الحرب الإسرائيلية على غزة
المقدمات، والأهداف، والنتائج
أربعة حروب شنها الاحتلال الصهيوني على غزة منذ عام 2008، قصف وتدمير بربري على القطاع وقتل عشوائي، وضحايا أغلبهم من النساء والأطفال من جهة الاحتلال، ورد صاروخي متنام في كل مرة، ومقاومة تزداد نجاعتها وإبداعاتها في كل مرة عن سابقتها، فما الذي اختلف هذه المرة؟ وما الذي يريده كل طرف من طرفي المعركة غير المتكافئة؟ وما العوامل التي أدت لنشوبها؟ وما المآلات التي تقود إليها هذه الأحداث؟ في هذا المقال نحاول إلقاء الضوء على هذه الأمور وغيرها مما يشغل القارئ العربي.
– كيف اندلعت الشرارة؟ وهل اتخذت المقاومة المبادرة هذه المرة؟
ترتبط بداية الأحداث بفشل نتنياهو في مهمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ويؤكد أغلب السياسيين والمحللين الإسرائيليين المحسوبين على تيار التغيير المعارض لنتنياهو أن نتنياهو هو الذي أشعل فتيل الأزمة الحالية، حين سمح للمستوطنين من أنصار الصهيونية الدينية بالدخول إلى باحات المسجد الأقصى بمساندة الشرطة الإسرائيلية، فضلا عما سبقه من محاولات لمصادرة منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح. فنتنياهو المهدد بأحكام قضائية في قضايا فساد، وربما الذهاب إلى السجن في حالة فقدان الحصانة التي تمنحها له رئاسته للحكومة، أراد أن يفشل الجهود التي يقوم بها يائير لبيد رئيس حزب يوجد مستقبل، ومن ثم افتعل هذه الأحداث لخلط الأوراق على كتلة التغيير.
وأمام اشتعال الأحداث مع نهايات شهر رمضان كان على المقاومة الفلسطينية أن تتخذ قرارا بالدفاع عن الأقصى وعن حقوق الفلسطينيين في حي الشيخ جراح. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن المقاومة التي أخذت المبادرة في هذه الحرب كان من أهدافها – التي حققتها بنجاح كبير – أن يتوحد الفلسطينيون في كافة الأراضي المحتلة ضد الكيان الصهيوني، وألا يكون هناك تمييز بين فلسطينيي 48 أو غيرهم، ودون تمييز كذلك بين فلسطينيي الضفة وغزة.
– ما الذي أنجزته إسرائيل؟ وهل تذهب لحرب برية؟
يرتبط الحديث عما أنجزته إسرائيل في هذه الحرب بالأهداف التي تريد تحقيقها؛ والحقيقة أن القيادة الإسرائيلية في بداية عدوانها على غزة لم تعلن عن أية أهداف واضحة لهذه الحرب؛ حتى أن رونين منليس (وهو متحدث سابق للجيش الإسرائيلي) تساءل في بدايات الحرب “متى يأتي الوقت الذي يقوم فيه شخص ما في الدولة بالحديث للجمهور عما يحدث، ويخبرهم عن أهداف هذه المعركة وما خطة استمرارها”، وتساءل أيضا “هل حددت إسرائيل متى تصل لمرحلة أن تقول أنهينا مهمتنا؟!”.[1]
هذا يعني أن إسرائيل دخلت حربا لم تحدد أهدافها من الأساس، على عكس المقاومة التي كان لديها أهداف واضحة منذ اللحظة الأولى. وقد أدى ذلك إلى سيطرة حالة من القلق والتوتر في إسرائيل صنعها فلسطينيو الأراضي المحتلة في 48 والمقاومة في غزة، فإسرائيل لا تعرف إلى أين تسير الأمور ولا رؤية لديها، وهذا على عكس المقاومة الفلسطينية.
تحاول القيادة الإسرائيلية تسويق انتصار زائف تبرر به لاحقا إيقافها للحرب ولو من طرف واحد، مثلما فعلت من قبل في 2014 ، حتى لا تعطى “حماس” الفرصة لفرض شروطها. في هذا السياق نقل رون بن يشاي في يديعوت أحرونوت (في 16 مايو) أن المجلس الوزاري المصغر يشعر بحالة من الرضا بما تم إنجازه، ويخشى أن تختلط الأوراق، وأن إيقاف العمليات قد يتم بعد يومين أو ثلاثة. وطبقا للمزاعم الإسرائيلية، فإن إسرائيل تمكنت من إيقاع ضرر كبير بشبكة الأنفاق التي بنتها حماس والمعروفة باسم المترو، كما تزعم كذلك بأنها أصابت بشكل كبير قدرة حماس على إنتاج الصواريخ، وأن إسرائيل كذلك أصبح لديها قدرة أسرع في تحديد مواقع إطلاق الصواريخ وضربها.[2]
ثمة انتقاد واضح موجه لقيادة الاحتلال بأنها لا تعرض المستجدات، وأن ما يتم عرضه لا يلقى قبولا لدى المحللين، وهذا ما عبر عنه روعي شارون المراسل العسكري لقناة “كان” الإسرائيلية بقوله: “نتنياهو وجانتس وكوخافي (رئيس الأركان) لم يقولوا شيئا جديدا، ما الذي يتبقى حتى نصل لوقف إطلاق النار، على الأقل ظهروا على الشاشات”.[3]
هذا الانتقاد لم يصدر عن الصحفيين والمحللين العسكريين فحسب، بل صدر كذلك عن شخصيات مهمة في الكيان الصهيوني؛ فقد صرح تسفي هاوزر الذي كان رئيسا للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست السابق، وعمل سابقا سكرتيرا للحكومة 16 بأن “إسرائيل لا تصنع ردعا حقيقيا، بل إنها تروج لصورة كاذبة من أجل تهدئة الشارع الإسرائيلي، ويقول هاوزر بأن إسرائيل في حربها ضد غزة في 2008 تمكنت من القضاء على 870 من مقاتلي الفصائل في غزة، وفي 2014 تمكنت من القضاء على 1400 من المقاتلين، لكنها في هذه الحرب لم تقض سوى على 50 فقط من عناصر حماس، وأوضح هاوزر أن ما تقوم به إسرائيل هو ضرب البنى التحتية والمباني، لكنها قلما تصيب مقاتلي حماس، خاصة أن حماس تمكنت حتى اللحظة من إطلاق 3000 صاروخ، نحن لا نؤسس لردع بهذه الطريقة، نحن فقط نصنع رأيا عاما بأننا تمكنا من ردع حماس”.[4] ورغم تحفظنا على مصداقية الأرقام التي أوردها هاوزر المبنية على ما يصدر عن المؤسسات الصهيونية، فإن الشاهد هنا أن ما يجري الحديث عنه من إنجازات إسرائيلية تبقى محل شك، أو لا تلقى الرضا الكافي على الأقل، خاصة أن إطلاق المقاومة صواريخها على الأراضي المحتلة لم يتوقف مطلقا، ولم تتراجع وتيرته.
يعبر يوسي يهوشوع أيضا (الاثنين 17 مايو) عن حالة عدم الرضا تلك من خلال بعض الإحصائيات التي تكشف فشل القيادة الإسرائيلية بقوله: “الجيش الإسرائيلي يقول بأنه ضرب إمكانية حماس في إنتاج الصواريخ وليس قدرتها على إطلاقها. حسنا؛ في إطار احتفال النصر وخطابات الجنرالات يجب أن أذكر التالي: في ال 24 ساعة الماضية أطلق علينا من غزة 240 صاروخا، وبعد مرور أسبوع واحد من بدء هذه الحرب ستكون حماس قد أطلقت علينا عددا من الصواريخ يساوي نفس العدد الذي أطلقوه علينا طوال حرب 2014 التي استمرت 55 يوما، وبعدد من القتلى ضعف ما سقط منا في تلك الحرب”.[5] هذه شهادة مراسل عسكري، تظهر كم المعلومات التي يخفيها الاحتلال، ومستوى التعتيم الذي تمارسه الرقابة العسكرية هناك، وتوضح حجم ما أنجزته المقاومة.
يشار كذلك إلى أن ما تزعمه قيادات الجيش الصهيوني قد يصل إلى حد الاستخفاف بالعقول؛ فحسبما نقل موقع والا العبري، فإن جيش الاحتلال تمكن من تدمير القسم الثالث من شبكة الأنفاق في غزة التي يطلق عليها تسمية مترو حماس، ووفقا لهذه المصادر فإن طول هذا القسم الثالث يبلغ حوالي 15 كم من إجمالي 100 كم هي طول الأنفاق الممتدة تحت قطاع غزة، والتي تمكن الاحتلال من تدمير عشرات الكيلومترات منها.[6]
والحقيقة أن الرقم المذكور فيه قدر من المبالغة يصل حد الاستخفاف بالعقول ويحاول صنع انتصار مصطنع، وبدلا من أن يتحقق له هذا الانتصار المزعوم يتحول إلى مثار سخرية وتندر بين المراسلين العسكريين في الصحف الإسرائيلية؛ فقد تساءل روعي شارون “إذا كنا فعلا قد دمرنا 100 كم من الأنفاق، فإننا نحتاج فعليا إلى جيولوجي يفسر لنا كيف أن قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كم مربعا لم ينهر كله بعد؟” ليدخل تال ليفرام المراسل العسكري لمعاريف على الخط ساخرا: “روعي أنا أفهم أن جميع المباني في غزة سيتي ورفح وخان يونس لم يعد لها أساسات بعد أن قطعوا الأنفاق. اصبر قليلا حتى يدمروا 60 – 80 كم أخرى، حينها ستكون هناك جزيرة اصطناعية بالفعل”.[7]
ما سبق، وغيره الكثير الذي يضيق المجال عن ذكره، يثبت أن إسرائيل لم تحقق أية أهداف حقيقية لهذه الحرب، باستثناء – ربما – اقتراب نتنياهو من تحقيق أهدافه الشخصية المتمثلة في إفشال مهمة لبيد في تشكيل الحكومة؛ حيث دفعت الأحداث نفتالي بينيت إلى الإعلان عن التخلي عن مشاركة لبيد في مهمته لتشكيل حكومة تغيير، وأعلن أنه لن يسعى ليسقط نتنياهو، وهي ضربة كبيرة ترجح فشل لبيد في مهمته. وقد علق أحد المحللين على ذلك بأنه من المفترض أن يؤدي إعلان بينيت هذا إلى وضع حد للحرب، طالما تحقق هدف نتنياهو منها.
هنا تحديدا يمكن القول بأن نتنياهو لن يغامر بالذهاب إلى حرب برية جديدة لا يعلم نتائجها، قد تزداد فيها خسائر جيش الاحتلال عما حدث في الحربين الأخيرتين ضد غزة، وهو ما قد يكلف نتنياهو خسارة الرأي العام، في ظل احتمال بات هو الأرجح بذهاب لانتخابات جديدة في غضون بضعة أشهر.
– ما الذي أنجزته المقاومة؟
لعل أول إنجاز حققته المقاومة هو أنها كانت صاحبة المبادرة، وعلى الرغم من أن هذا الوقت ربما لم يكن الوقت الأنسب الذي تخوض المقاومة فيه هذه المعركة، فإن ما قامت به يوضح أنها كان لديها من الاستعداد والمعلومات ما أعطاها اليد العليا، وأعطى لها زخما عربيا وإسلاميا كبيرا.
ويظهر من شهادات الصحفيين والمحللين العسكريين الإسرائيليين أن حماس تمكنت من مضاعفة قوتها عما كانت عليه في الحرب السابقة؛ وقد تحدث بن كسبيت الصحفي في جريدة معاريف عن كيف ازدادت ضربات حماس قوة هذه المرة عن حرب 2014؛ فحماس وإن تمكنت سابقا من ضرب تل أبيب، فإن القبة الحديدية في ذلك الوقت كانت تعترض أغلب هذه الصواريخ، أما هذه المرة فنوعية الصواريخ أصبحت أكثر دقة وأقوى تدميرا ويصل كثير منها إلى أهدافه، ويشير بن كسبيت كذلك إلى التضرر الكبير الذي يعيشه الاحتلال جراء حالة الفوضى الواقعة، وأن كل هذا أدى إلى تراجع صورة الردع التي كان الاحتلال يمتلكها في منطقة الشرق الأوسط وتضررها بشكل واضح، ولم يفت بن كسبيت أن يسخر من نتنياهو حين عبر عن شكر حماس له، لأنه لم يقم بدوره في منعها من امتلاك هذه الأدوات وبناء نفسها على هذا النحو، يقول كذلك إن عملية استدراج عناصر حماس منذ عدة أيام كان قد خطط لها منذ سنوات، إلا أن العملية فشلت نتيجة التعجل وعدم انتظار لحظة نضجها لأن قادة الاحتلال كانوا يبحثون عن نصر سريع يقدمونه للجمهور.[8] يتأكد هذا الأمر أيضا من مصدر آخر؛ فقد تحدث عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس عن أن القصف الذي شهدته غزة ليلة 14 مايو كان يهدف إلى استدراج المقاومة وقتل أعداد كبيرة من مقاتلي حماس، لكن تقييم الجيش الصهيوني لعدد الضحايا من حماس في تلك الخطة كان متواضعا للغاية، وبعيدا جدا عن الشائعات التي انتشرت في إسرائيل حول عمليات القتل الجماعي لمقاتلي حماس.[9] يذكر هنا أن حماس كانت قد أعلنت أنها أفشلت مخططا لجيش الاحتلال كان يستهدف استدراج مقاتليها.
وبالنسبة لمعدل الإطلاق اليومي للصواريخ من غزة، فهذا إنجاز آخر يحسب للمقاومة في ظل سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي على الأجواء في غزة والرقابة الجوية التي لا تنقطع؛ فطبقا لما ذكرته صحيفة معاريف فإن معدل إطلاق الصواريخ من غزة وصل إلى 120 في 14 ساعة فقط ليلة 15 مايو (من السابعة مساء السبت 15 مايو وحتى التاسعة صباح الأحد) تم إطلاقها من القطاع إلى الأراضي المحتلة، وهو معدل كبير حتى لو تمكنت القبة الحديدية من اعتراض العشرات منها.[10]
يضاف إلى ذلك أن المقاومة في غزة تمكنت من إدخال أسلحة جديدة صنعتها المقاومة أو طورتها في ظل الحصار الخانق على القطاع؛ فقد أعلنت كتائب القسام عن إدخال طائرة انتحارية بدون طيار لأول مرة في مقاومتها للاحتلال، كما كشف الاحتلال عن تمكن قواته البحرية من اكتشاف غواصات انتحارية ذاتية القيادة أيضا يمكنها حمل 50 كجم من المتفجرات لضرب أهداف بحرية صهيونية. صحيح أن بعض هذه الأدوات لم يكشف بعد عن مدى نجاعتها خاصة في ظل التعتيم الذي تفرضه الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الخسائر التي تتكبدها إسرائيل، إلا أن عملية تطويرها مستمرة وتؤكد أن المقاومة لم تتوقف للحظة عن الإعداد.
ثمة عامل آخر مهم خدم المقاومة يتعلق بالمعلومات؛ فمن الواضح أن فصائل المقاومة في غزة لديها نجاحات كبيرة لا زالت تمثل مصدر إرباك للقيادة الإسرائيلية، خاصة أن الاحتياطات الأمنية التي تقوم بها المقاومة تجعل وصول إسرائيل إلى المعلومات التي تمكنها من إيقاع ضربات مؤلمة بالمقاومة أمرا عسيرا، وفي نفس الوقت فإنها حين تتمكن من ذلك لا يمكنها معرفة حجم الخسائر التي تقع بالمقاومة. في سياق الحرب المعلوماتية أيضا يشار إلى ما ذكره ماتان تسوري الصحفي في يديعوت أحرونوت إلى أسلوب جديد استخدمته حماس على ما يبدو في جمع المعلومات؛ حيث يقول بأن مستوطني غلاف غزة جاءتهم أوامر بفصل كاميرات المراقبة لبيوتهم بسبب شكوك في قيام الوحدات السيبرانية لحماس بالسيطرة عليها وجمع معلومات من خلالها، وأنه قد طلب منهم فصل الأجهزة عن الإنترنت.[11]
في مقابل نجاح المقاومة في جانب المعلومات، كان هناك فشل إسرائيلي؛ وطبقا ليوسي يهوشوع المراسل العسكري ليديعوت أحرونوت فإن أحدا في الجيش الإسرائيلي لم يكن يتوقع أن تتوجه حماس للحرب، ولا أن تكون ضربتها الأولى موجهة إلى القدس، وحتى بعد قصف إسرائيل للأبراج السكنية فإن رئاسة الأركان الإسرائيلية رغم توقعها بأن تقوم حماس بإطلاق الصواريخ باتجاه المنطقة الوسطى في جوش دان وتل أبيب، فإنهم لم يتوقعوا أن يكون بهذا الكم من الصواريخ ولا بكثافة نيران كالتي نفذتها.[12] أضف إلى ذلك أن غياب المعلومات الاستخبارية عند الشرطة الصهيونية في الداخل المحتل كان عاملا مهما في فقدانهم السيطرة على المدن المحتلة في أراضي 48[13].
ثمة مكسب آخر حققته المقاومة تكشف عنه التعليقات على تغريدات الصحفيين ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عندما تعبر هذه التعليقات عن حالة عامة من القلق والخوف وعدم الرضا يعيشها قطاع واسع من المستوطنين؛ من ذلك مثلا أن ران بوكر متخصص الشئون الثقافية في صحيفة يديعوت أحرونوت دعا مستوطني القطاع الأوسط في فلسطين المحتلة الذي يشمل تل أبيب أن يصبروا على الصواريخ التي تطلق عليهم في هذه الحرب بكثافة، على عكس ما حدث في 2014. يقول بوكر: “إن هذا الكابوس الذي تعيشونه الآن، هو الكابوس الذي يعيشه الإسرائيليون في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة منذ عشرين عاما”.[14] هذه المستوطنات تسمى مستوطنات غلاف غزة.
التعليقات على بوكر كانت كاشفة عما يعانيه مستوطنو غلاف غزة؛ إذ قال أحدهم: “ما الذي تقوله؟ أخبر حكومتك أن تفكر في استراتيجية للمستقبل، وأن تحكّم العقل”، وقالت أخرى: “في غلاف غزة يواجهون أخطر من ذلك؛ فوقت القصف لا يكون لديهم سوى 15 ثانية فقط للنزول للملاجئ”، ويرد ثالث “سيدي هناك فارق بسيط؛ في غلاف غزة تضرب صافرات الإنذار كل 20 دقيقة وليس لمرتين في اليوم مثلما في الوسط”، ويقول رابع: “أذكّرك يا بوكر من أشعل الوضع ليبقى في السلطة هو نتنياهو”، ويقول خامس “نحن لا ننام تقريبا في غلاف غزة”ـ ويقول سادس مستخدما عبارة أبي عبيدة: “لماذا لا تدين أصدقاءك الذين يزعمون أنهم هزموا حماس وردعوها بينما هي تضحك علينا جميعا ولا زالت تطلق علينا صواريخها بسهولة “أسهل من شربة الماء”.[15]
ثمة أمر آخر مرتبط بسابقه يكشف – إلى جانب تمزق المجتمع الصهيوني الداخلي – عن فشل الحكومة هناك في التعامل مع الأحداث حتى على المستوى الاجتماعي والإنساني للمستوطنين اليهود وكيف ينهار المجتمع داخليا، إذ يكشف ماتان تسوري عن انهيار الخطة التي كانت الحكومة قد وضعتها لاستيعاب المستوطنين الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة، فهم يرون أن الدولة قد نسيتهم هذه المرة أيضا مثلما حدث في المرات السابقة[16].
خسارة الرأي العام العالمي على المستوى الشعبي وخسارة معركة الوعي خسارة أخرى تضاف لما تمكنت المقاومة أن تضيفه لمكاسبها، وقد تحدثت الصحف الصهيونية عن زيادة الضغوط نتيجة المظاهرات التي يشهدها العالم ضد إسرائيل، ومشاركة المشاهير ضد الممارسات الصهيونية، وتنامي الغضب الشعبي العالمي ضد إسرائيل وممارساتها البربرية، رغم دعم حكومات هذه الدول لها[17].
وعلى المستوى الاقتصادي تمكنت المقاومة حين ضاعفت مدى صواريخها بإعلانها عن صاروخ عياش بمدى 250 كم أن تفرض حصارا جويا على الكيان الصهيوني، مما اضطر شركات الطيران العالمية إلى إلغاء رحلاتها الجوية إلى إسرائيل حسبما أشارت جريدة هآرتس.[18] وعلى المستوى الاقتصادي أيضا يشار إلى أن حجم التعويضات التي تدفع لمن تضررت ممتلكاتهم (منازل، وفنادق، ومطاعم، وسيارات..) بفعل صواريخ المقاومة، أو نتيجة المواجهات الساخنة التي تحدث في الداخل المحتل بفعل فلسطينيي 48؛ وصلت إلى حوالي 45 مليون دولار يوميا منذ اندلاع الأحداث.[19]
أمام ما حققته المقاومة وحالة الفوضى التي شهدها الداخل المحتل وتعدد الجبهات المفتوحة على الكيان الصهيوني اضطر نتنياهو إلى التراجع – ولو مؤقتا – عن السماح للمستوطنين بدخول باحات المسجد الأقصى بعد الذي حدث، ليعلق أحد أعضاء الكنيست من الصهيونية الدينية بأن قرار نتنياهو هو جائزة للإرهاب[20].
هذا الأداء السيء- من وجهة نظرهم – لنتنياهو وحكومته خلال السنوات الماضية والذي وصل ذروته خلال هذه الأحداث دفع شاي نيف المحلل السياسي في موقع جلوبس الصهيوني لأن يتساءل ساخرا: “تعرفون ما يفعلون في كرة القدم حينما يطارد النحس فريقا؟ يستبدلون المدرب (يقصد نتنياهو). أما نحن فمرت بنا عدة مواسم نحس وراء نحس, وفشل يطارد فشل؛ الحل بسيط استبدلوا المدرب. فرد عليه الصحفي بن كسبيت: “عندنا يستبدلون اللاعبين والجمهور” فرد ثالث على بن كسبيت: “هذا إن لم يحرقوا النادي”[21].
– هل تواجه إسرائيل خطرا وجوديا؟
هناك شعور كبير بالإحباط يعيشه المجتمع الإسرائيلي حاليا، وإحساس بأن الدولة تواجه اليوم خطرا يهدد وجودها الحقيقي ؛ وليس ذلك مبالغة في هذا السياق. يقول إيتمار أيشنر المحلل السياسي ليديعوت: “عدد الجبهات يزداد ويرتفع؛ غزة، الضفة، عرب 48، الحدود الشمالية، وكلما طال أمد العملية ستزداد الجبهات المفتوحة علينا، كما ستزداد الجبهات المفتوحة من قبل اشتعالا. علينا أن نصل لإنهاء سريع لهذه العملية بمكاسب نوعية، لكي نتمكن من إعادة بعض قواتنا لحفظ الأمن الداخلي”[22].
ولهذا الخطر الوجودي مظاهر عديدة كشفتها هذه الحرب؛ منها ما أشار إليه موقع جلوبس حين تحدث عن حصر الأضرار التي تعرضت لها الممتلكات والتي تستحق تلقي التعويضات؛ فقد كشفت خارطة الأضرار عن فقدان حالة الأمن تماما في كل مناطق فلسطين المحتلة دون استثناء؛ فحتى عصر الخميس 13 مايو فقط تضرر 1744 من ممتلكات المستوطنين. منها 886 ضررا للمباني والمحال التجارية نتيجة حالة الفوضى، و 858 ضررا للمركبات. كانت المدن الأكثر تضررا بالممتلكات: عسقلان (168 مبنى، و 502 مركبة)، ثم سديروت (70 مبنى و 31 مركبة)، وفي مدن أخرى في محيط عسقلان (117 مبنى و 129 مركبة)، وفي منطقة تل أبيب، التي تضم اللد والرملة (477 مبنى ونحو 154 مركبة)، وفي تل أبيب ومحيطها في جفعاتايم 50 مبني و 12 مركبة)، وفي حولون (72 مبنى و 25 مركبة)، وفي ريشون لتسيون (82 مبنى و20 مركبة)، وفي القدس (24 مبنى و17 مركبة)، وفي منطقة حيفا التي تضم مدينة عكا والشمال (30 مبنى و10 مركبات)، وفي طبريا أضرمت النيران في 15 مركبة[23].
هذه الفوضى العارمة غير المسبوقة فرضت لأول مرة على جيش الاحتلال أن يسمح لجنوده الذين يشعرون بالتهديد بأن يلبسوا ملابس مدنية في تنقلاتهم من وحداتهم العسكرية إلى البيت والعكس في مناطق التوتر بعد تعرض جندي إلي إصابة في رأسه جراء هجوم تعرض له من بعض العرب في يافا[24].
هذا الوضع أدى لسعي نتنياهو إلى الدفع بقوات من الجيش لمساعدة الشرطة في حفظ الأمن وإقرار النظام، وتحدث عن سن تشريعات تتيح للجيش التدخل في حفظ الأمن داخل المدن، وهذا أدى لحوار واسع في الصحافة الإسرائيلية، وتساءل موقع إنتلي تايمز الإسرائيلي المهتم بدراسات الشرق الأوسط وإيران وشئون الاستخبارات: ماذا حدث للشرطة الإسرائيلية؟ كيف تحولنا لدولة مضطرة لإقحام الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع داخل المدن؟! وأمام الضغط الإعلامي عن دفع الجيش للقيام بعمليات ليست من مهامه رفض خصمه وشريكه في الحكومة بني جانتس وزير الدفاع هذا الأمر.
إن ما كشفت عنه هذه الحرب “غير المتكافئة في ميزان القوى” هو حالة الضعف التي يعيشها المجتمع الصهيوني، والتي عبر عنها الصحفي سيفي هندلر بقوله “12 عاما من حكم نتنياهو، إلى أين وصلنا بالضبط؟ إلى حيث حذر الكثيرون ولكنكم لم ترغبوا في الاستماع: مجتمع متداع ضعيف، تأكله الكراهية والعنف”.[25] تلك الحالة غير المسبوقة التي وصل إليها الكيان الصهيوني بعد زوال جيل التأسيس التاريخي، وبفعل ضعف أو أنانية قادة الأحزاب السياسية وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو في الوصول إلى السلطة وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وافتعال الأزمات ولو أدى ذلك لحرق المجتمع. نحن أمام مجتمع هش ضعيف لا مستقبل له في أرض فلسطين.
– الموقف العربي.. الرسمي والشعبي
في الحروب السابقة كانت المقاومة تحارب وحدها تقريبا؛ فعادة ما كان الصراع يقتصر على إسرائيل وغزة، وبالتالي لم تكن السلطة الفلسطينية تتعرض لمخاطر كبيرة من أن يمتد الصراع إلى مناطقها المحكومة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال. لكن تدخل المقاومة هذه المرة للدفاع عن مصادرة الاحتلال لمنازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، ثم اعتداء أنصار الصهيونية الدينية على المسجد الأقصى بمساندة من الدولة في العشر الأواخر من شهر رمضان أدى لخلط الأوراق، وأصبحت فلسطين كلها جزءا من الصراع هذه المرة، ولم يعد من المقبول أن يترك الفلسطينيون في أراضي 48 أو فلسطينيو الضفة المقاومة وحدها وقد خاضت الحرب دفاعا عنهم.
من المؤكد أن ما حدث من تفاعل فلسطيني في كل فلسطين، وما صاحبه من تفاعل شعبي عربي جعل بعض الأنظمة العربية تشعر بالخطر جراء ما يحدث. تأتي السلطة الفلسطينية على رأس هؤلاء الذين شعروا بخطورة الأحداث؛ فالسلطة التي نشأت في الأساس لإخماد القضية الفلسطينية، لطالما كانت عاملا مهما في أمن إسرائيل، ولطالما كانت دائما عبئا على القضية الفلسطينية منذ تأسيسها، بفعل التنسيق الأمني مع إسرائيل، والمساعدة في تعقب منفذي العمليات ضد الجنود الإسرائيليين أو المستوطنين والقبض عليهم وتسليمهم لإسرائيل. فالشارع الفلسطيني الذي بات ينشد أناشيد المقاومة أدرك بفعل تدخل المقاومة للدفاع عن قضايا الداخل المحتل والمسجد الأقصى أن المقاومة هي التي أوقفت الاحتلال عن محاولة اقتحام المسجد الأقصى، وأن تهديدها هو الذي أجل مصادرة منازلهم في حي الشيخ جراح، وأصبح الشارع الفلسطيني والعربي ينتظر ما يعلنه أبو عبيدة ولا يلقي بالا لخطابات محمود عباس.
هذا بالطبع كان له تأثيره في شعور السلطة بأنها قد أضعفت داخليا وشعبيا في ظل عدم قدرتها هذه المرة على تحميل حماس مسئولية ما وصلت إليه الأمور، خاصة وأن السلطة اعتادت في الحروب الإسرائيلية السابقة ضد المقاومة في غزة أن تلقي بجزء من اللائمة على الفصائل الفلسطينية هناك وعلى رأسها حماس بالطبع.
كل ذلك وضع السلطة في مأزق كبير لم يمنعها أحيانا من أن تمارس نفس التنسيق الأمني حتى في ظل هذه الظروف؛ من خلال فض بعض المظاهرات الرافضة للقصف الهمجي على غزة، أو القبض على بعض من ادعت أنهم مثيرو الشغب. يؤكد كل ما سبق ما جاء في أحد البرامج الحوارية على قناة كان الإسرائيلية على لسان بعض الضيوف عن الخطر الذي يشعر به أبو مازن وسلطته، وكيف أنه تباحث مع مسئولي السلطة الفلسطينية في كيفية إفشال محاولات حماس جر الضفة الغربية إلى المواجهات مع الاحتلال[26].
لا يخفى كذلك ما يحدث من ضغوط على النظام الأردني، ولعل ما حدث من محاولة اقتحام الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة شاهد على ذلك، فضلا عن مطالبات شعبية واسعة بوقف صفقات الغاز المليارية مع الاحتلال الصهيوني، وأن تقوم الأردن بممارسة دورها في حماية المقدسات الإسلامية في القدس في ظل قرارات الأمم المتحدة التي أعطت للأردن المسئولية الإدارية عن هذه المقدسات.
الموقف المصري كان مثار استغراب كبير؛ خاصة وأن أبواقه الإعلامية التي اعتادت مهاجمة المقاومة في كل الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع، والتي زادت من حدة هجومها عليها منذ انقلاب 2013 غيرت لهجتها بما يتوافق مع تغير لهجة النظام. وبغض النظر عما أعلنه النظام المصري من مساعدات لغزة أو مشاركة في خطة إعادة الإعمار لاحقا! فإن أحدا – غير أنصار النظام بالطبع – لا يثق في هذه المواقف، بل يتعامل معها تعامل الشك والريبة، خاصة أن النظام لم – ولن – يسمح بأي تعبير شعبي مؤيد للحق الفلسطيني، أضف إلى ذلك أن ما أعلن من تصريحات منددة بالعدوان الإسرائيلي صادر من نظام يرى في إسرائيل شريكا استراتيجيا، ويرى حماس على النحو الذي يعرفه الجميع. فإذا كان الشارع العربي مرتابا إلى هذا الحد، فإن المقاومة لن تنخدع بخطبة رنانة، ولا بدعاء أحد شيوخ السلطان على إسرائيل ولو صدر من أقدس البقاع.
من المؤكد كذلك أن هذه الأحداث قد ضربت كل منجزات عملية التطبيع التي أنجزها نتنياهو مع بعض الدول العربية التي اكتفت في هذه الحرب بمشاهدة الأحداث أو إصدار بيانات فارغة لا يمكن تفسيرها إلا أنها تقف إلى جانب المحتل، وتكشف في نفس الوقت عن الموقع الذي اختارته أنظمة هذه الدول لنفسها من الوقوف في خندق واحد مع الكيان الصهيوني على حساب قضايا الأمة.
لقد كانت قضية فلسطين، وسوف تبقى القضية، هي التي توحد الأمة وتزيل ما بينها من خلافات. وإذا كانت المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها لم تقصر في القيام بواجبها تجاه هذه القضية، فإن على الشعوب أن تستثمر هذه الحالة، وأن تستغل حالة الضعف الإسرائيلي والتفاعل الشعبي العربي والإسلامي والعالمي، وأن تبحث عن كافة السبل الممكنة لدعم المقاومة من أجل تحقيق النصر في هذه القضية العادلة.
إن ما كشفت عنه هذه الأحداث هو أن تلك الصورة المخيفة للاحتلال الصهيوني التي أسهمت الأنظمة العربية القمعية في رسمها وترويجها للمواطن العربي لم تكن في الحقيقة إلا وهمًا تداعى أمام أصحاب الحق حين قرروا الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم، وأن الشعوب يمكنها إذا تحررت أن تدرك حجم المحتل الحقيقي من غير استهانة ولا تهويل.
[1] – https://twitter.com/kann_news/status/1392927748474146826
[2] – רון בן ישי: מחפשים סיום חד צדדי: בקבינט מרוצים, וחוששים מהסתבכות. (يديعوت أحرونوت 16 مايو 2021)
https://www.ynet.co.il/news/article/H1golR00000#autoplay
[3] – https://twitter.com/roysharon11/status/1393938643341938693
[4] – https://twitter.com/ZviHauser/status/1393549588322299904
[5] – https://twitter.com/YehoshuaYosi/status/1394331528159768576
[6] – 100 ק”מ של סודות מתחת לאדמה: חיסול המטרו של חמאס – שלב אחר שלב. (موقع וואלה 17 مايو 2021)
https://news.walla.co.il/item/3435925
[7] – https://twitter.com/roysharon11/status/1394381492982267909
[8] – בן כספית: התפיסה שלפיה אם “נכיל” את חמאס, הוא יירגע-קרסה. (معاريف 16 مايو 2021)
https://www.maariv.co.il/journalists/Article-840884?utm_source=whatsapp
[9] – עמוס הראל: צה”ל הוציא לפועל מבצע חשאי אסטרטגי – אך נראה שתוצאותיו מוגבלות. (هآرتس 15 مايو 2021)
https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium.HIGHLIGHT-1.9811615?utm_source=Web_Share&utm_medium=Whatsapp&utm_campaign=Share
[10] – https://twitter.com/MaarivOnline/status/1393807198967455745https://twitter.com/MaarivOnline/status/1393807198967455745
[11] – https://twitter.com/MatanTzuri/status/1392825528487403523
[12] – https://twitter.com/YehoshuaYosi/status/1392357103554244608
[13] – יהושוע בריינר: מחסור במויעין מרחיק את המשטרה משליטה באלימות בערים. (هآرتس 16 مايو 2021)
https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.9811803?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter&utm_campaign=haaretz
[14] – https://twitter.com/ranboker/status/1393539786225422338
[15] – راجع التعليقات على التغريدة السابقة
[16] – מתן צורי: תושבי העוטף שהתפנו נאלצים לנדוד בין בתים: “שוב שכחו אותנו” (يديعوت أحرونوت 15 مايو 2021)
https://www.ynet.co.il/news/article/BkiFOQhdO?utm_source=ynet.app.android&utm_term=59319650&utm_campaign=general&utm_medium=social
[17] – רחובות זועמות (يديعوت أحرونوت 16 مايو 2021)
https://www.yediot.co.il/articles/0,7340,L-5932306,00.html
[18] – רינה רוזנברג קנדל: חברות התעופה הזרות ממשיכות לבטל את הטיסות לישראל (the marker 15 مايو) https://www.themarker.com/news/aviation/.premium-1.9811801?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter&utm_campaign=haaretz
[19] – הערכות: נזקי הרכוש מהלחימה מגיעים עד ל-150 מיליון שקל ליום (صحيفة جلوبس الاقتصادية 18 مايو 2021)
https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001371229&from=whatsapp
[20] – נתניהו הורה שלא לפתוח את הר הבית ליהודים, ח”כ בן גביר תקף: “פרס לטרור”. (معاريف 16 مايو 2021)
https://www.maariv.co.il/news/military/Article-840921?utm_source=whatsapp
[21] – https://twitter.com/niv_shai/status/1393974881927245827
[22] – https://twitter.com/itamareichner/status/1393269737052942338
[23] – בעקבות הירי ופעולות האיבה: 886 מבנים ניזוקו ו-858 רכבים
(صحيفة جلوبس الاقتصادية 14 مايو 2021)
https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001371127&from=whatsapp
[24] – https://twitter.com/roysharon11/status/1392882952552566785
[25] – https://twitter.com/SefyHendler/status/1392531817140527111
[26] – https://twitter.com/kann_news/status/1393617218580144137