الفهرس
مقدمة
المحور الأول: تركيا وسوريا
- مطالب سورية باستعادة لواء إسكندرون
- الأنشطة التركية في الشمال السوري
المحور الثاني: تركيا وليبيا
- تركيا والانسحاب المتزامن للقوات الأجنبية
- الانتخابات ومستقبل الدور التركي في ليبيا
المحور الثالث: تركيا ومصر
- التطبيع التركي الإماراتي ومسار التقارب المصري
- اتهام قيادات إخوانية بالتخابر مع تركيا
المحور الرابع: تركيا والعراق
- الاقتراح العراقي بقيام تكتل اقتصادي مع تركيا وإيران
- التعاون الثنائي بين تركيا والعراق
المحور الخامس: تركيا ودول الخليج
- زيارة ولي عهد الإمارات لأنقرة
- زيارة الرئيس أردوغان للدوحة
- بوادر تحسُّن العلاقات التركية السعودية
المحور السادس: تركيا وفلسطين والكيان الصهيوني
- تبعات كشف شبكة التجسُّس الإسرائيلية
- الدعم التركي لقضية القدس
- التضامن مع الشعب الفلسطيني
المحور السابع: تركيا وأوروبا
- أرمينيا وتطبيع العلاقات مع تركيا
- الموقف التركي من الصراع الروسي الأوكراني
المحور الثامن: تركيا والولايات المتحدة الأميركية
- الحشد الأميركي على الحدود التركية اليونانية
- التصعيد الأميركي في البحر الأسود وخطره على تركيا
المحور التاسع: الداخل التركي
- المعارضة وأزمة التوافق على مرشح للرئاسة
- تراجع قيمة الليرة وزيادة التضخم
مقدمة
يحتوي تقرير “أحوال تركية”، عن الفترة من 15 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، على أبرز الأحداث على الساحة التركية.
فعلى المستوى الخارجي، رفضت تركيا مطالب سوريَّة باستعادة إقليم “إسكندرون”، واعتبرته “غير قانوني”، ولا يمثل الشعب السوري. واستمرت أعمال الإغاثة التركية بالتوازي مع العمليات العسكرية في شمال سوريا.
وفيما يخص الشأن الليبي، أبدت تركيا حرصها على استقرار ليبيا من خلال التعامل الإيجابي مع المقترحات الخاصة بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، والتأكيد على ضرورة التوافق فيما يخص الانتخابات.
أما مصر، فقد قامت بتحريك قضية للتخابر مع تركيا، وهو ما يتعارض مع كل التكهنات بقرب حدوث انفراجة في مسار التطبيع بين القاهرة وأنقرة الذي يعاني من التباطؤ.
وشهدت العلاقات التركية العراقية العديد من مظاهر التعاون الثنائي، أبرزها اقتراح العراق إقامة تكتل اقتصادي إقليمي يضم العراق وتركيا وإيران.
وإذا انتقلنا إلى العلاقات التركية الخليجية، فسنجد أن قطار التطبيع يسير بسرعة فائقة، وذلك بعد زيارة ولي عهد الإمارات لأنقرة، وظهور مؤشرات على تحسُّن مرتقب في العلاقات التركية السعودية.
وعلى صعيد القضيَّة الفلسطينيَّة، توالت تبعات قضية التجسس لمصلحة الكيان الصهيوني، وذلك بعد تقديم المتهمين للمحاكمة. كما تواصل دعم تركيا للقضية الفلسطينية على جميع المستويات، خاصة فيما يخص الوضع القانوني لمدينة القدس.
وإذا انتقلنا إلى أوروبا والولايات المتحدة، فسنجد أن تركيا صارت لاعبًا مهمًا في الأزمة الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا، والتي ألقت بظلال من التوتر على منطقة البحر الأسود الذي يشهد تعاونًا بين أميركا وتركيا، رغم قلق الأخيرة من الحشد العسكري الأميركي على حدودها مع اليونان.
وعلى المستوى الداخلي، مازالت المعارضة تعاني من التخبط في اختيار مرشح توافقي لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة. وواصلت الليرة التركية تراجعها في مقابل الدولار، وزادت معدلات التضخم، وارتفعت الأسعار، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير لمواجهة أثار هذه الأزمة.
في مشهدٍ جديدٍ من مشاهد التصعيد بين تركيا ونظام بشار الأسد، طالب مجلس الشعب السوري باستعادة أراضٍ تنازل النظام عن أيّ حق له فيها باتفاق رسمي، وهو ما يدل على أن الأمر مجرد استفزاز للدولة التركية، خاصَّة وأن النظام السوري لم يعمل على استعادة أرضه في الجولان المحتلة. وبالتزامن مع التوتر بين أنقرة ودمشق، استمرت العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري، جنبًا إلى جنب مع عمليات الإغاثة التي تقوم بها المنظمات الإنسانية لمساعدة السوريين المتضررين من الحرب.
- المطالب السورية باستعادة لواء إسكندرون
طفا الخلاف التركي السوري حول “لواء إسكندرون”، أو ولاية “هاتاي” الحدودية مع سوريا، إلى السطح مرة أخرى في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، حينما أصدر “مجلس الشعب” (البرلمان السوري) بيانًا حول ما أسماه “الذكرى الثانية والثمانين لسلخ لواء إسكندرون السليب”، استعرض فيه الظرف التاريخي الذي انضم فيه الإقليم إلى تركيا، ووَصَف هذه الذكرى بأنها حدث “مشؤوم”، و”جريمة نكراء”.
كان لواء إسكندرون تابعًا لولاية حلب في العهد العثماني، وقامت فرنسا باحتلاله في نهاية الحرب العالمية الأولى، وضمَّته للانتداب الفرنسي. ثم انسحبت فرنسا من اللواء، وقامت تركيا بضمِّه بعد استفتاء في عام 1939.
وبهذه المناسبة، ذكر المجلس أن “لواء إسكندرون السليب هو جزء لا يتجزأ من التراب السوري الغالي وموضعه كموضع القلب من الجسد، وهو باق دائمًا وحاضر أبدًا في عقولنا ووجداننا وقلوبنا وضمائرنا، وإننا مستمرون في بذل الغالي والنفيس حتى يعود الحق السليب لأصحابة”. وأكد أن السوريين مصرون على استعادة كامل اراضيهم المغتصبة، وواثقون من النصر بهمَّة رجال الجيش العربي السوري[1].
أثار البيان السوري غضب الحكومة التركية التي عبَّر مسؤولون فيها عن رفضهم له، وكانت البداية من وزارة الخارجية التي أعلنت على لسان المتحدث باسمها، السفير “تانجو بيلغيتش”، أن تركيا ترفض بشدة هذا البيان “الوقح” و”غير القانوني”، والذي يستهدف وحدة الأراضي التركية، والصادر عن مجلس الشعب، الذي لا يمثل الشعب السوري بأي شكل من الأشكال، ويفتقر إلى الشرعية الديمقراطية.
ووَصَف بيلغيتش مثل هذه التصريحات بأنها “مظهر آخر من مظاهر الوهم الذي يعيشه النظام، المستمر في اضطهاد شعبه منذ سنوات، والمسؤول عن مقتل مئات الآلاف من الأبرياء وتشريد الملايين من ديارهم”. وشدد على أن “تركيا، كما كانت في الماضي، تمتلك العزيمة والتصميم في الوقت الحالي وفي المستقبل للانتقام من الأطماع الدنيئة التي تستهدف وحدة أراضيها، والرد على كافة أنواع التهديدات التي تهدد مصالحها الوطنية”[2].
وبدوره، وَصَف وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، مطالب برلمان النظام السوري باستعادة لواء إسكندرون بأنها “متهورة، ولا فرق بينها وبين هذيان شخص في غيبوبة”. جاء ذلك في حديثه من ولاية هاتاي مع قادة الوحدات العسكرية التركية المنتشرة على الحدود وفي شمال سوريا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أثناء جولة تفقدية لقادة الجيش. وشدد أكار على جاهزية واستعداد قوات بلاده في شمال العراق وسوريا، وأكد على احترام تركيا حدود كافة جيرانها، مؤكدًا أن الجهود التي يبذلها الجيش هي لحماية الحدود والحفاظ على أمن الشعب التركي. وأضاف: “لا أطماع لدينا في أراضي أحد، ولكن القارئ للتاريخ يشاهد ما حل بمَن كان يطمع في أرضنا”[3].
وقد رأى مراقبون أن البيان السوري لا يعدو أن يكون محاولة لاستفزاز تركيا، خاصَّة وأن النظام السوري قد أقر في اتفاقية “أضنة” المبرمة بين البلدين في 1998 بتبعية المنطقة المذكورة للدولة التركية، وهو ما ورد في الملحق الثالث من الاتفاقية، والذي ينص على أنه “اعتبارًا من الآن، يَعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأن أيًّا منهما ليس له أية مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر”[4].
- الأنشطة التركية في الشمال السوري
تواصلت الأنشطة التركية المختلفة في المنطقة الخاضعة لاتفاقيات التهدئة في شمال سوريا. فعلى الصعيد العسكري، واصلت القوات التركية عملياتها ضد المنظمات التي تتهمها أنقرة بالقيام بعمليات إرهابية، انطلاقًا من الأراضي السورية. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع التركية استمرار العمليات ضد إرهابيي (ي ب ك/بي كا كا)، وقالت إنه تمَّ تحييد 3 إرهابيين كانوا يستعدون لشن هجمات في منطقة “درع الفرات” و”نبع السلام”[5].
وفيما يخص اللاجئين السوريين، أعلنت مستشارية الإعلام والعلاقات العامة في وزارة الدفاع التركية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أن مليون مدني سوري عادوا طوعًا إلى المناطق المحررة من التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا، وذلك إثر تدخل الجيش التركي هناك خلال الأعوام الماضية. ولفتت المتحدثة باسم المستشارية، “بينار قره”، إلى أن “عمليات (درع الفرات) و(غصن الزيتون) و(نبع السلام) و(درع الربيع)، التي نفذتها تركيا شماليّ سوريا، وفرت الأمن والرخاء لسكان المنطقة”.
وحول الدور الإنساني الذي تقوم به السلطات التركية من أجل المدنيين في شمال سوريا، أكدت “بينار” “استمرار المساعدات الإنسانية وأنشطة دعم البنية التحتية التي تقوم بها وزارة الدفاع بالتنسيق مع الجهات المعنية من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها في المنطقة”، وبيَّنت أن “هذه الأنشطة أسفرت عن العودة الطوعيَّة لأكثر من مليون سوري وبشكلٍ آمن وكريم إلى ديارهم، بينهم نحو 470 ألفًا عادوا إلى إدلب”.
وذكرت أنه “تمَّ تقديم الخدمات الصحية لنحو 3 ملايين شخص في 14 مستشفى، وجرى توفير الدعم التعليمي لأكثر من 300 ألف طالب في ألف و325 مدرسة كانت أغلقتها التنظيمات الإرهابية وأعادت تركيا فتحها للتعليم والتدريب، وتمَّ افتتاح أكثر من 500 مسجد وكنيسة بعد ترميمها[6].
وفي سياق متصل بموضوع المساعدات المقدمة للسوريين في مناطق عملية “نبع السلام”، شمالي سوريا، قامت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) بتوزيع بذور قمح على المزارعين. وقالت الهيئة إن ما تمَّ تقديمه للمزارعين السوريين، يأتي في إطار مشروع الدعم الزراعي لعام 2021.
وذكرت الهيئة أن المشروع المذكور، يشمل تقديم دعم للمزارعين من أصحاب الأراضي التي لا تتجاوز مساحتها 20 دونمًا، في منطقتي “تل أبيض” و”رأس العين”، وذلك لتقليل آثار الجفاف الذي حل بالمنطقة. وأفادت بأنها قامت بتحديد أنواع القمح المناسبة للمنطقة، وقدمت 24 نوعًا من بذور القمح المحلي الذي يزرع في تركيا أيضًا، لمزارعي المنطقة.
وأعربت الهيئة عن أملها في حصول مزارعي منطقة “نبع السلام” على محصول أفضل بفضل البذور المحلية التي قدمتها “الإغاثة التركية” لهم[7].
يُعَد موضوع سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من على الأراضي الليبية والانتخابات المزمع إقامتها حديث الساعة في الشأن الليبي، وهما من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة التركية التي يمكن مشاهدة تطور نوعي في موقفها الرافض لخروج قواتها من ليبيا لشرعية وجودها، وهو الموافقة على انسحاب متزامن للقوات الأجنبية من ليبيا، بحسب تصريح أعضاء من الوفد العسكري الذي زار أنقرة مؤخرًا. أما الانتخابات التي ثمَّة تكهنات بعدم إمكانية إجرائها في الموعد المحدد لها، فتعتبر تحديًّا حقيقيًّا بالنسبة للحكومة التركية، نظرًا لخطورة فوز معسكر حفتر بها على مصالحها في ليبيا.
- تركيا والانسحاب المتزامن للقوات الأجنبية
استضافت أنقرة، في 3 ديسمبر/كانون الأول، اجتماعًا للجنة العسكرية الليبية (5+5)، التي توجهت إلى تركيا لبحث ملف إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية عن الأراضي الليبية.
وعشيَّة وصول الوفد إلى أنقرة، صرح اللواء “خالد المحجوب”، مدير إدارة التوجيه المعنوي، بأن اللجنة تتوجه إلى تركيا وروسيا “للعمل على استكمال عملها بخصوص إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية، وأيضًا لتنفيذ خطة جدول زمني لخروجهم بعد أن تمَّ التنسيق بخصوص مرتزقة دول الجوار التي اتفق مع دولها على تأمين عودتهم”[8].
وفي تعليقها على الاجتماع، قالت وزارة الدفاع التركية إنه انعقد بناءً على طلب الجانب الليبي، وبوساطة من البعثة الأممية في ليبيا. وأنه جرى خلال الاجتماع تقديم إحاطة حول خطة عمل أقرتها اللجنة في جنيف بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول، تتضمن إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد تدريجيًّا[9].
وكان عضو اللجنة العسكرية الليبية، الفريق “فرج الصوصاع”، قد قال إنه “تمَّ إجراء محادثات مع الجانب التركي بخصوص تنفيذ مقررات مؤتمر برلين وقرار وقف إطلاق النار، وما ترتب عليه من سحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا”، وأكد أن اللجنة طالبت تركيا بسحب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وفقًا للخطة الموضوعة التي تقضي بسحب جميع المرتزقة وكذلك القوات الأجنبية تحقيقًا لمبدأ السيادة الوطنية[10].
وحول موقف تركيا من سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، كشف المحجوب تفاصيل لقاءات اللجنة في تركيا، مؤكدًا أن الأخيرة أبدت اهتمامها وحرصها على استقرار ليبيا، وأن “لقاءات اللجنة العسكرية أسفرت على نتائج إيجابية ومشجعة للغاية، تتوافق مع المرحلة الحالية للواقع الليبي”، مشيرًا إلى أن الجانب التركي أكد على إجلاء المرتزقة وإنهاء تواجده داخل ليبيا بالتزامن مع خروج باقي المرتزقة بشكل يشمل الجميع حسب ما يتم تنسيقه من اللجنة العسكرية من تواريخ وجداول زمنية لذلك[11]. وذكر الصوصاع أن “تركيا رحبت بهذا الطلب تحقيقًا لمبدأ السيادة الوطنية التي لا يمكن التفريط فيه بشرط أن يكون الانسحاب من الطرفين متواز ومتزامن”.
كانت المحطة الثانية للجنة العسكرية في موسكو، حيث بحثت موضوع انسحاب القوات الأجنبية مع الجانب الروسي في 8 ديسمبر/كانون الأول.
ويُعَد موضوع سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا أمرًا في غاية الأهمية لضمان نجاح العملية السياسية في ليبيا وإرساء الاستقرار في البلاد بعد عشر سنوات على سقوط نظام معمر القذافي. ولهذا فقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، الاتفاق على إنشاء آلية اتصال وتنسيق فعالة لإخراج المقاتلين والمرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول، أقرت اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5) في جنيف، خطة عمل لإخراجهم تدريجيًّا.
جدير بالذكر أن تركيا تعتبر وجودها العسكري في ليبيا وجودًا شرعيًّا، وأنه جاء تطبيقًا للاتفاقية التي أبرمت مع حكومة الوفاق الليبية السابقة؛ وترفض التعامل معها كقوات أجنبية يجب عليها الخروج من البلاد.
- الانتخابات ومستقبل الدور التركي في ليبيا
تحظى الانتخابات الليبية المزمع إجراؤها في نهاية ديسمبر/كانون الأول الحالي باهتمام كبير من جانب أنقرة، لما يمكن أن يترتب عليها من إجراءات قد تؤثر على مستقبل التواجد التركي على الأراضي الليبية، حال تمكن معسكر اللواء المتمرد “خليفة حفتر” من الفوز بنتيجتها.
واستشعارًا منها لأهمية هذه الانتخابات، تواصلت اللقاءات التركية الليبية للتشاور حول الوضع في ليبيا والتطورات المتتابعة في ملف الانتخابات التي لا يمكن الجزم بأنها سوف تقام في الموعد المحدد لها بسبب اختلاف الفرقاء حول القوانين والإجراءات المنظمة لها.
وفي هذا السياق، استقبلت أنقرة العديد من المسؤولين الليبيين، وعلى رأسهم رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، “خالد المشري”، الذي التقى برئيس البرلمان التركي، “مصطفى شنطوب”، في 9 ديسمبر/كانون الأول. كما زار وفد برلماني ليبي مقر البرلمان التركي في 15 من الشهر ذاته، وكان على رأسه رئيس مجلس النواب المكلف، “فوزي النويري”[12].
وكان مجلس الأمن القومي التركي قد شدد في بيان أصدره في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، على وجوب تجنب الخطوات أحادية الجانب في ليبيا، من أجل إجراء الانتخابات بشكل قانوني وفي جو يسوده الهدوء. وجاء في البيان الذي صدر عقب الاجتماع الذي ترأسه الرئيس أردوغان: “دعونا المجتمع الدولي للوقوف في وجه الفاعلين الذين يستغلون المرحلة الحالية لمصالحهم الخاصة”[13]، في إشارة إلى الجهات التي تصمم على إجراء الانتخابات وفق قانون انتخابي لا يحظى بتوافق القوى السياسية في ليبيا وينحاز إلى طرف على حساب الطرف الآخر.
وفي ظل الأوضاع الليبية غير المستقرة، واحتمالية تزوير الانتخابات، أو التدخل فيها لمصلحة اللواء المتمرد “خليفة حفتر” ومعسكره المناوئ لتركيا، تجد أنقرة نفسها أمام تحد حقيقي يمس شرعية وجودها على الأراضي الليبية ويهدد مصالحها التي تتنامى في ظل الاتفاقية التي وقعتها مع حكومة الوفاق برئاسة “فايز السراج” عام 2019، وتتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحري لكلا البلدين.
وحول مستقبل الدور التركي في ليبيا بعد الانتخابات المزمع إجراؤها، يرى مراقبون أنه رهين بإقامة الانتخابات أولًا، وبعدها يأتي النظر في الموقف في حالة فوز طرف آخر غير الطرف الحليف لتركيا، لأن ذلك الطرف سوف يُعيد النظر في موضوع الوجود التركي في ليبيا[14]، وهو ما يعني إمكانية إقدام الحكومة الجديدة على إلغاء الاتفاقية التي يرفضها حفتر والدول الإقليمية الداعمة له، وعلى رأسها مصر.
أما إذا كان الطرف الفائز هو الطرف الأقرب إلى تركيا، والذي تمثله أطراف في المجلس الرئاسي، و”عبدالحميد الدبيبة”، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الوريث الشرعي لحكومة الوفاق التي أبرمت الاتفاق مع أنقرة، فإن الدور التركي سوف يُعاد تقنينه، وهو ما يعني مزيدًا من الشرعية لتواجد الأتراك في ليبيا.
ما بين تكهن باقتراب التطبيع بين تركيا ومصر بعد تحسُّن العلاقات بين أنقرة وأبوظبي، وتحفظ مصري يدل على تردد القاهرة في التعاطي مع رغبة أنقرة في تحسين العلاقات الثنائية، مازال مسار التقارب بين البلدين يشهد حالة من التباطؤ، ويواجه بعض العراقيل التي تظهر بين الحين والآخر، وكان آخرها تحريك قضية التخابر مع تركيا التي ضمَّت مجموعة من المواطنين الأتراك. ولعل عدم تعليق الجانب التركي على هذه القضية حتى الآن يشير إلى عدم رغبته في التصعيد وتوسيع دائرة الخلاف.
- التطبيع التركي الإماراتي ومسار التقارب المصري
بعد أن خطت العلاقات التركية الإماراتية خطوة واسعة على مسار التقارب، تمثلت في زيارة ولي عهد الإمارات لأنقرة، واتفاق البلدين على طي صفحة الخلاف وإنهاء القطيعة السياسية بينهما، توجهت الأنظار ناحية مصر التي مازالت تتعامل مع ملف التطبيع مع تركيا بتحفظ، الأمر الذي انعكس على مخرجات المباحثات الثنائية التي بدأت منذ شهور، ولم تسفر عن تطور ملحوظ، على عكس المسار الإماراتي، الذي لم يستغرق وقتًا طويلًا للوصول إلى ما وصل إليه من نتائج إيجابية، رغم حدة الخلاف مع أنقرة التي اتهمت أبوظبي باستهداف أمنها القومي وتمويل الانقلاب الفاشل بها.
فبعد أشهر من بداية مسار التطبيع بين القاهرة وأنقرة، مازالت الرسائل الإيجابية تصدر عن الأخيرة في هذا الشأن، وكان آخرها بمناسبة التطبيع مع الإمارات، حينما كشفت تركيا عن اعتزامها اتخاذ خطوات مشابهة مع مصر، وذلك على لسان الرئيس أردوغان، الذي قال في 29 نوفمبر/تشرين الثاني إن “أي خطوات اتخذت مع الإمارات ستتخذ مثلها مع الآخرين”[15].
وفي حوار له مع قناة (TRT1) الحكومية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أكد أردوغان حرص بلاده على تطوير علاقاتها مع مصر، وأوضح أن العلاقات مع مصر متواصلة على مستوى الوزراء، مشيرًا إلى إمكانية حدوث تطورات مختلفة للغاية بهذا الخصوص خلال الفترة المقبلة[16].
وكان نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، “نعمان قورتولموش”، قد صرح بأن بلاده لم يكن لها يومًا ما مشكلة مع الشعب المصري، وأن القاعدة الأساسية هي زيادة الحوار والأخوة والتعاون. وبرر موقف بلاده من النظام المصري بأنه موقف من الانقلابات العسكرية بشكل عام[17].
وفي المقابل، يعمد النظام المصري إلى التريث في التجاوب مع المبادرات التركية، ويبدي تحفظه على تطبيع العلاقات بحجة أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به، وأن الباب سيفتح أمام مزيد من التقدم عندما تشعر مصر بالرضا عن حل القضايا العالقة.
يقارن البعض بين موقف القاهرة من التطبيع مع أنقرة وموقف أبوظبي، مستنتجًا من تلك المقارنة أسباب التباطؤ المصري في مقابل المسارعة الإماراتية، ويرى أن الموقف المصري له أسبابه، ومنها:
- كون مصر دولة إقليمية بارزة، وينبغي أن تمتلك سياسة خارجية ثابتة وبطيئة التحول.
- أن مصر كانت في قلب الاستقطاب في المنطقة، بسبب الانقلاب العسكري.
- تمسك مصر بمطالب عديدة من أنقرة، تتعلق بالاعتراف بنظامها والتعامل معه.
- ارتباط مصر بمحاور إقليمية مناوئة لتركيا، وتضم دولًا معادية لها، مثل اليونان.
هذا في حين أن لدى الإمارات أريحية كبيرة في التحولات السياسية الخارجية، بسبب بنية الدولة وآليَّة اتخاذ القرار فيها. كما أنها تتميز ببراغماتية بارزة في الانفتاح على الأنظمة التي تختلف معها، مثل قطر وإيران. ومن جهة ثانية، يمكن تلمس حرص أبوظبي على أن تظهر في مقدمة أي تغيير، لا أن تأتي لاحقًا أو تبعًا، والترويج لفكرة “الريادة الإماراتية” التي “يلحقها الباقون”، حتى وإن كان ذلك في سياقات مثل التطبيع مع الكيان الصهيوني[18].
ولكن ثمَّة ما يدفع البعض إلى الربط بين التطور الإيجابي في العلاقات التركية الإماراتية وإمكانية حدوث تطور مماثل في المسار التركي المصري، لأن مسارات التقارب التركي مع دول المنطقة ليست منفصلة، وتأتي في سياق عام يرتبط بالتطورات الإقليمية والدولية وارتباطها بالمصالح الفردية والمشتركة.
يُذكَر أن أنقرة والقاهرة عقدتا منذ عدة أشهر جولتين من المباحثات الاستكشافية من أجل تحسين العلاقات الثنائية التي توترت منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. وبعد الجولتين، أعرب الطرفان عن رغبتهما في إحراز تقدم في القضايا محل النقاش وتطبيع العلاقات بينهما.
- اتهام قيادات إخوانية بالتخابر مع تركيا
في الوقت الذي ظن فيه بعض المراقبين أن التطبيع بين تركيا والإمارات سوف يُسرِّع عملية التطبيع بين أنقرة والقاهرة، خرجت الأخيرة بقرار لا يتسق مع ما ذهب إليه هؤلاء المراقبون، ولا يتناسب مع الاتصالات التي تجري بين مسؤولي البلدين على المستويات الأمنية والدبلوماسية من أجل تطبيع العلاقات وطي صفحة الماضي.
فقد أحالت جهات التحقيق في مصر 81 متهمًا في قضية التخابر مع تركيا إلى محكمة الجنايات، المتهم فيها قيادات من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد أنهت التحقيقات فيها، بحسب ما أعلنته هذه الجهات.
من بين المتهمين قيادات إخوانية كبيرة، على رأسها الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ونائبه المهندس خيرت الشاطر، والدكتور محمود عزت. بالإضافة إلى قيادات أخرى موجودة في الخارج، أبرزها الأستاذ إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد.
كما شملت الأسماء عددًا من الأسماء التركية، وهم: نهاد أكمان، فهمي بوست، جيهانكير إشبيلية، عارف أركان، مصطفى جول، وسيم أونال، مصطفى ديميرسي، ميرت أرارات.
وزعم أمر الإحالة أن “بعض المتهمين تخابروا مع مَن يعملون لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بمركز البلاد السياسي والاقتصادي ومصالحها القومية، وذلك بأن تفاهم المتهمان… مع رئيسة جمعية التضامن المصري ومؤسسة تركيا للحريات والمساعدات وممثل منبر رابعة ووكالة الأناضول على إنشاء كيانات إعلامية تتخذ واجهات تستر التواصل بين أعضاء جماعة الإخوان في الداخل والخارج عناصر معادية للبلاد، وتستخدم في الترويج لأغراض الجماعة ونشر الأخبار والشائعات الكاذبة عبر حملات إعلامية منظمة تحرض ضد الدولة المصرية بما من شأنه الإضرار بمركزها السياسي”[19].
جاء هذا القرار بعد ضجة كبيرة أحدثها نشر اليوتيوبر المصري “عبدالله الشريف” تسريبًا يفضح الفساد المستشري في طبقة المقربين من السلطة، الأمر الذي يجعلنا نربط بين تحريك السلطات المصرية لهذه القضية والرغبة في إرهاب العاملين في المجال الإعلامي من المعارضين المصريين المتواجدين في الخارج، بحجة أنهم يحرضون ضد الدولة، وهو الاتهام الرئيس في قضية التخابر الأخيرة.
ألقى التطور الإيجابي في العلاقات التركية العراقية بظلاله على الفعاليات الثنائية بين البلدين، على جميع المستويات، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وفي إطار البحث عن مصالح الشعبين، وهو ما تجلت مظاهره في سعي البلدين إلى إيجاد آليَّات وتوقيع اتفاقيات تسهم في تحقيق التعاون الوثيق بينهما، كاقتراح العراق قيام تكتل اقتصادي مع تركيا وإيران، وتواصل أنقرة مع التيَّار الصدري المتصدر للانتخابات العراقية، والتفاهم حول إخراج العراق من أزمته المائية.
- الاقتراح العراقي بقيام تكتل اقتصادي مع تركيا وإيران
اقترح العراق، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، تشكيل تكتل اقتصادي يضم العراق وتركيا وإيران، لتشكيل قوة تتيح لهذه الدول منافسة التجمعات الاقتصادية الأخرى في العالم. وجاء هذا الاقتراح على هامش منتدى الأعمال العراقي التركي للاستثمار والمقاولات، الذي استضافته إسطنبول.
وحول الهدف من تشكيل التكتل، قال المتحدث باسم وزارة التجارة العراقية، “محمد حنون”، إن “الهدف من تشكيل الكتلة كمنافس اقتصادي ينافس اقتصادات العالم لما تمتلكه هذه البلدان من تأثيرات اقتصادية”. وأوضح أن “العراق طرح رؤيته في تشكيل كتلة اقتصادية لمنافسة التطورات الاقتصادية ومواجهة الكتل الأخرى”، مبينًا أن “المنطقة بحاجة الى كتلة اقتصادية تمتلك الثروات والأموال واليد العاملة لمنافسة اقتصادات العالم من خلال كتلة اقتصادية قادرة على مواجهة كتل اقتصادية موجودة فعلًا”[20].
ويمكن استنتاج دوافع هذا الاقتراح في ضوء المعطيات التالية[21]:
- مراعاة التوازن في العلاقات الإقليمية.
- دعم النمو الاقتصادي للدول الثلاث، خاصة وأنها تعاني في المرحلة الراهنة من أزمات متباينة.
- البناء على التعاون السابق، حيث تسعى الدول الثلاث لزيادة قيمة التبادل التجاري بينها.
- استثمار التعاون الإيراني التركي القائم على خريطة طريق لتعاون شامل ومستدام.
تمتلك الدول الثلاث مقومات يمكن أن تساعد على نجاح المقترح حال تنفيذه، منها الناتج المحلي الذي يتجاوز تريليون دولار، وعدد السكان الكبير، والمساحة الشاسعة من الأرض، والثروات الطبيعية الضخمة، والإنتاج الصناعي المتنوع.
وإذا ما تمَّ تفعيل هذا التكتل، فإن فوائده سوف تعود على الدول الثلاث، إذ يمكن لكل من تركيا وإيران مساعدة العراق في إقامة صناعات مشتركة تحسن هيكل ناتجه المحلي، وتجعله في وضع أفضل من حيث التنوع الاقتصادي، ليكون النفط أحد الموارد. ويمكن تطوير قطاع الزراعة العراقية بعد الحصول على حصص من المياه تدفع بها تركيا للعراق. أما تركيا فستكون أمامها فرصة أفضل لتوسع علاقاتها الإقليمية، وزيادة تجارتها البينية مع كل من إيران والعراق. وفي حال رفع العقوبات عن إيران، فإنه يمكن لتركيا أن تساهم في تطوير البنية الأساسية فيها، وهو ما سينعكس بشكل جيّد على الشركات التركية[22].
ولكن، وفي المقابل، ثمَّة تحديات تواجه مثل هذا التكتل، وعلى رأسها الوضع السياسي والأمني في المنطقة، فإيران وتركيا يعملان على مشروعين إقليميين متعارضين في كثير من المصالح. هذا بالإضافة إلى الوضع ذاته في دول التكتل المقترح، فالعراق يعاني من اضطراب سياسي وأمني، وهو ما يمكن أن يؤثر على التزام الحكومة العراقية بالتزاماتها. كما أن أكراد العراق يمثلون تحد آخر أمام التعاون الثلاثي بسبب ما يسببونه من مشاكل لإيران وتركيا التي تواجههم عسكريًّا في شمال العراق[23].
- التعاون الثنائي بين تركيا والعراق
عكست مظاهر التعاون الثنائي بين تركيا والعراق وتعدد جوانبه حالة التطور الإيجابي في العلاقات بين البلدين، وهو ما ظهرت آثاره في الاتصالات السياسية والتنسيق العسكري والاتفاقيات المختلفة في مجالات الطاقة والمياه والمصارف وتسهيل الاستثمارات.
فسياسيًّا، التقى السفير التركي في بغداد، “علي رضا كوناي”، برئيس الهيئة السياسية للتيَّار الصدري، “أحمد المطيري”، في 1 ديسمبر/كانون الأول، وشهد اللقاء “تبادل أطراف الحديث حول السبل الكفيلة بتعزيز التعاون البناء بين العراق وتركيا وفي مختلف المجالات، بالإضافة إلى مناقشة الموضوعات ذات الاهتمامات المتبادلة بين الشعبين الصديقين”[24]. ويأتي اللقاء بعد تصدر التيَّار الصدري لنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، وهو ما يؤهله لتشكيل الحكومة العراقية في الفترة المقبلة.
وعلى المستوى العسكري، قامت الاستخبارات التركية بتحييد عدد من “الإرهابيين” من تنظيم من تنظيم (PKK) في شمال العراق، وكانت أبرز العمليات في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث تمكنت الاستخبارات بالتعاون مع القوات التركية من تحييد “علي حيدر قايتان”، أحد مؤسسي التنظيم في شمال العراق. وصرح مصدر أمني بأن التنظيم تعمَّد إخفاء خبر مقتله حفاظًا على وحدة ومعنويات عناصره، كما قام بإعدام العناصر التي قامت بدفن الجثة في مكان لا يعرفه إلا عدد قليل من القيادات[25].
وكانت العملية المهمة الأخرى في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث حيَّدت الاستخبارات 6 من أعضاء التنظيم في منطقة “غارا” و”قنديل” شمالي العراق. وذكرت السلطات التركية أن من بين الذين تمَّ تحييدهم في غارا، الإرهابي “نهاد غورن” الملقب بـ”بوتان”، مسؤول العلاقات الخارجية في التنظيم[26].
وفيما يخص قطاع الطاقة، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، إنجاز خطة الربط الكهربائي بشكل كامل مع تركيا. وأوضح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، “أحمد موسى”، أن خطوط النقل جاهزة للتشغيل حسب احتياج العراق من الطاقة. وأشار إلى أن “الربط لا يعني فقط استيراد الطاقة الكهربائية، وإنما تحقيق الاستقرار للشبكة الكهربائية، ضمن خطط الوزارة لتنويع مصادر الطاقة”[27].
أما أزمة المياه التي يعاني منها العراق فقد شهدت تعاونًا أثنى عليه الجانب العراقي، على لسان وزير الموارد المائية العراقي، “رشيد الحمداني”، الذي صرح في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، بأن “تركيا تقاسمت مع بلاده الضرر المترتب على نقص المياه في نهري دجلة والفرات، بخلاف إيران التي امتنعت عن ذلك، ما سبب ضررًا لمناطق شرقي البلاد”[28]. وذلك بعد دخول مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين في 2014 حيز التنفيذ، بما يضمن حصول العراق على حصة مائية عادلة.
ولتوسيع رقعة التعاون الثنائي، اتفق الطرفان على إصدار تأشيرات دخول وخروج متعددة للمقاولين لمدة تصل إلى 5 سنوات، على أن يتم توسيع هذا الإجراء ليضم شريحة أوسع مستقبلًا. وبحثا تطوير العلاقات المصرفية بين البلدين، ودعم فتح فروع للمصارف العراقية في تركيا وفتح الحسابات المتبادلة، بما يسهم في تطوير العلاقات التجارية بين البلدين على أساس المعاملة بالمثل. وأعربت تركيا عن أملها في تسريع افتتاح معبرين حدوديين مع العراق لضمان وصول شركات النقل التركية إلى جميع المناطق العراقية.
شهدت الأسابيع الماضية خطوات واسعة على مسار التقارب التركي الخليجي، أبرزها زيارة ولي عهد الإمارات، “محمد بن زايد”، لأنقرة، وزيارة الرئيس أردوغان للدوحة، والتواصل التركي السعودي والتركي البحريني على مستوى كبار المسؤولين، وهي الخطوات التي تأتي في ظِل تعهد أردوغان بالقيام بكلّ ما يلزم لتطوير العلاقات بين بلاده ودول الخليج، وترحيبه بالجهود الدبلوماسية الهادفة إلى “إعادة فتح أبواب الحوار في منطقة الخليج وإزالة سوء الفهم”، وتأكيده على استمرار روابط تركيا وتضامنها مع “جميع دول الخليج” من خلال تقوية العلاقات المستقبلية[29].
- زيارة ولي عهد الإمارات لأنقرة
قام ولي عهد الإمارات، “محمد بن زايد”، بزيارة أنقرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وهي الزيارة الأولى له منذ عام 2012، وتأتي في إطار تحسين العلاقات التركية الإماراتية، ويَعتبرها البعض تتويجًا لمسيرة التقارب التي بدأت منذ فترة، حيث سبق هذه الزيارة كثير من المؤشرات والسياقات وحتى التصريحات التي مهدت لهذا اللقاء الذي يرى مراقبون أنه إعلان رسمي عن انتهاء القطيعة بين البلدين ومؤشر على نجاح مساعي التطبيع ومقدمة لشراكة أوسع.
وبالتزامن مع زيارة ولي العهد لأنقرة، أعلنت الإمارات – التي تعتبر أكبر شريك تجاري لتركيا في المنطقة – تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاسثمار في الأسواق التركية، وأوضحت وكالة أنباء الإمارات “وام”، في بيان، أن “الصندوق سيركز على الاستثمارات الإستراتيجية، وعلى رأسها القطاعات اللوجستية، ومنها الطاقة والصحة والغذاء”[30].
شهدت الزيارة توقيع مجموعة كبيرة من الاتفاقيات في مجالات المصارف والمعلومات المالية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والموانئ والبورصة والجمارك والطاقة والبيئة. وتمَّ إبرام مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق استثماري يركز على التكنولوجيا للاستثمار في شركات تكنولوجية تركية.
وحول هذه القفزة في مسار التقارب التركي الإماراتي، ذكر تقرير لمركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM) في أنقرة، أن تقارب تركيا مع بعض الدول العربية سبب من أسباب انفتاح أبوظبي على أنقرة، بالإضافة إلى تغيُّر القيادة الأميركية، ووصول “جو بايدن” للسلطة، والآثار الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا[31]. بالإضافة إلى تراجع ظروف التنافس واتجاه دول المنطقة إلى تجاوز مرحلة الاضطرابات في علاقاتها الإقليمية.
أما تركيا فيرى مراقبون أنها أقدمت على هذا التقارب مدفوعة بوضع اقتصادي ومالي صعب، وهو ما جعلها تغير تكتيكاتها على صعيد السياسة الخارجية، لأن رقعة الصدام باتت تتسع، بعد أن ضمت السعودية والإمارات واليونان وفرنسا.
لقد عبرت الإمارات في تقاربها مع تركيا من بوابة التعاون الاقتصادي والاستثمارات، بعد أن أدركت أن الخسائر الاقتصادية المترتبة على الصدام فادحة، ولكن غابت التفاصيل عن كيفية حل الخلافات العالقة بين البلدين، والتي أدت إلى القطيعة والعداء، وعلى رأسها الخلاف حول سوريا وليبيا، ودعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين[32].
ولهذا يرى البعض أن لقاء بن زايد وأردوغان ما هو إلا “هدنة الضرورة والمصالح”، لأن “الأرضية الأيديولوجية والإستراتيجية للتنافس والتنافر بين الدولتين ما زالت كما هي، وكل ما تغيَّر هو الأولويَّات، ورغبة الطرفين في تخفيف الكلفة الباهظة للخلافات التي أثقلت كاهليهما.
- زيارة الرئيس أردوغان للدوحة
تميَّزت العلاقات التركية القطرية في السنوات الماضية بالتنامي على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حتى صارت نموذجًا للتعاون الثنائي الناجح، والذي يصل إلى حد الشراكة الإستراتيجية، بحسب وصف وزير الخارجية القطري، “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”.
في هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس التركي أردوغان الرسمية للعاصمة القطرية الدوحة، في 6 ديسمبر/كانون الأول، والتي استغرقيت يومين. واستبقها أردوغان بمؤتمر صحفي قال فيه إن علاقة بلاده مع قطر ستتواصل خلال الفترة المقبلة بزخم أكبر، لافتًا إلى أن “حجم المشاريع التي ينفذها رجال الأعمال الأتراك في قطر يبلغ نحو 15 مليار دولار”.
وخلال الزيارة، ناقش الجانبان العديد من جوانب علاقتهما القوية والمتميزة، بما في ذلك: الأمن الإقليمي والتعاون في مجالات الدفاع والصحة والتجارة والاستثمار والطاقة والطيران والسياحة والثقافة والتعليم. وأكَّدا عزمها على تعزيز العلاقات بين البلدين. وبحثا سُبُل توطيد وتطوير علاقات التعاون الإستراتيجية بين قطر وتركيا وآفاق الارتقاء بها على مختلف الصعد، خصوصًا الاقتصاد والاستثمار والصناعة والدفاع والأمن والأوقاف والإعلام والثقافة والرياضة.
كما تبادل الشيخ تميم وأردوغان الآراء حول مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية التي تهمّ بلديهما، بينها قضايا أفغانستان وفلسطين وسوريا[33].
وجدد البلدان التزامهما المشترك بمواصلة وتعزيز الجهود الإقليمية والعالمية لإحلال السلام والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب وحل النزاعات بالوسائل السلمية. وأكدا عزمهما على تعزيز التعاون والتضامن والتنسيق بينهما في المنظمات الدولية والإقليمية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. وأدانا التصعيد المتزايد لخطاب التخويف من الإسلام، واتفقا على ضرورة التعاون في مكافحة التمييز الديني والتعصب والكراهية ضد المسلمين[34].
وعلى هامش الزيارة، ترأس الشيخ تميم والرئيس أردوغان، الدورة السابعة للجنة الإستراتيجية القطرية التركية العليا، والتي أسفرت عن توقيع البلدين 12 اتفاقية، في مجالات الثقافة والتجارة والاستثمار والإغاثة والرياضة وتنظيم الفعاليات الدبلوماسية والتنمية والصحة والشؤون الدينية، لتضاف إلى 80 اتفاقية تمَّ توقيعها في الماضي.
وعشيَّة وصول أردوغان إلى الدوحة، التقى وزير الدفاع التركي، “خلوصي آكار”، بنائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع القطري “خالد بن محمد العطية”، وبحث الوزيران المسائل الدفاعية الثنائية والإقليمية والتعاون على الصعيد الصناعات الدفاعية والأمنية. كما قام بزيارة مقر قيادة القوات التركية القطرية المشتركة في الدوحة، وتفقد التحضيرات العسكرية، واطلع على الأنشطة العسكرية، مؤكدًا في كلمته إلى الجنود على أن “الأنشطة التي تقوم بها تركيا مع قطر في القاعدة العسكرية المشتركة لا تستهدف أيّ بلد آخر”، وأنها “تأتي في إطار الدفاع عن حقوقهما وشعبيهما، إضافة إلى التأكيد على قوتهما الرادعة”[35].
- بوادر تحسُّن العلاقات التركية السعودية
أكَّد الرئيس التركي أردوغان حرص أنقرة على الارتقاء بالعلاقات مع المملكة العربية السعودية، وقال في حوار له على قناة (TRT1) الحكومية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، إن تركيا سوف تعمل على الارتقاء بالعلاقات مع السعودية إلى مكانة أفضل[36].
وثمَّة خطوات يمكن اعتبارها بوادر للتقارب بين تركيا والسعودية، تتمثل في لقاءات ثنائية على مستوى كبار المسؤولين من البلدين، كان أبرزها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث التقى نائب الرئيس التركي، “فؤاد أوقطاي”، مع وزير التجارة السعودي، “ماجد بن عبدالله القصبي”، في مركز إسطنبول للمؤتمرات، وعلى هامش النسخة الثامنة من معرض “إكسبو” للمنتجات الحلال”، و”القمة العالمية السابعة للحلال”. وبحث الجانبان العلاقات الثنائية، لاسيما التجارية[37].
وكانت الخطوة الأخرى على مسار التقارب المتوقع بين أنقرة والرياض في 3 ديسمبر/كانون الأول، وبعد أيام من تأكيد الرئيس التركي أردوغان قرب تحقيق تقدم في مسار تحسين العلاقات بين الجانبين، حيث جرى اتصال هاتفي بين نائب وزير الخارجية التركي، “ياووز سليم قيران”، ونظيره نائب وزير الخارجية السعودي “وليد الخريجي”[38].
ورغم هذه الخطوات فإن التقارب التركي السعودي يظل هو الأبطأ في مسار التقارب بين أنقرة والعواصم الخليجية، وذلك بالمقارنة مع الخطوات الإماراتية.
ويفسر بعض المراقبين موقف الرياض المتريث والمتحفظ في تعاملها مع رغبة أنقرة العلنية في تحسين العلاقات في ضوء رغبة ولي العهد، “محمد بن سلمان”، في إظهار تركيا بمظهر الساعي لخطب ود النظام السعودي، وانتظار السعوديين لما سوف تسفر عنه الانتخابات التركية المقبلة، أملًا منهم في تغيير النظام التركي الحالي.
هذا في حين يرى البعض الآخر أن السعودية لا تمتلك إستراتيجية أو رؤية واضحة أو مبادرة جادة تجاه القوى الإقليمية في المنطقة، وإزاء الانفتاح على تركيا[39].
يدل الهجوم الذي تعرض له الرئيس أردوغان في الصحافة الأميركية مؤخرًا على مدى الغضب داخل الكيان الصهيوني وخارجه من مواقف تركيا المناصرة للقضية الفلسطينية والرافضة لسياسات الاحتلال في الأراضي المحتلة، ولكن رغم التحريض والأكاذيب فإن مقال الصحفية الإسرائيلية الأميركية، “كارولين جايك”، في جريدة “نيوزويك”، لم يخل من حقائق، أبرزها أن تركيا كانت أقرب حليف إقليمي لإسرائيل، وأن التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية كان حميميًّا ومكثفًا، ولكن هذا تغيَّر بعد أن تولى أردوغان السلطة في 2002، حيث مزق على مر السنين تحالف تركيا مع الدولة اليهودية ونقل ولاء تركيا لأعداء إسرائيل.
- تبعات كشف شبكة التجسُّس الإسرائيلية
مازالت تفاصيل عملية القبض على أفراد شبكة التجسُّس لصالح إسرائيل، والتي تمَّ الكشف عنها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتوالى، حيث طالب الادعاء التركي في مطلع ديسمبر/كانون الأول، بفرض عقوبة سجن تصل إلى 20 عامًا على 16 متهمًا بالتجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية في تركيا. ووافقت المحكمة الجنائية الـ22 في إسطنبول على لائحة اتهام النيابة العامة، وأمرت باستمرار حبس المتهمين على ذمة القضية، وقضت بعقد جلسة مرافعة في 8 فبراير/شباط 2022.
ووفق اللائحة، طالبت النيابة العامة بسجن المتهمين لارتكابهم جريمة التجسس الدولي نيابة عن المخابرات الإسرائيلية عبر مراقبة عمل منظمات غير حكومية أجنبية في تركيا، وحياة أجانب وارتباطاتهم الخارجية، وخاصة الفلسطينيين.
وكشفت لائحة الاتهام عن إرسال بعض المتهمين مشاهد التقطوها بواسطة كاميرات مخفية في نظارات إلى موظف في جهاز المخابرات الإسرائيلية، واتهمت النيابة هؤلاء الأشخاص بـ”توفير معلومات عن أمن الدولة”، و”التجسُّس السياسي أو العسكري”، و”إفشاء معلومات عن مصالح الدولة الأمنية والسياسية”، و”الكشف عن معلومات سرية ينبغي كتمانها”[40].
في سياق متصل بقضايا التجسُّس من جانب الكيان الصهيوني على تركيا، نفت وزارة الخارجية الإسرائيلية إصدار مجلس الأمن القومي تحذيرًا جديدًا للمواطنين بشأن السفر إلى تركيا، وذلك على إثر قيام القضاء التركي، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بحبس زوجين إسرائيليين على ذمة التحقيق، بتهمة “التجسس السياسي والعسكري”، بعدما تمَّ توقيفهما بدعوى التقاط صور لمنزل الرئيس أردوغان، من تلة “تشامليجا” في منطقة “أوسكودار” بإسطنبول[41].
ومن جانبه، أصدر مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، “يائير لابيد”، بيانًا أكد فيه أن “الزوجين لا يعملان في أي وكالة إسرائيلية”. كما نفت عائلة الزوجين المعتقلين وجود أي علاقة لهما مع الاستخبارات الإسرائيلية. ثم أعلنت رئاسة الوزراء، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، عن الإفراج عنهما بعد التواصل مع السلطات التركية، وقدمت الشكر للرئيس التركي وحكومته على تعاونهم[42].
- الدعم التركي لقضية القدس
احتلت قضية القدس مكانة بارزة على أجندة الدعم التركي لفلسطين في الأسابيع الماضية، حيث دعت تركيا لاتخاذ خطوات عملية لنصرة القدس والمحافظة على وضع المدينة القانوني من خلال اللقاءات الدولية والفعاليات التي تستضيفها تركيا بين الحين والآخر.
ففي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، دعا رئيس البرلمان التركي، “مصطفى شنطوب”، إلى المحافظة على الوضع القانوني لمدينة القدس، وشدد على أن ذلك ليس مسؤولية المسلمين فحسب، إنما البشرية أجمع، لأنها تحتضن معالمًا للأديان السماوية الثلاثة جنبًا إلى جنب، وتعد مدينة الأنبياء. وأكد شنطوب في كلمته أمام اجتماع الاتحاد البرلماني لمنظمة التعاون الإسلامي، بالعاصمة الإسبانية مدريد، على ضرورة استمرار دعم الاتحاد البرلماني للقضية الفلسطينية، وخاصَّة من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود العام 1967م[43].
وبعدها بأيام، وفي كلمته أمام “المؤتمر الرابع للبرلمانيين من أجل القدس”، الذي عقد في أنقرة، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، تحت عنوان “القدس خطنا الأحمر”، ونظمته جمعية ممثلي الأمة وبرعاية من البرلمان التركي، شدد شنطوب على ضرورة اتخاذ خطوات عملية على الأرض تحدث تأثيرًا في مسألة القدس المحتلة، وما تتعرض له من ممارسات إسرائيلية.
وقال شنطوب إن “مسألة القدس ليست عبارة عن أغنية أو شعار، يجب اتخاذ خطوات مدروسة ومؤثرة ومستدامة تجعل مسألة القدس واقعًا نعيشه في حياتنا وتنقله إلى الحيز العملي”. وأشار إلى أن التذكير بمسألة القدس في الاجتماعات الدولية، باء بالفشل، مشددًا على ضرورة طرح أفكار ووضع إستراتيجية ورسم خارطة طريق عملية على أساسها من أجل مسألة القدس[44].
وعلى هامش المؤتمر، وصف نائب الرئيس التركي، “فؤاد أوقطاي”، القدس بأنها “مدينة تنتظر الخلاص”، وأكد أنها “تعتبر بالنسبة للشعب التركي مدينة السلام والأخوة، وهذا المفهوم ورثناه من أجدادنا، ولن يتم إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة دون رفع الظلم عن القدس وفلسطين”[45].
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، صدر البيان الختامي لأعمال “ملتقى مؤسسات العلماء لنصرة القدس وفلسطين”، الذي عُقِد في مدينة إسطنبول، بمشاركة ممثلين عن 50 مؤسسة من 28 دولة، والذي جرى خلاله التباحث في الآليات العملية الفاعلة لقيام العلماء ومؤسساتهم بواجبهم في نصرة القدس وفلسطين ووضع خطة للفعاليات المشتركة.
دعا البيان إلى بذل الجهود من أجل نصرة القدس وفلسطين، مطالبًا الأنظمة العربية بالتوقف عن “الهرولة” نحو التطبيع مع إسرائيل، وأدان “عمليات الاقتحام الصّهيونيّة للمسجد الأقصى والاعتداء على المقابر والأوقاف الإسلاميّة، وقال إن المؤسسات تعاهدت على بذل الجهود في سبيل نصرة القدس وفلسطين، وطالب المؤسسات الفاعلة والحاكمة في بلدان العالم الإسلامي “بالتحرك العاجل لوقف عمليّة التهويد والتقسيم الزماني والمكاني التي تعمل قوات الاحتلال الصهيوني على تكريسها”[46].
- التضامن مع الشعب الفلسطيني
أظهرت الحكومة التركية في الأسابيع الماضية تضامنها مع القضية الفلسطينية من خلال تقديم الدعم السياسي والمالي والعيني للشعب الفلسطيني والوقوف مع قضيته العادلة.
كانت أبرز مظاهر الدعم التركي من خلال الرئيس أردوغان، الذي جدد في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، دعم بلاده لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن برقية أرسلها إلى رئيس السلطة الفلسطينية، “محمود عبّاس”، بمناسبة الذكرى الـ33 لإعلان “وثيقة الاستقلال”.
وفي 24 من الشهر نفسه، دعا أردوغان البلدان الإسلامية إلى الوقوف ضد سياسة بناء المستوطنات والهدم والتهجير ومصادرة الممتلكات التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، وذلك في رسالته إلى المشاركين في الاجتماع الوزاري الـ37 للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري “كومسيك” التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، في ولاية إسطنبول، والتي قال فيها إنه “يجب أن نعمل بكل قوتنا للحفاظ على مكانة وقدسية القدس الشريف، عاصمة فلسطين”.
وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، بادر المسؤولون الأتراك إلى إعلان موقف بلادهم من القضية الفلسطينية، حيث نشر وزير الخارجية، “مولود تشاووش أوغلو”، تغريدة قال فيها: “فلسطين لن تبقى وحيدة أبدًا، سنواصل دائمًا الوقوف إلى جانب إخواننا الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل قضيّتهم العادلة”[47]. وغرَّد نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، “عمر جليك”، مؤكدّا تضامن بلاده مع فلسطين ضد سياسات الاحتلال والتهميش، ومحذرًا من وجود “محاولات لتأسيس عهد يحكم على القضية الفلسطينية بالانقراض”[48].
وكان لافتًا في تحرك الأتراك اهتمامهم بتفعيل القضية من خلال مخاطبة المجتمع الدولي، وهو ما عبر عنه نائب الرئيس، “فؤاد أوقطاي”، الذي دعا المجتمع الدولي، في الأول من ديسمبر/كانون الأول، إلى التصرف بحساسية أكثر واتخاذ مواقف فاعلة تجاه فلسطين والقدس. وأوضح أنه على القوى الفاعلة اتخاذ خطوات ملموسة تساهم في إنهاء القمع الاسرائيلي واحتلال الأراضي الفلسطينية. وأكد أن تركيا بقيادة الرئيس أردوغان ستواصل إسماع صوت المظلومين الفلسطينيين، في كافة المحافل الدولية.
وعلى صعيد التعاون الثنائي والدعم المادي، اتفقت تركيا وفلسطين، خلال لقاء جمع وزير التجارة التركي “محمد موش” ونظيره الفلسطيني “خالد العسيلي”، على تشجيع المستثمرين من تركيا والدول الإسلامية للاستثمار في فلسطين، وضرورة زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ومساعدة الحكومة الفلسطينية في الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في توفير المنتجات والسلع التي لا يتوفر لها بديل وطني.
كما أكدت تركيا عبر وزارة الخارجية استمرارها في تقديم الدعم المالي والعيني لوكالة “غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي حذر أمين عام الأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، من تعرضها لـ”أزمة وجود”، بسبب نقص الدعم المالي المقدم لها من جانب المانحين الدوليين.
فرضت تركيا نفسها على الساحة الأوروبية في الفترة الماضية بخياراتها السياسية التي تسعى من خلالها لحماية مصالحها وتثبيت موقعها في القضايا الإقليمية، وهو ما رأينا نتيجته في سعي أرمينيا لتطبيع العلاقات معها، بعد أن تدخلت لمساعدة أذربيجان في استعادة الأراضي الآذرية المحتلة. كما رأيناه أيضًا في تحول تركيا إلى وسيط مهم في الأزمة الروسية الأوكرانية، لعلاقاتها الجيدة مع الطرفين.
- أرمينيا وتطبيع العلاقات مع تركيا
وقعت أرمينيا وأذربيجان، نهاية 2020، اتفاقية وقف إطلاق النار بعد الانتصار الذي حققته القوات الآذرية في حرب تحرير إقليم “قره باغ” المحتل منذ ثلاثة عقود، وهي الحرب التي كان للتدخل التركي الدور الأكبر فيها، من خلال ما قدمته تركيا من دعم سياسي وعسكري ولوجستي، تمكنت عبره من قلب التطورات الميدانية لصالح أذربيجان.
استعادت القوات الأذرية السيطرة على أجزاء واسعة من الإقليم، وخرجت أرمينيا من الحرب مهزومة، الأمر الذي فرض عليها اللجوء إلى المفاوضات لإنهاء الصراع، ولم يعد أمامها غير التباحث مع عدوها التاريحي، “تركيا” التي كان لها الفضل الأول في تغيير الوضع وإنهاء الاحتلال الأرميني للإقليم.
ولكن عملية التطبيع مع تركيا تواجه انقسامًا داخليًّا في أرمينيا، وهو ما رصده رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بأرمينيا، “بنيامين بوغوشيان”، الذي ذكر أن النظرة العامة لدى الرأي العام الأرميني بخصوص تطبيع العلاقات مع تركيا أصبحت أكثر سلبية عقب الحرب الأخيرة، وأن الشعب منقسم إلى ثلاث فرق لها وجهات نظر مختلفة بشأن ذلك. وأوضح أن هناك فريقًا لا يتحمَّس أبدًا لتطبيع العلاقات مع تركيا، ويراها عدوًّا لأرمينيا، فيما يعتبرها فريق ثان خصمًا لبلاده بسبب دعمها لأذربيجان، إلا أنه يدافع عن أهمية فتح قنوات مباشرة للحوار بين الدولتين. أما الثالث فهو فريق رئيس الوزراء الأرميني، “نيكول باشينيان”، الذي يدافع عن أهمية الحوار مع أنقرة، واستخدام لغة متعقلة، ويرغب في إرساء السلام وتطبيع العلاقات بغض النظر عن الموقف التركي الداعم لأذربيجان[49].
ورغم الخلاف الداخلي، أبلغت أرمينيا روسيا استعدادها لبدء العلاقات مع تركيا دون شروط مسبقة، وذلك بعد أن أعلنت موسكو استعدادها لدعم عملية التطبيع بين أنقرة ويريفان[50]، وهو ما أكده وزير الخارجية الأرميني، “آرارات ميرزويان”، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، حينما أعرب عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع تركيا، وقال إن أرمينيا مستعدة لتطبيع العلاقات بدون شروط مسبقة، و”ذلك على الرغم من المساعدة الهائلة التي قدمتها تركيا لأذربيجان أثناء الحرب”. وأشار الوزير إلى أن بلاده تلقت رسائل إيجابية من جانب أنقرة بشأن استئناف الحوار بين البلدين[51].
ومع ذلك فإن أرمينيا ترفض شروط تركيا لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين، وتتهم أنقرة بطرح شروط تعقد عملية تطبيع العلاقات مع يريفان، ومنها الموافقة على شق ممر “زنغازور”.
ويُعَد موضوع “ممر زنغازور” نقطة الخلاف الرئيسة في ملف التطبيع التركي الأرميني، وهو الممر الذي سيربط بين أذربيجان وأراضيها في إقليم “ناختشيوان” ذاتي الحكم بواسطة الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية التي تمر بالأراضي الأرمينية.
يَحظى مشروع ممر زنغازور بأهمية كبرى لدى الحكومة التركية، فبتنفيذ الممر سوف تتقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، إذ سيكون الخط الجديد أقصر من خط السكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية شرقي الأناضول مرورًا بالعاصمة الجورجية تبليسي وصولًا لباكو عاصمة أذربيجان. كما أن هذا الممر سوف يُوحِّد العالم التركي، فبحسب صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية، فإن ممر زنغازور سيُتيح لتركيا عدم الاكتفاء بالوصول إلى أراضي أذربيجان، إنما بلوغ آسيا الوسطى. فبالإضافة إلى فتح الممر الأبوب أمام حركة تجارية بالمليارات، فإنه سيربط أيضًا تركيا مع القوقاز وبحر قزوين فضلًا عن دول وسط آسيا التركية، التي انقطع تواصلها البري مع تركيا منذ الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية[52].
- الموقف التركي من الصراع الروسي الأوكراني
تصدر التوتر المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا المشهد السياسي في أوروبا مؤخرًا، إثر تحذيرات غربية من إقدام روسيا على غزو أوكرانيا بعد حشد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وهو ما دفع أوكرانيا إلى مطالبة الحلفاء الغربيين بالتحرك بسرعة لردع روسيا ومنعها من شن أي هجوم عسكري على أراضيها.
وكانت العلاقات بين موسكو وكييف قد توترت منذ 7 سنوات بسبب ضم روسيا شبه جزيرة “القرم” الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الإنفصاليين الموالين لها في “دونباس” الواقعة في شرق أوكرانيا.
وعلى الرغم من رفض تركيا العلني لضم روسيا للقرم، والذي تعتبره خطوة غير قانونية، وموافقتها على توسع حلف الناتو في شرق أوروبا، فإنها تدعو إلى التهدئة في الصراع الروسي الغربي، وتؤكد على ضرورة تجنيب البحر الأسود لهذا الصراع. كما تعرب عن رغبتها في لعب دور في إنهاء الأزمة.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، كشف الرئيس التركي أردوغان، عن وجود مباحثات له مع نظيره الروسي، “فلاديمير بوتين”، حول النزاع القائم بين موسكو وكييف. ثم عاد وأعلن في 8 ديسمبر/كانون الأول عن استعداد بلاده للعب دور الوسيط من أجل خفض التوتر القائم بين روسيا وأوكرانيا. وأوضح أن بلاده تتابع تداعيات التوتر[53]، حيث ترى تركيا ضرورة حل الأزمة الأوكرانية دبلوماسيًّا وفقًا لاتفاقية “مينسك” والقانون الدولي، وتؤيد منع حدوث أي تطورات من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حرب أو نشوب صراع مسلح بين البلدين.
ويفسر محللون سياسيون سعي تركيا للحل الدبلوماسي بكونه الحل الوحيد والأنسب رغم الفتور في الرد الروسي، حتى لا تضطر للوقوف إلى جانب أحد شريكيها ضد الآخر، لا سيما أن كلا البلدين شريكان مهمان وجاران لها، إضافة إلى أن المحيط التركي ملتهب، فشرقًا أذربيجان وأرمينيا، وجنوبًا سوريا، وشمالًا روسيا وأوكرانيا. ويشكل هذا المحيط خطورة أمنية واقتصادية وسياسية على تركيا، كما يضعفها أمام اليونان المدعومة فرنسيًّا وأميركيًّا في ملفي شرق المتوسط وبحر إيجه[54].
لم تكن الوساطة التركية لتخفيض التوتر وإنهاء الصراع هو الوجه الوحيد للتواجد التركي في هذه الأزمة، فثمَّة وجه آخر لهذا التواجد، وهو تزويد أوكرانيا بالطائرات المُسيَّرة التركية الصنع، والتي أثارت حفيظة روسيا التي ترى أن هذه الأسلحة تهدد أمنها وسلامة رعاياها، وتتهم أوكرانيا باستخدامها في منطقة النزاع لتغيير الوضع الراهن وبما يتعارض مع اتفاقيات الهدنة والتهدئة.
وكانت الرئاسة الروسية قد دعت في وقت سابق، تركيا إلى عدم تصدير طائرات مُسيَّرة إلى أوكرانيا، لترى لاحقًا أن “المخاوف تحققت”، وأن استخدام الطائرة المُسيَّرة “بيرقدار” سيؤثر سلبًا على الوضع في الإقليم، الذي يسيطر عليه الموالون لها.
وجاء في بيان صادر عن الكرملين، في 3 ديسمبر/كانون الأول، أن الرئيس بوتين أطلع نظيره التركي أردوغان على كييفة استخدام المُسيَّرات التركية “بيرقدار” في نزاع “دونباس”. وأخبره أن كييف تتعمّد تعطيل اتفاقات مينسك للتسوية هناك[55].
وكانت مجلة “فوريس” الأميركية قد ذكرت أن مُسيَّرات بيرقدار التركية التي تملكها أوكرانيا، يمكن أن تلعب دورًا في تغيير مسار صراع محتمل بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد أن غيَّرت قواعد اللعبة في القوقاز وليبيا وسوريا. وأشارت المجلة إلى أن هذه المُسيَّرات قد ألحقت خسائر فادحة بمعدات روسية في أرمينيا وليبيا وسوريا.
وحول الدعم التركي لأوكرانيا الذي يأتي في ظِل التنامي الملحوظ في العلاقات التركية الأوكرانية، يرى مراقبون أن أنقرة مشغولة بالوضع في أوكرانيا لارتباطه بمصالحها في البحر الأسود، فمن مصلحة تركيا التعاون مع أوكرانيا للحد من تنامي نفوذ روسيا في منطقة شمال البحر الأسود، بما يضمن أمن حدودها الشمالية مستقبلًا، واستمرار حركة الملاحة والتجارة الآمنة في البحر، وحتى التنقيب عن الغاز.
هذا بالإضافة إلى أوضاع تتار القرم المسلمين وحقوقهم، حيث تعتبرهم أنقرة امتدادًا عرقيًّا لها في شبه الجزيرة المحتلة من جانب الروس.
على الرغم من التصريحات الإيجابية التي تصدر عن المسؤولين في واشنطن، والتي تؤكد فيها الولايات المتحدة على أهمية الدور التركي وعضوية تركيا التي لا يمكن الاستغناء عنها في حلف الناتو، ورغم التعاون المشترك بين البلدين في مناطق نزاع، مثل البحر الأسود، إلا أن هذا لا ينفي وجود مخاوف تركية من حقيقة التحركات الأميركية في شرق أوروبا وحشد واشنطن لقواتها على الحدود اليونانية مع تركيا.
- الحشد الأميركي على الحدود التركية اليونانية
واصلت الولايات المتحدة حشدها العسكري على الأراضي اليونانية القريبة من الحدود التركية، حيث تسعى لإنشاء قواعد عسكرية جديدة في المناطق المطلة على بحر إيجة والبحر المتوسط، وذلك بعد أن تمَّ تخصيص 4 قواعد عسكرية لأميركا، منها قاعدة بحرية في منطقة ألكسندروبوليس (دادا آغاتش)، على بعد 20 كم من الحدود التركية، وذلك بموجب اتفاقية دفاعية بين البلدين.
وفي حين تعلن أميركا أن الغرض من هذه الاتفاقية التي تتيح لها إقامة القواعد العسكرية والحشد فيها هو حماية أمن أوروبا، ومواجهة أي خطر روسي محتمل، فإن اليونان تقول إن هذه الاتفاقية تهدف إلى ضمان أمنها في حال تعرضها لهجوم من قبل تركيا في ظل العلاقات المتوترة بينهما.
وفي هذا الإطار، وصلت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، السفينة الأميركية “إيه آر إندبندنس” إلى ميناء دادا آغاتش، وعلى متنها عدد كبير من المروحيات والعربات العسكرية. وتحدث موقع “إيفروس نيوز” اليوناني عن وصول سفن عسكرية أخرى تابعة لواشنطن إلى ميناء الجزيرة[56].
وكانت وسائل إعلام يونانية ذكرت أن أميركا نشرت في الشهور الماضية، 110 مروحيات من طراز “بلاك هوك” و25 مروحية هجومية من نوع “أباتشي”، و10 مروحيات نقل ثقيلة من طراز “شينوك” وأكثر من 1800 عربة عسكرية في قاعدتها البحرية بمنطقة ألكسندروبوليس اليونانية.
وقد أثارت تحركات أميركا وحشدها العسكري على الأراضي اليونانية قلق تركيا، وهو ما جعل الرئيس التركي أردوغان يصرح بأن “الولايات المتحدة تستخدم القواعد العسكرية في اليونان، وعددها كبير لدرجة لا يمكن حسابها، ولذا تحولت اليونان عمليًّا إلى قاعدة للولايات المتحدة”. وأشار أردوغان إلى أن إقامة قاعدة عسكرية جديدة للقوات الأميركية في جزيرة ألكسندروبوليس جزء صغير فقط من هذه العملية، وتابع: “لماذا يحدث ذلك؟ تحدثت عن هذا الأمر مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، لكن لا يوجد هناك أي رد. وتصرفات اليونان في المنطقة غير صائبة”[57].
ويرى مراقبون أن الحشد العسكري الأميركي في اليونان يستهدف تركيا في المقام الأول، لحصارها وإيقافها وعزلها في مساحة ضيقة ضمن عملية مشتركة لجميع دول الغرب لصد “صعود تركيا”، وذلك من خلال خطة شاملة تستهدف تركيا على كل حدودها البرية والبحرية والمنطقة بالكامل، عقابًا لها على خروجها عن مسار الغرب ورسمها مسارها المستقل. وأن الغرب سوف يفجر أزمة البحر الأسود عندما تصل الاستعدادات المتواصلة في إيجة واليونان ورومانيا وبلغاريا إلى مرحلة معينة، وحينها سوف تكون تركيا هي المتضرر الأول من أي مواجهة بين الغرب والروس[58].
- التصعيد الأميركي في البحر الأسود وخطره على تركيا
بالتزامن مع التوتر المتصاعد بسبب النزاع في أوكرانيا، والتحشيد العسكري على الحدود الروسية الأوكرانية، تحول البحر الأسود إلى ساحة لاستعراض القوى بين أميركا وحلفائها من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وهو ما جعل المراقبين يتساءلون عن موقف تركيا وما يمكن أن تتعرَّض له من أخطار إذا ما حدثت مواجهة عسكرية بين الطرفين.
كانت أخر مظاهر هذا الاستعراض في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، حينما أجريت المناورة البحرية (Passex)، التي شاركت فيها تركيا مع الولايات المتحدة وأوكرانيا ورومانيا. وأشار البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للبحرية الأوكرانية إلى أن الهدف من إجراء تدريبات من هذا النوع هو الحفاظ على الأمن في البحر الأسود وتحسين تدريب طواقم القوات البحرية الأوكرانية والأمريكية “من أجل تنفيذ عمليات بحرية مشتركة”[59].
وتنظر روسيا إلى هذه المناورات التي تجريها أميركا وتشارك فيها تركيا على أنها استفزاز، وهو ما عبَّر عنه الكرملين في بيان تحدث فيه عن “الطبيعة الاستفزازية للتدريبات الواسعة النطاق التي تجريها الولايات المتحدة وبعض حلفائها في البحر الأسود والتي تصعّد التوتر بين روسيا والحلف الأطلسي”، ووَصَف فيه مشاركة سفن عسكرية أميركية في تدريبات في البحر الأسود بأنها “تحد خطير”. ولكن أميركا ترفض انتقادات روسيا للمناورات، وتؤكد على أن مناوراتها دفاعية، وهي جزء من تحالفاتها في المنطقة.
ويأتي التعاون التركي الأميركي في البحر الأسود في إطار اتفاق الدولتين على التنسيق فيما يخص التعاون الثنائي في المنطقة[60]، وذلك لمواجهة مساعي روسيا لتحويل البحر الأسود إلى بحيرة روسية، لاسيما بعد أن قررت في أبريل/نيسان 2021 إغلاق أجزاء من مياه وأجواء البحر أمام حركة السفن والطائرات الأجنبية.
ويمكن لتركيا السماح بمرور سفن الناتو إلى البحر الأسود أو منعها، وهو ما فعلته طيلة 85 عامًا مضت، حيث نظَّمت حركة السفن التجارية والعسكرية من البحر وإليه بموجب معاهدة “مونترو”، التي تضمن حرية عبور سفن الشحن عبر المضائق التركية في أوقات السلم، وتتضمَّن مجموعة من البنود لتنظيم مرور السفن الحربية، وقد حافظت أنقرة بدورها على سياسة لم تحِد عنها في تطبيق معاهدة مونترو، ما يعني أنها منعت عبور سفن للناتو من حين لآخر.
وفي تقرير لمجلة “فورين أفيرز” الأميركية، أكد معدو التقرير أن الولايات المتحدة تدفع تركيا في السنوات الأخيرة نحو تبني صيغة أكثر ليبرالية لمعاهدة مونترو، حتى يستطيع الناتو توسيع وجوده في البحر الأسود. وحتى الآن، ترفض تركيا هذه المطالب، بيد أنها قد تكون على شفا قلب المعاهدة رأسًا على عقب لأسباب تخصها، إذ أعلن أردوغان عن مشروعه المثير للجدل لشق قناة موازية للبوسفور في إسطنبول، وهي القناة التي سوف تحول المجرى الملاحي بعيدًا عن مضيق البوسفور المكتظ بالسفن ونحو ممر مائي صناعي غرب إسطنبول، ولن تخضع هذه القناة الجديدة إلى معاهدة مونترو، ما يعني أن سفن الناتو الحربية قد تتمتع نظريًّا بمرور بلا قيود عبرها نحو البحر الأسود. ولهذا لم يكن غريبًا أن بوتين قد انتقد هذا المشروع، بل وضغط على أردوغان للحفاظ على معاهدة مونترو[61].
يهدد التصعيد تركيا التي تدعو إلى التهدئة في البحر الأسود، حيث ستجد نفسها حال وقوع مواجهة محاطة بمناطق ملتهبة في الجنوب والغرب والشمال، ولن يمكنها تجنب الآثار السلبية لهذه المواجهة.
وثمَّة تخوف من جرجرة تركيا إلى طريق مسدود، لتجد نفسها في مواجهة مع روسيا، بحكم تواجدها في حلف الناتو، وهو ما يتعارض مع مصلحة أنقرة التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع موسكو، وهي العلاقات التي تستخدمها في مواجهة الضغوط الغربية عليها[62].
ولهذا تقدم تركيا نفسها كوسيط لإنهاء الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، لوقف التوتر بين البلدين والحيلولة دون وقوع حرب في المنطقة.
لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات، هذا هو شعار المرحلة بالنسبة للأحزاب والقوى السياسية في تركيا، وهو ما يمكن قراءة تحركات الحكومة والمعارضة في ضوئه. فسياسيًّا، لم يستقر معسكر المعارضة على مرشح توافقي يخوض انتخابات الرئاسة حتى الآن. واقتصاديًّا، تسعى الحكومة إلى محاصرة آثار التضخم، وتتمسك بسياستها الاقتصادية التي تهتم بالإنتاج والتصدير، رغم استغلال المعارضة لانخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار في مهاجمة الحزب الحاكم والطعن في أدائه الاقتصادي لإضعاف شعبيته.
- المعارضة وأزمة التوافق على مرشح للرئاسة
يُعاني معسكر المعارضة التركية حالة من التخبُّط فيما يخص تسمية المرشح الرئاسي الذي سوف يواجه مرشح الحزب الحاكم في انتخابات يونيو/حزيران 2023.
ففي الوقت الذي استقر فيه “تحالف الجمهور”، الذي يتكون من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وحزب “الحركة القومية”، على تسمية مرشحه، وهو الرئيس الحالي أردوغان، مازال “تحالف الأمة”، الذي يتكون من حزب الشعب الجمهوري وحزب “الجيّد” وحزب “السعادة” والحزب الديمقراطي، في خلاف حول التوافق على مرشح للرئاسة، وهو ما ينذر بمنافسة شرسة بين مرشحي المعارضة، قد تتحول إلى أزمة كبيرة تؤثر على تماسك التحالف في الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من ذهاب بعض المراقبين إلى أن تأخر معسكر المعارضة في تسمية مرشح رئاسي توافقي أمر مقصود، حتى لا يجد الإعلام الموالي للحزب الحاكم متسعًا من الوقت لمهاجمته وإضعاف فرصته في الفوز بمنصب الرئاسة، فإن الخلاف العلني بين مكونات التحالف المعارض تنفي هذه الفرضية.
ومؤخرًا، استبق زعيم حزب الشعب الجمهوري، “كمال كليتشدار أوغلو”، أيَّ حراك داخل أحزاب المعارضة، بتلميحه إلى أنه قد يترشح للرئاسة[63]، ومحاولته استقطاب حزب “المستقبل”، الذي يقوده “أحمد داود أوغلو”، وحزب “الديمقراطية والتقدم” بزعامة “علي باباجان”.
بَدَا كليتشدار أوغلو بهذا الاستباق وكأنه يريد أن يقطع الطريق على منافسيه من داخل الحزب على الترشح للرئاسة، وهما رئيس بلدية إسطنبول، “أكرم إمام أوغلو”، الذي يفضله حزب الجيّد وحزب الشعوب الديمقراطي، ورئيس بلدية أنقرة، “منصور يافاش”.
ولكن حزب “الجيّد” رفض هذا التحرك المنفرد من جانب كليتشدار أوغلو، وهو ما صرحت به نائبة رئيس الحزب، “جيهان باتشاجي”، التي قالت إنه “يتحدث بشكل منفرد وشخصي، وعلينا التوافق بشأن الوعود وإعلانها بشكل مشترك.. وما دمنا سنتشارك فهل شاورتنا؟”[64].
وفي تصريحات توحي بالشك في قدرة رئيس الشعب الجمهوري على الفوز بمنصب الرئاسة، قال نائب رئيس حزب الجيّد، “كوراي آيدن”: “نحن بصفتنا لا نقبل مرشحًا رئاسيًّا يتم تحديد مخاطر فوزه من خلال المسح الميداني، يجب على الجميع التصرف بشكل مثالي لأن الوقت ليس مناسبًا”. وقالت النائبة الأخرى، جيهان باتشاجي: “نفضل اختيار مرشح لديه أعلى احتمالية في أن يتم انتخابه، ومن سنضمن انتخابه سيكون هو الاسم الصحيح للترشح أثناء تحديد المرشحين، لذلك يجب علينا عدم المخاطرة”[65].
وكانت رئيسة الحزب، “ميرال أقشينار”، قد خاطبت إمام أوغلو، في افتتاح أحد المشروعات في بلدية إسطنبول، قائلة: “أتمنى عليكم الاستمرار في هذا الأداء الذي سيكون لازمًا في الانتخابات الرئاسية”، وهو ما يعد دعمًا صريحًا لترشيحه للرئاسة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من كليتشدار أوغلو، الذي لا يخفي معارضته لهذا التوجُّه.
حتى الآن، يظل السيناريو الأقرب هو عدم توافق المعارضة على مرشح توافقي، وهو ما يمكن أن يُضعِف فرصة جميع المرشحين في مقابل الرئيس أردوغان.
- تراجع قيمة الليرة وزيادة التضخم
تراجعت قيمة الليرة التركية في الأسابيع الماضية تراجعًا غير مسبوق، وذلك بعدأن أعلن البنك المركزي التركي عن خفض جديد لسعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة، ليصل إلى 14 بالمئة، ليلامس سعر صرف الدولار 17 ليرة، وهو ما يلقي بظلاله على المواطن التركي الذي يعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
وجاء في بيان للجنة السياسات النقدية التي اجتمعت في 16 ديسمبر/كانون الأول، أن اللجنة قررت خفض سعر الفائدة من 15 إلى 14 في المئة، بعد تقييم العوامل التي تؤثر بالسياسة النقدية مثل الطلب والتضخم الأساسي والعرض. وأشار إلى أن استمرار التحسُّن في ميزان الحساب الجاري، المدفوع بالطلب الأجنبي، يساهم في هدف تحقيق استقرار الأسعار. وأكد أن البنك المركزي سيواصل بحزم استخدام جميع الأدوات المتاحة له حتى تظهر مؤشرات قوية تشير إلى انخفاض دائم في التضخم ويتم تحقيق هدف 5 في المئة على المدى المتوسط، بما يتماشى مع الهدف الرئيس المتمثل في استقرار الأسعار[66].
وكانت أسعار الفائدة قد خفضت في الأشهر الثلاثة الماضية في إطار السياسة الاقتصادية التي يتبعها الرئيس أردوغان، والتي تمنح الأولوية للصادرات والإقراض، على الرغم من أن الاقتصاديين والمشرعين المعارضين انتقدوا سياسته على نطاق واسع ووصفوها بأنها “متهورة”[67].
ولانخفاض قيمة العملة سلبيات يظهر أثرها على المستوردين، لأنهم يدفعون مبالغ أكبر بالعملة الأجنبية مقابل استيراد السلع والخدمات. ثم على المواطن التركي، لكون انخفاض الليرة يدفع إلى ارتفاع الأسعار بالداخل، ومن ثم زيادة معدل التضخم الذي وصل إلى 21.31 بالمئة خلال نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب هيئة الإحصاء التركية. وبحسب بيانات نشرتها الهيئة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 19.82 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مقارنة بديسمبر/كانون الأول 2020، وبنسبة 21.31 في المائة مقارنة بنوفمبر/تشرين الثاني 2020. وأكّدت الهيئة أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 3.31 في المئة على أساس شهري. وسجل مؤشر أسعار المنتجين داخل البلاد ارتفاعًا بنسبة 9.99 بالمئة على أساس شهري، و54.62 بالمئة على أساس سنوي[68].
وحول كيفية مواجهة ارتفاع الأسعار في تركيا، كشف الرئيس أردوغان عن السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومته في هذا الشأن، فقال في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “المشاكل الناجمة عن ارتفاع الأسعار التي تشهدها تركيا سيتم معالجتها عبر الاستثمار والتوظيف والإنتاج”. ولفت أردوغان إلى أن “مشاكل ارتفاع الأسعار الناجمة عن التقلبات في سعر الصرف، ليس لها أساس اقتصادي”، وأنه “لم ولن يؤيد يومًا رفع أسعار الفائدة.. ولا تنازل عن هذا الأمر”[69].
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، صرح الرئيس أردوغان بوجود مشروع قرار لمكافحة المحتكرين، وأن هذا القانون سوف يتم طرحه بعد مناقشة موازنة 2022 في البرلمان. ولفت الرئيس إلى أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات ناجم عن زيادتها عالميًّا، وقيام بعض الاستغلاليين باحتكار المنتجات والسلع. وأردف: “الاحتكار حرام في ديننا، ولن نسمح للمحتكرين بأن يتحكموا في أسعار السلع والمنتجات، وأقول لهم إن عقوبات كبيرة ستطولكم قريبًا”[70].
ولمعالجة آثار هذه الأزمة على المواطن، اتخذت الحكومة التركية بعض التدابير، ومنها إعلان الرئيس أردوغان زيادة الحد الأدنى للأجور بداية من أول 2022 بنسبة 50 بالمئة، ليبلغ 4500 ليرة، وهي أعلى نسبة زيادة في تاريخ البلاد. كما أكد أردوغان على مواصلة العمل من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين، مشيرًا أنه سيتم الامتناع عن اقتطاع الضرائب من أجور العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجور[71].
[1] الجمهورية العربية السورية: مجلس الشعب، يان مجلس الشعب في الذكرى الثانية والثمانين لسلخ لواء إسكندرون السليب، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3orJSK3
[2] وزارة الخارجية التركية، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية على بيان ما يسمى بمجلس الشعب التابع لنظام دمشق، 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/31tRd3b
[3] ترك برس، تركيا لنظام الأسد: قارئ التاريخ يرى عاقبة الطامعين بأرضنا، 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3qaEFWX
[4] RTالعربية، ما هي بنود اتفاق أضنة السرّي بين أنقرة ودمشق حسبما كشفتها الصحافة التركية؟!، 25 يناير/كانون الثاني 2019، https://bit.ly/3s05sri
[5] Yeni Şafak، تركيا: تحييد 3 إرهابيين من “ي ب ك” شمالي سوريا، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3GG5oRy
[6] وكالة أنباء تركيا، وزارة الدفاع التركية: مليون سوري عادوا طوعا إلى مناطق شمالي سوريا، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3rJH4tZ
[7] Yeni Şafakالعربية، الإغاثة التركية توزع بذور قمح على المزارعين شمالي سوريا، 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3Ivfiax
[8] Sputnikعربي، ليبيا… اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تتوجه إلى ليبيا ثم موسكو، 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3EFR2QE
[9] وكالة الأناضول، أنقرة تستضيف اجتماعا للجنة “5+5” الليبية، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3DB5vvN
[10] Sputnikعربي، تركيا تشترط انسحابا متزامنا من قبل جميع الأطراف لإخراج المرتزقة من ليبيا، 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oC0sXC
[11] RTعربي، المحجوب يكشف عن شرط تركي لإجلاء المرتزقة عن ليبيا، 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3y6qMfQ
[12] Yeni Şafakالعربية، وفد من مجلس النواب الليبي يزور البرلمان التركي، 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3DVD387
[13] وكالة الأناضول، تركيا: ينبغي تجنب الخطوات الأحادية في ليبيا لإجراء الانتخابات، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3pScThq
[14] وكالة أنباء تركيا، هل تلغي انتخابات ليبيا الاتفاقية مع تركيا.. وهل تحل أزمة أم تعقد؟، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 29021، https://bit.ly/3yvTlDO
[15] ترك برس، بعد تحسين العلاقات مع الإمارات.. تركيا تتحدّث عن خطوات مشابهة مع مصر وإسرائيل، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3dRd72L
[16] وكالة الأناضول، أردوغان: حريصون على الارتقاء بعلاقاتنا مع السعودية ومصر، 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3yt8VzU
[17] RTعربي، مسؤول تركي: لم يكن لتركيا يوما ما مشكلة مع الشعب المصري، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3GC907g
[18] الجزيرة، التقارب مع تركيا.. بين تباطؤ مصر ومسارعة افمارات، 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oU3HKq
[19] مصراوي، “كيانات إعلامية ساتر للجماعة و9 أتراك”.. أمر إحالة قيادات الإخوان في قضية “التخابر مع تركيا”، 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3EWTXEQ
[20] وكالة الأنباء العراقية (واع)، العراق يقدم مقترحًا لتشكيل كتلة اقتصادية من ثلاث دول، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3yn0Gp4
[21] العربي نيوز، فرص محدوده لنجاح التكتل الاقتصادي المقترح بين تركيا والعراق وإيران، 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3GI1HuN
[22] الجزيرة، التكتل الاقتصادي المقترح لتركيا وإيران والعراق.. تحدياته وتداعياته، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/31ZXtzZ
[23] المصدر السابق.
[24] وكالة الأنباء العراقية (واع)، المطيري وكوناي يناقشان سبل تعزيز التعاون البناء بين العراق وتركيا بمختلف المجالات، 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oVcgER
[25] وكالة أنباء تركيا، أخفوا جثته ودفنوها سرا.. عملية نوعية للاستخبارات التركية شمالي العراق، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/31WtsAT
[26] وكالة الأناضول، الاستخبارات التركية تحيّد 6 إرهابيين شمالي العراق، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3dS4PrD
[27] وكالة أنباء تركيا، العراق يعلن إنجاز الربط الكهربائي مع تركيا، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3dOJ0ZR
[28] ترك برس، مباحثات عراقية تركية تتناول مواجهة شح المياه، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/323Dccc
[29] Yeni Şafak، أردوغان: نعمل على تطوير علاقاتنا مع قطر وكافة دول الخليج، 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://www.yenisafak.com/ar/news/3549149
[30] صحيفة الاتحاد الإماراتية، 10 مليارات دولار من الإمارات لدعم الاستثمارات في تركيا، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3IFUA7N
[31] ترك برس، تقرير: التقارب الإماراتي مع تركيا وراءه جهود التطبيع بين أنقرة وعواصم عربية أخرى، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3GAthKv
[32] الحرة، بعد تقارير “الزيارة المرتقبة”.. ما سر التحول الكبير بين تركيا والإمارات؟، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://arbne.ws/30byKaS
[33] الجزيرة، أمير قطر والرئيس التركي يرأسان اجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا المشتركة ويؤكدان عزمها على تعزيز العلاقات، 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oBZaMv
[34] وزارة الخارجية القطرية، البيان المشترك للدورة السابعة للجنة الاستراتيجية العليا بين دولة قطر وجمهورية تركيا، 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oJ4qy1
[35] وكالة أنباء تركيا، آكار يزور القوات المشتركة التركية القطرية، 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3EHTQwx
[36] وكالة الأناضول، أردوغان: حريصون على الارتقاء بعلاقاتنا مع السعودية ومصر، 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3rQZ6L0
[37] Sputnikعربي، وكالة: تركيا والسعودية تبحثان العلاقات التجارية، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3Iz4Tui
[38] ترك برس، بوادر تقارب تركي سعودي يظهر في اتصال بين مسؤولين في وزارتي خارجية البلدين، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3dC7mGk
[39] عربي 21، إعادة التموضع الإقليمي.. ما هي خطوة السعودية المقبلة؟، 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/33gshwH
[40] وكالة الأناضول، الادعاء التركي يطالب بسجن 16 متهما في قضية تجسس لصالح إسرائيل، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/31PyQW2
[41] تركيا الآن، وزير تركي يعلق على حبس زوجين اسرائيليين بتهمة التجسس، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3EIJ8Wx
[42] JERUSALEM POST, Bennett thanks Turkey’s Erdoğan for release of Israeli couple, 18-11-2021, https://bit.ly/3lSBBxk
[43] وكالة الأناضول، تركيا تدعو المجتمع الدولي للتصرف بحساسية حيال القضية الفلسطينية، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3GJVyyb
[44] Daily Sabahالعربية، رئيس البرلمان التركي يشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات تجاه القدس، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3s6iHqz
[45] Yeni Şafakالعربية، تركيا تدعو المجتمع الدولي للتصرف بحساسية حيال القضية الفلسطينية، 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3oXJAeo
[46] ترك برس، إسطنبول.. فعالية دولية لنصرة القدس تدعو لوقف التطبيع وتشيد بجهود تركيا تجاه فلسطين، 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3dUa8GV
[47] وكالة انباء تركيا، تشاويش أوغلو: تركيا ستقف دائما إلى جانب الفلسطينيين، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3m6t3To
[48] تركيا الآن، رسالة حزب العدالة والتنمية التركي في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3DYGOtp
[49] ترك برس، خبير: ثلاث فرق في أرمينيا حول تطبيع العلاقات مع تركيا، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3dMkmsW
[50] RTعربي، يريفان: أبلغنا موسكو استعداد أرمينيا لتطبيع العلاقات مع تركيا بدون شروط، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3DO6iK8
[51] ترك برس، أرمينيا: تركيا تطرح شروطًا جديدة لتطبيع العلاقات، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3IW3Nt5
[52] TRTعربية، بوابة تركيا إلى وسط آسيا… تعرف على ممر “زنغازور” وأهميته الإستراتيجية، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3EQqmgh
[53] TRTعربي، أردوغان: مستعدون للوساطة بين روسيا وأوكرانيا مستعدون للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/327P1OD
[54] الجزيرة، تركيا وروسيا في الأزمة الأوكرانية.. أيهما يغلب المصالح المشتركة أم صراع النفوذ؟، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/32aB8Q4
[55] RTعربي، بوتين يلفت نظر أردوغان لاستخدام أوكرانيا طائرات “بيرقدار” التركية في نزاع دونباس، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3m3JBLF
[56] Daily Sabah العربية، سفينة إمدادات عسكرية أمريكية ترسو في جزيرة “دادا آغاتش” اليونانية، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3p8IhJL
[57] RTعربي، أردوغان: اليونان تحولت بالكامل إلى قاعدة عسكرية أمريكية، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/327YYM0
[58] Yeni Şafakالعربية، ما الهدف من وراء الحشد العسكري الأمريكي في “دادا أغاتش”؟
12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3seN4eg
[59] RTعربي، تدريب بحري مشترك بين أوكرانيا وأمريكا وتركيا ورومانيا في البحر الأسود، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3IVzTVz
[60] RTعربي، الولايات المتحدة وتركيا تبحثان التعاون في البحر الأسود، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://bit.ly/3qbZOjw
[61] Foreign Affairs, Russia’s Battle for the Black Sea, 16-08-2021, https://fam.ag/3mdpTNA
[62] Yeni Şafakالعربية، لا بد من منع اندلاع الحرب في البحر الأسود، سيجبرون تركيا على خيار مميت، 12 أبريل/نيسان 2021، https://bit.ly/3GTa9r2
[63] Yeni Şafak العربية، كليجدار أوغلو” والرئاسة.. أزمة جديدة داخل تحالف المعارضة بتركيا، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3GWhg22
[64] عربي 21، أزمة داخل تحالف المعارضة بتركيا بسبب “الرئاسة”.. هل ينهار؟، 13 سبتمبر/أيلول 2021، https://bit.ly/3GZxO9i
[65] Yeni Şafak،”كليجدار أوغلو” والرئاسة.. أزمة جديدة داخل تحالف المعارضة بتركيا، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3ESY8RS
[66] ترك برس، المركزي التركي يخفض سعر الفائدة 100 نقطة، 16 ديسمبر/كانون الأول، 2021، https://bit.ly/3q337ZW
[67] BBCعربي، الليرة التركية تسجل تراجعا قياسيا في مقابل الدولار بعد قرار البنك المركزي خفض سعر الفائدة، 16 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bbc.in/3e3Tvss
[68] وكالة الأناضول، هيئة الإحصاء: التضخم السنوي في تركيا 21.31 في المئة، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3GBwKbF
[69] وكالة أنباء تركيا، أردوغان يكشف السياسة المتبعة لمعالجة ارتفاع الأسعار في تركيا، 29 نوفمبر/تشرين الأول 2021، https://bit.ly/3oPJFAP
[70] وكالة الأناضول، أردوغان: نحقق في قضية التلاعب بأسعار الصرف، 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/30mJ2VL
[71] وكالة الأناضول، أردوغان يعلن الحد الأدنى للأجور في تركيا لعام 2022، 16 ديسمبر/كانون الأول 2021، https://bit.ly/3GVKVbB