المحتويات |
---|
مقدمة |
خلافات تأسيسية في المعارضة التركية |
أثر خلافات المعارضة على انتخابات البلديات |
حسابات حزب الشعب الجمهوري |
حسابات باقي أحزاب الطاولة السداسية |
السيناريوهات المحتملة |
مقـــــدمــــة
منذ الهزيمة التي مُنيت بها المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في مايو/ أيار 2023، تصاعد الخلاف العلني بين مكوناتها.
وفي الحقيقة، فإن الخلافات كانت كامنة منذ البداية داخل التحالف المعارض، غير أن الآمال في الإطاحة بحكم “حزب العدالة والتنمية”، وتغيير نظام الحكم إلى النظام البرلماني، كانت تُجبر مختلف الأطراف على تمرير الخلافات والحفاظ على التحالف.
ولذلك، فإنه مع انتهاء آمال المعارضة تقريبًا في تحقيق أي من تلك الأهداف لمدة خمس سنوات مقبلة، طفت الخلافات بشكل أكبر على السطح، للدرجة التي يمكن معها اعتبار أن التحالف قد انتهى بالفعل، وإن لم يخرج بيان رسمي من “الطاولة السداسية” بذلك.
لكن تُطرح أسئلة في الساحة السياسية التركية حاليًا حول احتمالية عودة تحالف المعارضة مرة أخرى، في انتخابات البلديات، المزمع عقدها في مارس/ آذار 2024، ولو كانت هذه العودة بصورة أخرى، غير التي كانت في انتخابات الرئاسة الماضية.
فمع بدء التحضير للانتخابات المحلية، ومحاولات جس نبض الشارع حول أنسب الأسماء للترشح للبلديات، يبرز الحديث حول احتمالية أن تعود المعارضة مرة أخرى لتتحالف في الانتخابات المقبلة، باعتبار أن تفرقها سيعني -على الأرجح- فوز العدالة والتنمية بمعظم البلديات، واستعادة البلديات التي خسرها عام 2019، ولا سيما بلدية اسطنبول الكبرى.
وبالطبع، فإن عامل الوقت حاليًا ليس في صالح المعارضة، التي عليها أن تستعد لدخول الانتخابات المقبلة، ومواجهة “تحالف الجمهور” الحاكم، الذي يتميز بالتماسك، خاصة بعد الدفعة المعنوية الكبيرة التي اكتسبها بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة.
وخلال الأسطر القادمة، نحاول استعراض أبعاد الخلافات داخل معسكر المعارضة التركية، واحتمالية تجمع هذا التحالف مرة أخرى في انتخابات البلديات المرتقبة، وحسابات كل طرف، مركزين في ذلك على أكبر حزبين في المعارضة، الشعب الجمهوري، والجيد. هذا مع استعراض السيناريوهات المحتملة لشكل التنافس في الانتخابات المحلية المقبلة.
خلافات تأسيسية في المعارضة التركية
تجمعت ما تُعرف بـ”الطاولة السداسية”، في فبراير/ شباط 2022، مكونة من أحزاب مختلفة التوجهات، لكنها اتفقت على هدف موحد، يتمثل في إنهاء حكم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني.
واعتُبر هذا التحالف هو الأول من نوعه في السياسة التركية بهذا الحجم والتنوع، حيث ضم إسلاميين، وعلمانيين، وأحزابًا يمينية وأخرى يسارية. وعقد كثير من المعارضين آمالهم على هذا التحالف لإنهاء حكم “العدالة والتنمية”.
ورغم اعتبار البعض أن هذا التنوع نقطة قوة للمعارضة، إلا أن أداء التحالف منذ فبراير/ شباط 2023، وحتى عقد الانتخابات العامة في مايو/ أيار 2023، أثبت خلاف ذلك.[1]
فقد كان التحالف يتحاشى – بشكل أو بآخر- مناقشة النقاط الخلافية، وإعلان موقفه من بعض الجزئيات التي تتضارب حولها رؤى أحزاب الطاولة، مثل الموقف من “حزب الشعوب الديمقراطي”، الذي يرفض “حزب الجيد”، ثاني أكبر أحزاب الطاولة، الجلوس معه، أو كالموقف من “اتفاقية اسطنبول”، التي يرفضها حزب السعادة.
وفيما يبدو، فإن استراتيجية كليتشدار أوغلو، بوصفه زعيم المعارضة، كانت تتمثل في محاولة تجاوز الملفات المفخخة التي قد تسبب انفجار التحالف من الداخل، في وقت كان يُحضّر فيه نفسه للترشح ممثلًا عن المعارضة، ضد الرئيس أردوغان، كما أوضحنا في عدد “ملفات تركية – أغسطس/ سبتمبر 2022“.
ولهذا السبب، تأخر اختيار المعارضة لمرشحها الموحد، إذ أن الخلاف حول اسم المرشح كان من شأنه أن يقود إلى تفكك التحالف وهو في مراحله الأولى.[2] ولم يُعلَن عن اسم المرشح إلا قبيل الانتخابات بأسابيع معدودة، بحيث يضيّق ذلك مساحة المناورة على الأحزاب التي قد تعترض على اسم المرشح.
وهذا ما حدث بالفعل، حيث خرجت رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار، وأعلنت رفضها لترشح كليتشدار أوغلو عن طاولة الستة. لكنها عادت مرة أخرى تحت الضغوطات، التي مثّل عامل الوقت جزءًا منها بطبيعة الحال.
خلافات المعارضة برزت مرة أخرى أيضًا خلال فترة الانتخابات، بعد خسارة الجولة الأولى منها، وذهاب كليتشدار أوغلو، للتحالف مع رئيس “حزب الظفر”، اليميني المتطرف، أوميت أوزداغ. إذ أن أحزابًا داخل تحالف المعارضة، مثل “حزب المستقبل”، أعلنت رفضها لبعض النصوص التي اتفق عليها كليتشدار أوغلو مع أوزداغ، المعروف بخطابه التحريضي ضد اللاجئين.[3]
وعلى هذا، فإن عوامل الخلاف داخل تحالف المعارضة التركية موجودة منذ تأسيسه، لكن كانت هناك عدة عوامل تخص كل حزب، ساهمت في دفعه للاستمرار في التحالف.
فعلى سبيل المثال، فإن الهجوم الإعلامي على حزب الجيد بعد رفضه لترشح كليتشدار أوغلو، وعدم وجود بديل يمكن للحزب ترشيحه للرئاسة، فضلًا عن الأنباء التي تحدثت عن ضغوط خارجية مورست على الحزب حينها، كل ذلك دفع أكشنار للعودة إلى الطاولة والقبول بترشح كليتشدار أوغلو.
وبالمثل، كانت للأحزاب الصغيرة أيضًا حساباتها، فرغم اتساع الفجوة بين حزب الشعب الجمهوري، والأحزاب ذات التوجه الإسلامي، كالسعادة والمستقبل، من الناحية الأيديولوجية، إلا أنها لم تكن لها فرصة لدخول البرلمان إلا تحت تحالف ما، نظرًا لعدم استطاعتها تجاوز العتبة الانتخابية بمفردها.
وفي الوقت الذي كان من الصعب أن تتحالف فيه هذه الأحزاب مع “العدالة والتنمية”، لأن بعضها منشق عنه في الأصل، فقد كان الخيار لديها هو الانضمام لتحالف المعارضة الرئيسي، لضمان الاستمرار على الساحة السياسية بعد الانتخابات.
وعلى هذا، فإن تحالف المعارضة لم يكن متماسكًا إلى حد بعيد، ولهذا كان من الطبيعي أن تقود الهزيمة المزدوجة التي تعرض لها، في انتخابات البرلمان والرئاسة، إلى تصاعد الخلافات، بل وتفكك التحالف ككل.
تفكك التحالف بعد الانتخابات
عند الحديث عن تفكك تحالف المعارضة، فإن التركيز يجب أن ينصب على حزبي “الشعب الجمهوري”، و”الجيد” بشكل أساسي؛ نظرًا لأنهما الحزبان اللذان يقودان المعارضة، بينما باقي أحزاب طاولة الستة، قد لا تتجاوز شعبيتها 2 بالمئة، وفق معظم التقديرات.
وفي هذا السياق، برزت إشارات على تفكك التحالف بعد الجولة الأولى للانتخابات، إذ لم تظهر أكشنار مع كليتشدار أوغلو، إلا مرة واحدة فقط في الأسبوعين ما بين الجولة الأولى والثانية. ورغم ظهور أكشنار بشكل منفرد، وتأكيدها على أنها ستستكمل دعايتها لكليتشدار أوغلو ليفوز في الجولة الثانية، إلا أنها اكتفت فقط في هذا السياق ببعض الزيارات الميدانية، دون الظهور في مؤتمرات انتخابية.[4]
علاوة على ذلك، أعلنت أكشنار قبل الجولة الثانية من الانتخابات عن تاريخ عقد المؤتمر العام لحزبها. وقد استُقبل هذا القرار حينها وكأنه إشارة من أكشنار بأن الانتخابات قد انتهت بالنسبة لها.[5]
وعلى هذا، فإنه بعد انتهاء الجولة الثانية بهزيمة كليتشدار أوغلو، صرح الأمين العام لحزب الجيد، أوغور بويراز، بأن التحالف -الذي يضم ستة أحزاب- انتهى مع انتهاء الانتخابات.[6]
ثم أخذت أكشنار هذا الموقف لمرحلة متقدمة، عبر مهاجمتها حزب الشعب الجمهوري بشكل مباشر.
ففي المؤتمر العام، الذي أعيد فيه انتخاب أكشنار كرئيسة لحزب الجيد، في أواخر يونيو/ حزيران 2023، صرحت قائلة: “لأن قضيتنا كانت تركيا، حبسنا أرواحنا في غرف مظلمة، وتعاملنا مع أولئك الذين هم أسرى لأنفسهم، وأولئك الذين لا يفكرون إلا في مقاعدهم، ولسوء الحظ لم نتمكن من منع الهزيمة”، في إشارة إلى تحالفها مع “الشعب الجمهوري”.[7]
وأضافت: “لن أنسى ما حدث في 3 مارس/ آذار (التاريخ الذي أعلنت فيه اعتراضها على ترشح كليتشدار أوغلو)، والشتائم والإهانات والاتهامات التي قيلت بحقنا، سنتذكر ما جرى دائمًا لتعلم الدروس”.
كما قالت رئيسة حزب الجيد إنها لا تندم على شيء، كما تندم على طلبها من حزب الشعب الجمهوري، في 2018، بدخول نواب من حزبها على قوائم الشعب الجمهوري، لتستطيع دخول البرلمان.[8]
هذه التصريحات الواضحة تشير إلى انتهاء “تحالف الأمة” المعارض، خصوصًا إذا ما أضفنا إليها انتقادات رئيس حزب السعادة، تمل كرم الله أوغلو، للطاولة السداسية، واستراتيجيتها في الانتخابات الماضية، حيث وصف التحالف بأنه كان “عديم الخبرة”.[9]
وفي الحقيقة، فإن ما يهم في مسألة توحد المعارضة من عدمها هو شيئان. الأول هو تصويتها داخل البرلمان، واتفاقها على أجندة تشريعية موحدة.
وفي هذا، يمكن القول إن هذا غير متيسر لها، نظرًا للخلافات الأيديولوجية الواسعة بينها. حتى إن حزبي الشعب الجمهوري والجيد كانا يصوتان بشكل مختلف في البرلمان، على العديد من مشروعات القوانين، وهما تحت تحالف “الطاولة السداسية”.
ولهذا لم تسع أحزاب الطاولة إلى التحالف تحت قبة البرلمان؛ نظرًا لتعذر هذا المسعى. وبهذا بات لكل حزب منهم خصوصيته داخل البرلمان، من حيث الأجندة التشريعية واتجاهات التصويت.
هذا باستثناء حزبي “السعادة” و”المستقبل”، اللذين شكّلا كتلة برلمانية واحدة، تحت اسم حزب السعادة، ويترأسها أحد برلمانيي حزب المستقبل.[10]
أما الأمر الثاني فهو انتخابات البلديات المرتقبة، وهنا يبرز السؤال حول احتمالية تشكيل أحزاب الطاولة تحالفًا لخوض الانتخابات المحلية معًا، حتى ولو كان هذا التحالف مختلفًا في شكله وطريقة إدارته عما كان موجودًا حين خوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
أثر خلافات المعارضة على انتخابات البلديات
حسابات حزب الشعب الجمهوري
مع قرب انتخابات البلديات، التي من المزمع أن تُجرى في مارس/ آذار 2024، يبرز السؤال حول مدى قدرة المعارضة على الاحتفاظ بالبلديات التي انتزعتها من “حزب العدالة والتنمية” في انتخابات عام 2019، وأبرزها بلديتي اسطنبول وأنقرة.
وبالرجوع إلى مجريات الأحداث في ذلك العام، نجد أن المعارضة لم يكن ليتسنى لها الفوز في هاتين البلديتين، إلا بالتحالف -وإن لم يكن بشكل معلن- مع الأحزاب الأخرى التي كونت فيما بعد الطاولة السداسية، بجانب حزب الشعوب الديمقراطي.
فعلى سبيل المثال، فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، ببلدية اسطنبول في الجولة الأولى، بفارق 0.2 بالمئة فقط، على مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدرم.[11]
أما الآن، وبعد إدارة إمام أوغلو للبلدية لمدة 5 سنوات، والانتقادات التي توجه لأدائه، فإن خوض “الشعب الجمهوري” الانتخابات المحلية بمفرده، خاصة في المدن الكبرى، تُعد مجازفة كبيرة، ما قد يؤول إلى استرجاع العدالة والتنمية لبلديات خسرها عام 2019.
ولهذا، فإن دخول الانتخابات القادمة بنفس التحالف الذي كان موجودًا -ولو بشكل غير رسمي- في عام 2019، يُعد ضرورة بالنسبة للشعب الجمهوري.
وربما هذا ما دفع الحزب لطلب عقد لقاء بين مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري للإدارات المحلية، أحمد أكين، بنظيره في حزب الجيد، بوراك أكبوراك، وفق ما أفاد به موقع قناة “خبر ترك” التركية.[12]
وخلال الاجتماع الذي استمر قرابة الساعة، ناقش المسؤولان عددًا من المواضيع السياسية، بما فيها الانتخابات المحلية، وفق المصدر نفسه.
كما أن رغبة “الشعب الجمهوري” في جذب أصوات حزب الجيد في الانتخابات المقبلة، ربما هي التي دفعت زعميه كليتشدار أوغلو إلى انتهاز فرصة فوز أكشنار برئاسة “حزب الجيد” مرة أخرى، للاجتماع بها وتهنئتها.
هذا بالرغم من أن الاجتماع لم يكن مثمرًا على ما يبدو، إذ لم يعقد الطرفان مؤتمرًا صحفيًا في نهاية اللقاء كما هو معتاد.
حسابات باقي أحزاب الطاولة السداسية
وفيما يخص باقي أطياف المعارضة، فربما يكون الأمر أكثر تعقيدًا. فمن جهة، فإن الفوز في الانتخابات المحلية لا يكون بـ”50+1″ من الأصوات، بل إن أعلى المرشحين تصويتًا هو الفائز، حتى ولو لم يتجاوز نصف عدد الأصوات الصحيحة.
وعلى هذا، فإنه من الصعب على الأحزاب الأخرى في تحالف المعارضة أن تتمكن من الفوز، خاصة في المدن الكبرى، إذا دخلت الانتخابات بمفردها. ونظرة سريعة على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تثبت ذلك، إذ أن جل الولايات تقريبًا حاز فيها أكثرية الأصوات إما “العدالة والتنمية”، أو “الشعب الجمهوري”، أو “الشعوب الديمقراطي”.[13]
لكن من جهة أخرى، فإن تحميل تلك الأحزاب مسؤولية خسارة الانتخابات الماضية لحزب الشعب الجمهوري، وتوجيه اتهامات له بالأنانية السياسية وقلة الخبرة، يجعل من الصعب عليها التحالف معه مرة أخرى، خاصة في ظل استمرار كليتشدار أوغلو على رأس حزب المعارضة الرئيسي.
إذ تُحمّل أحزاب المعارضة مسؤولية الخسارة لكليتشدار أوغلو على وجه الخصوص، لعدة أسباب، أبرزها أنه فرض نفسه كمرشح موحد للمعارضة، رغم معارضة حزب الجيد، ورغم استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، والتي كانت تُعطي شخصيات أخرى فرصًا أكبر إذا رُشحوا ضد الرئيس أردوغان، ومنهم إمام أوغلو، ونظيره في بلدية أنقرة، منصور يافاش.
علاوة على ذلك، فقد كشف “أوزداغ” عن اتفاق سري جمعه بكليتشدار أوغلو، قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، لم يكن باقي أعضاء طاولة الستة على علم به. وتضمن الاتفاق -الذي جاء في وثيقة مكتوبة- تعهد كليتشدار أوغلو بمنح حزب الظفر ثلاث حقائب وزارية، بينها الداخلية، بالإضافة إلى رئاسة الاستخبارات التركية.
وبشكل غير مباشر، أكد كليتشدار أوغلو على وجود هذه الوثيقة، قائلًا إنه “وقّع بالفعل بروتوكولًا مع أوزداغ”، لكنه أضاف أنه “لا يصح أخلاقيًا الإفصاح عن مضمونه”.[14]
هذا الاتفاق السري أضاف سببًا لغضب أحزاب المعارضة من كليتشدار أوغلو، باعتبار أنه تجاهل باقي أطراف الطاولة. وهذا ما دفع رئيس حزب المستقبل، أحمد داوود أوغلو، يُعرب عن أسفه بشأن “البروتوكول السري”، مؤكدًا أنه كان يتوجب على كليتشدار أوغلو إبلاغ أعضاء الطاولة السداسية أو مناقشتهم بشأنها.
كما قالت أكشنار إنه “كان من الخطأ توزيع أي مناصب، بما فيها وزارة الداخلية، قبل التوافق بشأن الوزارات بين الأحزاب”.[15]
وعلى هذا، فإن هناك أسبابًا قد تدفع أحزاب المعارضة الأخرى -بخلاف الشعب الجمهوري- لأن تدخل انتخابات البلديات بشكل منفرد، أو عبر تحالفات أضيق من الطاولة السداسية، وإن كان هذا يُعد مجازفة أيضًا، ويمنح فرصة للأحزاب الكبيرة لحسم الفوز لصالحها.
كما إن وجود كليتشدار أوغلو على رأس حزب الشعب الجمهوري يصعب من عقد تحالف كالذي كان في انتخابات الرئاسة[1] .
السيناريوهات المحتملة
وإزاء هذا المشهد، فإننا بصدد عدة سيناريوهات للشكل الذي ستدخل به أحزاب المعارضة انتخابات البلدية في ظل الخلافات القائمة.
السيناريو الأول هو استمرار تفتت تحالف المعارضة، بحيث لا يجتمع على مرشحين موحدين في كل الولايات، بما في ذلك المرشحين لرئاسة بلدية أنقرة واسطنبول.
وهذا وإن كان سيناريو مرجحًا حاليًا في حق معظم الولايات، إلا أنه غير مرجح في أنقرة واسطنبول، إذا ما كان منصور يافاش وإمام أوغلو هما المرشحين عن الشعب الجمهوري لرئاسة البلديتين.
فالأول ترجع أصوله بالأساس إلى التيار القومي، ما يجعله قريبًا من “حزب الجيد” على وجه الخصوص. والثاني تربطه علاقة خاصة بأكشنار، إذ كانت قد اقترحت اسمه للترشح لرئاسة الجمهورية -بجانب يافاش- وكانت أول الداعمين له عندما حُكم عليه بالحبس والمنع من ممارسة السياسية لسنتين، كما أوضحنا في عدد “ملفات تركية – ديسمبر/ كانون الأول 2022“.
وبالتالي، فإن الأمور إذا استمرت على ما هي عليه من خلاف بين أحزاب المعارضة، مع استمرار كليتشدار أوغلو على رأس “الشعب الجمهوري”، فالمرجح أن تتشتت أصوات المعارضة في انتخابات البلديات، مع احتمالية حدوث تفاهم حول اسطنبول وأنقرة، ليس بفضل كليتشدار أوغلو، بل بفضل خصوصيات لرئيسي البلديتين الحاليين.
ويبدو أن إمام أوغلو يدرك ذلك، ولذلك صرح، في معرض حديثه عن الانتخابات المقبلة، قائلًا: “سأبذل قصارى جهدي لتأسيس تحالف من أجل إسطنبول متجاوزًا جميع الأحزاب”.[16]
كما أن أكشنار أشارت إلى شيء من ذلك عندما ردت على تساؤل للصحفيين بشأن التحالف في الانتخابات المحلية لا سيما في إسطنبول وأنقرة، مشيرة إلى أنها تقدمت بدعوة إلى كافة الأحزاب بشأن دخول الانتخابات بشكل منفصل، وأنها ستعمل بناء على ذلك.
لكنها استدركت قائلة إنه “يمكن التوافق حول المرشحين في بعض المناطق”. وردًا على ترشيح مرشحين مقابل إمام أوغلو ويافاش على وجه التحديد، قالت أكشنار: “سندرس الموقف عندما يحين وقته”.[17]
وكما أوضحنا، فإن وجود شخصي إمام أوغلو ويافاش يسهل عملية التوافق فيما يخص اسطنبول وأنقرة، ما يعني أنه إذا استبعدهما كليتشدار أوغلو، بصفته الشخص الذي يملك صلاحية ترشيحهما، فإن عقد أحزاب المعارضة الرئيسية لتحالف في أي ولاية، بما فيها أنقرة واسطنبول، سيكون صعبًا إلى حد بعيد.
أما السيناريو الثاني، فهو أن تنسق المعارضة فيما بينهما بشكل أوسع وفي عدد أكبر من الولايات، يتجاوز أنقرة واسطنبول. وهذا سيناريو مستبعد وفق المعطيات الحالية؛ لوجود كليتشدار أوغلو على رأس الشعب الجمهوري.
أما إذا عقد “الشعب الجمهوري” مؤتمره العام قبل انتخابات البلديات، ونتج عنه انتخاب رئيس جديد للحزب، فقد تكون هناك أريحية حينها لدى أحزاب المعارضة من أجل التنسيق بينها في عدد أكبر من الولايات.
هذا مع التأكيد على أن أية صيغة للتوافق بين الأحزاب الستة ستختلف عما كان موجودًا خلال الانتخابات الماضية، حيث لن تتساهل الأحزاب، وخاصة حزب الجيد، في فرض الشعب الجمهوري توجهه على باقي أطراف التحالف.
وربما تصريح “أكشنار” بأنها نادمة على طلبها من “الشعب الجمهوري” إدخال بعض أعضاء حزبها للبرلمان على قوائمه، إشارة على أنها تريد أن تعامل “الشعب الجمهوري” ندًا لند، بعد أن كان يتعامل معها كليتشدار أوغلو باعتباره “صاحب فضل” في دخول حزبها للساحة السياسية.
وإجمالًا، يمكن القول إن الانتخابات الماضية عمقت الخلافات، التي كانت موجودة بالفعل، بين أحزاب المعارضة. ما يجعل تحالفها في انتخابات البلديات أمرًا متعذرًا في ظل الظروف الحالية، مع احتمالية استثناء أنقرة واسطنبول؛ نظرًا لما أسلفنا ذكره.
المصادر
[1] أضواء للبحوث والدراسات، انهيار التحالف السُّداسي: مستقبل المعارضة التركية بعد الهزيمة في الانتخابات العامة الأخيرة، 21 أغسطس/ آب 2023
[2] سكاي نيوز عربية، مرشح المعارضة التركية للرئاسة.. أسباب التأخير وحظوظ المنافسة، 3 مارس/ آذار 2023
[3] BBC News Türkçe, Davutoğlu, Kılıçdaroğlu ve Özdağ’ın imzaladığı protokolü yorumladı: Kayyum uygulamasına son vereceğiz, 25 Mayıs 2023
[4] TRT Haber, İyi Parti’de sessizlik hakim, 16 Mayıs 2023
[5] Sözcü, İYİ Parti’de kurultay kararı: Tarih belli oldu, 22 Mayıs 2023
[6] نون بوست، الأحزاب التركية وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية، 3 يوليو/ تموز 2023
[7] Meral Akşener, Rotamız Net Pusulamız Millet!, 24 Haziran 2023
[8] إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، لماذا تزايدت أزمات المعارضة التركية؟، 8 أغسطس/ آب 2023
[9] Aydınlık, Karamollaoğlu’ndan seçim itirafı: ‘Acemilik yaptık’, 27 Ağustos 2023
[10] العربي الجديد، حزبا “السعادة” و”المستقبل” يشكلان كتلة نيابية بالبرلمان التركي، 6 يوليو/ تموز 2023
[11] يني شفق، نتائج الانتخابات المحلية في اسطنبول 31 مارس/ آذار 2019
[12] Habertürk, CHP ve İYİ Parti arasında ‘yerel’ teması, 13 Haziran 2023
[13] يني شفق، نتائج الانتخابات العامة 14 مايو/ أيار 2023
[14] عربي 21، “فضائح سياسية” في حزب الشعب الجمهوري.. وفصل رئيس بلدية بولو، 27 يوليو/ تموز 2023
[15] المصدر نفسه
[16] Ekrem İmamoğlu, İSTANBUL VE TÜRKİYE’YE SESLENİŞ, 15 27 Ağustos 2023
[17] عربي 21، أكشنار تفتح النار على المعارضة التركية.. هل أغلقت أبواب التحالف بالانتخابات البلدية؟، 28 أغسطس/ آب 2023