مهما لتركيا”. وتابع الرئيس التركي موجها حديثه إلى كليتشدار أوغلو: “إذا كانت لديك الشجاعة، تعال، فلنخضع ذلك للاستفتاء”، مضيفًا أنه “في حال لم يتمكن البرلمان من تمرير تعديل دستوري يشمل القانون المتعلق بالحجاب، فلنذهب إلى استفتاء شعبي لتمريره”.[69]
والواضح أن الكرة الآن في ملعب حزب الشعب الجمهوري، فإذا وافق على التعديل الدستوري، فإن ذلك سيؤكد صدق توجهه في حماية المحجبات، ما يزيد احتمالية تمكنه من كسب بعض أصوات الطبقات المحافظة، لكن قد يؤثر ذلك أيضًا على قواعده الشعبية العلمانية، التي ترفض تعديلًا كهذا. أما إذا أصر حزب المعارضة الرئيسي على رفض التصويت لصالح التعديل الدستوري في البرلمان، فإن ذلك من شأنه أن يصدق سردية الرئيس أردوغان حول عدم جدية “الشعب الجمهوري” فيما يتعلق بتصالحه مع ماضيه. وبالطبع، سيستغل أردوغان هذا في حملته الانتخابية.
وعلى أي حال، فمن المؤكد أن موضوع الحجاب بشكل خاص، وموضوع الحريات الدينية بشكل عام، سيظل مفتوحًا حتى وقت الانتخابات القادمة، وحتى إن حاولت المعارضة إغلاقه، إلا أن الحزب الحاكم سيعمل على إبقائه في الأجندة الانتخابية، لأنه يصب في صالحه.
زيارة كليتشدار أوغلو للولايات المتحدة
كان من اللافت أيضًا خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، زيارة كليتشدار أوغلو إلى الولايات المتحدة، لمدة 5 أيام، امتدت من 9 إلى 13 من الشهر نفسه. الزيارة كانت ملفتة، لأنها إلى الولايات المتحدة، التي يعتقد البعض أنها تؤثر في السياسات الداخلية لدول عدة، كما أنها جاءت في وقت بدأ فيه السباق الانتخابي بشكل فعلي، والذي يبدي كليتشدار أوغلو بين الفينة والأخرى رغبته في الترشح للرئاسيات القادمة، رغم عدم توافق المعارضة على مرشحها بعد.
ومن جهة كليتشدار أوغلو، فإن الزيارة كانت اقتصادية بحتة، تتضمن لقاءات مع رجال أعمال، وتكنولوجيين، كما أنها كانت للقاء الجالية التركية بالولايات المتحدة. لكن من جهة أخرى، فقد رأى مقربون من الحزب الحاكم أن الزيارة كانت لأخذ الضوء الأخضر من واشنطن للترشح للرئاسة. بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك، باتهام زعيم المعارضة بأنه تواصل مع فتح الله غولن، المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل عام 2016، والمقيم بالولايات المتحدة.
فقد قال الصحفي التركي، محمود أوفور، إن كلًا من مصطفى أوزجان ومصطفى يشيل، العضوين البارزين في منظمة “غولن”، سيذهبان إلى أمريكا بالتزامن مع زيارة كيلشتدار أوغلو، مؤكدًا أن جماعة غولن غير مقتنعة بقدرة زعيم حزب الشعب الجمهوري على منافسة أردوغان والفوز بالانتخابات.[70]
ولم يلتقِ كليتشدار أوغلو بأي مسؤول أمريكي رسمي، إلا أن ما ساهم في زيادة الجدل حول زيارته هو توجهات بعض المراكز التي زارها، بالإضافة إلى اختفائه لنحو 8 ساعات.
وفيما يخص الجدل حول الاجتماعات التي عقدها كليتشدار أوغلو، فقد أشار الصحفي، إرسين جليك، إلى الاجتماع الذي عقده زعيم المعارضة مع مؤسسة “مركز التقدم الأمريكي”. وكان هذا الاجتماع مغلقًا أمام الصحافة وحتى الصحفيين الذين رافقوا كليتشدار أوغلو خلال زيارته لم يُسمح لهم بالدخول، وفق جليك.
ونوه الصحفي التركي إلى أن “مركز التقدم الأمريكي” ليس مجرد مؤسسة فكرية عادية، فهي مؤسسة تتعاون مع تنظيم “غولن” الإرهابي من وقت لآخر تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، موضحًا أن المركز يعد أحد أبرز جماعات الضغط نفوذًا في واشنطن، وأن جون بوديستا، الذي قاد الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عام 2016، هو مؤسسه.[71]
وبدوره، قال الكاتب التركي، أورهان بورصالي، في مقاله المنشور بصحيفة “جمهوريت”: “علمنا أن الاجتماع حضره وفد من المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى بعض النواب بمجلس الشيوخ الأمريكي، ومسؤولين من مكتب، كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن. كما تابع مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية الاجتماع”.[72]
أما الزيارة الأخرى، فقد كانت لمقر “الاتحاد التركي الأمريكي (TAA)”. ووفق الصحفي التركي، بولنت أوراك أوغلو، فإن الاتحاد يُعتبر مظلة تنضوي تحتها المؤسسات والجمعيات المرتبطة بمنظمة غولن في الولايات المتحدة. وطرح أوراك أوغلو عدة أسئلة، منها: ماذا جرى خلال الاجتماع؟ وما الأمر الذي جرت مناقشته في الاجتماع الخاص مع كبار قياديي المنظمة بعد عقدهم للاجتماع العام؟ ولماذا كانت اللقاءات مغلقة أمام الصحافة؟ وهل اتصل الإرهابي غولن بكليتشدار أوغلو هاتفيًا؟ وما الرسائل التي وجهها له؟[73]
وبعيدًا عن هاتين الزيارتين وما أثير حولهما من أسئلة، فإن الحدث الأبرز في تلك الزيارة كان اختفاءه لمدة 8 ساعات، فقد استغرقت رحلته على الطريق الذي يبلغ طوله 351 كيلومترًا بين واشنطن ونيويورك 8 ساعات، بينما كان ينبغي أن تستغرق 3 ساعات و48 دقيقة. وهنا فُتح الباب واسعًا للتكهنات بشأن ما فعله كليتشدار أوغلو في تلك المدة، خصوصًا وأن البعض ذكر أن طريق زعيم المعارضة كان يمر بمدينة بنسيلفانيا، التي يقيم “غولن” بها.
وقد علق الرئيس التركي على تلك الحادثة قائلًا: “كليتشدار أوغلو ذهب إلى الولايات المتحدة قبل الانتخابات بأشهر قليلة، ذهب إلى إحدى محطات الوقود وتناول شطيرة طعام (هامبرغر) وأمضى هناك 8 ساعات، فلم يكن هناك أي داع للذهاب والتقاط الصور في أمريكا، كان بإمكانه فعل ذلك في تركيا”.[74]
وأضاف: “خلال هذه الرحلة توجد أمور غير معروفة، ومظلمة، ويجب على حزبه أن يقدم توضيحًا للجوانب المشبوهة التي تثير تساؤلات في هذه الزيارة، ولقائه أشخاصًا مرتبطين بجماعة الخدمة المحظورة، ولم يزر البيت التركي والسفارة التركية، بل التقى مع أشخاص مشبوهين”. كما كتب القيادي بالحزب الحاكم، ياسين أقطاي، مقالًا أعاد فيه التساؤلات التي أثيرت حول اختفاء كليتشدار أوغلو.[75]
وبالطبع، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين الزيارة – في توقيتها ووجهتها- وبين الملف الأبرز المطروح على الساحة السياسية التركية حاليًا، وهو اختيار اسم المرشح المنافس أردوغان. فبعيدًا عن صحة ما ذكره الصحفيون الأتراك حول تفاصيل الاجتماعات المغلقة التي عقدها زعيم حزب الشعب الجمهوري، والأسئلة التي طرحوها حول دور الإدارة الأمريكية ومنظمة غولن في الزيارة، إلا أن مجرد القيام بهكذا زيارة في مثل هذا التوقيت، قد يخصم من رصيد كليتشدار أوغلو لدى القوميين الأتراك.
وقد استغل الحزب الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية هذه الزيارة، عبر التركيز على ما ذكرناه من تساؤلات حول الزيارة، مع التذكير بالوعد الذي قدمه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال حملته الانتخابية في 2020، بالعمل مع المعارضة التركية لإسقاط الرئيس أردوغان.[76]
[1] عربي 21، وفد تركي رفيع المستوى يزور ليبيا.. سيبحث هذه القضايا، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[2] وكالة الأنباء الليبية، رئيس حكومة الوحدة الوطنية يستقبل وفدًا تركيا برئاسة وزير الخارجية، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[3] ترك برس، تقرير: ليبيا وشرق المتوسط من أبرز العوائق أمام تطبيع العلاقات التركية المصرية، 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[4] الحرة، بعد زيارة اليوم الواحد.. ماذا تعني “مذكرة الهيدروكربونات” بين تركيا وليبيا؟، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[5] صحيفة المغرب، اتفاقيات تركية ليبية تجابه برفض مصري ويوناني: تداخل الأدوار الخارجية في ليبيا ودورها في إطالة أمد الأزمة، 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[6] العربي الجديد، اتفاق نفطي وأمني بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وتركيا.. ومجلس النواب يعترض، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[7] RT عربي، سامح شكري: اتفاق أردوغان والسراج لا يمس مصالح مصر لكنه يعقّد الوضع، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2019
[8] رويترز، الاتحاد الأوروبي يجهز عقوبات جديدة على تركيا لتنقيبها عن الغاز في شرق المتوسط، 11 ديسمبر/ كانون الأول 2020
[9] بوابة الوسط، صدمة في اليونان بعد مذكرة التفاهم بين تركيا مع حكومة الدبيبة، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[10] وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، مصر: حكومة الوحدة المنتهية ولايتها بطرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية، 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[11] ليبيا الحدث، شكري: يجب دعم جهود مجلس النواب الليبي لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[12] الحرة، بعد زيارة اليوم الواحد.. ماذا تعني “مذكرة الهيدروكربونات” بين تركيا وليبيا؟، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[13] العربي الجديد، ليبيا: اعتراضات وجدل بشأن مذكرات التفاهم بين حكومة الدبيبة وتركيا، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[14] ديلي صباح التركية، تشاوش أوغلو: سنوقع مع ليبيا مذكرة تفاهم في مجال الغاز، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[15] يورو نيوز، الدبيبة يدافع عن الاتفاقية الموقعة بين ليبيا وتركيا في مجال النفط والغاز، 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[16] الأناضول، الدبيبة: لا تهمنا مواقف الدول المعارضة لمذكرة التفاهم الليبية التركية، 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[17] مركز المسار للدراسات الإنسانية، ملفات تركية – أغسطس/ سبتمبر 2022، 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[18] تلفزيون سوريا، أردوغان يعلن إلغاء المجلس الاستراتيجي مع اليونان، 24 مايو/ أيار 2022
[19] الحدث، لحل خلافات المسار الدستوري.. لقاء مرتقب بين صالح والمشري، 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[20] صحيفة الاستقلال، نحو الحرب.. ماذا وراء انزعاج اليونان من اتفاقية التنقيب بين تركيا وليبيا؟، 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[21] TRT عربي، الاتفاق التركي-الليبي يصب في صالح مصر.. والإمارات عنصر مُخرِّب، 19 يونيو/ حزيران 2020
[22] TRT عربي، يبدأ الإنتاج في 2023.. إلى أين وصلت تركيا في استخراج غاز البحر الأسود؟، 8 إبريل/ نيسان 2022
[23] ترك برس، بين باشاغا والدبيبة وخيار ثالث.. أين تقف تركيا من الأحداث الأخيرة في ليبيا؟، 22 سبتمبر/ أيلول 2022
[24] RT عربي، ليبيا.. حكومة باشاغا ترفض اتفاقية للتنقيب عن الغاز بين أنقرة وطرابلس، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[25] الحساب الرسمي لفتحي باشاغا على فيسبوك، بيـــــــان، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[26] اندبندنت عربية، رسائل “سياسية” لحفتر خلال عرض عسكري، 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[27] الأناضول، أنقرة.. أردوغان يلتقي رئيس مجلس النواب الليبي، 2 أغسطس/ آب 2022
[28] تلفوزيون سوريا، مذكرة تفاهم ليبية تركية في مجال الغاز والنفط، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[29] الرؤية، نائب وزير خارجية تركيا يصل إلى القاهرة فى أول زيارة منذ يونيو 2013، 5 مايو/ أيار 2021
[30] ترك برس، وفد مصري في تركيا لبحث كيفية تحسين العلاقات بين البلدين، 7 سبتمبر/ أيلول 2021
[31] القدس العربي، 3 عوائق في مسار التطبيع التركي عربياً.. التعنت المصري والتروي السعودي وألغام النظام السوري، 22 سبتمبر/ أيلول 2022
[32] صفحة القائم بالأعمال التركي على فيسبوك، سفير، القائم بالأعمال للجمهورية التركية بالقاهرة Büyükelçi, TC Kahire Maslahatgüzarı.، تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
https://www.facebook.com/SaMutSen
[33] الأناضول، أردوغان: الدبلوماسية التركية تشهد أكثر مراحلها نجاحا، 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[34] CNN عربي، بعد معتز مطر.. محمد ناصر يعلن توقف بث برنامجه وغيابه عن شبكات التواصل، 25 يونيو/ حزيران 2021
[35] Nashaat Eldeehy، ” كفروا المجتمع وعايزين يهدوا مؤسسات الدولة” تعليق ناري من الديهي على مؤتمر للإخوان في اسطنبول، 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[36] وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، مصر: حكومة الوحدة المنتهية ولايتها بطرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية، 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[37] ليبيا الحدث، شكري: يجب دعم جهود مجلس النواب الليبي لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[38] الأناضول، تشاووش أوغلو: الحرب الروسية الأوكرانية تتعقد أكثر مع استمرارها، 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[39] يني شفق، تركيا: لا تهمنا تصريحات اليونان وأوروبا حول اتفاقنا مع ليبيا، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[40] قناة العربية، مقابلة خاصة مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[41] سكاي نيوز عربية، الرئيس الأميركي: علينا بيع مقاتلات “إف-16” لتركيا، 30 يونيو/ حزيران 2022
[42] RT عربي، أردوغان: حلف الناتو بدون تركيا سينهار، 21 يونيو/ حزيران 2021
[43] فرانس 24، أردوغان ينتقد سياسة الغرب تجاه روسيا ويصفها بـ”الاستفزازية”، 7 سبتمبر/ أيلول 2022
[44] مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أردوغان يلعب على الحبلَين، 27 سبتمبر/ أيلول 2022
[45] القبس الكويتية، أميركا ترفع حظر الأسلحة عن قبرص.. أنقرة تندد ونيقوسيا ترحب، 17 سبتمبر/ أيلول 2022
[46] المصدر نفسه
[47] المصدر نفسه
[48] سكاي نيوز عربية، اليونان تطلب رسميًا شراء طائرات إف 35 من الولايات المتحدة، 1 يوليو/ تموز 2022
[49] الميادين، واشنطن: سيادة اليونان على جزيرتي إيجه ليست موضع شك، 29 سبتمبر/ أيلول 2022
[50] مصر اليوم، اتفاق تركيا وليبيا بشأن الطاقة.. أوروبا تدخل على الخط، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[51] ميدل إيست أونلاين، أردوغان يعلق المحادثات مع اليونان في تصعيد لأزمة لا تهدأ، يونيو/ حزيران 2022
[52] ديلي صباح، أردوغان: قمة منظمة شنغهاي مناسبة مهمة لتأكيد أولويات تركيا وهدفنا عضويتها، 17 سبتمبر/ أيلول 2022
[53] العربية، تركيا: لدينا مخاوف مشروعة بشأن انضمام السويد وفنلندا للناتو، 18 مايو/ أيار 2022
[54] الميادين، البيت الأبيض: لم نقدّم أي تنازلات لأنقرة لتوافق على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، 29 يونيو/ حزيران 2022
[55] DW عربية، من يريفان..بيلوسي تدين ″هجوم″ أذربيجان على أرمينيا، 18 سبتمبر/ أيلول 2022
[56] مسك للإعلام، قانون مكافحة التضليل الإعلامي .. ضرورة أم تقييد ؟ – شؤون تركية، 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[57] RT عربي، الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية التركية القادمة، 19 أغسطس/ آب 2022
[58] الحرة، إردوغان يستبق الانتخابات.. و”حسم المنافس” بـ”قرن تركيا”، 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[59] الحساب الرسمي لكليتشدار أوغلو على تويتر، تصريح حول حرية ارتداء الحجاب، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[60] يني شفق، الحجاب في تركيا.. من المنع إلى القبول، 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018
[61] ترك برس، مراحل تطور مسألة الحجاب في تركيا، 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[62] القدس العربي، هل أُسدل الستار على معركة الحجاب في تركيا؟، 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[63] عربي 21، “قضية الحجاب في تركيا” تحرج كليتشدار أوغلو.. لماذا أثارها؟، 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[64] Constitute Project، دﺳﺘﻮر ﺗﺮﻛﻴﺎ اﻟﺼﺎدر ﻋﺎم 1982 ﺷﺎﻣﻼ ﺗﻌﺪﻳﻼﺗﻪ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻋﺎم 2017، تاريخ الوصول: 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[65] ترك برس، قراءة في الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان التركي قبيل الانتخابات المحلية، 5 ديسمبر/ كانون الأول 2018
[66] عربي 21، “قضية الحجاب في تركيا” تحرج كليتشدار أوغلو.. لماذا أثارها؟، 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[67] Hürriyet, Başörtüsü ile ilgili Anayasa çalışmalarının perde arkası, Ekim 11, 2022
[68] TRTعربي، “مئوية تركيا”.. أردوغان: سنبقى متّحدين لجعل تركيا عظيمة ولن يهدد وحدتنا شيء، 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[69] RT عربي، الرئيس التركي: إن لم نتمكن من تمرير تعديل دستوري يشمل قانون الحجاب فلنذهب إلى استفتاء شعبي، 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[70] نيو ترك بوست، كليتشدار أوغلو في الولايات المتحدة الأمريكية.. لماذا؟، 27 سبتمبر/ أيلول 2022
[71] يني شفق، هل سيعمل كليجدار أوغلو مع الفريق الذي أسقط ترامب؟، 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[72] المصدر نفسه
[73] يني شفق، هل اجتمع كليجدار أوغلو مع منظمة غولن الإرهابية في بنسلفانيا خلال اختفائه لمدة 8 ساعات؟، 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[74] العربي الجديد، سجال تحديات متبادلة بين أردوغان وزعيم المعارضة التركية كلجدار أوغلو، 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[75] الجزيرة مباشر، ربما ضل كيليتشدار أوغلو طريقه حقًّا.. ما يدريكم؟!، 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[76] العربية، بايدن يتعهد بإسقاط أردوغان ويصفه بـ”المستبد”، 13 أغسطس/ آب 2020