عرض كتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدّم الدكتور محمد عمارة – رحمه الله – للأمة مشروعا فكريا متكاملا، أعطاه حياته كلها، وقد اهتم الكتاب بالملامح العظمى، والمفاصل الأساسية والمحاور التفصيلية لهذا المشروع الفكري ، والأسس المنهجية له ، والملامح الأساسية لسيرة د. عمارة الذاتية .
وعبر مقدمة ، وأربعة أبواب ، يحاول مؤلف الكتاب التتبع الاستقرائي التام لمجموع مؤلفات د. عمارة التي بلغت 280 كتابا موزعة بين التأليف، والجمع والتحقيق، وإعادة الطبع والتقديم – مما يصَعِّب على الكثيرين مهمة تلمس معالم مشروعه.
وقفات أدبية لتلميذ بين يدي أستاذه
في الجزء الأول من هذا الباب يشير الكاتب إلى أن د. عمارة ، امتلك أدوات الكتابة، وذاكرة المؤرخين، وحكمة الفلاسفة، فكيف لا ينساب الدر من قلمه وفيه؟! يقول: على أن انطواء النتاج الفكري لأستاذنا الجليل د. عمارة على آراء وتحليلات حصيفة ، إن فاتها الصواب أحيانا- في تقديرنا- على قلة ذلك، لم تفتها – إجمالا- الجرأة المبنية على الأهلية للاجتهاد.كما لم يفتها متانة المنهج. ود. عمارة من الذين يتمتعون بقدرة متميزة على التحليل والتعليل والتأصيل.. جمع بين الاتصال بالأصل، والارتباط بالعصر. مثير للتفاعل وحارس للحدود،علمه غزير وثقافته موسوعية. وإن شئت قلت عنه: إنه مفكر” وسط- عدل- حق” بين مفكري الإغراب ومفكري التغريب، بين مفكري الفنادق، وعلماء الخنادق والبنادق.
وتتمثل الأطوار الفكرية التي مر بها د. عمارة في خمس مراحل(على سبيل التقريب):
المرحلة الأولى: المرحلة الأزهرية
المرحلة الثانية: الغبش الفكري
المرحلة الثالثة : استعادة التوازن
المرحلة الرابعة: تمتد من أواخر السبعينيات إلى أواخر النصف الأول من الثمانينيات
” والمرحلتان الثالثة والرابعة ثمثلان – في تصور الكاتب – الطَّور الذي تخمَّر فيه النضج الفكري والحضاري لأستاذنا الجليل”.
المرحلة الخامسة: مرحلة ” التوهج والتألق والإبداع والاجتهاد والتجديد الوطني العربي الإسلامي الأصيل” وهي تبدأ من أواخر النصف الثاني للثمانينيات وحتى وفاته ، رحمه الله.
معالم الصرح الفكري الذي شيده محمد عمارة
الجزء الثاني يوضح معالم الصرح الفكري الذي أسسه وأرساه وشيده، والتي تتركزفي الآتي:
” 1-الاهتمام بقضية المنهجية وتأصيلها2- الاجتهاد والتجديد في ميدان تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية3- الاجتهاد والتجديد في أصول الفقه 4- الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلامي5- إنتاجه في مجال السيرة النبوية 6- دراساته المتميزة في ميدان مقارنة الأديان7- اهتمامه الشديد بمسألة تحرير المصطلحات8- نظرته التحليلية لكتاب الخصائص لابن جني 9- الاجتهاد والتجديد في مجال الفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي والمشروع الحضاري الإسلامي 10-دراسة تيارات الفكر الإسلامي11- النظرة إلى التراث وكيفية مقاربته 12- ترشيد اليقظة الإسلامية المعاصرة 13- الاهتمام بالتاريخ 14- جمعه ودراسته وتحقيقه للأعمال الكاملة للكثيرين من أعلام اليقظة الإسلامية الحديثة15- تحقيقه وإعادة نشره لعدد من نصوص التراث الإسلامي القيمة – القديمة والحديثة – 16 الاهتمام بالسير الحياتية ، والمسيرات العلمية، والمشروعات الفكرية،لأعلام الإحياء وأئمة التجديد والاجتهاد والجهاد قديما وحديثا17- اقتراحاته ومشروعاته في سبيل إنهاض هذه الأمة من كبوتها 18- فحص ومناقشة وتفنيد الكثير مما يدار حول الإسلام ورسوله والكتاب المجيد 19 – مواجهة معاول الغلو والتطرف الديني20- مواجهة توجهات التغريب ، والاستلاب الحضاري، والمادية، والوضعية، والباطنية الغنوصية21- مواجهة سطوة الإمبريالية الغربية على بلاد الإسلام وعقول المسلمين.22- توضيح علاقة وموقف الإسلام من غير المسلمين 23- كتاباته المتعلقة بالقومية العربية 24- رئاسة تحرير ” مجلة الأزهر” وجهوده بهذا الخصوص25- دعمه للمتميزين والمبدعين من شباب وكهول الكتاب الباحثين والمفكرين26- تسجيله بقلمه لسيرته ومسيرته أسريا واجتماعيا وتعليميا وسياسيا وفكريا.” وقد وضع الكاتب تحت كل معلم من هذه المعالم الكتب أو الفصول أو المباحث ذات الصلة.
وتناول الجزء الثالث الأصول الفكرية، والأساسات المنهجية العميقة التي قام عليها مشروع د. عمارة؛ وجاءت كالآتي:
الأصل الأول: نقد ورفض الجمود.
الأصل الثاني: إحياء توجه الاجتهاد والتجديد.
الأصل الثالث: العقلانية المؤمنة .
الأصل الرابع: الوسطية الإسلامية.
الأصل الخامس: الإيمان بالتعددية.
الأصل السادس: الوعي بسنن الله الكونية في الأنفس والآفاق لرعايتها وتسخيرها.
الأصل السابع: الإيمان بسنة التدرج في الإصلاح.
الأصل الثامن: فقه الواقع.
دراسات في المنهج
الباب الثاني يعرض لإحدى عشرة دراسة
الدراسة الأولى : القرآن الكريم
علم المناهج القرآنية، وجعلها في ثلاثة عشر منهاجا:
أولا: المنهاج القرآني الذي يعلِّم المسلم عدم الجمود على طريق واحدة من الطرق المتعددة التي تؤصل إلى ذات المقاصد والمصالح الشرعية المعتبرة في ضوء الواقع المعيش.
ثانيا- منهاج التلطف.
ثالثا- منهاج الغلظة الرادعة
رابعا- منهاج الإغاظة للكفار المعتدين
خامسا- منهاج الجدال والحوار بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا
سادسا- منهاج الصبر على مقولات الشرك .
سابعا – منهاج بذل المعرفة والعلم للكافة
ثامنا- منهاج التمييز بين فصائل الآخرين وتياراتهم ومذاهبهم
تاسعا- منهاج نسبية العلم الإنساني وجزئية المعرفة الإنسانية
عاشرا- منهاج التنوع والتعدد والتمايز والاختلاف في الخَلق والشرائع، والملل والنحل، والثقافات، والحضارات، واللغات، والقوميات، والأنواع والأجناس والألوان والقبائل والشعوب والأمم…
حادي عشر- منهاج التدافع والحراك الفكري الاجتماعي الذي يصحح الخللل ويزيل الظلم ويعيد العلاقات بين الفرقاء المتمايزين إلى مستوى العدل والتوازن.
ثاني عشر- منهاج الضرورات المبيحة للمحظورات
ثالث عشر- المنهاج الوسطي في التعامل مع الأنبياء والمرسلين بوصفهم بشرا يوحى إليهم
كيف نفعِّل القرآن الكريم
“والقرآن الكريم هو المنبع الأصيل الذي يجب على المجددين أن يحتموا بحماه، ليقدموا الدين الحق … وفي سبيل تفعيلنا لهذا المصدر الأصلي ، علينا:
- أن نتزود بالأسلحة والأدوات اللغوية اللازمة لهذه المهمة، وبمختلف مناحي السيرة النبوية المشرفة، وبمعارف التاريخ الإنساني.
- أن لا نتقيد برؤية المفسرين السابقين، لارتباطها بالمستوى المعرفي الذي بلغوه.
- أن نفسر متشابه القرآن وفروعه بإرجاعها إلى محمه وأصوله.
- أن نفسر القرآن بعضه ببعض.
- أن نجمع كل الآيات التي وردت في القضية محل بحثنا، ثم نفسرها جميعا وفق سياقات ورودها.
- أن نفهم دلالات القرآن من خلال دلالات ألفاظه في عصر الوحي، وليس بالدلالات التي طرأت على ألفاظه بعد عصر التنزيل.
- أن نستحضر أن القرآن كتاب مبين ، والمبين هو الواضح.
- أن نستحضر أنَّ منهاج النظر الإسلامي يميز بين المطلق والنسبي ، ويَقصر حكم الإطلاق على الذات الإلهية، ويضع ملكات الإنسان وصفاته في إطار النسبي.
- أن نعلم أنه ليس صحيحا أن التشريع في القرآن مقصور على ما سمي بآيات الأحكام.
- أن نعي أنَّ الشريعة القرآنية شريعة رحمة وأخلاق.
- أن نعي أنَّ قصد القرآن الكريم من القصص، هو مضمون المحاجَّة والعبرة منها، أي الاتعاظ والاعتبار والاهتداء بمضامينها ومعانيها .
- أن نعي أن القرآن الكريم: ليس كتاب علوم كونية – وأنه لم يأت ليقرر حقائق علمية – وأنه لايلزم الناس بنظريات خاصة في الطبيعة وما يتعلق بها – ولا يورد عليهم أمثال تلك النظريات، ولا يقيدهم بتصور /اعتقاد ديني خاص . وإنما هو كتاب دين /هداية أولا وقبل كل شيء.
علينا أن ندرك طبيعة الدين والرسالات السماوية ومهمة الأنبياء ؛ فالدين والرسالة والنبوة : تستهدف أولا وأساسا الجانب الروحي في الإنسان، فإذاعرضت لغير هذا الجانب ، فإنما تعرض له : من وجهة لزومه لبلوغ علاجها للروح ، وتترك للعقل الإنساني حرية النظر فيما عدا ذلك.
كما عرض رأيه في أسباب النزول، وذهب إلى أن ما يسمى في التراث بــ” أسباب النزول” هي في حقيقتها ” مناسبات نزول” ، وليست ” أسبابا للنزول”. وانتقد من قالوا بتاريخية نصوص الوحي. وبسط رأيه فيالناسخ والمنسوخ، ويعني – عنده – رفع تعلق الحكم – الخالد الثابت الدائم – بالمكلَّف ؛ لتغيرات حدثت وتحدث للمكلَّفين، فاستدعت حكما آخر ، مع بقاء الحكْمين الأول والثاني ، يعمل كلٌّ منهما عند توافر شروط إعماله وتعلقه بالمكَّلفين.
الدراسة الثانية: السنة النبوية المشرفة
يعرِّف الدكتور عمارة السنة النبوية بأنها : “منهج النبوة النظري والعملي الذي جسَّد البلاغ القرآني، وأحال كلمات الله واقعا وحضارة يحياهما الناس الذين آمنوا بهذا البلاغ”.
الدراسة الثالثة : العقل
إذا شئنا تصنيفا إجماليا للمواقف والمذاهب المعاصرة إزاء ” العقل والعقلانية”، فإننا واجدون:تيارا نصوصيا، وتيارا باطنيا، وتياراحداثيا غربيا، وتيار ما بعد الحداثة، وتيار”العقلانية المؤمنة” كما أسماه هو: وهو تيار الوسطية الإسلامية الذي يقيم عقلانيته على كتابيْ : الوحي والوجود؛ على نور الشرع ونور العقل؛ لتكون عقلانية مؤمنة متوازنة؛ العقل فيها هو الأساس، والدين فيها هو البناء على هذا الأساس المتين من الفقه والوعي بالشره المنزَّل.
كما عرض لقضية العقل والنقل؛ فالعقل في الإسلام ، لم يكن أبدا مقابلا ” للنقل”؛ لأن مقابل ” العقل” هو ” الجنون” وليس” النقل”. وإن عبارة ” النقل الإسلامي” تعني وتشمل” العقل” أيضا(طالما عنينا به الوحي الإسلامي؛ القرآن الكريم).
الدراسة الرابعة: الشك المنهجي
إن الشك المنهجي (الذي يبرأ من العبثية) والذي يوظفه أهله ، هو الطريق إلى اليقين. وهذا الشك المنهجي هو ثمرة الحرية التي كرَّم الله بها الإنسان.ونرفض هذا اللون من التمذهب الذي يجعل الناس فرقا وشيعا.
الدراسة الخامسة: مصادر المعرفة وسبلها
الله سبحانه لم يكل هذا الإنسان – في المعرفة – إلى حواسه وحدها وقدراته بمفردها، وإنما أمده بالوحي؛ مصدرا للمعرفة، كذلك.
الدراسة السادسة: فقه الواقع – وقفات ولمحات
السر في كون الشريعة الإسلامية هي ” الخاتمة والخالدة والعالمية”، أنَّ مبادءها لا تتغير، في حين أن أحكام فقهها : تتجدد ؛ لتواكب متغيرات الواقع، ولتحقق المصالح الإنسانية المتجددة بتغير الزمان والمكان والعادات والأعراف. والمعيار في الشريعة:هو: تحقيق العدل والمصلحة.
وقد ردَّ على العلمانيين في هذه النقطة. إن ما تطلبه أمريكا والغرب (بعد أحداث 11 سبتمبر 2001) تحت عنوان” تغيير مناهج التعليم الديني وتطوير الخطاب الديني” هو في حقيقته ” جزء” من المشكلة وليس” حلا” للمشكلة، بل إنه التصعيد الحاد للتغريب الذي جاءتنا به الغزوة الغربية قبل قرنين. إنَّ مشكلتنا في التعليم والخطاب الديني في جوهرها هي ” الفصام بين الديني والمدني في ثقافتنا الإسلامية”.
الدراسة السابعة: السنن الكونية والاجتماعية- وقفات ولمحات
من الأصول الفكرية التي ينبغي أن يتأسس عليها أي مشروع فكري نهضوي: الوعي بسنن الله الكونية والاجتماعية(سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)(الفتح:23). ولأن التاريخ تصنعه الأمم والشعوب عندما تعي وتمتلك قوانين وسنن صنع هذا التاريخ، وإذا كان إقلاعنا الحضاري هو طوق نجاتنا من مخاطر الاجتياح، فإن لهذا الإقلاع سننا وقوانين ممكنة التحقيق، وأننا لسنا بإزاء “عاهات مزمنة” تثمر” جبريات وحتميات يستحيل تجاوزها، والشفاء من أمراضها.
الدراسة الثامنة: سنة التدرج في الإصلاح
علينا أن ندرك – في وضوح وصراحة – أن سنة التدرج تعني مصاحبة الصلاح الإسلامي الجديد، حينا من الدهر، لكثير أو قليل من الفساد الوافد والموروث. وأن نتذكر – جيدا ودائما- منهاج ليس فقط ” التعايش” – مؤقتا- مع مقادير من الجور والفساد الموروث، وإنما أيضا منهاج “تغليف” العدل ببعض طمع الشهوات في زينة الحياة الدنيا؛ وصولا إلى إحلال العدل محل الجور والطمع والشهوات.
الدراسة التاسعة : الوسطية الإسلامية الجامعة
إن الوسطية في التصور الإسلامي ليست هي ” الوسطية الأرسطية” التي ترى أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين، إنها : موقف ثالث وجديد بين نقيضين؛ حيث يتمثل تميزها وجِدَّتها في أنها تجمع وتؤلف ما يمكن جمعه وتأليفه (كنسق غير متنافر ولا ملفق) من السمات والقسمات والمكونات الموجودة في القطبين النقيضين كليهما، وهي لذلك وسطية” جامعة” لعناصر الحق والعدل والخير والصواب منهما وفيهما؛ أي إنها حصيلة ” جدل حي” معهما. هذه الوسطية هي صبغة الله، وإرادته لأمة الإسلام.
الدراسة العاشرة: التاريخ والدراسات التاريخية – وقفات ولمحات
لقد جاء على أمتنا حين من الدهر سادت في الكتابات التاريخية – السياسية أو الحضارية الفكرية – أحكام وتقييمات الاستشراق والمستشرقين؛ تلك التي قدَّمت وأبرزت قسمات” الظلم”، و” الاستبداد”، و” التشرذم”، و” المذاهب”، و” فرق الغلو”..إلخ. حتى ظن كثيرون أن هذا هو تاريخ الإسلام والمسلمين. وكان الهدف الخبيث : نزع الثقة، واستلاب الكبرياء المشروع؛ حتى نواجه تحديات العصر وظهرنا غير مسنود!
دراسات تطبيقية
الباب الثالث يعرض عددا من الدراسات التطبيقية
الدراسة الأولى :الإخاء الديني بين المسلمين وغيرهم.. والتكفير.. ونفي الآخر.. ومقولة الفرقة الناجية .. والتقريب بين المذاهب .. والموقف مما يسمى بحد الردة .. والموقف مما يسمى بمقولات وكتب الضلال.
الدراسة الثانية : الحوار وفريضته وفقهه والحوار بين الإسلاميين والعلمانيين ومنهج التعامل مع دعاوى الخصوم.
الدراسة الثالثة: هُويَّة الحضارة الإسلامية ونموذجها الثقافي.
الدراسة الرابعة: في نقد بعض الأفكار الرئيسية في الحضارة الغربية رؤية مقتضبة.
الدراسة الخامسة: التجديد ودعوى الاستيراد.. والتفاعل الحضاري.. والموقف من استعارة منهجيات التنوير الغربي في التعامل مع الوحي الإلهي.
الدراسة السادسة : صلاح التربية قبل صلاح السياسة.. وبناء الأمة الراشدة قبل بناء الدولة الراشدة.. وصلاح الواقع المادي قبل صلاح الواقع الروحي والأخلاقي.
الدراسة السابعة:الحركات الإسلامية – رؤية نقدية
يقول المؤلف( د. عمارة) :هذه الحركات الإسلامية المعاصرة ، بالنسبة لي، ليست مجرد مادة للدراسة، وإنما هي عندي: أمل مرشح ومؤهل لقيادة النهضة المنشودة لهذه الأمة، ومالكة للشوكة الفكرية القادرة على تحريك جماهيرالأمة وحشدها لتنتمي إلى الذات، وتدفع العدوان عن هذه الذات. وناهضة بالفريضة الإسلامية الكفائية والمحققة للواجب الشرعي الاجتماعي، ووعاء تنظيمي يستوعب الطاقات الإسلامية النشطة والفاعلة، والعاصم لشباب هذه الأمة. ثم بيَّن مواطن الخلل المفصلية لدى هذه الحركات.
الدراسة الثامنة:في تحطيم فقه الاستبداد والتغلب
سبيل المسلمين في الأمر بالمعروف: هو السبيل السلمي دائما وأبدا؛ لأن غرس المعروف في المحيط الاجتماعي لا سبيل له إلا السِّلم والموعظة الحسنة. والدعوة إلى تربية الأمة على خلق الصبر على الظلم والاستئثار، وعلى طاعة من يغتصبون حقوقها، ليس من الإسلام، ولا مما يتسق مع روح شريعته الغراء.
الدراسة التاسعة:في فلسفة وفقه الثروات والأموال والعدالة الاجتماعية
الإسلام لم يضع للاقتصاد نظاما تفصيليا ، وإنما وقف عند المبادئ المتعلقة بالثوابت والمقاصد والفلسفات. ثم ترك لأهل كل زمان ومكان وضع القوانين والنظم والتنظيمات المفصلة.
الدراسة العاشرة:متفرقات مقتضبة: أولا- تحديد بداية ونهاية شهر رمضان بالحساب الفلكي ثانيا- في نقد فتاوى التحريم والإيجاب – طرحٌ ثوري مقتضب
الزاعمون لأنفسهم سلطة التحريم والتحليل في غير ما حرم الله وحلل بنص قطعي الثبوت والدلالة: هم رجال دين وليسوا علماء دين، وهم مغتصبون لسلطان الله تعالى، الأمر الذي يدخل بهم في نطاق الشرك والعياذ بالله!.
محمد عمارة يفتح قلبه.. ملامح سيرة ذاتية
في الباب الرابع، يحاول الكاتب أن يختم بحثه عن د. عمارة ، وملامح من سيرته الذاتية التي خصَّ بها الكاتب ، فقال له : ” سوف أقف معك أمام بعض محطات حياتي؛ في مسيرتي الفكرية التي لن تجدها في الكتب”. فعرض للآتي:
مولده ونشأته ، والتكوين الثقافي المبكر، والمشاركة في المظاهرات الوطنية عام 1946، ومسيرته التعليمية، وتخرجه من كلية دار العلوم . واستكمال دراساته العليا في قسم الفلسفة الإسلامية بها. ونشاطه السياسي ودخوله حزب مصر الفتاة(الحزب الاشتراكي بعد ذلك). كان البحث عن نصير وسند للفلاحين هو البداية التي دفعتني للتعرف عن كثب وقرب على الفكر والتيار والنشاط اليساري. اقتربت من الوفد قبل مصر الفتاة، لكني أحسست أن قيادة الوفد في دسوق(بلده) كانت قيادة إقطاعية. رجح استمراري في مصر الفتاة أنني في علاقاتي مع الطلاب الذين كانوا بالإخوان: نفَّرني منهم ضيق الأفق، ومنعهم من ينتمي للإخوان من قراءة أي كتب أخرى غير كتب الإخوان. فكان الموقف مستفزا لي؛ لأني كنت عاشقا للفكر والثقافة.
- ثورة 1952 استبشرت بها خيرا في البداية، ولكن ما نفرني من الانتماء إليها في البداية أنها عندما حاولت إقامة تنظيم شعبي(هو هيئة التحرير) اعتمدت على الشرائح والقوى والرموز التي هي معادية – بحكم تكوينها وميراثها ومصالحها – للثورة وأهدافها. بدأت تتغير مواقفي من الثورة مع حلول 1955، وكنت قد انتقلت إلى كلية دار العلوم. بعد أن حسمت المعركة في مجلس قيادة الثورة لصالح جمال عبد الناصر. وبدأت معارك لفتت نظري إلى جدية النظام الوطني والعربي لثورة يوليو. كان العدوان الثلاثي على مصر في 1956 انعطافة جعلتني أتوجه بكليتي عاطفة وولاء –وليس تنظيميا – لثورة يوليو. وتطوعت في المقاومة الشعبية أثناء العدوان الثلاثي.
- فصلت من الجامعة عام 1957 لمدة عام، بسبب إعداد مؤتمر لمناصرة حكومة النابلسي ومعاداة الحكومة الانقلابية الجديدة في الأردن(والتي كانت موالية للغرب).
- زيادة تعرفي على التيار اليساري ، كانت عندما كتبت مقالا – وأنا في المرحلة الثانوية – أنتقد فيه المملكة العربية السعودية ؛ لسماحها بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في “الظهران”. فأعجبت جماعة ” أنصار السلام” بما كتبته، وكانت جماعة يغلب عليها أفكار التيار اليساري، واكتشفت فيما بعد أنها واجهة من واجهات اليسار في مصر في ذلك التاريخ. كان ارتباطي بالتيار اليساري هو ارتباط بتيار سياسي نضالي يركز على قضية العدل الاجتماعي التي كنت مشغولا بها.
- بعد خروجي من المعتقل، لم أشارك في أي عمل سياسي؛ لأن موقفي الفكري كان قد اختمر وتبلور في السجن، ولأنني قد قررت التفرغ الكامل والتركيز على اشتغالي بـ ” صناعة الفكر”. أحسست في فترة الاعتقال بأن نظر الماركسيين إلى التدين والمتدينين هو نظر إلى أناس رجعيين ومتخلفين، وليسوا على مستوى التفكير العلمي والتقدمي.. إنها نفس نظرة الغرب رغم اختلاف المشارب والظروف بيننا وبين الغرب.
- ومنذ ذلك التاريخ ، بدأت أعود إلى مواقعي الأساسية الأولى، وضرورة الانتباه إلى طبيعة أمتنا، وأن نركز على هويتنا وتميزنا الحضاري.
- عندما حسمت موقفي بأن العمل المشترك مع اليسار الماركسي ليس هو المكان الطبيعي لمثلي، فإن الإخوان المسلمين لم أرهم المكان الطبيعي أيضا؛ فقد كانوا لا يزالون- حينها- كما هم من ضيق الأفق والعزوف عن الاهتمام بالقضايا الجماهيرية عامة، وقضية العدل الاجتماعي على وجه الخصوص.
- في السبعينيات بدأت أنشر في بيروت؛ نتيجة تضييق النشر بالنسبة لي في مؤسسات الحكومة. وبدأت الصحف العربية تكتب عني كثيرا. استطعت – بحمد الله – أن أخلق قارئا جديدا، ليس هو اليساري التقليدي، وليس هو الإسلامي التقليدي. ليس عضو الإخوان المسلمين، وليس منتميا للماركسيين.
- مشروعي الفكري: هو أن أضع في المكتبة العربية الإسلامية مجموعة تعالج مجموعة من القضايا، يستطيع القارئ إذا قرأها أن تُكوِّن له فكرة معينة وعقلية معينة، وذلك عن طريق تحقيق نصوص تراثية، أو معالجة قضايا قديمة، أو تناول هموم حالية.. هذا هو المشروع الذي أسعى لإنجازه منذ 1964م وحتى الآن. يرتبط بالجذور الإيمانية والحضارية، ويعيش عصرَه، ويستشرف مستقبله.
كان هاجسي الأول في مشروعي الفكري أن أبعث تراث علماء وقادة ورواد اليقظة الإسلامية الحديثة.. وأن أختار من تراثنا القديم النصوص والشخصيات التي مثَّلت عطاء لا يزال صالحا للبناء عليه في واقعنا . نحن نريد أن نمحو هذا الفصام النكد بين” أصولنا الحضارية”، و”واقعنا الذي نعيش فيه”، و” المستقبل الذي نحاول استشرافه”.
- أول كتاب كتبته هو” القومية العربية ومؤامرات أمريكا ضد وحدة العرب”. كتبته في أسبوع سنة 1957. إبان دراستي بكلية دار العلوم بالقاهرة.
- دعوت الله أن يحررني من رق الوظيفة وأن يعتقني من أغلالها؛ لأكون – بكل ما أملك من ملكات وطاقات وأوقات – من أهل العلم كما نذرني أبي وأنا لا أزال جنينا في رحم أمي – عليهما رحمة الله – . وآثرت ألا أدخل في سلك الوظائف ولا في سلك التدريس في الجامعات، ولا السفر إلى الجامعات العربية أو غيرها، لأني أردت أن أمتلك كل وقتي وأن أوقفه على هذا المشروع.
- في مرحلة التكوين الفكري والثقافيفي تلك الفترة المبكرة من حياتي صحبها – منَّة من الله سبحانه وتعالى عليَّ – تجربة روحية عميقة، رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ، بل رأيت ليلة القدر. كنت أدعو – دائما – بدعاء صغته لنفسي:” اللهم اغفر لي واجعلني من أهل العلم إنك على كل شيء قدير”.
- أدركت بعد هذه التجربة أن كل مشكلات الأمة لايمكن أن يكون لها حل إلا في الإسلام.
- بعد مسيرتي في الحوارات مع رموز الفكر العلماني والمادي والإلحادي، أدركت أن تلك التجربة الروحية كانت لحكمة إلهية ، أن أقوم بـ”بعثة” لأرى هذا الآخر؛ حتى أمتلك مفاتيح فكره؛ حتى إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن أحاور أحدا من هؤلاء المفكرين: أن تكون لدي القدرة على فهم مفاتيح هذا المشروع الفكري.
- ليس هناك مؤثر فكري بعينه كان له أثر في تكويني، إنما مختلف الاتجاهات الفكرية وذوو البطولات التاريخية، ومنهم مثلا: أحمد عرابي، ومصطفى كامل، ومحمد فريد.
- لقد جاء هذا المشروع الفكري: توفيقا إلهيا، واستجابة ربانية لدعاء والدي رحمه الله، وثمرة للجهد المخلص والجهاد الفكري الذي وهبته حياتي، وثمرة للعون الصادق والدائم الذي أمدتني به زوجتي وأسرتي، وثمرة لدعاء العلماء الصالحين الذين تتلمذت على أيديهم.
- وكان آخر ما قاله(د عمارة) لي ودعا به: اللهم اجعل لي لسان صدق لدينك .. اللهم أعني على نصرة دينك.. اللهم أيدني بالحق وأيد الحق بي.
- ذلكم هو د. محمد عمارة الرائد العملاق، الذي لم يكذب أهله في أي ميدان من الميادين التي قد خاض فيها. والحمد لله رب العالمين.