المحتويات
مقدمة المترجم
مدخل
تزايد المصالح الصينية في المنطقة
حماية المصالح الصينية في الشرق الأوسط
النقاش الداخلي في الصين حول زيادة الانخراط في الشرق الأوسط
المنظومة الأمنية الجديدة للصين في الشرق الأوسط
- أولًا: مقترح الصين لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني
- ثانيًا: مقترح الصين لحل المشكلات الأمنية في الخليج
التأسيس لعالم ما بعد الهيمنة الغربية
تداعيات صعود الصين في المنطقة على الولايات المتحدة وحلفائها
توصيات للمسؤولين الأمريكيين وصانعي السياسات
مقدمة المترجم
لم يعد خافيًا أن الصين تحاول مزاحمة الولايات المتحدة على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وربما بدت آخر تمظهرات ذلك في الوساطة الصينية الناجحة في أحد أكثر نزاعات المنطقة تعقيدًا، بين السعودية وإيران.
ففي 10 مارس/ آذار 2023، أعلنت الرياض اتفاقها مع طهران على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، عقب مباحثات جرت في الصين مع الرئيس شي جين بينغ.
وفي هذا الصدد، آثر “مركز المسار للدراسات الإنسانية” استعراض الدور الصيني المتزايد في المنطقة، في محاولة لفهم طبيعته، وحدوده، والعقبات التي تعترضه، ومستقبله. هذا فضلًا عن تأثير هذا الانخراط الصيني المتعاظم في الشرق الأوسط على الولايات المتحدة وشبكة تحالفتها في الإقليم.
ولذا، يقدم “مركز المسار” ترجمة لورقة بحثية نشرها المجلس الأطلسي (Atlantic Council)، بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2023، للباحث المختص بدراسات الأمن والسياسة الخارجية الصينية، توفيا جيرنج، والتي جاءت تحت عنوان: “المنظومة الأمنية الجديدة للصين في الشرق الأوسط”.
ويُعد “المجلس الأطلسي” إحدى المؤسسات الفكرية الرائدة في العاصمة الأمريكية واشنطن، كما أن له صلات بدوائر الحكم في الولايات المتحدة. ومن هذه الزاوية، تمكن إحدى نقاط الأهمية في هذه الورقة، فهي قد تمثل وجهة نظر أمريكية مفصّلة حول دور الصين المتعاظم في الشرق الأوسط، والسبل المثلى للتعامل معه.
كما احتوت الورقة على رصد دقيق لتحركات الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والتجارية والثقافية، والمحافل التي جمعت الصين ودول المنطقة على مدار السنوات الماضية، فضلًا عن استعراضها للدور الصيني في قضايا تهم الأطراف الفاعلة في المنطقة، كأمن الخليج والقضية الفلسطينية.
وعلى هذا، اخترنا ترجمة هذه الورقة وإتاحتها للقراء والباحثين والمهتمين بالتنافس الأمريكي-الصيني على الشرق الأوسط، وأثر ذلك على دول المنطقة، آملين أن تشكل إضافة في هذا الإطار.
مدخل
تتناول الورقة اثنتين من القناعات السائدة حول طبيعة انخراط الصين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ينبغي إعادة النظر في الأمر في ضوء بعض التطورات الجوهرية.
القناعة الأولى هي افتراض كثيرين أن مصالح بكين في المنطقة تقتصر على أمن الطاقة والعلاقات الاقتصادية. لكن ستُظهر هذه الورقة كيف أن انخراط الصين في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة توسع ليشمل جميع المجالات.
ففي الواقع، عمدت الصين إلى تقوية روابطها الاستراتيجية وتوسيع تعاونها مع دول المنطقة، من خلال الاستثمار المكثف في “مبادرة الحزام والطريق”، فضلًا عن الاستثمار في البنية التحتية وتكنولوجيا المستقبل. ولدى قيامها بذلك، فإن بكين تسعى إلى تعزيز إستراتيجية التنمية الخاصة بها، بحيث تتكامل مع استراتيجيات التنمية التي تخص كل دولة في الإقليم.
أما القناعة الثانية التي ستتناولها الورقة فهي إعادة النظر في الفرضية القائلة بأنه لا يوجد بديل عن الهيمنة الأمنية والدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وستشرح الورقة كيف أن الصين توفر حاليًا بدائل أمنية محدودة، تقوض بشكل مباشر وغير مباشر الهيمنة الأمريكية، دون أن تستبدلها تمامًا.
علاوة على ذلك، ستوضح الورقة كيف أدى توسع حضور الصين إلى زيادة إصرارها على الانخراط بشكل أكبر في مجالات الأمن والسياسة في الإقليم، وبالأخص من خلال “مبادرة الأمن العالمي” والبنية الأمنية الجديدة للشرق الأوسط، التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ.
وسنبدأ هذه الورقة بتقديم تحليل شامل، يستعرض آخر تطورات الانخراط الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، وشعور بكين المتعاظم بحاجتها الملحّة للاضطلاع بهذا الدور. ثم سينتقل الحديث بعد ذلك إلى النقاشات الصينية الداخلية حول تعزيز الأدوار الأمنية والسياسية في المنطقة، حيث سنوضح أن زيادة الانخراط الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو ضرورة في نظر خبراء السياسة الصينيين.
وباستخدام الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وأمن الخليج كنماذج، فإننا سنكشف عن التفاوت الصارخ بين أقوال بكين وأفعالها. كما سنحدد ما قد تنطوي عليه الاستراتيجية الصينية في المستقبل، وتأثيراتها السلبية على ما تتفوه به الصين من أهداف حول السلام والأمن الإقليميين.
ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن الصين تفتقر حاليًا إلى القدرة والإرادة اللازمتان لأن تحل محل شبكات الردع والتحالف الأمريكية في المنطقة، والتي تتسم بالتكامل وطول الأمد، إلا أنه لا ينبغي التغاضي عن المبادرات الجديدة للصين، إذ يتزايد عزمها باضطراد على تقويض هيمنة الولايات المتحدة، وطرح تحديات للمقاربة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولحلفاء واشنطن وشركائها في الإقليم.
وتُختتم هذه الورقة بالتوصيات الرئيسية التالية المقدمة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة:
- تمكين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها من اتخاذ قرارات رشيدة فيما يتعلق بالبدائل الصينية، وتعزيز نهج إدارة المخاطر، مع الحد من أي آثار سلبية على الأولويات الاستراتيجية والمصالح الوطنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- تعزيز فعالية الشركاء والحلفاء الإقليميين، من خلال حثهم على إخبار بكين بكل وضوح أنهم لن يشاركوا في المبادرات الصينية التي تهدد المنظومة الأمنية الأمريكية، والتي تُعد ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
- السماح بإمكانية عمل كل من الصين والولايات المتحدة بصورة مستقلة لصالح المنطقة، بدلًا من أن يكون هدف واشنطن هو جعل شركائها وحلفائها يرفضون الخيارات الإنمائية الصينية في الشرق الأوسط.
- توسيع نطاق الحوار حول أهمية ألا يقتصر الدور الأمريكي في المنطقة على مسألة الأمن فقط، وهذا بالتزامن مع تبني نهجًا شفافًا وعلنيًا يهدف لتبديد الروايات المضللة حول الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ويُكذّب الزعم القائل بأن واشنطن تركز على الشؤون الأمنية فحسب.
تزايد المصالح الصينية في المنطقة
وصل شي جين بينغ، زعيم جمهورية الصين الشعبية، إلى المملكة العربية السعودية في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2022، لترأس ثلاث قمم، إحداها مع الدولة المضيفة، والثانية مع مجلس التعاون الخليجي، والأخرى مع قادة 21 دولة، من أصل 22 يشكلون “جامعة الدول العربية”، باعتبار تغيب سوريا.
وخلال الزيارة، وقّعت الصين والسعودية مذكرات تفاهم بعشرات مليارات الدولارات، كما توصل الجانبان إلى خطة تعاون شاملة تضم 182 إجراء تعاونيًا في 18 مجالًا، كالسياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار.
وبالإضافة إلى البيانات المشتركة الصادرة عن جميع الأطراف، اقترح “شي” ثمانية إجراءات رئيسية للتعاون البراغماتي بين الصين والدول العربية، تشمل 8 قطاعات منها التنمية والأمن، إلى جانب 56 مبادرة تعاونية نوعية. وعلى الرغم من أن جميع المشاركين لديهم أسبابهم الخاصة للمبالغة في تقدير أهمية الزيارة، فلا يمكننا إنكار مدى التقدم الذي قطعته العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقود الأخيرة.
فقد أكد الخلل في تدفقات الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، على الأهمية الاستراتيجية للطاقة التقليدية بالنسبة للأطراف الفاعلة حول العالم. أما العالم العربي، فقد ازدادت أهميته، على وجه الخصوص، بالنسبة للصين، التي هي مستورد صاف للطاقة منذ عام 1993.
فلا تزال الصين أكبر مستهلك للوقود الأحفوري في العالم، حيث تستورد أكثر من 70 بالمئة من نفطها و40 بالمئة من غازها الطبيعي، وتأتي خُمس هذه الإمدادات من السعودية فقط.[1] وقبل زيارة “شي” مباشرة، وقعت الصين وقطر اتفاقية بقيمة 60 مليار دولار لتزويد الصين بـ 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا، لمدة 27 عامًا.
ولكن على مدى العقد الماضي، نمت مصالح الصين في الشرق الأوسط لما هو أبعد من أمن الطاقة، حيث أصبحت أكبر شريك تجاري للعالم العربي منذ عام 2020، مع تجاوز قيمة التبادل التجاري 330 مليار دولار عام 2021،[2] كما كانت بكين أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط حين زار “شي” المنطقة للمرة الأولى في عام 2016، بقيمة 29.5 مليار دولار، بما في ذلك مشاريع البناء. وهذا بالرغم من أن ما نذكره من منحنى صاعد في الاستثمارات قد تباطأ بشكل حاد، مع استقرار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عند حوالي 5.5 مليار دولار منذ عام 2009.[3]
وفي مارس/ آذار 2021، وقعت الصين وإيران اتفاقية مدتها 25 عامًا كجزء من شراكتهما الاستراتيجية الشاملة، ما أثار الكثير من الجدل في الغرب. لكن على مدار سنوات، وقعت الصين شراكات استراتيجية مماثلة مع 12 دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أنها تتمتع بعلاقات ودية لا نظير لها مع جميع الأطراف في تلك المنطقة التي مزقتها الصراعات، بما في ذلك خصوم طهران.
والتزمت الصين بالحفاظ على “التوازن الإيجابي” في تعاملها مع المنطقة، أي “عدم الانحياز لأحد الأطراف أو صنع عداوات”، حسب وصف الأستاذ بجامعة بكين ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط، وو بينغبينج.[4]
وهذا يتفق مع سياسة “عدم التدخل”، التي تنتهجها الصين منذ أمد بعيد. ومع ذلك، فإن بكين باتت تُظهر استعدادًا متزايدًا للمشاركة في الوساطة الأمنية في العراق وليبيا والسودان واليمن والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.[5]
وعلى وجه الخصوص، أظهرت الصين انخراطًا نشطًا في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمفاوضات المتعثرة لإحيائه.[6] كما أنها لم تتورع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 10 مرات لإحباط المبادرات الغربية ضد نظام بشار الأسد في سوريا، الأمر الذي أثار قلق جيرانها.
وبالمناسبة، فقد انضمت سوريا، في أوائل عام 2022، إلى 19 دولة عربية أخرى مشارِكة في مبادرة الحزام والطريق. وفي عام 2021، أفادت تقارير بأن العراق أصبح الوجهة الأولى للمبادرة الصينية، حيث تلقى عقودًا بـ 10.5 مليار دولار ما يشير إلى زيادة ثقة الصين بالمنطقة.[7]
وحتى الآن، اكتمل العمل في أكثر من 200 مشروع ضخم للبنية التحتية والطاقة في المنطقة منذ أن أعلن الزعيم الصيني عن مبادرة الـ”تريليون دولار” عام 2013.[8] وعلى الرغم من كل التحديات الضخمة التي تعترض التنفيذ، فقد تحققت العديد من أهداف “الربط الثابت” و”الربط الناعم” لمبادرة الحزام والطريق.[9]
وتتقاطع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع الموانئ التي أنشأتها الصين أو مولتها، والسكك الحديدية، والطرق السريعة، ومحطات الطاقة، وخطوط الأنابيب، ونقاط الاستدلال، وحتى مع مدن بأكملها. واستفاد الجميع من هذه الإنشاءات، وتحدثوا عن المجمعات الصناعية والموانئ ومناطق التجارة الحرة التي تقودها الصين، وتربط الشرق بالغرب، من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط.[10]
وعلاوة على الإنشاءات الهندسية، أرست الصين، على مدار العقد الماضي، الأسس اللازمة للبنى التحتية وتقنيات المستقبل، حيث شكلت شبكة من “طرق الحرير” تغطي مجالات متعددة، منها: المجالات الرقمية والبيانات، وشبكات المدن الذكية، وكابلات الألياف الضوئية البحرية، واتصالات 4G و5G، والذكاء الاصطناعي (AI)، والحوسبة السحابية والكمية، ومراكز تصنيع وتوزيع اللقاحات في القطاعات الصحية، هذا فضلًا عن الفضاء الخارجي من خلال إطلاق الأقمار الصناعية المشتركة، والاستكشافات القمرية، والتعاون في “نظام بايدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية”، وطريق الحرير الأخضر الذي يساعد على وقف اعتماد المنطقة على الوقود الأحفوري من خلال استغلال تقنيات الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، والطاقة النووية.[11]
كما شهدت السنوات الأخيرة، تدفقًا مستمرًا من الزيارات الدبلوماسية بين دول الشرق الأوسط والصين. وهناك عدد لا يحصى من المنتديات الدولية والمعارض التجارية ومذكرات التفاهم والحوارات التي تعزز هذه الزيارات.
ومن نافلة القول أن هذه الخطوات تسهل تحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق في التواصل السياسي، والتجارة، والتكامل المالي، والعلاقات بين الشعوب. والأهم من ذلك هو أن القيادة الصينية ملتزمة بدمج مبادرة الحزام والطريق مع استراتيجيات التنمية التي أطلقتها عدة دول في الإقليم، مثل الرؤى الخاصة بكل من السعودية وقطر ومصر لعام 2030، ما يزيد من ربط مصير تلك البلدان بمصير الصين.[12]
ولقد اعتادت الصين رؤية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كشريك في مواجهة ما تعتبره نفوذًا غير مستحق من قِبل الدول الواقعة في النصف الشمالي من العالم.[13]
ولا تتجلى هذه النظرة في منطقة ما، بقدر ما تتجلى في المناطق المحيطة بما تعتبره بكين مجال “مصالحها الاستراتيجية” مثل تايوان، وهضبة التبت، وهونغ كونغ، وإقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية). وعندما تحتفي “منظمة التعاون الإسلامي” بوزير خارجية الصين، فإن الاتهامات الموجهة للصين – حول الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية- تفقد تأثيرها.[14]
حماية المصالح الصينية في الشرق الأوسط
وهكذا، نمت مصالح الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير، كما نمت رغبتها في حماية تلك المصالح.[15] والحالة الأكثر وضوحًا في ذلك برزت عندما تقطعت السبل بـ35 ألف مواطن صيني في ليبيا، تعرضت حياتهم للخطر خلال ذروة الربيع العربي.
هذا الحدث سلط الضوء على المخاطر المحدقة بمليارات الدولارات من الاستثمارات وضعتها الشركات والبنوك الصينية الحكومية في المنطقة. فبعد سلسلة من جرائم القتل والاختطاف للمغتربين والبحارة الصينيين، قام جيش التحرير الشعبي الصيني – بمرافقة أكثر من 7 آلاف سفينة صينية وأجنبية في 41 فرقة عمل منذ عام 2008- بشحذ خبرات وقدرات البحرية الصينية في هذه العملية.[16]
وبالنسبة لدولة لم تخض حربًا منذ أواخر السبعينيات، فإن مشاركة الصين في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة توفر للجيش الصيني “تدريبات عملية” قيّمة، حيث تساهم بكين بأكثر من 50 ألف فرد في 29 عملية حفظ سلام سابقة وجارية، اعتبارًا من عام 2021.[17]
وفي عام 2017، أنشأ جيش التحرير الشعبي أول قاعدة عسكرية خارجية له في جيبوتي، على مرمى حجر من “معسكر ليمونير” التابع للجيش الأمريكي، الذي هو بمثابة العصب المركزي لقوة المهام المشتركة في منطقة القرن الأفريقي. وبسعة قصوى تصل إلى 7 آلاف شخص، تعمل “قاعدة الدعم اللوجيستي” دون توقف لتوسيع مرافقها ومراسيها في المياه العميقة، ولاستيعاب الطائرات والسفن اللازمة لاستعراض القوة.[18]
وبينما نفى المسؤولون الصينيون التقارير التي تحدثت عن تخطيط الصين لإنشاء قواعد عسكرية في الخليج العربي وخليج عمان، ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن جيبوتي هي مجرد خطوة أولى في مسار التوسع العسكري للصين.[19]
وهناك نموذج طُوّر حديثًا، يعمل على تحديد المناطق التي قد تنشئ فيها الصين قواعد جديدة، بناءً على استحسانها ومدى تقديرها لجدوى إنشاء قواعد في هذه المناطق. ووفق هذا النموذج، فقد جاءت عُمان، والبحرين، والسعودية، وإيران، واليمن، في الفئة ذات الاحتمال المتوسط، بينما جاءت مصر، والكويت، وقطر، والإمارات، في الفئة ذات الاحتمال المنخفض في أن تتطلع الصين إلى إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها.[20]
وعلى الرغم من أن الأرقام تظهر بوضوح أن دول المنطقة تفضّل الأسلحة الغربية الصنع، فقد زادت صادرات الأسلحة الصينية أيضًا. فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، استحوذت الولايات المتحدة على أكثر من نصف جميع واردات الأسلحة في الشرق الأوسط بين عامي 2017 و2021، مقارنة بنسبة 12 بالمئة لفرنسا و 11 بالمئة لروسيا.
وعلى العكس من ذلك، فإن صادرات الصين العسكرية إلى الشرق الأوسط تتمثل في نسبة من خانة واحدة فقط، على غرار صادراتها العالمية. إذ تعد الصين رابع أكبر مصدر للأسلحة، بنسبة 4.6 بالمئة من مجموع الصفقات العسكرية حول العالم، ويذهب نصف هذه النسبة إلى باكستان المجاورة.[21]
ومع ذلك، فإن التوترات التي حدثت خلال العقد الماضي مع الولايات المتحدة والغرب شجعت دول الشرق الأوسط على تقليل اعتمادها على غيرها في مسائل الأمن، وتنويع مصادر إمداداتها. وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحًا بعد أن أوقفت الولايات المتحدة تصدير الطائرات المُسيّرة والطائرات المقاتلة في السنوات الأخيرة، ما عزز جهود مبيعات الصناعات العسكرية في الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإسرائيل بشكل كبير.
وهذا ما يفسر سبب زيادة صادرات الصين إلى السعودية والإمارات بنسبة 290 بالمئة و77 بالمئة على التوالي في السنوات الخمس الماضية، على الرغم من الانخفاض في صادرات الدفاع الصينية بشكل عام، بسبب وباء كورونا.[22]
علاوة على ذلك، فقد زادت العروض الصينية لبيع المعدات العسكرية من حيث الكيف والكم معًا. فقد أصبحت للصين أفضلية على روسيا والغرب في بعض الأسلحة والأنظمة، وهو ما قد يفسر سيطرة بكين على 80 بالمئة من حصة سوق الأسلحة في منطقة آسيا وأوقيانوسيا.[23] حتى إن الصين تجاوزت روسيا فيما يخص الأسلحة الصغيرة وأشباه الموصلات والطائرات المقاتلة الشبح وحاملات الطائرات والأقمار الصناعية.
وتستفيد القوة الصاروخية التابعة للجيش الصيني أيضًا من الإمدادات المحلية، وتعد قدرات الصين الصاروخية بعيدة المدى من بين الأفضل في العالم. وفي السنوات الأخيرة، برزت بكين أيضًا كرائد في تطوير الطائرات المسيّرة، والطائرات الفرط صوتية، والمركبات الجوية غير المأهولة (UAVs)، كما أنها تدخل تدريجيًا سوق الطائرات المأهولة بمحركات منتجة محليًا.
كذلك، تتحكم أحواض بناء السفن العسكرية والتجارية الصينية في سلسلة التوريد البحرية بأكملها، بما في ذلك السفن والصهاريج والرافعات، وذلك بفضل أكثر من 130 مليار دولار من الدعم الذي قدمته الدولة الصينية خلال العقد الماضي فقط.[24]
أضف إلى ذلك أن الطائرات المسيّرة الصينية شقت طريقها إلى الحرس الثوري الإسلامي ووكلاء إيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان،[25] واستفاد خصوم طهران أيضًا من هذه المسيرات. ففي مارس/ آذار 2022، وقّعت السعودية والصين اتفاقية ضخمة لإنشاء أول مصنع للطائرات المسيّرة في المملكة، كجزء من جهد وطني لتحويل نصف إجمالي الإنفاق العسكري إلى الإنتاج المحلي بحلول عام 2030.
وعلاوة على ذلك، فقد كشفت صور الأقمار الصناعية والمصادر الاستخباراتية في أواخر عام 2021 أن الصين تساعد السعودية بشكل حثيث في التطوير المحلي للصواريخ الباليستية، بعد ما يقرب من عقد من مساعدتها لإيران في إنشاء مشروع مماثل يهدف لتصنيع صواريخ مضادة للسفن. كما باعت الصين طائرات ومسيّرات وصواريخ لجيوش كل من الإمارات، ومصر، والعراق، والأردن، وتركيا، والمغرب، والجزائر.
وزادت الزيارات والمناورات العسكرية في السنوات العشر الماضية، وإن كانت لا تزال على نطاق أضيق بكثير من نظيرتها الأمريكية. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أجرى الجيش الصيني مناورات بحرية مشتركة لمدة ثلاثة أسابيع مع أكبر مورد نفط له، السعودية ، وسرعان ما أعقبه تدريب ثلاثي مع إيران وروسيا.
كذلك، أجرى الجيش الصيني مناورات بحرية أخرى مع موسكو وطهران في خليج عمان والمحيط الهندي أوائل عام 2022. ووصل وفد عسكري صيني رفيع المستوى برئاسة الجنرال وي فنغي، عضو مجلس الدولة الصيني ووزير الدفاع، إلى إيران أواخر أبريل/ نيسان 2022، بالتزامن مع تعثر مفاوضات الاتفاق النووي.
وأصدرت الصين والسعودية، خلال زيارة “شي” في ديسمبر/ كانون الأول 2022، بيانًا مشتركًا أكد على أهمية توسيع التعاون الثنائي في المجالين العسكري والأمني، والتركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين. وفي نفس القمة، صرحت بكين أنها ستساعد الدول الخليجية في الحفاظ على أمنها، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتطوير بنية أمنية جديدة وشاملة في الخليج.
وخلال القمة الصينية-العربية، أعلن الرئيس “شي” عن 8 مبادرات تعاون رئيسية، بما في ذلك تعزيز الحوار الاستراتيجي والاتصالات بين الجيوش، وتعزيز العلاقات الثنائية بين وزارات الدفاع والأمن، وتوسيع مجال المناورات المشتركة.[26]
بالإضافة إلى ذلك، تتعاون الصين مع دول الشرق الأوسط بشكل متزايد في مجال الأمن غير التقليدي. فإلى جانب الجهود المشتركة لمحاربة وباء كورونا وتغير المناخ، كان هناك ارتفاع في التدريب المشترك بشأن مكافحة الإرهاب، والتعاون في مجال الأمن السيبراني والرقمي، وفق ما توضح “مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات” الموقعة عام 2021.[27]
وناقشت القمم الثلاث التي عُقدت في السعودية إمكانية قيام الصين بإجراء تدريب على أمن الشبكات لـ1500 عربي.[28] كما ناقش المجتمعون مسألة التعاون في مكافحة الجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتنسيق الجهود، وتبادل المعرفة في مجالات استخبارات مخاطر الإنذار المبكر، وتقييم المخاطر الأمنية والوقاية من الجرائم الإلكترونية.[29]
وقد تندرج التقنيات ذات الاستخدام المزدوج أيضًا ضمن اختصاص التعاون الأمني. ويصح هذا بالأخص في ضوء “أمننة الإبداع” في عهد “شي”، والتركيز الذي أعطاه لمجالات الفضاء والبيانات والاتصالات خلال زيارته الأخيرة للخليج. وفضلًا عن ذلك، فقد اتجهت معظم الأنظار إلى شركة الاتصالات العملاقة “هواوي”، والبنية التحتية المتقدمة التي تؤسسها في الخليج وإيران.
وفي الأسبوع الذي سبق زيارة “شي”، أعلنت “هواوي” – التي تواصل إنكار علاقاتها بالصناعات العسكرية وأجهزة الاستخبارات في الصين- عن الانتهاء من إرساء البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس للإنترنت في المملكة، كما وُقعت مذكرة تفاهم بشأن تقنيات الحوسبة السحابية، وبناء مجمعات عالية التقنية في المدن السعودية.
وتُعد “هواوي” شركة ضرورية أيضًا لتحقيق الجزء الأكثر طموحًا في طريق الحرير الرقمي، من خلال كابل الألياف الضوئية البحري المعروف باسم “بيس (PEACE)”. فبالإضافة إلى لعب دور حاسم في الاقتصاد الرقمي الناشئ، يتمتع الكابل بإمكانية “قطع أو تعطيل أو تحويل أو مراقبة” المعلومات التي تمر من خلاله.[30]
أما النقطة الرابعة، فقد تناولت مجال الطيران والفضاء، ومنها الالتزام بتنفيذ سلسلة من مشروعات الاستشعار عن بعد والاتصالات عبر الأقمار الصناعية في الخليج، وكذلك استغلال موارد الفضاء وتوسيع البنية التحتية الفضائية.
وعلى الرغم من كون ذلك موجهًا لأغراض مدنية فيما هو معلن، إلا أن مثل هذا التعاون يمكن أن يكون له تطبيقات عسكرية صريحة. فعلى سبيل المثال، تتمتع إيران وباكستان بإمكانية الوصول الحصري إلى المعلومات ذات الطابع العسكري من نظام بايدو (BeiDou) للملاحة عبر الأقمار الصناعية، مما يحسن من قدراتهما الاستخبارية وأسلحتهما فائقة الدقة.[31]
والجدير بالذكر أن “الحرب العالمية على الإرهاب” مكّنت الحزب الشيوعي الصيني من تبرير سياساته الوحشية ضد الأقليات المسلمة. إذ تزعم المصادر الصينية أنه منذ التسعينيات، شُنّت آلاف الهجمات الإرهابية في مناطق الأقليات العرقية بالصين، ووثقت مصادر أجنبية وجود مسلمين صينيين متشددين، في جميع أنحاء آسيا الوسطى والعراق وسوريا.
وتشعر القيادة الصينية – التي يُفترض أنها علمانية- بالقلق من أن يزحف التطرف والنزعة الانفصالية من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أراضيها، كما يساورها القلق أيضًا بشأن تعرض مواطنيها ومشاريعها خارج حدودها للخطر، ما يدفعها للاهتمام بمسار التعاون مع الدول العربية والعالم الإسلامي في مكافحة الإرهاب، من منطلق أن ذلك ضرورة وطنية صينية يحتمها الواقع.
وخلال السنوات الأخيرة، وقّعت بكين اتفاقيات تعاون، ودربت مسؤولين أمنيين، وباحثين، وعسكريين، وأنشأت فروعًا لأكاديميات وكليات جيش التحرير الشعبي الصيني.[32] وعلاوة على ذلك، تشترط الصين في علاقاتها مع دول المنطقة الدعم العلني لسياستها في إقليم “شينجيانغ (تركستان الشرقية)” في المحافل الدولية، وكذلك تسليم الأقليات الصينية المسلمة والمعارضين لسياساتها الموجودين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.[33]
ومن الملاحظ أن غالبية نشاط الصين يتم على أساس ثنائي، لكنها عززت أيضًا وجودها في المحافل متعددة الجنسيات على مدى العقد الماضي. فعلى سبيل المثال، نجد الصين عضوًا مؤسسًا في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.[34] والأبرز من ذلك هو دورها القيادي في “منظمة شنغهاي للتعاون” التي تتشارك بكين في رئاستها مع موسكو، وتضم أعضاء آخرين كالهند ودول آسيا الوسطى.
وعلى الرغم من أن أنشطة منظمة شنغهاي محدودة للغاية بسبب تضارب المصالح بين مختلف الدول الأعضاء، وقعت إيران اتفاقية، في سبتمبر/ أيلول 2022، تسمح لها بأن تصبح عضوًا رسميًا بالمنظمة بحلول أبريل/ نيسان 2023، ما يمنح نظامها وصولًا أسهل إلى التمويل والتكنولوجيا الصينية، ويسهل التواصل مع دول آسيا الوسطى.
وفي الشهر نفسه، التزمت الصين لأول مرة بتدريب ألفي فرد أمني من دول منظمة شنغهاي على مدى السنوات الخمس المقبلة، بعد أن دربت آلاف العسكريين من إفريقيا على مدى العقد الماضي، ما يشير إلى احتمالية أن يشمل التوسع المستقبلي للخطة دولًا شرق أوسطية أخرى.[35]
وبتعبير آخر، فقد أظهرت الصين في غضون سنوات قليلة أنها لم تعد “قوة ثانوية”، بل باتت لاعبًا رئيسيًا حقيقيًا في الشرق الأوسط، لديه استعداد للانخراط على جميع الجبهات لتحقيق مصالحه.[36] ويرى خبراء في كل من الصين والشرق الأوسط حاليًا أن درجة التعاون في بعض هذه الجبهات غير كافية، ويحثون بكين على لعب دور سياسي وأمني أكبر، يناظر ما تملكه من قوة وطنية شاملة حديثة.
النقاش الداخلي في الصين حول زيادة الانخراط في الشرق الأوسط
حتى الآن، تركز سياسة الصين في الشرق الأوسط على التنمية و”التعاون القائم على المصالح المتبادلة” فقط. وفي المجالين الأمني والسياسي، التزمت الصين بالأهداف القريبة والمتيسرة، مثل مكافحة القرصنة، والمشاركة في عمليات حفظ السلام، ولعب دور الوساطة في النزاعات، على أن يحظى هذا الدور بإجماع دولي واسع.
لكن يحاجج كبار المفكرين العسكريين الصينيين أن بلادهم “لا تريد أن تكون شرطي العالم”.[37] كما يتفق معظم المحللين على أنه بكين لا تنوي – فيما يبدو- أن تحل محل واشنطن باعتبارها القوة المهيمنة القادمة في الإقليم، إذ أن لديها ما يكفي من التحديات اللصيقة بحدودها.
ومع ذلك، فقد تغيرت أولويات الصين. إذ يعتقد الرئيس “شي” أن العالم يمر “بتغيرات ضخمة لم نشهدها منذ قرن من الزمان”، مع صعود الشرق وتراجع الغرب، مؤكدًا أن “الوقت والزخم في صالح الصين”.[38] ومع قيام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وحفاظ “شي” على منصبه بسلاسة كقائد أعلى للدولة لعدد لا محدود من الفترات، فإن فكر الرئيس الصيني حول “دبلوماسية العصر الجديد” وُجد ليبقى. وفي هذا، يهدف “شي” بشكل صريح إلى تغيير الحوكمة العالمية بروح من النضال الدؤوب.
وتقترن هذه التعبئة مع طموح الحزب الشيوعي الصيني في الذكرى المئوية لـ”إحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية”، وتزايد المصالح التي تجنيها الصين في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ما دفع كبار الخبراء الصينيين لمناقشة ما إذا كان ينبغي على بكين التخلي عن موقفها “المريح والمتحفظ نسبيًا” ورفع الرهان في القضايا السياسية والأمنية، على حد تعبيرهم.[39]
فمن جانبه، يرى الدبلوماسي الصيني السابق والخبير في العلاقات الصينية-الروسية، يانغ تشينغ، أنه “على المدى البعيد، قد تكون الصين قادرة على العمل مع دول الشرق الأوسط بشأن القضايا الأمنية، حتى أنها لربما تصبح مزودًا رئيسيًا للسلع المتعلقة بالأمن”. وفي حديثه خلال مناقشة في جامعة بكين حول الاتجاهات الجيوسياسية في أعقاب حرب أوكرانيا، أكد “تشينغ” أن وجهة النظر السائدة في أوساط الخبراء الصينيين تدعم انخراطًا أوسع لبكين في شؤون المنطقة.[40]
ويُعد تقاسم الأعباء أحد الحجج الرئيسية التي تدفع لصالح انخراط الصين بشكل أوسع في الشرق الأوسط. وتزداد توقعات الدول الإقليمية لأن ترقى بكين إلى مكانة “القوة العظمى المسؤولة”، حتى إن البيت الأبيض يأسف من حين لآخر على “الاستفادة المجانية” للصين من السلع العامة، التي توفرها المظلة الأمنية الأمريكية عبر حماية أهم خطوط الملاحة العالمية.
كذلك، فإن واشنطن تحذّر حلفائها طوال الوقت من أن العمل عن كثب مع بكين في مسائل أمنية، قد يعرض تعاونهم مع واشنطن للخطر.[41] وبدورهم، يستخدم الصقور العسكريون في الصين نفس خطوط الملاحة البحرية لتسليط الضوء على الضعف الاستراتيجي لبلدهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وللضغط على قادتهم من أجل انخراط أمني أكبر في المنطقة.
ويؤكد هؤلاء العسكريون أنه عندما تتدهور العلاقات الصينية-الأمريكية، فإن البحرية الأمريكية ستحرص بكل تأكيد على إغلاق الممرات البحرية المتعددة في الشرق الأوسط، والتي يُنقل من خلالها ثلثي تجارة النفط العالمية، كقناة السويس ومضيقي باب المندب، وهرمز.[42]
علاوة على ذلك، فإن المنافسة بين القوى العظمى موضوع متكرر في المناقشات الصينية، فعلى سبيل المثال، يعتقد البروفيسور وانج لينكونج، نائب المدير العام بمعهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بالصين (CASS)، أن الولايات المتحدة تضغط على حلفائها في الشرق الأوسط “للانحياز لطرف من الأطراف”.[43] كما يرى زملاؤه وصانعو سياسات بكين أن التطورات الأخيرة في الخليج هي جزء من “لعبة القوة العظمى الاستراتيجية” التي تديرها الولايات المتحدة بهدف “دمج الشرق الأوسط في عملية احتواء الصين”.[44]
ومن جانبها، تشعر دول الشرق الأوسط بالإحباط من الولايات المتحدة “لتخليها” عن المنطقة التي مزقتها الحرب لصالح تطلعها نحو آسيا، ومنافسة بكين على “الفوز بالقرن الحادي والعشرين”.[45] ويؤكد صانعو سياسات بكين ووسائل الإعلام الرسمية التابعة للحزب الشيوعي – الذين يدركون تمامًا أبعاد هذا الإحباط- أنه لم يكن هناك أبدًا “فراغ في السلطة” في الشرق الأوسط، وأنه لا توجد حاجة لـ”بطريرك أجنبي” يتطفل في هذا الشأن.[46]
وهذا لا يمنعهم من الإشارة إلى الافتقار لآليات السلام والتنمية الإقليمية، أو الدعوة إلى زيادة التعاون باستخدام “الحكمة الصينية والحلول الصينية” لسد مواطن الضعف. وعبر استخدامهم لكلمات الرئيس الصيني، يكتب المفكرون الصينيون كثيرًا عن أن الشرق الأوسط هو أحد أكثر المناطق حول العالم التي تعاني من أكبر “عجز أمني وتنموي”. وتعتقد الصين أن هذين النوعين من العجز هما “السبب العميق للتطرف المستشري في المنطقة”.[47]
علاوة على ذلك، يرى المنظرون الصينيون أن الاعتراف بمثل هذه “الحقائق” قد مكّن بلادهم من التغلب على الفقر المدقع، وساعدها على الارتقاء لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم في أقل من 40 عامًا. وبفضل “النظرة العلمية” التي يتبناها الحزب الشيوعي الصيني، والتقدم الصيني في مجال الأمن والتنمية خلال تلك الفترة، تمكن الحزب من تحديد مشاكل العالم بدقة. ومثل أي طبيب ماهر، يريد الآن تقديم “الوصفات الصينية” أو “الخطوات اللازمة” لبناء عالم ما بعد الجائحة.[48]
ولأنها تركز بشكل كامل على الدول النامية، فإن الشرق الأوسط بالنسبة للصين منصة مثالية لنشر نموذجها، ولتطبيق رؤية الرئيس “شي” في “بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية”.[49]
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف ستبدو ملامح هذا الانخراط الصيني المتزايد في الشرق الأوسط؟ وماذا يعني هذا للمنظومة الأمنية الأمريكية؟
المنظومة الأمنية الجديدة للصين في الشرق الأوسط
في 21 سبتمبر/ أيلول 2022، حضر عضو مجلس الدولة الصيني، وزير الخارجية في ذلك الوقت، وانغ يي، حفل افتتاح الدورة الثانية من “منتدى أمن الشرق الأوسط”، تحت عنوان “بناء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط”.[50] ونظم معهد الصين للدراسات الدولية (CIIS)، التابع لوزارة الخارجية الصينية، المنتدى، الذي عُقد أيضا عبر الإنترنت، حيث دُعي أكثر من سبعين ضيفًا بارزًا من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك قادة دول ودبلوماسيين سابقين.
واستغل الوزير الصيني هذا المنتدى لكشف النقاب عن اقتراح من أربع نقاط لتنفيذ الإطار الصيني المقترح، والذي يشمل التمسك “بمفهوم أمني جديد” يقوم على أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، وترسيخ المكانة القيادية لدول الشرق الأوسط (بدلًا من اللاعبين المتطفلين على المنطقة)، والالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز الحوار حول الأمن الإقليمي.
وهنا، ينبغي ألا نخلط بين طرح “وانغ” المكون من نقاط أربع، وطرح آخر مكون من نقاط أربع كذلك، ومتداخل إلى حد ما، قدمه نائبه، دينغ لي، الذي كان المتحدث الرئيسي في هذا المنتدى.[51] كما يجب أن نفرق بينه وبين المقترحات السابقة متعددة المحاور، التي قدمتها الصين للمنطقة في السنوات الأخيرة، مثل مقترحها لحل الأزمة السورية، وأربعة مقترحات أخرى متعلقة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.[52]
وقد لخص المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، ما طرحته الصين من مقترحات للوساطة في صراعات الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، في هذا الشكل: “5 + 4 + 3 + 2 + 1”. فهناك مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل عام، ومقترح من أربع نقاط كحل سياسي للأزمة السورية، ورؤية من ثلاث نقاط لتطبيق حل الدولتين في القضية الفلسطينية.[53]
كما أطلق الرئيس الصيني، مبادرة الأمن العالمي (GSI)، في أبريل/ نيسان 2022، بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا. وأوضح وزير الخارجية الصيني حينها أهمية هذه المبادرة في الحفاظ على السلم العالمي، ومنع نشوب الصراعات والحروب، ودعم التعددية والتضامن الدولي، و”بناء عالم أفضل يتجاوز الوباء”.[54]
وخلال خطابه الرئيسي في القمة التي جمعت الصين بدول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، دعا “شي” الدول الإقليمية للانضمام إلى “مبادرة الأمن العالمي”، قائلًا إن “الصين ودول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يكونا شركاء في سبيل أمنهم المشترك”.[55]
والجدير بالذكر أن “مبادرة الأمن العالمي” ترتبط ارتباطًا وثيقًا بـ”مبادرة التنمية العالمية” التي أطلقها “شي” في سبتمبر/ أيلول 2021. وهي تستند إلى قناعة راسخة لدى القيادة الصينية الماركسية بأن “التنمية هي المفتاح الرئيسي لحل جميع المشكلات”، بما في ذلك الصراعات المستحكمة على السيادة، أو تلك القائمة على أسس دينية أو سياسية أو عرقية.[56] ومنذ ذلك الحين، أعربت 17 دولة عربية عن دعمها لـ”مبادرة التنمية العالمية”، وانضمت 12 دولة إلى ما يسمى بـ”مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية”.
وتشكل هاتان المبادرتان (التنمية والأمن) البرنامج العملي للرئيس الصيني نحو إعادة تشكيل الحوكمة العالمية، جنبًا إلى جنب مع دعوته الواضحة إلى “بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية”، ومبادرة الحزام والطريق.[57]
هذه الرؤية الصينية الجديدة ستتبلور في العديد من مناطق العالم المختلفة. فوفقًا لبيان الخارجية الصينية حول زيارة “شي” إلى السعودية، فقد أوضح الزعيم الصيني “المسار المستقبلي لإقامة مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك”، والذي وصفه المتحدث باسم الخارجية الصينية بأنه “مخطط رفيع المستوى لتطوير العلاقات الصينية-العربية”.[58] وعلى نفس المنوال، فإن المنتدى الذي أقيم مؤخرًا – والذي وصفه الجانب الصيني بصورة طنانة على أنه “نجاح كامل بتوافق واسع”- هو مجرد جزء بسيط أو مقدمة لما هو آت.
ورغم ذلك، فإنه عند إمعان النظر، نجد أن استراتيجية الصين في الشرق الأوسط لا تزال متخلفة بصورة يُرثى لها عندما يتعلق الأمر بمعالجة الاحتياجات الأمنية الفعلية. ويتجلى هذا الأمر أكثر ما يتجلى في اثنتين من أكثر القضايا الشائكة في الشرق الأوسط: عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، وأمن دول الخليج.
أولًا: مقترح الصين لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني[59]
أشار المراقبون الصينيون إلى أن رحلة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة في يوليو/ تموز 2022، جعلته أول رئيس أمريكي منذ عقود يفشل في تقديم مقترح لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وقارن هؤلاء المراقبون بين “تقاعس” الولايات المتحدة من جهة، وجهود بكين المستمرة لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المناقشات الدولية من جهة أخرى، مؤكدين أنه “لا ينبغي تهميشها، ناهيك عن نسيانها”.[60]
وفي الواقع، يصر صانعو السياسات في الصين، بمن فيهم الرئيس “شي” نفسه، على أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو القضية “الأساسية” التي تؤثر على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. كما أن ممثل بكين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، يثير هذه القضية كل شهر على مدار العام، كما لو كان مبرمَجًا على ذلك.[61]
إن هناك ثلاث مشكلات في مقاربة الصين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. أولها هو انفصال الصين عن التطورات الجارية في الإقليم. فبموجب “اتفاقيات أبراهام” التي رعتها الولايات المتحدة، طبّعت أربع دول إسلامية – الإمارات والبحرين والمغرب والسودان- علاقاتها مع إسرائيل.
ورغم وقوع جولتي قتال مع قطاع غزة خلال العامين الماضيين، صمدت الاتفاقات أمام اختبار الزمن، الأمر الذي هيأ الساحة لسابقة في تاريخ العلاقات العربية-الإسرائيلية، بعقد قمة النقب التاريخية، في مارس/ آذار 2022، بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والإمارات والمغرب والبحرين.
وتشير هذه التطورات إلى أن حل الدولتين ليس شرطًا أساسيًا للازدهار الإقليمي وأن القضية “المحورية” في أذهان القادة الإقليميين هي ضمان سلامهم وازدهارهم هم، وهو ما تعرّضه إيران وأذرعها للخطر.
وتدرك هذه الدول أن الظروف السياسية الحالية لدى الإسرائيليين والفلسطينيين لا تسمح بإقامة حل الدولتين. وفي كل الأحوال، ينبغي ألا يمنعهم ذلك من الحفاظ على علاقات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل، باعتبارها لاعبًا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة، وحليفًا وثيقًا للولايات المتحدة.
وعلى نفس المنوال، لم يعد من المتصور تحميل إسرائيل وحدها المسؤولية عن مصير الفلسطينيين، حيث إن السلطة الفلسطينية، الضعيفة اليد، فقدت سيطرتها على غزة، كما أن قبضتها على السلطة سرعان ما تتآكل، وبدورها، تملأ “الجماعات الإرهابية” هذه الفجوات.
وبشكل لم يكن متصورًا قبل عقد من الزمان، اجتاحت موجة التطبيع أيضًا دولًا لها موقف تقليدي مؤيد للفلسطينيين، وأدت لتغيير نمط تصويتها المناهض لإسرائيل في الأمم المتحدة، كالهند.[62] وكنتيجة لهذا التقارب الهندي-الإسرائيلي، شُكلت مجموعة آي 2 يو 2 (I2U2) للتعاون بين الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة.[63]
وفي غضون ذلك، يبدو أن الصين ما زالت عالقة في روح عصر “مؤتمر باندونغ” المناهض للصهيونية، إذ يتضح ذلك من انحيازها لرام الله وتصويتها المستمر ضد إسرائيل في المحافل الدولية، هذا فضلًا عن تبييضها المستمر “للإرهاب الفلسطيني والإيراني”.[64]
أما المشكلة الثانية في مقاربة الصين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فهي اعتماد استراتيجيتها في الغالب على الخطاب الفارغ والدبلوماسية الساذجة. ففي يوليو/ تموز 2021، قدمت الصين لأول مرة مقترح لتنفيذ حل الدولتين، يتكون من مسارات ثلاثة، هي: تعزيز السلطة الفلسطينية، ودعم الوحدة والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، واستئناف محادثات السلام.[65] وقد أكد على هذا المقترح منتدى أقامه المعهد الصيني للدراسات الدولية (CIIS)، التابع لوزارة الخارجية الصينية. لكن لم تقدم هذه المسارات شيئًا يُذكر، سوى أنها وضحت ما هو واضح بالفعل.
وخطوة أخرى على مسار “الحلول الصينية” المقترحة تمثلت في تعيين بكين لمبعوثين خاصين لحوالي 6 بلدان في المناطق الساخنة والمضطربة حول العالم. وفيما يخص الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، عكفت الصين على تعيين مثل هؤلاء المبعوثين منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2002، ومعظمهم من الدبلوماسيين المخضرمين الذين اقتربوا من سن التقاعد. وعلى فرض أن هؤلاء المبعوثين الخمسة المتعاقبين – الذين قدِموا للمنطقة وغادروا بالفعل- قد حققوا نتائج إيجابية في السنوات العشرين الماضية، فإن هذه النتائج محدودة وغير محسوسة.[66]
وفيما يتعلق بالمساعدة الاقتصادية، فقبل المنتدى المذكور، قدمت الصين تبرعًا ضئيلًا بقيمة مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا). وحتى مع تبرع الصين بجرعات من لقاح “سينوفارم”، بما يقرب من 4 ملايين دولار، في مارس/ آذار 2021، فإن حجم المساعدات الصينية يتضاءل، إذا ما قورن بمبلغ 316 مليون دولار من المساعدات الأمريكية، التي أُعلن عنها خلال زيارة بايدن في يوليو/ تموز 2022.[67]
أما المشكلة الثالثة، فهي أن أولويات الصين في المنطقة تتضح من خلال فشلها المتكرر في إشراك الفاعلين الحقيقيين، أو ممارسة ضغوط عليهم عبر استخدام قوتها الجديدة، أو معالجة القضايا المثيرة للجدل والمفتقرة إلى الإجماع الدولي، حيث تتجنب بكين تعريض مصالحها أو علاقاتها الودية مع الدول الأخرى للخطر.
وفيما يبدو فإن التفسير الأكثر ترجيحًا لاستمرار طرح الصين لمبادرات السلام وتعيين مبعوثين خاصين، هو رغبتها في اكتساب الخبرة لتسوية النزاعات التي تهمها حقًا، وإظهار أنها منخرطة في القضايا الإقليمية الملحة، بما يتماشى مع سياسة “شي” التي يصفها بأنها “دبلوماسية جديدة لقوة عظمى”.[68]
وبناءً على ذلك، أقام “المعهد الصيني للدراسات الدولية” أربع حوارات سلام استضافتها بكين منذ عام 2006، كما رحب بالجانبين (الإسرائيلي والفلسطيني) لإجراء جولات إضافية من المحادثات المباشرة في العاصمة الصينية. وقد تنظر الصين إلى هذه الندوات على أنها “اختراقات” في جدار الأزمة، ولكن هذا لا يثبت بالنظر إلى ما حدث عام 2017، على سبيل المثال.
فحينها، نفى الوفد الفلسطيني لقائه بالإسرائيليين في أي وقت، ورفض التوقيع على بيان مشترك. أما من الجانب الإسرائيلي، فما ذُكر فقط هو حقيقة أن المندوب، الذي كان عضوًا في الكنيست، تغيب عن الجلسة بسبب “زيارة خارجية غير ضرورية”. وبالمثل، لم تحظ البنية الأمنية الصينية الجديدة في الشرق الأوسط بأي تغطية في وسائل الإعلام الإسرائيلية.[69]
وعلاوة على ذلك، ومن خلال تشدقها الذي لا يفتر بهذه القضية الجوهرية للعالم الإسلامي، تنتظر بكين في المقابل دعمها في انتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد الأقليات في إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية) على وجه الخصوص.
لكن الأفعال أبلغ من الأقوال في منطقة الشرق الأوسط، فوفقًا لمسح أجاره الباروميتر العربي، فإن ثلث السكان الفلسطينيين فقط ينظرون إلى الصين بشكل إيجابي، وهو الرقم الأدنى بين الدول التسع التي شملها الاستطلاع، بينما أتت الولايات المتحدة في مرتبة أقل.
ويرجع ذلك على الأرجح إلى الانخراط الصيني المحدود في القضية الفلسطينية على المستوى المالي، وعلاقاتها الاقتصادية الودية مع الدولة اليهودية.[70] ولسان الحال الذي قد يُغني عن المقال هنا، هو أنه عندما طُلب من الرئيس الثمانيني، محمود عباس، أن يوجه رسالة للصين في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني، في أبريل/ نيسان 2021، رد بسيل من الشتائم.[71]
ثانيًا: مقترح الصين لحل المشكلات الأمنية في الخليج
كما هو الحال مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فـ”المفهوم الأمني الجديد” للصين لا يوفر بدائل عملية لما تقدمه الولايات المتحدة من ردع متكامل في منطقة الخليج. وبصفته الاقتراح الملموس الوحيد الذي خرج به “منتدى التعاون الصيني العربي” عام 2018، عرضت بكين استضافة مباحثات متعددة الأطراف بين إيران ودول الخليج (مع استبعاد إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين يمكن وصفهما بأنهما الجهتان الأكثر حيوية في المنطقة على المستوى الأمني).
وفي واقع الأمر، تحتوي الخطة الصينية على القليل مما هو جديد، ففي خطاب ألقاه عام 2018 أمام منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF)، في نسخته الثامنة، تحدى “شي جين بينغ” لأول مرة بشكل علني الإطار الأمني للولايات المتحدة مع الأطراف العربية المشاركة في المنتدى، وطرح فكرته عن “أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام” بين بلاده ودول المنطقة.[72]
وفي العام التالي، أخذ وزير الخارجية الصيني حينها، وانغ يي، طرح رئيس بلاده لمستوى أكثر عملية من خلال اقتراح إنشاء منتدى إقليمي للحوار (بناءً على اقتراح روسي) في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد تكرر ذلك في سبتمبر/ أيلول 2020، باقتراح من ثلاث نقاط قدمته الصين، في محاولة مبطنة، لمقاومة المكاسب التي حققتها خطة السلام التي أعدتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي قادت بدورها إلى “اتفاقات أبراهام”.[73]
وفي الشهر التالي مباشرة، لم تدرج الصين فكرة المنتدى الإقليمي في مقترح ضبابي جديد مكون من ثلاث نقاط، قدمته كحل لأمن الخليج.[74] ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ هذه المرة أن دبلوماسيي بكين اختاروا ألا يستندوا في حلهم على الاتفاق النووي مع إيران، وربما يرجع ذلك إلى الجمود في المفاوضات مع طهران.
ومرة أخرى، يعكس نهج الصين مصالحها الخاصة في مواجهة الولايات المتحدة. ويتمثل النقد الرئيسي لاستراتيجية واشنطن في أنها تتبع ما يسمى بـ”مفهوم الأمن التقليدي”، والذي يُعرَّف بشكل فضفاض على أنه اتّباع لـ”قانون الغاب وعقلية الحرب الباردة” التي ترى المواجهات من منظور حدي وصفري.[75] فبصورة جذرية، تستهدف استراتيجية الولايات المتحدة ونظامها في بناء التحالفات تطويق الصين، تمامًا مثلما كانت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، في يوليو/ تموز 2022، تهدف لتقوية معسكر حربي موجه حصرًا ضد إيران.
وفي انتقاد واضح آخر لواشنطن وتدخلاتها في الفناء الخلفي للصين، كرر وزير الخارجية الصيني التأكيد على أنه “لا يوجد فراغ في السلطة في منطقة الشرق الأوسط، مضيفًا أن “مسار المنطقة يجب أن ترسمه الدول الشرق أوسطية نفسها”. كما دعا نائبه، دينغ لي، إلى إنهاء العقوبات الأحادية، وهي أداة مألوفة بالنسبة لبلاده.
والمؤكد هو أن هناك تعارض بين المنظومة الأمنية الصينية في الشرق الأوسط ورؤيتها الخاصة لمفهوم “الأمن المشترك” من جهة، وتلك المنظومة التابعة للولايات المتحدة من جهة أخرى. ففي المنتدى الذي عقده “المعهد الصيني للدراسات الدولية”، أوضح وزير الخارجية الصيني أن “دول الشرق الأوسط مترابطة ببعضها البعض، وأن القضايا الرئيسية في المنطقة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، ومن ثم، يجب التعامل معها بطريقة منهجية ومن منظور واسع، ولا ينبغي لأي دولة أن تعطي الأولوية لأمنها فقط (أي دون أخذ أمن جيرانها في الاعتبار)”.
وهنا يمكن القول إنه ليس مصادفة أن تكون هذه هي اللهجة نفسها التي يتحدث بها الكرملين، والتي رددتها وسائل الإعلام التابعة الحكومية التابعة للحزب الشيوعي الصيني، لتبرير الغزو الروسي غير القانوني لدولة ذات سيادة (أوكرانيا)، بزعم أن هذا الغزو عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضد توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي الواقع، فإن عزوف بكين عن تحميل “شريكها الوثيق” المسؤولية عن الانتهاك الصارخ لدولة ذات سيادة، هو أمر لا يختلف عن تجاهلها المتعمد للابتزاز النووي الذي تمارسه إيران على مدار عقود، وتصديرها للإرهاب، والسلاح، والأصولية الدينية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك أوكرانيا.
وما تسبب في تفاقم الوضع، هو أن الصين لعبت دورًا محوريًا في تزويد نظام الملالي بشريان حياة اقتصادي، فضلًا عن دعمه سياسيًا ومعنويًا في مواجهة العقوبات الدولية، حيث بلغت صادرات النفط الإيراني للصين ما لا يقل عن 47 مليار دولار منذ وصول بايدن للبيت الأبيض.[76]
وبشكل تفصيلي، أوضحت تقارير نشرت مؤخرًا كيف أن تكنولوجيا السيطرة الاجتماعية التي تستخدمها أجهزة المراقبة في الداخل الصيني – والتي تشمل التعرف على الوجوه باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات المطابقة البيومترية- تساعد آيات الله الحاكمين في إيران في قمع المواطنين القابعين تحت حكمهم.[77]
“وسواء في تعاملاتها مع إيران أو سوريا، أو امتناعها عن وقف مبيعات أسلحتها المتطورة، فإن بكين عملت بفاعلية ضد أمن المنطقة”، وفق ما صرحت به مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في أغسطس/ آب 2022. ومضت المسؤولة الأمريكية قائلة: إن الصين “غائبة بشكل لافت” عن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، كما أن جهودها التي بذلتها في اليمن وسوريا ضئيلة.[78]
حتى إن بكين فشلت في الدفاع عن مصالحها الخاصة، كما يتضح من هجمات أذرع إيران العديدة على اليمن والعراق والسعودية والإمارات، فضلًا عن استهدافهم ممرات الملاحة في الخليج. فعلى سبيل المثال، فإن هجوم 2019 على شركة أرامكو السعودية أجبر الصين على دفع 97 مليون دولار إضافية يوميًا، بينما ارتفعت أسعار خام برنت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.[79]
التأسيس لعالم ما بعد الهيمنة الغربية
يتفق الخبراء الصينيون على أن بلادهم غير معنية عمومًا بالتورط في الصراعات طويلة الأمد في الشرق الأوسط،[80] كما يدركون أن التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط هو مجرد تراجع نسبي، مستشهدين بحقيقة أن هناك أكثر من 100 ألف جندي أمريكي ومتعهد أمني لايزالون متمركزين في المنطقة، مقارنة بأقل من ألف من قوات السلام التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني.[81]
وعلاوة على هذا، فإن هناك عوائق أخرى تحول دون اضطلاع الصين بدور أكبر في الشرق الأوسط، منها افتقارها للمعرفة بطبيعة المنطقة، وضعف الثقة المتبادلة مع دول المنطقة، وقصور التنسيق الدبلوماسي بين المؤسسات المحلية.[82]
وعلى الرغم من أن رؤيتها البديلة نحو الشرق الأوسط يعوزها التطوير والدراسة إلى حد بعيد، إلا أن الصين لا تزال في وضع يمكنها من لعب دور مهم في إعادة تشكيل البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، نظرًا لشراكتها الاستراتيجية المتزايدة مع العالم العربي خلال العقد الماضي. وربما لا تكون السبل التي ستتطور بها هذه الشراكة دائمًا في مصلحة الولايات المتحدة أو حلفائها.
وقد أظهرت البنية الأمنية الصينية الجديدة في الشرق الأوسط أن التحدي الذي يواجه هيمنة الولايات المتحدة سيتطلب أكثر من تلك الحسابات البسيطة التي تنطوي على مقابلة سفينة الخصم أو أسلحته، بسفن أو أسلحة أخرى مكافئة لها. إذ أن المنافسة بين القوى الكبرى هي “أولًا وقبل كل شيء، صراع حول من يضع القواعد والنظام، وهو في الأساس صراع على قوة الخطاب، بما في ذلك الخطاب السياسي والخطاب الأكاديمي”، حسب توصيف مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فودان الصينية، سون ديجانج.[83]
وبعبارة بسيطة، فإن المنظومة الأمنية الصينية التي يُروج لها هي إحدى المراحل في هدف صيني أكبر لإنشاء عالم متعدد الأقطاب، في فترة ما بعد الهيمنة الغربية، ولوضع أجندات عالمية تعكس مصالح الصين وقيمها. فعلى سبيل المثال، عقب قمم ديسمبر/ كانون الأول 2022، التي عُقدت في السعودية، صرح أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي، دينغ لونغ، أن التعاون الصيني-العربي في العلوم والتكنولوجيا الخاصة بالطاقة منخفضة الكربون من شأنه أن “يرفع مكانة الجانبين ودورهما في إدارة مجالي الطاقة والمناخ، فضلًا عن تعزيز قوة خطابهما وقدرتهما على وضع المعايير عالميًا”.[84]
وبالتالي، سيكون من الخطأ الافتراض – كما اقترح بعض صانعي السياسات والخبراء الأمريكيين- أن مصالح كل من بكين وواشنطن في الشرق الأوسط متوافقة إلى حد كبير، ومتمركزة حول السلام والاستقرار، ومفيدة في تنسيق السياسات فيما يخص إيران والاتفاق النووي معها على سبيل المثال.
فمن خلال نهجها الدبلوماسي الخالي من اعتبارات حقوق الإنسان، تستغل الصين – وهي قوة غير استعمارية- بمهارة تلك الكراهية المتأصلة في الشرق الأوسط تجاه الغرب، وتلعب بدهاء على الانقسامات بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها.[85]
كما إن الرسائل الصارخة المعادية لأمريكا والغرب – التي تظهر في رؤية الصين للعالم- تُكذّب أي تظاهر بالتكامل والتعاون.[86] وكما أشارت الباحثة الفرنسية البارزة، ناديج رولاند، فإن “المنظومة الأمنية الجديدة للصين في الشرق الأوسط هي مثال صارخ لعالم خال من الوجود والنفوذ الأمريكي”.[87]
وللسبب نفسه، وعلى الرغم من اعترافها على مضض بالآثار الإيجابية العامة لـ”اتفاقات أبراهام”، تجد بكين نفسها مضطرة لتعكير الأجواء بمقترحاتها للوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تلك المقترحات التي باتت في طي النسيان. وهدف الصين في ذلك هو أن إحياء هذه المقترحات يساهم في تقويض الأطر وشبكات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.[88]
وعلاوة على ذلك، فإن الصين توفر طوق نجاة للجهات الإقليمية المخربة والمناهضة للغرب مثل إيران وسوريا وروسيا، على الرغم من آثارها السلبية – التي تدركها الصين- على السلام والاستقرار الإقليميين. فقد يؤدي استمرار وجود تلك الجهات إلى إراقة للدماء بلا داع، وهو ما يمكن أن تستوعبه الصين. لكن زوالها قد يؤدي إلى كارثة إقليمية قد تطال بكين. والأسوأ من ذلك هو أن سقوط تلك الجهات قد ينذر بصعود حكومات ليبرالية يمكن أن توظفها الولايات المتحدة في حملتها ضد دولة الحزب الواحد.
تداعيات صعود الصين في المنطقة على الولايات المتحدة وحلفائها
لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوقع من حلفائها الإقليميين الرفض التام لما يسمى بـ”الحلول والحكمة الصينية”، كما لا تستطيع الصين، في المقابل، التعويل على أن الدول الشرق أوسطية ستتخلى عن المنظومة الأمنية الأمريكية وشبكة تحالفاتها.
وعلى هذا، تستطيع بكين أن تكون خيارًا إضافيًا في منطقة نادرًا ما يكون لديها العديد من الخيارات، وهنا ستحاول الجهات الفاعلة في الإقليم – التي تبحث عن حلول حقيقية- نيل أفضل ما لدى المعسكرين، الأمريكي والصيني.
وعلى الرغم من أن الدراسات الاستقصائية تشير إلى أن النموذج الصيني للحكم أقل جاذبية من النماذج الغربية، إلا أن قصة نجاح النموذج الصيني لها جاذبيتها الخاصة.[89] ففي واقع الأمر، بدأت غالبية دول الشرق الأوسط – بما في ذلك السعودية- في النظر إلى الصين بشكل أفضل من الولايات المتحدة.[90]
وبالإضافة إلى تعزيز وجهات النظر الإيجابية عنها من خلال توفيرها للفرص الاقتصادية والمساعدات المالية والإنسانية (وإن كانت محدودة)، كثفت الصين التبادلات الشعبية والثقافية مع دول المنطقة. حيث استثمرت بقوة في تنمية العلاقات عبر برامج الشباب، والتفاعل مع القادة الدينيين، وإجراء الحوارات مع الكتل السياسية، وتبادل المعلومات، والتعليم المشترك، والثقافة، والصحة العامة، والبرامج الإذاعية والسينمائية والتلفزيونية، فضلًا عن وسائل أخرى.[91]
ولا تزال العلامات التجارية، والرياضة، والموسيقى، والثقافة الغربية تحظى بشعبية في جميع أنحاء المنطقة، لكن القوة الناعمة الصينية تزداد، صحيحٌ بوتيرة بطئية لكنها مضطردة، ما يجعلها تكسب مزيدًا من المساحات بمرور الوقت.
حيث يمكن ملاحظة شباب الشرق الأوسط – الذين يشكلون واحدة من أصغر الشرائح السكانية عمرًا حول العالم وأسرعها نموًا- يقودون سيارات “جيلي” الصينية، ويستخدمون هواتف “هواوي” ليتصفحوا تطبيق “تيك توك”، وكلاهما منتجات صينية. كما أصبحوا يشترون ملابسهم من “شي إن”، وأثاث منازلهم من “علي إكسبريس” الصينيتين. هذا فضلًا عن أنهم يشاهدون مباريات كرة القدم في ملاعب بنتها شركات صينية، تعمل بخلايا شمسية كُتب عليها: “صنع في الصين”.
توصيات للمسؤولين الأمريكيين وصانعي السياسات
في ظل الوضع الطبيعي الجديد من المنافسة بين القوى العظمى، فإن السبيل اللازم للمضي قدمًا هو وضع إطار عمل يمكّن لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ويلبي احتياجاتهم واهتماماتهم. ولذلك، ينبغي ألا تسعى واشنطن لثنيهم عن الاستفادة من المزايا النسبية للصين في مجالات مثل الاستثمار في البنية التحتية، والتكنولوجيا، والصحة العامة، والطاقة المتجددة.
وعلى هذا، يجب على صانعي السياسات في الولايات المتحدة وحلفائها الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات والأطر التالية:
أولاً وقبل كل شيء، يجب على واشنطن تطوير إطار عمل يشجع إدارة المخاطر، مع العمل على الحد من أي آثار سلبية تهدد الأولويات المنصوص عليها في “استراتيجية الدفاع الوطني” الأمريكي في الشرق الأوسط، والتي تتمثل في: نظام دولي تحكمه القواعد، وحرية الملاحة، والاستقرار، والتكامل الإقليمي، والسيادة، وحقوق الإنسان، والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بالأمن، يجب أن يكون صانعو السياسات الأمريكان مستعدين لتقديم حجج قوية للدول الحليفة لإثبات أن ميلها للخيار الصيني قد يتعارض مع الأولويات المعلنة، ومصالحها الوطنية الخاصة.
والمؤكد أنه لا يوجد بديل في الشرق الأوسط عن الردع الشامل الذي توفره الولايات المتحدة، ولكن في الوقت نفسه، فإن هناك مجموعة متزايدة ومتنوعة من البدائل الصينية الممتازة في التقنيات ذات الاستخدام المزدوج والتقنيات العسكرية.
وعلاوة على ذلك، فإنه إذا سارت “مبادرة الأمن العالمي” للصين على خطى نظيرتها المتعلقة بـ”التنمية العالمية”، فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب عشرات المنجزات، بما فيها سلع الأمن العام، التي من المرجح أن تطرحها بكين في الأشهر والسنوات القادمة.[92]
ثانيًا: يجب على صانعي السياسات في واشنطن تشجيع الشركاء والحلفاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على احتواء نشاط الصين وانخراطها في المنطقة. فمن الضروري أن يوضح هؤلاء الحلفاء لبكين أنهم لن يدعموا أيًا من مبادراتها التي تقوض المنظومة الأمنية الأمريكية، وأن يخبروها بوضوح أن هذا أمر حاسم لسلامهم واستقرارهم.
والجدير بالذكر أن هذه الجهات الفاعلة نفسها هي ما تشكل شبكة الحلفاء والشركاء بالنسبة للولايات المتحدة، وهي ميزة أخرى لا غنى عنها تتفوق بها الولايات المتحدة على الصين. ولدى هؤلاء الشركاء القدرة على التأثير على طريقة انخراط الصين في المنطقة لتميل إلى ما يصفه أستاذ العلوم السياسية، جوناثان فولتون، بـ”الرؤية الإيجابية للمنطقة، والنظام الشامل المفتوح لمشاركة الجميع، بما في ذلك الصين”.[93]
لكن يبدو أن التعاون الأمريكي-الصيني في مبادرة الحزام والطريق وشراكة مجموعة السبعة (G7) أمر غير مرجح؛ نظرًا لضعف تعاون الغرب والصين في القضايا الواضحة ذات الاهتمام المشترك أصلًا، مثل الصحة العامة وتغير المناخ.
ثالثًا: يجب أن تسمح واشنطن بإمكانية عمل كلا الطرفين لصالح المنطقة بشكل مستقل. وعلى الأقل، يجب على واشنطن أن تشجع الشركات الصينية على سد فجوة البنية التحتية في المنطقة، والتي تقدر بمليارات الدولارات.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يشمل ذلك مشاركة الصين في تثبيت الجزء الأخير من المبادرة الإسرائيلية المعروفة باسم “ريلز من أجل السلام الإقليمي”، والتي تهدف إلى ربط الخليج العربي بميناء حيفا. كما يمكن للصين المشاركة في توفير أنظمة الطاقة المتجددة في اتفاقية “الكهرباء مقابل الماء”، التي وقعتها الأردن وإسرائيل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ومن أجل معالجة أوجه القصور العديدة في مجال التنمية، قد يتعاون البيت الأبيض مع الدول الإقليمية لتحديد المشاريع منخفضة المخاطر، ومنحهم الأدوات التي يحتاجونها لإنشاء آليات فحص فعالة، وإجراءات قانونية لاستثمارات البنية التحتية ونقل التكنولوجيا.
كما أن التنسيق والحوار الوثيقين مع الحلفاء والشركاء – مثل الحوار الاستراتيجي الجديد رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التكنولوجيا وقمة جدة للأمن والتنمية- أمر بالغ الأهمية في هذا الصدد.
وأخيرًا، يحتاج صانعو السياسات في واشنطن إلى توسيع نطاق الحديث حول انخراط الولايات المتحدة في المنطقة بشكل يتجاوز البعد الأمني؛ وذلك من أجل وقف انتشار وترسيخ الروايات المضللة بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة، أو أن “العصا الأمنية الأمريكية لا تضاهي جزرة الصين”.[94]
وربما تكون الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة فيما يتعلق بمعدلات التبادل التجاري، لكن العلاقات التجارية الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال كبيرة أيضًا، حيث وصلت إلى 122.6 مليار دولار في عام 2021، بزيادة 28 بالمئة عن عام 2020.[95]
وفيما يتعلق بالمتغيرات الاقتصادية والمالية الأخرى – كالاستثمار الأجنبي المباشر والمساعدات- فإن الولايات المتحدة تتفوق على الصين بفارق هائل، ويمكنها الاستمرار في ذلك مع الاستفادة من إنجازات “اتفاقيات أبراهام” لتسريع عملية السلام في الشرق الأوسط.
المصادر
[1] Oceana Zhou, “China Data: July Crude Throughput Hits 28-Month Low of 12.6 Mil b/d,” S&P Global Commodity Insights, August 15, 2022,
[2] “Foreign Ministry Spokesperson Mao Ning’s Regular Press Conference,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, December 9, 2022,
[3] Katarzyna W. Sidlo, “The Role of China in the Middle East and North Africa (MENA). Beyond Economic Interests?” IEMed, July 20, 2020,
[4] Bingbing Wu, “Professor at Peking University: The First Sino-Arab Summit Has Significant Implications, but We Should be Overly Optimistic in Two Cases,” Guancha, December 10, 2022,
[5] Camille Lons, et al., “China’s Great Game in the Middle East,” European Council on Foreign Relations, October 21, 2019,
[6] John W. Garver, “China and the Iran Nuclear Negotiations: Beijing’s Mediation Effort,” in James Reardon-Anderson, ed., The Red Star and the Crescent: China and the Middle East (London: Hurst, 2018), 123–148.
[7] “Iraq Was Top Target of China’s Belt & Road in 2021—Study,” Reuters, February 2, 2022,
[8] “Report on Sino-Arab Cooperation in a New Era,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, December, 1, 2022,
[9] Ammar A. Malik, et al., “Banking on the Belt and Road: Insights from a New Global Dataset of 13,427 Chinese Development Projects,” AidData, College of William & Mary, 2021, 23–36,
[10] Jonathan Fulton, “China’s Emergence as a Middle East Power,” in Routledge Handbook on China–Middle East Relations (London: Routledge, 2021), 3–12.
[11] Meia Nouwens, et al., “China’s Digital Silk Road: Integration into National IT Infrastructure and Wider Implications for Western Defence Industries,” International Institute for Strategic Studies, February 11, 2021,
; John Calabrese, “China’s Health Silk Road and the BRI Agenda in the Middle East,” Middle East Institute, 2022,
; Michael S. Chase, “The Space and Cyberspace Components of the Belt and Road Initiative,” National Bureau of Asian Research, 2019, 19–32,
; “Responding to Climate Change: China’s Policies and Actions,” State Council Information Office of the People’s Republic of China, October 27, 2021,
[12] “Full Text of Xi’s Signed Article on Saudi Media,” Xinhua, December 8, 2022,
[13] “Report on Sino-Arab Cooperation in a New Era.”
[14] “Organization of Islamic Cooperation Accused of Ignoring Uyghur Muslims in China,” Voice of America, March 25, 2022,
[15] Andrea Ghiselli, Protecting China’s Interests Overseas: Securitization and Foreign Policy (Oxford: Oxford University Press, 2021).
[16] Yuandan Guo and Xuanzun Liu, “PLA Navy’s 14 years of Missions in Blue Waters Safeguard Intl Trade Routes, Win More Overseas Recognition,” Global Times, August 1, 2022,
; “China’s Escort Capability Significantly Improved after 10 Years of Escort Missions,” People’s Daily, December 26, 2018,
[17] “China Touts Role in UN Peacekeeping, Middle East Peace,” Associated Press, June 25, 2021,
[18] Tuvia Gering and Heath Sloane, “Beijing’s Overseas Military Base in Djibouti,” MEMRI, July 16, 2021,
[19] “Military and Security Developments Involving the People’s Republic of China: 2020,” US Department of Defense, September 4, 2020,
[20] Cristina L. Garafola, Stephen Watts, and Kristin J. Leuschner, “China’s Global Basing Ambitions Defense Implications for the United States,” RAND, December 2022,
[21] Pieter D. Wezeman, Alexandra Kuimova and Siemon T. Wezeman, “Trends in International Arms Transfers, 2021,” Stockholm International Peace Research Institute, March 2022,
[22] المصدر نفسه
[23] المصدر نفسه
[24] Jude Blanchette, et al., “Hidden Harbors: China’s State-backed Shipping Industry,” Center for Strategic and International Studies, July 8, 2020,
[25] CNBC, “LIVE: Senate holds a hearing examining China’s role in the Middle East [Video],” YouTube, August 4, 2022,
[26] “President Xi Proposes ‘Eight Major Common Actions’ for China-Arab Cooperation,” CGTN, December 10, 2022,
[27] “China-League of Arab States Cooperation Initiative on Data Security,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, March 29, 2021,
[28] “President Xi Jinping Attends First China-GCC Summit and Delivers Keynote Speech,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, December 10, 2022,
[29] “Riyadh Arab-China Summit for Cooperation and Development Issues Final Statement,” Bahrain News Agency, December 9, 2022,
[30] Thomas Blaubach, “Connecting Beijing’s Global Infrastructure: The PEACE Cable in the Middle East and North Africa,” Middle East Institute, March 7, 2022,
[31] Heath Sloane, “Droning On: China Floods the Middle East With UAVs,” Diplomat, September 2, 2022,
[32] Murray Scot Tanner and James Bellacqua, “China’s Response to Terrorism,” Center for Naval Analyses, June 2016,
; Erica Marat, “China’s Expanding Military Education Diplomacy in Central Asia,” Ponars Eurasia, April 19, 2021,
[33] “Transnational Repression [Tracker],” Oxus Society for Central Asian Affairs, last visited January 12, 2023,
[34] Tanner and Bellacqua, “China’s Response to Terrorism.”
[35] Paul Nantulya, “China Promotes Its Party-Army Model in Africa,” Africa Center for Strategic Studies, July 28, 2020,
[36] David L. Shambaugh, China Goes Global: The Partial Power (Oxford: Oxford University Press, 2013).
[37] Bo Zhou, “The Peacekeeping Dilemma—What Should Peacekeepers Do if It’s Their Own Government That’s Killing Civilians?” Guancha, May 29, 2021,
[38] Johnny Erling, “Xi’s New Slogan for China’s Trajectory: ‘Time and Momentum Are on Our Side,’” MERICS, July 9, 2021,
[39] Tuvia Gering, “Discourse Power,” Substack, September 8, 2022,
[40] المصدر نفسه
[41] New York Times, “Exclusive Obama Interview: China as a Free Rider,” August 8, 2014, YouTube video,
; Barak Ravid, “Top Pentagon Official Warns Middle East Partners to Limit China Ties,” Axios, November 18, 2022,
[42] Gering and Sloane, “Beijing’s Overseas Military Base in Djibouti.”
[43] Gering, “Discourse Power.”
[44] “The 6th Shanghai Forum on Middle East Studies: ‘China’s Middle East Diplomacy and Relations with Middle Eastern Countries in the Current Situation: Opportunities, Challenges, and Measures,’” BRGG at Fudan University, September 29, 2022,
[45] Alex Fang, “Biden: ‘We Are in a Competition with China to Win the 21st Century,’” Nikkei Asia, April 29, 2021,
[46] “Middle East Has No ‘Power Vacuum,” Needs No ‘Foreign Patriarch’: Wang Yi,” Global Times, January 16, 2022,
[47] Zhongmin Liu, “The Reconfigured Regional Landscape of the Middle East: A ‘New Climate’ for Peaceful Through Development?” Cfisnet, September 19, 2022,
;Long Ding, “Arab Countries Struggle to Chart a Course Toward Development and Transformation,” Cfisnet, September 19, 2022,
[48] Yingzhao An, “Short Commentary: What Are China’s ‘Tips’ for Building a Post-Pandemic World?” China News Service, January 18, 2022,
; Hongwu Liu, “From the Belt and Road Initiative to the Global Development Initiative,” CSSN, June 29, 2022,
[49] A ‘China Model?’ Beijing’s Promotion of Alternative Global Norms and Standards, 116th Cong. (2020) (statement of Mrs. Nadège Rolland, Senior Fellow for Political and Security Affairs, National Bureau of Asian Research).
[50] “Implementing the Global Security Initiative (GSI) and Building a New Security Architecture in the Middle East—Video Message from State Councilor Wang Yi at the Opening Ceremony of the Second Middle East Security Forum,” China Institute of International Studies, September 23, 2022,
[51] “Vice Foreign Minister Deng Li Attended the Opening Ceremony of the Middle East Security Forum and Delivered a Keynote Speech,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, September 22, 2022,
[52] “China Proposes Four-Point Solution to Syrian Issue: FM,” Xinhua, July 18, 2021,
; “China Pushes Four-Point Israeli-Palestinian Peace Plan,” Associated Press and Times of Israel, August 1, 2017,
; “China Puts Forward Four-Point Proposal Regarding Palestine-Israel Conflict,” Xinhua, May 17, 2021,
[53] “Foreign Ministry Spokesperson Wang Wenbin’s Regular Press Conference on September 20, 2022,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, September 20, 2022,
[54] “Acting on the Global Security Initiative to Safeguard World Peace and Tranquility,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, April 24, 2022,
[55] “President Xi Proposes ‘Eight Major Common Actions’ for China-Arab Cooperation,” CGTN, December 10, 2022,
[56] Yunbi Zhang, “Fresh Initiative Poised to Boost Global Growth,” China Daily, November 16, 2021,
[57] Yao Yao, “The Global Development Initiative Provides a Blueprint for Responding to World Changes,” Red Flag Manuscript, February 25, 2022,
[58] “Wang Yi on President Xi Jinping’s Attendance at the China-Arab Countries Summit, China-GCC Summit and State Visit to Saudi Arabia,” Xinhua, December 11, 2022,
[59] يجدر بالذكر أن الباحث، توفيا جيرنج، كاتب هذه الورقة، يعمل أيضًا لدى “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”. كما أن لديه انحيازات تظهر في ثنايا حديثه، حول القضية الفلسطينية على سبيل المثال. لكن هذا لا يتعارض – بطبيعة الحال- مع الاستفادة من بعض المعلومات أو التحليلات التي يقدمها. (المترجم)
[60] “Wang Yi Meets with Qatari Deputy Prime Minister and Foreign Minister Sheikh Mohammed bin Abdulrahman Al Thani,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, March 31, 2022,
[61] “Xi Jinping Sends Message of Congratulations to UN Meeting Marking the International Day of Solidarity with the Palestinian People,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, November 30, 2022,
[62] “On India-Israel, Jaishankar Says: ‘We Could Have Furthered Ties but…’” Hindustan Times, September 5, 2022,
[63] In a First, India Votes in Favour of Israel at UN against Palestine Human Rights Body,” Print, June 11, 2019,
[64] Tuvia Gering, “China’s Biased Role in the Israel-Palestinian Conflict,” Asia Times, June 18, 2021,
; Tuvia Gering, “Israel Gives China a Little Taste of Its Own Medicine at UN,” Jerusalem Institute for Strategy and Security, June 27, 2021,
; Tuvia Gering, “China’s NIMBY Mentality on Terror,” Asia Times, May 10, 2022,
[65] “China Proposes 3 Routes to Implement Two-State Solution: FM,” Xinhua, July 19, 2021,
[66] Weijian Li, “From Comprehensive Detachment to Active Engagement: China’s Middle East Diplomacy since the Reform and Opening-Up period,” Arab World Studies 5 (2018), 3–13
[67] “The Government of the People’s Republic of China Provides COVID-19 Vaccines to Help Protect Palestine Refugees,” United Nations Relief and Works Agency, press release, March 22, 2022,
[68] Degang Sun and Yahia Zoubir, “China’s Participation in Conflict Resolution in the Middle East and North Africa: A Case of Quasi-Mediation Diplomacy?” Journal of Contemporary China 27, 110 (2017),
[69] Tuvia Gering, “Don’t Interfere, Integrate: China Proposes (Yet Another) Middle East Peace Initiative,” Jerusalem Institute for Strategy and Security, April 28, 2021,
[70] Tom O’Connor, “Exclusive: China Tops U.S. as Favorite Power Among Arabs Despite Challenges,” Newsweek, October 8, 2022,
[71] Jon Jackson, “Palestinian President Mahmmoud Abbas Curses Out China, Russia, U.S. and Arabs in Vulgar Rant,” Newsweek, April 28, 2021,
[72] “Xi Jinping’s Speech at the Opening Ceremony of the 8th Ministerial Meeting of the China-Arab States Cooperation Forum (CASCF),” Xinhua, July 10, 2017,
[73] Tuvia Gering, “China’s Alternative Vision for Gulf Security,” Jerusalem Institute for Strategy and Security, November 17, 2020,
[74] Gering, “Don’t Interfere, Integrate.”
[75] Degang Sun and Sike Wu, “China’s Participation in Security Affairs in the Middle East in the New Era: Conceptual Propositions and Practical Exploration,” China International Studies Journal 4 (2020).
[76] Claire Jungman and Daniel Roth, “Uncovering the Chinese Purchasers of Iranian Oil,” United Against Nuclear Iran, December 27, 2022,
; “To Break the Deadlock in the Iran Nuclear Talks, the US Should Correct Its Wrong Policies (Zhong Sheng),” People’s Daily, May 9, 2022,
. Jacopo Scita, “China-Iran Relations Through the Prism of Sanctions,” Asian Affairs 53, 1 (2022), 87–105.
[77] Ilan Berman, “Chinese Tech Is Powering Iran’s Repression,” Newsweek, December 6, 2022,
[78] China’s Role in the Middle East, Subcommittee on Near East Asia, South Asia, Central Asia and Counterterrorism, (August 4, 2022) (testimony of Barbara A. Leaf, Assistant Secretary State for Near Eastern Affairs).
[79] Chriss Street, “Attacks on Saudi Arabia Oil Facilities,” Epoch Times, September 18, 2019,
[80] “China Recognizes the Importance of the Astana Mechanism and Will Participate in the Resolution of the Syrian Conflict in an Appropriate Manner,” Sputnik. November 25, 2022,
[81] Gering, “Discourse Power.”
[82] Andrea Ghiselli, “China and the United States in the Middle East: Policy Continuity Amid Changing Competition,” Middle East Institute, January 9, 2023,
[83] “The 6th Shanghai Forum on Middle East Studies—‘China’s Middle East Diplomacy and Relations with Middle Eastern Countries under the Current Developments: Opportunities, Challenges and Responses,’” SIIS, September 29, 2019,
[84] “Experts Discuss the Significance of the Sino-Arab Summit’s Milestone: Deepening Cross-Regional Cooperation for a Better Future,” Southern Metropolis Daily, December 9, 2022,
[85] Shumei Leng, “Report on Human Rights Violations in Middle East Exposes US’ Barbarity, Cruelty and Hypocrisy,” Global Times, August 9, 2022,
[86] Acting on the Global Security Initiative to Safeguard World Peace and Tranquility,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, April 24, 2022,
[87] Nadège Rolland (@RollandNadege), “i.e., a security architecture exempt from US presence and influence,” Twitter, September 22, 2022,
[88] “Wang Yi Speaks with Israel’s Alternate Prime Minister and Foreign Minister Yair Lapid on the Phone,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, July 4, 2022,
[89] Michael Robbins, “Public Views of the U.S.-China Competition in MENA,” Arab Barometer, July 2022,
[90] David Pollock, “New Saudi Poll: Some Surprises on the U.S., Iran, Israel, Oil, and More,” Washington Institute, December 16, 2022,
[91] “Report on Sino-Arab Cooperation in a New Era.”
[92] “Chair’s Statement of the High-level Dialogue on Global Development,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, June 24, 2022,
[93] Kyle M. Lascurettes, Orders of Exclusion: Great Powers and the Strategic Sources of Foundational Rules in International Relations (New York: Oxford University Press, 2020); “Increased China-GCC Engagement: What Should the U.S. Do?” Middle East Institute, December 14, 2022,
[94] Akhil Ramesh, “In the Middle East, America’s Security Stick Is Nno Match for China’s Carrots,” Hill, January 10, 2023,
[95] “Egypt-U.S. Business Relations,” American Chamber of Commerce Egypt, 2021,