المحتويات
- مقدمة
- عودة ممدوح حمزة
- الإفراج عن جنينة
- خروج صفوان ثابت
- اعتقالات مستمرة وتدوير قضايا
- خلاصات
مقدمة
تعالى صخب الحديث حول انفراجة في المشهد المصري، عقب عودة المهندس ممدوح حمزة، وخروج المستشار هشام جنينة، وسبقه، خروج رجل الأعمال صفوان ثابت وابنه، ورفع اسمه من قائمة الإرهاب.
ويتكرر هذا الجدل بين الفينة والأخرى، منذ دعا عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري في مصر، إلى الحوار الوطني، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، في 24 أبريل/نيسان 2022، وتعالى الحديث حول حلحلة المشهد السياسي المصري، وحديث البعض عن “انفراجة” -خاصة- في ملف المعتقلين السياسيين.
ورغم مرور ما يقارب العام على هذه الدعوة، وتفعيل لجنة العفو، إلا أن عدد المفرج عنه -وفق أعلى التقديرات- لا يتجاوز 1200 معتقل[1]، من إجمالي 60 ألف معتقل تقريبا، وفق شبكة “بي بي سي” البريطانية.[2]
وخلال الأسطر القادمة، سنحاول تتبع ظروف وأسباب الإفراج عن كل من “ثابت” ونجله، والمستشار جنينة، بالإضافة إلى عودة “حمزة”، محاولين معرفة إذا ما كانت هذه الخطوات تأتي في سياق أوسع يمثل انفراجة، أم مجرد خطوات محدودة لها دوافع خاصة.
عودة ممدوح حمزة لمصر
خرج السياسي المصري، ممدوح حمزة، من البلاد قبل عدة سنوات، بعدما علا صوت معارضته لمشاريع الطرق والكباري، وحديثه حول اختلال ميزان أولويات إنفاق الحكومة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قضت الدائرة الأولى إرهاب، المنعقدة بمجمع محاكم طرة، برئاسة، محمد شيرين فهمى، بالحبس 6 أشهر غيابيا ضد “حمزة” فى اتهامه بالتحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة، كما قضت بإدراج المتهم على قوائم الإرهاب طبقا للقانون رقم 8 لسنة 2015، وإدراج اسمه على قوائم الترقب والوصول، إثر إدانته بالتحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة[3].
لكن من جهته، استمر حمزة في انتقاد سياسات النظام، خصوصا طريقة معالجته لأزمة سد النهضة الإثيوبي -والذي لم يحدث فيه أي تقدم حتى اليوم. كما اشتد هجوم حمزة على قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، خلال السنوات الأخيرة.
وقد برز ذلك خلال مشاركة ممدوح حمزة النشطة في غرف “كلوب هاوس” مع معارضين مصريين في الخارج في بداية خروجه من مصر، كما شارك مشاركة محدودة في الحوار الشعبي، وأعلن ندمه على المشاركة في أحداث 30 يونيو، وما آلت إليه أوضاع البلاد بسبب هذا الانقلاب[4]. وقد ساهم ذلك في بناء جسور الاتصال بين حمزة وبعض قيادات المعارضة في الخارج.
وفي هذه الأثناء، وتحديدا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قررت المحكمة العسكرية إلغاء الحكم السابق الصادر على ممدوح حمزة، وإعادة محاكمته من جديد. ويعد ذلك سابقة تاريخية، للقضاء العسكري، حيث ألغت محكمة عسكرية الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا، وإعادة المحاكمة من جديد[5].
ويجدر القول هنا أن قرارات محكمة أمن الدولة العليا، غير قابلة للطعن إلا من جهة واحدة، وهي الحاكم العسكري، الذي يحق له تخويل غيره بهذا الحق للنظر في بعض الأحكام التي تصدرها محكمة أمن الدولة العليا.
واتسم طرح ممدوح حمزة كاستشاري هندسي، بتقديم مقترحات لحل الأزمات التي تحدث عنها، كبيع الموانئ، ومشاريع تبطين الترع. وفي إطار هذه المبادرات، طالبَ حمزة، في سبتمبر/أيلول 2022، بالسماح له بالرجوع إلى مصر للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي[6]، بشرط أن يتلقي “دعوة لائقة” – حسب وصفه- وتأمين دخوله وخروجه إلى ومن مصر.
والجدير بالذكر، أن ممدوح حمزة له كتابان الأول صادر 2016، بعنوان “الانفتاح على مصر”، والثاني صادر 2017، بعنوان “كيف نبني الوطن؟ تشخيص حالة وعلاج”، ويحوي الكتاب الثاني محاضر اجتماعات مع أجهزة الحكومة المعنية بالمشروعات التي طالما تحدث عنها حمزة، والتي شارك فيها عدد آخر من المتخصصين.
وفيما بدا أنه تحضير لعودة حمزة، أصدرت جهات التحقيق، في 9 فبراير/شباط 2023، قرارا برفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول[7]، ليعود حمزة إلى مصر، في مساء الأحد 12 فبراير/ شباط الجاري. وعقب وصوله أعلن حمزة من صالة كبار الزوار أن قيادات أمنية برفقة أستاذ العلوم السياسية، أسامة الغزالي حرب، كانت في استقباله، وأبلغته أن مصر ترحب بأبنائها المخلصين، حسب وصفه. وطالب حمزة “ألا تتوقف الدولة عند هذا الحد، فهناك الكثير من المخلصين في الخارج وفي السجون”، وفق تصريحه[8].
الإفراج عن جنينة
وبالتزامن مع رجوع ممدوح حمزة إلى مصر، خرج المستشار هشام جنينة، أحد رموز “تيار استقلال القضاء”، من محبسه بعد قضاء فترة محكوميته. وعرف جنينة بمعارضته لنظام الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، ودعم ثورة 25 يناير، كما كان من المرشحين لوزارة العدل في حكومة هشام قنديل، في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي[9]. لكن الرئيس مرسي عين جنينة، في سبتمبر/ أيلول 2012، رئيسا لأهم جهاز رقابي على السلطة التنفيذية في مصر، الجهاز المركزي للمحاسبات، لمدة 4 سنوات.
فى يناير/ كانون الثاني 2016،[10] أصدر المركزي للمحاسبات بقيادة جنينة دراسة بعنوان “دراسة عن تحليل تكلفة الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات في مصر”، والتي رصد فيها حجم فساد داخل مؤسسات الدولة تقدر بـ 600 مليار جنية، وهو ما دفع السيسي إلى عزل جنينة من منصبه، مارس/ آذار 2016.
كان جنينة قد دعم انقلاب 3 يوليو ووصفه بأنه ثورة شعبية، إلا أنه رفض وصف جماعة الإخوان بالإرهابية[11]. ولكن، يبدو أن كشف الفساد لم يكن هو السبب الذي أحدث انقلابا كاملا من نظام 3 يوليو ضد المستشار جنينة، وإنما حدث هذا الانقلاب بعد تصريح جنينة في فبراير/ شباط 2018، بأن الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة (2005-2012)، يملك مستندات سرية للغاية، حيث قال: “هناك وثائق ومستندات من أشخاص خارج البلاد تدين قيادات في الجيش والسلطة الحالية سوف تظهر حال قتل عنان”.[12]
وفي 27 يناير/كانون الثاني 2018 تعرض جنينة، لاعتداء من جانب أشخاص يحملون أسلحة بيضاء خلال استقلاله سيارته من أمام منزله بإحدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة، ثم ألقي القبض عليه في 13 فبراير/ شباط 2018، بتهمة إذاعة أخبار وبيانات كاذبة، من شأنها تكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، حسب زعم النظام.
لتقضي بذلك محكمة جنح عسكرية، في أبريل/نيسان 2019، بحبس جنينة 5 سنوات، ثم أيدت محكمة الطعون العسكرية، في مارس/آذار 2019، حكم حبس جنينة[13].
كما أنه من الجدير بالذكر، أن الأمن المصري ألقى القبض على الصحفي معتز ودنان، الذي أجرى الحوار مع جنينة، في 16 فبراير/شباط 2018، أي بعد أيام قليلة من بث الحوار، وبقي الصحفي معتقلا حتى يوليو/تموز [14]2021.
خرج جنينة من سجنه، 14 فبراير/شباط 2023، بعدما قضى كامل العقوبة، غير أن إخلاء سبيله جاء على ذمة قضية أخرى قيد المحاكمة، حيث كتب المحامي المصري والناشط الحقوقي حسام بهجت كتب على صفحته في فيسبوك قائلا: “المستشار هشام جنينة خرج من سجنه بعد قضاء عقوبة الخمس سنين، لكن بدلا من العودة لمنزله يمثل حاليا أمام نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس”، ثم عاد ليكتب: “قرار نيابة أمن الدولة إخلاء سبيل المستشار هشام جنينة بضمان محل إقامته على ذمة القضية 441 لسنة 2018 واتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة”.[15]
وبالطبع، فإن من اللافت هنا أن النظام لم يسمح بخروج جنينة بمجرد انتهاء فترة حبسه، إلا بعد أن فُتحت له قضية جديدة تكون بمثابة ورقة ضغط عليه بعد ذلك. ومن المهم وضع ذلك في الاعتبار عند مناقشة حديث البعض عن “انفراجة” في الوضع السياسي والحقوقي في مصر، الأمر الذي سنوضحه في الأسطر القادمة.
خروج صفوان ثابت
كان من الأسباب التي دعت البعض إلى اعتبار أن النظام المصري عازم على انفتاح سياسي ما خلال الفترة القادمة، هو خروج رجل الأعمال المصري، صفوان ثابت، ونجله سيف، من السجن. ومن المناسب هنا استعراض تاريخ الرجل، والتهم التي وجهت إليه، ويعد “ثابت” أحد كبار رجال الأعمال في مصر، حيث أنه مؤسس شركة “جُهينة” للصناعات الغذائية، أكبر شركة لمنتجات الألبان والعصائر في مصر، ويمتلك معظم أسهمها، وقد كان رئيسها التنفيذي.
وفي فبراير/ شباط 2021، وبشكل مفاجئ، اعتقل صفوان ثابت وابنه، ووجهت إليهما تهم مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها. حيث جاء في الاتهامات التي وجهتها النيابة لهما: مشاركة جماعة الإخوان والانضمام إليها وإمدادها بالأموال لتحقيق أغراضها بتغيير نظام الحكم بالقوة، والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهما والمنشآت العامة والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، والانضمام لجماعة “إرهابية” وتمويل أنشطتها بملايين الجنيهات، عبر ضخ أموال في حسابات قيادات بالجماعة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية تقدر قيمتها بملايين الجنيهات.[16]
كما ادعت وزارة الداخلية المصرية، في بيان رسمي لها، أنها عثرت على “مخطط استهدف استخدام شركات صفوان ثابت في عمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم واستثمار عوائدها لصالح أنشطة إرهابية”، مضيفة أنها “عثرت على 8.4 مليون دولار وذخيرة في شقة سكنية بمحافظة الجيزة”. وأعلنت الداخلية في البيان ذاته، القبض على يحيى مهران، الذي وصفته بأنه “أحد الأذرع الرئيسية للقيادي الإخواني المحبوس صفوان ثابت”.[17]
لكن كثيرين شككوا في اتهامات النظام لرجل الأعمال ونجله، مشيرين إلى أنّ السبب الحقيقي وراء الاتهامات هو محاولة الضغط على صفوان ثابت للتنازل عن حصته في شركة جهينة، عملاق صناعة الألبان، لصالح النظام. وقد أكدت منظمة العفو الدولية، ذلك في سبتمبر/ أيلول 2021، حين قالت إن السلطات المصرية تسيء استخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل احتجاز ثابت وابنه سيف الدين بشكل تعسفي، في ظروف ترقى إلى التعذيب، وذلك انتقاما منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما.[18]
وعلى الرغم من رفع اسم رجل الأعمال صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة شركة جهينة للمواد الغذائية من على قائمة الإرهابيين، في 8 فبراير / شباط 2023، إلا أن إخلاء سبيله كان على ذمة القضية التي اتهم فيها، بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون، والتحريض على العنف، وتمويل الجماعة الإرهابية، ما يعني أن القضية لم تغلق برمتها بعد.
وبخلاف المستشار “جنينة” الذي أنهى محكوميته، فإن “ثابت” ونجله ما زالا على قيد التحقيق في القضية التي اعتقلا من أجلها. لذلك، تبرز هنا احتمالات أخرى دفعت النظام للإفراج عنهما، ولعل أبرزها ما ذكرته مجلة “الإيكونومست” البريطانية،[19] في 23 أبريل/ نيسان 2022، في تقرير عن الاقتصاد المصري، حيث أكدت أن حبس صفوان ثابت وابنه بدون تهم معلنة أو محاكمة له تأثير كارثي على الاستثمار في مصر.
واتهم التقرير الجيش بأنه المتحكم الأول في الاقتصاد وأنه “يأخذ ما يريد” وأن صندوق النقد الدولي كان يشكو (قبل اتفاقه الأخير مع السيسي) من خنق مصر للقطاع الخاص لحساب الأجهزة على طريقة “المافيا”. وأكدت الإيكونوميست أن جنرالات الجيش يستولون على كل ما يريدون، وأنهم يحاولون الاستيلاء على شركة جهينة أكبر شركة لتصنيع الألبان والعصائر في مصر، عبر أساليب “المافيا” والعصابات.
ولعل هذه الصورة القاتمة للاقتصاد المصري في عيون المستثمرين الأجانب، هي ما دفعت صندوق النقد بحسب كثيرين للضغط على مصر فيما يتعلق بالإفراج عن صفوان ثابت ونجله.
فرغم أن الصندوق لم يورد في شروطه بشكل مباشر الإفراج عن رجال الأعمال المعتقلين، إلا أنه اشترط على مصر “تعزيز تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص”، وتحسين بيئة الأعمال، وطمأنة المستثمرين ومجتمع الأعمال للخروج من الأزمة الاقتصادية، وفق صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية.[20]
وحيث إن “ثابت” أحد أشهر رجال الأعمال في مصر، فقد أثار اعتقاله قلق العديد من المستثمرين، خصوصا وأنه لم يكن الوحيد الذي استهدفته السلطة، بل سبقه القبض على رجل الأعمال صلاح دياب، مؤسس جريدة “المصري اليوم”، في سبتمبر/ أيلول 2020.[21]
وربما ما يعزز هذه الفرضية المتعلقة بأن الإفراج عن ثابت ونجله جاء لأسباب اقتصادية، هو ما أعلنه وزير مالية النظام المصري، محمد معيط، في 23 يناير/ كانون الثاني 2023، من أن الحكومة ستطلق حوارا مجتمعيا خلال أسابيع حول موازنة السنة المالية الجديدة 2023 – 2024 التي تبدأ مطلع يوليو/تموز المقبل، بناء على توجيهات من السيسي. ومن المقرر أن تُعقد 6 جلسات حوارية مع ممثلي اتحاد الغرف التجارية، واتحاد الصناعات، والمجالس التصديرية، واتحاد المستثمرين، وجمعيتي رجال الأعمال، وشباب الأعمال.[22]
كذلك ستُعقد الجلسات مع مجالس الأعمال المشتركة، ومجلس النواب، والمرأة، وذوي الهمم، إضافة إلى شباب الجامعات، ورموز الصحافة والإعلام، وخبراء الاقتصاد، وأساتذة الجامعات ومراكز البحوث.
هذا الحوار المجتمعي الذي يركز على العامل الاقتصادي يشير إلى مدى ضغط هذا الملف على النظام المصري، ما يعزز احتمال أن يكون الإفراج عن ثابت ونجله جاء بدوافع اقتصادية. فمن جهة، قد تساهم تلك الخطوات في طمأنة المستثمرين وبالتالي دعم الميزانية من خلال جلب العملة الصعبة، هذا فضلا عن توفير فرص عمل للعاطلين.
ومن جهة أخرى، ما زال ثابت ونجله مرتبطين بقضايا ما زالت مفتوحة وتنظرها النيابة، ما يعني أن قرار إعادة اعتقالهم قد يصدر في أي وقت، إذا تجاوزوا الهدف الذي أخرجهم النظام من أجله.
والجدير بالذكر هنا أن البورصة المصرية بشكل عام ارتفعت بعد الإفراج عن “ثابت” مباشرة، حيث ذكرت “وكالة أنباء الشرق الأوسط” أن مؤشرات البورصة المصرية ارتفعت مكاسبها لدى إغلاق تعاملات الأحد، 22 يناير/ كانون الثاني 2023، مدعومة بعمليات شراء انتقائية من جانب المؤسسات وصناديق الاستثمار المحلية والأفراد العرب قابلتها عمليات بيع لجني الأرباح من قبل الأجانب والمؤسسات العربية.[23]
وحقق رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة بالبورصة مكاسب قدرها 3.2 مليار جنيه؛ ليصل إلى تريليون و56 مليارا و100 مليون جنيه عند إغلاق أولى جلسات الأسبوع، بعد تداولات كلية بلغت 3.8 مليار جنيه، منها 1.6 مليار جنيه تعاملات سوقي سندات المتعاملين الرئيسيين.
وارتفع مؤشر البورصة الرئيسي (إيجي إكس 30) بنسبة 0.33 بالمائة مسجلا 16118.85 نقطة، كما زاد مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة (إيجي إكس 70) بنسبة 0.54 بالمائة ليغلق تعاملات ذلك اليوم عند مستوى 3014.11 نقطة، وامتدت المكاسب إلى مؤشر (إيجي إكس 100) الأوسع نطاقا الذي أضاف 0.67 في المائة إلى قيمته منهيا أولى جلسات الأسبوع عند مستوى 4489.79 نقطة.
كما قفز سهم شركة “جهينة للصناعات الغذائية” -أكبر منتج للألبان والعصائر المعبأة في مصر- بنسبة 9.95 بالمئة في تداولات جلسة الأحد 22 يناير/كانون الثاني 2023، ووصل إلى مستوى 9.72 جنيهات، وذلك عقب ساعات من إفراج السلطات المصرية عن مؤسس الشركة صفوان ثابت ونجله سيف. وفي الدقائق الأولى من جلسة تداول اليوم تجاوزت نسبة ارتفاع سهم “جهينة” 10 بالمئة، فقررت البورصة إيقاف التداول المؤقت للسهم.[24]
علاوة على ذلك، فلربما صادف هذا العامل الاقتصادي عامل آخر يتعلق بالضغط الخارجي للإفراج عن ثابت ونجله، ما ساهم في النهاية في خروجهما من السجن. إذ أورد موقع “العربي الجديد” عن مصادر خاصة أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، طلب من السيسي الإفراج عن آل ثابت، على هامش لقاؤهما في قمة المناخ[25].
اعتقالات مستمرة وتدوير قضايا
انطلاقا من الجدل عن إذا ما كانت الإفراجات الأخيرة وعودة السياسي ممدوح حمزة مؤشرات على انفراجة في المشهد المصري أم لا، يجدر تناول مستجدات الشان الحقوقي في مصر، لمعرفة إذا ما كان هناك تقدم حقيقي فيه أم لا.
وبالنظر إلى هذا العامل يتضح أن سلطات النظام مستمرة في نهجها المتمثل في قمع أي تجمعات أو أفراد معارضين قد يشكلون أي بؤرة لمعارضة فاعلة، هذا فضلا عن أن المعتقلين الذين أنهوا بالفعل محكوميتهم، أو قضت لهم النيابة بالإفراج، يتم تدوريهم ووضعهم على ذمة قضايا أخرى، بهدف إبقائهم داخل السجون.
ففي 19 فبراير/ شباط 2023 ، أصدر “مركز شفافية للأبحاث والتوثيق وإدارة البيانات” تقريرا حول تدوير المعتقلين السياسيين، خلال الفترة من 2016 وحتى 2023، والذي وثق تدوير 4546 حالة، مع معدلات للتدوير عام 2022، هي الأعلى، رغم أنه عام الحوار الوطني والعفو الرئاسي، حسب زعم النظام المصري.[26]
وقال المركز في تقريره إنه “ألقي القبض على 33 ألفا و325 شخصا، بالإضافة إلى 4546 واقعة تدوير على قضايا جديدة، و1186 واقعة إعادة قبض على أشخاص سبق القبض عليهم وتم إطلاق سراحهم خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2018، حتى نهاية 2022″، ورصد المركز 104 حالات وفاة من بين من تم القبض عليهم أو تدويرهم، بالإضافة إلى 3 حالات وفاة بعد خروجهم من السجن بأيام.
وأوضح المركز، أنه جرى إحالة 37 ألفا و767 حالة للنيابة، و1015 حالة استيقاف ثم صرف دون إحالة، بالإضافة إلى 721 واقعة، لم يتم التوصل فيها إلى معلومات، و4 حالات وفاة قبل العرض على أي من جهات التحقيق، لافتا إلى أن نيابة أمن الدولة مثلت أول جهة يتم عرض المتهمين عليها في 22 ألفا و693 حالة بنسبة 60 بالمئة، والنيابة العامة في 15 ألفا و74 حالة ما يمثل نسبة 38 بالمئة.

علاوة على ذلك، ما زال النظام مستمرا في تتبع وملاحقة المواقع الإلكترونية والمنصات التي ترصد الشأن الحقوقي في مصر، ولعل أبرز دليل على ذلك، هو قرار حجب موقع مركز القاهرة لحقوق الإنسان، ردا على نشر المركز تقريرا بعنوان “أزمة متعمدة” الصادر عن مجموعة منظمات حقوقية مصرية بارزة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.[27]
ولا يمكن هنا تجاهل الحديث عن تجديد حبس نشطاء بارزين، كمجموعة خلية الأمل، ومنهم الخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، وكذلك المحامي محمد الباقر الذي اعتقل أثناء دفاعه عن علاء عبد الفتاح المعتقل أيضا حتى الآن، رغم كل الضغوط الغربية التي مورست على نظام السيسي للإفراج عنه.
إذ أن نظام السيسي ما زال حتى الآن يحاول امتصاص الضغط الخارجي خصوصا في قضية “عبد الفتاح”، الذي يحمل الجنسية البريطانية. وربما في ذلك دلالة على عدم نية النظام تحقيق انفراجة في الشأن الحقوقي، فضلا عن الشأن السياسي.
هذا بالإضافة إلى استمرار اعتقال صحفيي قناة الجزيرة القطرية، رغم التقارب المصري-القطري خلال الأشهر الأخيرة. ففي 22 فبراير/شباط 2023، أكمل الصحفي بهاء الدين إبراهيم، 3 سنوات في السجون المصرية، بعد اعتقاله من مطار برج العرب بمحافظة الإسكندرية، عام 2020، وتعرّضه بعدها للإخفاء القسري والضرب والتعذيب داخل محبسه، وفق زوجته.[28]
هذا فضلا عن قضاء الصحفي في قناة الجزيرة مباشر، هشام عبد العزيز، أكثر من 1300 يوم في السجون المصرية منذ اعتقاله في يونيو/ حزيران 2019 خلال زيارة عائلية إلى مصر. وفي يناير/كانون الثاني 2023، جددت محكمة مصرية حبس الزميل هشام 45 يوما، لتتجاوز مدة حبسه أكثر من 3 سنوات ونصف السنة. ورغم قرار النيابة الإفراج عنه، إلا أن النظام أعاد تدويره من خلال حبسه في القضية رقم 1956 لعام 2019.[29]
علاوة على الضغط الخارجي بخصوص الإفراج عن بعض المعتقلين، فإن هناك ضغطا داخليا كذلك، يتعلق بمطالب بعض القوى السياسية المشاركة فيما يسمى “الحوار الوطني”.
فرغم مرور ما يقرب العام على إطلاق السيسي دعوة لعدة قوى مصرية محسوبة على المعارضة للمشاركة في الحوار، ما زال هناك العديد من النشطاء السياسيين خلف القضبان، منهم على سبيل المثال، الناشط السياسي، شريف الروبي، الذي أعيد اعتقاله بعد أن لاقى الافراج عنه ترويجا لـ”نتائج لجنة العفو الرئاسي”، التي تدعي أنها تعد قوائم بأسماء المحبوسين السياسيين -من غير المتورطين في قضايا عنف-لإخلاء سبيلهم، بالتزامن مع انطلاق جلسات الحوار الوطني.
أضف إلى ذلك عضو حركة 6 أبريل، محمد عادل، الذي أتم 4 سنوات ونصف في الحبس الاحتياطي. فبمناسبة إتمامه 1700 يوم خلف القضبان منذ القبض عليه في يونيو/ حزيران 2018، أصدرت حركة 6 أبريل بيانا، في يناير/ كانون الثاني 2023، قالت فيه: “لقد سئمنا هذا اللغط والتخبط ونأمل في قرار شجاع من جانب السلطة تمد به يد الأمل لنا وآلاف الذين يفتقدون حريتهم، الحرية لكل شباب مصر، الحرية لمصر السجينة، الحرية لحلمنا في غد أفضل. الحرية لمحمد عادل الحرية لمصر”.[30]
وربما هذا الإصرار الذي يبديه السيسي فيما يخص استمرار حبس عشرات الآلاف، منهم مَن هو تابع لقوى مشاركة بطبيعة الحال في “الحوار الوطني” أو قريب منها، يشكك في جدية الحوار الوطني بالأساس. وقد أشرنا إلى ذلك بشيء من التفصيل في إصدارنا دفاتر مصرية، عددي “سبتمبر/ أيلول 2022” و”نوفمبر–ديسمبر 2022“، مستعرضين دلالات التركيبة الداخلية للجان الحوار الوطني، والمناخ السياسي الذي يحيط به.
خلاصات
وعلى هذا، يمكن القول إنه لا توجد مؤشرات حقيقية على تغيير سياسة النظام تجاه المعارضة، أو حتى تجاه المشهد عموما، فعودة ممدوح حمزة مقيدة بإجراءات محاكمة قادمة، كما أن خروج هشام جنينة جاء نتيجة انتهاء محكوميته، ومقيدة أيضا بقضية أخرى، وكذلك خروج صفوان ثابت هو إخلاء سبيل على ذمة القضية.
وربما يكون الدافع وراء الإفراج عن “ثابت” ونجله هو الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، وتضغط على النظام، في وقت تغيرت فيه – بدرجة أو بأخرى- طبيعة الدعم الخليجي المقدم له. لكن في العموم، تشير مجمل سياسات السلطة في مصر إلى استمرار نهجها في غلق الفضاء العام، وتحييد أي عامل قد يهدد إحكام قبضتها على البلاد.
وعلى هذا، فعودة البعض من الخارج في سياقات بعينها ولحالات خاصة جدا، وخروج أعداد محدودة نتيجة الرغبة في مجاراة بعض الضغوط الخارجية أو نتيجة انتهاء محكومياتها، لا تشير لتغير في سياسة النظام، فضلا عن أن هذه الحالات جميعها مكبلة بقضايا تنظر أمام المحاكم الآن، وتستخدم كورقة ضغط عليهم.
هذا لا ينفي بطبيعة الحال أن النظام المصري حاول تحسين صورته، منذ وصول بايدن، إلى البيت الأبيض، وذلك عبر الإفراج عن عدد محدود للغاية من المعتقلين، وإطلاق ما يسمى بـ”لجنة العفو”، و”الحوار الوطني”. لكن هذا لم يعدو كونه محاولات تحسين أو تجميل الصورة دون تغير حقيقي في السياسات، ولا يرتقي لكونه انفراجة حقيقية في سياسات النظام نحو ملفات المعتقلين أو فتح الفضاء السياسي العام.
المصادر
[1] اليوم السابع، عضو لجنة العفو الرئاسى: ننظر فى كافة الطلبات.. و1200سجين إجمالى المفرج عنهم، 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[2] BBC, COP27 shines spotlight on Egypt’s political prisoners, 7 November 2022
[3] درب، الحكم بحبس ممدوح حمزة 6 أشهر وإدراجه على قوائم الإرهاب بسبب تغريدة على فيسبوك، 26 أكتوبر / تشرين الأول
[4] الصفحة الشخصية لـ”ممدوح حمزة”، منشور عن مشاركته في مظاهرات 30/6، 13 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[5] القاهرة 24، في سابقة تاريخية.. إلغاء حكم عسكري بحبس ممدوح حمزة وإعادة محاكمته مجددًا، 10 أكتوبر / تشرين الأول 2022
https://www.cairo24.com/1390549
[6] الصفحة الشخصية لـ”ممدوح حمزة”، منشور يعلن فيه عن استعداده لحضور المؤتمر الاقتصادي التي تعده الدولة، 15سبتمبر/أيلول 2022
[7] القاهرة 24 ، رفع اسم المهندس ممدوح حمزة من قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، 9 فبراير/شباط 2023
https://www.cairo24.com/1745505
[8]الصفحة الشخصية لـ”ممدوح حمزة”، فيديو يتحدث فيه من مطار القاهرة بعد عودته، 12 فبراير/شباط 2023
[9] اتحاد القوى الوطنية، تفاصيل لم تروى عن لقاء قصر القبة .. لماذا رفض الدكتور مرسي اختيار جنينة وزيراً للداخلية؟، 13 فبراير/شباط 2023
[10] هشام جنينة دراسة عن تحليل تكاليف الفساد في مصر 2.pdf
[11]بي بي سي عربي، من هو المستشار هشام جنينة؟ 13 فبراير/ شباط 2018،
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-42844891
[12] بي بي سي عربي، الأمن المصري يقبض على هشام جنينة إثر تصريحاته بشأن سامي عنان، 13 فبراير/ شباط 2018
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-43044432
[13] DW، مصر.. تثبيت حكم السجن خمس سنوات على هشام جنينة، 3 مارس/آذار 2019
[14] الترا صوت، الأمن المصري يطلق سراح عدد من النشطاء الموقوفين قيد الحبس الاحتياطي، 19 يوليو/تموز 2021
[15] الصفحة الشخصية للناشط حسام بهجت، إخلاء سبيل المستشار هشام جنينة بضمان محل إقامته، 14 فبراير/ شباط 2023
[16] اليوم السابع، تجديد حبس ابن رجل الأعمال صفوان ثابت 45 يوما على ذمة التحقيقات، 23 أغسطس/ آب 2021
[17] بي بي سي عربي، صفوان ثابت: لماذا عاد اسم رجل الأعمال المصري، المسجون بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان، لدائرة الضوء؟، 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2021
[18] يورو نيوز، العفو الدولية تدين احتجاز رجل أعمال مصري ونجله في ظروف “ترقى الى التعذيب”، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2021
[19] الجزيرة مباشر، إيكونوميست: هذه انعكاسات “ما حدث لمالك شركة جهينة وابنه” على الاستثمار في مصر، 23 أبريل/ نيسان 2022
[20] The Financial Times, Egypt vows to cut military’s outsized role in economy under IMF bailout, 10 January 2023
[21] المصري اليوم، القبض على رجل الأعمال الشهير صلاح دياب، 1 سبتمبر/ أيلول 2020
[22] الأناضول، مصر تعتزم إطلاق حوار مجتمعي لبناء موازنة السنة المالية القادمة، 23 يناير/ كانون الثاني 2023
[23] وكالة أنباء الشرق الأوسط، مكاسب جماعية لمؤشرات البورصة المصرية ورأسمالها يربح 3.2 مليار جنيه، 22 يناير/ كانون الثاني 2023
[24] الجزيرة، عقب إطلاق سراح صفوان ثابت.. سهم “جهينة” يرتفع في البورصة المصرية، 22 يناير/كانون الثاني 2023
[25] العربي الجديد، مصر: تفسيرات عدة لتوقيت إطلاق سراح صفوان ثابت ونجله، 24 يناير/ كانون الثاني 2023
[26] مركز شفافية للأبحاث والتوثيق وإدارة البيانات – tadmr، تقرير حصر وقائع التدوير 2016-2023، 13 فبراير/ شباط 2023
[27] العربي الجديد، حجب موقع مركز القاهرة الحقوقي بعد تقرير ينتقد الأوضاع في مصر، 8 فبراير/شباط 2023
[28] الجزيرة مباشر، ثلاثة أعوام على اعتقال الصحفي بالجزيرة مباشر بهاء إبراهيم في مصر، 21 فبراير/ شباط 2023
[29] الجزيرة مباشر، أكثر من 1300 يوم على اعتقال صحفي الجزيرة مباشر هشام عبد العزيز في مصر، 22 فبراير/ شباط 2023
[30] الصفحة الرسمية لـ”حركة شباب 6 إبريل” على فيسبوك، بيان حول تجديد حبس محمد عادل، 23 يناير/ كانون الثاني 2023