الانتخابات المحلية التركية 2024.. الخصوصية والخارطة الانتخابية
المحتويات
- مقدمة
- خصوصية الانتخابات المحلية المرتقبة
- المشهد الانتخابي في اسطنبول
- المشهد الانتخابي في أنقرة
مقدمة
بدأت الأحزاب التركية المختلفة إعلان مواقفها من الانتخابات المحلية المرتقبة، المزمع عقدها في مارس/آذار 2024، كما أعلنت الأحزاب الكبرى مرشحيها للانتخابات، الأمر الذي يعطينا صورة عامة عن طبيعة التنافس المرتقب.[1]
وتأتي هذه الانتخابات في وقت تعاني فيه أحزاب المعارضة من خلافات، سواء بين الأحزاب بعضها البعض أو داخل الحزب الواحد.[2] ويرجع السبب الأبرز لهذه الخلافات إلى الهزيمة التي منيت بها المعارضة في الانتخابات الرئاسة والبرلمانية التي عُقدت في مايو/أيار 2023. ومن ناحية أخرى، يواجه التحالف الحاكم صعوبات ترجع في المقام الأول إلى الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات.
ومن مجمل ولايات تركيا، تنال الولايات الأكبر تركيزًا خاصًا، وأبرزها أنقرة واسطنبول وإزمير. فغالبًا ما يُنظر لهذه الولايات، خاصة اسطنبول، على أنها بوابة لحكم تركيا بشكل عام، وكثيرًا ما تتردد عبارة: “مَن يحكم اسطنبول يحكم تركيا”. ولذلك، نجد كثيرون يعتبرون أن حزب “العدالة والتنمية” خسر الانتخابات المحلية عام 2019، رغم أنه كان الحزب الذي فاز بالعدد الأكبر من الولايات.[3] فخسارة “العدالة والتنمية” لاسطنبول وأنقرة طغت على فوزه بولايات أخرى أقل أهمية.
ومن هذا المنطلق، سنحاول في هذا الملف تسليط الضوء على خريطة الانتخابات المحلية في تركيا، وتعاطي كل من التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة معها، هذا مع التركيز على كُلّ من أنقرة واسطنبول؛ لأنه من المتوقع أن تشهد الولايتان معركة انتخابية محتدمة، بينما “إزمير” غالبًا ما تكون المنافسة فيها أقل، باعتبارها محسوبة على حزب “الشعب الجمهوري”.[4]
خصوصية الانتخابات المحلية المرتقبة
تنال الانتخابات المحلية بشكل عام أهمية كبيرة بالنسبة لكل من الشعب والفاعلين السياسيين في تركيا. فالشارع يتأثر بها تأثرًا مباشرًا في بعض جوانب حياته، نظرًا لطبيعة وحجم السلطات التي تحوزها البلديات في تركيا،[5] والتي يمكن حصرها في: الإشراف العام على البلدية، وتوجيه وإدارة التنظيم البلدي، وحماية حقوق ومصالح البلدية، واتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ فعّال وكفء للخدمات التي تقدمها البلدية والمؤسسات التابعة لها، وإعداد مقترحات الميزانية الخاصة بالبلدية، وضمان تحصيل المستحقات والعائدات، وإبرام العقود نيابة عن البلدية، وقبول التبرعات وتوفير المدخرات اللازمة، وتمثيل البلدية، وتعيين موظفي البلدية، وتفويض الصلاحيات، وإنشاء مراكز خدمات.[6]
أما بالنسبة للسياسيين، فيمكن تلخيص أهمية البلديات في تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي برز على الساحة السياسية التركية بعد نجاحه في تخليص بلدية اسطنبول من العديد من مشكلاتها، بعد فوزه برئاسة البلدية في 1994. ففي كلمته أمام مؤتمر القمة الدولية للمدن والمنظمات غير الحكومية في إسطنبول عام 2017، قال أردوغان إن البلديات هي “سر البقاء في السلطة”.[7]
ولذلك، تعززت آمال المعارضة التركية في الإطاحة بحكم العدالة والتنمية بعد الفوز بالبلديات الكبرى في انتخابات عام 2019. وكان من اللافت أن الشخصيتين التي رأى فيها البعض قدرة على الإطاحة بأردوغان هما رئيسا بلديتي اسطنبول وأنقرة.
وعلى هذا، فإن الانتخابات المحلية تحظى بأهمية في الداخل التركي لما لها من تأثير على معيشة المواطنين، والساحة السياسية في عموم تركيا. غير أن الانتخابات المزمع عقدها بعد نحو شهرين تحوز أهمية خاصة لدى كل من التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة.
- خصوصية الانتخابات المرتقبة للحزب الحاكم
مع ما للانتخابات المحلية من أهمية عامة، فإن انتخابات مارس/آذار 2024 لها أهمية خاصة بالنسبة للحزب الحاكم، الذي يسعى لاستعادة البلديات التي تفلتت منه. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، صرح أردوغان بأن “الهدف الرئيسي للحزب هو استعادة اسطنبول وأنقرة”.[8]
ومن الواضح أن أردوغان -الذي يتولى أيضًا رئاسة حزب العدالة والتنمية- يفكر في استعادة البلديات منذ اليوم التالي لإخفاق 2019. فقد كان من اللافت أن يشير أردوغان، في أول ظهور له بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، إلى بدء العمل لاستعادة بلديتي اسطنبول وأنقرة، كما لم تخل حملته الانتخابية من انتقادات لأداء رئيسي البلديتين.
وبالتالي، فإن السبب الأول الذي يجعل للانتخابات القادمة أهمية خاصة لدى العدالة والتنمية هي الرغبة في استعادة البلديات التي عادة ما سيطر عليها. فاستعادة اسطنبول وأنقرة -على وجه التحديد- ستجعل الخمس سنوات الماضية وكأنها استثناء في مسار الحزب وخطأ سرعان ما صححه، أما في حال فوز حزب الشعب الجمهوري بها، فستبدو وكـأنها تأسيس لواقع جديد، تكون فيه اليد العليا في كبريات ولايات تركيا للمعارضة.
أما السبب الآخر فيرجع إلى شخصية كل من رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو (52 عامًا)، ورئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش (68 عامًا). فكما أشرنا في ملف سابق، فقد كان يُنظر إليهما على أنهما قادران على منافسة أردوغان في انتخابات الرئاسة السابقة، كما أنهما أكثر قبولًا لدى أحزاب المعارضة الأخرى، وخاصة “حزب الجيد”. وحيث إن حزب الشعب الجمهوري جدد ترشيح كل منهما في اسطنبول وأنقرة، فإن هذا يُعطي حافزًا إضافيًا للعدالة والتنمية للعمل على هزيمتها في كلا المدينتين.
ذلك أن فوز أحدهما في الانتخابات المحلية المرتقبة يعزز من فرصه في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، التي لن يكون أردوغان فيها مرشحًا بحكم الدستور. وهذا ينطبق على “إمام أوغلو” بشكل خاص، بعد تمكن الجناح الذي ينتمي إليه داخل حزب الشعب الجمهوري من الإطاحة برئيس الحزب، كمال كليتشدار أوغلو، الشخص الذي عرقل ترشحه في الانتخابات الرئاسية المنقضية.
ومن المبكر جدًا حاليًا القول إن الساحة ستكون مهيأة لإمام أوغلو أو ليافاش للترشح للرئاسة، لكن فوز أحدهما في الانتخابات المحلية المنتظرة، سيجعل منه السياسي الذي استطاع هزيمة العدالة والتنمية في معاقله مرتين، في سابقة سياسية ستعطي دفعة قوية للمرشح الفائز. أضف إلى ذلك أن التركيبة السياسية لحزب الشعب الجمهوري باتت أكثر تماهيًا مع فكرة ترشيح إمام أوغلو أو يافاش لانتخابات الرئاسة القادمة بعد الإطاحة بكليتشدار أوغلو.
وفي المقابل، فإن هزيمة “إمام أوغلو” أو “يافاش” ستقطع الطريق عليه، وستتراجع حظوظ الخاسر منهما في الترشح للرئاسة. وبالتالي، فإن العدالة والتنمية يرى أهمية مزدوجة للانتخابات المحلية المقبلة. فمن ناحية، سيجعل إخفاق 2019 استثناء في مسيرة طويلة، ومن ناحية أخرى سيقطع الطريق على مرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة المقبلة، أو على الأقل سيُضعف حظوظهما.
- خصوصية الانتخابات المرتقبة للمعارضة
لصعوبة الحديث عن كل أحزاب المعارضة، فإننا سنتحدث هنا عن أهم حزبين في المعارضة التركية، حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، بالإضافة إلى الحسابات الشخصية لإمام أوغلو.
بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، فإن الانتخابات المقبلة تنال أهمية خاصة لعدة أسباب. أول هذه الأسباب هي رغبة الحزب في ترسيخ سيطرته على أكبر الولايات التركية: أنقرة واسطنبول وإزمير. فهذا من شأنه أن يعزز مكانة الحزب في الساحة السياسية التركية، باعتباره الطرف السياسي الوحيد القادر على إلحاق هزائم بالحزب الحاكم.
أما السبب الثاني فيرجع إلى رغبة الحزب في التغلب سريعًا على حالة الهزيمة المسيطرة عليه منذ انتخابات مايو/أيار 2023. فقد تصاعدت آمال كثير من المعارضين في الانتخابات العامة الماضية، الذين نظروا إليها على أنها فرصة تاريخية للإطاحة بأردوغان والتحالف الحاكم. وبالفعل، كانت النسبة التي وصل إليها كليتشدار أوغلو قياسية مقارنة بالمرشحين الرئاسيين في 2014 و2018، كما كانت تلك المرة الأولى التي يضطر فيها أردوغان لحسم الانتخابات من جولة الإعادة.[9] لكن هذا التقدم الجزئي في أداء المعارضة لم يكن مرضيًا، خاصة في ظل ترويج المعارضة على أنها قادرة على حسم الانتخابات من الجولة الأولى لصالحها.
ولذلك، يعيش “الشعب الجمهوري” آثار تلك الهزيمة الانتخابية حتى الآن، وتمثل الانتخابات المحلية المرتقبة فرصة لاستعادة بعض الثقة التي خسرها الحزب في الانتخابات العامة.
وهناك سبب ثالث يجعل للانتخابات المحلية المقبلة أهمية خاصة وهو وجود قيادة جديدة لحزب الشعب الجمهوري، بعد أن نجح، أوزغور أوزال، في الإطاحة بكليتشدار أوغلو من رئاسة الحزب. فالقيادة الجديد للحزب -والتي تُحسب على إمام أوغلو- تريد إثبات نفسها.[10]
وللمفارقة، فإن أول اختبار تتعرض له القيادة الجديدة هو ذاته الإنجاز الأكبر للقيادة السابقة للحزب، ما يجعل منه تحديًا لإثبات جدارة القيادة الجديدة للحزب، فإما أن تحافظ على المنجزات السابقة للحزب ويكون هناك أُفق لتعزيز تلك المنجزات، وإما أن يُنظر إليها من قِبل البعض على أنها أكثر إخفاقًا من سابقتها.[11]
أما السبب الأخير الذي يجعل للانتخابات المحلية المرتقبة خصوصية فيرجع إلى شخصية “إمام أوغلو” أحد أبرز قياديي حزب الشعب الجمهوري حاليًا. فلا يخفى تطلع رئيس بلدية اسطنبول للترشح للانتخابات الرئاسية، وهذا يُفهم من مجمل تحركاته وتصريحاته خلال السنوات الماضية، التي ركز فيها على زيارة الولايات التركية الأخرى بخلاف اسطنبول، ولقاء سفراء دول غربية، وإبراز هدفه في تغيير تركيا كلها كما تغيرت اسطنبول.[12]
هذا الطموح السياسي إما أن يتعزز إذا ما فاز “إمام أوغلو” برئاسة بلدية اسطنبول مرة أخرى، أو أن يتعثر إذا ما خسر. ومن هنا، تحوز الانتخابات المحلية المقبلة أهمية خاصة، إذ ينظر إليها “إمام أوغلو” على أنها بوابته للترشح للرئاسة في مرحلة ما بعد أردوغان.
أما بالنسبة لحزب الجيد، وهو ثاني أحزاب المعارضة قوة وحضورًا في الشارع، فإن هذه الانتخابات ربما تكون مفصلية بالنسبة له من حيث هويته ومستقبله السياسي، فقد ارتبط حزب الجيد منذ تأسيسه في 2017 بحزب الشعب الجمهوري. ففي انتخابات 2018، ساعد “الشعب الجمهوري” حزب الجيد في دخول البرلمان، حيث ترشح أعضاء من حزب الجيد على قوائم الشعب الجمهوري، ثم انتقلوا لحزب الجيد بعد الفوز في الانتخابات؛ وذلك بسبب ارتفاع العتبة الانتخابية حينها، وصعوبة دخول حزب الجيد للبرلمان بمفرده.
وفي انتخابات البلديات عام 2019، لعب حزب الجيد دورًا مهمًا في فوز “الشعب الجمهوري” بالبلديات الكبرى. ثم في عام 2023، دخل “الجيد” في تحالف الطاولة السداسية مع “الشعب الجمهوري”، لكنه مُني بهزيمة في الانتخابات الرئاسية، بينما جاءت نتيجته في الانتخابات البرلمانية دون التوقعات.
فضلًا عن ذلك، فإن حزب الجيد تعرض لهجوم واسع من مناصري “الشعب الجمهوري” بعد أن اعترض على ترشح كليتشدار أوغلو لمنافسة أردوغان. وبجانب هذا الهجوم الواسع، تعرض حزب الجيد لهزة داخلية في خضم الحملة الانتخابية بعد استقالة بعض أبرز قيادييه، ومنهم القيادي النائب في مجلس الأمة، يافوز أغري علي أوغلو؛ اعتراضًا على عودة قيادة الحزب لدعم كليتشدار أوغلو.[13]
ويبدو أن قيادة حزب الجيد ترى أنها أعطت لحزب الشعب الجمهوري أكثر مما أخذت منه، ولذلك، أبدت رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، ندمها على هذا التحالف. ففي المؤتمر العام، الذي أعيد فيه انتخاب أكشنار كرئيسة لحزب الجيد، في أواخر يونيو/حزيران 2023، صرحت قائلة: “لأن قضيتنا كانت تركيا، حبسنا أرواحنا في غرف مظلمة، وتعاملنا مع أولئك الذين هم أسرى لأنفسهم، وأولئك الذين لا يفكرون إلا في مقاعدهم، ولسوء الحظ لم نتمكن من منع الهزيمة”، في إشارة إلى تحالفها مع “الشعب الجمهوري”.[14]
وأضافت: “لن أنسى ما حدث في 3 مارس/ آذار (التاريخ الذي أعلنت فيه اعتراضها على ترشح كليتشدار أوغلو)، والشتائم والإهانات والاتهامات التي قيلت بحقنا، سنتذكر ما جرى دائمًا لتعلم الدروس”.
كما قالت رئيسة حزب الجيد، في مناسبة أخرى، إنها لا تندم على شيء، كما تندم على طلبها من حزب الشعب الجمهوري، في 2018، بدخول نواب من حزبها على قوائم الشعب الجمهوري، لتستطيع دخول البرلمان.[15]
لذلك، ترى أكشنار أن الانتخابات المقبلة فرصة لإظهار الهوية المميِّزة لحزب الجيد، وللخروج من عباءة “الشعب الجمهوري”، الذي تحالفت معه منذ تأسيس حزبها. فرغم أن الحزبين تجمعهما معارضة “العدالة والتنمية”، إلا أن كلًا منهما يتبع أيديولوجية مختلفة، ففي حين يتبنى حزب الجيد أيديولوجية يمينة قومية، يتبنى الآخر أيدلوجية يسارية. كذلك فإن حزب الجيد يطمح لأن يكون حزب المعارضة الرئيسي، ولهذا صرحت “أكشنار” في أثناء الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية أن حزبها يجب أن يكون الحزب الأول في تركيا، وأن تكون هي رئيسة الوزراء بعد تغيير النظام الرئاسي.
هذه الأهداف المرتبطة بإبراز هوية الحزب الخاصة، وإبراز قدرته على قيادة المعارضة، تتطلب أن يخرج الحزب من عباءة “الشعب الجمهوري”. ومن هذا المنطلق، جاء قرار حزب الجيد بخوض الانتخابات المحلية المقبلة بمفرده دون التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، حتى في اسطنبول وأنقرة.
وإجمالًا، فإن من المتوقع أن تكون الانتخابات المحلية المرتقبة تنافسية إلى حد بعيد. فعلاوة على ما للانتخابات المحلية التركية من أهمية تقليدية، فإن الحسابات السياسية الحالية للأحزاب الكبرى من شأنها أن تجعل من المشهد الانتخابي أكثر احتدامًا.
المشهد الانتخابي في اسطنبول
مع اقتراب الانتخابات، اتضحت ملامح المشهد الانتخابي في اسطنبول، خاصة بعد أن أعلنت الأحزاب الكبرى، سواء في التحالف الحاكم أو في المعارضة، موقفها من الترشح للانتخابات على رئاسة تلك البلدية.
فمن جانبه، كان حزب الشعب الجمهوري -إبان قيادة كليتشدار أوغلو- أول من أعلن إعادة ترشيح أكرم إمام أوغلو لرئاسة البلدية، ومؤخرًا، أعلن حزب العدالة والتنمية ترشيح وزير البيئة والعمران السابق، العضو الحالي بمجلس الأمة، مراد كوروم. وأعلن حزب “الحركة القومية”، حليف “العدالة والتنمية” دعمه لـ”كوروم”. ثم جاء إعلان حزب الجيد ترشيح، بوغرا كافنجي، لرئاسة البلدية وهو بيروقراطي، من مواليد العام 1973، درس الاقتصاد وعمل خارج تركيا قبل أن يعود ويعمل بعدد من الشركات فيها.[16]
والجدير بالذكر أن الأحزاب التركية تقدمت أيضًا بمرشحين للبلديات الفرعية داخل الولايات، لكننا نركز هنا على البلديات الكبرى باعتبارها أكثر أهمية من ناحية النفوذ والتأثير على الخطاب السياسي العام في البلاد.
وانطلاقًا من هذه المواقف، سنحاول استعراض فرص المرشحين لرئاسة بلدية اسطنبول، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو، ومراد كوروم. ويرجع اختيار هذين الاسمين لاستعراض فرصهما إلى طبيعة النظام الانتخابي في المحليات؛ إذ أن مَن يفوز بالعدد الأكبر من الأصوات يتولى رئاسة البلدية، ولا يحتاج لأن يتجاوز نسبة (50 بالمئة + 1).
وإذا ما عُدنا لأقرب استحقاق انتخابي شهدته الولاية؛ لإعطاء صورة تقريبية عن المشهد، سنجد أن المعارضة فازت في اسطنبول، في الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في مايو/أيار 2023. ففي الجولة الأولى جاءت النتيجة في صالح كليتشدار أوغلو بـ 48.6 بالمئة من الأصوات، مقابل 46.7 لأردوغان.[17] وفي الجولة الثانية حاز كليتشدار أوغلو 51.8 بالمئة من أصوات اسطنبول، مقابل 48.2 بالمئة لأردوغان.[18]
لكن الاعتماد على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولو أنه يعطي مؤشرًا على مدى ميل المدينة نحو الحكومة أو المعارضة، إلا أنه لا يبدو دقيقًا هنا؛ لأن المعارضة كانت شبه مجتمعة على دعم كليتشدار أوغلو، بينما الانتخابات المحلية المرتقبة ستشهد تشتتًا لأصوات المعارضة، وفق المعطيات الحالية، نظرًا لتعدد مرشحي الأحزاب. ومن هنا نرى أن الانتخابات البرلمانية قد تُعطي صورة أقرب لما قد يكون عليه المشهد في الانتخابات المحلية.
وبالنظر لنتيجة الانتخابات البرلمانية التي عُقدت بموازاة الانتخابات الرئاسية السابقة، سنجد أنه، على العكس من الانتخابات الرئاسية، جاء حزب العدالة والتنمية متقدمًا في بلدية اسطنبول. إذ حاز 36.1 بالمئة من الأصوات، بينما حاز “الشعب الجمهوري” 28.3 بالمئة، وحزب الجيد 8.1 بالمئة، و”الحركة القومية” 6.2 بالمئة.[19]
وبالطبع، فإن القياس على الانتخابات البرلمانية لا يحدد شخصية الفائز بانتخابات البلدية المرتقبة، إذ أن هناك عوامل أخرى تشكل نتيجة المشهد الانتخابي، منها شخصيات المرشحين ومدى نجاح حملاتهم الانتخابية. لكن هذا القياس يعطينا صورة عامة عن مدى شعبية الأحزاب الكبرى داخل اسطنبول في أقرب استحقاق انتخابي شهدته الولاية.
وعلى هذا، فإن التنافس يكاد ينحصر الحزبين التقليديين المعروفين كأكبر أحزاب البلاد، العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، ومرشحيهما “كوروم” و”إمام أوغلو”، على التوالي. ولهذا، سنحاول استعراض نقاط القوة والضعف لدى كلا المرشحين.
- أكرم إمام أوغلو
بدءًا بنقاط القوة لدى “إمام أوغلو”، فيمكن القول إن لديه ثلاث نقاط قوة رئيسية، الأولى هي قدراته الإعلامية الواسعة، إذ أنه راكم قدرات إعلامية كبيرة خلال الخمس سنوات الماضية، بحيث بلغ عدد متابعيه على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، حوالي 9 مليون متابع.[20]
كما أن وجوده على رأس بلدية اسطنبول خلال الفترة الماضية ساعده على الظهور الإعلامي المكثف، سواء على القنوات التلفزيونية أو في الإعلانات العامة في شوارع اسطنبول. وكان رئيس بلدية إسنلر، عضو “العدالة والتنمية”، محمد توفيق غوكسو، انتقد اهتمام “إمام أوغلو” بالإعلانات، قائلًا إن “بلدية إسطنبول الكبرى خصصت 1.8 مليار ليرة تركية للإعلانات في ميزانية 2023، في حين كان بإمكانها شراء 365 حافلة لحل أزمة المواصلات في الولاية بهذا المبلغ”.[21]
علاوة على ذلك، فإن “إمام أوغلو” يتمتع بقدرات على مخاطبة الجمهور، وربما لهذا السبب اتفقت عليه الطاولة السداسية كأحد أعمدة الحملة الانتخابية لكليتشدار أوغلو، فقد اعتمدت عليه الحملة بشكل رئيسي في العديد من محافظات البحر الأسود ومحافظات جنوب شرق تركيا، هذا فضلًا عن ظهوره بجانب كليتشدار أوغلو في كثير من الولايات الأخرى، وتعيينه -بجانب منصور يافاش- متحدثًا عن حملة كليتشدار أوغلو. هذه القدرات الإعلامية والخطابية تُعد نقطة إيجابية سيعتمد عليها “إمام أوغلو” بالتأكيد في حملته لرئاسة البلدية.
أما نقطة القوة الثانية هي الاستقطاب ورغبة قطاع معتبر من الشعب في إنهاء فترة حكم العدالة والتنمية. فنتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت أن ما يفوق 45 بالمئة من مجموع المصوتين في البلاد يريدون إنهاء حكم الرئيس أردوغان. وتتزايد هذه النسبة في اسطنبول، حتى أنها تجاوزت 50 بالمئة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة.
ورغم أن منصب رئيس البلدية ذو طبيعة خدمية، إلا أنه لا يمكن الفصل تمامًا بين الجانب الخدمي والسياسي، خاصة في ولاية بحجم وأهمية اسطنبول. فكما أوضحنا في المحور السابق، فإن لنتيجة انتخابات بلدية اسطنبول أثرًا معتبرًا على الساحة السياسية في البلاد وعلى اللاعبين السياسيين. كما أن إمام أوغلو سيحرص على تضخيم هذا الجانب السياسي، لاستغلال وجود هذه النسبة من المعارضين لحكم العدالة والتنمية. وهذا قد يظهر في استدعاء الحديث عن شخص الرئيس أردوغان وانتقاد حكمه وتوجهاته، أكثر من انتقاد المرشح المنافس، مراد كوروم.
وبطبيعة الحال، فإن ذلك لا يعني أن النسبة التي ذهبت للمعارضة في انتخابات الرئاسة ستذهب كلها لإمام أوغلو في البلديات، فالراجح حتى الآن أن الأصوات ستتفتت بسبب تعدد مرشحي المعارضة، كما أن بعض الذين صوّتوا لكليتشدار أوغلو في الرئاسة قد لا يصوّتوا لإمام أوغلو، لاعتراضهم على أدائه الخدمي خلال السنوات الماضية. لكن الغالب أن إمام أوغلو سيركز على زيادة نسبة التسييس في خطابه وربطه بالأحوال السياسية والاقتصادية في عموم تركيا، وهذا قد يستقطب شرائح ساخطة على الوضع.
أما نقطة القوة الثالثة فترجع إلى الملفات التقليدية التي يُنظر عليها على أنها من أسباب تراجع نسبة التصويت للعدالة والتنمية، مثل الأزمة الاقتصادية وأزمة اللاجئين والمهاجرين. فرغم أن الحكومة التركية قد اتخذت خطوات ملموسة في كلا الملفين، إلا أن الأزمتين لم تنتهيا بعد. وفي الوقت الذي يستمر فيه الغلاء، وتتواجد فيه أطراف تحرض على اللاجئين -كحزب الظفر- فإن هذين الملفين قد يكونا مدخلًا لإمام أوغلو لتعزيز الاستقطاب على حكم “العدالة والتنمية” بشكل عام، وإظهار الانتخابات المحلية وكأنها استفتاء على الحزب الحاكم.
أما فيما يخص نقاط ضعف إمام أوغلو، فتبدو نقطة الضعف الأبرز والأهم هي إخفاقه حتى اللحظة في تشكيل ما أسماه “تحالف اسطنبول”.[22] إذ يدرك رئيس البلدية الحالي أن من الصعب عليه الاحتفاظ بمنصبه إذ لم يدخل انتخابات 2024 بذات التحالف الذي دعمه في انتخابات 2019.
ويتضح ذلك إذا ما عدنا لنتائج انتخابات 2019، التي نال فيها “إمام أوغلو” دعم كل أحزاب المعارضة الرئيسية تقريبًا. فبجانب حزبه “الشعب الجمهوري”، أعلن حزب الجيد حينها دعمه، كما حاز دعم “حزب الشعوب الديمقراطي” بشكل غير مباشر.
ورغم هذا الدعم المتضافر، نجح “إمام أوغلو” بفارق طفيف يبلغ 0.2 بالمئة، أي نحو 20 ألف صوت فقط في عموم اسطنبول.[23] صحيح أن هذا الفارق تزايد بشكل كبير في انتخابات الإعادة لصالح إمام أوغلو، لكن نتائج الجولة الأولى هي أكثر تعبيرًا عن الواقع من الجولة الثانية، التي غلب عليها التصويت العقابي ضد “العدالة والتنمية” بعد سعيه لإعادة الانتخابات.
وحيث إن إمام أوغلو فاز بهذا الفارق الطفيف في الانتخابات الماضية، رغم اتفاق أحزاب المعارضة الكبرى على دعمه، فإن انفضاض هذا التحالف، أو أحد مكوناته، عنه من شأنه أن يقلص فرصه في الفوز.
وحتى الآن يبدو أن الأمور تتجه إلى هذا السيناريو، فحزب الجيد قد أعلن مرشحه لرئاسة البلدية، وحزب الشعوب الديمقراطي من ناحية أخرى لم يُعلن موقفه حتى الآن. هذا علاوة على أن نائب رئيس الحزب الجيد السابق تايلان يلدز، المستقيل من الحزب في حزيران/يونيو 2023، أعلن عزمه الترشح بشكل مستقل لرئاسة بلدية إسطنبول، الأمر الذي سيعزز تفتيت الأصوات.[24] وإذا ما استمر حزب الجيد في قراره بالترشح منفردًا، فإن هذا يخصم من فرص “إمام أوغلو” في الاحتفاظ بمنصبه.
أما نقطة الضعف الثانية، والتي ستكون محور تركيز الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية المقبلة في اسطنبول، فهي ما شاب رئاسة “إمام أوغلو” للبلدية من جدل كبير حول انخراطه في السياسة على حساب خدمة المدينة وكذلك على أدائه في رئاستها بشكل عام.[25] فخلال الخمس سنوات الماضية، أبدى إمام أوغلو اهتمامًا بالانتخابات الرئاسية ولم يُخف رغبته في الترشح عن أحزاب المعارضة، وبالتالي ظهر لكثيرين اهتمامه بالشأن السياسي العام على خدمة بلدية اسطنبول.
وربما من الأحداث اللافتة في هذا السياق هو تعرض “إمام أوغلو” لموجة انتقادات حادة من الأهالي على منصات التواصل الاجتماعي بعد انتشار صورة له وهو يستقبل السفير البريطاني في مطعم شهير للأسماك، بينما كانت تعصف باسطنبول عاصفة ثلجية لم تشهدها من عقود، وعطلت الحياة في المدينة رسميًا لثلاثة أيام.[26] الأمر الذي أعطى انطباعًا بأنه يرغب في الترشح للرئاسة بدعم غربي، على حساب الولاية.
- مراد كوروم
بدءًا بالنقطة التي انتهينا إليها، يبرز لنا إحدى نقاط القوة لدى مرشح العدالة والتنمية، مراد كوروم، ففي مقابل الجدل السياسي حول “إمام أوغلو”، يقدم كوروم نفسه على أنه سيكون متفرغًا لبلدية اسطنبول، على العكس من الخصم الطامح للرئاسة. ولذلك اختار “كوروم” شعار “اسطنبول فحسب” (Sadece İstanbul)، ليكون شعارا انتخابيًا لحملته، بما له من دلالات واضحة.
علاوة على ذلك، فإن إعلان “كوروم” عن أن بعض خططه ستستمر 10 سنوات[27] يشير إلى الرسالة ذاتها، وهو أنه سيكون تركيزه منصبًا على البلدية بشكل مستمر، بعكس إمام أوغلو، الذي قد ينخرط في تحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهناك نقطة قوة أخرى يتميز بها كوروم وهي خلفيته كوزير سابق للبيئة والتخطيط العمراني، ونشاطه الملاحظ حينها في المنطقة التي ضربها الزلزال العام الماضي. كما أن تاريخه المهني -في مجمله- ارتبط بالإنشاءات، من ذلك رئاسته للقسم الأوروبي من مدينة اسطنبول في إدارة التنمية السكنية التابعة لرئاسة الوزراء التركية (TOKi).[28] هذا التاريخ المهني يلعب دورًا لصالح كوروم، في الانتخابات المقبلة، ذلك أن الزلزال المحتمل يشكّل هاجسًا لسكان المدينة. ووجود “كوروم” -بما له مِن ثقل في هذا المجال- قد يساعد في تجهيز المدينة للزلزال المحتمل، بحيث تقل الخسائر المتوقعة.
وهناك نقاط قوة أخرى يتمتع بها كوروم، أشار إليها بعض الخبراء، منها أنه سياسي شاب وحيوي، بخلاف مرشح الحزب في الانتخابات البلدية عام 2019، بن علي يلدرم، الذي رجح عليه “إمام أوغلو” في تلك الناحية. كما أن “كوروم” ليس من الشخصيات الجدلية المنخرطة في المناكفات الداخلية وحالة الاستقطاب القائمة، وهو أمر مطلوب في مدينة شديدة التنوع مثل إسطنبول، فضلًا عن أنه ليس شخصية مرفوضة من الشريحة الكردية تحديدًا.[29]
أما نقاط الضعف، فيبدو أنها ترجع بالأساس إلى الملفات الضاغطة على الحكومة التي أشرنا إليها آنفًا، ومنها الاقتصاد واللاجئين، هذا فضلًا عن ما أشرنا إليه سابقًا من استخدام محتمل من قِبل إمام أوغلو للاستقطاب ورغبة شريحة معتبرة في تغيير الحزب الحاكم.
وإجمالًا، يمكن القول إن التنافس في الانتخابات المحلية المرتقبة على رئاسة بلدية اسطنبول سيكون محتدمًا، وسيمثل عنوان الانتخابات ككل. ويبدو حتى اللحظة أن “كوروم” لديه فرصًا جيدة في إزاحة “إمام أوغلو”، لكن من المبكر الجزم حاليًا بأنه سيتمكن من ذلك، إذ بقى نحو شهرين على موعد الاقتراع، وقد تتغير طبيعة التحالفات في تلك الفترة الطويلة نسبيًا، كما أن الحملات الانتخابية لم تحتدم بعد، ويمكن لخطأ يرتكبه أي مرشح في تلك الفترة أن يغير موازين الانتخابات.
المشهد الانتخابي في أنقرة
يتشابه المشهد الانتخابي في أنقرة بنظيره في اسطنبول من حيث طبيعة التحالفات، غير أنه يختلف نسبيًا من حيث فرص احتفاظ “الشعب الجمهوري” بكلا المدينتين؛ نظرًا لاختلاف شخصيتي كل من رئيس بلدية أنقرة الحالي، المرشح لانتخابات 2024، منصور يافاش، ونظيره في اسطنبول، أكرم إمام أوغلو.
فقد أعلن حزب الشعب الجمهوري -إبان قيادة كليتشدار أوغلو- إعادة ترشيح “يافاش” لرئاسة بلدية أنقرة. ومؤخرًا، أعلن حزب العدالة والتنمية ترشيح رئيس بلدية “كاجي أوران” الفرعية، تورغوت ألتينوك، بدعم من حزب الحركة القومية كذلك. ثم جاء إعلان حزب الجيد ترشيح، جنغيز توبال يلدريم، الذي عمل في السابق مستشارًا لرئيس حزب الشعب الجمهوري السابق، كمال كليتشدار أوغلو.[30]
ويبدو أن مرشح “حزب الجيد” قد تكون له فرص أفضل من فرص نظيره في اسطنبول، إذ أن العاصمة معروفة بحسها القومي إذا ما قورنت باسطنبول. وربما هذا يتضح من نتائج حزب الجيد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ففي حين حصل في اسطنبول على 8.1 بالمئة في اسطنبول،[31] حصل في أنقرة على 12.8 بالمئة من الأصوات.[32]
لكن رغم ذلك، فإن فرص مرشح حزب الجيد في أنقرة تظل محدودة، نظرًا لوجود “العدالة والتنمية” مع حليفه “الحركة القومية” من جانب، و”الشعب الجمهوري” بمرشحه الذي يترأس البلدية حاليًا من جانب آخر.
فإذا ما عُدنا إلى نتائج الانتخابات البرلمانية -الأكثر تعبيرًا عن خريطة التوازنات الحزبية كما أوضحنا في المحور السابق- سنجد أن العدالة والتنمية جاء في مقدمة الأحزاب في أنقرة بـ 32.5 بالمئة من الأصوات، ثم تلاه حزب الشعب الجمهوري بـ 30.6 بالمئة، بينما حاز “الحركة القومية” 10.2 بالمئة من أصوات العاصمة.[33]
ولذلك، فإن هذا الفارق الواسع من الصعب أن يتداركه حزب الجيد في الانتخابات المرتقبة. فإجراء حملة انتخابية ناجحة قد يزيد من حظوظه، لكن تظل التوازنات الحزبية عاملًا حاسمًا في هذه الحالة. ولذا، يمكن القول إن المنافسة بذلك في أنقرة تنحصر بين “يافاش” و”ألتينوك”.
- منافسة محتدمة في أنقرة
يجمع مرشح “الشعب الجمهوري” عدة نقاط قوة قد تمكنه من الفوز بدورة ثانية في منصبه. بداية، ورغم كونه مرشحًا عن حزب الشعب الجمهوري، ذي التوجه اليساري، إلا أن جذور “يافاش” قومية. إذ شغل “يافاش” سابقًا رئاسة حي في أنقرة لمدة 10 سنوات عن حزب الحركة القومية حتى عام 2009، ثم ترك حزب الحركة القومية في 2013 وانضم إلى حزب الشعب الجمهوري في العام نفسه. هذه الجذور القومية قد تمكنه من اجتذاب بعض ناخبي “الحركة القومية” و”حزب الجيد”، رغم أن الحزبين يدعمان مرشحَين آخرين.
علاوة على ذلك، يُنظر إلى “يافاش” على أنه كان أكثر تركيزًا على شؤون بلدية أنقرة، وأقل إثارة للجدل العام من “إمام أوغلو”، خلال الخمس سنوات الماضية. فرغم بروز بعض الانتقادات لـ”يافاش” خلال فترته رئاسته للبلدية، مثل موقفه إبان الاعتداءات على اللاجئين، إلا أنه في العموم بادر بمعالجة بعض مشكلات العاصمة، خاصة أثناء فترة انتشار جائحة كورونا، وأعطى انطباعًا إيجابيًا عامًا انعكس في استطلاعات الرأي.[34]
لكن في مقابل ذلك، تلعب التوازنات الحزبية حتى الآن دورًا سلبيًا بالنسبة لـ”يافاش”، فبالنظر إلى انتخابات عام 2019، نجد أنه قد فاز على مرشح العدالة والتنمية بفارق 3.8 بالمئة من مجموع الأصوات،[35] علمًا بأنه كان يحظى بتأييد حزب الجيد. أما الآن، وحسب الوضع الحالي للخريطة الانتخابية، فإن حزب الجيد قد دفع بمرشح خاص، الأمر الذي يخصم من فرص “يافاش”.
ويصّعب المهمة على “يافاش” أن “العدالة والتنمية” دفع بمرشح معروف بتوجهه القومي، بل إنه شغل في السابق منصب نائب الأمين العام للرئيس المؤسس للحركة القومية. وبعد وفاة مؤسس الحزب، انفصل ألتينوك عن “الحركة القومية” وانتقل إلى “حزب الفضيلة” المعروف بتوجهه الإسلامي.
وبعد إغلاق حزب الفضيلة في عام 2001، كان المسار السياسي الجديد لألتينوك هو حزب العدالة والتنمية. وبعد مشكلات داخلية، انتقل ألتينوك إلى “حزب الوحدة الكبرى” المتحالف مع العدالة والتنمية، ثم حدثت عدة تطورات، قادت لعودته مرة أخرى للعدالة والتنمية.[36]
وخلال هذه المسيرة الطويلة، تولى “ألتينوك” العديد من المهام الحزبية، فضلًا عن نجاحه في بعض البلديات الفرعية في أنقرة. ومن هنا، فإن “ألتينوك” ليس له ميول قومية فحسب، بل انضم بالفعل خلال مسيرته السياسية للعديد من الأحزاب ذات التوجه القومي والإسلامي، الأمر الذي يزيد من فرصه بالفوز بالمدينة التي تميل للقوميين.
علاوة على ذلك، فإن دعم حزب الحركة القومية لـ”ألتينوك” يزيد من فرصه بالفوز، خاصة إذا استمر حزب الجيد في تقديم مرشحه الخاص.
وعلى هذا، يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية دفع بمرشح قوي أمام “يافاش”، غير أن تلك المنافسة لن تكون سهلة على الطرفين، خاصة مع استمرار الخارطة الانتخابية في أنقرة كما هي.
المصادر
[1] علاء الدين مصطفى أوغلو، أردوغان يعلن مرشحي “العدالة والتنمية” لرئاسة 26 بلدية في تركيا، وكالة الأناضول، 7 يناير/كانون الثاني 2024
[2] انهيار التحالف السُّداسي: مستقبل المعارضة التركية بعد الهزيمة في الانتخابات العامة الأخيرة، مركز الإمارات للسياسات، 28 يوليو/تموز 2023
[3] تركيا – نتائج المجالس بالانتخابات المحلية مارس 2019، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[4] معمر فيصل خولي، إسطنبول… هل يتكمن حزب العدالة والتنمية من استعادتها؟، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 11 يناير/كانون الثاني 2024
[5] محمد عبد الهادي، أهمية البلديات .. تأثير نتائج انتخابات بلدية اسطنبول على السياسة الداخلية التركية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 4 يوليو/تموز 2019
[6] محمود الرنتيسي، ما هي مهام وصلاحيات رئيس بلدية إسطنبول؟، عربي بوست، 26 يونيو/حزيران 2019
[7] زاهر البيك، البلديات في تركيا.. ما حجم سلطاتها وصلاحياتها؟، الجزيرة نت، 4 أبريل/نيسان 2019
[8] أحمد محمد فهمي، رحلة استعادة إسطنبول وأنقرة.. فرص حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية القادمة، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات، 19 يناير/كانون الثاني 2024
[9] الانتخابات التركية: دلالات نتائج الجولة الأولى وتبعاتها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 21 مايو/أيار 2023
[10] الزعامة الجديدة لحزب الشعب الجمهوري التركي المُعارِض: هل تنجح في الحفاظ على زخم «التغيير»؟، مركز الإمارات للسياسات، 8 ديسمبر/كانون الأول 2023
[11] Adam Samson, Turkish opposition to vote on new leader as it mulls change of strategy, Financial Times, November 3, 2023
[12] محمود الرنتيسي، إمام أوغلو.. الفوز بالبلدية خطوة نحو مواقع أعلى، موقع تلفزيون سوريا، 22 أغسطس/آب 2023
[13] Ağıralioğlu İyi Parti’den istifa etti, TRT Haber, 29 Mart 2023
[14] Meral Akşener, Rotamız Net Pusulamız Millet!, 24 Haziran 2023
[15] منى سليمان، لماذا تزايدت أزمات المعارضة التركية؟، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 8 أغسطس/ آب 2023
[16] جابر عمر، انتخابات تركيا البلدية: “الحزب الجيد” يقدّم مرشحيه في إسطنبول وأنقرة، العربي الجديد، 24 يناير/كانون الثاني 2024
[17] تركيا – نتائج الانتخابات الرئاسية 14 مايو 2023 – نتائج اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[18] تركيا – نتائج الانتخابات الرئاسية 28 مايو 2023 – نتائج اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[19] تركيا – الانتخابات العامة – الانتخابات البرلمانية – نتائج اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[20] الحساب الرسمي لأكرم إمام أوغلو على موقع “إكس”، تاريخ الوصول 25 يناير/كانون الثاني 2024
[21] Bariş Savaş, İBB’nin reklama ayırdığı bütçe 1 milyar 822 milyon TL: Bu parayla her gün bir otobüs alınabilir, Sabah Newspaper, 30 Kasım 2022
[22] İBB Başkanı İmamoğlu’ndan ”İstanbul ittifakı” açıklaması, NTV, 19 Eylül 2023
[23] تركيا – نتائج الانتخابات المحلية مارس 2019 – اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 25 يناير/كانون الثاني 2024
[24] İYİ Parti’den istifa eden Taylan Yıldız, İBB başkan adayı oldu, Gazete Oksijen, 25 Ocak 2024
[25] سعيد الحاج، تركيا: تشتت المعارضة يعزز فرص العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية، الجزيرة نت، 12 ديسمبر/كانون الأول 2023
[26] İstanbul kar altında! Ekrem İmamoğlu balıkçıda, A Haber, 25 Ocak 2022
[27] Berfin Kıraç, Başak Akbulut Yazar, Mustafa Hatipoğlu, Elif Küçük, Zeynep RakipoğluMehmet Yusuf Melikoğlu, Ümit Türk, Hamdi Dindirek, İBB Başkan Adayı Murat Kurum: Deprem terörle mücadele kadar önemlidir, bir milli güvenlik sorunudur, Anadolu Ajansı, 25 Ocak 2024
[28] “مراد كوروم” مرشح حزب العدالة والتنمية في تركيا لرئاسة بلدية إسطنبول.. تعرف عليه، وكالة أنباء تركيا، 7 يناير/كانون الثاني 2024
[29] سعيد الحاج، أردوغان يطلق معركة استعادة بلدية إسطنبول، الجزيرة نت، 10 يناير/كانون الثاني 2024
[30] İYİ Parti’nin Ankara adayı, Kemal Kılıçdaroğlu’nun eski danışmanı Cengiz Topel Yıldırım, BBC, 23 Ocak 2024
[31] تركيا – الانتخابات العامة – الانتخابات البرلمانية – نتائج اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[32] تركيا – الانتخابات العامة – الانتخابات البرلمانية – نتائج أنقرة، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 21 يناير/كانون الثاني 2024
[33] المصدر نفسه
[34] منصور يافاش.. عمدة أنقرة صاحب التصريحات العنصرية المتطلع لحكم تركيا، صحيفة الاستقلال، 30 أغسطس/آب 2021
[35] تركيا – نتائج الانتخابات المحلية مارس 2019 – اسطنبول، صحيفة يني شفق التركية، تاريخ الوصول 25 يناير/كانون الثاني 2024
[36] Turgut Altınok: AKP’nin Keçiören’le özdeşleşen, ‘A takımı’ iddiaları ve Melih Gökçek’le tartışmalarıyla bilinen Ankara Büyükşehir Belediye Başkan Adayı, BBC, 18 Ocak 2024