مجموعة الخمس الإسلامية
المنطلقات…الامكانيات… التحديات
ربيع الثاني 1441 هـ .. ديسمبر 2019
مقدمة
منذ مطلع التسعينيات والكيانات الإقليمية وغيرها من التكتلات القائمة على المصالح يبرز دورها بشكل كبير، فرأينا الآسيان، وتجمع البيريكس، ولا يغيب عن الأذهان تجربة الاتحاد الأوروبي، وهي كيانات وتجمعات استطاعت أن تعبر عن مصالح أعضائها بشكل كبير على الساحة الدولية.
ولكن للأسف فإن دول العالم الإسلامي التي تشكل نسبة لا يستهان بها من سكان العالم، وكذلك لديها من الثروات ما يمكن اعتباره على الصعيد الاستراتيجي، هي الدول الأكثر معاناة بين أقاليم العالم المختلفة، سواء فيما يتعلق باحتلال بعض الدول الإسلامية، أو اضطهاد الأقليات المسلمة، فضلًا عن الحروب البينية بين بعض الدول الإسلامية، كما أن بعضها يشهد حروبًا أهلية، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وتأتي الدعوة لإقامة مجموعة الخمس الإسلامية لتشكل نواة لتجمع إسلامي يأمل فيه الكثير من الشعوب الإسلامية، أن يتبى مصالحها، وان يفعل بجواره ما هو قائم من منظمات إسلامية أخرى، سواء في منظمة التعاون الإسلامي، وما ينبثق عنها من مؤسسات، أو تلك التجمعات الإقليمية التي تشارك فيها الدول الإسلامية بحضور قوي، وتستهدف التنمية والسلام العالميين.
تنطلق مجموعة الخمس الإسلامية، وهي تضم دول ذات اقتصاديات معتبرة، ولها تطلعاتها وحضورها على الصعيد العالمي، ومن ثم نستطيع القول بأن الإرادة السياسية منعقدة في هذا التجمع، وهذه ميزة لتحقيق حالة نجاح افتقدت إليها التجارب السابقة، حيث كانت الحكومات للدول الإسلامية المختلفة، تكتفي بمجرد تمثلها في المؤسسات والمؤتمرات، دون تفاعل يغير من واقع البلدان والمجتمعات الإسلامية.
والجدير بالذكر أن التجارب الناجحة في تجمعات أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي بدأت بمجموعة من الأهداف الصغيرة، وظلت على مدار خمس عقود تتحرك من نجاح إلى نجاح إلى أن وصلت إلى مرحلة الاتحاد الأوروبي مع بداية الألفية الثالثة.
ونحسب أن تجربة مجموعة الخمس الإسلامية، تستطيع أن تقود تجربة ناجحة في ضوء استقراء خريطة الإمكانيات والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، ووضع خطة للتعامل معها، وفي هذه الورقة نستعرض ثلاث محاور رئيسة، يتصور أنها تفيد في هذا الإطار، والتي نستعرضها فيما يلي.
أولًا: الأبعاد السياسية
تنطلق أعمال القمة خلال الفترة بين 18 إلى 21 ديسمبر تحت عنوان “دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية”، بمشاركة كلا من زعماء ماليزيا وتركيا وباكستان وإندونيسيا وقطر، ووفود من إيران ودول أخرى، ومن المتوقع أن يشارك نحو 450 من العلماء والمفكرين والباحثين لمناقشة القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية.
أهداف المؤتمر
حيث اعتبر الموقع الرسمي للمؤتمر على تويتر أن القمة تعتبر منصة دولية للقادة المسلمين والمثقفين والعلماء من جميع أنحاء العالم، للتفكير والالتقاء والاتحاد، للعمل ضد مفاهيم “الإسلاموفوبيا” وإظهار الدين الإسلامي في صورته الحقيقية.
بينما عبر رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، الذي أطلق فكرة المؤتمر ودعا إليه، أن التحالف هدفه “إطلاق نهضة إسلامية وتوحيد العالم الإسلامي” والمساعدة في “تخفيف تبعية الأمة الإسلامية وإخضاعها من قبل الآخرين”، حيث أشار مهاتير أن المسلمون صاروا يتعرضون للقمع في كل مكان، ويوصفون بأنهم إرهابيون، مع تنامي شعور بالخوف من الإسلام، ولا يزداد الوضع إلا سوءًا.
وأضاف مهاتير أن القمة ستكون الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول لأمراض العالم الإسلامي، وأعرب عن أسفه لوجود دول فاشلة ومتخلفة في العالم الإسلامي، وأشار لضرورة أن يقوم المفكرين والعلماء والقادة بمعرفة الأسباب التي تؤدي لهذا.
أما من في تركيا فقد أشار المحلل السياسي يوسف كاتب اوغلو في مقابلة لـ DW إلى أن “فكرة التحالف تقضي بوجود محرك يمكنه دفع الدول الإسلامية عند اللزوم ضد أي هجوم أو خطر يتعرض له الإسلام والمسلمين في العالم، فالتحالف الجديد يهدف لإعادة ترتيب الأفكار حول القضايا الكبرى لتكون هناك نواة صلبة للوقوف في وجه أي هجوم ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً بل قد يكون هجوما ضد الإسلام وثوابته”.
جدوى التحالف الجديد
ويرى محمد المشد، الباحث في الاقتصاد السياسي بأكاديمية ساواس في لندن، “أن ما يمكن أن يجمع هذه الدول ويميزها عن دول إسلامية أخرى هو أن لديها طاقة بشرية هائلة، يبلغ تعداد سكان الدول الخمس مجتمعة نحو 400 مليون نسمة، إلى جانب تمتعها بالقوة السياسية والاقتصادية”، وهي عوامل مهمة في معادلة موازين القوى، يضاف إليهما القدرة على التأثير السياسي من خلال وضع وتحالفات كل دولة، حيث تتمتع ماليزيا باقتصاد قوى ووضع إقليمي جيد، وتركيا واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم، وعضو في حلف الناتو، وباكستان دولة نووية، بالإضافة إلى قطر ذات القوة المالية الهائلة، كما يمتد الموقع الجغرافي للدول مجتمعة بين أوروبا وآسيا، ومن المتوقع أن ينضم للتحالف بمضي الوقت عدد أكبر من الدول الإسلامية، مما سيمكن هذا التحالف من التأثير بشكل أكبر من تأثير كل دولة على حدة.
ومع أن توقيت التحالف جاء في وقت تعاني منه بعض الدول المؤسسة من مشكلات تتمثل في تعرض تركيا لهزة اقتصادية قوية بسبب الولايات المتحدة، وتعرض باكستان لأزمة بعد قرار الهند إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري للجزء الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، في الوقت الذي تبدو فيه الهند شريكاً مفضلاً للولايات المتحدة الأمريكية على حساب باكستان. إلا أن التكامل بين الدول المؤسسة قد يدفع في اتجاه تجاوز هذه الأزمات.
ولكن يجب أن يكون معلوما أن التحالف مازال ينقصه الكثير حتى يكون مؤثرا في السياسات الدولية، فهيكل العلاقات الأمنية والاقتصادية الحالية يمثل قيدا كبيرا، عل تطور هذا التعاون، ويحد من قدرته على مواجهة تحديات القوى الكبرى ضد المسلمين، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة والصين، يتمثل ذلك في انخفاض حجم التعاون العسكري والأمني والتبادل التجاري بين الدول المؤسسة بالنسبة إلى حجمها بينها وبين الدول الكبرى.
ولكن أمام هذه الدول فرصة جيدة حيث أن هناك تغيرات كبيرة في توازن القوى السياسية والاقتصادية تحدث في العالم، حيث يرى الباحث محمد المشد أن ” وهذه التحولات الجذرية ربما لم نشهدها منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مروراً بالسبعينات، التي ترسخت فيها الهيمنة الغربية على مجرى السياسة والاقتصاد الدوليين”.
ويضيف المشد: “من الواضح أن هذا المشهد يبدو أنه يتغير في الوقت الحالي، والعالم الإسلامي ليس بمنأى عن هذه التغيرات، بجانب كل ما سبق من تحولات مالية وسياسية سعودية وانفتاح مصري بشكل كبير على دول أخرى ومحاولة للابتعاد قليلا عن المظلة الأمريكية، فالكل فعلياً يستشعر اقتراب التغيرات الاقتصادية والسياسية، ومن حق الدول أن تبدأ في البحث عما يحمي مصالحها خاصة وأن التغيرات في أي توازنات سياسية تتم على أرضية اقتصادية قوية”. مما قد يعطي للتحالف فرصة أفضل للتأثير والنجاح، عن طريق محاولة استغلال القدرات البشرية والاقتصادية والعسكرية لهذه الدول موحدة.
مما يشير إلى أن التحالف ربما يجب أن يبحث عن تعزيز النفوذ الإقليمي للدول المؤسسة للتحالف، وكذلك النفوذ الدولي للتحالف ككل في مواجهة الدول الكبرى، خاصة تلك التي تعمل ضد مصالح وقضايا المسلمين، وتكوين قيادة موحدة للعالم الإسلامي، تقوم بحماية مصالح المسلمين، إذ ربما تكون الفرصة التاريخية سانحة لذلك، وذلك بعد أن بات واضحا للجميع موت الفاعلية للمنظمات الإقليمية والإسلامية القائمة، كمجلس التعاون الخليجي أو منظمة التعاون الإسلامي، أو حتى جامعة الدول العربية.
الموقف المصري والسعودي
لم تعلق حكومات مصر والإمارات رسميا على انعقاد القمة، ولكن هاجم مقربون منها القمة عبر كتاب ونشطاء ومواقع إعلامية محسوبة عليها، حيث توقع الكاتب السعودي سلمان الدوسري، المقرب من السلطات أن تفشل القمة “لأنها ستعقد بدون السعودية”، مشيرا إلى أن “أي قمة إسلامية بدون المملكة مصيرها الفشل”، و قال الكاتب السعودي، عبدالله العولقي، في مقال صحفي له على موقع الرؤية الإلكتروني بدبي، “بينما الكل يدرك حقيقتها ومغزاها (قمة كوالالمبور) وأنها تتخفّى وراء أجندات ميكيافيلية ووصولية، وراءها ينمو ويتمترس الفكر الإخواني”. ووصفت صحيفة الدستور المصرية، الموالية للانقلاب، القمة بأنها “قمة إرهابية مصغرة”، مشيرة إلى أن الهدف منها هو “البحث عن مأوى للإرهابيين هو قطعا، أبرز الهواجس والمشاكل المشتركة بين الدول الخمس”.
وفي مقابل هذا الموقف نفى ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مقال له، أن تكون القمة بديلا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، قائلا: “قمة كوالالمبور ليست لديها نية أن تطرح نفسها بديلا”، مضيفا: “لا يمكننا أن نقول إن السعودية والإمارات ومصر وغيرها من الدول القوية، تبدو فاعلة وصاحبة دور في إيجاد حل يصب بصالح المسلمين في ميانمار، وكشمير وفلسطين وتركستان وسوريا”.
أما يوسف كاتب أوغلو فيؤكد على أن التحالف ليس موجها ضد دول إسلامية أخرى، وإنما بين دول تتوافق فيما بينها على رؤيتها بشأن قضايا تهم الأطراف جميعها ولأي جهة الحق في أن تعترض، مؤكداً على المكانة الروحية للسعودية التي لا خلاف عليها من حيث أنها بلاد الحجاز، وليس لأنها مملكة السعودية، فهذه بلاد لها مكانة خاصة لدى كل المسلمين في العالم، لكن هذه المكانة الخاصة لبلاد الحجاز ليس بالضرورة أن تحظى بها الدولة السعودية”.
الخلاصة
أن التحالف الجديد جاء في ظرف تاريخي ربما يسمح له، أفضل من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، لاحتلال مكانة في معادلة القوى الدولية حال نجاحه في تحقيق الاتحاد والتكامل السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي بين دوله، إلا أن هذا أمر شاق، ويحتاج إلى عمل متواصل ودؤوب من الدول المؤسسة وشعوبها، وتنبه للمؤامرات الدولية المتعددة التي ستحاك لإفشال عمل الاتحاد، كما حدث مع باقي المنظمات الإقليمية والإسلامية السابقة.
ثانيًا: الإمكانيات والتحديات الاقتصادية
إنزال الأفكار على أرض الواقع فيما يتعلق بالتجارب الناجحة للتجمعات الاقتصادية، ليس بالعمل السهل، فتجربة الاتحاد الأوروبي في خمسينيات القرن العشرين، وجهت بإعراض، وأطلقوا على أساتذة الجامعة الذين دعول للفكرة لقب “الحالمون” بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها الدول الأوروبية من عداوات وخلافات سياسية وفكرية بعد الحرب العالمية الثانية.
بينما التدرج وحسن اختيار الملفات التي تمثل مصالح لدول أوروبا، ساعد على تحريك ملف الاتحاد الأوروبي، خطوة تلو الأخرى. وقد لا تتطابق الأجواء والظروف التي مر بها الاتحاد الأوروبي مع الأجواء التي تحيط بالتجربة الوليدة لمجموعة الخمس الإسلامية.
ولكن هناك مقومات، ومتطلبات، وتحديات، تدفع لإطلاق مجموعة الخمس الإسلامية، وإن كانت وجهت مع بداية انطلاقها ببعض الرسائل السلبية، كاتخفيض التمثيل الرئاسي لكل من اندونسيا وباكستان عن حضور اجتماع إطلاق المجموعة، المقرر عقده في ماليزيا في 19 ديسمبر 2019، وندب مستوى أقل بحضور وزراء الخارجية للبلدين.
والإعلان عن تكوين مجموعة الخمس الإسلامية (اندونسيا، وتركيا، وإيران، وماليزيا، وقطر) يهدف إلى تكوين تجمع يخدم الشعوب الإسلامية ويتبنى قضاياها.
وحسب تصريح مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الذي دعا لإطلاق هذه المجموعة، فإنها ليست بديلًا عن منظمة التعاون الإسلامي، وأن مجموعة الخمس الإسلامية ستضم بلدان إسلامية آخرى فيما بعد.
وإعلان هذه المجموعة يذكر بتجربة سابقة، ولكنها ماتت على أرض الواقع، بفعل غياب الإرادة السياسية، والتجربة السابقة هي “مجموعة الثمان الإسلامية” التي أطلقها الزعيم الإسلامي ورئيس وزراء تركيا السابق نجم الدين أربكان رحمه الله ،في النصف الثاني من التسعينيات، وكانت تضم (اندونسيا، وبنجلاديش، وباكستان، إيران، وماليزيا، ونيجريا، ومصر، وتركيا).
وبعد الانقلاب العسكري على أربكان في تركيا، تم تغيير اسم المجموعة إلى “مجموعة الثمان للتنمية”، وإن كانت المجموعة تحافظ على انتظام اجتماعاتها وحضور ممثليها، إلا أنها غير فاعلة في العلاقات التجارية والاقتصادية بين أعضائها.
ولعل تجربة مجموعة الخمس تجُب تجربة مجموعة الثمان، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تحيط بالعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، التي يعاد رسم خرائطها، الجغرافية، والسياسية والاقتصادية.
ومجموعة الخمس الإسلامية التي من المقرر أن يطلق عملها في ماليزيا في 19 ديسمبر 2019، بحضور نحو 450 مشاركًا من رجال أعمال ومسئولين حكوميين وشخصيات إسلامية، تضم عضوين بمجموعة العشرين هما، اندونسيا، وتركيا، ولديها سوق كبير من حيث عدد السكان، حيث تضم اندونيسيا وباكستان وتركيا (عدد سكان الدول الثلاث 562.1 مليون نسمة).
كما أنها تضم اقتصاديات تعتمد على إنتاج التكنولوجيا المتقدمة مثل، اندونسيا، وماليزيا ودول صناعية مثل تركيا، وكذلك دولة نووية وهي باكستان، كما تتمتع المجموعة بعضوية قطر ذات الملاءة المالية التي تؤهلها للمشاركة في المجموعة لتعضد من تمكين المشروعات التي قد تطرحها المجموعة فيما بعد، وتحتاج إلى المساهمات المالية.
الإمكانيات وتحديات
المدخل الاقتصادي هو المدخل الهادئ لاستعادة بناء قوة لدول العالم الإسلامي، ولعل تجربة الصين تكون ملهمة في هذا الصدد، حيث تمكنت الصين من بناء ذاتها اقتصاديًا ثم تمدد مشروعها الناعم عبر العلاقات التجارية والاقتصاديية والثقافية، ثم هي الآن تضارع القوى الكبرى، وتمثل حجر العثرة أمام تفرد أمريكا بقيادة العالم، وثمة قراءات تذهب لأن تكون الصين قوى عظمى في الأجل المتوسط.
ولتحقيق مجموعة الخمس طموحاتها وأهدافها أيًا كان آجالها، فإنها بلا شك سوف تواجه تحديات، قد تتناسب مع تلك الطموحات والأهداف أو تفوقها، وفيما يلي نشير إلى أهم الإمكانيات التي تمتلكها دول المجموعة، وكذلك التحديات التي يتوقع أن تواجهها.
- ناتج محلي مميز، تتميز ثلاث دول من بين أعضاء المجموعة بأن ناتجها المحلي الإجمالي يعتمد على القيمة المضافة، وهي اندونسيا، وماليزيا، وتركيا، بينما باكستان وقطر يعتمدان على المواد الأولية. وحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول المجموعة 2.66 تريليون دولار، وتأتي أندونيسيا في المقدمة بناتج قيمته 1042 مليار دولار، ثم تركيا بناتج قيمته 766 مليار دولار، ثم ماليزيا 354 مليار دولار، ثم باكستان 312 مليار دولار، وتأتي قطر في المرتبة الأخيرة بناتج قيمته 192 مليار دولار.
والتحدي أمام المجموعة فيما يتعلق بناتجها المحلي، هو أن يؤدي هذا التجمع الجديد إلى تحسين هيكل الناتج المحلي بكافة دول المجموعة، فيتحسن أداء التكنولوجيا في الاقتصاد التركي، ويتم انتشال باكستان من تصنيف الدول الأقل نموًا، وأن يحظى الاقتصاد القطري بما يدعمه لامتلاك اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط فقط.
- تبلغ التجارة الكلية لدول المجموعة مع العالم في عام 2018 نحو 1.42 تريليون دولار، وذلك حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، وتحتل ماليزيا المرتبة الأولى من حيث قيمة التجارة مع العالم بقيمة 464.7 مليار دولار، تليها تركيا بقيمة 390.9 مليار دولار، ثم اندونسيا بقيمة 368.9 مليار دولار، ثم قطر بقيمة 120.6 مليار دولار، وفي المرتبة الأخيرة تأتي باكستان بقيمة 83.8 مليار دولار.
وثمة مجموعة من التحديات تواجه دول المجموعة بشأن التجارة الخارجية، أولها أن تنجح المجموعة في زيادة معدلات التبادل التجاري فيما بينها، مع المحافظة على تجارتها القائمة مع باقي دول العالم خارج المجموعة. بحيث لا يكون زيادة التبادل التجاري لدول المجموعة خصمًا من رصيدها مع شركائها التجاريين الآخرين.
كما يلاحظ أنه لا توجد دولة واحدة من بين دول المجموعة تشكل شريكًا تجاريًا واقتصاديًا في مرتبة متقدمة ضمن الشركاء التجاريين العشر الأول لأي دول داخل المجموعة.
وثمة تحد كبير يتعلق بالمكون الخاص بالتكنولوجيا المتقدمة في الصادرات السلعية لدول المجموعة، وهو أنه باستثناء ماليزيا، تعتبر دول المجموعة صاحبة أداء متواضع في هذا المجال.
فأرقام قاعدة بيانات البنك الدولي توضح أن مجموع ما تصدره دول المجموعة في مجال التكنولوجيا المتقدمة في عام 2018 بلغ ما يزيد بقليل عن 100 مليار دولار. كان لماليزيا نصيب الأسد منها بنحو 90.3 مليار دولار!!
- تكتسب مجموعة الخمس الإسلامية، أحد نقاط القوة، كونها تنطلق عبر اتفاق بين حكومات، بما يعني لها توفر الإرادة السياسية، التي تمكنها من تفعيل مشروعها، وبخاصة أن غلبية دول المجموعة تحكمها نظم ديمقراطية، ولابد أن تتوخى المصلحة الاقتصادية في أي من خطواتها.
ولكن التحدي الذي سيواجه المجموعة هو أن تنجح الحكومات في إقناع مجتمع الأعمال والمجتمع الأهلي في تفعيل أهداف هذا التجمع الجديد، ليكتسب دعمًا شعبيًا بجانب توفر الإرادة السياسية للحكومات. والمجتمع الأهلي بدول المجموعة يمكنه تقديم أمور مفيدة، مثل التعليم وتبادل خبرات التكنولوجيا والبحث العلمي بين الجامعات ومراكز البحوث بدول المجموعة. وكذلك نقل تجارب النجاح في مشروعات التنمية التي تحققت في كل من ماليزيا واندونسيا وتركيا.
- الانطلاق من المدخل التجاري والاقتصادي مهم، وقد يُعول عليه بشكل كبير في عمل المجموعة، ولكن يخشى من تحد جرها إلى الصراع السياسي، وبخاصة أن دول المجموعة بشكل عام تعاني من كون بعضها أطراف في الصراع القائم بمنطقة الشرق الأوسط، كتركيا وقطر.
وثمة نقد وجه للمجموعة بأنها محاولة لتفريغ منظمة التعاون الإسلامي من مضمونها، وهو ما نفاه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا مبكرًا. وأمام المجموعة فرصة لتحقيق حالة نجاح وتلافي ما يُنصب لها من شباك الوقوع في الخلاف السياسي، الذي أفسد تجارب أخرى كان ينتظر منها أن تقود تجمعات إقليمية عربية أو إسلامية، مثل مجلس التعاون الخليجي، أو الاتحاد المغاربي، أو السوق العربية المشتركة، أو مجموعة الثمان الإسلامية.
لا تكفي العواطف في بناء التكتلات السياسية والاقتصادية، ولكن لابد من وجود مصالح مشتركة، يتم استهداف زيادة قيمتها وحجمها، وأن يكون الجميع مستفيد من المصالح المتحققة، ولعل التجارب القائمة في الاتحاد الأوروبي، أو تجمع البريكس أو الآسيان، تفيد المجموعة في تقفي أثرها، والسير نحو تحقيق حالة من النجاح، يمكن من خلالها جذب دول إسلامية أخرى للمجموعة.
بيانات أساسية
عن مجموعة الخمس الإسلامية
ثالثًا: رُهابُ الإسلام : الإسلاموفوبيا
أمام استمرار الصراع القديم، الذي كان دوما يتخذ من الأديان ذريعة لتورية الأطماع الاقتصادية والاستيطانية، نطرح هذه الأسئلة:
- لماذا يصر الغربيون على محاربة المسلمين من خلال دينهم؟
- لمصلحة من يظل الترويج لمفهوم ” الإسلاموفوبيا”؟
- كيف يمكن أن ندفع مشاعرالإسلاموفوبيا داخليا وخارجيا، ونؤسس لحوار جديد بين الأديان؟
معنى الإسلاموفوبيا وخريطة انتشارها
اتخذ الغرب من الإسلاموفوبيا مطية إيدولوجية للسيطرة على “مدائن الشرق وأراضيه التي تفيض لبنا وعسلا”، عبر مخطط يهدف إلى تفتيت وحدة الأمة الإسلامية، وإبقائها في حالة ضعف.
في تقرير لجنة” المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا” عام 1997 بعنوان: ” الإسلاموفوبيا تتحدانا جميعا، وضع التقرير تعريفات لهذه الظاهرة، منها :
اعتبار الإسلام عقيدة صماء وجامدة وغير قابلة للتغيير، ويترتب عليه أن هذا الدين منغلق على نفسه ولا يمكنه أن يتفاعل مع المشتركات الكونية، ما يجعل من الشعوب الإسلامية شعوبا بربرية التفكير والمعاش، عدوانية وشهوانية، وبالتالي فهي متخلفة بالنظر إلى الشعوب الغربية. وبهذا يكون الإسلام الحاضنة المثالية للإرهاب الدولي و” صراع الحضارات” . والمحصلة هي تنامي العداء الغربي للمسلمين المهاجرين ، وذلك بعزلهم وإقصائهم من الفضاء العام، وعدم الاعتراف بجهودهم في نماء المجتمع وتقدمه، والأخطر من هذا أن هذا العداء وهذا التمييز في العمل والحقوق والشأن السياسي، أضحى مقنَّنا ومشروعا ولا يُدان قانونيا أو حتى أخلاقيا”.
أضحى استعمال المفهوم دارجا لغويا وسياسيا ، منذ مؤتمر” تحدي الإسلاموفوبيا” الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة سنة 2004.وقد جاء في هذا التقرير اعتراف دولي بالأسباب العميقة التي ولدت وأجَّجت مشاعر الرُّهاب من الإسلام، وهي بالأساس أسباب سياسية متعلقة بالوضع الجيو-سياسي العربي الذي تسبب فيه الاستعمار الغربي للمنطقة العربية واحتلال فلسطين، وهو ما فاقم العداء بين الشرق والغرب، وخاصة تنامي مشاعر الاضطهاد والنكبة لدى العرب-المسلمين، ومحاولتهم استعادة حقوقهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم. لكنَّ الآلة الإعلامية والسياسية الغرية، لا تفتأ في تصويرهم على أنهم ” برابرة” وأعداء” الديمقراطية” تحركهم مشاعر الضغينة تجاه الغرب، ولذلك فهم خطر على الأمن القومي الغربيّ يجب استئصاله.
تنتمي مفردة الإسلاموفوبيا(الرُّهاب من الإسلام) إلى سجل ثقافة الكراهية والميز العنصري والعداء للسامية ، الذي كرسته الدراسات الاستشراقية عن الإسلام والمسلمين عبر تاريخ الصراع الطويل بين الإسلام والتقليد اليهودي- المسيحي .
وتتضمن مفردة” إسلاموفوبيا” المخاوف بنوعيها؛ مخاوف من المسلمين المهاجرين وعموم المسلمين أينما وجدوا في العالم. بحيث تُمدِّد مشاعر الرهبة والعنف الرمزي إلى درجة التعميم الزائف، الذي يتعامى عن رؤية التنوع بين المسلمين أنفسهم.
انتشر الرهاب الإسلاموي برعاية الأحزاب اليمينية المحافظة ، وانحرفت تبعا لذلك محاور الصراع الحقيقي بين غرب إمبريالي متعطش لثروات الشرق ، وشرق يتوق إلى التحرر من سلاطين الداخل والخارج .
وإذا كان الكثيرون يعتبرون أنّ الإسلاموفوبيا مرتبطةٌ ارتباطاً شديداً بقضايا الإرهاب الحديثة العهد، فإنَّ مفكّرين غربيين ومتخصّصين في الأنثروبولوجيا يرون أنّ “العداء للإسلام” أقدمُ بكثير من ذلك، وأنّ جذوره ترجعُ إلى أكثر من مائة عام، قبل أن تُستعمل في وسائل الإعلام الغربية في نهاية القرن العشرين، وتدخل مرحلةً جديدة مع أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية.
وبالنّسبة للكثير من المفكّرين وعُلماء الاجتماع، فللإسلاموفوبيا جذورٌ ضاربةٌ في التاريخ. إذ يعتبر هؤلاء أنّ العداء للإسلام وُلِد من رحم الصّراع الكبير والأزلي بين العالمين المسيحي والمُسلم. وهو صِراعٌ وُجد منذ أوّل تصادُمٍ بين المسلمين والمسيحيين خلال الفتح العربي الإسلامي لجنوب أوروبا، ثمّ خلال الحملات الصّليبية في الشّرق، وبعدها أثناء التوسّع الاستعماري الأوروبي في المجتمعات العربية والإسلامية.
في هذا السّياق، ربَطَ المفكّر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد بين هذا التصادم بين الحضارتين المسيحية والمسلمة والخوف من الإسلام. يقول في كتابه “الاستشراق، الشّرق الذي خلقه الغرب”: “طيلة فترةٍ طويلة من تاريخ أوروبا كان الشرق العربي المسلم هو الوحيد الذي يمثّل تحدّياً كبيراً لها. وطيلة هذه الفترة، كانت فكرةُ الشرق في ذهن الغرب تتأرجحُ بين الاحتقار والخوف”.
الإسلاموفوبيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
يخطئ من يعتقد أن ظاهرة الرُّهاب من الإسلام (الإسلاموفوبيا) اقترنت باعتداء الحادي عشر من سبتمبر 2001، لأنها قديمة قدم الصراع المتأصل بين أتباع الديانات الكبرى، وسببها الرئيس الذي تناسلت منه بقية الأسباب، هو الإنكار اليهودي-المسيحي للإسلام ولنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن نستطيع أن نقول إنه في بداية الألفية الثالثة، دخلت الإسلاموفوبيا مرحلةً جديدةً من تاريخها. ففي إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، روّج الكثير من المفكّرين الغربيين لفكرة “الخطر الإسلامي”.
وقد أعاد ذلك طرح إشكالية المواجهة بين الإسلام والغرب التي بشَّر بها عددٌ من المفكرين الغربيين المتصهينين منذ نهاية الحرب الباردة، إذ روجوا لبروز الإسلام باعتباره عدوا جديدا للغرب بدلا عن الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفياتي، وروَّج بعضهم لفكرة انتهاء “الخطر الأحمر” الشيوعي وبروز “الخطر الأخضر” الإسلامي. وبدأ «العدو الإسلامي» يشغل المكان الفارغ بعد اختفاء «العدو الشيوعي» وذلك في الخطاب الإعلامي والسياسي، الذي شكل بنية الرأي العام في فرنسا وأوروبا وأميركا الشمالية.
رهاب الإسلام في فكر من يؤمن به
بحسب تعريف رابطة البريطانيين المسلمين فالمصاب برهاب الإسلام هو الشخص الذي يؤمن بالأفكار التالية:
- الإسلام مجموعة أفكار ثابتة وساكنة وغير قابلة للتغيير.
- الإسلام منفصل عن القيم والثقافات الأخرى ولا يتأثر بالثقافات أو الأفكار المغايرة.
- الإسلام أدنى مرتبة من الغرب، بربري، غير عقلاني، ومتحيز للرجل.
- الإسلام عنيف، عدواني، داعم للإرهاب، ومنخرط في صراع الحضارات.
- الإسلام إيديولوجيا سياسية أكثر مما هو دين، وهو يستخدم للسيطرة السياسية والغزو العسكري.
المعنى الحقيقي للإسلاموفوبيا: إنه معاداة الإسلام وليس الخوف من الإسلام
على المستوى النظري ، يرى الباحثون والمفكرون أن الإسلاموفوبيا تعرف على أنها ” المخاوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين والمسائل المرتبطة بهما ” . فهي مخاوف وأحكام مسبقة تأخذ شكل سلوكيات عدوانية عنيفة رمزية أو فعلية تجاه المسلمين، تصل إلى درجة الاعتداءات الجسمانية. بهذا المعنى تعبر الإسلاموفوبيا عن التمييز العنصري تجاه الإسلام والمسلمين ؛ مما دفع بعض المفكرين إلى الضغط على المفهوم ليتجه إلى استعمال الإسلاموفوبيا كتعبير عن ” اللاتسامح والتمييز العنصري ضد المسلمين والإسلام
لفهم فكرة عنصرية بناء المفهوم سنقربه من مفهوم آخر وهو معاداة السامية. هنا أيضا نحن أمام فعل الجاني والضحية ؛ فالمفهوم يحدد الجاني كمجرم ، لأنه يصفه بالعدو ، الأمر الذي يجعل الضحية واضحا ، إذ لا مجال للخلط والتشويش ، فمفهوم معاداة السامية (Anti-semitism) وليس (Semitophobia) “السامية فوبيا” ، يحدد بوضوح من هو الضحية ، ومن هو المجرم.
يبقى السؤال المطروح: لماذ عندما يتعلق الأمر بالإسلام استحدث مفهوم الإسلام فوبيا ، وعندما يتعلق الأمر بالسامية ، التي يراد لها أن تترادف بشكل كبير جدا مع اليهودية ، استحدث مفهوم معاداة السامية؟
لماذ لم يستعمل مصطلح : معاداة الإسلام (Anti-Islam) ، كما استعمل مفهوم معاداة السامية أو اليهودية.
هناك توجه من قبل صناع الرأي الغربي لاستعمال مصطلح الإسلاموفوبيا كمصطلح تضليلي وليس تحليليا!
يعتبر الإعلام والإسلاموفوبيا أقوى تركيب في الأوقات الحالية .. تلاحظون أن تناول مسألة معاداة السامية إعلاميا يتم بحذر كبير ، لكن مع الإسلام الأمر مختلف .الإعلام الغربي يتعمد عدم تحليل ما يتعلق بالإسلام بوضوح. فاستعمال مصطلح الإسلاموفوبيا للتعبير عن معاناة المسلمين من الممارسات العنصرية والكراهية واللاتسامح ، يمثل عملية تشويش على المعنى بقصد حماية الجاني وتبرير فعله .
ويمكننا الجزم بأنه على مستوى المفهوم تعكس الإسلاموفوبيا النظرة العنصرية التي يتعامل بها الغرب مع المسلمين.
يساهم الخوف الغربي أو المسيحي من الإسلام في الإبقاء على وحدة تماسك المسيحية والغرب، فلعدة قرون استعمل الخطر الإسلامي سياسيا ودينيا كمبرر لتوحيد أوربا والغرب، فالخوف من الإسلام ساعد الغرب المسيحي على الوجود ككيان سياسي وثقافي وديني، وهذا ما يعكسه هذا الخلط المتعمد في الربط بين الإسلام والغرب، في العلاقة الإسلاموفوبية.
نستخلص من هذا التحليل للعلاقة بين الغرب والإسلام ، أن طرح الإسلاموفوبيا كحالة دفاع الغرب عن نفسه من الخطر الإسلامي، ليست إلا بناء فكريا مسيحيا(صليبيا)، يسعى إلى التمويه على العلاقة الحقيقية والأصلية، المتمثلة في الصراع المزمن بين المسيحية والإسلام، صراع تتخذه المسيحية الغربية كإستراتيجية للإبقاء على وحدة هويتها في مواجهة الزحف الإسلامي الوهمي.
وإن كان رهاب الإسلام كمصطلح يعكس مشاعر وانفعالات الخوف والازدراء للإسلام والمسلمين، فإن لفظة العداء للإسلام هي المصطلح المكمّل في تعبيره عن الكراهية الفجة التي تجنح نحو العنف الوحشي ورغبة الاستئصال وإلحاق الأذى الجسدي والمعنوي، وهي -بلا شكّ- تعبير صرف عن العنصرية القائمة على أساس الفكر والمعتقد، وأحياناً العرق أيضًا، وتؤدِّي الغرض في الربط المباشر مع جريمة العنصرية المجرَّمة دولياً دون الحاجة إلى استدعاء المقدّمات المنطقية لمثل هذا الربط.
صناعة “الإسلاموفوبيا ” لمصلحة من ؟
يرى باحثون ومتخصصون في قضايا الإسلاموفوبيا، أنّ “صنّاع القرار في بعض الدول الأوروبية والغربية يستخدمون التخويف من الإسلام من أجل تمرير مصالح سياسية معينة . وغير خاف َّ عن الأنظار أن الغرب قد اتخذ منها حيلة إيديولوجيَّة للسيطرة على ثروات الشرق، عبر مخطط يهدف الى الإمعان في تفتيت المفت من هذه الأمة ، وإحياء الصراع الكامن بين الملل والنِّحل(سنَّة –شيعة).
نلاحظ أن إثارة الفوبيا (الرهاب) من الإسلام والمسلمين ترتبط في الغالب بالسياقات الانتخابية الغربية “الإسلاموفوبيا الانتخابية”. يستثمرها اليمين المتطرف ، الذي يقتنص الفرصة ليحمل الجالية المسلمة مسؤولية تنامي البطالة وانتشار الجريمة والإرهاب والهجرة السرية ( ترامب يعد بطرد المسلمين من أمريكا إن فاز في الانتخابات) لأنهم مصدر الجريمة والبطالة والإرهاب المنتشر في الولايات المتحدة
أمام هذا الخطر المتزايد ، وبالتوازي مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي العالمي منذ 2008 فضلا عن الأزمات القيَميَّة التي باتت تهدد المجتمع ، تتحرك مراكز النفوذ الإعلامية والمالية لإنقاذ الوضع المتردي ، وذلك عبر اعتماد آليتين:
أولا: توجيه الرأي العام الغربي الداخلي إلى صراعات وهمية مع الجاليات المهاجرة من أصول مسلمة دون غيرها، وتحميلها مسؤولية ارتفاع معدلات البطالة والجريمة (حالة فرنسا مع اليمين المتطرف نموذجا).
ثانيا: إيهام الناخب الغربي بأن المفتاح السحري لحل مشكلاته هو طرد المسلمين من بلاد الغرب(أصحاب الأرض).
سبل تجاوز الإسلاموفوبيا
يمكن القول: إنّ مختلف السبل المطروحة تتفرّع إلى سبل نظرية طويلة المدى وسبل عملية على الأمدين القريب والمتوسّط.
تتّصل السبل الفكرية بضرورة إعطاء المراجعات الفكرية ما تستحقّ من الاهتمام ضمن إطار مؤسّساتي قادر على التأثير في الفاعلين الدوليين، وتصحيح تصوّراتهم بخصوص نوعية العلاقات القائمة بين العالمين الإسلامي والغربي.
وتُعدّ عملية صياغة سياسة لغوية عربية محتكمة إلى إستراتيجيات عمل مدروسة، عاملًا ضرورًّيا لتجاوز الرُّهاب المزدوج الذي يمارس ضدّ الدين واللغة العربية. إذ غالبًا ما يتمّ الزعم بأنّ الإرهاب الإسلامي يستمدّ جذورَه من لغة عربية متكلّسة، وهو ما يفسّر اقتران ترويج نمط محدّد لمنفّذي الأعمال الإرهابية، يقوم على نمذجة أفراد يتشدّقون بلغة عربية فصيحة ذات عبارات جزلة في الأشرطة السينمائية والتلفازية العربية والغربية.
أمّا السبل العملية على الأمدين القريب والبعيد فتهمّ وجوب تكثيف مبادرات الوساطة وجهود التهدئة بين المسلمين وغيرهم، سواء في المجال الأوروبي أو غيره من المجالات. وقد تمّ تقديم تجربتين ناجحتين في هذا الصدد. تهمّ التجربة الأولى هيئة الوساطة التي قامت بها مؤسّسة قرطبة في جنيف بعد الاحتجاجات على نشر رسوم “كارتونية” للرسول صلى الله عليه وسلم في الدنمارك سنة 2005، والتصويت الشعبي السويسري لحظر المآذن سنة 2009. بينما تهمّ التجربة الثانية الدور الاجتماعي الذي يقوم به مسلمو الـ”هيوي” في الصين(المواطنة) . يضاف إلى ماسبق، مضاعفة الجهود لتعريف الناس بدين الإسلام، و الحوار والانفتاح والتواصل.
على البلدان العربية، وعلى عوالم الإسلام، التي حقائقها تسهم بتغذية الشعور بالإسلاموفوبيا، يقع الدور المهم إذا ما أرادوا الإسهام في جعل هذا الشعور يتراجع. عليهم التحرك ضد السياسات المناهضة للديمقراطية، التي قلما تحترم الحريات والحقوق الإنسانية من قبل السلطات القائمة، وعليها -أيضاً- العمل على إجراء قطيعة مع العادات الاجتماعية القديمة، والأعراف التي تقف حائلاً دون تنفيذ هذه الحقوق، وأن تعارض بقوة التعصب وأشكال التمييز والاضطهادات التي تتعرض لها الأقليات الدينية والسكان الذين يعتبرون «هراطقة»، ورفض الجرائم التي تقترف باسم الأديان من خلال تعابير الإسلام السياسي الراديكالية، والكف عن استعمال المسلمين الذي يعيشون في فرنسا أو أوروبا أو في أي مكان كأدوات، والسعي من أجل فصلهم عن السكان الذين يتشاركون معهم القدر نفسه.
وبالرّغم من أنّ الكثيرين يعتبرون أنّ للمسلمين دوراً في عداء الغرب لهم ولدينهم، عداءٌ يُبرّر أحياناً بالإرهاب، وأحياناً أخرى بالتشدّد الديني، لكنّ المؤكّد أنّ الإسلاموفوبيا لن تصبّ في مصلحة الدول الغربية ولا نظيرتها المسلمة في علاقتها بالغرب. المفكّرون يحذّرون من الإجراءات الأمنية الصّرفة، ويقترحون كحلٍّ مناقشةَ مشاكل الهجرة والعلاقة مع الإسلام، ومدّ جسور المعرفة والتفهّم.
يتعين على الجميع السعي إلى تكريس شعار” حوار الحضارات” بدل الصراع العدمي والتدميري الراهن .
على الدول الغربية أن تلتزم بما تنادي به من حرية الشعوب” الديمقراطية المزعومة” ، وعليها أن لا تدعم السلطات الاستبدادية في الشرق ؛ لأن ذلك يجعل سقوطها الخلقي مدويا ، وهي بهذه الأفعال تستعدي الشعوب المسلمة خاصة.
على الدول الغربية أن تكف عن استنزاف خيرات البلاد ، وأن تقضي على كل صور الاستعمار بالوكالة(نيابة عنها)، وأن تتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق العدل وليس الجور.
خاتمة
بلا شك أن العالم الإسلامي يعاني من كم هائل من المشكلات، ولا يمكن أن تكون القمة المنتظرة هي العصا السحرية التي سيتم من خلالها حل تلك المشكلات، ولكن القمة على ما نتصور أنها خطوة على الطريق الصحيح.
وينتظر أن ما ينبثق عنها من توصيات وقرارات تكون بمثابة اطلاق لبرامج ومشروعات تعكس الآمال المرجوة منها، سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب الإسلامية، وبخاصة الجانب الاقتصادي الذي يعتقد أنه الورقة التي بيد المجموعة، ويمكن من خلالها تحقيق حالة نجاح.