المشهد الإيراني
في النصف الأوَّل من عام 2020م
د. أحمد حسين.. أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة القاهرة
مقدمة
بالأزمات وَدَّع النظام الإيراني عام 2019م، وبالأزمات استقبل عام 2020م، وكأنَّه قُدِّر لهذا النظام أن يظل على صفيح ساخن منذ أن اندلعت شرارة الثورة في عام 1979م وحتى الآن. لقد خرج النظام الإيراني من عام 2019م – الذي وَصَفه خامنئي بالعاصف والصعب – وقد توالت أزماته الداخليَّة والخارجيَّة، من كوارث طبيعيَّة واحتجاجات شعبيَّة وعقوبات اقتصاديَّة. ومع بزوغ شمس 2020م، وَجَد النظام الإيراني نفسَه في مواجهة مع أمريكا كادت أن تتحوَّل إلى حرب شاملة بين البلدين على أثر مقتل اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، ومن بعدها حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانيَّة التي أشعلت نيران الغضب في نفوس المواطنين بسبب الضحايا الذين سَقطوا بعد قصف طائرتهم مِن جانب الحرس الثوري. ثم جاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلَّة، وتلقي بظلالها على جميع المجالات، سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وعسكريَّة، مِمَّا عَمَّق جراح الإيرانيِّين وزاد من أزمة الثقة القائمة بينهم وبين النظام الحاكم.
ويَرصد هذا التقرير أهمَّ الأحداث على المستويين الداخلي والخارجي في الحالة الإيرانيَّة في النصف الأوَّل من عام 2020م، وهي أحداث متشابكة، تدور كلُّها في فلك الأزمة الطاحنة التي تواجه إيران في ظِلِّ الضغوط الخارجيَّة والمشاكل الاقتصاديَّة وجائحة كورونا والانقسام السياسي والاجتماعي.
يستعرض المحور الأوَّل من التقرير الأوضاع الداخليَّة في إيران، وذلك من خلال أربعة ملفات: يحتوي أوَّلها على أبرز الأحداث السياسيَّة، وهي انتخابات البرلمان الإيراني والانتخابات التكميليَّة لمجلس خبراء القيادة واختيار محمد قاليباف رئيسًا للبرلمان ذي الأغلبيَّة المحافظة وأداء الحكومة في مواجهتها لجائحة كورونا. ويحتوي الملف الثاني على أبرز الأحداث الاجتماعيَّة، وهي إغلاق العتبات المقدَّسة بسبب كورونا، وما ترتب على ذلك من انقسام بين النخب الإيرانيَّة وبروز مظاهر للتطرُّف والمغالاة وشيوع روح التشكيك والتخوين في ظِلِّ نظريَّة المؤامرة. ويحتوي الملف الثالث على أبرز الأحداث الاقتصاديَّة، والتي تأثرت بالعقوبات الأمريكيَّة وفيروس كورونا. ويحتوي الملف الأخير على أهم الأحداث والأنشطة العسكريَّة، وعلى رأسها اغتيال قاسم سليماني وما أعقبه من رَدٍّ إيراني وإطلاق القمر الصناعي الاستخباراتي ودعم قوَّات الحرس الثوري بزوارق سريعة لمواجهة الوجود الأجنبي في الخليج.
أمَّا المحور الثاني فيستعرض العلاقات الخارجيَّة لإيران على مستويين: أوَّلهما العلاقات الإيرانيَّة العربيَّة، وذلك من خلال رصد تحركات إيران وأنشطتها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتسليط الضوء على علاقتها بالميليشيات والكيانات الموالية لها وما تواجهه من محاولات لحصار تواجدها وتحجيم نفوذها. وثانيهما هو علاقة إيران بالقوى العظمى، والذي يستعرض علاقة إيران مع أمريكا ودول الترويكا الأوروبيَّة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وروسيا والصين.
أولًا: أوضاع إيران الداخليَّة
مَرَّت إيران في الآونة الأخيرة بظروف داخليَّة عصيبة لم تشهد مثيلًا لها منذ أن انتهت الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة سنة 1988م. وقد اعترف قادة النظام بصعوبة الوضع الحالي، واستشعروا خطورة ما آلت إليه الأوضاع على النظام القائم الذي تآكلت شعبيته واهتزت ثقة الإيرانيِّين فيه. ولعَلَّ تصريحات رئيس البرلمان محمد قاليباف – المقرَّب من المرشد الأعلى للثورة، والمدعوم من المتشدِّدين – هي الأبرز في هذا الشأن، حيث اعترف بأنّ “الإخفاقات المختلفة في المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة قد أدَّت إلى تدمير الرصيد الاجتماعي للنظام، وبناءً عليه فإنَّ النظام يواجه سلسلة من التهديدات”. وذكر قاليباف أنَّ “الأزمة الاقتصاديَّة خلقت بطالة وسَبَّبت للنظام أضرارًا اجتماعيَّة على نطاق واسع”. وحذر من أنَّ “الفساد تهديد مُقلِق، لأنَّه تغلغل في نسيج الهياكل المختلفة للنظام”([1]).
أ – الوضع السياسي:
شهدت إيران أحداثًا سياسيَّة عديدة في النصف الأوَّل من 2020م، كان أهمها: انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء التي فاز بها المحافظون، وثار حولها جدل شديد بسبب تدخل النظام لإقصاء الإصلاحيِّين. وانتخاب محمد قاليباف رئيسًا للبرلمان الذي سيطر عليه المتشدِّدون. والأداء الحكومي في ملف أزمة كورونا بما صاحبه من انتقادات بسبب الانهيار الذي أصاب أجهزة الدولة في مواجهتها للجائحة.
1 – الانتخابات البرلمانيَّة وتكميليَّة مجلس الخبراء:
أجريت انتخابات البرلمان الإيراني في دورته الحادية عشرة في شهر فبراير، وأجريت على هامشها انتخابات تكميليَّة لاختيار سبعةٍ من المرشحين لشغل المقاعد الشاغرة بوفاة أصحابها في مجلس خبراء القيادة المعني باختيار المرشد الأعلى للثورة وعزله ومراقبة أعماله. وكان النظام ينظر إلى الانتخابات كفرصةٍ لإظهار شعبيته من خلال الحشود الانتخابيَّة، في حين كانت المعارضة تدعو للمقاطعة لتعرية النظام وإفقاده الغطاء الديمقراطي([2]). وقد لجأ النظام إلى سلاح رفض الأهليَّة في استبعاد المعتدلين والإصلاحيِّين بواسطة مجلس صيانة الدستور، الأمر الذي مَهَّد الطريق لفوز المحافظين فوزًا كاسحًا، وسط انتقادات خارجيَّة وداخليَّة لهذا الإقصاء. وتراوحت نسبة المشاركة بين 20٪ و42٪ وفق الأرقام المعلنة من جانب المعارضة والحكومة. وأرجع المعارضون تراجع نسبة المشاركة عن آخر انتخابات إلى إحباط الشعب ويأسِه من التغيير عن طريق الانتخابات واستبعاد المعتدلين والإصلاحيِّين وغياب روح التنافسيَّة ورغبة الشعب في سحب الشرعيَّة من النظام الحاكم ومعاقبته على ما سبق الانتخابات من عنف شديد في مواجهة الاحتجاجات الشعبيَّة وسقوط عدد كبير من القتلى([3]). هذا في حين نسب أنصار النظام هذا الإحجام إلى فشل حكومة روحاني في تلبية احتياجات المواطنين ومسؤوليتها عن تدهور الوضع الاقتصادي وصعوبة الظروف المعيشيَّة وانتشار فيروس كورونا، ولم تفتهم الإشارة إلى المؤامرات الخارجيَّة وحملات الدعاية المعادية للجمهوريَّة الإسلاميَّة.
وعلى الرغم من المؤشرات السلبيَّة لإحجام المواطنين عن التصويت ودلالتها على تآكل شعبيَّة النظام الحاكم وفشله في كَسْب ثقة الشعب وإخراجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع عن طريق إذكاء روح الوطنيَّة واستخدام التأثير الديني، فإنَّ المُحصِّلة النهائيَّة هي فوز أنصاره من المحافظين وسيطرتهم على البرلمان ومجلس خبراء القيادة، في سبيلهم إلى السيطرة على جميع مؤسَّسات الحكم.
أمَّا الإصلاحيُّون وأنصارهم من المستقلِّين والمعتدلين فلم تكن هزيمتهم في الانتخابات مجرَّد هزيمة في جولة انتخابيَّة، وإنما كانت هزيمة للمشروع الإصلاحي بشكل عام، وإعلانًا واضحًا عن فشله في الصمود أمام المحافظين، وعدم قدرته على تحقيق ما وَعَد به مِن إمكانيَّة تغيير النظام الإيراني وإصلاحه من خلال المؤسَّسات القائمة، وتبخر ما بشر به مِن رخاءٍ في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي الذي تمَّ التوصُّل إليه مع أمريكا والقوى الكبرى في عام 2015م، وهو الاتفاق الذي كان الإيرانيُّون يأملون في كسر عزلة إيران السياسيَّة ودعم اقتصادها من خلاله([4]).
ولعَلَّ أخطر ما يواجه النظام بعد هذه الانتخابات هو تقوية شرعيَّة الاحتكام إلى الشارع، واختيار الشعب الاحتجاج والتظاهر وسيلة للوصول إلى الأهداف المنشودة، وهو ما تؤكِّده استطلاعات رأي مختلفة.
2 – قاليباف رئيسًا للبرلمان:
عُقِدت في 27 مايو الجلسة الأولى للبرلمان الإيراني بتشكيلته الجديدة التي يسيطر عليها المحافظون بـ220 مقعدًا في مقابل 19 مقعدًا للإصلاحيِّين و40 للمستقلِّين. وفاز محمد باقر قاليباف برئاسة البرلمان بعد أن صوَّتت له الكتلة المحافظة([5]). وهو قائد سابق في الحرس الثوري، ومرشح رئاسي سابق، وتولَّى رئاسة الشرطة وعموديَّة طهران، ويَنتمي إلى التيَّار المحافظ.
وبانتخاب قاليباف وسيطرة المحافظين على البرلمان، صار المشهد التشريعي والرقابي يتصدره المتشدِّدون، وزادت هواجس الخلاف بين السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة، ولهذا فقد دعا المرشد الأعلى في كلمته للبرلمان إلى “تجنّب الحُبِّ والكراهية الحزبيَّة في أداء المهام”([6]). وهو نفس المعنى الذي أكَّد عليه الرئيس الإيراني روحاني في كلمته التي قال فيها إنَّ أعضاء البرلمان مسؤولون أمام المواطنين، مشيرًا إلى ضرورة أن ينصب اهتمام النوَّاب على مصالح الوطن وأمنه القومي وثقافته، وأن تكون هذه الأمور مقدَّمة على المصالح الشخصيَّة والسياسيَّة الضيقة([7]).
وقد أعلن قاليباف عن توجهات البرلمان في ظِلِّ رئاسته من خلال كلمته الافتتاحيَّة التي وَجَّه فيها رسائل إلى الداخل والخارج، وركَّز فيها على ما يلي:
- أنَّ البرلمان سيقوده المرشد الأعلى للجمهوريَّة الإسلاميَّة، وكلماته خارطة طريق للسنوات الأربع المقبلة.
- أنَّ استراتيجيَّة التعامل مع الولايات المتحدة “الإرهابيَّة” هي استكمال سلسلة الانتقام لدَم الشهيد سليماني وصولًا إلى طرد الجيش الأمريكي من المنطقة.
- أنَّ المفاوضات والتسوية مع الولايات المتحدة غير مثمرة وضارة.
- أنَّ البرلمان ملتزم بمواصلة دعم محور المقاومة كاستراتيجيَّة غير قابلة للتغيير، ويَعتبر أنَّ من واجبه الثوري دعم الشعب الفلسطيني، وحزب الله، وجماعات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي، والشعب اليمني المضطهد([8]).
ولا شك في أنَّ هذا التوجُّه المتشدِّد من جانب المحافظين لا يتفق في مجمله مع توجُّهات الرئيس روحاني الذي لَمَّح إلى هذا الهاجس في دعوته إلى تعاون السلطتين (التشريعيَّة والتنفيذيَّة)، قائلًا: “يمكن للحكومة والبرلمان التعاون في العديد من المجالات، لكن أفضل تعاون هو موافقة البرلمان على مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة([9]). وهو ما قابله قاليباف باتهام روحاني وحكومته ضِمنيًّا بعدم الكفاءة، قائلًا: “نتيجة عدم الكفاءة الإداريَّة المشبعة في البلاد وابتعاد المسؤولين عن مبادئ الثورة، انخفض الرصيد الاجتماعي”([10]). وتعهَّد قاليباف بتقويم مسار السلطة التنفيذيَّة التي تعوِّل على الغرب، قائلًا إنَّ “توسيع نفوذ التيَّار الغربي تهديد مهم آخر، ويجب النظر إليه بجديَّة. وما يجعل الموقف أكثر خطورة هو النموذج الإداري للسلطة التنفيذيَّة في البلاد، والذي لا يؤمن بالعديد من مبادئ النموذج الإداري الجهادي ومكوناته. وفي مثل هذه الظروف، يمكن للمجلس الحادي عشر، توجيه الحكومة في الاتجاه المطلوب، من خلال تعامل منطقي وثوري مع الحكومة، وباستخدام قدراته التشريعيَّة والرقابيَّة بشكل خاص، وفي سياق تحقيق رسالة قائد الثورة([11]).
وتؤكِّد هذه التصريحات أنَّ الرئيس روحاني سَوف يواجه مزيدًا مِن الضغوط خلال ما تبقى له مِن فترة رئاسته الثانية والأخيرة، والتي تنتهي في عام 2021م، وأنَّ البرلمان بتركيبته الجديدة سوف يؤثر على سياسته الداخليَّة بما لديه من سلطة الرقابة على قرارات الحكومة وقدرة على عرقلة إصدار القوانين. كما أنَّه سوف يؤثر على سياسته الخارجيَّة التي تميل إلى الانفتاح، فالمحافظون المتشدِّدون يَرفضون أيَّ مفاوضات مع الغرب، ويَتطلَّعون إلى التخلِّي عن الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في عام 2018م.
3 – كورونا والأداء الحكومي:
في أواخر فبراير، أعلنت الحكومة الإيرانيَّة عن وصول فيروس كورونا إلى إيران، وذلك بعد وفاة رجل أعمال كان قد عاد من الصين إلى مدينة قم. وبعدها بأيَّام، أكَّدت الجهات الرسميَّة ظهور حالات الإصابة في 25 محافظة، وأنَّ مدينة قم صارت بؤرة من بؤر تفشي المرض، ليتحوَّل انتشار الفيروس بعد ذلك إلى كارثة شبَّهها البعض بكارثة تشيرنوبل التي كانت سببًا في انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويتهم المعارضون النظام الإيراني بأنَّه كان على علم بوصول الفيروس إلى إيران ووفاة مواطنين إيرانيِّين منذ 21 يناير، وذلك بناءً على معلومات المرضى الذين حُجزوا في المستشفيات في أوَّل فبراير والعيِّنات الجينيَّة التي أثبتت أنَّ المرض انتقل إلى إيران بعد فترة وجيزة من ظهوره في مدينة ووهان الصينيَّة، ومحاضر اجتماعات المسؤولين في وزارة الصحة التي ناقشت استعداد البلاد لمواجهة الفيروس.
ويُرجع مراقبون تجاهل النظام لهذه الجائحة في البداية وتباطئه في الإعلان عنها وتأخره في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها إلى عِدَّة عوامل:
- العامل الاقتصادي، حيث تخوَّف النظام من تضرُّر الاقتصاد في حالة تقييد التجارة عبر الحدود وإغلاق الصناعات وفرض الحظر الصحي على مدن بأكملها ووضع قيود على السفر. حتى إنَّ شركة «ماهان» للطيران التابعة للحرس الثوري لم تتوقف عن رحلاتها إلى المدن الصينيَّة بعد انتشار الوباء فيها. ويَرى البعض أنَّها السبب في جلب الفيروس إلى إيران أو تفاقمه على الأقل.
- العامل السياسي، حيث تأخر النظام في اتخاذ الإجراءات الصحيَّة اللازمة من أجل حشد أكبر عددٍ ممكن من المواطنين في الانتخابات البرلمانيَّة التي أجريت في شهر فبراير، وهي الانتخابات التي لم يكن النظام على استعداد لتأجيلها، لأنَّها كانت تمثل استفتاءً على شرعيَّته بعد حركة الاحتجاجات الشعبيَّة الواسعة التي شهدتها البلاد.
- العامل الديني، حيث أصَرَّ رجال الدين والمتشدِّدون على إبقاء الأضرحة والمزارات الدينيَّة مفتوحة للزائرين على الرغم من خطورة الزحام وإمكانيَّة إصابة الزائرين بالفيروس.
لم يتخد المسؤولون الإيرانيون التدابير الصحيَّة المعتادة في مثل تلك الأحوال؛ فقد رفضوا فرض حجر صحي على مدينة قم، ولم تهتم السلطات بإجراء فحوصات مخبريَّة في المدينة ومناطق الازدحام، كالعتبات المقدسة. وسرعان ما انتقلت الإصابات بالفيروس إلى أفرادٍ من السلطتين التنفيذيَّة والتشريعيَّة والمؤسَّسة الدينيَّة؛ حيث ثبتت إصابة عدد من المسؤولين ونوَّاب البرلمان ورجال الدين([12]).
ومع تفشي الوباء وزيادة عدد الوفيات والإصابات، اتهمت الحكومة الإيرانيَّة بالافتقار إلى الشفافيَّة، وتعرَّضت لحملة من الانتقادات لعجزها عن اتخاذ تدابير وقائيَّة، مِمَّا سمح للفيروس بالوصول إلى إيران في وقت مُبكِّر والانتشار فيها بصورة أسرع من نفاذه إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط. وفي مارس، وَجَّه 100 من أساتذة الجامعات والناشطين رسالة إلى خامنئي حمَّلوه فيها مسؤوليَّة تحويل جائحة كورونا إلى كارثة قوميَّة بسبب سيطرته على صندوق النقد الأجنبي والمؤسَّسات الكبرى واتخاذ قرارات استبداديَّة مضحكة حول رفض قبول المساعدات الخارجيَّة وطرد منظمة أطباء بلا حدود وترويج الخرافات والتستر على الأوضاع وإخفاء الحقائق([13]).
وفي إبريل، توجَّهت الحكومة الإيرانيَّة نحو سياسة التعايش مع الفيروس، حيث قرَّرت إنهاء سياسة الإغلاق التام وفتح النشاط الاقتصادي. ثم فتحت العتبات المقدَّسة للزائرين، وسمحت باستئناف الدراسة في الحوزات العلميَّة في شهر مايو. غير أنَّ إيران دخلت مع حلول شهر يونيو في موجة جديدة من تفشي فيروس كورونا، وهي الموجة التي يُرجعها المسؤولون إلى تمسُّك الإيرانيِّين بالعادات الموروثة في مناسباتهم الاجتماعيَّة، كحفلات الزفاف ومراسم العزاء.
ب – الوضع الاجتماعي:
صاحب انتشار فيروس كورونا في إيران في النصف الأوَّل من 2020م ظهور العديد من القضايا الاجتماعيَّة التي كشفت عن حالة من الانقسام الثقافي والفكري بين النخب الإيرانيَّة، وهو ما ظهر في قضيَّة إغلاق العتبات المقدَّسة ومنع التجمعات الدينيَّة. ولم يكن الخلاف بين المؤسَّسة الطبيَّة ورجال الدين فقط، وإنما كان بين رجال الدين الذين انقسموا بين مؤيِّد ومعارض أيضًا. وقد هيمنت نظريَّة المؤامرة على مواقف الأطراف المختلفة وشاعت بينها أجواء الريبة والتشكيك، وهو ما يمكن إرجاعه إلى ميراثِ عقودٍ من استغلال هذه النظريَّة في المجتمع الإيراني من جانب الدولة التي كثيرًا ما تلجأ إلى العدو الخارجي وتستدعي مؤامراته من أجل التغطية على المشاكل الداخليَّة والتستر على سوء الأداء وضمان التأييد الداخلي وقت الأزمات.
1 – إغلاق المزارات الدينيَّة:
مع تفشي فيروس كورونا في إيران، تصاعدت الدعوات من مسؤولي الصحة لإغلاق المراقد والعتبات المقدَّسة لدى الشيعة، وعلى رأسها حرم المعصومة في مدينة قم التي تحوَّلت إلى بؤرة لتفشِّي المرض وانتقاله إلى باقي المدن الإيرانيَّة، وذلك خشية أن يتسبَّب الزحام في نشر الفيروس بين الزائرين. وقد قوبلت هذه الدعوات في البداية برفض تامٍّ من بعض رجال الدين، وعلى رأسهم آيه الله محمد سعيدي، ممثل خامنئي في قم ومتولِّي حرم المعصومة، الذي قال: “نحن نعتبر هذا الحرم المقدَّس دارًا للشفاء، ودار الشفاء تعني أن يأتي الناس إليها للاستشفاء من الأمراض النفسيَّة والبدنيَّة، ويجب أن يظل الحرم مفتوحًا، وأن يأتي الناس إليه بكثافة”([14]). وتعود معارضة رجال الدين لفرض الحجر على قم وإغلاق المراقد والعتبات المقدَّسة إلى خوفهم من زعزعة إيمان المتدينين الشيعة وتشويه الصورة المقدَّسة التي رُسِمَت لهذه المدينة على مَرِّ التاريخ، إذْ كيف تُغلِق أبوابَها في وَجْه مَن يلوذ بها من الشيعة وهي “عش آل محمد ومأوى شيعتهم” بحسب الحديث المنسوب إلى الإمام الكاظم، وكيف يتفق انتشار الوباء فيها وانتقاله منها إلى غيرها مع ما بَشَّر به الإمام الصادق من أنَّ “البلاء مدفوع عنها”، ودعائه لها بأن يعصمها الله من كلِّ فتنةٍ وينجيها من كلِّ هلكةٍ؟! وكيف تغلق الأضرحة وهياكلها مضادة للبكتريا وتمنع انتشار الأمراض المعدية، بل هي سَدٌّ مُحكَم في وَجْه كورونا كما زعم موقع العتبة المقدسة لحرم المعصومة؟!([15]) وفي المقابل، وافق رجال دين آخرون على إغلاق المزارات الدينيَّة، ومنهم آية الله نوري الهمداني وآية الله مكارم الشيرازي وأمثالهما من رجال الدين الذين حثوا المواطنين الإيرانيِّين على رعاية التعليمات الصحيَّة.
لقد أدَّت ممانعة رجال الدين لفرض الحجر على قم وإغلاق المزارات الدينيَّة إلى تأخير كبير في تطبيق التدابير الوقائيَّة الضروريَّة، وهو ما أدَّى إلى انتشار الوباء في قم وزيادة اعداد المصابين بفيروس كورونا، الأمر الذي لم يدع لأحدٍ حجة لرفض الإغلاق، حيث قرَّرت الحكومة في 16 مارس إغلاق المراقد والعتبات لمحاصرة الفيروس الذي أصاب عددًا كبيرًا من مسؤولي الدولة والمواطنين، وبرَّر رجال الدين ذلك بمبررات فقهيَّة ومذهبيَّة. ثم عادت الحكومة إلى إصدار قرار في شهر مايو بفتح العتبات المقدسة بشروط وضوابط مشدَّدة.
2 – الشيرازيون ولعق الأضرحة:
نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو يَظهَر فيها بعضُ الإيرانيِّين وهم يلعقون ضريح المعصومة في قم وضريح الإمام الرضا في مشهد، في تحدٍّ منهم لقرار الحكومة بإغلاق المراقد والعتبات المقدَّسة بعد انتشار فيروس كورونا، وتأكيدًا لقداسة هذه الأماكن، وتنزيهًا لها عن أن تكون سببًا في نشر الأوبئة. ثم نشر بعد ذلك مقطع آخر يُظهِر مجموعة من الإيرانيِّين وقد تجمَّعت في حرم المعصومة، وحاولت فتح أبوابه واقتحامه بالقوة([16]). وأعلنت السلطات الإيرانيَّة فيما بعد إلقاء القبض على لاعقي الأضرحة وأولئك الذين حاولوا اقتحام الحرم في قم بتهمة إهانة الدين والإخلال بالنظام العام. وقوبلت هذه الممارسات بموجة استنكار شديدة، ركَّزت على أنَّ هذه الممارسات غير مألوفة ومخجلة ولا علاقة لها بالتشيُّع ومخالفة للقرآن. ووَصَفها البعض بأنَّها ممارسات داعشيَّة، وأنَّها بعيدة عن الفكر الشيعي والإسلامي، وتصرُّف مهين للشيعة([17]). وفيما بعد، أعلنت وسائل إعلام إيرانيَّة أنَّ المقبوض عليهم من كوادر التيَّار الشيرازي، وأنَّ لاعق الأضرحة من أتباع هذ التيَّار([18])، وأنَّهم قد أتاحوا الفرصة لوسائل الإعلام الغربية و”الوهابيَّة” من أجل الإساءة إلى التشيُّع ورَمْي الشيعة بالجهل والخرافة([19]). والشيرازيون تيَّار ديني يتبع المرجع المتوفى محمد الحسيني الشيرازي، ويرجعون في تقليدهم الآن إلى أخيه صادق الشيرازي. وقد اختلف هذا التيَّار مع الخميني واشتد خلافه مع الخامنئي بسبب انخراطهما في السياسة وفتاويهما بتحريم سَبِّ الصحابة والتطبير (شق الرأس بالسيف، وضرب الأجساد بالجنازير). ويصفهم النظام الإيراني بأنَّهم «شيعة لندن» أو تيَّار «التشيُّع البريطاني»، في إتهام صريح لهم بالعمالة لبريطانيا التي تعتبر أهم مقراتهم التي تنطلق منها قنواتهم الفضائيَّة وتحتضن أنشطتهم الدعويَّة المختلفة. ويَرى فيهم غطاءً لاستهداف الجمهوريَّة الإسلاميَّة. والواقع أنَّ هذا التيَّار يُعدُّ من أشد التيَّارات تكفيرًا وتطرفًا وغلوًّا، ويعمل على إبعاد الناس عن التعقل والتدبر وكلِّ ما يمت إلى التفكير بصِلَة، ويؤمن بأن التقريب بين الشيعة والسُّنَّة سوف يقضي على فكر أهل البيت. وتعرف هذه الفرقة بشعائرها التي تُشوِّه فكر أهل البيت وتمسخه بتمسكها الشديد بالتطبير واللطميَّات والخرافات تحت ذريعة الطقوس الحسينيَّة([20]). ويَعتبر الشيرازيون غيرَهم من المسلمين السُّنّة كفارًا لأنَّهم لا يؤمنون بولاية الإمام عليٍّ، ويُكفِّرون مخالفيهم من الشيعة أيضًا.
3 – نظريَّة المؤامرة:
تعمد بعض الأنظمة إلى نظريَّة المؤامرة واستدعاء العدو الخارجي في صرف الأنظار عن أخطائها وتبرير مشاكلها الداخليَّة، وقد ظهر هذا جَليًّا في تعامل النظام الإيراني مع أزمة كورونا، حيث استدعى منذ اليوم الأوَّل العدو الأمريكي ونَسَب الأزمة إلى مؤامراته المتواصلة ضد الجمهوريَّة الإسلاميَّة، وهو ما ذهب إليه المرشد الأعلى للثورة الذي قال إنَّ بلاده قد تتعرَّض إلى “حرب بيولوجيَّة”، ولكنه لم يذكر الأدِلَّة التي توحي إلى تعرُّض بلاده إلى هذه الحرب([21]). كما رفض أيَّ مساعدات طبيَّة من أمريكا، بحجة أنَّه لا يمكن الوثوق بأيِّ أدوية ترسلها واشنطن، لأنَّها قد تنشر الفيروس بصورة أكثر أو تتسبب في بقائه.
وفي رَدِّه على الاتهامات الموجَّهة إلى الحكومة الإيرانيَّة بشأن التقصير في مواجهة تفشي فيروس كورونا وأزمة انعدام الثقة فيما تقدمه من معلومات حول تطورات الأزمة، لجأ روحاني إلى نظريَّة المؤامرة أيضًا، واتهم “عدو إيران اللدود” بمحاولة استخدام الفيروس لغرس “الخوف” في الناس، وقال إنَّه “يجب ألَّا يتحوَّل فيروس كورونا إلى سلاح لأعدائنا لإيقاف العمل والإنتاج في بلدنا”، مضيفًا أنَّ الأمريكيين يعانون أيضًا([22]).
ويتجاهل آية الله سعيدي واقع مدينة قم وتحوُّلها إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا، ويُصوِّر المطالب بفرض الحجر الصحي على المدينة في صورة مؤامرة مشتركة بين عدو أجنبي ومرتزقة محليِّين للنيل من مكانة المدينة، ويقول: “لا أحد يسمح للعدو بتصوير قم على أنَّها مدينة غير آمنة؛ هزيمة قم هي حلم ترامب الخائن ومرتزقته المحليِّين، لكن هذا الحلم لن يتحقق حتى في قبرهم… والآن أصبح واضحًا أنَّ هذا الرجل الخبيث والقذر والشيطاني [ترامب] استهدف قم كونها حرم آل محمد ومَهْد الثورة الإسلاميَّة وملاذ شيعة العالم… وموطن أولئك الشجعان والأبطال والمخلصين للمرشد الأعلى. [ترامب] يريد أن يجعل من فيروس كورونا ذريعة لضرب مكانة قم الثقافيَّة”([23]).
وفي نفس السياق، جاء تعامل النظام الإيراني مع منظمة أطباء بلا حدود، حيث وافق في 22 مارس على تلقي مساعدات طبيَّة من هذه المنظمة المستقلَّة التي يقع مقرها في فرنسا، ثم عاد وطلب من المنظمة وقف نشاطها في إيران بعد أيَّام بحجة أنَّ البلاد ليست في حاجة للمستشفى الميداني الذي تكفلت بإقامته في أصفهان. وجاء القرار بعد حملةٍ شنَّها المتشدِّدون ووسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري ضد المنظمة، متهمين العاملين فيها بأنَّهم جواسيس، ودعوا إلى منعهم من دخول إيران([24]). ويَعكِس هذا التصرُّف حالة من الارتباك والتخبط في تعاطي طهران مع الأزمة من ناحيةٍ، ويتماشى مع تصريحات خامنئي المشككة في المساعدات الخارجيَّة والمضخمة من دور المؤامرة الأجنبيَّة من ناحيةٍ أخرى.
ج – الوضع الاقتصادي:
واجه الاقتصاد الإيراني في النصف الأوَّل من 2020م تحديات عديدة عمَّقت من الأزمة الاقتصاديَّة الطاحنة التي تواجهها إيران منذ أن أعادت أمريكا فرض العقوبات الاقتصاديَّة عليها في 2018م، والتي أدَّت إلى زيادة معدلات البطالة وغلاء الأسعار ونقص السلع الأساسيَّة وتدهور حالة المواطن المعيشيَّة.
بدأت هذه التحديات في يناير، حين وجدت إيران نفسَها أمام معدلات كارثيَّة لتفشِّي فيروس كورونا الذي صادف انتشاره وضعًا اقتصاديًّا متدهورًا، وزاد الأمر سوءًا بعد أن ضُرِبَت قطاعات اقتصاديَّة كانت الحكومة الإيرانيَّة تُعوِّل عليها في محاولاتها للخروج من أزمتها الاقتصاديَّة، مثل السياحة والتجارة المحليَّة والخارجيَّة. ولمواجهة هذه الجائحة على المستوى الاقتصادي، قامت الحكومة الإيرانيَّة باتخاذ عِدَّة تدابير خلال الشهور التالية، منها تخصيص 20٪ من الميزانيَّة الجديدة لمواجهة تداعيات كورونا تقدَّم في شكل قروض للمُتضرِّرين ومساعدات للشركات وأصحاب الأنشطة الاقتصاديَّة المُتضرِّرة، وتقديم دعم مادي لأربعة ملايين أسرة تضرَّر عائلها وتوقف عن العمل، وتأجيل سداد المستحقات الماليَّة من ضرائب وتأمينات وأقساط بنكيَّة وفواتير خدميَّة، وتحمُّل 90٪ من تكاليف علاج المصابين بالفيروس. كما تمَّ رفع الحَدِّ الأدنى للأجور بنسبة 21٪ لمواجهة زيادة تكاليف المعيشة والتضخم، وهو ما واجه انتقادات شديدة بسبب عدم تساوي الزيادة مع معدل التضخم. ولكن قدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم الدعم للمُتضرِّرين والوفاء بالتزاماتها مشروطة بالقضاء على الفيروس في الأمد القريب. ويتوقع البعض زيادة معدلات التضخم بسبب هذه السيولة النقديَّة التي يتم ضخها في الأسواق الإيرانيَّة في ظِلِّ توقف عجلة الإنتاج، وتآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي لتراجع صادرات النفط وانخفاض أسعاره وتوقف السياحة، وهو ما سيدفع الحكومة للاقتراض من الدائنين في الداخل والخارج لمواجهة عجز الميزانيَّة وتوفير موارد مالية للوفاء بتعهداتها تجاه المُتضرِّرين. ولهذا فقد لجأت الحكومة في الشهور التالية إلى «صندوق التنمية الوطني»، حيث وافق المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي في شهر إبريل على سحب مليار يورو من الصندوق لحساب الحكومة، كما قامت الحكومة في مارس بطرح سندات وأسهم شركات حكوميَّة للبيع. وعلى الصعيد الخارجي، أعلنت إيران في مارس عن طلب قرض من صندوق النقد الدولي، وهو ما رفضته الولايات المتحدة بشدة.
وفي خطوة تعبر عن عدم القدرة على تحمُّل الاقتصاد الإيراني للتوقف طويل الأمد، أقدمت الحكومة في إبريل على إعادة فتح النشاط الاقتصادي والتخلِّي عن سياسة الإغلاق التام، وهي مخاطرة شديدة في ظِلِّ ارتفاع أعداد المصابين، ولكنها في الوقت نفسِه خطوة لا يمكن تأجيلها بسبب تعرُّض ما يقرب من 20 مليون عامل وموظف لأضرار مباشرة بسبب الإغلاق، منها الطرد وتقليل الرواتب.
وفي فبراير، كانت إيران على موعد مع تحد اقتصادي جديد، حيث أدرجتها مجموعة العمل المالي (FATF) في القائمة السوداء، وذلك لرفض الإيرانيِّين الالتزام بقواعد الشفافيَّة في المعاملات الماليَّة ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد جاء قرار المنظمة رَدًّا على تهرُّب إيران من الالتزام بقواعد المنظمة التي يرفض المحافظون الموافقة عليها رغم محاولة حكومة روحاني إقناعهم بأهميتها في مواجهة الحصار الاقتصادي الأمريكي([25]). ويُرجع المحللون الموقف الإيراني إلى خوف المعترضين من التداعيات السياسيَّة والأمنيَّة الناتجة عن الالتزام بقواعد المنظمة، لأنَّها تطالب إيران بالكشف عن حجم تحويلاتها الماليَّة إلى الكيانات الأجنبيَّة المرتبطة بالنظام الإيراني، مثل حزب الله والحوثيِّين والحشد الشعبي، بالإضافة إلى الكشف عن التحويلات الماليَّة بين إيران والشركات الدوليَّة التي تتعامل مع إيران بطرق سريَّة للالتفاف حول العقوبات الأمريكيَّة. ولا شك أنَّ هذا الإدراج سوف يزيد من مشاكل إيران، لأنه سوف يؤدِّي إلى إغلاق الحسابات البنكيَّة للإيرانيِّين في الخارج، وتقليص التجارة الخارجيَّة لخوف الشركاءالتجاريين من تبعات مخالفة لوائح المنظمة، والتأثير على استقرار سعر الصرف ومعدلات التضخم([26]).
ومع حلول شهر مارس، تم إقرار الميزانيَّة الإيرانيَّة للعام المالي 2020–2021م، من خلال مجلس صيانة الدستور، وذلك بعد أن رفضها البرلمان لأسباب عديدة، منها الخلاف بين الحكومة والبرلمان على واقعيَّة مصادر التمويل في ظِلِّ تقلُّص صادرات النفط بسبب العقوبات الأمريكيَّة وزيادة الاعتماد على الضرائب والرسوم والخدمات الحكوميَّة كمصدر للتمويل مع وجود أزمة كورونا التي أثرت على نشاط الممولين وقدرة المواطنين على السداد([27]). وقد جاء تدخل خامنئي في تحويل الميزانيَّة إلى مجلس صيانة الدستور لتعليق عمل البرلمان بسبب كورونا. وبحسب البيانات الرسميَّة، فإنَّ حجم الموازنة العامة يبلغ 134.2 مليار دولار وفق السعر الرسمي، حيث يُحدِّد البنك المركزي سعر الدولار بقيمة 4200 تومان، بينما يبلغ قرابة 15300 تومان في السوق الموازية وقت إقرارها. وتُعدُّ هذه الميزانية الأقل اعتمادًا على النفط في تاريخ البلاد.
وفي شهر إبريل، نشرت «هيئة الرقابة الماليَّة» تقريرًا اتهمت فيه الحكومة بإهدار 4.8 مليار دولار من الأموال المخصَّصة لاستيراد السلع الأساسيَّة المدعومة والموجَّهه للشرائح الفقيرة من المجتمع الإيراني. وذكر التقرير أنَّ هذا المبلغ الذي حصل الموردون عليه بسعر الصرف الرسمي المخفض لم ينفق فيما خُصِّص له، وأنَّه ربما تمَّ بيعه في السوق السوداء بسعر الصرف الحُر. وقد فجَّر هذا التقرير الخلاف بين حكومة روحاني الذي هاجم هيئة الرقابة واتهمها بالجهل بالقوانين وعدم التعاون مع الجهات المختصَّة، والمحافظين الذين سارع أقطابهم إلى تأييد التقرير ومطالبة المدعي العام بالتحقيق في الأمر ومحاسبة المتورطين فيه من موظفي الوزارات المعنيَّة.
وفي شهر مايو، واصلت العملة الإيرانيَّة انهيارها في مقابل الدولار الأمريكي، حيث تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ20 ألف تومان لأوَّل مَرَّة في تاريخ النقد الأجنبي في إيران. وكانت العملة الإيرانيَّة قد فقدت أكثر من 30٪ من قيمتها منذ بداية عام 2020م. وتأتي هذه الزيادة بالتزامن مع تراجع احتياطيات إيران من العملات الأجنبيَّة بفعل العقوبات، والتي يُنتظر أن تنخفض إلى 40 مليار دولار على مدى العامين المقبلين وفقًا لمؤسَّسة التمويل الدوليَّة. ويَصِف المسؤولون الصعود في سعر صرف الدولار بالمؤقت، وأنَّه جزء من حرب نفسيَّة تمارَس ضد إيران لخلق قلق غير واقعي. هذا في حين ذكر الرئيس روحاني أنَّ بلاده صَدَّرت سلعًا بقيمة 20 مليار يورو في نهاية عام 2019م، وأنَّ هذه الأموال لم تعد لإيران حتى الآن، وهو سبب مهم لتقلبات العملة. والواقع أنَّ العملة الإيرانيَّة واصلت انهيارها في شهر يونيو، ووَصَل سعر صرف الدولار إلى 25 ألف تومان، بل ويتوقع البعض وصوله إلى 40 ألف تومان([28]).
وشهد شهر يونيو خطوة جديدة من خطوات الخصخصة في إيران، وذلك من خلال السماح لأصحاب أسهم «العدالة» بتداولها في بورصة طهران، وذلك بعد 15 عامًا من بيع أسهم شركات حكوميَّة بأسعار منخفضة لمحدودي الدخل في عمليَّةٍ حملت هذا الاسم، ولكن لم يكن لأصحابها الحق في بيعها قبل ذلك. جاء هذا الإجراء بعد موافقة المرشد الأعلى على طلب الحكومة بهذا الشأن([29]). ويعزي البعض هذه الخطوة المتأخرة إلى المشاكل الاقتصاديَّة التي تعيشها إيران، والتي تفاقمت بعد كورونا، لأنَّ طرحها سوف يعمل على إنعاش سوق المال من خلال مشاركة المواطنين في البيع والشراء، وتحقيق شيءٍ من السيولة الماليَّة لأصحاب هذه الأسهم.
د – الوضع العسكري:
شهدت إيران العديد من الأحداث والأنشطة العسكريَّة خلال النصف الأوَّل مِن 2020م، وتأتي هذه الأحداث والأنشطة في إطار ما تؤكِّد عليه إيران دائمًا وأبدًا مِن حقِّها الشرعي في تطوير إمكانياتها الدفاعيَّة، وأنَّها لا تستهدف أحدًا، في حين ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا والشرق الأوسط أنَّ إيران تسعى إلى تطوير قدراتها العسكريَّة في إطار خطتها التوسعيَّة في المنطقة ولأهداف عدوانيَّة.
كانت بداية الأحداث مع شهر يناير، حينما قامت إيران باستهداف قاعدتي «عين الأسد» و«حرير» الأمريكيتين في العراق بقصف صاروخي، وجاء هجومها على القاعدتين رَدًّا على قيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، وهي العمليَّة التي نالت من المسؤول الأوَّل عن النشاط العسكري خارج إيران، ودفعت بالبلدين إلى حافة المواجهة العسكريَّة المباشرة. وقد وُصِف هذا الرَّد المحدود بالضعيف، لأنه لم يُلحِق ضررًا بالقوَّات الأمريكيَّة، رغم إعلان مصادر من الحرس الثوري مقتل 80 أمريكيًّا([30])، ولكنه حافظ على ماء الوَجْه للمسؤولين الإيرانيِّين الذين توعَّدوا بالثأر من ناحيةٍ، وحال دون وقوع حرب شاملة لا يمكن لإيران تحمُّل تبعاتها العسكريَّة والماديَّة من ناحيةٍ أخرى. وهو ما يتضح من تصريح وزير الخارجيَّة الإيراني جواد ظريف حينما قال إنَّ إيران “لا تسعى إلى الحرب أو التصعيد”([31]). وفي المقابل، أكَّدت أمريكا رغبتها في خفض التصعيد على لسان ترامب الذي لوَّح بإمكانيَّة أن يكون لإيران مستقبل مشرق إذا اختارت وقف دعمها للإرهاب وخفض التصعيد([32]). وجاء هذا الرَّد في ظِلِّ قيادة إسماعيل قاآني، الذي خلف سليماني في منصبه بعد ساعات من اغتياله. وكان مقتل سليماني وتعيين قاآني خلفًا له قد أثار التساؤلات حول مستقبل الفيلق ودوره المستقبلي. ومن المرجح أن لا يشهد الفيلق تغييرًا في برامجه كقوَّة مؤسَّسيَّة، وهو ما صرَّح به خامنئي. غير أن قاآني بطبيعته البيروقراطيَّة الإداريَّة لا يمتلك شخصيَّة زعاميَّة وبطوليَّة تحاكي شخصيَّة سليماني، ولهذا فمِن المتوقع أن تعود قيادة الفيلق إلى الظِلِّ كما كانت قبل ظهور سليماني وتحركه بشكل علني.
وفي فبراير، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانيَّة للشؤون الفضائيَّة عن فشل إطلاق القمر الصناعي «ظفر» بواسطة الصاروخ «سيمرغ» إلى الفضاء. وقال إنَّ الصاروخ سيمرغ تمكّن من حمل القمر الصناعي إلى الفضاء بنجاح، ولكنه لم يستطع بلوغ السرعة المطلوبة التي تمكّنه من وضعه في مداره المُحدَّد حول الأرض([33]). وتتهم الولايات المتحدة إيران بأنَّ إطلاقها لمثل هذه الأقمار جزء من برنامج لتطوير تكنولوجيا الصواريخ الباليستيَّة، وأنَّ الحرس الثوري قد تحايل على قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يحظر على إيران اتخاذ أي إجراء يتعلَّق بالصواريخ الباليستيَّة المُصمَّمة لحَمْل أسلحة نوويَّة. ومن جانبها، تنفي إيران المزاعم الأمريكيَّة، وتؤكِّد على أنَّ برنامجها الفضائي لا علاقة له بالأمور الحربيَّة.
وفي شهر مارس، كانت بداية دخول المؤسَّسة العسكريَّة على خط كورونا في إيران بشكل رسمي، وذلك بعد أن صرَّح قائد الحرس الثوري حسين سلامي بأنَّ فيروس كورونا قد يكون نتيجة هجوم بيولوجي يستهدف الصين ثم إيران ومن بعدهما سائر بلاد العالم، وأنَّ بلاده تواجه حربًا بيولوجيَّة. وأعلن قائد القوَّات البريَّة في الجيش إقامة مناورة للتأكيد على الجاهزيَّة للدفاع البيولوجي. ومع تحوُّل إيران إلى بؤرة لتفشي المرض وعَجْز وزارة الصحة عن مواجهة الوباء، تسلَّمت المؤسَّسة العسكريَّة – ممثلة في الجيش والحرس الثوري – ملف التعامل مع كورونا، فقامت بنشر عناصرها لرَصْد الحالات المصابة والمشتبه فيها والقيام بعمليات التعقيم وتجهيز المستشفيَّات الميدانيَّة. ويَرى البعض أنَّ هذه الخطوة جاءت كمحاولةٍ من النظام لتحسين صورة الحرس الثوري في أذهان الشعب الإيراني بعد انخراطه في عمليات القمع التي صاحبت الاحتجاجات الشعبيَّة التي راح ضحيتها عدد كبير من الإيرانيِّين وإسقاطه للطائرة الأوكرانيَّة التي كانت تقل عددًا كبيرًا من الركَّاب.
وفي إبريل، أطلق الحرس الثوري الإيراني قمره الصناعي الاستخباراتي «نور1»، وقد حَمَل هذا القمر إلى مداره الصاروخ «قاصد» الذي رُسِمَت عليه صورة قاسم سليماني في رسالة تحد للولايات المتحدة. ويمكن لهذا القمر تنفيذ عمليات استطلاع ومراقبة للقوَّات والقواعد الأجنبيَّة المتواجدة في الشرق الأوسط([34]). ويُعدُّ إطلاق هذا القمر دليلًا على قدرة إيران على تطوير إمكانياتها في ظِلِّ العقوبات الأمريكيَّة، ويأتي في إطار ما تعتبره إيران حَقٌّا مشروعًا في تطوير قدراتها الدفاعيَّة.
وفي مايو، تسلَّمت القوَّات البحريَّة في الحرس الثوري 100 زورق قتالي سريع، وتأتي هذه الخطوة في
إطار تعزيز الحرس لقوَّته في الخليج الذي يشهد حالة من التوتر بسبب اتهام أمريكا لإيران بالتحرُّش بسفنها، في حين تؤكِّد إيران أنها تمارس حَقَّها في حماية أمنها. وقد شهدت الشهور السِّت الماضية حربًا كلاميَّة بين البلدين بسبب هذا التوتر، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّه أمر البحريَّة الأمريكيَّة بإطلاق النار على أيِّ زوارق إيرانيَّة تتحرَش بسفن بلاده([35])، في حين أعلن الحرس الثوري أنَّ قائده حسن سلامي أمر قوَّات إيران البحريَّة “بتدمير أيِّ قوَّة إرهابيَّة أمريكيَّة في الخليج”، على حد تعبيره، “تهدد أمن الجيش الإيراني أو الشحن المدني”([36]). كما أكَّد قائد بحريَّة الحرس، علي تنغسيري، على أنَّ قوَّاته سوف تتعقب الأمريكان في أيِّ مكان بالخليج ومضيق هرمز([37]).
وفي يونيو، قامت بحريَّة الجيش الإيراني بمناورة في شمال المحيط الهندي وبحر عمان، أطلق عليها اسم «شهداء رمضان»، وتزامنت مع ذكرى الأربعين لقتلى الفرقاطة «كنارك» التي أصابها صاروخ إيراني بالخطأ، مِمَّا أدَّى إلى قتل 19 وإصابة 15 من طاقمها. وقد نفى الجيش الإيراني أن يكون الصاروخ قد أطلق من جانب الحرس الثوري، وأكَّد على أنَّ الحادث نتيجة عيب تقني([38]).
ثانيًا: علاقات إيران الخارجيَّة
يُمكِن القول بأنَّ مساعي أمريكا وحلفائها لحصار إيران عبر استراتيجيَّة «الضغوط القصوى» هي الإطار الذى دارت فيه العلاقات الإيرانية الخارجيَّة في النصف الأوَّل من 2020م، سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي. فقد تعرَّضت إيران على المستوى الإقليمي لمحاولات تحجيم لنفوذها عبر تجاهلها في مجموعة من التفاهمات الدوليَّة والضغط على الميليشيات والكيانات الموالية لها. كما قامت أمريكا بتكثيف الضغوط الدوليَّة علي إيران بالتعاون مع حلفائها في أوروبا وداخل أروقة الأمم المتحدة، وهو ما دفع إيران للجوء إلى روسيا والصين.
أ – إيران والعالم العربي
تدور العلاقات الإيرانيَّة العربيَّة حول النشاط الإيراني في مناطق النفوذ الأربعة، وهي سوريا والعراق ولبنان واليمن، حيث مثلت هذه البلدان الأربعة ساحة للصراع بين إيران والكيانات الموالية لها كالحشد الشعبي وحزب الله والحوثيِّين من ناحيةٍ، وأمريكا وحلفائها في أوروبا والمنطقة العربيَّة من ناحيةٍ أخرى.
1 – إيران وسوريا:
شهد ملف العلاقات الإيرانيَّة السوريَّة خلال النصف الأوَّل من 2020م العديد من الأحداث التي تدور في مجملها حول مساعي إيران من أجل حماية تواجدها على الأراضي السوريَّة وتوطيده على جميع المستويات، عسكريَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة. وتأتي هذه المساعي في وقتٍ يواجه فيه هذا التواجد مشاكل عديدة بسبب الظروف الداخليَّة الإيرانيَّة والتوافقات الدوليَّة حول سوريا.
فعلى الصعيد العسكري، تعرَّضت الميليشيات الموالية لإيران في شهر يناير لصدمة شديدة باغتيال قاسم سليماني الذي كان له دور بارز في تشكيل شبكة الميليشيات المسلحة وصياغة استراتيجياتها العسكريَّة لإدارة المعارك وتطويق المعارضة وحصارها بسياسة التجويع والطرد والتهجير. ومن المنتظر أن يترك غياب سليماني فراغًا في المنظومة الإيرانيَّة التي هندست التموضع الإيراني في سوريا، حيث كان سليماني يتحكَّم فيها ويُمسِك خيوطها بمفرده من خلال علاقته المباشرة بالقادة الميدانيِّين([39]).
كان أوَّل اختبار لهذه الميليشيات بعد اغتيال سليماني في نهاية فبراير، حينما تقدَّمت القوَّات السوريَّة في اتجاه ريف إدلب، وهو ما رَدَّ عليه الجيش التركي بقصف قوَّات الأسد والميليشيات الموالية لإيران، ما أسفر عن مقتل 21 من عناصرها. وقد اعترفت الملحقيَّة العسكريَّة الإيرانيَّة في دمشق باستهداف الجيش التركي لمواقع القوَّات الإيرانيَّة، وأنَّ هذه القوَّات امتنعت عن الرَّد. وبهذا تكون إيران قد اختارت عدم التورُّط في تصعيد عسكري مع تركيا، وهو ما يؤكِّده تصريح مندوبها لدى الأمم المتحدة بأنَّ بلاده “جاهزة للمساعدة في حَلِّ الخلافات بين تركيا وسوريا حول إدلب”([40]). ويَرجع هذا الموقف إلى رغبة إيران في المحافظة على موقف تركيا الرافض للعقوبات الأمريكيَّة ضدها. ثم كان الاختبار الثاني في شهر مايو، حينما استهدف الطيران الإسرائيلي مقرَّات ومستودعات أسلحة تابعة للميليشيات الموالية لإيران وحزب الله اللبناني، ما أسفر عن مقتل 14 من المقاتلين. وأكَّد بعدها وزير الدفاع الإسرائيلي مواصلة العمليات في سوريا حتى تخرج القوَّات الإيرانيَّة منها، مُعتبرًا أنَّ وجود قوَّات إيرانيَّة في سوريا قرب الحدود يُشكِّل تهديدًا خطيرًا([41]).
أمَّا الجدل الأكبر حول الميليشيات الموالية لإيران فقد ثار في أواخر مايو، حينما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي أنَّ إيران بدأت سحب قواتها وإخلاء عدد من قواعدها في سوريا([42]). وهو ما نفاه مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدوليَّة بقوله: “لا يوجد مبرر لقيام الجمهوريَّة الإسلاميَّة بتقليل عدد قوَّاتها في سوريا”، مؤكِّدًا أنَّ التواجد الإستشاري الإيراني سيستمر في سوريا ما دامت الحكومة السوريَّة تطلب ذلك من طهران”([43]).
وسياسيًّا، جاءت زيارة وزير الخارجيَّة جواد ظريف لسوريا في إبريل لتؤكد عمق المخاوف الإيرانيَّة من التحولات السياسيَّة في الساحة السوريَّة، فقد وَصَل ظريف إلى دمشق وسط ظروف قاسية يعيشها الداخل الإيراني بسبب العقوبات الاقتصاديَّة وتفشي فيروس كورونا وعجز الدولة عن السيطرة على الوضع. وقد فُسِّر اهتمام ظريف بالقيام بهذه الزيارة في إطار قلق إيران من تنامي مؤشرات تحجيم دورها في سوريا والحديث عن إمكانيَّة تخلِّي الروس عن حليفهم بشار الأسد.
لقد تصاعدت مؤشرات تحجيم دور إيران في سوريا في الآونة الأخيرة بعد استبعادها من التفاهمات الروسيَّة التركيَّة حول إدلب والتفاهمات الروسيَّة الإسرائيليَّة حول الجنوب السوري والانفتاح السوري على الدول العربيَّة، وهو ما أثار قلق طهران. ثم جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي إلى دمشق في مارس لتؤكِّد هذا التحجيم، فقد أكَّدت أوساط إعلاميَّة أنَّه حذر الأسد من تجاوز الاتفاقات الروسيَّة التركيَّة على خلفيَّة تلويح الأسد باستئناف المعارك بدعم من الإيرانيِّين. كما اتخذت روسيا في إبريل إجراءات ضد إيران ممثلة في الميليشيات الموالية لها، فقد أعادت توزيع الألوية والتشكيلات الموالية لروسيا بشكل منفصل عن نظيرتها الموالية لإيران في الجيش السوري، وقيَّدت تحركات الميليشيات الموالية لإيران في جنوب غرب سوريا وشمال غربها. كما استقطب الروس قيادات موالية لإيران([44]). وعلى الرغم من ذلك فقد نفت إيران على لسان وزير خارجيتها أن يكون هناك توجُّه روسي لإخراج إيران من المشهد السوري([45]).
أمَّا فيما يَخصُّ تغيُّر الموقف الروسي من الأسد فقد جاءت زيارة ظريف في سياق محاولة طمأنة بشار الأسد وتأكيد الوقوف إلى جانبه في ظِلِّ الضغوط التي يتعرَّض لها من قبل روسيا ومع وجود بوادر عن إمكانيَّة تخلي الأخيرة عنه. وذكرت مصادر دبلوماسيَّة أنَّ وزير الخارجيَّة الإيراني أكَّد خلال هذه الزيارة لبشار الأسد على وجود ثقل إيراني في سوريا يوازي الثقل الروسي وأنَّ إيران لن تتخلَّى عنه([46]). وكانت روسيا قد أظهرت حالة تململ من الأسد، وسط شعور متنام بأنَّ التمسُّك به قد يقودها إلى خسارة كلِّ الإنجازات التي راكمتها منذ تدخلها، فضلًا عن إدراك موسكو أنَّ جهودها في إعادة التسويق له تصطدم بحائط صَدٍّ من قبل المجتمع الدولي.
ومن الناحية الاقتصاديَّة، استمرت الشركات الإيرانيَّة في المشاركة بكثافة في عمليَّات الإعمار في سوريا، حيث أعلنت إيران في فبراير عن بناء 30 ألف وحدة سكنية وبناء وترميم آلاف المدارس. كما وقعت شركات نفطيَّة إيرانيَّة في مايو عقودًا مع وزارة النفط والثروة المعدنيَّة السوريَّة للتنقيب عن النفط في محافظة دير الزور. وتأتي هذه العمليات في سياق السيطرة على القطاعات الحيويَّة في سوريا وتوفير مورد مالي يُخفِّف من وطأة العقوبات الاقتصاديَّة عليها([47]).
2 – إيران والعراق:
كان العراق واحدًا من ميادين المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في النصف الأوَّل من 2020م، حيث اشتبك الجانبان في مواجهات مباشرة وغير مباشرة حول النفوذ الإيراني وأنشطة الميليشيات الشيعيَّة التابعة لإيران والتواجد الأمريكي على الأراضي العراقيَّة.
كانت البداية مع اغتيال أمريكا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس في 3 يناير، والذي سبقه قصف أمريكي لمقرَّات الحشد الشعبي الموالية لإيران بسبب استهدافها لقاعدة أمريكيَّة، الأمر الذي أسفر عن مصرع 28 من عناصره. وهو ما أدانته إيران واعتبرته عملًا إرهابيًّا ينتهك السيادة العراقيَّة ويَهدِف إلى الانتقام من قوَّات الحشد لانتصاراته على داعش([48]). وبعد أيَّام كان اغتيال سليماني وبرفقته أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بالقرب من مطار بغداد. واختارت إيران العراق ليكون ساحة للرَّدِّ على أمريكا، فقصفت قاعدتي «عين الأسد» في الأنبار و«حرير» في أربيل، وهما قاعدتان للقوَّات الأمريكيَّة في العراق.
ويمكن تفسير التصعيد الإيراني الأمريكي في العراق في سياق الرغبة الإيرانيَّة في إضعاف موقف ترامب قبل الانتخابات الأمريكيَّة، وذلك بدفع الميليشيات إلى مهاجمة القوَّات الأمريكيَّة لخلق رأي عام أمريكي معارض له، وهو ما استبقه ترامب باستهداف سليماني لردع إيران ودفعها إلى عدم استخدام الميليشيات في تهديد القوَّات الأمريكيَّة، وذلك بحسب الرواية الأمريكيَّة التي وردت في تصريح وزير الخارجيَّة الأمريكي حينما قال إنَّ “سليماني كان يُخطِّط لعمل كبير يُهدِّد أرواح مئات الأمريكيِّين”([49]). وبهذا تحقَّق لترامب الظهور في مظهر المدافع عن الأمريكيِّين، الأمر الذي يُعزز موقفه الانتخابي.
أثار اغتيال سليماني والمهندس موجة عارمة من الغضب في الأوساط الشيعيَّة في العراق، وتصاعدت الدعوات إلى إخراج القوَّات الأمريكيَّة من البلاد، وهو ما أيَّدَه البرلمان العراقي في 5 يناير، حيث أوصى الحكومة بإخراج القوَّات الأمريكيَّة من الأراضي العراقيَّة([50]). ولقي القرار ترحيبًا من الجانب الإيراني الذي عمل في الأشهر التالية على استخدامه كورقة ضغط على أمريكا التي استمرت في استهداف الميليشيات الموالية لإيران ردًّا على قصفها للمواقع الأمريكيَّة.
ومع تأزُّم الوضع الداخلي في العراق واستمرار أزمة اختيار رئيس للحكومة على أثر المظاهرات التي خرجت اعتراضًا على الفساد والتدخل الإيراني، بَرَز الدور الإيراني في اختيار رئيس للوزراء. وهو الموضوع الذي كان محور مفاوضات علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في زيارته للعراق، حيث أكَّد على أن تشكيل حكومة قويَّة وفاعلة في العراق على أساس رأي الشعب وإرادته هي الرغبة المستمرة لجمهوريَّة إيران الإسلاميَّة([51]). وفي هذا السياق، وقفت إيران ضد اختيار عدنان الزرفي المرشح لتشكيل الورازة بعد فشل محمد علاوي في نيل ثقة البرلمان لرفض الكتلة السنيَّة والكرديَّة له. وظهر مَيْل الإيرانيِّين لترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي – الذي تمَّ ترشيحه في إبريل – في لقاء شمخاني معه وتصريحه بأهميَّة الأجهزة الأمنيَّة في إدارة شؤون العراق([52]). ويعود رفض إيران للزرفي لرفضه للطائفيَّة ومطالبته بحصر السلاح في يَدِ الدولة وتأييده للحراك الشعبي المعارض للتدخل الإيراني في العراق، كما أنَّه محسوب على أمريكا والسعوديَّة.
وفي يونيو، انعقدت جلسة الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي. ولخشية إيران من تمخض الحوار عن اتفاقات قد تؤثر على نفوذها في العراق، بادر قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى زيارة بغداد قبل انعقاد الحوار بأيَّام للتأكيد على طلب إيران بإخراج القوَّات الأجنبيَّة من العراق. كما ضغطت الميليشيات التابعة لإيران على الحكومة بإطلاقها للصواريخ على المنطقة الخضراء والقواعد الأمريكيَّة لتعطيل الحوار والحيلولة دون أيِّ تأثير له على النفوذ الإيراني في العراق([53]).
3 – إيران ولبنان:
لم تشهد العلاقات الإيرانيَّة اللبنانيَّة أحداثًا بارزة في النصف الأوَّل من 2020م باستثناء موقف إيران من قرار ألمانيا بتصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابيَّة.
كانت وزارة الداخليَّة الألمانيَّة قد أعلنت في 30 إبريل أنَّ بلادها قد حظرت حزب الله اللبناني المدعوم من إيران على أراضيها، وصنفته منظمة إرهابيَّة بشقيه السياسي والعسكري. وكانت ألمانيا تفرِّق قبل هذا القرار بين الذراع السياسي للحزب ووحداته العسكريَّة التي تقاتل في سوريا([54]). وتتهم الاستخبارات الداخليَّة الألمانيَّة الحزب المدعوم من إيران بجمع تبرعات وتجنيد مؤيدين وتنظيم تظاهرات تدعو إلى تدمير إسرائيل([55]). وبدوره، رَحَّب وزير الخارجيَّة الألماني بهذا القرار، معتبرًا أن الحزب ينفي حقَّ إسرائيل في الوجود، ويُهدِّد بالعنف والإرهاب، ويُواصِل تطوير ترسانته الصاروخيَّة، ويَتحرَّك في سوريا كعميل بديل لتنفيذ الأعمال الوحشيَّة لبشار الأسد ضد المواطنين السوريِّين. وبهذا تنضم ألمانيا إلى بريطانيا وهولندا في تضييق الخناق على أنشطة الحزب ومؤسَّساته ومؤيديه في أوروبا وسط ترحيب أمريكي وإسرائيلي وسعودي.
وقد سارعت إيران إلى إدانة القرار الألماني على لسان المتحدث باسم الخارجيَّة الذي أكَّد أنَّ القرار يأتي في سياق أهداف الكيان الصهيوني وأمريكا، ولا يحترم الشعب اللبناني وحكومته، لأنَّ حزب الله جزء رسمي ومشروع من الحكومة والبرلمان في لبنان، وكان على الدوام حزبًا سياسيًّا مؤثرًا على صعيد دعم الاستقرار السياسي في هذا البلد، وقوَّة أساسيَّة في مكافحة إرهاب داعش، ويَحظى برصيد شعبي واسع في لبنان والمنطقة([56]).
ويَرى مراقبون أنَّ هذا القرار يأتي في سياق التعاون الأوروبي مع الولايات المتحدة في تنفيذ استراتيجيَّة الضغط القصوى التي تنتهجها أمريكا تجاه النظام الإيراني، وذلك من خلال استهداف الحزب المدعوم من إيران، والذي يُعدُّ أهم ذراع سياسي وعسكري لها في المنطقة، كجزء من خطة لاستهداف كافة الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا واليمن، عبر إدراجها ضمن الكيانات الخطرة العابرة للحدود، لأنَّ وجود إيران في لبنان والعراق وسوريا يوفر لها نفوذًا تضغط من خلاله وتكتسب أوراق ضغط تساوم بها الولايات المتحدة. ليس هذا وحسب، بل إنَّ تلك الساحات المخترَقة من جانب إيران توفِّر حديقة خلفيَّة تلتفّ من خلالها إيران على العقوبات، وتُشكِّل بها شبكات دوليَّة لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات، ومِن ثَمَّ إحباط الاستراتيجية الأمريكيَّة([57]).
4 – إيران واليمن:
تقترب الحرب في اليمن من نهاية عامها الخامس، ومازالت الأراضي اليمنيَّة مسرحًا للصراع بين إيران ممثلة في الحوثيِّين والمملكة العربيَّة السعوديَّة التي تقود تحالفًا لقتال الحوثيِّين بوصفهم خارجين على الشرعيَّة بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومع تزايد أعداد القتلى والمصابين من المدنيِّين وانهيار الأوضاع الإنسانيَّة، اشتدت حملة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في النصف الأوَّل من 2020م.
فمن جانبها، واصلت إيران اتهاماتها للسعوديَّة بأنَّها المسؤولة عن معاناة الشعب اليمني لأنَّها هي التي بدأت الحرب ومازالت مستمرة فيها، وأنَّ حَلَّ الأزمة اليمنيَّة يتطلَّب إرادة جادة من مسؤولي الرياض، وأنَّ العدوان العسكري من قبل القوَّات الأجنبيَّة والحصار الجوي والبحري والبري الظالم على اليمن قد أغلق جميع سبل الدعم للشعب اليمني المظلوم، خاصَّة في ظلِّ انتشار فيروس كورونا وعدم توفر أدنى الإمكانيات لمواجهتها([58]). كما أكَّدت إيران على أنَّها تدعم المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب. وشهد شهر إبريل توافقًا إيرانيًّا روسيًّا على وحدة الأراضي اليمنيَّة، وأنَّ الحَلَّ السياسي هو الحَلّ الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة في اليمن([59]).
وفي المقابل، اتهمت السعوديَّة إيران بزعزعة استقرار المنطقة عن طريق تحريض الحوثيِّين على التصعيد العسكري والتهرُّب من جميع مبادرات التحالف التي تهدف إلى الهدنة لتخفيف معاناة الشعب اليمني، حيث امتد التصعيد الحوثي إلى استهداف مناطق حيويَّة في الرياض وجيزان. وأنَّ الخطاب الإيراني المؤكِّد على وحدة الأراضي اليمنيَّة يأتي من باب اللعب على المتناقضات في الساحة اليمنيَّة لاستمالة الأطراف السياسيَّة المختلفة مع الحكومة الشرعيَّة إلى صَفِّ الحوثيِّين، خاصَّة وأنَّه يأتي في ظِلِّ تنسيق روسي – إيراني في اليمن يدعم الأطراف اليمنيَّة التي تحمل نزعة انفصاليَّة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي([60]).
وفي شهر يونيو، كانت إيران على موعد مع ضغوط دوليَّة جديدة في علاقتها بالحوثيِّين، حيث أكَّد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن أنَّ الصواريخ العابرة والطائرات المُسيَّرة التي استخدمت في أربع هجمات على السعودية في 2019م، والتي تبنَّاها الحوثيون، هي “من أصل إيراني” وتتضمَّن مكونات صُدِّرت إلى إيران أو صُنِّعت فيها([61]). ويأتي هذا التقرير في وقتٍ تضغط فيه أمريكا من أجل تمديد قرار حظر السلاح على إيران في مجلس الأمن. وقد رَدَّت إيران على التقرير من خلال وزير خارجيتها جواد ظريف الذي قال إنَّه لا أساس لما زعمه التقرير من أنَّ الصواريخ التي استهدفت منشآت آرامكو “إيرانيَّة المنشأ”، معربًا عن الأسف لأنَّ الأمانة العامَّة لمنظمة الأمم المتحدة أثبتت أنها تتأثر بالتهديدات الأميركيَّة([62]). وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجيَّة الإيرانيَّة المواقف والمعايير المزدوجة لمنظمة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان؛ واصفًا قرار شطب اسم التحالف السعودي من القائمة السوداء لناقضي حقوق الطفل بأنَّه “مقزز”، ولا يتفق مع إقرار المنظمات الدوليَّة بمقتل جمع كبير من الأطفال والفتية اليمنيِّين خلال مجازر القصف التي طالت حافلة نقل التلاميذ والمنازل السكنيَّة والمدارس والمستشفيات، وأنَّ التهديد المالي السعودي ضد الأمم المتحدة هو السبب في اتخاذ هذا القرار([63]).
ب: إيران والقوى العظمى
تدور علاقات إيران بالقوى العظمى في إطار حلفين أساسيَّين يتماهى كلٌّ منهما إلى حَدٍّ كبير في مواقفه من القضايا الخاصَّة بالشأن الإيراني، مثل الملف النووي والعقوبات المفروضة على إيران والأنشطة والتحركات العسكريَّة في منطقة الشرق الأوسط وجائحة كورونا. يضم الأوَّل أمريكا ودول الترويكا الأوروبيَّة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، ويضم الثاني روسيا والصين وإيران.
1 – إيران والولايات المتحدة الأمريكيَّة:
استمرت الولايات المتحدة الأمريكيَّة في حصارها لإيران في النصف الأوَّل من 2020م، وضيَّقت عليها الخناق وفق استراتيجيَّة الضغوط القصوى التي طبقتها على عِدَّة محاور:
- المواجهة المباشرة، والتي تمثلت في اغتيال قاسم سليماني ورَدِّ إيران باستهداف قاعدتين أمريكيَّتين في العراق، وهو الحدث الذي مثل تغييرًا في قواعد الاشتباك القائمة منذ عقود بين إيران وأمريكا، وكاد أن يُشعِل حربًا كاملة بين البلدين.
- الاستمرار في إدراج المسؤولين الإيرانيِّين السياسيِّين والعسكريِّين ورجال الأعمال والمستثمرين على قوائم العقوبات لأسباب مختلفة، منها: زعزعة الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي، وقمع الاحتجاجات الشعبيَّة في إيران، وتزوير الانتخابات الإيرانيَّة، وتمويل الجماعات الإرهابيَّة ومساعدة إيران في الالتفاف حول العقوبات.
- استغلال الأحداث الداخليَّة والتوجُّه إلى الشعب الإيراني ومخاطبته مباشرة لتحريضه ضد النظام القائم، وذلك من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته في مناسبات عديدة، ومنها تغريدة ترامب التي أكَّد فيها متابعته للوضع في إيران عن كثب ووقوفه مع الشعب الإيراني ودعمه لحراكه ضد النظام القائم([64]).
- التدخل في الشأن الداخلي، كما في فرض عقوبات أمريكيَّة على أعضاء من مجلس صيانة الدستور بتهمة تزوير الانتخابات وتشكيك الرئيس ترامب وكبار مساعديه في نزاهتها. واتهام السلطات الإيرانيَّة بالكذب على الشعب في أزمة كورونا وسرقة الأموال المخصَّصة لمواجهة الفيروس والاتجار في المستلزمات الطبية في السوق السوداء وحرمان الشعب منها، وأنَّ طائرات شركة ماهان هي التي نقلت الفيروس من الصين إلى إيران([65]).
- تشديد الرقابة على صادرات إيران من النفط، وتحذير الحكومات والشركات والمؤسَّسات التي تتعاون مع إيران في تصديره من مواجهة العقوبات. ووَصَل الأمر إلى حَدِّ نشر بوارج حربيَّة لاعتراض ناقلات البترول المتجهة إلى فنزويلا.
- مواجهة النفوذ الإيراني في دول المنطقة، وذلك باستهداف الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا، وتهديد الرئيس الأمريكي بأنَّ إيران سوف تدفع ثمنًا باهظًا في حال تعرَّضت القوَّات الأمريكيَّة لأيِّ هجوم من هذه الميليشات. وفي هذا السياق، جاء قانون «قيصر» ليحد من مساعدة إيران لحلفائها في سوريا، كما نسقت أمريكا مع الحكومة العراقيَّة للضغط على قوَّات الحشد الشعبي وحزب الله العراقي وحَبْس عناصر متهمة بالتدبير لمهاجمة القوَّات الأمريكيَّة.
- عزل إيران دوليًّا وخلق رأي عام دولي ضدها، والضغط من أجل نقل ملف حظر بيع الأسلحة إلى إيران إلى مجلس الأمن، وحَثِّ القوى العظمى على تمديد الحظر الذي ينتهي في أكتوبر 2020م.
- العمل على تقويض الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا بالفعل، وذلك من خلال إنهاء إعفاءات التعاون النووي الممنوحة لبعض الدول، وإقناع الدول الأوروبيَّة بالموافقة على اللجوء لآليَّة «الزناد» التي تتيح لأيِّ دولة موقعة على الاتفاق إعادة فرض العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي.
وفي المقابل، استمرت إيران في تشدُّدها، ووَاصَلت مساعيها من أجل التخفيف من آثار العقوبات، وسلكت في ذلك عِدَّة طرق:
- رفض التفاوض مع أمريكا حول أيِّ صفقة جديدة، تنفيذًا لتوجيهات المرشد الأعلى للثورة، وهو ما يتوافق مع توجُّهات أغلبية الأعضاء في البرلمان الجديد بقيادة قاليباف الذي أكَّد على عدم جدوى التفاوض مع أمريكا. واستغلال مقتل سليماني في حشد الجبهة الداخليَّة ضد العدو الخارجي والتوسُّع في الخطاب المعادي لأمريكا.
- القيام بحملة دبلوماسيَّة رسميَّة لوقف العقوبات الأمريكيَّة بعد تفشي فيروس كورونا، ومخاطبة دول العالم من أجل تجاهل العقوبات التي وُصِفت بالإرهابيَّة. وقد أدَّت هذه الحملة إلى مطالبة بعض الدول، مثل روسيا والصين وكوريا والعراق، الأمم المتحدة برفع العقوبات عن إيران.
- تصنيف البرلمان الإيراني وزارة الدفاع الأمريكيَّة كمنظمة إرهابيَّة وتخصيص 200 مليون يورو لفيلق القدس رَدًّا على تصنيف أمريكا للحرس الثوري كمنظمة إرهابيَّة([66]).
- استخدام الملف النووي في الضغط على القوى الكبرى حتى لا تنضم إلى أمريكا، وذلك بإعلان الدخول في المرحلة الخامسة من خفض الالتزامات النوويَّة، وهي التخلِّي عن أيَّة قيود في عدد أجهزة التخصيب، والتهديد بالانسحاب من معاهدة الحَدِّ من انتشار الأسلحة النوويَّة إذا انساقت أوروبا لرغبات أمريكا.
- التهديد بالرَّدِّ بالمثل في حالة تعرُّض ناقلات النفط الإيرانيَّة لمضايقات من جانب أمريكا، وذلك بإصدار الأوامر للبحريَّة الإيرانيَّة بمراقبة حركة السفن الأمريكيَّة في الخليج وبحر عمان.
2 – إيران والدول الأوروبيَّة:
شهدت العلاقة بين إيران والدول الأوروبيَّة نوعًا من الشد والجذب في السِّتة أشهر الأولى من 2020م، ويُعدُّ الاتفاق النووي محور العلاقات والسبب الرئيس في التوتر بين الجانبين.
نشأ التوتر على أثر الإجراءات التي اتخذتها إيران لتقليل التزاماتها بالاتفاق النووي بعد انسحاب أمريكا وتعرضها للعقوبات. وقد واجهت أوروبا الموقف الإيراني بالتهديد بتفعيل آليَّة فض النزاع التي يُمكِن أن تفضي إلى العودة للعقوبات التي أسقطتها الاتفاقيَّة. وقد جاءت الخطوات الإيرانيَّة في سياق الضغط على الأوروبيِّين لدفعهم إلى مساندة إيران في التصدي للعقوبات الأمريكيَّة. ولا شك في أنَّ كلا الطرفين يسعيان إلى الإبقاء على الاتفاق، لأنَّه لا يجعل إيران فريسة لأمريكا ويُبقي على علاقتها بثلاث قوى عظمى، ويحقق أهداف أوروبا التي تسعى إلى حماية أمنها وكبح جماح البرنامج النووي الإيراني الذي يمثل تهديدًا لها.
ومن ناحيةٍ أخرى، اتخذ الأوربيون بعض المواقف التي يُمكِن تصنيفها على أنَّها معادية للمصالح الإيرانيَّة، كان أوَّلها في شهر يناير حينما أيَّدت بريطانيا على لسان رئيس وزرائها العمليَّة الأمريكيَّة التي استهدفت سليماني، وهو ما أدانته الحكومة الإيرانيَّة بشدة. ثم زاد التوتر بين البلدين حينما ألقي القبض على السفير البريطاني لدى إيران لمشاركته في تجمعات المحتجين على إسقاط الطائرة الأوكرانيَّة، وقد وصفت إيران مشاركته فيما قالت عنه إنَّه عمل غير قانوني بالمخالفة للأعراف الدوليَّة، وتصاعدت الأصوات المطالبة بطرده من إيران، ولكن أطلق سراحه بعد دقائق وسط إدانة أوروبيَّة للحادث.
وفي شهر مايو، صنفت ألمانيا حزب الله اللبناني الحليف لإيران كتنظيم إرهابي، بجناحيه العسكري والسياسي، وهو ما أثار غضب إيران واعتبرته إهانة للدولة اللبنانيَّة. ويَرى متابعون أنَّ هذا القرار سوف يؤثر على العلاقة بين ألمانيا وإيران، فبرلين تتبنى اللهجة المخففة بين بلدان الغرب الكبرى في التعامل مع طهران، وكانت برلين داعمًا رئيسًا للاتفاق النووي عام 2015م، وكذلك لخلق حلول سلميَّة لأيّ أزمة للغرب مع الإيرانيِّين، وهو ما انعكس على العلاقات الاقتصاديَّة بين الدولتين. لكن مع وَصْف حزب الله بالتنظيم الإرهابي، قد تتغيَّر المعادلة وتنضم برلين في نظر طهران إلى حلف غير معلن يحاربها. ولكن من المنتظر أن يُقلِّل وضع إيران الحالي من تأثير الإجراء الألماني الجديد على العلاقات الألمانيَّة-الإيرانيَّة، فرغم أن “التضييق على حزب الله هو تضييق بشكل غير مباشر على إيران، إلَّا أن طهران براغماتيَّة جدًّا، وسوف تفكر مَلِيًّا قبل اتخاذ أيِّ خطوة، لأنَّ ألمانيا بالنسبة لها طرف مهم للغاية على الجانبين السياسي والاقتصادي، لذلك لن تعمل على استعداء علاقتهما([67]).
وفي شهر يونيو، طالبت وكالة الطاقة النوويَّة من إيران التعاون الكامل وتلبية طلبات الوكالة دون تأخير، في إدانة شديدة صدرت على أساس المشروع الذي تقدَّمت به بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهو ما أثار استياء إيران التي اتهمت الدول الأوروبيَّة بعدم الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي. كما صَرَّح مسؤولون إيرانيون بأنَّ موقف أوروبا متسق مع الموقف الأمريكي.
وعلى الجانب الإنساني، وفي ظِلِّ جائحة كورونا، قامت إيران بمخاطبة الدول الأوروبيَّة عبر حكوماتها وشعوبها لحثها على عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكيَّة، وهو ما لم يُجدِ نفعًا بسبب تعنت حكومة ترامب ورفضها لأيِّ تراجع في هذا الملف. غير أنَّ إيران تلقت في شهر مارس مساعدت طبيَّة من دول أوروبا والاتحاد الأوروبي، كما أيَّدت أوروبا من خلال مفوضيَّة الشؤون الخارجيَّة الطلب المقدَّم من إيران لصندوق النقد للحصول على قرض لمواجهة تبعات تفشي فيروس كورونا في البلاد. ويُمكِن تفسير هذه المساعدات في إطار استرضاء الإيرانيِّين بعد المواقف الضعيفة لأوروبا في مواجهة انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأمريكيَّة على إيران.
3 – إيران وروسيا والصين:
وَصَف وزير الخارجيَّة الإيراني جواد ظريف قوَّة العلاقات الروسيَّة الإيرانيَّة أثناء زيارته لموسكو في يوليو 2020م بأنها “بلغت أعلى المستويات مقارنة بالعقود الماضية، وتخدم مصالح البلدين”([68]). وقد تجلَّت قوَّة هذه العلاقات في المواقف المختلفة التي ساندت فيها روسيا إيران في النصف الأوَّل من 2020م.
كانت البداية في يناير، حيث رفضت روسيا على لسان مندوبها في الأمم المتحدة اغتيال أمريكا لسليماني، ووَصَفت العمليَّة بأنَّها خطوة باتجاه تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، وأنَّ الحد من التحركات الاستفزازيَّة ضد إيران سيؤدِّي إلى خفض التوتر في المنطقة.
وفي مارس، أكَّدت روسيا وقوفها إلى جانب الشعب الإيراني في مواجهة فيروس كورونا واستعدادها لتقديم الدعم اللازم لمواجهة تفشي الفيروس. واتهمت وزارة الخارجيَّة الروسيَّة أمريكا بتعمد عرقلة محاربة كورونا في إيران عبر الحظر اللاإنساني المفروض عليها. ثم عادت روسيا إلى انتقاد أمريكا في شهر مايو بسبب رفضها لحصول إيران على قرض من صندوق النقد لتوفير المعدات الوقائيَّة من فيروس كورونا، ووَصَفت موقف واشنطن بأنَّه غير مقبول. ودَعَت روسيا الولايات المتحدة إلى رفع حظرها عن إيران، مؤكدة أن “زمن الوباء العالمي ليس مناسبًا لتصفية الحسابات”([69]). وأعلنت وزارة الخارجيَّة الروسيَّة أنَّ موسكو ستقدِّم المساعدة لإيران وسط ضغوط الحظر الأمريكي المستمرة وانتشار فيروس كورونا المستجد.
وعلى صعيد الملف النووي، أصدرت الخارجيَّة الروسيَّة بيانًا في شهر مارس حثت فيه أمريكا على الكف عن انتهاك الاتفاق النووي بدلًا من محاولة تمديد حظر الأسلحة على إيران، وأكدت على أنَّه لا توجد أسباب لمناقشة هذا الموضوع من جانب أمريكا التي انتهكت هي نفسها الاتفاق النووي. وأكَّد مندوب روسيا في وكالة الطاقة النوويَّة على أنَّ أمريكا لا يمكنها اللجوء إلى إمكانيَّة الزناد ضد إيران لانسحابها من الاتفاق النووي.
وفي مارس، أعربت المتحدثة باسم الخارجيَّة الروسيَّة عن قلقها حيال الوضع الأمني في مضيق هرمز، مؤكدة على أنَّ تواجد السفن الحربيَّة الأجنبيَّة لا يساعد على إرساء الأمن في المضيق. وهو ما يتفق مع موقف إيران من وجود القوَّات الأمريكيَّة والأوروبيَّة في الخليج.
وفي يونيو، دافع مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة عن حق إيران في امتلاك التكنولوجيا الفضائيَّة، وذلك في أعقاب إطلاقها قمرًا صناعيًّا، ووَصَف اتهامات أمريكا لإيران بالمضلِّلة، وأن إيران لم تطور صواريخ باليستيَّة قادرة على حمل رؤوس نوويَّة.
وعلى الرغم من هذا التماهي في المواقف بين روسيا وإيران فإنَّ الشواهد تشير إلى وجود خلاف بين البلدين في الفترة الأخيرة حول الملف السوري، وإنْ نفاها الطرفان. وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون قد كشف عن هذا الخلاف بادعائه أنَّ الرئيس الروسي بوتين قال إنَّ روسيا لا حاجة لها بتواجد إيران في سوريا. وأكَّد البعض هذا الموقف الروسي، مستندين إلى ما تعرَّض إليه بشار الأسد من حملة انتقادات في الإعلام الروسي، والخلاف الروسي الإيراني بسبب عدم التزام إيران بالاتفاقات الروسيَّة التركيَّة بشأن الوضع السوري. ولكن وزير الخارجيَّة الإيراني جواد ظريف نفى ذلك، ووَصَف كلام بولتون بأنَّه غير واقعي، وأنَّه “لا أحد في طهران وموسكو يُعير اهتمامًا لهذا الكلام الفارغ”.
أمَّا الصين فإنَّها تُعدُّ الشريك التجاري الأهم لإيران من بين دول العالم، وهي متنفس مهم لها في ظِلِّ العقوبات الأمريكيَّة المفروضة عليها، وهو ما عرَّض كثيرًا من الشركات الصينيَّة للعقوبات بحجة مساعدتها لإيران في تصدير النفط بالمخالفة للحظر المفروض. ولا تختلف الصين في موقفها من القضايا الإيرانيَّة عن روسيا، إذْ تكاد مواقفهما تتطابق في تأييد إيران والدفاع عنها خلال النصف الأوَّل من 2020م، فقد أدانت الصين اغتيال سليماني على لسان مندوبها في الأمم المتحدة الذي قال إنَّ أمريكا انتهكت جميع الأعراف الدوليَّة، وأنَّ تصرفاتها تتسم بالعنف والمغامرة. كما ترى الصين أنَّ أنشطة إيران لا تُعدُّ انتهاكًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي.
وشهد ملف مكافحة فيروس كورونا تقاربًا شديدًا بين إيران والصين، بدأ بتوافق البلدين على اتهام أمريكا بالوقوف وراء نشر الفيروس فيهما. وفي مارس ذكر المتحدث باسم الخارجيَّة الصينيَّة أنَّ الحظر الأمريكي يَحدُّ من قدرة إيران على محاربة كورونا، ووَصَف العقوبات بأنَّها غير إنسانيَّة. كما أرسلت الصين مساعدات طبية إلى إيران، ورّدَّت إيران بالمثل.
خاتمة
يُمكِن وَصْف الشهور السِّت الأولى من عام 2020م بأنَّها شهور المشاكل والأزمات في إيران، فقد تجمَّعت عليها في هذه الفترة جملة من العوامل الداخليَّة والخارجيَّة التي أزَّمَت الوضع الإيراني وهَزَّت ثقة الإيرانيِّين في نظامهم الحاكم وتحكَّمت في مجريات الأحداث.
وقد ألقى هذا الوضع المأزوم بظلاله على الحالة الداخليَّة بمستوياتها المختلفة، وأشاع فيها أجواء الانتقادات والاتهامات والانقاسامات مع كلِّ حدث بارز شهدته البلاد.
فسِياسيًّا، أجريت الانتخابات البرلمانيَّة وتكميليَّة مجلس الخبراء، وفاز المحافظون بأغلبيَّة المقاعد، ووَصَل ممثلهم قاليباف إلى رئاسة البرلمان، فيما يُعدُّ خطوة من خطوات السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة قبل التغيير المنتظر في منصب المرشد الأعلى وتوحيدًا لجميع السلطات في مواجهة الصعوبات التي يواجهها النظام في الداخل والخارج. ولكن هذه الانتخابات خيَّبت آمال النظام بعد أن أحجم قطاع كبير من الإيرانيِّين عن المشاركة فيها بسبب سياسة الإقصاء ويأسًا من أهميتها في تغيير الوضع الراهن. وهي خسارة معنويَّة للمحافظين والإصلاحيِّين على السواء، فقد أظهر هذا الإحجام تآكل شرعيَّة النظام الذي عوَّل على الحشد الشعبي لإثبات شعبيَّته أمام معارضيه في الداخل والخارج، حتى إنَّه غامر بتعريض البلاد لكارثة أكيدة بإصراره على إقامة الانتخابات في ظِلَّ تفشي فيروس كورونا. وعلى الجانب الآخر، أظهر هذا الإحجام يأس أنصار الإصلاحيِّين من قدرتهم على التغيير والوقوف في وَجْه المتشدِّدين. وبهيمنة المحافظين على البرلمان، سوف تسير السلطة التشريعيَّة والرقابيَّة في خط متشدِّد، وهو ما أكَّده قاليباف في كلمته التي حدَّد فيها الخطوط العامَّة للبرلمان، وطغى عليها التشدُّد تجاه الإصلاحيِّين في الداخل وأمريكا وحلفائها في الخارج. وينتظر أن تواجه حكومة روحاني في الفترة القادة مزيدًا من المشاكل في علاقتها بالمحافظين في ظِلِّ هذا البرلمان الذي تعهد رئيسه بتقويم مسار السلطة التنفيذيَّة وإعادتها إلى الخط الثوري الجهادي. واستمرارًا لما تتعرَّض له الدولة من انتقادات واتهامات، جاء الأداء الحكومي في مواجهة جائحة كورونا ليزيد من أزمة الثقة في النظام من جانب الشعب الإيراني الذي تصاعدت انتقاداته للدولة بسبب الانهيار الذي أصاب أجهزتها في مواجهة أزمة كورونا، خاصَّة وأنَّ الدولة متهمة بالتسبب في تفشي الفيروس لأسباب اقتصاديَّة (التعامل مع الصين) وسياسيَّة (الإصرار على إجراء الانتخابات) ودينيَّة (الخضوع لرجال الدين وعدم إغلاق العتبات المقدسة)، والعجز عن مواجهته، والتستر على الوضع المتردِّي وإخفاء الحقائق عن الرأي العام. وقد أعادت هذه الأزمة الحديث عن الإمكانيات الضخمة التي توجد تحت يد المرشد الأعلى للثورة والحرس الثوري، والتي يرى البعض أنها لا تستخدم في خدمة المواطن الإيراني. كما كشفت أيضًا عن حالةٍ من الارتباك في التنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة، فقد بدأت الدولة بمواجهة الفيروس عن طريق المؤسَّسة الطبيَّة التي عجزت عن المواجهة، ثم أحالت الملف إلى المؤسَّسة العسكرية بما تملكه من إمكانيات ضخمة لا تتوفر لباقي أجهزة الدولة.
واجتماعيًّا، أظهرت أزمة كورونا الخلاف الفكري والثقافي بين النخب الإيرانيَّة التي انقسمت على نفسِها في قضيَّة إغلاق العتبات المقدَّسة. كما أعادت تسليط الضوء على الانقسام المذهبي الشيعي وتواجد تيَّارات شيعيَّة متطرفة وتكفيريَّة في المجتمع الإيراني، وذلك من خلال الحديث عن التيَّار الشيرازي الذي اتهمه النظام باستغلال أزمة كورونا في الإخلال بالنظام العام والإساءة إلى التشيُّع، وذلك بعد أن حاول أنصاره اقتحام حرم المعصومة الذي أغلقته الدولة للحَدِّ من انتشار فيروس كورونا ونشروا صورًا يلعقون فيها الأضرحة. وفي هذه الأجواء الخلافيَّة، تبرز نظريَّة المؤامرة واستدعاء العدو الأجنبي المتعاون مع المرتزقة المحليِّين، حتى في أخص الأمور الداخليَّة، وهو فرض الحجر الصحي على قم، وهو ما وصفته مرجعيَّة دينيَّة كبرى مثل آية الله سعيدي بالمؤامرة الأمريكيَّة الهادفة إلى ضرب مكانة المدينة المقدَّسة في نفوس الشيعة. بل وظهرت هذه النظريَّة أيضًا في التشكيك في نوايا المنظمات الإنسانيَّة الدوليَّة، مثل منظمة أطباء بلا حدود التي اتهمها المتشدِّدون بالتجسُّس وأنهوا نشاطها في إيران في وقتٍ كان فيه الشعب الإيراني في أمَسِّ الحاجة للمساعدات الدوليَّة لمواجهة كارثة كورونا.
واقتصاديًّا، تأثرت جميع الأنشطة الاقتصاديَّة بالعقوبات الأمريكيَّة وأزمة كورونا، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمواجهة الأزمة، مثل تمرير الميزانيَّة، وتخصيص حزمة من المساعدات للمُتضرِّرين، والسماح لمالكي الأسهم في الشركات الحكوميَّة بتداولها في البورصة لتوفير السيولة الماليَّة، وسحب مليار يورو من صندوق التنمية الوطني لصالح الحكومة. ولكن هذه الإجراءات لم توقف عجلة التدهور في الاقتصاد الإيراني، ولا ينتظر أن توقفها في ظِلِّ انخفاض العائدات البتروليَّة وتقلُّص الاحتياطي النقدي الأجنبي وتوقف السياحة الداخليَّة والخارجيَّة وضعف التبادل التجاري مع الدول الأجنبيَّة المُعرَّضة للعقوبات الأمريكيَّة في حال تعاملها مع إيران. كما ينتظر أن يزيد إدراج إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) من أزمتها الاقتصاديَّة، لأنَّها ستواجه صعوبات في التعاملات المصرفيَّة والتجاريَّة مع الشركاء الذين سوف يتعرَّضون لعقوباتٍ بسبب تعاملهم مع إيران. ولهذا فمِن المنتظر أن يشهد النصف الثاني من العام استمرار التدهور الاقتصادي وزيادة في معدلات التضخم والبطالة والأسعار وانخفاض سعر العملة الوطنيَّة في مقابل الدولار.
وعسكريًّا، استمر التوتر بين إيران وأمريكا على خلفيَّة مقتل سليماني ومساعي إيران لتطوير قدراتها الصاروخيَّة ودعمها لقوَّات الحرس الثوري بزوارق سريعة لتقويتها في مقابل السفن الأمريكيَّة المتواجدة في الخليج. وفي هذا السياق، أطلقت إيران قمرها الصناعي الاستخبارتي «نور1» بنجاح بعد فشل إطلاق القمر «ظفر»، وزوَّدت الحرس الثوري بزوراق سريعة، وأجرت مناورات في المحيط الهندي وبحر عمان للتأكيد على جاهزيَّة قوَّاتها لمواجهة أيِّ تهديدٍ في الخليج. وقد تمسَّكت إيران بحَقِّها في ممارسة أنشطتها العسكريَّة وتطوير إمكانياتها الدفاعيَّة، ورفضت ما يُوجَّه إليها من اتهامات أمريكا وحلفائها بأنَّها تخطط للعدوان على الآخرين وتُهدِّد الاستقرار الإقليمي والدولي وتنتهك القرارات الدوليَّة التي تمنعها من تطوير الصواريخ الباليستيَّة القادرة على حمل الرؤوس النوويَّة. ومع ذلك فإنَّه من غير المنتظر أن تصل المواجهة بين إيران وأمريكا إلى حَدِّ الحرب الشاملة، لأنَّ هذا الخيار مستبعد من جانب البلدين. وسيظل الأمر عند حَدِّ التحرُّش الإيراني بالسفن الأمريكيَّة واستخدام الميليشيات الموالية في دول النفوذ لتهديد المصالح الأمريكيَّة في مقابل التهديدات الأمريكيَّة بالرَّدِّ القاسي في حالة تعرضها لأيِّ اعتداء إيراني والضغط على مجلس الأمن من أجل تمديد قرار حظر توريد السلاح إلى إيران.
وعلى المستوى الخارجي، تعرَّضت إيران في النصف الأوَّل من 2020م لجملةٍ من الإجراءات التي تأتي في سياق الحصار الأمريكي، والتي استهدفت تواجدها الإقليمي والدولي.
فإقليميًّا، واجهت إيران نوعًا من تحجيم النفوذ في سوريا والعراق، وتعرَّضت الميليشيات الموالية لها في كلا البلدين للقصف من جانب تركيا وإسرائيل وأمريكا، وصُنِّف حزب الله اللبناني الموالي لها إرهابيًّا في ألمانيا، وذكر تقرير الأمم المتحدة أنَّ الأسلحة المستخدمة في مهاجمة شركة أرامكو السعوديَّة من أصل إيراني. وفي المقابل، سَعَت إيران إلى مواجهة الحصار الأمريكي في هذا العمق الاستراتيجي من خلال استخدام أوراق الضغط التي تملكها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، حيث استخدمت ورقة الميليشيات في الضغط على أمريكا، وساهمت بشكل كبير في التوافق على الكاظمي رئيسًا للوزراء في العراق، وأرسلت رسائل طمأنة للأسد في سوريا بتمسكها به ضد أيَّة محاولات لإخراجه من المشهد السوري، ودعمت وجودها في سوريا على المستوى الاقتصادي. وشنَّ المسؤولون الإيرانيُّون حملة على ألمانيا من أجل حزب الله، وكانوا أعلى صوتًا وأسرع إلى الإدانة من مسؤولي لبنان نفسِها، كما ساندوا مواقف الحوثيِّين في اليمن واتهموا السعوديَّة بالمسؤوليّة عن الأوضاع الإنسانيَّة المزرية هناك.
ودوليًّا، واصلت الولايات المتحدة حصارها الخانق لإيران لدفعها إلى الدخول في مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي، وتعديل سلوكها الإقليمي، ووقـف التهديـدات الصاروخيـَّة. واستغلت في سبيل ذلك جميع الطرق، مباشرة وغير مباشرة، بداية من اغتيال سليماني وانتهاء بمخاطبة الشعب الإيراني. كما شهدت العلاقات الإيرانيَّة الأوروبيَّة توترًا بسبب التوافق الأوروبي الأمريكي على حصار إيران. فعلى الرغم من معارضة أوروبا لخروج أمريكا الأحادي من الاتفاق النووي فإنَّ الطرفين يتفقان في كثير من المواقف، ومنها معارضة برنامج الصواريخ الباليستيَّة الإيراني، وسلوك إيران الإقليمي المُهدِّد للاستقرار، ورفض تقليص إيران لالتزاماتها النوويَّة وتهديدها بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النوويَّة. كما اتخذت أوروبا مواقف يُمكِن تصنيفها على أنَّها عدائيَّة تجاه إيران، ولا تخرج عن سياق التوافق مع أمريكا، ومنها الموافقة على اغتيال سليماني، وتصنيف حزب الله الموالي لإيران كتنظيم إرهابي، ودفع وكالة الطاقة النوويَّة إلى إدانة إيران.
وفي المقابل، استمرت إيران في تشدُّدها ورفضها التفاوض مع أمريكا، وسَعَت لتخفيف آثار الحصار الأمريكي من خلال الحملات الدبلوماسيَّة واستخدام ملف الاتفاق النووي كورقة ضغط على أوروبا حتى لا تنضم إلى أمريكا في موقفها من إيران. ولكن لا يُنتظَر أن يؤدِّي الضغط الإيراني على أوروبا إلى تغيير موقفها المؤيِّد للإجراءات الأمريكيَّة، لأنَّ العلاقات الأوروبيَّة الأمريكيَّة علاقات استراتيجية. كما أنَّ أمريكا لن تسمح لأوروبا بتقويض العقوبات على إيران بحسب تصريح جون بولتون.
وكجزءٍ من استراتيجيتها لمواجهة الضغوط الأمريكيَّة، لجأت إيران إلى روسيا والصين، مستغلة تعارض المصالح بينهما وبين أمريكا. وقد أيَّد البلدان إيران في كثير من المواقف التي تعرَّضت فيها لضغوط أمريكيَّة، خاصَّة في الملف النووي والعقوبات الاقتصاديَّة، وساندوها في أزمة كورونا.
المصادر
([1]) خبرگزاري جمهوري اسلامي، سخنان قالیباف در مجلس شورای اسلامی، 11 خرداد 1399ش، www.irna.ir/news/83805510/
([2]) جوانه ها، بيانيه 12 تن از زنان زندانى سياسى در خصوص تحريم انتخابات، 29 بهمن 1389ش، https://javanehha.com/2020/02/18
([3]) حسين، أحمد. الانتخابات الإيرانيَّة_ حسابات الربح والخسارة، 27 فبراير 2020م، المسار للدراسات الإنسانية، https://almasarstudies.com/
([4]) رويترز، “من سيء لأسوأ”.. خيبة الأمل قد تدفع إيرانيين كثيرين لتجاهل الانتخابات، 18 فبراير 2020م، https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN20C1EO
([5]) إيران إينترنشنال، كتلة النواب المحافظين تختار محمد باقر قاليباف رئيسًا للبرلمان الإيراني، 27 مايو 2020م، https://iranintl.com/ar/
([8]) DW فارسي، نخستین نطق قالیباف در مجلس؛ تبعیت از خامنهای، انتقاد از دولت و آمریکا، 31 مايو 2020م، https://p.dw.com/p/3d4es
([9]) إيران إينترنشنال، كتلة النواب المحافظين تختار محمد باقر قاليباف رئيساً للبرلمان الإيراني، 27 مايو 2020م، https://iranintl.com/ar/
([10]) منظمة مجاهدين خلق الإيرانية، إيران .. الحرسي قاليباف يشن حملة شديدة على روحاني، 31 مايو 2020م، https://arabic.mojahedin.org/i/
([12]) كرماني، طه. إيران.. هل تواجه أزمة كورونا أم انعدام ثقة؟ 8 مارس 2020م، وكالة الأناضول، https://www.aa.com.tr/ar/1758499
([13]) RFI فارسي، یکصد تن از فعالان مدنی و دانشگاهی: علی خامنهای مسئول فاجعه ملی ناشی از گسترش ویروس کرونا در ایران است، 29 مارس 2020م، https://www.rfi.fr/fa/
([14]) ميردامادي، ياسر. ناظران میگویند؛ ویروس کرونا با الهیات شیعه چه میکند؟، 11 اسفند 1398ش، بي بي سي فارسي، https://www.bbc.com/persian/blog-viewpoints-51696183
([15]) تابناك، آستان مقدس حضرت معصومه (س): سازه حرم آنتی باکتریایی و سد محکمی برای اپیدمی کرونا است، 7 اسفند 1398ش، https://www.tabnak.ir/fa/news/962043/
([16]) خبرگزاری حوزه، دستگیری ۱۱ نفر درپی تجمع غیرقانونی در اطراف حرم حضرت معصومه (س)، ۲۷ اسفند ۱۳۹۸ش، https://hawzahnews.com/news/891316
([17]) همشهري، واکنش تند چهرههای مطرح درباره لیس زدن ضریح و زیارت نامتعارف | لیسیدن ضریح بدعت داعشی است، ۱۱ اسفند ۱۳۹۸ش، https://www.hamshahrionline.ir/news/488289/
([18]) باشگاه خبرنگاران جوان، فيلم ديده نشده از هويت فردي كه ضريح ليس زد، ۱۱ اسفند ۱۳۹۸ش، https://www.yjc.ir/fa/news/7266853/
([19]) کارشناسان مذهبی، لیسیدن ضریح بدعتی خطرناک و ضد دین است، ۱ اسفند ۱۳۹۸ش، قدس آنلاين، http://qudsonline.ir/news/694908/
([20]) حجة الإسلام كاشاني، التشيع البريطاني يستهتر العقل والتفكير، مهر نيوز،11 مارس 2018م، https://ar.mehrnews.com/news/1881966/
([21]) إندبندنت عربية، خامنئي يتحدث عن حرب بيولوجية، 12 مارس 2020م، https://www.independentarabia.com/node/102016/
([22]) BBC عربي، فيروس كورونا: الرئيس الإيراني يستبعد فرض الحجر الصحي على المدن المصابة بالوباء، 27 فبراير 2020م، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-51654671
([23]) خلجي، مهدي. فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة برجال الدين، 9 مارس 2020م، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-coronavirus-in-iran-part-1-clerical-factors
([24]) صحيفة العرب، منظمة أطباء بلا حدود في عيون إيران.. جواسيس قوى أجنبية، 25 مارس 2020م، https://alarab.co.uk/
([25]) BBC فارسي، رئیس مجمع تشخیص مصلحت: پیوستن به افایتیاف برای امنیت ملی خطرناک است، 1 ژانویه 2020م، https://www.bbc.com/persian/iran-50965403
([26]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيرانية: شهر يناير وفبراير 2020م، الرياض، 2020م، ص24.
([27]) العربي الجديد، البرلمان الإيراني يرفض موازنة روحاني، 24 فبراير 2020م، https://www.alaraby.co.uk/
([28]) إيران إينترنشنال، سعر الدولار يتخطى عتبة الـ25000 تومان في سوق إيران، 18 يوليو 2020م، https://iranintl.com/ar/
([29]) وكالة أنباء مهر، قائد الثورة یوافق علی طلب الرئیس “روحاني” تحریر اسهم “العدالة”، 28 إبريل 2020م، ar.mehrnews.com/news/1903701/
([30]) قناة المنار، مقتل اكثر من 80 ارهابيا اميركيا واصابة اكثر من 200 في القصف الايراني للقاعدة الاميركية، 8 يناير 2020م، https://almanar.com.lb/6160079
([31]) الجزيرة، طهران: لا نسعى للحرب وسنواجه أي هجوم أميركي برد ساحق، 8 يناير 2020م، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/1/8/
([32]) صحيفة الشرق الأوسط، ترامب: أمام إيران مستقبل مشرق إذا أوقفت دعم الإرهاب، 9يناير 2020م، https://aawsat.com/home/article/2073696/
([33]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، الصاروخ الحامل “سيمرغ” لم يبلغ السرعة اللازمة لوضع القمر الصناعي “ظفر” في المدار، 28 فبراير 2020م، ar.irna.ir/news/83668263/
([34]) مشرق نيوز، ایران با پرتاب موشک قاصد و ماهواره نور قواعد بازی را به نفع خود تغییر داد، ۲۶ اردیبهشت ۱۳۹۹ش، https://www.mashreghnews.ir/news/1072478/
([35]) BBC عربي، ترامب يأمر بـ”تدمير أي زوارق إيرانية تتحرش بالسفن الأمريكية”، 23 إبريل 2020م، https://www.bbc.com/arabic/world-52390748
([36]) BBC عربي، حرب الكلمات تثير مخاوف جديدة من صدام أمريكي إيراني في الخليج، 24 إبريل 2020م، https://www.bbc.com/arabic/world-52409107
([38]) إيران إينترنشنال، تزامنًا مع أربعينية استهداف “كنارك” بنيران صديقة.. إيران تُطلق صاروخًا جديدًا، 18 يونيو 2020م، https://iranintl.com/ar/
([39]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيرانية: شهر يناير وفبراير 2020م، الرياض، 2020م، ص38-39.
([40]) خبرگزاري جمهوري اسلامي، تخت روانچی: ایران آماده کمک به حل اختلافات ترکیه و سوریه در مورد ادلب است، 18 بهمن 1398ش، www.irna.ir/news/83664266/
([41]) الجزيرة، وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نوقف عملياتنا في سوريا حتى خروج إيران منها، 6 مايو 2020م، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/5/6/
([42]) Sputnik عربي، نفتالي بينيت: إيران بدأت الانسحاب من سوريا، 18 مايو 2020م، https://arabic.sputniknews.com/world/202005181045467029
([43]) Sputnikعربي، إيران ترد على أنباء انسحابها من سوريا، 17 مايو 2020م، https://arabic.sputniknews.com/world/202005171045456348
([44]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيرانية: شهر إبريل2020م، الرياض، 2020م، ص35.
([45]) صحيفة الوفاق، ظريف: العلاقات الايرانية الروسية بلغت اعلى مستوياتها اليوم، 22 يوليو 2020م، http://alvefaghonline.ir/News/287378.html?catid=6&title
([46]) جريدة العرب، الضغوط الروسية تدفع الأسد إلى التمسك بقشة إيران، 20 إبريل 2020م، https://alarab.co.uk/
([47]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيرانية: شهر مايو2020م، الرياض، 2020م، ص26.
([48]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء: قائد الثورة: واشنطن تنتقم لداعش من الحشد الشعبي، 1 يناير 2020م، ar.irna.ir/news/83616454/
([49]) جريدة الأهرام، بومبيو: سليماني كان يخطط “لعمل كبير” يهدد “أرواح مئات الأمريكيين”، 3 يناير 2020م، http://gate.ahram.org.eg/News/2344778.aspx
([50]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء: نائب عراقي : قرار اخراج القوات الامريكية نصر تحقق ببركة دماء الشهداء، 5 يناير 2020م، ar.irna.ir/news/83622439/
([51]) خبرگزاري جمهوري اسلامي، شمخانی: شمارش معکوس اخراج آمریکا از منطقه آغاز شده است، 18 اسفند 1398ش، www.irna.ir/news/83706185/
([53]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيراني: شهر يونيو 2020م، الرياض، 2020م، ص25.
([54]) DW عربية، ألمانيا تحظر حزب الله اللبناني وتشن حملة أمنية ضد أنشطته، 30 إبريل 2020م، https://p.dw.com/p/3baXf
([55]) Independent عربية، ألمانيا تحظر نشاطات “حزب الله” بالكامل على أراضيها، 30 إبريل 2020، https://www.independentarabia.com/node/116021/
([56]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، طهران تدين بشدة قرار الحكومة الألمانية ضد حزب الله، 1 مايو 2020م، ar.irna.ir/news/83771291/
([57]) أبوالقاسم، محمود حمدي. عوامل القوة والضعف في الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 16 ديسمبر 2018م، — https://rasanah-iiis.org/?p=15131
([58]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، إيران ترحب بأي مبادرة لوقف الحرب في اليمن ورفع الحصار عن شعبه، 26 مارس 2020م، ar.irna.ir/news/83729045/
([59]) وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، مساعد وزير الخارجية: لا حل سوى الحوار السياسي للأزمة اليمنية، 29 إبريل 2020م، ar.irna.ir/news/83770154/
([60]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيراني: شهر إبريل 2020م، الرياض، 2020م، ص38.
([61]) EURO NEWS عربي، غوتيريش: أسلحة من “أصل إيراني” استخدمت في هجمات على السعودية في 2019، 12 يونيو 2020م، https://arabic.euronews.com/2020/06/12/guterres-says-iranian-weapons-used-in-attack-on-saudi-arabia-in-2019
([62]) وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، ظريف: لا أساس لمزاعم “المنشأ الإيراني” للصواريخ التي استهدفت منشآت أرامكو، 13 يونيو 2020م، ar.irna.ir/news/83820607/
([63]) RT عربي، طهران تدين حذف “التحالف العربي” من لائحة منتهكي حقوق الأطفال، 16 يونيو 2020م، https://arabic.rt.com/middle_east/1125079
([64]) المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تقرير الحالة الإيرانية: شهر يناير وفبراير 2020م، الرياض، 2020م، ص44.
([65]) المصدر السابق، تقرر شهر مارس، ص32.
([66]) وكالة الأناضول، أول إجراء على اغتيال سليماني.. إيران تصنف البنتاغون “منظمة إرهابية، 7 يناير 2020م، https://www.aa.com.tr/ar
([67]) DW عربية، حزب الله.. كيف سيتأثر ماليا وسياسيا بحظر أنشطته في ألمانيا؟ 30 إبريل 2020م، https://p.dw.com/p/3bckc
([68]) وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، ظريف : العلاقات الايرانية الروسية بلغت اعلى مستوياتها اليوم، 21 يوليو 2020م، ar.irna.ir/news/83864850/
([69]) ميدل إيست أونلاين، روسيا تعزز نظرية المؤامرة الإيرانية حول كورونا، 17 مارس 2020م، https://middle-east-online.com/