عرض كتاب - مصر.. البؤرة الساخنة في السياسة العالمية
المحتويات
- مقدمة حول الكتاب والمؤلف
- الفصل الأول: تآكل الإرث التاريخي للدولة المصرية
- الفصل الثاني: الدولة العميقة: الجيش، والرئاسة، وأجهزة الاستخبارات
- الفصل الثالث: سيطرة الدولة على البيروقراطية والقضاء والبرلمان
- الفصل الرابع: تحديات مستمرة مع الكيانات الدينية والشبابية والعمالية
- الفصل الخامس: مآلات فشل النظام.. “النظام يجني ما زرع”
- الفصل السادس: طريق وعر للمستقبل
مقدمة حول الكتاب والمؤلف
كتاب “مصر” (Egypt) للمؤلف روبرت سبرينجبورج، هو جزء من سلسلة “البؤر الساخنة في السياسة العالمية” (Hot Spots in Global Politics)، الصادرة عن دار النشر البريطانية (Polity Press).
ويقدم الكتاب تحليلا شاملا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، مُركزا على العقود الأخيرة التي شهدت تغيرات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي.
ويسلط الكتاب الضوء على كيفية تشكل “الدولة العميقة” في مصر، والتي تتمثل في الجيش والرئاسة وأجهزة المخابرات، وكيف سيطرت هذه الجهات على مقدرات البلاد ومؤسساتها، مما أدى إلى تشكل نظام حكم معقد ومستبد، يعيق التحول الديمقراطي والاقتصادي.
يتناول الكتاب بالتحليل أسباب ثورة 25 يناير 2011، والتي أطاحت بالرئيس، محمد حسني مبارك، بعد 30 عاما في الحكم. ويبحث الكتاب في أسباب اندلاع الثورة والعوامل التي أدت إلى فشلها في تحقيق أهدافها، كما يستعرض كيفية تمكن “الدولة العميقة” من استعادة السيطرة على الحكم وإحباط أي محاولة للتغيير.
بالإضافة إلى ذلك، يتطرق الكتاب إلى موضوعات أخرى مهمة، مثل الدور الواسع للجيش وأجهزة المخابرات في السياسة، والسيطرة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتدمير الحياة السياسية من تهميش الأحزاب السياسية، وقمع المجتمع المدني، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية السلبية لهذه السياسات.
ويقدم “سبرينجبورج” في نهاية الكتاب تحليلا لثلاثة سيناريوهات رئيسية للمستقبل المصري، مستعرضا الخيارات الممكنة أمام البلاد لتحقيق الاستقرار والنمو، أو مواصلة التدهور في حال استمرار السياسات الراهنة.
ونُشر الكتاب في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 باللغة الإنجليزية، في 264 صفحة، وحرصا منا على عرض عناصر الكتاب بشكل معمق، وخاصة أنه لم يترجم إلى العربية حتى الآن، فقد وضعنا في هذا الملف ملخصه، بحيث يشتمل على كافة الأفكار والعناصر الرئيسة مع توضيح أهم الأمثلة والإحصاءات التي يعرضها الكاتب.
تعريف بالمؤلف
روبرت سبرينجبورج هو أستاذ بارز وخبير في شؤون الشرق الأوسط، وله مكانة مرموقة كواحد من أبرز المتخصصين في دراسة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، وخصوصا في مصر.
وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وعمل في العديد من الجامعات والمؤسسات البحثية المرموقة حول العالم، بما في ذلك الجامعة الأمريكية في القاهرة، وجامعة كولومبيا في نيويورك، وجامعة سيدني في أستراليا.
ويتميز سبرينجبورج بفهم عميق للتعقيدات السياسية والاقتصادية في مصر، مستفيدا من سنوات طويلة من الخبرة المباشرة في المنطقة، وله العديد من الكتب والمقالات الأكاديمية التي تناولت الأوضاع السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، وعمل مستشارا للعديد من الحكومات والمنظمات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
الفصل الأول: تآكل الإرث التاريخي للدولة المصرية
يستعرض الفصل الأول من الكتاب كيف أدى التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر إلى “تآكل الإرث التاريخي” الذي كان يمثل الأساس الصلب للدولة المصرية الحديثة.
ويبدأ الكاتب بإلقاء الضوء على الأحداث التي أدت إلى الانتفاضة الشعبية في عام 2011، محاولا فهم الأسباب العميقة وراء هذه الأحداث، والفشل في التنبؤ بها، بالإضافة إلى العواقب التي ترتبت عليها.
أولا: أسباب الثورة
على الرغم من استمرار نظام الرئيس مبارك في الحكم لما يقرب من ثلاثين عاما، إلا أن مشاكله البنيوية العميقة كانت تتفاقم بمرور الوقت، مما أدى إلى انفجار شعبي غير مسبوق. هذا الانفجار كان له أسبابه الجذرية المرتبطة بالتدهور الاقتصادي، والفساد، وقمع الحريات، والفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
وقد وضّح “سبرينجبورج” أسباب الثورة في العوامل التالية:
- الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور
خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، كانت مصر تعاني من تدهور اقتصادي واضح. فعلى الرغم من محاولة الحكومة إظهار معدلات نمو اقتصادي، إلا أن هذه المكاسب كانت ضئيلة ولم تصل إلى غالبية السكان، حيث كانت ثروة البلاد مركزة في أيدي نخبة صغيرة مقربة من النظام الحاكم، مثل أحمد عز وغيره من رجال الأعمال.
ووصل الوضع في عام 2010 إلى أن ما يقرب من 25 بالمئة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، وكان الوضع أكثر سوءا في صعيد مصر حيث وصلت النسبة إلى 50 بالمئة، وكانت نسبة البطالة العامة كانت حوالي 10 بالمئة، ولكن البطالة بين الشباب كانت تصل إلى ضعف هذا الرقم، مما أدى إلى إحباط واسع النطاق بين هذه الشريحة السكانية على وجه الخصوص.
ورغم أنه بحلول عام 2010، كان 4 مصريين في قائمة أغنى 10 أفارقة، إلا أن نسبة كبيرة من الشعب كانت تعيش في ظروف اقتصادية مزرية.
- القمع السياسي وغياب الحريات
خلال فترة حكم مبارك، كان النظام يعتمد بشكل كبير على الأجهزة الأمنية لقمع أي محاولات للتعبير عن المعارضة السياسية أو الاجتماعية، وشمل ذلك حملات متتابعة ضد جماعة “الإخوان المسلمين” والحركات العلمانية والليبرالية.
هذا فضلا عن تزوير الانتخابات، مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية لعام 2010، التي حصل فيها “الحزب الوطني الديمقراطي” الحاكم على 420 مقعدا، من أصل 444 مقعدا في البرلمان، بينما لم يسمح النظام لمرشحي جماعة الإخوان المسلمين إلا بالحصول على مقعد واحد فقط، مقارنة بـ 88 مقعدا في انتخابات 2005.
وفي ظل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية، كان هناك عامل نفسي واجتماعي مهم دفع الناس إلى الانتفاضة، وهو الشعور بالإهانة وفقدان الكرامة وعدم اكتراث النظام بالمشكلات الفعلية التي يواجهها الشعب.
- تأثير الربيع العربي وعدوى الثورة
وبموازاة تراكم هذه العوامل في مصر، كان لاندلاع الثورة في تونس خلال نهاية عام 2010 دور كبير في تحفيز المصريين للخروج إلى الشوارع. فكانت الثورة التونسية بمثابة نموذج للعديد من الدول العربية، حيث أثبتت أن الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية ممكنة.
ثانيا: لماذا لم يتنبأ أحد بثورة يناير؟
على الرغم من وجود العديد من المؤشرات التي تدل على الاستياء الشعبي المتزايد في مصر قبل عام 2011، إلا أن اندلاع الانتفاضة المصرية كان مفاجئا للجميع، بما في ذلك الحكومة، والمحللين السياسيين، وحتى الجماهير نفسها. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل رئيسية، ساهمت مجتمعة في خلق حالة من الاعتقاد السائد بأن النظام المصري، رغم عيوبه، لا يمكن الإطاحة به.
- القبضة الأمنية المحكمة
اعتمد النظام المصري بشكل كبير على أجهزته الأمنية، بما في ذلك الشرطة وقوات الأمن المركزي وجهاز المخابرات العامة، لقمع أي تحركات معارضة أو محاولات لتنظيم الاحتجاجات. وكانت هذه الأجهزة الأمنية متغلغلة في الحياة اليومية للمصريين، واستخدمت العنف والترهيب لضمان السيطرة على البلاد.
وكان هذا القمع المستمر أحد الأسباب الرئيسية التي منعت الناس من تصديق أن انتفاضة شعبية يمكن أن تنجح.
- وهم الاستقرار السياسي
طوال فترة حكم مبارك، قدم النظام نفسه على أنه نظام مستقر وقوي، وقادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. هذه الصورة كانت تعتمد على السيطرة الكاملة للحزب الوطني على المشهد السياسي، إلى جانب نجاح مبارك في الحفاظ على دعم الجيش والقوى الأمنية.
وبالنسبة للعديد من المصريين والمراقبين الدوليين، كانت مصر تبدو وكأنها دولة لا تواجه تهديدا جديا من الداخل، خاصة مع القمع الفعّال لأي معارضة.
وكانت الانتخابات البرلمانية لعام 2010 مثالا واضحا على وهم الاستقرار الذي خلقه النظام. فعلى الرغم من الاحتجاجات التي صاحبت هذه الانتخابات، إلا أن النظام تمكن من الحصول على أغلبية ساحقة في البرلمان من خلال التزوير، مما عزز صورته كنظام مستقر وقوي.
وصحيح أن في السنوات التي سبقت الثورة، كانت هناك بعض الاحتجاجات والمظاهرات الصغيرة، لكن لم يكن هناك أي تحرك شعبي واسع النطاق يمكن أن يشير إلى احتمالية حدوث ثورة بهذا الحجم. من ذلك، مظاهرات 2008 في المحلة الكبرى التي كانت من أكبر الاحتجاجات في تلك الفترة، إلا أنها لم تصل إلى مستوى الانتفاضة التي حدثت في 2011.
- غياب البدائل السياسية
على الرغم من أن النظام المصري كان يعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية، إلا أنه لم يكن هناك بديل سياسي واضح يمكن أن يقود التحرك ضد النظام. وكانت المعارضة السياسية في مصر منقسمة ومقيدة بشكل كبير، فجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت أكبر قوى المعارضة، كانت مضطرة للعمل بشكل شبه سري ولم تتمكن من تقديم رؤية واضحة للتغيير الديمقراطي.
ورغم أنها كانت تحتفظ بنفوذ محدود في السياسة المصرية، لكنها لم تكن تملك القدرة على تنظيم انتفاضة جماهيرية واسعة النطاق بسبب القمع المستمر من قِبل النظام.
أما الأحزاب العلمانية والليبرالية فكانت ضعيفة، وتعاني من قمع الحكومة ومن انقسامات داخلية.
وكانت الحكومة تفرض قيودا صارمة على المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، مما حد من قدرتها على تقديم أي دعم لحركات الاحتجاج. كذلك، كانت القوانين المتعلقة بالتمويل الأجنبي والمراقبة المستمرة للنشطاء تقيد حرية العمل المدني والسياسي.
- الاعتماد على الدعم الدولي
كانت الحكومة المصرية تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتأمين استقرارها. وهذا الدعم كان يضمن لمبارك أن نظامه لن يواجه تحديات دولية كبيرة، وبالتالي كان يرى أن المعارضة الداخلية يمكن قمعها بسهولة دون خوف من التدخل الخارجي.
وتلقت مصر دعما ماليا وعسكريا كبيرا من الولايات المتحدة على مدى عقود، حيث كانت مصر واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية في المنطقة. وقد استخدم هذه المساعدات لدعم الجيش والأجهزة الأمنية، مما عزز من قوته في مواجهة أي محاولات داخلية للإطاحة به.
ثالثا: لماذا فشلت الثورة؟
على الرغم من النجاح الأولي للثورة المصرية في الإطاحة بنظام حسني مبارك في فبراير/شباط 2011، إلا أن الثورة لم تحقق أهدافها الرئيسية في إرساء نظام ديمقراطي عادل ومستقر، وسرعان ما وجدت القوى السياسية والمجتمعية التي شاركت في الانتفاضة نفسها في حالة من الانقسام والصراع على استحقاقات المنافسة على السلطة، مما أدى إلى فشل الثورة في تحقيق تحول سياسي جذري.
- الافتقار إلى رؤية موحدة
يرى الكاتب أن من أبرز أسباب فشل الانتفاضة المصرية هو غياب رؤية واضحة أو خطة عمل مشتركة بين القوى التي قادت الثورة. فلم تكن هناك أجندة واضحة لكيفية بناء النظام السياسي بعد سقوط مبارك.
وساهمت في ذلك الانقسامات الكبيرة بين القوى السياسية التي شاركت في الثورة. فبعد سقوط مبارك، فازت جماعة الإخوان المسلمين في أول انتخابات ديمقراطية، مما أدى إلى تفاقم التوترات مع القوى العلمانية والليبرالية.
وفي ذات الوقت، لم تتمكن القوى الليبرالية والعلمانية من بناء تحالف قوي لمواجهة الإسلاميين، مما جعلها غير قادرة على تقديم بديل سياسي مستقر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب القيادة المركزية أو الزعامة الكاريزمية بعد تنحي مبارك ساهم في زيادة الفوضى السياسية وغياب الرؤية الواضحة.
- تدخل الجيش في السياسة
على الرغم من أن الجيش لعب دورا كبيرا في الإطاحة بمبارك، إلا أن تدخله المستمر في الحياة السياسية بعد الثورة كان له تأثير كبير على فشلها. فقد كان الجيش يمتلك القوة والسلطة للتحكم في مسار الأحداث السياسية.
فبعد تنحي مبارك، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، وعلى الرغم من وعود الجيش بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، إلا أنه ظل مهيمنا على الحياة السياسية وشارك في قمع العديد من الحركات الاحتجاجية.
وفي 2013، تدخل الجيش مجددا للإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، مما أدى إلى انهيار العملية الديمقراطية وعودة الحكم العسكري.
رابعا: عواقب الانقلاب
بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، واجهت مصر تغييرات كبيرة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، حيث زاد الاستقطاب الداخلي وتدهور مستوى الحريات السياسية والاجتماعية، وفيما يلي بعض عواقب فشل الثورة:
- تعزيز القبضة العسكرية على الحكم
بعد الانقلاب العسكري، أعيد الحكم العسكري إلى الواجهة بشكل كامل. فالجيش، الذي كان يتدخل منذ عقود في الشؤون السياسية، أصبح يسيطر مرة أخرى على كافة مؤسسات الدولة.
هذا التطور أدى إلى تقليص فرص التحول الديمقراطي وتعزيز الاستبداد، حيث تزايد قمع الحركات السياسية المعارضة، واعتُقل آلاف النشطاء السياسيين، وخُلقت بيئة سياسية خانقة، أصبح من الصعب فيها على أي معارضة سياسية أو اجتماعية أن تعمل بحرية.
ومن مؤشرات ذلك أن احتلت مصر مراتب متدنية جدا في مؤشر حرية الصحافة العالمي بعد الانقلاب، بسبب حالات اعتقال الصحفيين وإغلاق العديد من وسائل الإعلام المستقلة.
أما التظاهر السلمي، فبعد قانون التظاهر الذي صدر في 2013، أصبح من المستحيل تقريبا تنظيم أي احتجاجات دون مواجهة قمع عنيف من قبل قوات الأمن.
- الاستقطاب الاجتماعي والسياسي
أدى الانقلاب العسكري إلى تعميق حالة الاستقطاب في المجتمع المصري، فالصراع بين الإسلاميين والعلمانيين أصبح أكثر حدة بعد الإطاحة بمرسي، وأصبحت البلاد منقسمة بين مؤيدين ومعارضين للانقلاب.
هذه الحالة أدت إلى زيادة العنف السياسي والاجتماعي، بما في ذلك تفجيرات واشتباكات مسلحة بين قوات الأمن ومجموعات معارضة، الأمر الذي زاد من الفوضى وعدم الاستقرار.
وبعد الانقلاب، صنف النظام جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، واعتقل الآلاف من أعضائها ومؤيديها، مما أدى إلى تصاعد حالة العداء بين الحكومة والإسلاميين، وفق وصف الكتاب.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية
على الرغم من وعود الحكومة بتحسين الأوضاع الاقتصادية بعد الانقلاب، إلا أن الاقتصاد المصري شهد تدهورا كبيرا؛ إذ ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءا نتيجة للاضطرابات السياسية والتدخلات العسكرية في الحياة الاقتصادية، وتفاقمت مشاكل البطالة والفقر، وأصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على القروض الدولية.
وبعد الانقلاب، ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث اعتمدت الحكومة على القروض الدولية من صندوق النقد الدولي والدول الخليجية لدعم الاقتصاد.
الفصل الثاني: الدولة العميقة: الجيش، والرئاسة، وأجهزة الاستخبارات
يتناول الفصل الثاني من الكتاب الدور الواسع الذي تلعبه المؤسسات العسكرية والأمنية في الحياة السياسية المصرية.
ويركز الكاتب على كيفية تشكيل “الدولة العميقة” من خلال تفاعل هذه المؤسسات مع بعضها بعضا، وكيف أن هذه الديناميكيات ساهمت في تعزيز سيطرة الجيش على الحكم وتقويض الجهود المبذولة لبناء دولة مدنية ديمقراطية.
مفهوم الدولة العميقة في مصر
يعرّف الكاتب الدولة العميقة بأنها شبكة من العلاقات بين الجيش، والرئاسة، والأجهزة الاستخبارية التي تعمل معا للحفاظ على السلطة ومنع أي تهديد للنظام القائم.
ويوضح الكاتب أن الدولة العميقة في مصر تتمتع بسلطة استبدادية قوية، ولكنها هشة في الوقت ذاته. فعلى الرغم من أن الجيش وأجهزة المخابرات تسيطر بشكل محكم على السياسة، إلا أن هذا النظام يعاني من ضعف هيكلي بسبب اعتماده على القمع والفساد وعدم الشفافية، بدلا من بناء مؤسسات قوية ومستدامة.
ولذلك، يصف الكاتب الدولة بأنها “قوية، ولكنها هشة”، حيث تعتمد قوتها على القمع المستمر والخوف، مما يجعلها عرضة للانهيار في مواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي كبير.
مثلث الدولة العميقة: الجيش، المخابرات، والرئاسة
أولا: الجيش
يرى “سبرينجبورج” أن الجيش المصري ليس فقط مؤسسة دفاعية، بل يُعد أحد الأعمدة الرئيسية للدولة العميقة في مصر، ويمتلك نفوذا واسعا في جميع نواحي الحياة، بدءا من السياسة وصولا إلى الاقتصاد، مما يجعله لاعبا أساسيا في الحفاظ على استقرار النظام وضمان استمراره.
فمنذ انقلاب 1952، أصبح الجيش المصري جزءا لا يتجزأ من السياسة المصرية، حيث يُعتبر المؤسسة الأكثر نفوذا في الدولة، ويتمتع بسلطات واسعة تمكنه من التأثير في اتخاذ القرارات السياسية الرئيسية.
وإذا ما نظرنا سنجد أن حكام مصر المتعاقبين، بدءا من جمال عبد الناصر وحتى السيسي، كانوا إما ضباطا سابقين في الجيش أو يعتمدون على دعم الجيش لضمان بقائهم في السلطة.
وإلى جانب دوره السياسي، يُعتبر الجيش لاعبا اقتصاديا كبيرا في مصر؛ إذ يمتلك شركات ومشروعات ضخمة تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، بما في ذلك الزراعة، الصناعة، والبنية التحتية. هذه السيطرة الاقتصادية تعزز من نفوذ الجيش وتمنحه القدرة على الاستمرار في التحكم في مفاصل الدولة وتزيد من استقلاله المالي. من ذلك، مشروع قناة السويس الجديدة الذي افتُتح في 2015، ونُفذ تحت إشراف الجيش.
وتعمل مؤسسة الرئاسة والجيش معا لضمان بقاء النظام السياسي مستقرا، حيث يُعتبر الأخير هو الضامن الأساسي لبقاء الرؤساء في السلطة، في مقابل أن يُمنح الجيش سلطة شبه مطلقة في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية والسياسية، وفق الكتاب.
- استراتيجيات الجيش لضمان السيطرة
عدد “سبرينجبورج” 3 استراتيجيات يعتمد عليها الجيش لضمان استمراريته كلاعب أساسي في النظام المصري.
أولا، يعتمد الجيش على القوة العسكرية والسيطرة على الأجهزة الأمنية لضمان عدم وجود تهديدات من الداخل أو الخارج.
ثانيا، يستخدم الجيش نفوذه الاقتصادي لضمان ولاء الشعب من خلال توفير الوظائف والخدمات.
وأخيرا، يعتمد الجيش على علاقاته الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة، لضمان استمرار الدعم الخارجي.
ثانيا: أجهزة الاستخبارات
“أجهزة الاستخبارات ” في النظام المصري تمثل أحد الأعمدة الثلاثة الأساسية للدولة العميقة، إلى جانب الجيش والرئاسة. إذ تلعب هذه الأجهزة دورا رئيسيا في حماية النظام وضمان استقراره من خلال مراقبة المواطنين والنخب السياسية على حد سواء، والعمل خلف الكواليس لضمان السيطرة على المعارضة والمجتمع.
وتعتمد أجهزة الاستخبارات بشكل أساسي على جمع المعلومات عن المواطنين والنخب السياسية، مما يجعلها على دراية بما يجري داخل البلاد، ويمكنها التدخل في الوقت المناسب لضمان عدم حدوث اضطرابات.
كذلك، تلعب أجهزة الاستخبارات دورا كبيرا في مراقبة الإعلام والتحكم به، حيث تجري مراقبة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية لضمان أن المحتوى الذي يُبث أو يُنشر يتماشى مع سياسات النظام ولا يُعزز المعارضة. هذا التحكم يساهم في قمع الأصوات المعارضة وتقليل تأثير الإعلام على الجماهير.
وقد شاهدنا هذا في عام 2013 بعد الانقلاب، حيث تدخلت أجهزة الاستخبارات لإغلاق وسائل إعلامية معارضة للنظام منها قنوات تلفزيونية وصحف، هذا بجانب اعتقال صحفيين بتهم مختلفة، مثل الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو التحريض على الفتنة.
وبجانب مراقبة المعارضة ورجل الشارع العادي، تضطلع أجهزة الاستخبارات، ومنها “جهاز أمن الدولة”، بدور بارز في مراقبة السياسيين والمسؤولين الحكوميين لضمان ولائهم للنظام، ولضمان أن يبقى النظام محميا من الداخل، وألا يستطيع أي فرد من النخب الحكومية أو العسكرية اتخاذ قرارات تتعارض مع سياسات النظام.
مثال على ذلك، هو دور “جهاز أمن الدولة” في الانتخابات البرلمانية لعام 2010، التي شهدت تدخلا واسعا من الجهاز لضمان فوز الحزب الوطني الديمقراطي، شمل تزوير النتائج والضغط على المرشحين المعارضين.
علاوة على ذلك، تلعب أجهزة الاستخبارات المصرية أيضا دورا مهما في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بـ”مكافحة الإرهاب” والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. من ذلك، تعاون الاستخبارات المصرية والإسرائيلية في تأمين الحدود بينهما ومكافحة الجماعات المسلحة في سيناء.
وعلى الرغم من أن الجيش يُعتبر اللاعب الرئيسي في الاقتصاد المصري، إلا أن لأجهزة الاستخبارات أيضا تأثيرا كبيرا على الاقتصاد من خلال سيطرتها على قطاعات حساسة، مثل الإعلام والاتصالات.
- استراتيجيات الاستخبارات لتأمين بقاء النظام
من خلال الأدوات المذكورة، تعتمد أجهزة الاستخبارات على عدة استراتيجيات أساسية لضمان بقاء النظام واستمراريته.
أولا، تعتمد على جمع المعلومات بشكل واسع وشامل لضمان معرفة كل التحركات التي قد تؤثر على استقرار النظام.
ثانيا، تُستخدم الأجهزة للتأثير في الرأي العام من خلال السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه الرسائل التي تعزز من شرعية النظام وتصوير المعارضة كتهديد.
ثالثا: الرئاسة
في هذا القسم، تناول الكاتب دور الرئاسة في النظام السياسي المصري كجزء أساسي من ثلاثي الدولة العميقة.
ويعتبر الكاتب أن الرئاسة المصرية تحتفظ بسلطة مركزية قوية تجعلها القوة التنفيذية الأهم في البلاد. فمنذ ثورة 1952، كان للرؤساء المصريين دور محوري في السياسة المصرية، سواء من خلال اتخاذ القرارات السياسية أو توجيه السياسات الاقتصادية والدبلوماسية.
إذ الرئاسة مؤسسة تُعتبر الواجهة الرسمية للنظام وتتحكم في السلطة التنفيذية، وعادة ما يأتي الرئيس المصري من خلفية عسكرية، ويحصل على دعم قوي من الجيش وأجهزة الاستخبارات.
ويمارس الرئيس سلطته من خلال اتخاذ القرارات الكبرى المتعلقة بالسياسات العامة للدولة، ويمتلك سيطرة كاملة على التشريع والسياسة الداخلية والخارجية.
لكن لا يمكن للرئيس أن يحكم دون التعاون الوثيق مع الجيش وأجهزة الاستخبارات؛ إذ يعتمد الرئيس بشكل كبير على دعم الجيش لضمان استقراره السياسي، في حين تلعب أجهزة الاستخبارات دورا أساسيا في مراقبة المعارضة والحفاظ على أمن الدولة.
ومثال على ذلك، هو الدور الذي لعبته هذه المؤسسات بعد ثورة 2011، حيث تعاونت الرئاسة مع الجيش والاستخبارات لإدارة مرحلة ما بعد الثورة والحفاظ على النظام السياسي من الانهيار.
وينتهي الفصل بتوضيح أن “الدولة العميقة” عقبة رئيسية أمام أي محاولة للإصلاح السياسي أو الاقتصادي في مصر. ويشير الكاتب إلى أن الجيش وأجهزة المخابرات لن يتخلوا عن سلطتهم بسهولة، مما يجعل التغيير الديمقراطي في مصر تحديا كبيرا يتطلب إعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي والاقتصادي القائم.
الفصل الثالث: سيطرة الدولة على البيروقراطية والقضاء والبرلمان
يركز الفصل الثالث من الكتاب على كيفية سيطرة الدولة العميقة على الهيكل الإداري والقضائي والتشريعي في مصر، وذلك من خلال البيروقراطية الحكومية، والقضاء، والبرلمان.
أولا: الجهاز البيروقراطي
يسيطر الرئيس بشكل شبه مطلق على المؤسسات التنفيذية في مصر، حيث يتحكم في جميع الوزارات والهيئات الحكومية، فالرئيس المصري يستخدم صلاحياته لتعيين الوزراء والمحافظين من بين الشخصيات الموالية له، لضمان استمرار السيطرة على البلاد.
وعلى مدى فترة حكم حسني مبارك، تعززت سلطات الرئاسة بشكل كبير، مما جعل السلطة التنفيذية تتمتع بسيطرة مركزية شديدة، وقد كان مبارك يتخذ معظم القرارات بشكل فردي دون التشاور الفعلي مع مجلس الوزراء، مما أدى إلى تهميش دور المؤسسات الأخرى في عملية صنع القرار.
وبشكل أكثر تحديدا، أوضح الكاتب أن السلطة التنفيذية كانت تحت سيطرة كاملة لمكتب الرئيس، مما أضعف بقية الهيئات الحكومية وجعلها مجرد أدوات تنفيذية لسياسات الرئاسة. وبحلول نهاية حكم مبارك، كانت أكثر من 90 بالمئة من القرارات التنفيذية تصدر مباشرة من مكتب الرئيس، مما يعكس مدى سيطرة الرئاسة على الحكومة المصرية.
ونتيجة لهذه السيطرة المطلقة، كانت القرارات تُتخذ داخل دائرة صغيرة من المقربين من الرئيس، بينما يُهمَّش دور الوزراء والمؤسسات الأخرى في صناعة القرار.
- أدوات السيطرة على السلطة التنفيذية
1. التوظيف الحكومي والولاء السياسي: يُوظَّف البيروقراطيين في الحكومة بناءً على الولاء السياسي بدلا من الكفاءة المهنية، حيث يُختار الموظفين على أساس ارتباطهم بالنظام الحاكم أو عبر علاقاتهم بأجهزة المخابرات.
2. التدخل في شؤون الوزارات والهيئات: تمارس أجهزة الدولة العميقة تأثيرا كبيرا على قرارات الوزارات والهيئات الحكومية، حيث تُوجَّه السياسات العامة بما يتوافق مع مصالح الجيش وأجهزة المخابرات، مما يمنع أي توجهات نحو الإصلاح أو التغيير.
3. الفساد كأداة للسيطرة: يشير الكاتب إلى أن الفساد المالي والإداري يُستخدم كأداة لضمان ولاء المسؤولين الحكوميين للدولة العميقة، ويسمح الفساد للنخبة الحاكمة بإثراء نفسها وشراء الولاء السياسي، ويجعل من الصعب على الموظفين الحكوميين اتخاذ قرارات مستقلة.
ثانيا: السلطة القضائية
على الرغم من أن الدستور المصري ينص على استقلال القضاء، إلا أن الواقع يشير إلى أن النظام الرئاسي كان يتمتع بقدرة كبيرة على التدخل في الشؤون القضائية، لا سيما من خلال تعيين قضاة موالين وإصدار قوانين تحد من عمل القضاة المستقلين.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو تعيين قضاة محسوبين على النظام في المحكمة الدستورية العليا والمحاكم الجنائية. هؤلاء القضاة كانوا يتولون قضايا حساسة تخص النظام، ويصدرون أحكاما تصب في مصلحة الحكومة والرئيس، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور في استقلالية القضاء.
وخلال حكم مبارك أيضا، ارتفع عدد القضايا التي أُسقطت أو حُكم فيها بناءً على اعتبارات سياسية بنسبة 60 بالمئة، مما يُظهر استغلال القضاء لتعزيز مصالح النظام.
ومن خلال التحكم في تعيين القضاة والتأثير على القرارات القضائية، نجح النظام في تقويض أي محاولات للطعن في قراراته السياسية، وبالتالي جعل من القضاء أداة لتأمين شرعية النظام بدلا من كونه حارسا للعدالة.
ثالثا: السلطة التشريعية
في ظل النظام السياسي المصري، وخاصة خلال فترة حكم مبارك، تحول البرلمان إلى أداة شكلية تُستخدم لإضفاء الشرعية على قرارات النظام بدلا من أن يكون منبرا ديمقراطيا لمناقشة السياسات ومراقبة الحكومة.
واستُخدم البرلمان كأداة لتمرير القوانين التي تعزز سلطة الدولة العميقة، وتعديل القوانين بما يتناسب مع مصلحة الجيش وأجهزة المخابرات، مثل قانون الطوارئ وقوانين مكافحة الإرهاب.
ولضمان السيطرة على البرلمان، كانت الانتخابات غالبا ما تشهد تزويرا وتلاعبا، مما جعل “الحزب الوطني” يهيمن على البرلمان بشكل شبه مطلق؛ إذ سُجلت أكثر من 1000 شكوى حول عمليات تزوير انتخابي في انتخابات 2010، على سبيل المثال، لكن لم يُحقق في أي منها من قبل الجهات القضائية أو التنفيذية.
الفصل الرابع: تحديات مستمرة مع الكيانات الدينية والشبابية والعمالية
يركز هذا الفصل على الدور الذي تلعبه القوى الدينية، والشباب، والعمالة المنظمة في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، ويوضح كيف يسعى النظام إلى السيطرة على هذه القوى وموازنة تأثيرها للحفاظ على استقراره.
ويسلط الفصل الضوء على التوتر بين النظام من جهة، والقوى الإسلامية -وتحديدا الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين- وكذلك على النقابات العمالية والحركات الشبابية، من جهة أخرى.
الإسلام والمسيحية
يعد كل من الإسلام والمسيحية ركيزتين أساسيتين في تشكيل الهويات الفردية والجماعية للمصريين، مما يجعل إدارة العلاقة بين الدين والسياسة تحديا مستمرا للنظام السياسي، وفق الكتاب.
ويتجلى تأثير الدين في الانتماء إلى الجماعات الدينية، والمشاركة في الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية ذات التوجه الديني. كما أن الدين قوة دافعة في الانخراط السياسي من خلال الانتماء إلى الأحزاب ذات الطابع الديني.
وتشكّل الهوية الدينية نظرة المصريين للقضايا السياسية والاجتماعية. فالمسلمون والمسيحيون يظهرون درجة عالية من التدين مقارنةً بالمعايير العالمية.
على سبيل المثال، أظهر استطلاع أجراه مركز “Pew” أن 74 بالمئة من المسلمين المصريين يؤيدون تطبيق الشريعة كقانون رسمي للدولة. كما يعتقد 75 بالمئة من المسلمين أن الشريعة هي كلام الله، وليست نتاجا بشريا، مما يضعهم في المرتبة الأعلى مقارنةً بالدول العربية الأخرى.
وأظهر استفتاء أجراه المركز نفسه أن 86 بالمئة من المسلمين المصريين يؤيدون عقوبة الإعدام للمرتدين عن الإسلام، مما يعكس مدى تأثير الدين على الآراء العامة المتعلقة بالقانون والحكم.
- التوتر بين المسلمين والمسيحيين
يقول الكاتب إن منذ عهد الرئيس السادات، تزايدت التوترات بين المسلمين والمسيحيين. فقد أدى تزايد تأثير الإسلاميين في الساحة السياسية والمجتمعية، إلى تفاقم المشاعر العدائية بين الديانتين. على الجانب الآخر، اتجه المسيحيون إلى تعزيز روابطهم الداخلية، بما في ذلك تأسيس حركات شبابية قوية ومجتمعات رهبانية في مناطق نائية.
وتشير الدراسات إلى أن العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين ازداد بشكل ملحوظ منذ عام 2008، حيث سُجلت ما بين 50 و60 حادثة سنويا حتى عام 2014، لتزداد بعد ذلك إلى أكثر من 200 حادثة سنويا.
وواحدة من أبرز حالات العنف الطائفي كانت “مذبحة ماسبيرو” في أكتوبر/تشرين الأول 2011، حيث قُتل حوالي 27 متظاهرا قبطيا على أيدي الجيش المصري خلال احتجاجات ضد هدم كنيسة في أسوان.
ومن أجل إدارة هذه التوترات، سعى النظام المصري إلى تحقيق توازن دقيق بين احترام السلطة الدينية دون السماح لها بتجاوز السلطة السياسية.
وأحد أهم هذه الأدوات في هذا السياق كانت مؤسسة الأزهر الشريف، التي تعد من أقدم المؤسسات الإسلامية في العالم. فقد حاول النظام استخدام الأزهر كأداة لتعزيز شرعيته السياسية، ولكنه في الوقت نفسه منح الأزهر درجة من الاستقلالية التي تسمح له بممارسة نفوذه في المجالات الدينية.
وبعد انقلاب 2013، شددت الحكومة المصرية سيطرتها على المساجد والمدارس القرآنية، حيث وُضعت آلاف المساجد تحت إشراف وزارة الأوقاف، كما أُغلقت المساجد الصغيرة التي تقل مساحتها عن 80 مترا مربعا.
كما استمر النظام في تطبيق سياسات التوفيق بين المجتمعات الدينية، وخاصة في مواجهة تصاعد العنف الطائفي. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك انتقادات واسعة للطريقة التي تعامل بها النظام مع العنف الطائفي، حيث لجأ إلى وسائل التسوية العرفية بدلا من الإجراءات القانونية.
وفي العديد من الحالات، اعتمدت الحكومة على المصالحة العرفية بين الأطراف المتنازعة بدلا من استخدام القضاء أو الشرطة، مما أدى إلى تفاقم التوترات بدلا من حلها، وفق الكتاب. ففي الفترة ما بين 2008 و2014، كانت معظم تدخلات الحكومة في النزاعات الطائفية تكون من خلال المصالحة العرفية، دون تقديم مرتكبي العنف إلى العدالة، بحسب الكتاب.
الشباب كقوة احتجاجية
تاريخيا، كان الشباب المصريون، وخاصة طلاب الجامعات، دائما في طليعة الحركات الوطنية والسياسية. وعلى مر العصور، كان الشباب أحد القوى القليلة التي تجرأت على تحدي الأنظمة الاستبدادية، فعلى سبيل المثال، قاد الشباب المظاهرات ضد جمال عبد الناصر وأنور السادات على الرغم من القمع الشديد، كما كانوا من بين القوى الرئيسية التي أدت إلى سقوط حسني مبارك في عام 2011.
وبحلول عام 2016، كان هناك حوالي 18 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما في مصر، مما يمثل ما يقرب من خمس السكان. من بين هؤلاء، كان هناك حوالي 10 ملايين شاب يدرسون في مؤسسات التعليم الثانوي أو الجامعي.
ومع ذلك، كانت معدلات البطالة مرتفعة بين الشباب، حيث كان ما يقرب من 2 من كل 5 شباب عاطلين عن العمل في نهاية عام 2016، الأمر الذي يؤدي إلى أن يكون الشباب بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه النظام المصري في أية لحظة.
العمالة المنظمة كنقطة ضعف للنظام
النقابات العمالية في مصر تنقسم إلى نوعين رئيسيين: نقابات “العمال ذوي الياقات الزرقاء” (العمال اليدويين)، ونقابات المهنيين (الأطباء، المعلمون، المحامون، وغيرهم).
وطوال تاريخ مصر الحديث، كانت هذه النقابات تشكل مصدرا مستمرا لإزعاج النظام الحاكم. فعلى سبيل المثال، كانت نقابة المحامين في مصر مركزا للحركات الوطنية منذ العهد الملكي، واستمرت في لعب هذا الدور خلال الفترات اللاحقة.
وبحلول عام 2009، كان هناك حوالي 7 ملايين مصري منتمين إلى 2200 نقابة تابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وبحلول عام 2016، زاد هذا العدد ليصل إلى حوالي 8 ملايين عامل.
وتضم نقابة المعلمين وحدها أكثر من 1.2 مليون عضو، ويقترب إجمالي عدد أعضاء النقابات المهنية من 5 ملايين.
وعلى الرغم من أن عددا قليلا من العمال كان ملتزما فعليا بالعمل النقابي، إلا أن هذا العدد الإجمالي الكبير كان يمثل تهديدا محتملا للنظام، خاصة إذا اتحدوا مع الشباب في الشوارع.
وكان أحد أكبر مخاوف النظام المصري هو اتحاد الشباب والنقابات العمالية ضد الحكومة، كما حدث في ثورة 2011. فعلى مر العقود، حاولت الأنظمة المختلفة منع حدوث هذا الاتحاد، سواء من خلال القمع المباشر أو من خلال استخدام القوات الأمنية للفصل بين المحتجين.
وخلال الحرب في أكتوبر 1973، كان العمال والطلاب يحتجون ضد سياسة “لا حرب ولا سلام” التي اتبعها السادات. ولمنع اتحادهم في القاهرة، استخدم السادات قوات الأمن المركزي لتفريق المظاهرات في محاولة لمنع اندماج الاحتجاجات.
لكن كلا من الشباب والعمالة المنظمة يتمتعون بموارد تجعل من الصعب على الدولة سحقهم بشكل كامل. فهم ليسوا فقط قوة عددية كبيرة، بل لديهم أيضا مهارات يحتاجها النظام، بالإضافة إلى مكانتهم في المجتمع. هذه القوة تجعل من المتعذر على الدولة إسكاتهم تماما دون دفع ثمن سياسي باهظ.
الفصل الخامس: مآلات فشل النظام.. “النظام يجني ما زرع”
يناقش الفصل الخامس من الكتاب، والذي يأتي بعنوان: “النظام يجني ما زرع”، كيف أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها الدولة المصرية على مدى العقود الماضية أدت إلى تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والإنساني والبيئي في البلاد.
أولا: البحث عن نموذج تنموي
تعد مصر واحدة من الدول التي تسعى بشكل مستمر لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الحكومات المصرية المتعاقبة لتبني نماذج تنموية مختلفة، إلا أن الفشل في إيجاد نموذج فعال للتنمية المستدامة يعد من أكبر التحديات التي تواجه مصر.
- تاريخ البحث عن التنمية
منذ ستينيات القرن العشرين، بعد ثورة يوليو/تموز 1952، كانت مصر في حالة دائمة من البحث عن النموذج الأمثل للتنمية. فقد اعتمد الرئيس عبد الناصر على نموذج اقتصادي اشتراكي، قائم على التخطيط المركزي وتأميم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد، مثل الصناعة والزراعة. وطُرحت استثمارات كثيرة في تطوير البنية التحتية والتصنيع بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن هذا النموذج واجه العديد من التحديات، بما في ذلك نقص الموارد وغياب الإدارة الكفؤة.
ففي عام 1961، أممت الحكومة العديد من القطاعات الاقتصادية في محاولة للسيطرة على الاقتصاد، ولكن هذه المحاولات لم تحقق النتائج المرجوة، حيث فشلت العديد من الصناعات.
وبعد عبد الناصر، حاول السادات تعديل النموذج التنموي من خلال التحول نحو سياسة الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات. لكن بدلا من تعزيز التنمية، أدى الانفتاح إلى زيادة الفساد واستغلال الفرص الاقتصادية من قِبل النخب.
وفي عهد حسني مبارك، تبنى النظام سياسات التحرر الاقتصادي تحت ضغط المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وفي البداية، حققت هذه الإصلاحات بعض النجاحات، مثل تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة في بعض السنوات. لكن هذه السياسات كانت تفتقر إلى البعد الاجتماعي، مما أدى إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بينما كانت النخبة السياسية ورجال الأعمال المقربون من النظام هي من استفادت بشكل أساسي من هذه الإصلاحات، في حين ظل معظم السكان يعانون من الفقر والبطالة.
وبحلول نهاية عقد التسعينيات، كانت مصر تحقق معدلات نمو اقتصادي تصل إلى 7 بالمئة سنويا، لكن ما يقرب من 40 بالمئة من السكان كانوا يعيشون تحت خط الفقر، ما يعكس الفشل في توزيع ثمار التنمية بشكل عادل.
- التحديات الأساسية للنموذج التنموي المصري
تعاني مصر من مجموعة من التحديات الهيكلية التي تعيق تبني نموذج تنموي فعال، من بين هذه التحديات:
1. نقص الموارد الطبيعية: تعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل لتلبية احتياجاتها من المياه، لكن الضغط على الموارد المائية يتزايد باستمرار بسبب الزيادة السكانية وتغير المناخ.
2. الزيادة السكانية: مصر تواجه نموا سكانيا سريعا، حيث يضاف حوالي 2 مليون شخص إلى السكان سنويا -وفق الكتاب- مما يزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة.
3. البطالة والفقر: على الرغم من تحقيق معدلات نمو اقتصادي، إلا أن البطالة لا تزال مشكلة كبيرة، خاصة بين الشباب، والفقر منتشر في الريف المصري، حيث يعاني الناس من نقص الخدمات الأساسية.
وفي عام 2020، كانت نسبة البطالة بين الشباب المصريين تتجاوز 25 بالمئة، مما يعكس الفشل في استيعاب هذه الفئة الكبيرة من السكان في سوق العمل.
- البحث عن نماذج بديلة للتنمية
في العقدين الأخيرين، سعت مصر إلى البحث عن نماذج تنموية جديدة. وبعد ثورة 2011، كان هناك أمل في أن تساهم التحولات السياسية في إصلاح الاقتصاد المصري، لكن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن بشكل ملحوظ.
ثم بعد 2013، اعتمد النظام بشكل كبير على مشروعات البنية التحتية الضخمة، فمشروع توسعة قناة السويس الذي افتُتح في عام 2015 كان واحدا من المشاريع التي روج لها النظام كجزء من خطة لتحفيز الاقتصاد. ومع ذلك، لم تكن العوائد الاقتصادية من هذا المشروع على مستوى التوقعات.
والجدير بالذكر أن أحد الجوانب الرئيسية في النموذج التنموي المصري هو الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض الدولية. فمنذ عهد السادات، كانت مصر تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية والعربية، بالإضافة إلى القروض من المؤسسات المالية الدولية. فبين عامي 2013 و2019، حصلت مصر على ما يقرب من 12 مليار دولار من المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى قروض بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. هذا الاعتماد أدى إلى تقييد قدرة مصر على تبني سياسات تنموية مستقلة.
- النموذج التنموي في المستقبل
يرى بعض الخبراء أن النموذج التنموي المصري بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة. حيث تحتاج مصر إلى التركيز على تطوير الموارد البشرية من خلال تحسين نظام التعليم وتوفير فرص عمل للشباب.
كما يجب أن تكون التنمية أكثر شمولية، بحيث تستفيد منها جميع فئات المجتمع وليس فقط النخبة. وأحد الحلول المطروحة في هذا السياق هو تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة بدلا من الاعتماد على المشروعات الكبرى التي تستنزف الموارد ولا تحقق النتائج المرجوة.
ثانيا: البحث عن الريع بدلا من التنمية
يركز هذا الجزء على التحول الذي شهده الاقتصاد المصري نحو “البحث عن الريع” بدلا من التركيز على التنمية الحقيقية والمستدامة.
ويشير البحث عن الريع إلى الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على استغلال الموارد أو الفرص المتاحة للحصول على دخل دون المساهمة الفعالة في خلق قيمة اقتصادية حقيقية. وفي حالة مصر، انتشر هذا النموذج بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، حيث وُجه الاقتصاد نحو الربح السريع بدلا من الاستثمار في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية طويلة الأمد.
- الاقتصاد الريعي في مصر
بدأت مصر تتجه نحو الاقتصاد الريعي بشكل متزايد منذ فترة حكم الرئيس السادات عندما تم تبني سياسات الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات.
وسمحت هذه السياسات للنخب الاقتصادية والسياسية باستغلال الفرص المتاحة للحصول على أرباح دون المساهمة في تعزيز الإنتاجية أو تطوير البنية التحتية الاقتصادية.
واستمرت هذه السياسات وتفاقمت خلال حكم مبارك، حيث أصبح الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات العقارية، والمضاربات المالية، والمشاريع الاستهلاكية، بدلا من تطوير الصناعات الإنتاجية.
- العقارات كمصدر للريع
أحد أبرز مظاهر البحث عن الريع في مصر كان الاعتماد على الاستثمارات العقارية. فخلال فترة حكم مبارك، ازدهرت مشاريع التطوير العقاري، حيث خُصصت مساحات كبيرة من الأراضي للنخبة السياسية والاقتصادية لبناء مجمعات سكنية فاخرة.
هذا النموذج أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار العقارات، ولكنه لم يساهم في حل أزمة الإسكان التي كانت تعاني منها غالبية المصريين.
ففي الفترة ما بين 2005 و2010، خُصصت حوالي 16 ألف فدان من الأراضي في المناطق الصحراوية لعدد قليل من المستثمرين العقاريين المقربين من النظام، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الأراضي والمساكن.
وكان أكثر من 75 بالمئة من المشروعات العقارية التي شُيّدت في تلك الفترة يستهدف الفئات العليا من المجتمع، بينما ظلت الطبقات المتوسطة والفقيرة تعاني من نقص حاد في السكن.
- الثروات الطبيعية كمصدر للريع
بالإضافة إلى الاستثمارات العقارية، اعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على استغلال الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، كمصدر للريع.
هذه الموارد ساهمت في دعم الاقتصاد، ولكنها لم تكن مستدامة ولم تؤدِ إلى تنمية طويلة الأمد. بدلا من ذلك، كان الاقتصاد يعتمد على العوائد السريعة من هذه الموارد دون الاستثمار في القطاعات الأخرى الأكثر إنتاجية.
وبحلول عام 2010، كانت إيرادات النفط والغاز تمثل أكثر من 40 بالمئة من دخل مصر من العملة الصعبة، مما يعكس اعتماد الاقتصاد على هذه الموارد غير المستدامة.
وعلى الرغم من هذه الإيرادات، لم يُستثمر جزء كبير منها في تطوير البنية التحتية أو تحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
- البحث عن الريع في القطاعات المالية
من القطاعات الأخرى التي شهدت انتشارا كبيرا لنموذج البحث عن الريع هو القطاع المالي.
فقد طُورت البنوك والمؤسسات المالية بشكل كبير خلال فترة التسعينيات وأوائل الألفينات، حيث شجع النظام الأنشطة المالية والمضاربات على حساب الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وكانت البنوك تقدم قروضا ميسرة للمستثمرين العقاريين والماليين المقربين من النظام، في حين كانت فرص الحصول على التمويل محدودة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبحلول عام 2008، كانت نسبة القروض الموجهة إلى القطاع العقاري تمثل أكثر من 30 بالمئة من إجمالي القروض الممنوحة من البنوك المصرية.
في المقابل، كانت نسبة القروض المقدمة للشركات الصغيرة والمتوسطة لا تتجاوز 10 بالمئة، مما أدى إلى تهميش هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد.
- الفساد كأحد جوانب البحث عن الريع
أدى انتشار نموذج البحث عن الريع إلى تفشي الفساد على نطاق واسع في مصر. فقد كان المسؤولون الحكوميون والسياسيون يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، وكان الفساد منتشرا بشكل خاص في عمليات تخصيص الأراضي والمناقصات العامة، حيث كانت تُمنح الصفقات لأصحاب النفوذ والمقربين من النظام.
وفي عام 2010، صنفت منظمة الشفافية الدولية مصر في المرتبة 98 من أصل 178 دولة في مؤشر الفساد، مما يعكس حجم الفساد المستشري في البلاد.
وكُشف عن عدد من قضايا الفساد الكبرى التي تورط فيها وزراء ومسؤولون بارزون في النظام، بما في ذلك قضايا تتعلق بتخصيص الأراضي والمشروعات العقارية.
- أثر الاقتصاد الريعي على التنمية
على الرغم من أن نموذج البحث عن الريع أدى إلى تحقيق أرباح سريعة للنخب الاقتصادية والسياسية، إلا أنه كان له آثار سلبية كبيرة على التنمية في مصر.
فقد أدى هذا النموذج إلى تركز الثروة في أيدي عدد قليل من الأفراد، في حين ظلت الغالبية العظمى من المصريين تعاني من الفقر والبطالة. كما أن غياب الاستثمار في القطاعات الإنتاجية أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
وبحلول عام 2011، كان حوالي 25 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يعكس الفشل في تحقيق توزيع عادل للثروة.
وكانت نسبة البطالة في مصر كانت تتراوح بين 12 و13 بالمئة خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وهو ما يعكس غياب الفرص الاقتصادية الحقيقية للشباب.
ثالثا: الموارد البشرية في خطر
يركز هذا الجزء على تدهور الموارد البشرية في مصر، والذي يُعد أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويشير تدهور الموارد البشرية إلى تراجع نوعية التعليم، تدهور الخدمات الصحية، وغياب فرص العمل اللائقة، مما أدى إلى إضعاف القدرات الإنتاجية للسكان وأثر بشكل سلبي على قدرة الاقتصاد المصري على النمو المستدام.
- أزمة التعليم
يُعتبر التعليم أحد العوامل الأساسية لتنمية الموارد البشرية، إلا أن مصر تعاني من تدهور واضح في جودة التعليم على جميع المستويات، بدءا من التعليم الابتدائي وصولا إلى التعليم العالي. وتعاني المدارس والجامعات من نقص في التمويل وضعف في البنية التحتية، مما أدى إلى تدهور المستوى التعليمي وانخفاض معدل الكفاءة بين الخريجين.
فوفقا لتقرير اليونسكو لعام 2019، أتت مصر في المرتبة 135 من بين 137 دولة في جودة التعليم الأساسي. هذا التراجع في جودة التعليم يعيق قدرة الشباب المصري على التنافس في سوق العمل المحلي والدولي.
كما أن نسبة الأمية بين البالغين في مصر لا تزال مرتفعة، حيث بلغت حوالي 24 بالمئة في عام 2020، وهي نسبة كبيرة تعيق التنمية البشرية.
- الهجرة والنزيف البشري
مع تدهور التعليم وانخفاض فرص العمل اللائقة، لجأ العديد من المصريين إلى الهجرة بحثا عن فرص أفضل في الخارج.
هذه الهجرة المتزايدة للشباب والعقول العلمية من مصر إلى دول أخرى تعني أن البلاد تفقد أفضل مواردها البشرية، إذ تعتبر هجرة العقول من أخطر التحديات التي تواجه التنمية في مصر، حيث تفقد البلاد مهارات وكفاءات قادرة على المساهمة في تحسين الاقتصاد.
وفي الفترة ما بين 2000 و2016، هاجر أكثر من 2 مليون مصري إلى الخارج، معظمهم من الشباب المتعلمين والعلماء؛ بحثا عن فرص عمل أو تعليم أفضل.
وفي عام 2019، سجلت منظمة الهجرة الدولية أن مصر كانت من بين الدول الـ 10 الأولى في العالم من حيث تصدير المهاجرين إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
- تدهور النظام الصحي
تدهور الخدمات الصحية هو عامل آخر ساهم في إضعاف الموارد البشرية في مصر. فالمستشفيات الحكومية تعاني من نقص في التجهيزات والمعدات الطبية، وكذلك نقص الأطباء والممرضين المؤهلين.
هذا التدهور يؤثر على الصحة العامة للسكان، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة وانخفاض متوسط العمر المتوقع.
وفي عام 2020، كان عدد الأطباء العاملين في القطاع العام أقل بنسبة 50 بالمئة مما كان عليه في عام 2010، حيث فضل العديد من الأطباء الهجرة أو العمل في القطاع الخاص بسبب تدني الأجور وظروف العمل السيئة.
كما بلغت نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة 1.4 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، وهو ما يعد أقل بكثير من النسبة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، والتي تبلغ 5 بالمئة.
- سوق العمل والبطالة
إلى جانب ضعف جودة التعليم والخدمات الصحية، يعاني سوق العمل في مصر من عجز في توفير فرص العمل اللائقة؛ إذ يركز النمو الاقتصادي في مصر على القطاعات غير الإنتاجية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب.
ففي عام 2020، كانت نسبة البطالة بين الشباب في مصر تصل إلى 25 بالمئة، وهي واحدة من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى الرغم من زيادة عدد الخريجين من الجامعات، إلا أن سوق العمل لم يستطع استيعاب هذه الأعداد المتزايدة من المتعلمين، مما أدى إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل بين الخريجين.
رابعا: التدهور البيئي والمادي
يُعتبر التدهور البيئي والمادي تحديا كبيرا أمام النمو الاقتصادي في مصر، حيث يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة للسكان، ويعوق أي جهود لتحسين الاقتصاد على المدى الطويل.
- التدهور البيئي
تعاني مصر من العديد من المشكلات البيئية التي تتفاقم بشكل مستمر. ومن أهم هذه المشكلات هي التلوث الهوائي والمائي، الناتج عن النمو الصناعي غير المنظم وغياب التشريعات البيئية الفعالة.
ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2018، كانت القاهرة من بين أكثر المدن تلوثا في العالم، حيث يصل مستوى الجسيمات الدقيقة (PM10) إلى خمسة أضعاف الحد المسموح به عالميا.
كما أن تلوث نهر النيل، الذي يمثل شريان الحياة لمصر، يعد من أكبر التحديات البيئية. ويُقدّر أن حوالي 80 بالمئة من مياه الصرف الصحي في مصر تُصرف في النيل بدون معالجة، مما يؤثر على جودة المياه ويزيد من خطر الأمراض المنقولة بالمياه.
- تدهور البنية التحتية
إلى جانب التدهور البيئي، تعاني البنية التحتية في مصر من إهمال كبير على مدى عقود. فالطرق والمرافق العامة مثل شبكات المياه والصرف الصحي تعاني من تدهور واضح، ما يؤدي إلى تعطيل الاقتصاد وزيادة التكاليف على المواطنين، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على جذب الاستثمارات.
وفي عام 2019، قدرت الحكومة أن حوالي 25 بالمئة من شبكات الصرف الصحي في مصر تحتاج إلى إصلاحات كبيرة أو استبدال كامل. وفي المناطق الريفية، يفتقر أكثر من 30 بالمئة من السكان إلى خدمات الصرف الصحي المناسبة، مما يزيد من انتشار الأمراض وتدهور جودة الحياة.
- البناء غير المخطط والعشوائيات
إحدى القضايا الرئيسية المتعلقة بالتدهور المادي هي انتشار البناء غير المخطط والعشوائيات، خاصة في المناطق الحضرية.
فمع الزيادة السكانية المتسارعة، تفاقمت مشكلة العشوائيات حيث باتت هذه المناطق تعاني من نقص الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة، الكهرباء، والصرف الصحي.
علاوة على ذلك، فإن هذه المناطق تعتبر عرضة بشكل كبير للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل، نظرا لضعف البنية التحتية فيها.
ووفقا لتقديرات عام 2020، يعيش حوالي 40 بالمئة من سكان القاهرة في مناطق عشوائية وغير مخططة.
وفي حادثة وقعت في عام 2008، انهارت أجزاء من جبل المقطم على حي عشوائي في الدويقة بالقاهرة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص، وهو ما يعكس خطورة انتشار البناء غير المخطط.
- التصحر وتدهور الأراضي
تواجه مصر مشكلة التصحر التي تؤثر على الأراضي الزراعية والنشاط الزراعي بشكل عام؛ وحيث إن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على الزراعة، فإن تزايد التصحر وتدهور جودة التربة وضع أمام البلاد تحديات كبيرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.
وفي عام 2019، أفاد تقرير لوزارة الزراعة أن مصر تفقد حوالي 3.5 فدان من الأراضي الزراعية كل ساعة نتيجة التصحر والبناء غير المخطط.
كما أن تدهور الأراضي يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، مما يزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية، ويعقد من تحقيق الأمن الغذائي في مصر.
- تغير المناخ وتأثيراته
تُعتبر مصر من الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، فارتفاع مستوى سطح البحر يشكل تهديدا مباشرا للدلتا، التي تعد واحدة من أكثر المناطق الزراعية كثافة في العالم.
وأوضح الكاتب أنه إذا استمر ارتفاع مستوى سطح البحر، فإن ملايين المصريين الذين يعتمدون على الزراعة في الدلتا سيواجهون خطر فقدان أراضيهم. وبحسب تقرير للبنك الدولي لعام 2018، فقد تؤدي زيادة مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد إلى تهجير حوالي 6 ملايين شخص في الدلتا.
ومن المتوقع أن تنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية في مصر بنسبة 30 بالمئة بحلول عام 2050 بسبب تأثيرات تغير المناخ.
خامسا: السياسة الخارجية في حالة من الفوضى
يركز هذا العنوان على التحديات التي تواجه السياسة الخارجية المصرية، والتي أصبحت غير مستقرة وتعاني من الاضطراب في ظل التغيرات الكبيرة على المستويات الإقليمية والدولية، كجزء من فشل النظام في إدارة البلاد.
فمنذ عقود، كانت مصر تلعب دورا محوريا في السياسة الإقليمية والعالمية، لكنها الآن تواجه صعوبات في تحديد مكانتها والتكيف مع المتغيرات الجديدة.
- فقدان النفوذ الإقليمي
لطالما كانت مصر قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكن منذ بداية الألفية الجديدة، وخاصة بعد ثورة 2011، تراجع نفوذها الإقليمي بشكل ملحوظ.
إذ تركزت السياسة الخارجية المصرية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر على قضايا العالم العربي، وكانت مصر تتمتع بدور قيادي في جامعة الدول العربية، كما كان لها تأثير كبير في الصراع العربي-الإسرائيلي.
فمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979، أصبحت مصر أول دولة عربية تعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، مما ساهم في تقليص دورها في الصراع العربي-الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن السلام مع إسرائيل مستمر حتى اليوم، إلا أن مصر فقدت دعم عدد كبير من الدول العربية نتيجة لهذه الاتفاقية.
وخلال العقد الماضي، تراجع دور مصر في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، حيث أصبحت قطر وتركيا أكثر تأثيرا في القضية الفلسطينية.
- التحديات الجديدة في السياسة الخارجية
تواجه مصر الآن تحديات جديدة في علاقاتها الإقليمية، أبرزها العلاقات مع دول الخليج والدور المتزايد لإيران وتركيا في المنطقة.
وتسعى القاهرة إلى الحفاظ على علاقاتها القوية مع السعودية والإمارات، خاصة بعد الدعم الذي قدمته هذه الدول للنظام المصري بعد انقلاب عام 2013. وفي هذا السياق، تلقت مصر أكثر من 25 مليار دولار من المساعدات المالية من دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، في الفترة ما بين 2013 و2019، بهدف دعم الاقتصاد المصري وتعزيز الاستقرار السياسي في البلاد.
وفي الوقت نفسه، تواجه مصر تحديات كبيرة في التعامل مع السياسة الإقليمية لتركيا وإيران، اللتين تسعيان إلى توسيع نفوذهما في الشرق الأوسط، وفق الكتاب.
علاوة على ذلك، فإن أحد أبرز التحديات التي تواجه السياسة الخارجية المصرية هو العلاقات مع دول حوض النيل، وخاصة إثيوبيا؛ ذلك أن بناء سد النهضة الإثيوبي يمثل تهديدا كبيرا للأمن المائي المصري، وقد فشلت مصر حتى الآن في الوصول إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا بشأن تقاسم مياه النيل.
وفي عام 2020، صرح البنك الدولي بأن سد النهضة قد يؤثر على تدفق المياه بنسبة تصل إلى 25 بالمئة في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا للأمن المائي في مصر.
وعالميا، في ظل تراجع الهيمنة الأمريكية وصعود الصين وروسيا، تجد مصر نفسها في موقف صعب بشأن تحديد تحالفاتها المستقبلية.
وتحاول مصر بناء علاقات استراتيجية مع القوى الكبرى الجديدة مثل الصين وروسيا، ولكن هذه العلاقات لا تزال غير مستقرة بشكل كافٍ لتوفير الدعم المطلوب في المجالات الاقتصادية والعسكرية.
وفي عام 2019، بلغت الاستثمارات الصينية في مصر حوالي 11 مليار دولار، مما يجعل الصين واحدة من أكبر المستثمرين في البلاد، وتسعى مصر إلى تعزيز التعاون مع الصين في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
وفي الوقت نفسه، عززت مصر علاقاتها مع روسيا، خاصة في مجال التعاون العسكري. من ذلك توقيع مصر وروسيا، في عام 2018، اتفاقية للتعاون العسكري تشمل تبادل التدريب والمعدات العسكرية.
الفصل السادس: طريق وعر للمستقبل
يتناول الفصل السادس من الكتاب “طريق وعر للمستقبل” الاحتمالات المستقبلية لمصر في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة.
ويقترح الكاتب ثلاث سيناريوهات رئيسية قد تحدد مصير البلاد في المستقبل القريب: استمرار الوضع الراهن، أو الإصلاح التدريجي، أو التحول الجذري.
كل سيناريو يحمل في طياته تحديات وفرصا مختلفة، ويعتمد على القرارات التي ستُتخذ في السنوات المقبلة.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن
في هذا السيناريو، تستمر الدولة العميقة في السيطرة على السلطة من دون أي تغييرات جوهرية، وينطوي ذلك على:
1. استمرار القمع: تعتمد الحكومة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية لمواصلة قمع المعارضة ومنع الاحتجاجات، حيث يتم الحفاظ على “استقرار زائف” يعتمد على القمع والرقابة، بدلا من الإصلاحات السياسية والاقتصادية الحقيقية.
2. التدهور الاقتصادي المستمر: من المتوقع في هذا السيناريو أن يستمر الاقتصاد في التدهور نتيجة غياب الإصلاحات الهيكلية والاعتماد المستمر على الاقتصاد الريعي والمساعدات الخارجية. وسيؤدي ذلك إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
3. الأزمات الاجتماعية والبيئية: الأزمات الاجتماعية، مثل تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وارتفاع معدلات الجريمة، ستزداد سوءا. ومن الناحية البيئية، سيستمر التدهور نتيجة الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية وسوء الإدارة البيئية.
4. العزلة السياسية الدولية: في هذا السيناريو، تستمر مصر في دورها الهامشي على الساحة الدولية، معتمدة على المساعدات الخارجية ومفتقرة إلى نفوذ حقيقي في المنطقة أو على المستوى العالمي. وستواجه مصر تحديات في الحفاظ على الدعم الدولي وتلبية الشروط الصارمة المرتبطة بالمساعدات والقروض.
السيناريو الثاني: الإصلاح التدريجي
السيناريو الثاني يتضمن تبني الحكومة إصلاحات تدريجية ومحدودة لتحسين الظروف الاقتصادية والسياسية، دون إحداث تغيير جوهري في بنية النظام:
1. الإصلاحات الاقتصادية الجزئية: تتضمن بعض التغييرات في السياسات الاقتصادية لتحسين بيئة الأعمال، مثل تسهيل الإجراءات للمستثمرين الأجانب وتشجيع الاستثمار المحلي. وتهدف هذه الخطوات إلى تحقيق نمو اقتصادي متوسط دون تغيير النموذج الاقتصادي القائم على الريع.
2. تخفيف القمع السياسي: قد تتجه الحكومة نحو تخفيف القمع السياسي قليلا من خلال إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين أو السماح بهامش أوسع من حرية التعبير، وذلك في محاولة لتهدئة الأوضاع الداخلية دون التخلي عن السيطرة الكاملة.
3. تحسين محدود للخدمات العامة: يمكن أن تسعى الحكومة إلى تحسين بعض الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية لتهدئة السخط الشعبي وكسب تأييد محدود من الطبقات الوسطى والدنيا.
4. تعزيز العلاقات الخارجية: تحاول مصر في هذا السيناريو تعزيز علاقاتها مع الدول الكبرى والمؤسسات الدولية للحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي، مع محاولة الحفاظ على توازن دقيق بين الحفاظ على سيادة الدولة وتلبية الشروط الدولية.
5. المخاطر والتحديات: يشير الكاتب إلى أن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر لأنه يعتمد على إصلاحات جزئية قد لا تكون كافية لمعالجة المشاكل العميقة في الاقتصاد والمجتمع المصري. هذه الإصلاحات قد تؤدي إلى تهدئة مؤقتة دون حل جوهري للمشاكل، مما يزيد من احتمالية تصاعد السخط الشعبي مستقبلا.
السيناريو الثالث: التحول الجذري
يقدم الكاتب السيناريو الثالث كخيار مثالي لمستقبل مصر، ويتضمن هذا السيناريو إجراء تغييرات شاملة في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي:
1. الانتقال إلى الديمقراطية: يتميز هذا السيناريو بتبني إصلاحات سياسية جذرية، مثل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإنهاء سيطرة الجيش على السياسة، وتعزيز حكم القانون والمساءلة. وتهدف هذه الإصلاحات إلى إقامة نظام ديمقراطي يسمح بمشاركة واسعة من كافة فئات المجتمع.
2. الإصلاح الاقتصادي الشامل: يتطلب هذا السيناريو إعادة هيكلة الاقتصاد المصري بالكامل، من خلال تنويع القطاعات الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على الموارد الريعية، وتعزيز الصناعات المحلية والزراعة والسياحة.
ويستلزم ذلك تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، بالإضافة إلى تنفيذ سياسات تدعم النمو الشامل والمستدام.
3. تعزيز حقوق الإنسان والحريات: يتطلب التحول الجذري تحسين حالة حقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والصحافة. ويشمل هذا السيناريو إلغاء القوانين القمعية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية.
4. إعادة تحديد الدور الدولي لمصر: في هذا السيناريو، تسعى مصر إلى تبني سياسة خارجية جديدة ومستقلة تعكس مصالحها الوطنية وتعيد بناء تحالفاتها الإقليمية والدولية. وفيه، سيجري التركيز على التعاون الاقتصادي والاستراتيجي مع دول الجوار والشركاء الدوليين على أسس متكافئة.
5. التحديات والعقبات: يعترف الكاتب بأن هذا السيناريو يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك مقاومة الدولة العميقة والقوى المناهضة للتغيير، التي قد تستخدم وسائل عنيفة للحفاظ على مصالحها.
ويتطلب هذا التحول -بحسب الكاتب- توافقا وطنيا واسع النطاق، وجهودا مشتركة من كافة القوى السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى دعم دولي قوي لتحقيق التحول الديمقراطي.
ويشدد على أن استمرار الوضع الراهن لن يقود إلا إلى تفاقم الأزمات، بينما يمكن أن يفتح الإصلاح التدريجي أو التحول الجذري آفاقا جديدة للمستقبل. ومع ذلك، فإن تحقيق التحول الجذري يتطلب تضحيات وجهودا مشتركة من كافة الأطراف، ويجب أن يكون مدفوعا بإرادة سياسية حقيقية للتغيير.
ويؤكد الكاتب على ضرورة تبني رؤية استراتيجية طويلة المدى تركز على بناء دولة حديثة تقوم على الحكم الرشيد، الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. ويشدد على أنه بدون هذه الخطوات الجريئة، يظل مستقبل مصر محاطا بعدم اليقين والتحديات الكبيرة.
ختاما، يعتبر كتاب “مصر” لـ”روبرت سبرينجبورج” قراءة ضرورية لكل مَن يسعى لفهم التحديات المعقدة التي تواجه مصر اليوم والمستقبل المحتمل للبلاد.
إذ يقدم تحليلا علميا شاملا وعميقا للأوضاع في مصر، مع التركيز على الأدوار المعقدة للدولة العميقة والتحديات التي تواجه التحول الديمقراطي. ويجمع الكتاب بين القوة في التحليل والتوازن في العرض، مما يجعله مصدرا مهما لفهم الديناميكيات المعقدة في السياسة المصرية. وبهذا، يُعتبر الكتاب يعتبر مرجعا أساسيا للباحثين والمهتمين بالشأن المصري والإقليمي.