فريق التحرير : د. أحمد حسين ـ محمد عبد العاطي ـ عبد الرحمن محمد ـ أحمد عاطف ـ جهاد عبد المجيد ـ رحمة عبد المجيد
الفهرس
الدفتر السياسي:
– أزمة قناة السويس
– الحديث عن تقارب مصري-تركي
– مستجدات قضية سد النهضة
الدفتر الاقتصادي:
– التداعيات الاقتصادية لأزمة تعطل قناة السويس
– مخاوف حول قرار الحكومة بزيادة رواتب بعض الفئات
الدفتر التشريعي:
– إدانة مجلس النواب لانتقادات الأمم المتحدة حول الوضع الحقوقي
– مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
– القرارات الجمهورية التي صادق عليها المجلس
– رد فعل البرلمان حول حادثة قطاري سوهاج
الدفتر الفكري والثقافي:
– السلطة والفن وأجواء ما قبل النكسة
– النسويَّة المصريَّة.. إنصاف للمرأة أم تقليد للغرب؟
الدفتر الإعلامي:
– من جديد، ضياء رشوان نقيبًا للصحفيين
– النظام يوسع قبضته على الإعلام
– مقالات “إعلام البغال”
مقدمة
شهدت الساحة المصرية أحداثَا عديدة، خلال شهر مارس/ آذار الماضي، كان لبعضها له أصداء عالمية، كتوقف الملاحة في قناة السويس، إثر جنوح إحدى السفن، الأمر الذي كانت له آثار سلبية على المستوى المحلي والعالمي كذلك.
وبعض هذه الأحداث لها أصداء إقليمية، كمسألة سد النهضة، حيث بدأت القاهرة في تبني خطاب مغاير بشكل نسبي تجاه أديس أبابا. هذا بالإضافة إلى ما نُقل عن تقارب مصري-تركي قريب. وفي الدفتر الاقتصادي نناقش التداعيات الاقتصادية لتوقف الملاحة في قناة السويس، كما نلقي الضوء على بعض المخاوف التي صاحبت قرار الحكومة بزيادة رواتب بعض الموظفين وأصحاب المعاشات.
وفي الدفتر التشريعي، نستعرض القرارات الجمهورية التي صدق عليها مجلس النواب، والقوانين التي سنها، والتي كان من أبرزها قانون تجريم ختان الإناث. كما نتعرض لرد فعل البرلمان على حادثة قطاري سوهاج. أما في الدفتر الفكري فنتحدث عن علاقة السلطة بالمجال الفني في ظل تزايد عدد المسلسلات التلفزيونية التي تهدف إلى تشكيل الوعي السياسي للشعب، هذا بالإضافة إلى استعراض قضية “النسوية” بالتزامن مع وفاة الكاتبة نوال السعداوي.
وفي الدفتر الإعلامي، فنتناول أوجه دعم أجهزة النظام لضياء رشوان، الذي فاز بدورة جديدة كنقيب للصحفيين. كما نرصد محاولات النظام لوضع يده على مزيد من الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة، هذا بالإضافة إلى الحديث عن مقالات انتشرت على نطاق واسع، لأحد الأكادميين المصريين، والتي أسماها “إعلام البغال”، ويستعرض فيها تردي الحالة الإعلامية في مصر بوجه عام، من حيث الخطاب والأشخاص المتصدرين للمشهد الإعلامي.
شهدت مصر في شهر مارس/ آذار الماضي العديد من التطورات الهامة في الجانب السياسي، والأزمات كذلك. أول ذلك كان جنوح إحدى السفن اليابانية في قناة السويس المصرية مما تسبب في تعطل حركة الملاحة الدولية في الممر المائي المصري لمدة أسبوع كامل. وكان لذلك الحادث العديد من التداعيات السلبية المحلية والدولية.
ثانيًا، تضمن هذا الشهر العديد من التصريحات الإيجابية من تركيا بشأن مصر، الأمر الذي كثَّف الحديث حول وجود تقارب مصري-تركي يلوح في الأفق. وقد أثارت هذه التصريحات الجدل حول ما إذا كانت الحكومة التركية ستعترف بانقلاب عام 2013 أم لا.
وأخيرًا، ومع اقتراب تاريخ الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، تتابعت القرارات والتصريحات المصرية المهددة والناقدة بشدة لإثيوبيا، والمطالبة بالتوصل إلى اتفاق بشأن مياه النيل في أسرع وقت ممكن.
أزمة قناة السويس
توقفت حركة الملاحة البحرية في قناة السويس المصرية إثر حادثة جنوح سفينة الحاويات “إيفر غيفن” في الثالث والعشرين من مارس/ آذار الماضي. تعد سفينة “إيفر غرين” ملكًا للشركة اليابانية “شوي كيسن كايشا”. وقد قامت الشركة التايوانية “إيفر غرين مارين” باستئجارها من الأولى لحمل آلاف الأطنان عليها. يبلغ طول السفينة العملاقة 400 مترًا وعرضها 59 مترًا، بينما تبلغ حمولتها الإجمالية 224 ألف طن.
ويعود سبب جنوح السفينة إلى فقدانها سيطرتها وانحراف هيكلها نتيجة لهبوب عاصفة رملية قوية بلغت سرعتها 50 كيلو متر/ ساعة، حيث تسببت العاصفة الترابية في انعدام الرؤية. ولكن رئيس هيئة قناة السويس أشار إلى أن الحادثة قد تكون بسبب خطأ فني أو خطأ بشري من ربان السفينة العالقة.[1]
وتعتبر قناة السويس من أهم الممرات المائية حول العالم، بالإضافة إلى كونها أقصر طريق للشحن بين آسيا وأوروبا حيث تستغرق الطرق الأخرى مدة أطول من المدة التي تستغرقها الحاويات عند المرور من قناة السويس. كذلك تعد القناة مصدرًا هامًا للعملة الصعبة لمصر مما يزيد من أهميتها على الصعيد المحلي، خاصة في فترة الركود الاقتصادي، وكذلك تراجع حركة السياحة التي تمر بها البلاد، فالقناة هي المصدر الثاني للدخل بعد السياحة.
ولهذه الأزمة العديد من التداعيات السلبية المحلية والدولية في الجانبين الاقتصادي والسياسي. فقد تسببت السفينة العالقة في تعطل نحو 400 سفينة أخرى ما يقرب من أسبوع، حتى استطاعت هيئة قناة السويس تعويم وإنقاذ السفينة، واستأنفت العمل بالممر الملاحي الذي أدى تعطل إلى خسائر ملايين الدولارات[2]. كما فقدت مصر نحو 10.9 مليون جنيه استرليني من إيرادات قناة السويس خلال الأسبوع التي تعطلت فيه حركة الملاحة فيها[3]. حيث كشف رئيس هيئة قناة السويس فقدان مصر حوالي 12-14 مليون دولار خلال اليوم الواحد من وقوف العمل بالممر المائي المصري.[4]
يذكر بأنه نحو 30 % من سفن الحاويات العالمية الحاملة للوقود والمنتجات الاستهلاكية وغيرها من السلع تمر من قناة السويس، بما يعادل حوالي 12 % من إجمالي التجارة العالمية.[5] كما تسبب تعطل السفينة في حدوث تأخير في مواعيد تسليم النفط إلى الدول المستوردة مما نتج عنه حدوث قفزة في أسعار النفط العالمي ويعادل حجم الزيادة 5 %. ولكن تراجعت أسعار النفط بعد استئناف العمل بالقناة مرة أخرى.[6]
ومن أهم الأسئلة التي طرحتها الأزمة؛ من سيقوم بدفع كل تلك التعويضات؟[7] وهنأ تأتي اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888 في الصدارة، حيث تنص الاتفاقية على حرية الملاحة الدولية في قناة السويس، إلا أنها لا تنص على دفع مصر أي تعويضات للسفن العابرة خلالها. بينما تقضي بوجوب تحمل كل من الشركة المالكة والشركة المستأجرة – في هذه الحالة الشركتين التايوانية واليابانية- التعويضات المحتملة مما يعني أن الحكومة المصرية لن تتحمل عبء تعطل حركة الملاحة خلال القناة.[8] وبالطبع تستند الحكومة المصرية في تصريحاتها إلى تلك الاتفاقية التي تحميها من هذه المسؤولية الكبيرة.
كما أن الشركة اليابانية المالكة السفينة العالقة أصدرت تصريحًا اعتذرت فيه عن التسبب في تعطيل حركة التجارة الدولية في الممر المصري. كذلك يحق لمصر طلب التعويض اللازم من الشركة المالكة للسفينة على الأضرار التي ألحقتها بالممر المائي، وذلك في حال أثبتت التحقيقات أن ربان السفينة هو الذي تسبب في إعاقة حركة السفينة وتعطيل قناة السويس.
وبسبب الأهمية الاستراتيجية للقناة على الصعيد الدولي تلقت القاهرة عروضًا للمساعدة في حل الأزمة من مختلف الدول، وأبرز تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا. ولكن قبل بدء توالي عروض المساعدة على الحكومة المصرية، ظهر على نظام قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، الارتباك وسوء الإدارة للأزمة في الأيام الأولى. الأمر الذي جعل إدارته موضع سخرية من قبل وسائل الإعلام العالمية.
علاوة على ذلك، فإن الركود الاقتصادي الذي يمر به العالم بسبب جائحة كورونا لا يتحمل أي خسائر أخرى. مما قد يجعل الدول تفكر في البحث عن بديل آخر غير قناة السويس على المدى البعيد. ويعد طريق رأس الرجاء الصالح الذي يقع في الطرف الجنوبي من قارة إفريقيا هو الطريق الأكثر ترجيحًا كبديل لقناة السويس. بيد أنه يستغرق أسبوعين إضافيين، مما يزيد من مبالغ الشحن والنقل، كما أن الكثير من الأطعمة تفسد بسبب طول المدة.
وبالتالي فإنه ليس بالشيء اليسير إيجاد بديل لقناة السويس المصرية؛ إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن هناك من يفكر في إيجاد بدائل للقناة، من ذلك على سبيل المثال، خط عسقلان-إيلات، الذي يرغب الكيان الصهيوني في إنشائه.
تقارب مصري-تركي على الأبواب
أعطت تركيا أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة لتحسين وتطوير علاقتها مع مصر وبذلت جهودًا واسعة في سبيل إنهاء بعض خلافاتها مع النظام المصري التي بدأت في صيف 2013 منذ أن عارضت أنقرة الانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في مصر. ويأتي ذلك ضمن توجه عام تتبعه تركيا في سياستها الخارجية يقوم على تهدئة الخلافات التي تربطها مع بعض الدول الإقليمية والعالمية، في الوقت الحالي.
ومنذ أن تحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سبتمبر الماضي، عن أن أنقرة تجري حوارات استخباراتية مع القاهرة، تتابعت التصريحات الإيجابية فيما يتعلق بالدولة المصرية والتعاون معها، والجلوس على الطاولة مع المسئولين في مصر لتحديد خريطة العلاقات الثنائية بين الجانبين. حيث تريد تركيا استئناف الحوار مع مصر للتعاون في بعض القضايا المشتركة بين الطرفين، وأبرزها غاز شرق المتوسط وقضية ترسيم الحدود البحرية بتلك المنطقة، وعملية السلام والقضية الفلسطينية، وكذلك القضية الليبية. وذلك للتوصل إلى حلول وإجراءات تصب في مصلحة كل من مصر وتركيا.
في هذا السياق، أعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عادل قرة، استعداد بلاده لمساعدة مصر في حل أزمة قناة السويس والتي أدت إلى توقف التجارة العالمية. وذلك عن طريق إرسال السفينة التركية العملاقة “نينة خاتون” – التي يبلغ طولها 88 مترًا، وعرضها 18 مترًا، والمخصصة للعمل في حالات الطوارئ- إلى قناة السويس لإعادة تعويم السفينة العالقة. وكانت تركيا في مقدمة الدول التي عرضت المساعدة على مصر[9].
ومن اللافت للنظر أن مصر لم تتفاعل بشكل مباشر مع تصريح أنقرة بتقديمها المساعدة للأولى كما فعلت مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولكنها لم تصدر أي رد سلبي فيما يتعلق بالطلب، بل وقد رحبت مصر بجميع المساعي الدولية لحل الأزمة، والتي تدخل تركيا ضمنًا في إطارها.
وقد أشاد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في لقاء سابق باحترام النظام المصري لجرف تركيا القاري خلال إجراء أنشطتها في شرق المتوسط. كما أضاف أكار إلى أن احترام القاهرة لمناطق الصلاحية البحرية لتركيا تصب في مصلحتها أيضًا. كذلك، صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن عروض التنقيب التي طرحتها مصر احترمت الجرف القاري التركي، كما لم يستبعد جلوس الأتراك والمصريين على الطاولة قريبًا بهدف ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين. كذلك وصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، مصر في حوار له بأنها قلب العالم العربي، مما يشير إلى تقدير تركيا لمصر كدولة، ومساعيها الكبيرة في سبيل تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.[10]
ولكن السؤال الأهم الذي طرح بعد المساعي لتطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة يتعلق بموقف المعارضين من تلك المصالحة التي تلوح في الأفق. حيث أن تركيا من أكثر الدول المعارضة لانقلاب عام 2013، كما أنها تستضيف الكثير من المعارضين المصريين لنظام السيسي ورموز المعارضة، وذلك بالإضافة إلى مقرات قنوات المعارضة المصرية، التي تبث من اسطنبول، وتوجه انتقادات للسيسي ونظامه بشكل مستمر. وكذلك طرحت المصالحة المتوقعة سؤالًا يتعلق باحتمالية اعتراف تركيا بشرعية النظام الحالي في مصر.
في هذا السياق، طلبت تركيا من قنوات المعارضة المصرية تخفيف اللهجة الإعلامية، والعمل بمزيد من الاحترافية والمهنية.[11] ولكن مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، أكد في حوار له مع قناة الجزيرة أن موقف تركيا من الانقلاب العسكري في مصر لن يتغير، ولكن ما سيتغير حتما هي لغة الحوار بين البلدين.
وهناك عدة عوامل خارجية قد تجعل مصر تقبل بالمصالحة مع الدولة التركية بالرغم من كل التوترات التي شهدتها العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة. أولًا، الانتكاسات العسكرية للجنرال الليبي الانقلابي، خليفة حفتر، الذي دعمه نظام السيسي وانتخاب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. ثانيًا، فشل الولايات المتحدة الأمريكية في الوساطة بين مصر وإثيوبيا مما يهدد الأمن المائي للدولة المصرية. وثالثًا، تطبيع بعض دول الخليج العربية العلاقات مع إسرائيل، وبشكل خاص الإمارات مما يهدد وضع مصر القيادي في المنطقة. هذا بالإضافة إلى التعاون الإماراتي الإسرائيلي المحتمل فيما يتعلق بنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط وتصديره لأوروبا وآسيا يهدد مصالح مصر في شرق المتوسط. لذا فإنه كما تحتاج تركيا مصر في ملف شرق المتوسط، فإن مصر تحتاج للتنسيق مع أنقرة لحماية مصالحها في الإقليم.
قضية سد النهضة
حدثت الكثير من التطورات في شهر مارس/ آذار الماضي فيما يخص قضية سد النهضة. حيث تغيرت لهجة النظام المصري مع إثيوبيا بشأن تلك القضية. ولا زال الخلاف مستمرًا بين القاهرة وأديس أبابا بسبب إصرار إثيوبيا على ملء بحيرة السد بالمياه في يوليو/ تموز المقبل دون التوصل إلى اتفاق مع كل من مصر والسودان.
بينما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل إلى اتفاق يحمي مصالح الجميع ويضمن الحفاظ على الأمن المائي للقاهرة والخرطوم كما يحافظ على منشآتهم المطلة على نهر النيل. ومن المتوقع أن يتسبب قرار إثيوبيا الفردي بملي السد للمرة الثانية في خسارة كبيرة لمصر من مقدار حصتها المائية السنوية من نهر النيل قد تصل إلى حوالي 10 مليارات متر مكعب، مما يهدد ربع الرقعة الزراعية للأراضي المصرية.
وقد هدد السيسي في تصريح له عن سد النهضة أنه سيكون له رد حازم في حال تضررت مصر من السد الإثيوبي، وأضاف أنه لا يمكن لأي أحد أن يمس حصة مصر من المياه. حيث قال: “نحن لا نهدد أحدًا ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد”.[12]
كما قامت مصر بتدشين لجنة لمخاطبة الرأي العالمي بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي،[13] وذلك بهدف رفع مستوى الوعي الدولي فيما يخص قضية المياه والتوجيه بترشيد الاستهلاك، بالإضافة إلى التعريف بموقف مصر العادل وحقها في الحفاظ على أمنها المائي والقومي أمام الرأي العام المحلي والدولي.
علاوة على ذلك، فقد استعرض أحد الإعلاميين المصريين المقربين من النظام في برنامجه حلولًا عسكرية للتعامل مع أزمة سد النهضة.[14] نصَّ السيناريو الأول على أن تقوم مصر والسودان بضرب السد وتدميره بشكل كامل. ولكن هذا الحل سيضع مصر والسودان في موضع الدول التي شنت عدوانًا جماعيًا أمام المجتمع الدولي، مما قد يجعل أديس أبابا تنتقم لهدم سدها باستخدام القوة العسكرية هي الأخرى لتدمير السد العالي المصري أو سد الرُوصِيْرِصْ السوداني. ولكن يشكك البعض بشدة في قدرة أديس أبابا على استخدام القوة العسكرية أمام القاهرة والخرطوم.
أما الحل الثاني الذي قدمه الإعلامي المصري تضمن استخدام القوة العسكرية أيضًا ولكن لتوجيه ضربات محدودة من قبل الطائرات بهدف إحداث هدم جزئي للسد. وهذا الحل يبدو أكثر واقعية وعقلانية من الحل الأول الذي قد يضع مصر والسودان في موقف عداء مع المجتمع الدولي. كما أن هذا الحل قد يجبر أديس أبابا على العودة إلى التفاوض بشكل جدي بدون مماطلة، للتوصل إلى حل جماعي يصب في مصلحة الدول الثلاث.
بيد أن مصر أكدت مرارًا وتكرارًا تمسكها بالالتزام بالمسار التفاوضي خلال العشر سنوات التي اشتعلت فيها الأزمة، لكن إصرار إثيوبيا على اتباع سياسة الأمر الواقع ورفض الوساطة الدولية الرباعية[15] قد يجعل مصر تغير من موقفها في الأشهر المقبلة، خصوصًا أنه لم يتبق إلا شهرين فقط على بدء الملء الثاني للسد الإثيوبي.
وشهدت الأشهر الماضية حراكًا دبلوماسيًا وعسكريًا غير مسبوق بين القاهرة والخرطوم وذلك من خلال إجراء العديد من الاتفاقيات الأمنية المشتركة بين الدولتين. لكنه ليس من مصلحة أمريكا والاتحاد الأوروبي أن تنشب حرب بين مصر والسودان وإثيوبيا، مما قد يدفع المجتمع الدولي في الفترة القادمة في الضغط على أديس أبابا لحلحلة المفاوضات والحول بين حدوث أي إجراء عسكري من مصر والسودان والذي سيتسبب في تهديد استقرار المنطقة. لذا تأمل كل من مصر والسودان أن يتفاعل الوسطاء الدوليين لحل الأزمة في القريب العاجل.
ثمة أحداث بارزة وقت في مصر ولها دلالاتها الاقتصادية التي لا تخطئها عين، وكانت أبرز هذه الأحداث تعطل الملاحة بقناة السويس لمدة أسبوع، وكذلك وقوع حادثة تصادم قطارين بمحافظة سوهاج، مما نتج عنها وقوع أعداد من القتلى والجرحى. وتلقي هذه الحوادث بظلالها السلبية على طبيعة الإدارة الاقتصادية في مرفقين مهمين بمصر، الأول يعد أحد المرافق الاستراتيجية على الصعيد الدولي، فضلًا عن أهميته الاقتصادية لتدفقات النقد الأجنبي التي تعاني منها مصر. والثاني ما يتعلق بالإعداد الفني والصيانة لعموم المرافق في مصر، حيث لا تزال حوادث القطارات متكررة ومفجعة للمصريين، وهو ما يجعل السؤال عن نفقات الصيانة لرؤوس الأموال العامة أمرًا مهمًا، وكذلك التدريب، واختيار الكفاءات المتميزة لإدارة وتشغيل مثل هذه المرافق.
كما شهد شهر مارس إعلان، محمد معيط، وزير المالية عن اتخاذ قرارات بشأن الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة وزيادة رواتب المحالين على المعاش، وقد أثار القرار لغطًا كثيرًا، فيما يتعلق بالزيادة الخاصة برواتب أصحاب المعاشات، كما أثار مخاوف العاملين من مغبة أن تتجه الحكومة مع هذه الزيادة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية، وبذلك تكون الزيادة في رواتبهم غير حقيقية.
وفي الدفتر الاقتصادي لهذا الشهر، نركز على قضيتين مهمتين، وهما تداعيات أزمة تعطل قناة السويس، والمخاوف من القرار الحكومي بزيادة رواتب العاملين وأصحاب المعاشات.
- تداعيات أزمة تعطل قناة السويس
لم يكن أمر توقف الملاحة بقناة السويس بالشئ الهين، لما له من انعكاسات على الاقتصاد العالمي، فكون عوائد قناة السويس تمثل للاقتصاد المصري واحدًا من أهم موارد النقد الأجنبي منذ عقود، إلا أنها كذلك تمثل أحد الشرايين المهمة للتجارة الدولية بين الشرق والغرب، فنحو 12% من التجارة العالمية تمر من قناة السويس، وثمة تقديرات تذهب لأن قيمة ما يمر من تجارة بين الشرق والغرب في اليوم الواحد من القناة يقدر بنحو 9.5 مليار دولار[16].
ففور نشر خبر تعطل الملاحة بقناة السويس يوم الثلاثاء 23 مارس 2021، بسبب جنوح سفينة عملاقة، تأثرت أسعار النفط في السوق الدولية، حيث ارتفعت بنحو 2% مخافة أن يؤثر تعطيل مرور السفن على حركة إمدادات النفط في السوق الدولية[17]. كما ارتبكت عدة أنشطة متعلقة بالتجارة الدولية، من ارتفاع تكاليف الشحن والنقل والتأمين، كما بدأ الحديث عن المسارات البديلة لقناة السويس، كل ذلك في ضوء فترة استمرار الأزمة التي استمرت لنحو أسبوع، وانتهت بتعويم السفينة العملاقة، وعودة الملاحة بالقناة.
وتأتي أهمية قناة السويس للاقتصاد المصري، من كونها تدر سنويًا ما يزيد عن 5 مليارات دولار، وفق البيانات الرسمية، حيث حققت القناة في عام 2020 نحو 5.6 مليار دولار، وقد تراجع عائدها في عام 2020 بنحو 200 مليون دولار، عما تحقق في عام 2019، بسبب التداعيات السلبية على التجارة الدولية، في ضوء جائحة كورونا[18].
وكانت مصر قد نفذت مشروعًا لتوسعة القناة، في خلال الفترة من أغسطس 2014 إلى أغسطس 2015، بنحو 8 مليارات دولار، وكانت التوسعة تهدف إلى ازدواج حركة المرور بالقناة، وزيادة قدرتها التنافسية لمرور السفن والحاويات العملاقة. وفي ذلك الوقت أعلنت الحكومة المصرية، أنه نتيجة لهذه التوسعة، سوف تزيد الإيرادات السنوية إلى نحو 13 مليار دولار، وهو ما لم يتحقق على مدار السنوات الخمس الماضية، بعد انتهاء مشروع التوسعة.
إلا أن الأزمة التي عاشتها قناة السويس، بسبب جنوح السفينة العملاقة، أثارت العديد من التساؤلات، حول عجز الإمكانيات الفنية للقناة، وكذلك الطريقة السلبية التي أديرت بها الأزمة، من قبل هيئة قناة السويس، فلولا متابعة الإعلام العالمي للأزمة لما شعر المصريون بما يحدث هناك. وقد استعانت إدارة القناة بمعدات أجنبية، لتحريك السفينة، وكذلك تمت الاستعانة بشركة هولندية لتعويم السفينة.
ولعل الاستعانة بالشركة الهولندية في النواحي الفنية للتعويم، قد تكون مقبولة لتخصص الشركة في هذا الأمر، أما عجز القناة عن توفير رافعات ومحركات للتعامل مع السفن العملاقة، فهو تقصير من قبل الإدارة، وبخاصة أن القناة تمر بها مثل هذه السفن من الأحجام الكبيرة، ووارد وقوع مثل هذه الحوادث. وكان ينبغي ألا يقتصر أمر توسعة قناة السويس على الحفر فقط، بل كان يجب أن يمتد لتزويد القناة بالمعدات والأمور الفنية، التي تجعلها على المستوى المطلوب، كونها مرفق دولي، ويمثل ممر استراتيجي.
ومن التحديات التي فرضتها أزمة جنوح السفينة العملاقة بقناة السويس، الخسائر المباشرة على الاقتصاد المصري، من تعطل عوائد المرور للسفن، والتي تقدر بنحو 16 مليون دولار يوميًا، وكذلك ما أعلن من قبل إدارة القناة من أنها تدرس تعويض السفن التي تعطلت خلال فترة الأزمة، فضلًا عن ما قدم من خدمات لبعض السفن التي تحمل رؤوس أغنام حية، من خدمات بيطرية وأعلاف[19].
ولم تنكشف الأمور بعد، في أمر التداعيات السلبية وبخاصة ما يتعلق بالتعويضات، هل ستتحملها مصر؟ أم ستتحملها الشركة صاحبة السفينة العملاقة؟ ونقلت بعض وسائل الإعلام عن منظمة “الأونكتاد” أن الخسائر الناجمة عن تعطل الملاحة بقناة السويس لمدة أسبوع، تقدر بنحو 9 مليارات دولار، كما أشارت المنظمة إلى أن أزمة قناة السويس تسببت في تعطيل 16.1% من تجارة الحاويات في آسيا وأوروبا[20].
من التحديات الأخرى، والتي تأتي من البيئة الخارجية، هي الحديث عن بدائل لقناة السويس، وبخاصة حديث بعض المسئولين الروس، عن جاهزية أحد الممرات الخاصة بهم والتي تعد منافسًا لقناة السويس من وجهة النظر الروسية. وكذلك تم الحديث عن مشروعات أخرى تتبناها دولة الكيان الصهيوني والإمارات.
وثمة أهمية كبيرة لقناة السويس، بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث يدور الحديث حول إنشاء محور تنمية القناة منذ سنوات، بحيث يشمل هذه المشروع مدن القناة الثلاث (السويس، الاسماعيلية، بورسعيد)، ويتم إنشاء مجموعة من المشروعات الخاصة باللوجستيات، والصناعة، لتتحول المنطقة إلى منطقة خدمية صناعية بنسبة كبيرة، لتتضاعف القيمة المضافة لممر قناة السويس.
ومما يؤسف له في أزمة تعطل الملاحة في قناة السويس، هو أمر غياب الشفافية، ومن المسئول عن هذه الأزمة، وما هو دور إدارة هيئة القناة، وهل ستتم محاسبتهم إن ثبت أن التقصير من قبلهم؟ إن مقتضيات المسئولية أمام المجتمع، تحتم احترام الرأي العام حول الازمة، وكيف تمت إداراتها، ومن المسئول عن وقوع الأزمة، ومن سيتحمل التعويضات، والأهم من ذلك أن تمتلك مصر استراتيجية جديدة لتأهيل إدارة هيئة القناة لتحمل مسئوليتها أمام الاقتصاد القومي، للعمل على الحفاظ على هذا المرفق الاستراتيجي، واستمرار تنافسيته، من حيث الكفاءة الفنية والإدارية، وكذلك أن تظل القناة محل اهتمام المعنيين بالتجارة الدولية، كونها أقصر وأسرع طريق لمرور التجارة العالمية بين الشرق والغرب.
لقد نشرت وسائل الإعلام أن هناك تحقيقات تمت مع طاقم السفينة من قبل إدارة قناة السويس، كما تحدث الفريق، أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، عن إمكانية حصول مصر على تعويضات تزيد عن مليار دولار[21]، ولكن هذه هي بداية خيط الأزمة، وتقتضي الشفافية، أن تعلن النتائج النهاية لوضع القناة القانوني في الأزمة، وبخاصة ما يتعلق بالتعويضات، فالوقت لا يسمح بالتزامات مالية جديدة على مصر، فهي تعاني من أزمة تمويلية كبيرة، تلجأها دومًا إلى الاقتراض سنويًا من الأسواق المحلية والدولية، وبما يعادل نحو 26 مليار دولار سنويًا.
- مخاوف من قرار الحكومة بزيادة رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات
في منتصف مارس 2021، صرح محمد معيط، وزير المالية بأنه سيتم رفع رواتب العاملين بالدولة وأصحاب المعاشات، مع بدء تنفيذ موازنة العام المالي 2021/2022، مما يعني أن هذه الزيادة ستكون مع رواتب ومعاشات شهر يوليو 2021. وأن هذه الزيادة سوف تكون من خلال تحريك الحد الأدنى للأجور، بحيث يكون الحد الأدنى للأجور 2400 جنيه، بدلًا من 2000 جنيه[22].
كما أن أصحاب المعاشات سوف يستفيدون من هذه الزيادة، بحيث تزيد رواتبهم بنسبة 13%، وهو ما واجه اعتراضات من قبل أصحاب المعاشات، لأن الزيادة المقررة في معاشاتهم تتناقص على مدار العامين الماضيين، فبعد أن كانت الزيادة قدرها 15% في العام المالي 2019/2020، تراجعت لتكون 14% في العام المالي 2020/2021، وفي عام 2021/2022 تتراجع إلى 13%.
وينظر البعض إلى أصحاب المعاشات من وجهة العدالة الاجتماعية، بأنهم مضارون بشكل كبير، لأن هذه الشريحة من السكان تتعرض لزيادة نفقاتها بشكل كبير مع الوقت، بسبب زيادة نفقات العلاج وغيره من النفقات الأساسية، ومن المنطقي ألا يُحرموا من الزيادة السنوية لمعاشاتهم، كحد أدنى.
وحسب تصريحات وزير المالية، فإن التكلفة الإجمالي للزيادات المقررة في رواتب العاملين وأصحاب المعاشات، ستكون في حدود 37 مليار جنيه مصري، ولكن ثمة مخاوف من قرار الحكومة بهذه الزيادة، لأن الخبرة السابقة، وبخاصة بعد يوليو 2013، أنه مع كل زيادة في الحد الأدنى للأجور، تأتي موجة كبيرة للزيادة في الأسعار، ففي أعقاب قرار رئيس الوزراء الأسبق للانقلاب، حازم الببلاوي، في 2013 بزيادة الحد الأدنى من 700 جنيه إلى 1200 جنيه، أتت القرارات الحكومية الخاصة بزيادة أسعار السلع والخدمات الحكومية بشكل كبير، في الغاز والكهرباء والمياه، والكثير من الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.
وكذلك الحال مع الزيادة التي قررها السيسي بزيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 إلى 2000، أتت موجات متتالية من رفع أسعار العديد من السلع والخدمات، فضلًا عن زيادة مقدار الضرائب، وفرض ضرائب جديدة، مما زاد من حدة الفقر في مصر، حيث وصلت معدلات الفقر في مصر إلى نحو 32.8%، حيث أعلنت الحكومة مؤخرًا أن معدلات الفقر انخفضت إلى 29.8%. لكن نيفين القباح وزيرة التضامن الاجتماعي، أعلنت بأنه يوجد في مصر نحو 8.5 مليون أسرة مصرية تحت خط الفقر. وأن من يحصلون على الدعم النقدي من الأسرة الفقيرة في مصر بحدود 3.8 مليون أسرة فقط.[23]. وهو ما يعني وجود شريحة كبيرة من السكان تعاني من الفقر، وتحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بقضية الأجور والأسعار.
وثمة قراءة أخرى وراء هذا القرار الخاصة بزيادة الحد الأدنى للأجور يتعلق بالضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية، في ضوء ما حصلت عليه من قروض وصلت إلى 8.5 مليار دولار في عام 2020، وبالتالي قد يكون هناك قرارات تتعلق بتخفيض العملة المصرية مرة أخرى، على غرار ما تم في نهاية عام 2016[24]. أو التخلي عما تبق من القليل في فاتورة الدعم بالموازنة العامة للدولة، أو اتخاذ خطوات أسرع في مجال الخصخصة.
وإن كان خيار التعويم للجنيه المصري مرة أخرى، بعيد إلى حد ما، بسبب السياسة التي تتبعها مصر في حماية سعر الجنيه، فالحكومة حريصة بشكل كبير على استقرار سعر الصرف، وإن كان هذا الاستقرار نتيجة تدخل حكومي لا يحتاج إلى توضيح. فما تقوم به الحكومة من زيادة في استثمارات الأجانب في الدين العام الحكومي، الهدف منه حماية سعر الصرف، وكذلك ما تقوم به الحكومة من الاقتراض الأجنبي، وزيادة الاحتياطي الأجنبي، فالهدف منه كذلك حماية سعر الصرف.
فالفاتورة التي تدفعها الموازنة المصرية باهظة التكاليف نظير حماية سعر الصرف، ولذلك قد يكون افتراض التعويم للجنيه المصري مرة أخرى، بعيدة إلى حد ما. ولكن قد تكون القرارات الاقتصادية الأخرى الخاصة بالضرائب أو تقليص ما تبقى من دعم بالموازنة، هو الخيار الأرجح.
العمالة غير الرسمية
القرارات التي أشار إليها وزير المالية بخصوص زيادة رواتب العاملين بالدولة، تجعل من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن العاملين بالدولة لا يمثلون سوى نحو 17.5%، بينما سوق العمل المصري تسيطر عليه العمالة غير الرسمية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن العمالة غير الرسمية تمثل نسبة تصل إلى نحو 70% من الداخلين الجدد لسوق العمل.
ومن العدالة الاجتماعية أن تراعي مثل هذه القرارات الخاصة بزيادة الحد الأدنى للأجور، كافة العاملين بالدولة، في الحكومة والقطاع الخاص والقطاع العام، وسوق العمل غير المنظم، وبخاصة أن العاملين في السوق غير المنظم، يعانون من كثير من المشكلات، التي تتعلق بالحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي، أو التأمين الاجتماعي، فضلًا عن ساعات العمل الطويلة التي يتقاضونها، وغياب وجود أي لوائح أو قوانين تنظم عملهم وتحدد أجورهم.
كما يلاحظ حتى فيما يتعلق بزيادة أجور العاملين في الدولة، أنه قرار اتخذ من جانب واحد، في حين أن المعلوم في مثل هذه القرارات، أنها تتم في إطار ثلاثي، يضم الحكومة وأصحاب الأعمال والنقابات العمالية، ولكن قرار الحكومة المصرية الأخير أتخذ بدون مشاركة النقابات العمالية داخل الأروقة الحكومية، فالحكومة هي من اتخذت القرار.
الطبقات الفقيرة
في الوقت الذي أشار فيه وزير المالية إلى زيادة رواتب العاملين بالدولة وأصحاب المعاشات، فإن هناك فئة أخرى تضاف إلى أصحاب المعاشات، لم تشملهم تصريحات وزير المالية، وهم من يحصلون على معاش الضمان الاجتماعي، أو من يحصلون على معاشات تكافل وكرامة. فهؤلاء يحصلون على مساعدات شهرية شديدة التواضع حوالي 450 جنيه للأسرة المكونة من 4 أفراد، كحد أقصى، ومنهم من يحصل على 120 جنيه فقط، إذا ما كان بمفرده، وهذه المبالغ تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء معدلات التضخم. وتزيد معاناة هذه الفئة من الأسرة أو الأفراد الذين يحصلون على الدعم النقدي الحكومي، إذا ما كانوا من المعاقين، أو من لديهم أبناء في المراحل التعليمية المختلفة.
في الختام، من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن قضية الأجور طرف من معادلة، والطرف الأخر منها هو الأسعار، ولابد من مراعاة طرفي المعادلة.
وافق مجلس النواب خلال جلَساته المنعقدة في مارس/ آذار الماضي، على عدد من مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، أبرزها مشروع قانون الموارد المائية والري، ومشروع قانون بتغليظ عقوبة ختان الإناث، كما وافق على مشروع قانون بإرجاء العمل بالتعديلات الخاصة على قانون تنظيم الشهر العقاري، الذي أثار جدلًا واسعًا لما فيه من أعباء مالية عالية على المواطنين.
كما وافق المجلس على 8 من الاتفاقيات والقرارات الجمهورية تتعلق في معظمها بِقروض وتمويلات إضافية، وقد اعتاد مجلس النواب على الموافقات الدائمة على هذه التمويلات، والتي لا يُرى آثارها في مسار التنمية المصري بشكل واضح.
وفي الحديث عن دور المجلس الرقابي، فقد أجل المجلس مطالبات عشرين نائبًا للتحري في حادث تصادم قطاري سوهاج، بزعم أن التحري بيد القضاء، والذي بدوره لم تصدر عنه أخبار بعد التحفظ على سائقي القطار. كما قدم المجلس طلب استجواب لوزير الإعلام، أسامة هيكل، على خلفية فساد بالشركة المصرية للإنتاج الإعلامي.
ولا يخلو الأمر – بطبيعة الحال- من الاعتراض المتكرر من مجلس النواب على أي انتقاد للوضع الحقوقي في مصر من أي جهة دولية.
مجلس النواب يدين بيان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
أصدرت 31 دولة بيان إدانة مشترك أعربت فيه عن قلقها حيال حقوق الإنسان في مصر، وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ودعت فيه الحكومة إلى الكف عن استعمال قوانين مكافحة الإرهاب في تكميم أفواه المعارضين، كما انتقدت مد فترات الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، وتقليص الحيز المتاح للمجتمع المدنى والقوى السياسية.
قوبل البيان باستهجان بالغ من الحكومة ومن مجلس النواب على السواء. ويرى المجلس، بحسب البيان الذي أصدره في 13 مارس الماضي، أن هذه الدول وقعت في مغالطات كبيرة وأنها يحب أن تستقي معلوماتها من الحكومة المصرية، متغافلًا بذلك عن أن الرواية الرسمية دائمًا ما أثبتت الوقائع عكسها في أكثر من قضية، ولا أدل على ذلك من أن النظام ينفي من الأساس وجود معتقلين سياسيين في سجونه، مع أن أعداد هؤلاء المعتقلين، تُقدر بعشرات الآلاف، وفق منظمات حقوقية محلية ودولية.
يُعتبر البيان الدولي ليس الأول من نوعه حيث أرسلت عدة منظمات دولية خطابًا مفتوحًا للاتحاد الأوروبي في يناير الماضي لمطالبته باتخاذ موقف حاسم حيال حقوق الإنسان في مصر، وهو ما تزامن مع انتقادات من الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الملف نفسه، وقد قوبل ذلك في حينه بتكذيب من مجلس النواب كذلك.
يبدو الأمر بالغ التعقيد، حين يكون المجلس المنوط به محاسبة ومراقبة الحكومة، هو الصخرة التي تتحطم عليها مطالبات الحكومة بشأن احترام حقوق الإنسان، وهو شأن بالغ الأهمية من المفترض أن يكون على رأس أولويات المجلس ومهامه. وإذا كانت المصادر الحكومية مصدقة لدى المجلس رغم ثبوت انتهاكات بشهادة الرأي العام المحلي والعالمي، فكيف له بهذه الصورة أن يمارس دوره الرقابي على أداء الحكومة!
مشروعات القوانين التي أقرها المجلس
- وافق مجلس النواب، برئاسة المستشار حنفي جبالي، خلال الجلسة العامة نهائيًا على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الصادر بالقانون رقم (118) لسنة 1964.[25]
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام تنظيم مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ومجالس إدارة الغرف الصناعية.[26]
ووفقًا لتقرير لجنة الصناعة عن مشروع القانون، فإنه يستهدف إضفاء المشروعية على القرارات والإجراءات التي اتُخذت من قبل مجلس إدارة اتحاد الصناعات ومجالس إدارة الغرف الصناعية بعد انقضاء مدة ولايتهم المنتهية في 5/9/2020.
- وافق المجلس نهائيًا على مشروع قانون إرجاء العمل العمل بالقانون رقم 186 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري حتى 30 يونيو 2023، وتعديل قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 المتضمن إلغاء الفقرتين الرابعة والثامنة من المادة 42 منه وذلك لإلغاء شرط سداد ضريبة التصرفات العقارية للتسجيل وتوصيل المرافق.
وقد جاء ذلك الإجراء لاحقًا لقرار جمهوري بالتأجيل لمدة عامين، بعد حدوث حالة من عدم الاستجابة لدى عموم الناس، نظرًا للأعباء المادية الكبيرة، ومن المفترض أن يمارس المجلس خلال هذين العامين دورًا يتبنى هذا النقاش المجتمعي ويمثل فيه مصلحة المواطن، بعيدًا عن الجبايات التي تمارسها الحكومة.
- وافق المجلس نهائيًا على مشروع قانون تنظيم عمليات الدم وتجميع البلازما لتصنيع مشتقاتها وتصديرها.
- وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون بفتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020/2021.
تبلغ قيمة هذا الاعتماد الإضافي 2 مليار جنيه مصري، وقد تم طلبه، حسب ادعاء وزير المالية، لسد عجز ناجم عن تأثيرات كورونا على الموازنة العامة، وأوضح أن المبلغ سيذهب للصندوق السيادي، دون إيضاح إلى الجهة التي يتم إنفاق المبلغ المذكور فيها، وتم رفض مقترح النائب محمود قاسم بذكر الجهة التي يذهب إليها الاعتماد.
اعتمادات الحكومة المالية التي تطلب من المجلس التصديق عليها، لا تخضع لأي رقابة حقيقية أو مسائلة، وهو نقد دائم لأداء المجلس، ومؤشر على عدم شفافية.
- وافق المجلس على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقى والإفلاس والقانون الصادر به رقم (11) لسنة 2018، وإحالته إلى مجلس الدولة للمراجعة.
- وافق مجلس النواب على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 106 لسنة 1973 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالقطن، والذي يتعلق بأحكام الرقابة على تداول القطن في مجموع مواده، مع إحالته لمجلس الدولة للمراجعة.
ونص مشروع القانون على إضافة مادتين جديدتين؛ الأولى تنص على أنه “يجب على جميع المغازل إثبات كميات وأصناف ورُتب القطن الموجود لديها في سجلاتها، مرفقًا بها بطاقة بيانات صادرة من الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن بشأن تلك الكميات والأصناف والرُتب”، كما نص مشروع القانون على أن الهيئة، في حالة مخالفة المغازل لهذا الحكم، لها الحق في التحفظ على السجلات والأوراق المرفقة بها، وضبط الأقطان محل المخالفة[27].
ونصت المادة الثانية المُضافة على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تجاوز مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام الفقرة الأولى من المادة الأولى المضافة، فضلًا عن مصادرة الأقطان محل المخالفة، وتهدف الحكومة من وراء ذلك إلى إحكام الرقابة على جميع مراحل التداول.
- وافق المجلس على مجموع مواد مشروع قانون الموارد المائية والري، المقدم من الحكومة، وأرجأ أخذ الرأى النهائى عليه إلى جلسة لاحقة.[28]
ونصت التعديلات في المادة 31 على عدم السماح بزراعة الأرز إلا بقرار من وزير الري، كما نصت على عقوبة الحبس لمدة ستة أشهر وغرامة لمن يخالف هذه المادة، وقد نال تاييد عقوبة حبس الفلاحين استهجان بعض الآراء نظرًا لأن الفلاحين محرومون من امتيازات كثيرة وخاصة مع شح المياه.
كما استحدث القانون رسم على استخدام ماكينات الري العامة مقداره خمسة آلاف جنيه، لمدة لا تزيد عن خمس سنوات قابلة للتجديد.
ونصت المادة على أنه «لا يجوز بغير ترخيص من الوزارة إقامة أو تشغيل أي آلة رفع ثابتة أو متحركة تدار بإحدى الطرق الآلية (الميكانيكية) أو غيرها لرفع المياه أو صرفها على مجرى نهر النيل أو المجاري المائية أو شبكات الري والصرف العامة أو الخزانات، سواء لأغراض الري أو الصرف أو الشرب أو الصناعة أو غيرها وكذا رفع المياه من بحيرة ناصر.
- وافق مجلس النواب، على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات فيما يخص تغليظ عقوبة ختان الإناث، بعقوبات تصل للسجن المشدد، وذلك فى مجموع مواده، مع إرساله إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته، وأخذ الرأى النهائى عليه لاحقًا[29].
وجاءت التعديلات بتغليظ عقوبة ختان الإناث للسجن لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرون عامًا، حسب مهنة من يجري الختان هل هو طبيب أم لا، إضافة إلى الضرر الناجم عن هذه العملية.
وقد بدأ تجريم الختان في مصر رسميًا عام 2008[30]، بعقوبة سجن تتراوح بين شهرين وثلاث سنوات، ثم عُدل في 2016 لتكون من ثلاث إلى سبع سنوات، إلا أن هذه التعديلات جاءت مختلفة عما سبقتها في تغليظ العقوبة من جانب، وعدم ترك باب للضرورة الطبية في إجراء عملية الختان.
مسألة الختان كانت تطال نسبة تفوق 90% من نساء مصر وفق مسحات إحصائية أُجريت في أعوام 2014 و 2015، والتي بدأت في الانخفاض شيئًا ما بعد ذلك، خاصة في الفئات العمرية الصغيرة، وهناك جدل فقهي حول المسألة.
الاتفاقيات والقرارات الجمهورية التي أقرها المجلس
- وافق مجلس النواب خلال جلسته العامة اليوم الاثنين، على القرار الجمهوري رقم 26 لسنة 2021 بشأن الاتفاقية بين حكومتي مصر وإيطاليا بشأن المساعدة الفنية لتنفيذ مدينة الروبيكي للجلود الموقعة بتاريخ الثاني من نوفمبر 2020.
تبلغ قيمة المنحة المقدمة من الحكومة الايطالية بموجب هذه الاتفاقية مبلغ ستة ملايين يورو لتنفيذ البرنامج المذكور على دفعتين سنويتين متتاليتين ويختار الطرف الايطالي شركة مراجعة لِمباشرة إجراءات المشتريات والمعاملات المالية المتعلقة بتنفيذ البرنامج.
- وافق المجلس نهائيًا على (4) اتفاقيات دولية :
- قرار جمهوري رقم 76 لسنة 2021 بالموافقة على اتفاقية قرض ثان بمبلغ 55 مليون دينار كويتي بين حكومة جمهورية مصر العربية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية المُعدلة لاتفاقيتي القرض الأول والقرض الإضافي المُوقعتين بينهما بتاريخي 12/7/2018 و 8/12/2018 لتمويل مشروع إنشاء منظومة مياه مصرف بحر البقر .
- القرار الجمهوري رقم 17 لسنة 2021 بشأن الموافقة على تعديل البروتوكول التنفيذي المُوقع في القاهرة بتاريخ 14 يونيو 2001 بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة جمهورية إيطاليا الذي عُدل بتاريخ 10 مايو 2012، وعُدل مرة أخرى من خلال مذكرات شَفهية متبادلة في 2015 بشأن خط الائتمان الإيطالي مع جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر “الصندوق الاجتماعي للتنمية سابقًا”.
- القرار الجمهوري رقم 71 لسنة 2021 بشأن الموافقة على الخطابات المتبادلة بين حكومة جمهورية مصر العربية والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، بشأن تقديم الوكالة منحة للحكومة المصرية بمبلغ 200 ألف يورو لتمويل مشروع “تقوية المعاهد الحكومية المصرية بهدف تحسين الخدمة العامة”.
- القرار الجمهوري رقم 77 لسنة 2021 بالموافقة على اتفاقية قرض بين حكومة جمهورية مصر العربية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمبلغ 5 ملايين و500 ألف دينار كويتي بشأن مشروع إنشاء محطتي تحلية مياه بحر في مدينتي رفح الجديدة وبئر العبد الجديدة.
- القرار الجمهوري رقم 79 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق الشراكة بين جمهورية مصر العربية والوكالة الفرنسية للتنمية لتنفيذ مشروع التعاون الفني لدعم تدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية في المدارس الحكومية المصرية.
- القرار الجمهوري رقم 78 لسنة 2021 بالموافقة على الاتفاق بين جمهورية مصر العربية وبنك الاستثمار الأوروبي بشأن إطار النقل الحضري للبنية التحتية بمصر، الموقع في لوكسمبورج بتاريخ 4/12/2020 وفي القاهرة بتاريخ 13/12/2020، والصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 78 لسنة 2021.
بيان مجلس النواب بشأن تصادم قطاري سوهاج
بعد فاجعة ليست الأولى من نوعها بوقوع حادث تصادم قطاري سوهاج، خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس، والذي نتج عنه 32 من الضحايا، وعشرات المصابين، جاءت مطالبات للمجلس بأداء دوره الرقابي في مساءلة المسؤولين عن هذا القطاع في الحكومة.
قوبل طلب عشرين نائبًا لتشكيل لجنة تقصي حقائق لكشف ملابسات الحادث بالرفض، تحت ذريعة أن الأمر معروض أمام النيابة العامة، ومن ثم تم إرجاء الطلبات المقدمة لحين الانتهاء.
يبدو من أحاديث وزير النقل، كامل الوزير، العسكري المقرب من السيسي، أن الحدث قد مر دون مساس به ولن يجري المجلس عمله في المساءلة، إذ لم تصدر متابعات للأمر من قبل النيابة العامة بعد الإعلان عن توقيف سَائقي القطار ومسؤولي برج المتابعة، كما أعلن الوزير صراحة أنه لن يستقيل من عمله.
المعالجة الحكومية للأمر يظهر فيها تهميش دور المجلس، خصوصًا وأن وزير النقل الحالي من قادة الجيش. وقد وقع حادث مماثل كان أقل تكلفة في الأرواح والضحايا في محطة مصر، وتم على إثره إقالة الوزير السابق بقرار جمهوري، ودون مساءلة كذلك من المجلس في حينه أو اتخاذ أي إجراء.
في المقابل، نجد أنه بالتزامن مع الهجوم على وزير الدولة للإعلام[31]، أسامة هيكل، وذكره بالفشل واتهامه بقضايا اختلاس وفساد، في صحف محلية تابعة لأجهزة المخابرات. فقد استجاب المجلس لطلب النائب، نادر مصطفى، في جلسة 30 مارس لاستجواب وزير الإعلام، على خلفية فساد مالي بالشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، على أن يتم تحديد موعد للاستجواب فيما بعد. وربما هنا يبرز الفرق بين مَن يرعاهم النظام ويحميهم، وبين مَن يتركهم لمنتقديهم حتى لو كانوا جزءًا من السلطة ذاتها.
يَدور الحديث في المحور الفكري والثقافي لشهر مارس 2021م حول موضوعيْن، ارتبط أوَّلهما بالعلاقة بين السلطة والفن، وذلك بعد الإعلان عن بعض الأعمال الفنيَّة التي تُستخدَم في تضليل الشعب المصري من خلال تزييف الحقائق وتزوير التاريخ. وسَلَّط ثانيهما الضوء على النسويَّة في مصر وتأثرها بالنسويَّة الغربيَّة، وذلك بعد وفاة الكاتبة والناشطة النسويَّة المصريَّة «نوال السعداوي»، التي ارتبط ذكرها بالآراء الصادمة والمناقضة للدين والأعراف والتقاليد فيما يَخصُّ حريَّة المرأة وحقوقها.
السلطة والفن وأجواء ما قبل النكسة
في مطلع مارس، أصدرت الهيئة العامَّة للثقافة،التابعة للحكومة الليبيَّة، بيانًا ندَّدت فيه بالفيلم المصري «السرب» الذي يتناول الهجمات التي شنَّها الطيران المصري فيعام 2015م على مواقع ليبيَّة بحجَّة الانتقام من الجماعات الإرهابيَّة. واستنكرت الهيئة الزجَّ بالمحتوى الفني والثقافي في تبرير الاعتداء على الدول وقصف المدن وقتل الأبرياء وتحويل “الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانيَّة والتي تستوجب وقوف أصحابها أمام محكمة الجنايات الدوليَّة إلى بطولات وأمجاد”.[32] واستغربت الهيئة رضوخ المثقفين من مؤلفين وكُتَّاب وفنانين وفنيّين لبَريق المال والشهرة الزائفة على حساب آلام الآخرين.
وبعدها بأيَّام، عبَّر ناشطون أفغان عن غضبهم لتشويه صورة بلادهم من خلال مسلسل «القاهرة كابول» الذي يَتعرَّض لتنظيم «القاعدة» وزعيمه «بن لادن»، وقالت صفحة «أفغانستان بالعربيَّة» إنَّ “أفغانستان تحاول الآن بكلِّ ما لديها أن تفتح صفحة جديدة، ولكن يؤسفنا أنَّ إخواننا العرب يُصِرّون على لصق اسم الإرهاب بأفغانستان حتى تغشش أذهان شعوبهم”.[33]
يأتي هذان العملان ضمن سلسلة من الأعمال الفنيَّة، السينمائيَّة والتلفزيونيَّة والغنائيَّة، التي تقف وراءها الأذرع الإعلاميَّة للنظام الانقلابي، بداية من أغنية «تسلم الأيادي» التي صَدَرت احتفالًا بانقلاب الجيش على الشرعيَّة، ومرورًا بالأغاني التي تتحدَّث عن إنجازات السيسي الوهميَّة، وتزعم تنفيذ العديد من المشروعات التنمويَّة، مثل «حلم جديد» و«الله على مصر». وانتهاءً بمسلسل «الاختيار 2» الذي يَحتفِي بالمشاركين في مجزرة فضّ اعتصام رابعة من الجيش والشرطة.
ويَسعى النظام من وراء تلك الأعمال الفنيَّة لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها ما يلي:
- تزييف الحقائق وتزوير التاريخ للتغطية على جرائمه.
- استحضار العدو الخارجي إلى المشهد لحشد الشعب وراء القيادة.
- تلميع صورة الزعيم وتقديمه في صورة المُنقِذ الذي يحارب الأشرار في الداخل والخارج.
- إيهام الشعب بتحقق حالة من الازدهار والتنمية.
- تشويه صورة المعارضين وتصويرهم في صورة الخونة والإرهابيّين.
- تغيير الصورة النمطيَّة للعدو من خلال استبدال الإرهابيّين بالعدو الصهيوني.
- إشعال حروب وهميَّة يرتفع فيها صوت الوطنيَّة الزائفة الذي يُغطِّي على أيّ مطلبٍ بتحسين الأحوال المعيشيَّة أو أيّ حديثٍ عن حماية مصر من الانهيار.
وقد أثار اعتماد النظام على الفن في تزوير الواقع وتزييف الحقائق إلى إثارة حالةٍ من الجدل حول العلاقة بين الحاكم والفنان وتوظيف السلطة للفنون لتضليل الشعب المصري.
والواقع أنَّ علاقة خاصَّة تربط بين السلطة والفن منذ أقدم العصور، فالفن من أكثر الأساليب الدعائيَّة تأثيرًا وفاعليَّة، حتى إنَّ البعض يَرى أنَّه لا حَظَّ لأيّ رسالة أو دعوة أو ثورة أو حضارة أو ثقافة من الانتشار والبقاء ما لم تُطرَح في شكل فني، لا فرق في ذلك بين الدعوات المُحِقَّة والباطلة. ومن هنا تأتي أهميَّة الفنون بالنسبة للنظم الحاكمة التي تسعى إلى توطيد أركان حكمها وإثبات شرعيَّتها عن طريق توجيه الجماهير واصطناع حالةٍ من التأييد، خاصَّة إذا كانت تلك النظم استبداديَّة، تستغل القوَّة الناعمة في تضليل شعوبها، وللمحافظة على مصالحها الشخصيَّة على حساب المصالح الجمعيَّة، والتي غالبًا ما تكون مصالح الصفوة الحاكمة أو المُنتفِعين من الكذب.[34]
وتسعى هذه الأنظمة – من خلال الدعاية القائمة على التضليل الفني – إلى تعميم قِيَمِها، والتأثير على قِيَم الجماهير ومعتقداتها، وإعادة ترتيب الأولويَّات الوطنيَّة، وامتصاص الانفعالات، وتلميع النظام، وإظهاره في صورة الجهة التي سَتقوم بإشباع حاجات المواطن وتلبية رغباته وتحقيق رفاهيته، وتوجيه ثقافة المواطن لتصبح اهتماماته الأوليَّة هي الأمن والأمان وتوفير الاحتياجات من مأكل ومَشرَب، وتغيير القِيَم والمعايير المنظمة للمجتمع، سواء كانت اجتماعيَّة أو أخلاقيَّة أو دينيَّة.[35]
وفي المقابل، يبحث الفنانون دائمًا عن الشهرة والاستمراريَّة، وهو ما يجذب أكثرهم بشكل تلقائي نحو السلطة الحاكمة التي يمكنها أن توفر لهم ذلك، أيًّا كانت طبيعتها وتوجُّهاتها. ولا يَتورَّع أمثال هؤلاء عن تحويل ولائهم من نظام إلى آخر والتلوُّن من أجل التقرُّب من السلطة والاستفادة منها أو لتفادي الصدام معها حال رفضهم الامتثال لأوامرها. ومن هنا تنشأ علاقة المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة بين الحاكم والفنان.
والمؤسف أنَّ استخدام الفن من جانب النظام الانقلابي في مصر يُذكِّر بدوره في ما قبل هزيمة 1967م، حيث تعرَّض الشعب المصري لعمليَّة تضليل كبرى، شارك فيها أهل الفن بدور ملحوظ، رغبة منهم أو رهبة.
لقد كان الفن – حينها – يُقدِّم صورة لمصر أشبه بصور “الفوتوشوب” في عصرنا الحديث، صورة لا علاقة لها بالواقع، تبدو فيها البلاد جنَّة لمواطنيها، فهي المدينة الفاضلة التي تنعم بالعدل والحريَّة والمساواة تحت حكم العسكر، ويعيش فيها المواطن في رغدٍ من العيش بفضل الزعيم المُلهَم، حتى إنَّ أحدهم بَشَّر المصريّين في أغنيةٍ له بـ”حريَّة واشتراكيَّة ووحدة، مكتوب حروفها بمليون وردة… صناعة كُبرى، ملاعب خضرا، تماثيل رخام على الترعة وأوبرا في كلِّ قرية عربيَّة”. أمَّا العدو فسماؤنا له “محرقة”، وقناتنا له “مغرقة”، وجيشنا على أتمِّ استعداد للقضاء عليه كما صَوَّرت لنا الأفلام التي كانت تُنتَج بطلب من جهاتٍ عليا في الدولة لتمجيد الجيش وتعظيم دور رجاله واستعراض أسلحته الحديثة التي تزيده هيبة وجلالًا. ولكن بدلًا من محاربة الصهاينة في فلسطين، أرسلنا جنودنا للقتال في اليمن، وأنتجنا الأفلام التي تُغطِّي على ما نتكبده من خسائر في المستنقع اليمني وتَبُث الأكاذيب حول الأسرة الحاكمة في اليمن وكلِّ مَن يعارض سياسة النظام المصري، كما في فيلم «ثورة اليمن» (1966م) الذي يُؤرِّخ لمغامرة العسكر في تلك البلاد. وعندما أردنا محاربة العدو الحقيقي، عَرَض التلفزيون المصري الاستعراض الأخير للجيش المصري قبل أيَّام من حرب 1967م، وظهر الزعيم وهو يَتفقَّد جيشه على أنغام أغنية «راجعين بقوَّة السلاح»، التي تقول فيها المطربة: “جيش العروبة يا بطل.. الله معك، ما أعظمك.. ما أروعك.. ما أشجعك”.
وفي النهاية، أفاق المصريُّون على هزيمة مُهِينة، كانت نتيجة حتميَّة للوضع الذي وَصَلت إليه البلاد بسبب فساد العسكر في الداخل ومغامراتهم في الخارج، ذلك الوضع الذي استخدم الفن في إخفاء حقيقته وتجميل ملامحه القبيحة. يقول «صلاح جاهين» عن دور أهل الفن في عهد العسكر، وكيف أنَّهم كانوا أداة لخداع الشعب: “جينا نغني للناس.. فغنينا عليهم”. وقد صَدَق، فقد كان الفن أداة للتغطية على كوارث النظام، ومنها حرب اليمن التي أرهقت الجيش المصري، وفقدنا فيها الأرواح والسلاح والأموال، ومع ذلك غنوا لها: “رحلة نصر جميلة، مشوار كلّه بطولة”. وفي الوقت الذي كانت الإذاعة تذيع فيه أغنية «يا أهلًا بالمعارك»، كان الصهاينة قد استولوا على سيناء وسَقط الآلاف من جنودنا بين قتيل وجريح وأسير.[36]
والآن، ما أشبه الليلة بالبارحة، فها هو النظام الانقلابي العسكري الحالي يَخوض المعارك في الداخل والخارج، ويَقتنِص الانتصار تلو الانتصار، ويُحقِّق الإنجاز تلو الإنجاز، ولكن في أفلامه ومسلسلاته وأغنياته. أمَّا الحقيقة فلا تتجاوز حدود الوَهْم الذي يبيعه النظام للشعب من خلال أذرعه الدعائيَّة، وفي مقدمتها الفن.
النسويَّة المصريَّة.. إنصاف للمرأة أم تقليد للغرب؟
تُعدُّ قضيَّة المرأة والدفاع عن حقوقها من أهم القضايا المثارة في عصرنا الحديث وأكثرها جدليَّة، وذلك بعد أن تطوَّرت هذه القضيَّة من مجرَّد دعوة للمطالبة بحقوق المرأة إلى حركة للتمركز حول الأنثى والتعامل معها وكأنَّها كائن غريب عن الرجل ولا تربطهما أيُّ روابط إنسانيَّة مشتركة. وقد سُلِّط الضوء على هذه القضيَّة في شهر مارس الذي شهد وفاة واحدة من أشهر النسويَّات العرب، وهي الكاتبة المصريَّة «نوال السعداوي»، التي توفيّت في الشهر المُنقضِي بعد حياةٍ طويلةٍ لم تخلُ من الجدل والصخب بسبب آرائها وأفكارها الصادمة، خاصَّة فيما يَتعلَّق بالمرأة ومساحات الحريَّة التي يجب أن تحظى بها، وهي الأفكار التي تجاوزت – في كثير من الأحيان – حدود الرأى إلى الطعن في الثوابت الدينيَّة والخروج على الأعراف والتقاليد.
كانت السعداوي ترى أنَّ الدين والمجتمع يَتعمَّدان تجاهل وإقصاء دور المرأة وتأثيرها في تاريخ الأمَّة أجمع؛ لكونها “امرأة”، وأنَّه لابد من “تحرير” المرأة من خلال تغيير قناعات المجتمع حول بعض الأمور المرتبطة بالحريَّة المُطلَقة، كمفهوم “الشرف” الذي يَنبغِي أن “ينبع من العقل والفكر”، و”لا علاقة له بعذريَّة المرأة”، وأنَّ إجهاض الجنين “حلال”، وذلك في إطار حريَّة الجسد الذي يُعدُّ مِلكًا لصاحبه، فلا سلطة يفرضها الدين والمجتمع على صاحبه، ولا علاقة لرجل الدين به.[37] وتتماهى هذه الآراء وغيرها مع معتقدات الحركة النسويَّة الغربيَّة، وتضعنا أمام تساؤل حول الهدف من مثل هذه الأفكار والمعتقدات التي تتبنَّاها النسويَّات في عالمنا العربي، وهل تهدف إلى إنصاف المرأة حَقًّا أم إلى استلهام النموذج الغربي المُستنِد إلى موروثه الخاص وواقعه الثقافي والاجتماعي المغاير ومحاولة توطينه في بيئتنا العربيَّة المسلمة التي لا يمكن أن ننكر حقيقة ما تتعرَّض له المرأة فيها من مظالم وانتهاكات لحقوقها التي أقرَّها الإسلام وأضاعتها ممارسات بعض مُعتنِقِيه.
والنسويَّة حركة ظهرت في الغرب للمطالبة بحقوق المرأة في الجوانب الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، ويَعتقِد أنصارها بأنَّ “المرأة لا تُعامَل على قدم المساواة – لا لأيِّ سبب سوى كونها امرأة – في المجتمع الذي يُنظِّم شئونه ويُحدِّد أولوياته حَسَب رؤية الرجل واهتماماته”.[38] وتطوَّرت بمرور الوقت لتتحوَّل إلى اتجاه مناهض للثنائيَّة المتمركزة حول الإنسان الرجل/المرأة، وتقوم فكرته على التمركز حول الأنثى، والدعوة إلى الاستغناء التام عن الرجل. وتدور حول اضطهاد الرجل للمرأة وضرورة مجابهته، وتسعى جاهدة بكلِّ الوسائل الصحيحة والفاسدة للوصول إلى نصرة المرأة في صراعها مع الرجل.[39]
نشأت النسويَّة كردَّة فعل عكسيَّة على ما كانت تعانيه النساء من دونيَّة في العالم الغربي، تلك الدونيَّة التى استندت إلى ميراث فلسفي وديني يَحتقِر المرأة ويزدريها، ويتمثل فيما يلي:
- نظرة الفلاسفة القدماء للمرأة، فقد كانوا يُصنفونها ضمن العبيد والأطفال والمخبولين، أو مع الحيوانات، ويَرون أنَّه لا يُمكِنها تحديد صالحها، فهي جنس خُلِق من أنفس الرجال الشريرة، ومن أنفس غير العقلاء.
- الموقف من المرأة في العهديْن القديم والجديد، فهي أصل الخطيئة الأولى، وسبب طرد الإنسان من الجنَّة، وهي لعنة ومصدر للشر، ومحرومة من الميراث والتعليم، وتورث كالمتاع.
- نظرة رجال الكنيسة للمرأة، فهي مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، بل هي الشيطان ذاته. حتى إنَّهم اختلفوا في طبيعتها، وهل هي إنسان أم لا؟ وهل لها روح أو ليس لها روح؟ فقرَّروا أنَّها إنسان لكن لها روح دنيئة وخالية من الروح الناجية، وأنَّها خُلِقت لخدمة الرجل، ولا تشاركه، ولا تساويه.[40]
أثرت هذه النظرة الفلسفيَّة الدينيَّة على وضع المرأة في العالم الغربي، حيث عانت من الاستغلال الجشع في أماكن العمل، وتعرَّضت للامتهان والابتزاز في تعاملاتها الاجتماعيَّة، ولهذا فقد نادت الموجة الأولى من النسويَّة بحَقِّ المرأة في التعليم والملكيَّة والطلاق والعمل والمساواة أمام القانون والمشاركة السياسيَّة. ثم جاءت الموجة الثانية التي أكَّدت على دونية المرأة، ومحاربة الرؤية الذكوريَّة التي ترى هذه الدونية أمرًا طبيعيًّا. أمَّا الموجة الثالثة فقد انطلقت أنشطة النسويَّات فيها من المؤسَّسَات الثقافيَّة والفكريَّة التي أصدرت الدراسات التي تنتقد الذكوريَّة وتسعى لإحلال الرؤية النسويَّة للعلوم المختلفة. ودَعَت النسويَّة خلال مسيرتها إلى مجموعة من المبادئ والأفكار، أبرزها الحريَّة المُطلَقة للمرأة، والمساواة بين الجنسيْن، والقول بنسبيَّة القيم والأخلاق وقابليتها للتغيير بما يَخدِم الطرح الأساسي وهو الحريَّة.
تركت النسويَّة الغربيَّة آثارها على الأديان والفكر والمعرفة والمجتمع والأفراد، فأمَّا الأديان فأبرز تأثيرات النسويَّة عليها هي إخضاعها للدراسة من منظور نسوي، والتعديل عليها لإزالة التمييز ضد المرأة حَسَب رأي النسويَّات، ثم ما لبثت أن وَصَلت إلى البحث عن دين نسوي. وأمَّا تأثيراتها على المعرفة والفكر فأهمها دخول النسويَّة في مجالات مثل النقد الأدبي والتاريخ واللغة، وذلك بدعوتها إلى تحليل ووَصَف الطرق المُستخدَمة في الأدب والتي تصور الهيمنة الذكوريَّة، وإعادة قراءة التاريخ وكتابته من منظور نسوي، وصياغة اللغة بحياديَّة. كما أثرت على المجتمع والأفراد، فقد أفقدت المرأة توازنها، وجَعَلت منها سلعة، وانتقصت من قدر الزواج وأهميته، وقلَّلت من شأن الأمومة ووظيفتها.[41]
عرف العالم العربي الأفكار النسويَّة من خلال الاحتكاك بالغرب والتأثر بثقافته، ويُمكِن تقسيم تأثره بهذه الأفكار إلى ثلاث مراحل، تميَّزت أولاها بالبحث عن حقوق المرأة مع تجنُّب إثارة قضايا تناقض الثوابت الدينيَّة وعدم نسبة ما تلاقيه المرأة الشرقيَّة من ظلم وما تعانيه من تخلُّف إلى الدين. وانتقل موضوع الحقوق في الثانية إلى ميدان المواجهة مع المعتقدات الإسلاميَّة، كالمنادة بالقضاء على الحجاب، وإباحة الاختلاط، وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة زواج المسلمة من المسيحي. أمَّا الثالثة فقد اتسمت بالانتقال من نمط الحياة الظاهري والعملي للمرأة الغربيَّة إلى استلهام الرؤى الفلسفيَّة الغربيَّة وجعلها عقيدة للمرأة في حركتها ووضعها ومطالبها.
ظهر تأثر النسويَّة العربيَّة بالنسويَّة الغربيَّة في دعوتها إلى التعامل مع القرآن الكريم بنفس الآليَّات التي تعاملت بها النسويَّة الغربيَّة مع الكتاب المقدس، فقد دَعَت إلى إعادة قراءة النصِّ القرآني، وإخضاع النصوص القرآنيَّة والنبويَّة للنقد التاريخي والفكري وتأويلها تأويلًا متعسفًا لتتناسب مع مفهوم حقوق المرأة في الغرب. ولم تكتف بهذا، فقد خالفت نصوص القرآن مخالفة صريحة، ووَصَل الأمر ببعض النسويَّات إلى الدعوة إلى نبذ الدين والهجوم على القِيَم الإسلاميَّة والتشكيك في صِحَّة الدين، حتى إنَّ نوال السعداوي زعمت أنَّ التزام المرأة المسلمة بالقِيَم الإسلاميَّة رِدَّة حضاريَّة تستدعي مواجهة نسويَّة بكلِّ السبل الممكنة. ورفعت النسويَّات في مؤتمرهن – الذي عُقِد بوزارة الثقافة المصريَّة بالتعاون مع الأمم المتحدة عام 2002م – شعارًا تضمن خمس لاءات: لا للدين، لا للرجل، لا للحجاب، لا للزواج، لا لختان النساء.[42]
وفي إطار هذا التأثر، قامت النسويَّة العربيَّة بتسويق العديد من الأفكار والشعارات تحت مِظلَّة الدعوة لحقوق المرأة، تعرَّضت فيها لثوابت الدين والمنظومة الأخلاقيَّة التي تدور في فلكه، ومنها:
- اتهام الدين بأنَّه السبب في تخلُّف المرأة واضطهادها، وأنَّه كرَّس دونيَّة المرأة، واستدلوا على ذلك بقوامة الزوج، وجواز تعدُّد الزوجات، والتفرقة في الميراث.
- الدعوة إلى المساواة المُطلَقة في الإرث، وفي الطلاق، وفي الحياة الجنسيَّة، ورفض تعدُّد الزوجات.
- الزعم بأنَّ نظام الزواج ونظام الأسرة أبوي ذكوري يسلب المرأة حريَّتها واستقلالها، وينحاز للرجل، ويعطيه الحَقَّ في إخضاع المرأة.
- الدعوة إلى الحريَّة الشخصيَّة للمرأة في كافة المجالات، بحيث تكون للمرأة حريَّة مطلقة في كلِّ شئونها، بما في ذلك حريَّة التصرُّف في جسدها.
كانت آراء النسويَّات العرب صَدَى لأفكار نسويَّات الغرب ومعتقداتهن، وتجاهلت صاحباتها ما كفله الإسلام للمرأة من حقوق وامتيازات لم تحظ بها من قبل، فقد منح الإسلام للمرأة حريَّة الإيمان والعقيدة، وألزمها بعبوديَّة الله، وهي أرقى مراتب الحريَّة التي تحررها من سيطرة الهوى والشهوة، وكفل لها حريَّات كثيرة، منها الحريَّة الاجتماعيَّة التي تمكنها من اختيار الزوج، والحريَّة الاقتصاديَّة التي تمكنها من الإرث والتملُّك والتصرُّف والبيع والشراء، وحريَّة الفكر التي تمكنها من التعلُّم، وأتاح لها الحريَّة في إبداء الرأي.أمَّا الحريَّة المُطلَقة التي يدعو إليها قطاع كبير من الحركة النسويَّة فهي حريَّة اتباع الشهوات والانقلاب على القِيَم والأخلاق، خاصَّة حينما تدور حول حريَّة التصرُّف في الجسد.
وإذا كانت المساواة هي لُبُّ الدعوات النسويَّة، فإنَّ الإسلام سَاوى بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانيَّة، وسَاوى بينهما في التكاليف الشرعيَّة وما يتبعها من ثواب وعقاب، وسَاوى بينهما في الحقوق السياسيَّة والاقتصاديَّة.أمَّا المساواة النسويَّة فإنَّها تتجاهل الفروق التكوينيَّة بين الرجل والمرأة، وتغفل عن الحكمة الإلهيَّة في قيام الحياة على جنسيْن يكمل أحدهما الآخر، ولا ينوب عنه في خصائصه وأعبائه.
لقد تعرَّضت المرأة في عالمنا العربي والإسلامي للظلم، وفقدت الكثير من حقوقها، ولكن استنساخ التجربة الغربيَّة لن يرفع هذا الظلم ولن يُعِيد إليها حقوقها، لأنَّ التجربة الغربيَّة هي نتاج ظروف خاصَّة أدَّت إلى قيام تلك الحركة النسويَّة التي لا تخلو من انحرافات في جانبيها النظري والتطبيقي، في حين أنَّ ما تعانيه المرأة المسلمة نابع من التمسُّك بتقاليد وأعراف لا علاقة لها بالدين الذي خصَّها بحقوق لا مثيل لها في الثقافات الأخرى.
من جديد، ضياء رشوان نقيبًا للصحفيين..
بعد أيام من مرور الذكرى الثمانين على تأسيس نقابة الصحفيين المصريين، فاز الكاتب ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بمنصب نقيب الصحفيين لدورة جديدة قادمة، بعد أن حصل على 1965 صوتًا، من أصل 3844 صوتًا انتخابيًا صحيحًا، في انتخابات التجديد النصفي للنقابة.[43]
كذلك فاز من المرشحين على مقاعد تحت السن، أيمن عبد المجيد، الذي حصد أعلى الأصوات بين جميع المرشحين، بإجمالي 1864 صوتًا، بالإضافة إلى الصحفية دعاء النجار، التي فازت بإجمالي 1078 صوتًا، والتي تدخل مجلس النقابة للمرة الأولى بعد مرات ترشح سابقة. هذا فضلًا عن فوز محمد سعد عبد الحفيظ، بإجمالي 1045 صوتًا.[44]
وكان المنافس الأقوى لرشوان في هذه الانتخابات هو الكاتب رفعت رشاد، الذي حاز 1506 صوتًا، بالإضافة إلى الكاتب كارم يحيى، الذي يحظى بدعم عدد من الصحفيين المستقلين، هذا بالإضافة إلى أسماء تشارك كل انتخابات على مقعد النقيب، وهم سيد الإسكندراني وطلعت هاشم ورفعت رشاد الخاسر أمام رشوان في الدورة النقابية السابقة، والصحفي محمد مغربي.[45]
لكن في المقابل، تغيب عدد من الصحفيين غير المحسوبين على النظام الحاكم، ومنهم خالد البلشي، مقرر لجنة الحرية في الدورة النقابية قبل السابقة، وعمرو بدر، مقرر لجنة الحريات في الدورة النقابية السابقة، وجمال عبد الرحيم.
عُقدت انتخابات نقابة الصحفيين في أجواء غير طبيعية، حيث يقبع عشرات الصحفيين خلف القضبان، محرومين من أدنى مقومات الحياة، هذا فضلًا عن حرمانهم من حقهم في اختيار نقيبهم بطبيعة الحال.
فوفق آخر إحصاء صادر عن المرصد العربي لحرية الإعلام، فإن هناك 15 صحفيًا نقابيًا قابعين خلف القضبان، كما أن هناك عددًا آخر من الصحفيين والمصورين والإعلاميين الذين لم يسجلوا عضويتهم في النقابة بعد، ليصل بذلك العدد الإجمالي للإعلاميين المصرين المعتقلين إلى 76 صحفيًا نقابيًا وغير نقابي.[46] وكان آخرهم الكاتب جمال الجمل، الذي اعتُقل في 23 فبراير/ شباط 2021 فور وصوله إلى مطار القاهرة قادمًا من مدينة إسطنبول.[47]
كذلك انعقدت الجمعية العمومية للصحفيين المصريين خارج مبنى نقابتهم للمرة الأولى؛ وذلك تحت دعوى ضيق مبنى النقابة، وعدم قدرة الإدارة على أخذ الإجراءات الوقائية فيه، في ظل الموجة الثالثة لانتشار فيروس كورونا، حيث أُغلق مبنى نقابة الصحفيين في وجه الأعضاء، وأجريت الجمعية العمومية والانتخابات داخل مبنى نقابة المعلمين بمحافظة الجيزة.[48]
وبالتأكيد، فإن انعقاد انتخابات حرة نزيهة تحت حكم نظام شمولي هو أمر غير وارد، حيث تحاول النظم الاستبدادية تطبيع كل مؤسسات الدولة بطابعها. ولأن النقابات من الممكن أن تلعب دورًا مزعجًا للنظام الحاكم، فإن ضمان عدم خروج هذه المؤسسات عن طوعه، يعد أحد أهم أهداف النظام على المستوى الداخلي.
في هذا السياق، وقبيل عقد انتخابات نقابة الصحفيين، أعلنت وزارة المالية المصرية، زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا لأعضاء نقابة الصحفيين بنسبة 20%، اعتبارًا من بداية السنة المالية الجديدة، وبالتحديد من أول يوليو/ تموز المقبل، وذلك بقيمة 420 جنيهًا، لترتفع بذلك قيمة البدل الذي يحصل عليه الصحفيون شهريًا من 2100 جنيه إلى 2520 جنيهًا.[49]
وبالطبع، فإن هذه الخطوة تأتي في سياق دعم أجهزة النظام لضياء رشوان، النقيب الحالي ورئيس “الهيئة العامة للاستعلامات” التابعة لرئاسة الجمهورية، الذي لوح بهذه الزيادة منذ اليوم الأول لإعلانه خوض الانتخابات على منصب النقيب. كما صرح رشوان قبل أيام قليلة، أنه متفائل بدعم الدولة للصحفيين، موضحًا أنه جارى الحديث مع مؤسسات الدولة بشأن زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا، ومضيفًا: “كل مرة أطلب من الحكومة أى زيادة يتم الموافقة عليها”، وذلك خلال برنامج “على مسئوليتى” المذاع على قناة “صدى البلد”، والذي يقدمه المذيع المقرب من السلطة، أحمد موسي.[50]
ولذلك، أشار كارم يحيى – الذي نَافَس رشوان على مقعد النقيب- إلى هذه النقطة، حيث وعد في برنامجه الانتخابي بالسعي من أجل “تحرير زيادة البدل من التلاعب والفساد والإفساد” ورهنه بتوقيت الانتخابات. كذلك أرسل يحيى إلى كل من رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ووزير المالية محمد معيط، ورئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات خالد ميري، مطالبًا إياهم بجعل زيادة البدل مقننة، بحيث تتم بشكل سنوي تلقائي، بعيدًا عن أن تكون مرتبطة بانتخابات النقابة، وأن تكون هذه الزيادة السنوية ضمن ميزانية الدولة لكلّ عام.[51]
وهذه ليست المرة الأولى التي تربط فيها الحكومة زيادة البدل للصحفيين بموعد الانتخابات، حيث دأبت الأنظمة على استخدام هذه الزيادة كوسيلة ضغط على الصحفيين تهددهم بوقفها في أيّ وقت، وتدعم من خلالها المرشح الذي يمثلها. وقد كتبت الباحثة الأمريكية ماريام بيرغر، في 2013، دراسة عن هذا الأمر بعنوان ” دور ثوري أم من بقايا الماضي: مستقبل نقابة الصحفيين المصريين بعد ثورة 25 يناير”.
حيث قالت: “بدأ نظام البدل عام 1981 كوسيلة لتزويد الصحفيين بمصدر إضافي للدخل يساعد في تدريبهم وتطويرهم تكنولوجيًا. مع ذلك، ولأسباب عدة، تحول إلى مصدر أساسي أو حيوي إضافي للسيولة المالية شهريًا. ومع كلّ انتخابات، يعد مرشحون في حملاتهم بزيادة البدل، وذلك في استكمال لدائرة تبعية الصحفيين وقادة النقابة للحكومة. وهكذا يطيل البدل من أمد حالة الفساد كأمر واقع”.[52]
التدخل الحكومي في انتخابات النقابة لم يتوقف عند استغلال زيادة البدل للصحفيين، بل حاول رشوان مغازلة أعضاء النقابة الذين تشغلهم قضايا الاستقلال المهني وحرية التعبير. ولذلك، أفرجت قوات الأمن عن بعض الصحفيين المعتقلين، من بينهم إسلام الكلحي الصحفي في موقع “درب” صاحب التوجه اليساري، ورئيس تحرير صحيفة “البورصة” مصطفى صقر، والصحفي المتخصص في الشأن القضائي، حسن القباني، الذي سبق أن اختفى قسريًا لعدة أيام بعد اعتقاله، وعُذِّب في مقرات الأمن الوطني قبل إيداعه بسجن العقرب شديد الحراسة.[53]
وكما أن زيادة البدل أتت بعد وعود رشوان للصحفيين بها، أتى الإفراج عن الصحفيين السابق ذكرهم بعد منشور لرشوان في صفحته على “فيسبوك” جاء فيه: “أخبار سارة خلال ساعات تخص بعض زملائنا المحبوسين احتياطيًا”، مرفقًا بوسوم “ضياء رشوان نقيبًا للصحفيين” و”انتخابات نقابة الصحفيين” و”كرامة الصحفي”.[54]
ورغم نفي رشوان أن يكون الإفراج مرتبطًا بانتخابات النقابة، حيث كتب لاحقًا أن “السعي للإفراج عن الزملاء المحبوسين احتياطيًا، ليس مناسبة انتخابية ولا هو جهد عارض، بل هو واجب دائم أقوم به في كل الأوقات”؛[55] إلا أن للتوقيت دلالته التي لا يمكن نفيها بأي حال. ومن المعلوم أن سلطات النظام لن توافق على مطالب إخلاء سبيل بعض المعتقلين، إلا إذا كانت تربطها مصالح مع الجهة صاحبة هذه المطالب.
إذن، فكما كان متوقعًا، فاز ضياء رشوان بدورة جديدة في منصب النقيب، بعد دعم مؤسسات النظام المتعدد الأوجه له. وكشفت الانتخابات عن أن اهتمامات قطاع كبير من الصحفيين القابعين تحت القبضة الأمنية في مصر، تتلخص في البحث عن المزايا المادية والخدمات، في تصالح مع سقف الحريات المنخفض جدًا، وقناعة منهم بما تسمح به أجهزة الأمن من قرارات إفراج محدودة عن زملائهم المحبوسين تعسفيًا.
النظام يوسع قبضته على الإعلام..
منذ وقوع الانقلاب العسكري في عام 2013، أولى قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، أهمية خاصة إلى الإعلام، حيث أغلق كل القنوات التي من الممكن أن تعارض انقلابه منذ اللحظة الأولى، كما بدأ ببسط سيطرته الكاملة على جميع الوسائل الإعلامية، لتتبع كلها ذات السياسة والنسق، بل وتتحدث بنفس العبارات.
ورغم أن الغالبية العظمى من القنوات التي يملكها رجال الأعمال، وقفت خلف الانقلاب منذ البداية، في الترويج له وتبرير سياساته ومهاجمة معارضيه والتحريض عليهم، بل إن هذه القنوات كانت جزءًا رئيسًا في التمهيد للانقلاب؛ إلا أن ذلك لم يشفع لمالكي هذه القنوات. حيث قرر السيسي أن ذلك ليس كافيًا، وبدأ في بسط سيطرته المباشرة على هذه الوسائل الإعلامية واحدة تلو الأخرى عبر استحواذ شركات تابعة للأجهزة السيادية على هذه القنوات.
فعلى سبيل المثال، اضطر رجل الأعمال نجيب ساويرس، في 2016، بيع شبكة قنوات (ON TV) لشركة “إعلام المصريين” التي كان يملكها حينها أحمد أبو هشيمة، أحد واجهات النظام في مجال ريادة الأعمال، ثم نقلها أبو هشيمة بدوره إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لأجهزة أمن النظام.[56]
كما حدث ذات الأمر في 2017 مع السيد البدوي رئيس شبكة قنوات “الحياة”،[57] ثم مع رجل الأعمال محمد الأمين، المالك لشبكة قنوات (CBC)، في سبتمبر/أيلول 2018.[58] كما باع البرلماني الأسبق سعيد حساسين قناة “العاصمة”، إلى شركة “فالكون”، والتي ترأسها المتحدث العسكري السابق، محمد سمير.[59]
وخلال شهر مارس/ آذار الماضي، بسط السيسي سيطرته على وسائل إعلامية جديدة، منها قناة المحور، المملوكة لرجل الأعمال، حسن راتب، المعروف بولائه للسلطة الحاكمة منذ عهد الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك. حيث باع “راتب” القناة لرجل الأعمال، وعضو مجلس الشيوخ، محمد منظور، والذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس حزب مستقبل وطن، المعروف بتبعيته لجهاز المخابرات.[60]
ووفق الصحف المصرية، فإن “منظور” قد حصل على نصف أسهم قناة المحور، في الوقت الذي توزعت فيه بقية النسب على إحدى الجهات الإعلامية الرسمية، التي لم يُذكر اسمها، بالإضافة إلى شركة النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامي.[61]
ولم يقف الأمر عند قناة المحور، بل تم تداول أنباء عن رضوخ رجل الأعمال، صلاح دياب، لضغوط السلطة، وتنازله لإحدى الجهات السيادية عن ملكيته لصحيفة “المصري اليوم”، إحدى أشهر الصحف الخاصة في مصر. ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر متطابقة أن عملية بيع الصحيفة في مراحلها الأخيرة، حيث يضع الطرفان اللمسات النهائية قبل توقيع العقود.[62]
وما يؤكد أن بيع “دياب” لصحيفة المصري اليوم – أحد أهم ممتلكاته- يأتي على غير رغبة منه، هو تعرضه لضغوط منذ فترة من قِبَل النظام. حيث حُبِس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مع نجله و12 رجل أعمال آخرين، على خلفية عدة اتهامات بينها الفساد وحيازة أسلحة، ولاحقًا قررت المحكمة التحفظ على أمواله.[63]
كما أحالته النيابة المصرية إلى المحاكمة الجنائية بتهمة حيازة أسلحة وذخيرة، ثم أخلي سبيله بكفالة 50 ألف جنيه (3194 دولارًا)، قبل أن يصدر حكم ببراءته في سبتمبر/ أيلول 2017.[64] لكن عاد النظام لاعتقال “دياب” مرة أخرى في سبتمبر/ أيلول الماضي، ووجهت إليه اتهامات بمخالفات في بناء مصنع مملوك له، فضلًا عن الهجوم الإعلامي عليه من مذيعين مقربين من السلطة.
مقالات “إعلام البغال”..
ورغم هذه السيطرة الواسعة، فإن إعلام النظام المصري قد فشل في مهمته إلى حد بعيد، وذلك بشهادة أشخاص من النظام نفسه، وعلى رأسهم السيسي، الذي صرح في السابق أن الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، كان محظوظًا بإعلامه، في إشارة إلى عدم رضاه على أداء أذرعه الإعلامية.[65]
وفي السياق ذاته، كتب أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا، الشهر الماضي، سلسلة مقالات تحت عنوان “إعلام البغال: من أحمد موسى إلى كرم جبر!!” وخلال مقالاته، وجه “ندا” انتقادات لاذعة إلى الأداء الإعلامي للنوافذ الإعلامية التابعة للنظام، واصفًا إياها بـ”كائن مسخ وظيفته أن يكون مطية لمن يملك المال والحكم، أو هما معًا”، ومشيرًا إلى أن “إعلام البغال يمثل أحيانًا دور الحمار الطموح الذي يبغي تحقيق أهداف لا يقدر عليها، فيرجع في الغالب مهزومًا جريحًا”.[66]
وخلال مقال له نشره مؤخرًا قال إنه الأخير، اقترح “ندا” على السيسي عودة وزارة الإعلام واستبعاد معظم الوجوه الإعلامية الحالية.
مقالات الأستاذ الجامعي، ورغم أنها تتبنى إصلاح النظام من الداخل؛ إلا أنها هوجمت بشدة وأُوقف “ندا” عن عمله بالجامعة، كما أُحيل للتحقيق بقرار من النائب العام المصري،[67] الأمر الذي أكد على أن السلطة تضطهد أي صوت يخرج عن خطها العام، حتى لو كان يهدف إلى تحسين صورة النظام نفسه.
المصادر
[1] الشرق الأوسط، ما نعرفه عن السفينة الضخمة العالقة في قناة السويس (صور)، 28 مارس/آذار 2021
[2] BBC news، قناة السويس: عشرات السفن تنتظر فك الازدحام المروري بعد تعويم السفينة الجانحة، 27 مارس/ آذار 2021
[3] BBC news، قناة السويس: من سيدفع مليارات الدولارات من الخسائر بعد جنوح السفينة إيفرغيفن؟ – الغارديان، 31 مارس/ آذار 2021
[4] الحرة، من يدفع تعويضات أزمة قناة السويس؟.. خبراء يجيبون، 29 مارس/آذار 2021
[5] الجزيرة، هيئة قناة السويس تعلن تعويم السفينة الجانحة واستئناف الملاحة في القناة، 29 مارس/آذار 2021
[6]وكالة الأناضول، أسعار النفط تتراجع مع نجاح تعويم السفينة العالقة في السويس،29 مارس/آذار 2021
[7] BBC news، قناة السويس: من سيدفع مليارات الدولارات من الخسائر بعد جنوح السفينة إيفرغيفن؟ – الغارديان، 31 مارس/ آذار 2021
[8] موقع هيئة قناة السويس، معاهدة القسطنطينية، تاريخ الوصول 5 إبريل/ نيسان 2021
[9] Daily Sabah، تركيا تعرض على مصر المساعدة في تعويم السفينة العالقة بقناة السويس، 26 مارس/آذار 2021
[10] مصراوي، “تركيا: قد نتفاوض مع مصر على ترسيم الحدود البحرية، 03 مارس/آذار 2021
الجزيرة، “إشارات تركية متكررة بالتقارب.. فماذا تنتظر مصر؟، 10 مارس/آذار 2021.
الجزيرة، وصف مصر بأنها “قلب العالم العربي”.. قالن: يمكن فتح صفحة جديدة في علاقة أنقرة بالقاهرة ودول الخليج، 8 مارس/آذار 2021
[11] الجزيرة نت، قنوات المعارضة المصرية بتركيا تعلن وقف عرض حلقات برامج سياسية.. ما الذي حدث بالضبط؟، 19 مارس/آذار 2021
[12] TRT عربي، عقب تهديدات السيسي هل يمكن أن تلجأ مصر للخيار العسكري في ملف سد النهضة؟، 30 مارس/آذار 2021
[13] وكالة الأناضول، “مصر.. تدشين لجنة لمخاطبة الرأي العالمي في ملف سد النهضة، 23 مارس/آذار 2021
[14]الجزيرة، “هنخرم السد”.. إعلامي مصري يستعرض حلولا عسكرية لأزمة سد النهضة، 25 مارس/آذار 2021
[15] عربي 21، أبرز محطات أزمة سد النهضة مع مرور 10 سنوات عليها، 22 مارس/آذار 2021
[16]BBC، قناة السويس: توقف الملاحة “يعطل بضائع بقيمة 9.5 مليار دولار يوميًا، 26/3/2021.
[17]مصراوي، النفط يرتفع 2% مع مخاوف تعطل الامدادات يتعليق الملاحة بقناة السويس، 26/3/2021.
[18]وكالة الأناضول، تراجع إيرادات قناة السويس 3.2 بالمئة خلال 2020، 3/1/2021.
[19]مصراوي، الزراعة: إمداد سفن الحيوانات العالقة في قناة السويس بـ 310 ألاف طن أعلاف، 29/3/2021
[20]الميادين: منظمة أممية: خسائر تعطيل الملاحة بقناة السويس تقدر بـ 9 مليار دولار، 30/3/2021.
[21]CNN، رئيس قناة السويس: سفينة ايفير غيفن لن تغادر مصر قبل سداد تعويضات ستزيد عن ملسار دولار، 1/4/2021.
[22]روسيا اليوم، مصر.. الحكومة تكشف تفصيل رفع أجور ومعاشات المواطنين، 16/3/2021.
[23]بوابة الأهرام، وزيرة التضامن الاجتماعي: تطوير أول قاعدة بيانات عن الأسر الفقيرة تشمل 8.5 مليون أسرة ، 1/2/2021.
[24]الجزيرة نت، ما تأثير رفع الحد الأدنى للأجور على المصريين، 19/3/2021.
[25] الأهرام. النواب يوافق على تعديلات قانون إنشاء الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة . 1 مارس .
[26] مجلس النواب الموقع الرسمي، الحصاد الشهري لمجلس النواب 28 فبراير ـ 3 مارس
[27] الأهرام. مجلس الوزراء يوافق على تعديل قانون اختبارات القطن لضمان إحكام الرقابة على التداول
[28] الموقع الرسمي لمجلس النواب، حصاد الأسبوع الأخير من شهر مارس
[29] اليوم السابع، مجلس النواب يوافق على تغليظ عقوبة ختان الإناث، 28 مارس 2021،
[30] BBC. ختان الإناث هل تشديد العقوبة هو الحل. فبراير 2021. https://bbc.in/3wuK5hs
[31] مصراوي. لارتكابه مخالفات النواب يحدد موعد لاستجواب هيكل. 30 مارس.
[32] الجزيرة، “تزييف للحقيقة”.. احتجاج ليبي على الفيلم المصري “السرب”، 4 مارس 2021م، https://mubasher.aljazeera.net/news/2021/3/4
[33] الجزيرة، إعلان مسلسل “القاهرة كابول” يثير ضجة في مصر.. واستياء أفغاني، 7 مارس 2021م، https://mubasher.aljazeera.net/news/2021/3/7
[34] المسيري، أحمد محمد. الاستخدام السياسي للسينما في الدعاية والتضليل الإعلامي، دراسة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية التجارة، جامعة بورسعيد، ص303.
[35] المصدر السابق، ص310.
[36] محمد الدسوقي رشدي، أغاني الرؤساء، اليوم السابع، 6 أغسطس 2009م،
[37] الجزيرة، وفاة الطبيبة والكاتبة المصرية نوال السعداوي، 21 مارس 2021م، https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2021/3/21
[38] جمبل، سارة. النسوية وما عد النسوية، ترجمة: أحمد الشامي، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2002م، ص13.
[39] الخريف، أمل ناصر. مفهوم النسوية.. دراسة نقدية في ضوء الإسلام، الرياض، مركز باحثات لدراسات المرأة، 1437هـ، ص37.
[40] المصدر السابق، ص42-49.
[41] نفس المصدر، ص200-201.
[42] إسلام ويب، مؤتمر نسوي مشبوه يقول لا للدين، 12 يناير 2002م، https://www.islamweb.net/media/print.php?id=7781&lang=A
[43] الوطن، بالأرقام.. نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين 2021 كاملة: رشوان نقيبا، 3 إبريل/ نيسان 2021
[44] المصدر نفسه
[45] اليوم السابع، نتائج انتخابات الصحفيين.. ضياء نقيبًا وأبو كيلة وخراجة والزناتى ودعاء النجار أعضاء، 3 إبريل/ نيسان 2021
[46] الموقع الرسمي للمرصد العربي لحرية الإعلام، المرصد يذكر بقضية الصحفيين السجناء بمناسبة انتخابات نقابة الصحفيين (بيان)، 22 فبراير/ شباط 2021
[47] RT عربي، جدل في مصر حول اختفاء صحفي فور عودته من تركيا، 1 مارس/ آذار 2021
[48] المصري اليوم، بدء التسجيل في «عمومية انتخابات الصحفيين» بمقر نادي نقابة المعلمين (صور)، 2 إبريل/ نيسان 2021
[49] الوطن، رئيس الوزراء يوافق على زيادة بدل الصحفيين 20%، 25 مارس/ آذار 2021
[50] اليوم السابع، ضياء رشوان عن زيادة بدل الصحفيين: تواصلت مع الحكومة والأخبار مبشرة، 17 مارس/ آذار 2021
[51] العربي الجديد، خلف مخصصات الصحافيين المصريين… رشى انتخابية؟، 31 مارس/ آذار 2021
[52] المصدر نفسه
[53] عربي 21، ماذا وراء الإفراج عن صحفيين مصريين.. وما علاقة بايدن؟، 8 مارس/ آذار 2021
[54] الصفحة الشخصية لضياء رشوان على فيسبوك، أخبار سارة خلال ساعات تخص بعض المحبوسين احتياطيا، 8 مارس/ آذار 2021
[55] الصفحة الشخصية لضياء رشوان على فيسبوك، منشور حول الإفراج عن الصحفيين، 7 مارس/ آذار 2021
[56] إيلاف، أبوهشيمة يشتري ON TV من ساويرس، 16 مايو/ أيار 2016
[57] اليوم السابع، شركة “تواصل” تستحوذ على قناة “الحياة” وتتسلم الاسـتوديهات الأسبوع المقبل، 12 سبتمبر/ أيلول 2017
[58] جريدة المال، إعلام المصريين تستحوذ على شبكة قنوات CBC، 5 سبتمبر/ أيلول 2018
[59] البوابة نيوز، “حساسين”: “فالكون” اشترت قناتي العاصمة وتسلمت الاستديوهات، 29 أغسطس/ آب 2017
[60] نون بوست، تأميم الإعلام المصري وثنائية السيطرة والاحتكار، 20 مارس/ آذار 2021
[61] جريدة الأسبوع، بكري يكشف تفاصيل بيع قناة “المحور”.. 50% لعضو مجلس الشيوخ و38% لجهة إعلامية رسمية، 4 مارس/ آذار 2021
[62] الجزيرة نت، أنباء عن بيع “المصري اليوم” لجهة سيادية.. هل رضخ صلاح دياب للضغوط؟، 12 مارس/ آذار 2021
[63] الأناضول، مصر.. إحالة رجل الأعمال “صلاح دياب” إلى محكمة الجنايات، 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015
[64] مصراوي، براءة رجل الأعمال صلاح دياب من تهمة حيازة أسلحة نارية، 18 سبتمبر/ أيلول 2017
[65] مصر العربية، بالفيديو| السيسي والإعلام.. علاقة بدأت بالحب وانتهت بـ”ميصحش كده”، 7 مايو/ أيار 2016
[66] الجزيرة نت، مقالات “إعلام البغال”.. هل انتصر مذيعو السلطة على الأكاديمي المصري؟، 1 إبريل/ نيسان 2021
[67] المصدر نفسه