نظام السيسي والخليج في مذكرات هربرت مكماستر
المحتويات
مقدمة المحرر
النظام المصري في مذكرات مكماستر
دول الخليج في مذكرات مكماستر
- زيارة ترامب للسعودية
- خلافات حول أزمة حصار قطر
- احتجاز الحريري واعتقالات الريتز
خاتمة المحرر
مقدمة المحرر
حفلت فترة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالأحداث المحورية في المنطقة العربية، فقد شهدت نقل السفارة الأمريكية لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى القدس المحتلة، وطرح “صفقة القرن”، وصعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واتفاقيات التطبيع بين 4 دول عربية و”إسرائيل”، وغير ذلك من الأحداث المهمة.
ومن هذا المنطق، فإن من الأهمية بمكان الوقوف على هذه الفترة بشكل من الرصد والتحليل حتى يتسنى فهم سياسات ترامب وأركان إدارته بشكل دقيق، وتفاعل الحكام العرب مع هذه السياسات، خاصة وأن هناك فرصة لعودة الرئيس الأمريكي السابق إلى البيت الأبيض مرة أخرى، إذا ما تغلب على مرشحة الحزب الديمقراطي، نائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتأتي مذكرات المسؤولين الذي عملوا مع ترامب كأحد المصادر الرئيسية في فهم كواليس تلك الفترة، وكان آخرها مذكرات هربرت رايموند مكماستر (Herbert Raymond McMaster)، مستشار الأمن القومي لترامب في الفترة ما بين 20 فبراير/شباط 2017 إلى 9 أبريل/نيسان 2018.
فتحت عنوان: “في حرب مع أنفسنا.. مهمتي في البيت الأبيض بعهد ترامب” (At War with Ourselves: My Tour of Duty in the Trump White House)، نشر “مكماستر” مذكراته في أغسطس/آب 2024.
وفي هذا الملف، نحاول أن نركز على ما أورده “مكماستر” في مذكراته حول النظام المصري والسعودية والإمارات وقطر، محاولين فهم دلالات ما ذكره من مواقف ومعلومات.
وترجع أهمية هذه المذكرات إلى عدة أسباب؛ الأول هو قرب “مكماستر” من ترامب في فترة محورية، فرغم أنه لم يستمر في منصبه طيلة عهد ترامب، إلا أن الفترة تواجد فيها في البيت الأبيض شهدت أحداث محورية، كحصار قطر وصعود ابن سلمان وزيارة ترامب للمنطقة واحتجاز السعودية لرئيس الوزراء اللبناني حينها سعد الحريري، وبداية الحديث عن صفقة القرن.
أما السبب الثاني فهو شخصية “مكماستر” الذي جمع بين المعرفة العلمية والخبرة العملية خاصة في منطقتنا العربية، فهو من ناحية حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأمريكي من جامعة “نورث كارولينا” الأمريكية، عن أطروحة تنتقد الاستراتيجية الأمريكية والقيادة العسكرية أثناء حرب فيتنام. وعمل مدرسا للتاريخ العسكري في الأكاديمية العسكرية الأمريكية.
ومن ناحية أخرى، تولى “مكماستر” العديد من المناصب في الجيش الأمريكي، منه توليه قيادة “فرقة النسر” أثناء حرب الخليج، وعمله كضابط تنفيذي ومدير مجموعة المستشارين التابعين لقائد مقر القيادة المركزية الأمريكية المتقدمة في قطر.
وفي عام 2004، تولى قيادة فوج الفرسان الثالث وقاتل في جنوب بغداد وتلعفر من عام 2005 إلى 2006، وبعد ذلك أصبح “مكماستر” مستشارا بارزا لمكافحة التمرد في بغداد من عام 2007 إلى 2008. علاوة على ذلك، قاد قوة المهام “شفافية” التابعة للقوة الدولية للمساعدة الأمنية في أفغانستان، من عام 2010 إلى 2012.
وانطلاقا من هذه الأسباب، نحاول في هذا الملف تناول أهم ما جاء في مذكرات “مكماستر” حول الدول السابق ذكرها.
النظام المصري في مذكرات مكماستر
لم يأت “مكماستر” على ذكر مصر كثيرا في مذكراته، التي احتوت تفاصيل أكثر عن أدوار دول أخرى كدول الخليج، لكن المواقف المعدودة التي أشارت إليها هذه المذكرات ربما تكون لها دلالات مهمة، خاصة إذا ما أكدتها مذكرات أخرى أصدرها مسؤولون عملوا مع ترامب.
وجاء الموقف الأول الذي ذكره “مكماستر” حول مصر في بدايات تسلمه لمنصبه، حيث أوضح أن التغيير المفاجئ لمستشاري الأمن القومي لترامب أدى إلى زيادة قلق بعض الدول. فقد استقال مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل فلين؛ إثر كشف الصحافة عن معلومات تتعلق باتصالات أجراها مع روسيا حول العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو، فيما كان الرئيس السابق باراك أوباما لا يزال في السلطة.
وعلى إثر هذه الاستقالة، أجرى العديد من كبار المسؤولين الأجانب زيارات إلى واشنطن، في أول أسبوعين لـ “مكماستر” في منصبه الجديد، الذي تولاه في 20 فبراير/شباط 2017.
أحد هؤلاء المسؤولين كان وزير خارجية النظام المصري حينها، سامح شكري، الذي “كان حريصا على مناقشة مخاطر جماعة الإخوان المسلمين، وسأل عما إذا كان الرئيس (ترامب) مستعدا لمواجهة الجماعة ورعاتها في تركيا وقطر”، وفق “مكماستر”.
وربما في هذا دلالة على أولويات ملفات السياسة الخارجية بالنسبة للنظام المصري، فهذه كانت أول مقابلة بين “شكري” و”مكماستر”، كما أن السيسي لم يكن قد التقى رئيسا أمريكيا بعد.
فتركيز “شكري” في هذه الزيارة على ملف جماعة الإخوان المسلمين، دون غيره من الملفات كـ “سد النهضة” والحرب في ليبيا، يدلل على أن توطيد النظام لأركان حكمه وكسب القوة الأمريكية في صفه في معركته مع الجماعة، كان شاغله الأول. بينما تأتي الملفات التي تهدد الأمن القومي المصري بشكل حقيقي في مرتبة لاحقة.
وبعد اجتماع “شكري” و”مكماستر” بأقل من شهرين، استقبل ترامب السيسي في البيت الأبيض، في 3 أبريل/نيسان 2017، وهي المقابلة الشهيرة التي أبدى فيها السيسي دعمه لما وصفها بـ “صفقة القرن”.
وأوضح “مكماستر” أنه لم يحضر هذه الزيارة لأنه كان بعيدا عن العاصمة واشنطن، لمناسبة زواج ابنته الوسطى “كولين” في كاليفورنيا من أحد الضباط الأمريكيين. لكن اللافت هو أن السيسي -وبعد أن التقى بترامب- كان حريصا على مقابلة “مكماستر” أيضا.
ولذلك، بينما كان المسؤول الأمريكي عائدا من حفل زفاف ابنته، تواصل معه الجانب المصري، وطلب ترتيب اجتماع بينه وبين السيسي. وفي اليوم التالي لمقابلة ترامب-السيسي، حضر “مكماستر” إلى فندق “فور سيزونز” في منطقة “جورج تاون” بالعاصمة الأمريكية، ودخل من المدخل الخلفي للفندق، وسار بجوار حراس مسلحين إلى جناح السيسي.
حينها كان ترامب يريد تحسين علاقات بلاده بزعماء الشرق الأوسط، وقد رأى “مكماستر” أن “مصر ستكون صفقة سهلة”؛ وذلك لطبيعة العلاقات بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ونظام السيسي.
ووصف “مكماستر” تولي السيسي للسلطة في عام 2013 بأنه جاء “بعد انقلاب ضد حكومة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي”، ويعتبر أن الخشية من تزايد النفوذ الروسي في مصر كانت سببا في رغبة إدارة ترامب لتحسين العلاقات مع السيسي.
وذكر “مكماستر” عاملين ساهما في تعزيز النفوذ الروسي في مصر؛ الأول هو ما وصفه بـ “احتضان إدارة أوباما لحكومة الإخوان المسلمين بقيادة مرسي”، والثاني هو ما تبع الانقلاب من “انتقادات كانت توجهها إدارة أوباما للسيسي”.
هذه السياسة التي اتبعها أوباما “ساعدت روسيا على استعادة نفوذها في مصر، الذي فقده الاتحاد السوفييتي قبل أربعة عقود بعد أن تخلى زعيم عسكري آخر، الرئيس أنور السادات، عن تحالف القاهرة الذي دام 15 عاما مع موسكو”، وفق “مكماستر”.
وكان يعتقد المسؤول الأمريكي أن “بإمكان ترامب أن يستعيد الدفء الذي شهدته العلاقات المصرية-الأمريكية في السبعينيات وما صاحبه من فوائد جيوستراتيجية لواشنطن، إذا سار في مسار عكس هذا الذي اتبعه أوباما، عندما احتضن إيران وعزَل مصر ودول الخليج”.
وبهذه الرؤية عقد مكماستر والسيسي “محادثة ودية”، لم يفُت السيسي فيها أن يسترجع ذكرياته عن قاعدة فورت بينينغ (التي تُعرف حاليا بـ “فورت مور”) في ولاية جورجيا الأمريكية، التي التحق فيها بدورة الضباط الأساسية للمشاة في الثمانينيات. وبحسب “مكماستر”، فإنه هو والسيسي حضرا “دورة القفز المظلي” و”دورة الرينجر” للمشاه في نفس الفترة تقريبا.
وخلال اللقاء، شارك السيسي مخاوفه من “قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تجديد نفسها، وارتباطاتها بالمنظمات الإرهابية الجهادية”، وفق ما جاءت به المذكّرات.
وأكد المسؤول الأمريكي السابق أن “خلال فترة انتقال إدارة ترامب، ضغط المصريون والإماراتيون والسعوديون بقوة من أجل أن يصنف الرئيس جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية”، لكن “وزارة الخارجية الأمريكية أثارت مخاوف من أن هذا التصنيف من شأنه أن يمنع الحوار مع فروع أقل تطرفا في الجماعة، ويدفعها إلى العمل السري، الذي قد يجعلها أكثر خطورة”.
وفي مقابل تحذيرات السيسي من جماعة الإخوان المسلمين، طلب “مكماستر” منه الإفراج عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين في السجون المصرية.
وقال: “في نهاية حديثنا، تحدثت بنبرة أكثر جدية -كما فعل ترامب في اليوم السابق- للتأكيد على الحاجة إلى إزالة عائق كبير أمام تحسين العلاقات مع القاهرة”.
وتابع: “قلت للسيسي إنني واثق من أننا نستطيع أن ننجز الكثير معا، ولكن فقط بعد أن تطلقوا سراح الأمريكيين المسجونين بشكل غير قانوني في بلدكم، وذكرت العديد من هؤلاء بالاسم، ومنهم آية حجازي، وهي أمريكية أسست مع زوجها منظمة غير حكومية للدفاع عن الأطفال السجناء في مصر، لكنها سُجنت في مايو/أيار 2014 ولم تُقدّم للمحاكمة”.
وأضاف: “قلت للسيسي إن وزارة الخارجية و(نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي للشؤون الإستراتيجية)، دينا باول، ستتابعان الأمر مع الفريق المصري”.
ويشير “مكماستر” إلى أنه غادر الاجتماع وهو يحمل انطباعا بأن السيسي سيتحرك بشأن هذه القضية، وأن أولوية إدارة ترامب في إطلاق سراح “الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني” سوف تؤتي ثمارها. وبعد أسابيع، أُطلق سراح “حجازي”، واستقبلها ترامب في البيت الأبيض في 21 أبريل/نيسان 2017.
وبخلاف هذين الموقفين، لم يذكر “مكماستر” مواقف أخرى كان النظام المصري فاعلا فيها؛ حتى أزمة “حصار قطر”، التي وقعت أثناء وجوده في البيت الأبيض، كانت تديرها الأطراف الخليجية بشكل شبه كامل، ولم تفد المذكرات بوجود دور فاعل للنظام المصري فيها، لكنها أشارت عرَضا إلى أن ترامب والسيسي جمعتهما مكالمة هاتفية بهذا الخصوص.
كما جاء في المذكرات أن ترامب تواصل مع السيسي بعد اتخاذه قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الحقيقة، فإن هناك تشابها كبيرا بين دور مصر في مذكرات “مكماستر” ودورها في مذكرات صهر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، التي نُشرت في أغسطس/آب 2022، وتعقّب “مركز المسار”، ما جاء عن مصر فيها، في ملف سابق بعنوان: “مصر ونظام السيسي في مذكرات كوشنر“.
إذ نجد فيها أيضا أن “كوشنر” ذكر موقفين اثنين فقط ببعض التفصيل عن مصر، أما باقي المرات التي ذُكرت فيها فقد كانت في سياق أوسع، كطرف ضمن مجموعة دول، مثل المشاركة في حصار قطر.
ويدلل هذا النمط -الذي تنبئنا به مذكرات الساسة الأمريكيين- على تراجع أهمية دور مصر الإقليمي، في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري، في مقابل صعود لاعبين إقليميين آخرين كدول الخليج.
فرغم أن الأحداث التي وقعت في فترة حكم الرئيس ترامب كانت جوهرية وغير مسبوقة، كنقل السفارة الأمريكية للقدس، وإعلان صفقة القرن، وتوقيع اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، إلا أن دور مصر كان ضئيلا في تحريك الأحداث أو حتى التفاعل معها، وفق ما تُنبئنا به مذكرات كل من “مكماستر” و”كوشنر”.
ففي السابق كانت الإدارات الأمريكية تعتبر أن مصر هي المحرك الأساسي وحجر الزاوية في المنطقة العربية، وظهر ذلك مثلا في اختيار أوباما للقاهرة لإلقاء خطابه الأول للعالم الإسلامي منها، في 4 يونيو/ حزيران 2009. أما خلال فترة ترامب، ومع ذكر مسؤولين أمريكيين نافذين لمصر على هامش الأحداث، فإن ذلك يوضح أن ثقل مصر الإقليمي بات مهددا تحت حكم النظام القائم، حتى في نظر حلفائه وداعميه.
دول الخليج في مذكرات مكماستر
مقارنة بمصر، فإن مذكرات “مكماستر” استعرضت بشكل أوسع العلاقات الأمريكية مع كل من السعودية والإمارات وقطر، الأمر الذي يدلل على تأثير هذه الدول في تحريك سياسات المنطقة، وبالتالي زيادة أهمية التواصل الأمريكي معها.
وفيما يلي سنحاول تناول ما جاء في مذكرات المسؤول الأمريكي السابق حول عدة قضايا تتعلق بدول الخليج تلك.
- زيارة ترامب للسعودية
فصّل “مكماستر” في ذكره لزيارة ترامب للسعودية، في 20 و21 مايو/أيار 2017. فقد أتى على ذكر التحضيرات الكبيرة والبذخ الذي أبدته السعودية في التحضير للزيارة، كما أشار إلى التحول الفكري الذي تشهده السعودية بتوجيه من قيادتها، هذا بجانب حديثه عما وصفه بـ “الصراع على السلطة بين ولي العهد محمد بن نايف وابن عمه وابن الملك محمد بن سلمان”.
وقال “مكماستر” إن “السعودية شريك استراتيجي للولايات المتحدة منذ التقى الرئيس فرانكلين روزفلت بالملك عبد العزيز بن سعود على متن حاملة الطائرات “يو إس إس كوينسي” في عام 1945. لكن شريكنا كان -على مدى ما يقارب خمسة عقود- الممول الرئيسي للمساجد والمدارس التي قضت بشكل ممنهج على روح التعاطف ونشرت أيديولوجية كانت بوابة للإرهاب الجهادي، حيث كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يستخدم الكتب المدرسية السعودية لتعليم الأطفال عدم التسامح والكراهية لليهود وكذلك “الكفار” و”المرتدين” الذين لم يلتزموا بتفسيرهم المتطرف للإسلام السني”.
ورغم أن “مكماستر” نصح ترامب بعدم الانخراط في السياسات الداخلية السعودية، وخاصة صراع السلطة بين ابن نايف، وابن عمه ابن سلمان، إلا أن “كوشنر” كانت تجمعه علاقة وثيقة مع ابن سلمان، وكان من الواضح -بحسب “مكماستر”- أن تحولا في السلطة يجري التحضير له.
ولا يخفي “مكماستر” أنه كان مرتابا بشأن “ابن سلمان”، فخلال اجتماع في البنتاغون قبل أسابيع من زيارة ترامب للمملكة، أعلن ابن سلمان عن رغبته في مكافحة الإيديولوجية المتطرفة، لكن اعتبر حينها “مكماستر” أن توصيف ابن سلمان للمشكلة كان غير دقيق بشكل أو بآخر.
وذلك لأن ابن سلمان في نهاية هذا الاجتماع، قدم تفسيره لجذور ما وُصف بـ “الإرهاب الجهادي”، وألقى باللوم كله على إيران. لكن “مكماستر” لم يمرر ذلك، حيث رد عليه قائلا: “صاحب السمو، أود فقط أن أشير إلى أن الخاطفين الذين قتلوا ما يقرب من 3 آلاف شخص، في 11 سبتمبر/أيلول 2001، لم يكن أي منهم إيراني”.
وقال “مكماستر” في مذكراته: “على الرغم من شكوكي حول محمد بن سلمان وصراعه على السلطة مع ولي العهد الذي سيُخلع قريبا محمد بن نايف، اعتقدتُ أن المملكة كانت عند نقطة تحول”.
إذ كشف المسؤول الأمريكي السابق أن “ابن سلمان أخبر الرئيس ترامب عندما زار واشنطن قبل أسابيع من زيارة ترامب للرياض، أن العاهل السعودي وقادة العائلة المالكة يدركون الآن خطر نشر الكراهية وعدم التسامح”.
ونوه “مكماستر” إلى الدور الأمريكي في تطوير “مخرجات” ملموسة لزيارة ترامب فيما يخص التحولات في السعودية، وذكر منها “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” (اعتدال).
وحول الترتيبات السعودية لزيارة ترامب، قال “مكماستر”: “كان من الواضح بالفعل أن مضيفينا قد بذلوا قصارى جهدهم، وقلت في نفسي إنهم يعرفون جيدا كيف يكسبون ود ترامب”.
وتابع: “رغم أن التقارير الصحفية رفضت هذه الضجة باعتبارها محاولة من السعوديين لاستغلال ميل ترمب إلى مَن يتملقونه، فإن القادة السعوديين كانوا يشيرون أيضا بهذا الاستقبال إلى رغبتهم في أن يرحبوا بالولايات المتحدة بعد سنوات من القطيعة في عهد أوباما”.
ووصف “مكماستر” ترامب بأنه “كان يشعر وكأنه في بيته وهو في غرفة الفندق المزخرفة المذهبة المليئة بالقطع الزهرية باهظة الثمن، وأطباق الفاكهة، وصواني التمر، وأطباق الحلوى الشرق أوسطية؛ وبدا أن العروض والاجتماعات الناجحة قد منحته نشاطا وحيوية”.
- خلافات حول أزمة حصار قطر
تعرضت المذكرات أيضا لحصار قطر، الذي بدأ في 5 يونيو/حزيران 2017، وانتهى في 4 يناير/كانون الثاني 2021.
وأكدت المذكرة على وجود خلاف داخل إدارة ترامب حيال الأزمة الخليجية بين فريقين؛ الأول يمثله وزيرا الخارجية والدفاع آنذاك، ريكس تيلرسون، وجيمس ماتيس؛ والثاني هو ترامب و”مكماستر” وآخرون داخل الإدارة الأمريكية.
والجدير بالذكر أن موقع “ذي إنترسبت” الأمريكي أورد، في أغسطس/آب 2028، أن السعودية والإمارات كانتا تخططان لغزو قطر عسكريا في صيف 2017، لكن مساعي “تيلرسون” أثنت البلدين عن تفعيل مخططهما، وهو ما قد يشكل أحد أبرز أسباب إقالة تيلرسون من منصبه في وقت لاحق.
وكان تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ذكر أن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة كان يعلم بإقالة تيلرسون لثلاثة أشهر قبل صدور القرار رسميا في مارس/آذار 2018، الأمر الذي يؤكد التقارير التي تحدثت عن مساعي السعودية والإمارات حينها لإقالة تيلرسون لاستيائهما إزاء محاولاته المستمرة للوساطة وإنهاء حصار قطر.
وفي مذكراته، شن “مكماستر” هجوما على تيلرسون، لأنه كان يتجاوز ترامب فيما يخص الأزمة الخليجية.
وكان مما ذكره “مكماستر” أن بعد ما وصفه بـ”حصار قطر” اكتشف أن تيلرسون تجاوز النظام وذهب مباشرة إلى جدول الرئيس ترامب لإضافة ثلاث مكالمات لم تكن موجودة فيه، إحداها مع ولى عهد الإمارات حينها محمد بن زايد، والثانية مع ابن سلمان، والثالثة مع أمير قطر تميم بن حمد.
وقال “مكماستر” في مذكراته: “كان صحيحا أن القادة القطريين أعطوا موافقة ضمنية على ما يسمى بالجمعيات الخيرية التي تمول المنظمات الإرهابية والمتطرفة، علاوة على ذلك، استضافت قطر أعضاء العديد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، مما سمح لهم بالانخراط في التحريض والتجنيد وجمع الأموال”، كما نوه المسؤول الأمريكي السابق إلى دور قطر في استضافة قادة حماس على أراضيها.
وأضاف: “لقد حاولت أن أجعل استجابة المؤسسات الأمريكية المتضاربة لهذه الأزمة متسقة مع بعضها بعضا، لكن تيلرسون وماتيس -اللذين كانا مهتمين بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، قاعدة العديد- كانا حريصين على نزع فتيل الأزمة”.
وألمح “مكماستر” إلى أن هناك دوافع شخصية لدى تيلرسون وماتيس لاتخاذ هذا الموقف، إذ “كان لكل منهما علاقات ممتدة مع العائلة المالكة في قطر، فـتيلرسون عمل رئيسا تنفيذيا لشركة “إكسون موبيل”، وماتيس عمل قائدا للقيادة المركزية الأمريكية”.
وقال “مكماستر”: “على العكس من موقفي وموقف ترامب، فلم يكن تيلرسون وماتيس قلقين بشأن السلوك المخادع الذي تتبعه العائلة الحاكمة في قطر”.
وتابع: “كنت أنا وماتيس وتيلرسون بحاجة إلى التوفيق بين مواقفنا المتباينة حتى نتمكن من إرسال رسائل متسقة، والتصرف وفقا لتوجيهات الرئيس، وفي منتصف يونيو/حزيران، نسق فريقنا مسودة أهداف مشتركة ونقاط نقاش تتماشى مع توجيهات ترامب بهدف استغلال الأزمة لإقناع القادة القطريين بتقييد تمويل الإرهاب والمتطرفين؛ ومع ذلك، قرر تيلرسون متابعة خطته الخاصة مع تجاهل توجيهات الرئيس إلى حد كبير”.
ويذكر “مكماستر” أنه واجه تيلرسون، حيث سأله: “لماذا تجاوزت نظام مجلس الأمن القومي الخاص بمكالمات رؤساء الدول؟”، وكان تبرير “تيلرسون” بأن المكالمات كانت “عاجلة” لأنه كان يخطط لزيارة إلى الخليج في الأسبوع التالي؛ كمحاولة لحل الأزمة.
وكشفت “مكماستر” بعض تفاصيل الاتصال الذي جمع ترامب بابن زايد حينها، حيث استحضر الرئيس هجوم، 22 مايو/أيار 2017، في مانشستر بإنجلترا، الذي أسفر عن مقتل 22 وإصابة 1017 في حفل موسيقي للمغنية الأمريكية أريانا غراندي. وقال ترامب بنبرة غاضبة: “لقد سئمت وسئم الناس من ذلك، يجب أن يتوقف كل هذا”.
حينها أحس ابن زايد بأن أمامه فرصة وطلب من ترامب إعطائه المزيد من الوقت لاستكمال حصار قطر، ثم سأل ترامب وزير خارجيته “تيلرسون” عن موقفه، لكنه لم يقل إلا بضع كلمات أوضح فيها أن الادعاءات بشأن تمويل قطر للإرهابيين مبالغ فيها.
ثم وسع ترامب النقاش ليشمل تمويل السعودية للإرهابيين: “يقول لي الجميع قطر، قطر، قطر.. أليست السعودية تمول الإرهاب أيضا؟”
ليرد ابن زايد قائلا إن “التمويل السعودي (للإرهاب) لم يعد يحظى بموافقة الدولة، لكن الأموال تتدفق إلى المنظمات الإرهابية والمتطرفة من الأفراد وما يسمى بالجمعيات الخيرية (في السعودية)”.
وخلصت هذه المكالمة بموافقة ترامب على مطالب ابن زايد، حيث قال: “أزمة الخليج قد تزداد سوءا، لكنها لن تكون في بشاعة تفجير مركز التجارة العالمي… ولا بشاعة تفجير مانشستر… إذا، محمد، أنت بحاجة لبعض الوقت، وموقفي هو الاستمرار في الضغط على قطر، علينا تجويع الوحش… ريكس (تيلرسون)، دع الأزمة تأخذ وقتها، وإذا ساءت الأمور، فلا بأس”.
وكانت المكالمة مع الملك سلمان، بحضور ابنه محمد، مشابهة للمكالمات السابقة. لكن في المقابل، عندما تحدث ترامب مع أمير قطر، كان أكثر غضبا وأقل صبرا؛ إذ أخبر أمير قطر بأن يتوقف عن تمويل وإيواء الإرهابيين، وفق ما نقله “مكماستر” في مذكراته.
وفي سياق الخلاف داخل البيت الأبيض، أو بتعبير مكماستر “لعبة القوة” مع تيلرسون وماتيس، أشار كاتب المذكرات إلى أن “تيلرسون” حاول الضغط على السعودية لفك حصار قطر، عبر عرقلة مبيعات الأسلحة الأمريكية إليها.
وقال مكماستر: “كان ترامب محبَطا لأن الملك سلمان أعلن عن شراء نظام دفاع جوي روسي متطور أثناء زيارته لموسكو؛ ولذلك طلب ترامب مني أن أسأل الملك سلمان: “لماذا ندافع عنك بتكلفة هائلة بينما أنت هناك في روسيا؟ لماذا لا تطلب من روسيا الدفاع عنك؟”
عندها، أخبر مكماستر ترامب أن الملك سلمان وابنه ربما استخدموا شراء الأسلحة الروسية كورقة لتسريع مبيعات الأسلحة المعطلة في الكونغرس.
ويقول مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: “عندما نظرت في الأمر، اكتشفت أن تيلرسون -وفي انتهاك لما يريده ترامب- طلب من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور، بوب كوركر، تأجيل مبيعات الأسلحة هذه؛ لدفع المملكة إلى رفع الحصار عن قطر”.
واستمر مكماستر في مهاجمة تيلرسون، باعتبار أن “من المنوط بالوزراء أن يدعموا سياسات الرئيس وقراراته في الكونغرس، لا أن يستخدموا الكونغرس لعرقلة قرارات الرئيس”،
وقال مكماستر: “كنت أعلم أن ترامب سيغضب إذا علم بذلك، وفي الأخير طلبت من تيلرسون وكوركر رفع الحظر عن السعودية”.
- احتجاز الحريري واعتقالات الريتز
تناول مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق حادثة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، في السعودية، وإجباره على إعلان استقالته في مقطع فيديو، حيث استعرض رؤاه الشخصية وتحركات الإدارة الأمريكية لحل هذه الأزمة.
ويرى “مكماستر” أن ابن سلمان أجبر الحريري على الاستقالة لأنه اعتقد أنه كان ضعيفا في مواجهة “حزب الله”.
وبالتزامن مع هذه الحادثة، أمر ابن سلمان باحتجاز مئات من أفراد العائلة المالكة السعودية والمليارديرات وكبار المسؤولين الحكوميين في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض. وبرزت تقارير عن سوء معاملة المحتجزين، كما اضطر العديد من المعتقلين إلى التخلي عن الأصول المالية للحصول على الإفراج.
ويقول مكماستر إن “السلطات السعودية وصفت العملية التي استمرت شهورا بأنها حملة ضد الفساد، لكنها كانت في المقام الأول وسيلة من محمد بن سلمان لتعزيز سلطته”.
احتجاز الحريري بجانب “الإجراءات الوحشية” التي اتخذها ابن سلمان أكد توصيف ترامب للمنطقة بأنها “خليط كبير من الهراء”، وفق مكماستر.
لكن في ظل هذه الفوضى، حاول “مكماستر” إقناع ترامب بأن الوضع في الشرق الأوسط قد يزداد سوءا، إذا لم تنخرط فيه الولايات المتحدة بشكل مستدام.
ويذكر “مكماستر” أنه نقل إلى الحريري رسالة جاءت بالتنسيق بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ومستشاري الأمن القومي لدول مجموعة “كوينت”، التي تجمع، بجانب الولايات المتحدة، فرنسا وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة.
هذه الرسالة -بحسب المذكرات- حثت الحريري فيها على بذل المزيد من الجهد لإعادة “حزب الله” إلى ما وراء المنطقة العازلة بينه وبين “إسرائيل”، كما طلبت منه أن يخبر الإدارة الأمريكية وحلفائها بما يحتاجه منهم لمساعدته على إعادة إحياء “تحالف 14 آذار”، وهو تحالف الأحزاب السياسية والمستقلين الذي قاده في عام 2005 بعد اغتيال والده خلال “ثورة الأرز” التي أجبرت القوات السورية على مغادرة لبنان.
ويقر المسؤول الأمريكي السابق أن بلاده لم تتمكن من حل مشاكل لبنان، لكنه يعتبر أن “سياسة إدارة أوباما المهادنة لإيران عززت نفوذ حزب الله، مما مكّن هذه المنظمة الإرهابية من تحويل لبنان إلى قاعدة عمليات، مع توجيه 150 ألف صاروخ نحو إسرائيل”، وفق وصفه.
وتابع: “كنت أود أن يفهم ترامب أنه قد بدأ بالفعل في استعادة النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد تراجع إدارة أوباما، وأن حديثه عن الانسحاب من الشرق الأوسط يجعله يبدو وكأنه أوباما، مما يقوض المكاسب التي حققها ويعرقل الجهود المبذولة لهزيمة الإرهابيين الجهاديين، ومواجهة العدوان الإيراني، وحماية إسرائيل، وإحراز تقدم في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”.
وينقل “مكماستر” أن الحريري شكره على العمل الذي قام به هو وكثيرون غيره لإطلاق سراحه من السعودية، وإقناع ابن سلمان بأن الحريري، على الرغم من عيوبه، هو أفضل شخص متاح في لبنان لمواجهة نفوذ “حزب الله” المتزايد.
وقبل الانتهاء من هذا المحور، ربما من اللافت، في تلك الفقرات، صراحة “مكماستر” في توصيف الأمور كما يراها، دون محاولة تخفيف وطأتها عبر استخدام لهجة دبلوماسية. فقد وصف احتجاز الحريري واعتقالات فندق “ريتز كارلتون” بأنها “إجراءات وحشية”.
كما أكد أن اعتقال أفراد العائلة المالكة السعودية والمليارديرات السعوديين لم يكن حملة على الفساد كما يدعي ابن سلمان، بل كانت وسيلة منه لإحكام قبضته على السلطة. هذا علاوة على أنه توصيفه الأزمة الخليجية بأنها “حصار قطر”، على عكس توصيف السعودية ومصر والإمارات والبحرين لها بأنها “مقاطعة قطر”.
خاتمة المحرر
حملت مذكرات هربرت مكماستر تأكيدا على تراجع دور مصر الإقليمي مقابل تزايد الدور الخليجي، وهو ما أشارت إليه ضمنا مذكرات جاريد كوشنر. ويرجع هذا إلى تركيز النظام المصري على ترتيب شؤونه الداخلية، بعد انقلاب 2013، وما تبعه من فترة توتر نسبي مع إدارة الرئيس باراك أوباما.
وربما يؤكد ذلك أن المناسبات المعدودة التي ذكر فيها “مكماستر” كواليس ما دار بينه وبين مسؤولين مصريين، كانت مطالبات الطرف المصري فيها تنصب على كسب دعم واشنطن في الحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن هناك قضايا أخرى جوهرية تقع في صلب الأمن القومي المصري، مثل سد النهضة الإثيوبي، والحرب في ليبيا.
وفي المقابل، أكدت المذكرات على محاولات السعودية كسب ود الرئيس ترامب، واستغلال زيارته للرياض في تحقيق هذا الهدف، وتضمنت هذه المحاولات التحولات الفكرية التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان في المملكة. فقد بيّن “مكماستر” أن ابن سلمان استغل صراحة “التحديثات” التي يجريها على هوية المملكة؛ للتقرب من ترامب وإدارته.
وتصديقا لما ذكرته العديد من التقارير، أثبتت المذكرات أن خلافا وقع داخل إدارة ترامب فيما يخص التعاطي مع “حصار قطر” عام 2017. فبينما كان وزيرا الخارجية والدفاع مع احتواء الأزمة، تمكن محمد بن زايد من إقناع ترامب بسرديته وبمنحه وقتا كافيا لـ “تجويع الوحش”، بحسب تعبير ترامب في مكالمة هاتفية مع ابن زايد.
ختاما، وخلافا لما ذكرته العديد من التحليلات حول انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، فإن “مكماستر” كان يشجع ترامب على الاهتمام بالمنطقة؛ لعدة أسباب، ذكر منها “هزيمة الجهاديين، ومواجهة العدوان الإيراني، وحماية إسرائيل، وإحراز تقدم في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”.