انعكاسات فوز بايدن على الملف المصري والإخوان المسلمين
1 file(s) 2.54 MB
انعكاسات فوز بايدن على الملف المصري والإخوان المسلمين
تقدير موقف…
انعكاسات فوز بايدن على الملف المصري والإخوان المسلمين
أحمد أبو حمزة: باحث في شؤون الحركات الإسلامية
مقدمة:
تبحث هذه الورقة في تأثير الفوز الذي حققه جو بايدن على منافسه دونالد ترامب، في الانتخابات الأمريكية، على الملف المصري وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ولاشك أن هناك حالة من النشوة بين الجماهير العربية والإسلامية بنتيجة هذه الانتخابات الرئاسية، ليس فرحا بفوز بايدن وإنما بخسارة ترامب وغيابه عن المشهد بكل ما يحمله من سياسات وتوجهات معادية للإسلام والمسلمين ولكل ما هو أخلاقي ونبيل في العالم.
لعلنا نكون من المتفائلين ونقول أن مجرد زوال هذا الرئيس الاستثنائي الشعبوي الذي أبدى مشاعر غير ودية تجاه المسلمين من أول يوم لرئاسته سيجعل العالم أكثر أمانا والمسلمين أقل اضطهادا وقضاياهم وحقوقهم أقل انتهاكا.
لتصل هذه الورقة إلى مبتغاها ستركز على عدة نقاط أولها شخصية بايدن ذاته، وسياساته الخارجية المتوقعة ورؤيته للدور الأمريكي في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، ثم نبحث في علاقته بالملف المصري؛ لنخلص إلى ما يمكن أن يتركه حكمه من آثار على الإخوان المسلمين.
من هو جو بايدن؟
جو بايدن هو الأكبر سنا على الإطلاق ممن فازوا في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وسيبلغ عمره 78 عاما عندما يتولى الحكم في 20 يناير 2021، وهو أكبر من ترامب بنحو 4 سنوات.
يفتخر بايدن القادم من ولاية ديلاوير بأن أصوله عمالية، وقد وصل إلى واشنطن شابا حديث العهد بالسياسة وانتُخب في 1972 وهو في 29 من عمره عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، وظل عضوا في المجلس على مدار 36 عاما قبل أن يصبح نائبا للرئيس أوباما من 2009 إلى 2017.
تعرض بايدن لمأساة عائلية بعد دخوله الكونجرس بأسابيع، حيث توفيت زوجته وابنته البالغة من العمر 13 شهرا في حادث سيارة، وكاد أن يتقاعد من البرلمان ويتفرغ لتربية ابنَيه الناجِيَينِ، لكنه لم يفعل، وفي 2015 توفي ابنه جوزيف الذي حارب في العراق، وكان مدعيا عاما في ديلاوير، بسرطان الدماغ في سن السادسة والأربعين، وواجه هنتر ابن بايدن الآخر مشاكل تتعلق بالمخدرات.
خلال تاريخه السياسي الحافل احتك بايدن كثيرا بملفات السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ، وترأس لجنة الشؤون الخارجية، لفترة من الزمان، وأيد اجتياح العراق عام 2003 قبل أن يصبح منتقدا لأسلوب الرئيس الجمهوري جورج بوش في إدارة الحرب، كما شارك أوباما في إدارة كثير من ملفات السياسة الخارجية حين كان نائبا له. ويبدو أنه استشعر قدرته على قيادة الولايات المتحدة؛ فحاول الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة مرتين في 1988 وفي 2008 لكن دون جدوى.
يحفظ لنا التاريخ القريب لبايدن موقفين يشيران إلى أنه سيتبع نهجا محافظا في سياسته الخارجية، وسيمشي على خطى أسلافه من الرؤساء الديمقراطيين في تعامله مع القضايا العربية والإسلامية، بل وقضايا السياسة الخارجية بشكل عام.
الموقف الأول أنه حذر أوباما من الإقدام على الغارة التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان عام 2011[1]. والموقف الثاني وهو أقرب لموضوعنا الحالي، أنه عارض الضغط الذي مارسته إدارة أوباما على حسني مبارك من أجل التنحي الفوري عندما تصاعدت احتجاجات 25 يناير، ووقف إلى جانب هيلاري كلنتون ووزير الدفاع روبرت جيتس في التحذير من أن هذه الخطوة ستقوض المصالح الأمريكية في المنطقة، وكانوا يفضلون الانتقال المتأني في السلطة[2].
السياسة الخارجية
أول ما يلفت الانتباه أن التعامل مع السياسة الخارجية لبايدن سيكون مختلفا عن التعامل مع ترامب الذي كان يميل إلى حصر السلطات بين يديه شخصيا، أو بين أفراد عائلته أو المقربين منه.
سيميل بايدن على عكس ذلك إلى تفعيل دور المؤسسات التقليدية لصنع السياسة الخارجية الأمريكية، سواء وزارتي الخارجية والدفاع أو مؤسسات الأمن القومي الأمريكي والمخابرات، وحتى الكونجرس ولجانه ومؤسسات المجتمع المدني.
ومن هنا يقدم الدكتور محمد كمال النصيحة لنظام السيسي بأنه “في ظل إدارة بايدن سيكون هناك حاجة للتواصل ليس فقط مع البيت الأبيض، ولكن أيضا مع المؤسسات التنفيذية، والتشريعية، بل ومراكز الأبحاث وقادة الرأي العام، وكلها سوف يكون لها دور وتأثير في عملية صنع القرار”.[3]
سيتولى بايدن في لحظة تشهد فيها الولايات المتحدة أزمات غير مسبوقة، على مستوى انتشار الوباء وعلى مستوى التداعيات الاقتصادية التي خلفها، وأهمها أزمة بطالة تزيد عن 30 مليون عاطل عن العمل، وعلى مستوى الانقسام الاجتماعي الذي ولدته حقبة ترامب والصعود الكبير للتيارات اليمينية المتطرفة في المجتمع. ولذلك فمن المتوقع أن يركز بشكل كبير على القضايا الداخلية وهو ما سيسمح بحركة أوسع للمؤسسات الأخرى لأن تلعب دورا أكبر في السياسة الخارجية.
الدور العالمي للولايات المتحدة كان دائما محل جدل بين مدرستين الأولى ومنها بايدن ترى أن الأمن الأمريكي لا ينحصر في حدودها الجغرافية وأن عليها القيام بدور عالمي والتواجد بقوة على المسرح الدولي.
أما المدرسة الثانية التي جسدها ترامب فترى أن الحدود الطبيعية للولايات المتحدة تمكنها من العيش بسلام بعيدا عن مشاكل العالم وفي معزل عنه، ولذلك سعى ترامب للتخلص من كل اتفاقيات التعاون الدولية التي يرى أنها تكبل بلاده ولا تجني منها إلا القليل.
على المسرح الدولي، وعلى عكس سلفه، من المتوقع أن يعيد بايدن توجيه البوصلة الأمريكية من جديد إلى الالتفاف حول الحلفاء التقليديين في أوروبا وأمريكا الشمالية وتقوية وتدعيم حلف الناتو والتجاوب مع القضايا الأوروبية.
وقد وعد بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها ترامب. كما يتوقع أن يسعى لعلاقات أكثر توازنا وأقل عداء مع الصين، وأخرى أكثر حسما وربما مواجهة مع روسيا.
الشرق الأوسط
سيكون تعامل بايدن مع الملف المصري جزءا من تعامله مع منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ولدواعي الاختصار سوف نركز هنا على بعض ملامح سياسة بايدن في التعامل مع المنطقة من خلال التركيز على تعامله المرتقب مع تركيا، السعودية، إيران، فلسطين.
لكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذه القضايا يحب أن نشير إلى أن السياسة الأمريكية تعاني من معضلة مزمنة، وتتبدى هذه المعضلة بشكل واضح في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل في عدم إمكانية التوفيق بين القيم التي تقول الولايات المتحدة أنها تدافع عنها – وأهمها الحريات العامة والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والتنوع بين البشر- وبين المصالح الاستراتيجية لها في المنطقة، وفي حالات كثيرة كانت تتغلب المصالح على القيم والحريات، لكن هذا الأمر لم يكن مطلقا وإنما بنسب متفاوتة تختلف من حقبة إلى حقبة ومن رئيس إلى رئيس.
ويشير الدكتور محمد كمال إلى أن الكثير من العناصر المرشحة للعمل في فريق بايدن للسياسة الخارجية، ينتمون فكريا للتيار الليبرالي ويتبنون مواقف تخلط بين السعي لتحقيق المصالح المادية ونشر القيم الأمريكية في العالم وخاصة ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان[4].
ونزيد على ذلك أن هناك تناميا في التأثير اليساري على الحزب الديمقراطي، وهو ما صعد بقوة بالمرشحين اليساريين السابقين بيرني ساندرز واليزابث وارين، ليشكلا في لحظة من اللحظات تحديا لبايدن في داخل الحزب. وتقليديا كان اليسار الأمريكي أكثر تأييدا للقضايا الإنسانية وأحرص على رعاية القيم العالمية.
* تركيا:
وَصَفَ بايدن الرئيس أردوغان العام الماضي بالمستبد، ولعل هذا الوصف لا يقدم لنا جديدا؛ لأن الرئيس أردوغان لا تنظر له النخب الغربية إلا باعتباره دكتاتورا، يعادي مصالح الغرب في المنطقة ويقلص الحريات في تركيا ويمسك السلطة بيد من حديد ويسعى لتحويل بلاده العلمانية إلى دولة إسلامية استبدادية.
تقول وكالة رويترز أن ترامب خالف نصائح أقرب مستشاريه وحمى تركيا من عقوبات أمريكية مؤكدة كانت ستفرض عليها بسبب شراء نظام الصواريخ الروسي إس-400، وتذهب إلى القول أن فوز بايدن سيعني أن أردوغان سيفقد أفضل حليف له في واشنطن؛ لتصبح أنقرة مكشوفة أمام غضب الكونجرس الأمريكي شديد العداء لها وبعض الوكالات الأمريكية المتشككة فيها[5].
وتتوقع الوكالة أن يأخذ بايدن موقفا أكثر صرامة من تركيا وخاصة فيما يتعلق بتراجع حقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية وأن يتركز الاختلاف حول ملفات سوريا وغاز البحر المتوسط، وربما يفرض عليها عقوبات بسبب شراء إس-400.
غير أن أولويات بايدن التي ربما تتجه لإعادة الاعتبار لحلف الناتو ومواجهة روسيا والتعامل مع إيران قد تحد من هذا التوجه، الذي قد تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد التركي الذي يعاني مشكلات مؤخرًا.
* إيران
: تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، الذي أبرمه أوباما في 2015 مع إيران، ونَقَضَه ترامب في 2018، إذا عادت طهران إلى الالتزام به، لكن العودة إلى الاتفاق لن تكون سهلة فطهران تطالب بتعويضات عن الخسائر والعقوبات التي لحقت بها نتيجة انسحاب واشنطن منه، كما أن ملفات شائكة أخرى قد تعيق التقارب بين الطرفين أهمها برنامج الصواريخ الإيرانية ونفوذ إيران المتزايد في المنطقة والأهم من ذلك معارضة السعودية والإمارات وإسرائيل لأي تقارب جديد لواشنطن مع طهران.
* السعودية: لم تكن العلاقات بين إدارة أوباما والسعودية جيدة، بسبب ما تراه الرياض تخليا من الولايات المتحدة عن حلفائها من القيادات العربية في أعنف أزمة واجهتهم ممثلة بانتفاضات الربيع العربي، وكذلك توقيع الاتفاق النووي الإيراني الذي لم تكن الرياض راضية عنه، بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان في المملكة.
وعلى النقيض من ذلك تمتع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأكبر حماية له شخصيا ولنظامه في عهد ترامب، الذي نسج علاقات شخصية وعائلية مع قادة السعودية والإمارات؛ فعلى سبيل المثال فقد بدا ترامب وكأنه الصخرة التي تكسرت عليها كل محاولات “الدولة” الأمريكية بكل مؤسساتها لمعاقبة السعودية في ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وفي نوفمبر من العام الماضي تعهد بايدن في تغريدة على تويتر بمحاسبة السعودية والصين عندما يصبح رئيسا، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي قال أنها يجب أن تكون في صميم تفاعلنا مع العالم[6].
كما تعهد في حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، والمطالبة بقدر أكبر من محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي وإنهاء الدعم الأمريكي لحرب اليمن.
وقال متحدث باسم الحملة الانتخابية “بدلا من تقديم شيكات على بياض للحكام المستبدين في مختلف أنحاء العالم كما فعلت إدارة ترامب سيدافع جو بايدن عن القيم العالمية مع الأصدقاء والأعداء على السواء”[7].
إن العلاقات الراسخة بين السعودية والولايات المتحدة لا تجعلنا نذهب بعيدا في توقعات الخلاف بينهما، لكن إذا وقع الخلاف وهو أمر يكاد يكون حتميا في ملفات حقوق الانسان وأزمة قطر وحرب اليمن والتعامل مع إيران، فإن الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي، وأقرب التوقعات أنها ستلجأ إلى تدعيم علاقاتها التي كثر الحديث عنها مع إسرائيل، وربما تدخر ورقة التطبيع معها إلى يوم حالك مع واشنطن، كما ستلجأ في سبيل إرضاء النخب الأمريكية إلى مزيد من العلمنة الاجتماعية، وربما الافراج عن بعض الناشطين والناشطات في مجال حقوق الانسان.
* فلسطين:
من البديهي أن تبقى العلاقات قوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن هذا لا يمنع من القول أن خبرة إدارة أوباما مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت سلبية للغاية، فقد كان الرجلان على خلاف علني لسنوات، حتى أن نتنياهو زار الولايات المتحدة وألقى خطبة في الكونجرس حرض فيها على إيران دون دعوة من أوباما الذي لم يقابله في حينها.
على النقيض، قدم ترامب لإسرائيل ما لم تكن تحلم به، الاعتراف بسيادتها على القدس والأقصى وإنهاء ملف اللاجئين والاعتراف بسيادتها على الجولان وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية ومنحها الحق في فرض سيادتها على مناطق بالضفة الغربية، بالإضافة إلى دفع الدول العربية للتطبيع معها.
ورغم أن بايدن أعلن تأييده للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ووصفه بأنه خطوة تاريخية صوب شرق أوسط أكثر استقرارا إلا أنه حذر من أنه لن يدعم ضم إسرائيل للمستوطنات اليهودية إذا فاز بالرئاسة.
ولعل الفلسطينيين ولاسيما سلطة محمود عباس أصبحت تترقب اليوم فوز بايدن كما لم يترقبه أحد. وفي عهد بايدن من المرتقب أن يعود الحديث مجددا عن حل الدولتين لكن من المستبعد أن يتم التراجع عن مكتسبات إسرائيل من إدارة ترامب وأهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الملف المصري
حددت دراسة تم تقديمها للكونجرس في 2004 بهدف تعريف أعضائه المختصين بالسياق التاريخي للمعونة الأمريكية لمصر، المصالح الأمريكية في مصر بأربعة مصالح:
الأولي، الاستفادة من الدور القيادي والتاريخي لمصر بين الدول العربية، فقد تكرر كثيرا تقليد دول عربية كثيرة لمصر في سياساتها.
الثانية، هي أولوية محاربة الإرهاب، وما تقوم به مصر في هذا الإطار من إجراءات.
الثالثة، الحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والمصلحة.
الرابعة، هي الحفاظ على التحالف العسكري بين الطرفين لمواجهة الأخطار والتهديدات الإقليمية، مثل الشراكة المستمرة في مناورات “النجم الساطع” (دكتور عبد الله الكريوني في رسالة ماجستير غير منشورة)، ولعل هذه المصالح لا تزال قائمة حتى اليوم مع بعض التعديلات في أوزانها النسبية.
وبالنظر إلى نهج بايدن المحافظ فإننا نتوقع أن يستمر في تدعيم هذه المصالح، وأن تكون المجالات العسكرية والاستخباراتية والأمنية بالإضافة إلى ملف الوساطة المصرية بين الفلسطينيين وإسرائيل من أهم ملفات التعاون التي ستظل بين الجانبين المصري والأمريكي، بل وقد تشهد مزيدا من الرسوخ.
لكن أيضا من المرتقب أن تكون هناك أوجه للخلاف بين إدارة بايدن ونظام السيسي في عدة ملفات أهمها:
الملف الحقوقي، لاسيما حقوق السجناء، ففي التغريدتين الوحيدتين عن مصر على حسابه على تويتر، هاجم بايدن النظام المصري من أجل حقوق السجناء. كانت التغريدة الأولى في 16 يناير بمناسبة وفاة المعتقل المصري الأمريكي مصطفى قاسم بعد ست سنوات من السجن في مصر، وقال بايدن في حينها “إنه أمر شائن” وأضاف أن الأمريكيين المحتجزين ظلما في أي مكان في العالم يستحقون دعم حكومتنا الكامل والجهود الحثيثة لتأمين إطلاق سراحهم[8].
جاءت التغريدة الثانية في 12 يوليو بعد عودة المواطن المصري الأمريكي محمد عماشة بعد سجنه 486 يوما في مصر بسبب حمله لافتة للاحتجاج، وهاجم فيها بايدن السيسي نفسه بوصفه “الدكتاتور المفضل” لترامب، وقال أن “اعتقال وتعذيب ونفي ناشطين مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول. لا مزيد من الشيكات الفارغة لـ “الديكتاتور المفضل لترامب”[9].
ولعل هذا ما دفع السلطات المصرية إلى الإفراج عن أقارب الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان فور الإعلان عن فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية[10].
مؤسسات المجتمع المدني، لاسيما أن القوانين المكبلة لعمل هذه المؤسسات في مصر والقيود المفروضة عليها تزايدت بشكل كبير خلال تحت حكم السيسي؛ الأمر الذي دفع بعض المنظمات المصرية مثل مركز القاهرة لحقوق الانسان للرحيل من مصر. وقد كان هذا الملف أحد أهم أسباب التوتر بين إدارة أوباما والمجلس العسكري بعد 25 يناير.
المسار الديمقراطي والانتخابات، ربما ستكون أقرب انتخابات في مصر هي الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024، ومن المتوقع أن يدور جدل بين الإدارة الأمريكية والسلطات المصرية حول ضمانات النزاهة فيها، وفرص المرشحين وربما يكون هناك ضغط لتوسيع خيارات الشعب المصري بعيدا عن المرشح الأوحد، لاسيما إذا تزايدت الضغوط الداخلية في مصر وتزايدت عمليات الاحتجاج.
وفي هذا السياق فقد خلصت دراسة الدكتور الكريوني[11] عن العلاقات المصرية الأمريكية، فيما يخص التعاطي الأمريكي مع أحداث الثورة المصرية إلى عدة استنتاجات، منها وجود اتفاق داخل مكونات الإدارة الأمريكية في عهد أوباما حول الانتقال السياسي في مصر نحو الديموقراطية، بينما كان هناك بعض الخلافات داخلها حول طريقة ووتيرة الانتقال السياسي، وأن الادارة الأمريكية حرصت خلال الأزمات التي مرت بها الفترة الانتقالية على الاتصال بكافة الأطراف الفاعلة في مصر، بما يتيح لها الاستمرار في ممارسة نفوذها وتأثرها السياسي. كما أن واشنطن ظلت طوال الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري تؤكد على ضرورة إشراك كل الفاعلين السياسيين الرئيسيين في مصر في العملية السياسية.
في المقابل فإن السلطات المصرية التي أبدت حفاوة كبيرة بترامب فإنها ستكون أقل انفتاحا على رئيس ديمقراطي، ومن المتوقع أن تطور آليات في التعامل معه سيكون من بينها، شن حملات إعلامية لتأليب الرأي العام المصري ضد الولايات المتحدة كلما تعرض النظام لضغط بسبب حقوق الإنسان أو الديمقراطية.
كما ستسعى القاهرة للاحتماء بحلفائها الإقليميين لاسيما إسرائيل والإمارات والسعودية من أجل تخفيف الضغوط عنها، والتأكيد دائما بأن بديل النظام الحالي هو الإخوان وما يشكلونه من خطر على إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
لكن أيضا قد يلجأ النظام في بعض الفترات وحفاظا على المساعدات الاقتصادية التي تقدمها واشنطن لمصر سواء العسكرية أو المدنية، وحفاظا على علاقته الاستراتيجية بالولايات المتحدة إلى الاستجابة لبعض الطلبات الأمريكية المتعلقة بحقوق الإنسان والتخفيف عن المعتقلين والمختفين قسريا، والإفراج عن بعض الوجوه الليبرالية البارزة، كما سيسعى للاحتماء بالمؤسسة العسكرية التي تربطها دائما علاقات خاصة مع البنتاجون.
بايدن والإخوان
لا يبدي بايدن عداء مبدئيا للمسلمين، بل إنه سعى كثيرا للتواصل معهم في الولايات المتحدة من أجل كسب أصواتهم ووجه لهم تسجيلا خاصا.
كما لا يبدو أن لديه تحفظات أيديولوجية في التعامل مع الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين.
بالتأكيد لديه القلق الذي يساور الساسة الغربيين بشكل عام من التوجهات الاستقلالية للإخوان، ومن إمكانية التأثير بشكل سلبي على المصالح الأمريكية إذا تولى الإخوان السلطة في بلد محوري كمصر، بالإضافة إلى التخوفات التقليدية من عدم احترام الأقليات المسيحية في أي تجربة إسلامية وتحويل الدولة شيئا فشيئا إلى دولة دينية ثيوقراطية والابتعاد عن الديمقراطية وما إلى ذلك.
تجربة الإخوان المسلمين خلال فترة حكم الدكتور مرسي، لم تكن مشجعة للإدارة الأمريكية في حينها لكنها في الوقت ذاته لم تكن سلبية بالمطلق، فقد مرت بفترات من الشد والجذب بين الطرفين، كان يمكن أن ينتهي إلى علاقة إيجابية لو لم يقطع الجيش الطريق بانقلابه على الشرعية.
ومن مراجعة المواقف المختلفة يمكن أن نرصد سعيا أمريكيا خجولا لمنع الانقلاب العسكري في مصر قبل حدوثه وإيجاد بدائل توائم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل والخارج، لكن حتى هذه المساعي لم تصادف إلا الفشل.
وبالبحث في تدوينات بايدن في حسابه بتويتر منذ 2007 وحتى اليوم، نجد أنه لم يذكر الإخوان في أي مرة من المرات، بينما ذكرهم ترامب 30 مرة قبل توليه السلطة، واتسمت جميع تدويناته حولهم بالتحريض والتحذير منهم ومن خطرهم على إسرائيل والمنطقة.
وفي هذا الإطار من المستبعد أن تستجيب إدارة بايدن للضغوط التي تمارس عليها من قبل النظام المصري وحلفاءه الإقليميين لتصنيف الإخوان كجماعة ارهابية، لاسيما أن ترامب ذاته، لم يتمكن من تنفيذ هذه الخطوة رغم حماسه لها، بسبب التعقيدات التي يمكن أن يتركها مثل هذا القرار على علاقات واشنطن بدول عربية واسلامية تشكل الحركات ذات الصبغة الإخوانية فيها مكونا أساسيا لا غنى عن التواصل معه، بالإضافة للتعقيدات المتعلقة بتأثير ذلك على المسلمين الأمريكيين وبعض مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية ذات الصبغة الإسلامية.
ننتهي إلى أن بايدن لا يبدي عداء مبدئيا للإخوان، لكن من المتوقع ألا تبدي إدارته حماسا لأي لقاءات رسمية مباشرة معهم أو مع أي من المعارضة المصرية حفاظا على علاقاتها بالنظام. ومن هنا فإن اللقاءات غير المباشرة بين الطرفين قد تكون الوسيلة المناسبة للتواصل، ومنها التواصل مع بعض أعضاء الكونجرس والمؤسسات غير الحكومية ومراكز الدراسات والجامعات ووسائل الإعلام الأمريكية.
ويظل هذا الافتراض بأن الإدارة الأمريكية ستكون متحفظة في التواصل المباشر مع الإخوان المسلمين والمعارضة المصرية بشكل عام طالما ظلت الأوضاع مستقرة في مصر، لكن الأمر قد يتغير إذا وجدت واشنطن أن نظام السيسي مهدد بصورة جدية.
المصادر:
[1] Will Dunham, A longtime fixture in U.S. politics, Biden finally wins elusive prize, Reuters. https://reut.rs/3p8qHTV
[2] عبدالله أحمد الكريوني، العلاقات المصرية الأمريكية في فترة ما بعد الثورة (2011-2014)، جامعة اسطنبول، رسالة ماجستير غير منشورة، 2020، ص 60 -61
[3] دكتور محمد كمال، هكذا تحدث بايدن، المصري اليوم، 24 أغسطس 2020. https://www.almasryalyoum.com/news/details/2017262
[4] دكتور محمد كمال، المرجع السابق.
[5] Humeyra Pamuk, Analysis: Biden presidency for Turkey would mean tougher U.S. stance but chance to repair ties, Reuters, NOVEMBER 7, 2020. https://reut.rs/3eEHoBF
[6] https://twitter.com/JoeBiden/status/1197354401754734593?s=20
[7] Marwa Rashad, Ghaida Ghantous, Jonathan Landay, Honeymoon over? Saudi Arabia-U.S. ties face reset with Biden win, OCTOBER 22, 2020, https://reut.rs/3n2U3Bh
[8] https://twitter.com/JoeBiden/status/1217604963825848320?s=20
[9] https://twitter.com/JoeBiden/status/1282419453939113989?s=20
[10] العربي الجديد، 7 نوفمبر 2020.
[11] عبدالله أحمد الكريوني، مرجع سابق. ص ص 106 – 121