الهجرة والتغيير الاجتماعي: تجمع المصريين في تركيا
مقدمة:
في هذه الورقة، سيكون هناك تحليل وفحص لواحدة من أهم التغيرات الاجتماعية التي لوحظت على مدار التاريخ البشري الحديث، وخاصة فى أوقات عدم الاستقرار والتقلبات، وهى “الهجرة” وفهمها تحت مظلة التغيير والتحول الاجتماعى. في الجزء الأول من الورقة، سيكون هناك شرح مختصر للإطار النظري والمفاهيمي في أدبيات التغيير الاجتماعي والتحول، لفهم تعقيد وديناميكيات التغيير. في الجزء الثاني من الورقة، سيكون هناك تحدٍ يتمثل في فحص حالة بعينها، وهنا سنتطرق لدراسة كيفية حدوث تغيير اجتماعي في حركة، وهيكل وسلوكيات المهاجرين المصريين في تركيا. فى الجزء الأخير من الورقة، سيتطرق الباحث لاقتراح بعض التوصيات للمجتمع المصرى بتركيا، تمكنه من استغلال لحظة التغيير والتحول.
واجه مجتمع الهجرة المصري في تركيا تغيرات اجتماعية مختلفة قابلة للتبادل ومترابطة منذ عام 2013 في مجتمعاتهم “المستقرة” الجديدة، في المدن الرئيسية في تركيا؛ مثل: اسطنبول وأنقرة، وبورصة، ومدن أخرى. ويمكن ملاحظة مستويات التغيير التي حدثت على المدى القصير والطويل، في المستويات الكلية والجزئية والمتوسطة. فالتغييرات الاجتماعية التي طرأت على مجتمع المصريين في الشتات في تركيا مفهومة على مستويات وديناميات وتفاعلات مختلفة. لقد مارست الجالية المصرية المهاجرة قدرًا كبيرًا من الاندماج والاستيعاب الطوعي في المجتمع التركي. إن رأس المال الثقافي واللغوي والمؤسسي والاجتماعي وتفضيلات الحياة هي مجالات حاسمة، شهدت تغيرات مورفوجينية (جذرية) وعميقة. علاوة على ذلك، تعتبر الهجرة المصرية نموذجًا لفهم كيفية وجود تعارض بين المدرسة التقليدية وغير التقليدية، خاصة عندما ننظر بعمق إلى الفجوات الأساسية والمعيارية بين الأجيال.
الإطار النظري والمفاهيمي:
يعتبر التغيير انعكاساً للحالة الديناميكية التى تعيشها المجتمعات، والتغيير الاجتماعى هو التحول داخل منظومة المجتمع وداخل إطاراته ومعتقداته وسلوكه، خلال فترة زمنية معينة. ويعتبر بعض علماء الاجتماع أن التغيير الاجتماعى هو عملية التعديل والتبديل التى تحدث لطبيعة وشكل تنظيم المجتمع داخلياً. ويعتبر التغيير الاجتماعى – أيضا – تحولاً داخل “منظومة العلاقات المركبة”، مثل العلاقات بين الهياكل الكبيرة، والصغيرة ، والأفراد، والجماعات، والثقافات، والأخلاقيات المختلفة (Jürgen Howaldt (TUDO), Michael Schwarz, 2016)
عندما نتحدث عن التغيير والانتقال، علينا أن نحدد مستوى الديناميكية التي يمكن من خلالها فهم التغيير. بشكل عام، تحدث التغييرات المحتملة تحت إطار النظام الاجتماعي للمجتمع، ويمكن اعتبار تلك التغييرات والتحولات هى تحولات تحدث عندما تتغير “تركيبات” المجتمع، وتتحول من مستوى إلى مستوى آخر. عملية الهجرة هي إحدى التركيبات المجتمعية التي تفرض تغييرات هيكلية وعضوية في نظام المجتمع بأكمله. علاوة على ذلك، يُنظر إلى التغيير على أنه تغيير في “الجوانب الوظيفية” للمجتمع. على سبيل المثال، مع تدفقات موجات الهجرة، تظهر تغييرات جديدة في وظائف المجتمع؛ مثل: التقسيم الاقتصادي والثقافي للعمل، والأجور، والإقامة، والوظائف الديموغرافية والتحولات في الاقتصاد والقطاعات الثقافية. وبالتالي، فإن التغييرات المجتمعية عادة ما تتبعها تغييرات وظيفية تتأثر بها الطبقات المتوسطة والفقيرة فى المقام الأول (Sigrid S. Glenn, 2017).
علاوة على ذلك، عندما تراقب الأدبيات المتعلقة بالهجرة والتغيير، فإنه من المنطلق (اعتقاد) الذى يؤمن بقوة أن الهويات الاجتماعية والأعراق هي “صانعة حدود” و “متنافية” بطبيعتها (Hüseyin Alptekin, 2014). وبالتالي، من خلال الهجرة الداخلية والخارجية والنزوح القسرى، هناك مستوى عالٍ من التغيير يحدث دائما في تلك “الصناعات الحدودية”. على سبيل المثال، من خلال موجات الهجرة العالية إلى أوروبا الغربية، بدأت الحكومات والمجتمعات المحلية في تبني تطبيقات صارمة أو مرنة تجاه المهاجرين واللاجئين الجدد إما بدمجهم (دمجهم) في المجتمع أو فصلهم (استبعادهم) عن المجتمع المحلي. وهنا أحد التفسيرات الرائدة فى كلاسيكيات القومية والإثنية للتغيير السلوكى من جانب الشعوب والحكومات، يعود بشكل كبير لطبيعة الإقصاء المتبادل بين الجماعات بطبيعتها وهيكلها.
من الناحية النظرية، قدم علماء الاجتماع تفسيرات وأنماطا مختلفة لفهم التغيير الاجتماعي. أولاً، يشار إلى أن التغيير الاجتماعي يمكن أن يفهم عن طريق مقاربة “النظام”. يؤمن متبنو هذه النظرية أنه “عند حدوث تغيير في مكون واحد من مكونات النظام (الهيكل) المجتمعى الأولية أو الثانوية، فإن هذا يؤدي إلى حدوث تغيير في النظام بأكمله”. يرى منظرو مقاربة النظام أن المجتمع عبارة عن نظام بنفسه، وتحت النظام تأتى بعض الهياكل الثانوية والعناصر هى التى تكون تلك الهياكل وتعمل على ضمان فعاليتها وبقائها. وتشدد مقاربة النظام على فهم التغيير الاجتماعى على مستويات وأنماط مختلفة، فمثلاً، التغيير يمكن أن يكون تغييرًا داخل أحد هياكل النظام مثل ذلك التغيير داخل منظومة العدالة المجتمعية والإنفاق الحكومى، أو إنه التغيير الذى يحدث داخل إحدى وظائف المجتمع. وهنا نتحدث عن الوظائف المجتمعية والاقتصادية، وتأتى فى مقدمتها الوظائف الطبقية (العمالية) والتى توضح حجم التفاوت الطبقى عالمياً. علاوة على ذلك، لا يُختصر التغيير على ذلك، ولكننا يمكن أن نشهد تغييراً أكثر شمولية، مثل التغيير البيئى، مثل التغيير الذى يتبع الأوبئة والأمراض المعدية، أو التغييرات التى تلحق عواصف عدم الاستقرار والنزاعات على مستوى الدولة أو الإقليم. إذن، وبالتفسير الدوركايمى، فهى الأقرب للفهم العضوى والوظيفى للمجتمعات، بمعنى أن الكل يلعب أدواراً حاسمة فى المجتمع، وبحدوث تخلخل فى إحدى وظائف أعضاء النظام (الجسد)، فإن النظام ككل يشهد “تخلخلا وظيفيا” (Robert D. Leighninger Jr, 1978).
بالإضافة إلى ذلك، هناك مدرسة أخرى ترى أن التغيير عبارة عن عملية اجتماعية. هنا ، التغيير ليس عنصرًا واحدًا متماسكًا ، ولكنه عملية ديناميكية ومعقدة. يشرح علماء الاجتماع التغيير الاجتماعي “كعمليات اجتماعية”، وهنا التغييرات الثقافية والاجتماعية التى تولد داخل المجتمعات هى نتيجة عملية “اتجاهية” (غير متكررة) ؛ حيث إن كل خطوة تُبنى على الخطوة التى تسبقها أو عملية دائرية اجتماعية (ذاتية التكرار). نتيجة لذلك ، يُنظر إلى التغيير على أنه عملية (فهم ديناميكي) أو كتغيير في العلاقة بين المكونات المختلفة للبنية الاجتماعية (ثابتة) ( Doug Reeler, 2007).
بالإضافة إلى ذلك، هناك مدرسة أخرى تفسر التغيير على أنه “تقدم”، بمعنى التغيير والانتقال نحو الاتجاه الإيجابي التقدمى على المستوى الفكرى والمادى. وهنا الفهم السطحى للتقدم يأتى فى سياق التحول نحو حياة أفضل. ولقد تطورت المدرسة على مستوى التأطير الفكرى والتاريخى للتقدم. فتحول التقدم من تقدم جغرافى إلى تقدم فكرى وعقلى، وعلى مدار قرن ونصف من الزمن، احتفظت المدرسة بالتنظير التقدمى على المستوى الفكرى والقيميى والتنموى. يُفهم التغيير أيضًا من خلال نظارات التقليدية والحداثة والتي تعكس الصراع بين القيم التقليدية والحديثة في المجتمعات الحديثة (Sonal Guatta, 2018).
بالإضافة إلى ذلك، هناك مدارس سيسيولوجية مختلفة اختلفت حول مفهوم التغيير التقدمى، فمثلاً، يرى سبينسر أن التغيير عبارة عن عملية “سوسيوبيولوجية”، وأن المجتمع عبارة عن هيكل عضوى، يتطور بشكل مستمر وخطي لتتكيف عناصره مع التغييرات (Turner, 2002). وعند أوغست كونت، مؤسس علم الاجتماع، فهناك ثلاث مراحل لتطور وتغيير التاريخ، وهى اللاهوتية[1]، والميتافيزيقية[2]، والوضعية[3]. المرحلة الأخيرة هى المرحلة التى تتصف باكتمال أفضل طرق تفكير العقل البشرى عن طريق منهجيات عقلانية وعلمية تراقب وتحلل الحقائق و”الأشياء” الاجتماعية. أما النظرية الكلاسيكية الماركسية، فهى تؤمن بالمادية التاريخية والتغيير الديلاكتيكى[4]، فالتاريخ عبارة عن تاريخ صراع طبقى. وهناك أطروحة، ونقيضتها، وبدمجمهما معاً تُنتج عملية جديدة، وهى لحظة “التقدم”. إذن، فمصطلحات “القوة” و”الصراع”، و”الطبقة” هى مراكز التحليل الماركسى لفهم كيف تتقدم وتتحول البشرية. أما عند كلاسيكية دوركايم، فالتغيير، هو ذاك التحول من المجتمع الميكانيكى إلى المجتمع العضوى، من التقليدى إلى الأكثر تعقيداً وتركيباً، حيث تختلف درجة تقسيم العمل (وبالتالى التخصصية) والتضامن فى مجتمع حداثى. أما ثنائية التحول من (الجماعة) حيث الحميمية والعلاقات التراحمية فى جيمينشافت[5] إلى نمط أكثر تعاقدى (المجتمع) جيسيلشافت (فيرديناند تونيز)، فهى الثنائية التى تشغل حيزاً كبيراً فى أدبيات التحول ولاسيما فى وصف التحول الثقافى والعمرانى (Alan Swingewood, 1984).
أيضاً، عندما يتم فهم التغيير بشكل شامل، فإنه ثمة مكونات عدة تشكل أى عملية تغيير، لفهمها فى سياقها المعقد والمركب. ويمكن أن نطلق علي هذه المكونات “نموذج إدراك التغيير الاجتماعى”. وتأتى هذه المكونات على النحو التالي: شكل العملية (اتجاهي أو دائري)، ونتائج العملية (جذرية أو ثانوية)، والوعي بالعملية (مرحب به أم لا)، والقوة الدافعة وراء العملية (داخلية أو خارجية)، ومستوى التغيير (الكلي، الجزئي، الميزو)، وأخيراً النطاق الزمني للعملية (إما أن يحدث التغيير على المدى الطويل أو المدى القصير) (Sztompka, 1993).
المهاجرين المصريين في تركيا في سياق التغيير والانتقال:
بالانتقال إلى الحالة، نوضح أن التغيير الذي حدث في المجتمع المصري فى تركيا (مثل معظم مجتمعات الهجرة) هو تغيير اجتماعي طويل الأجل ومؤقت ومساره بطيء لأبعد الحدود. مجتمع المهاجرين المصريين في تركيا هو مجتمع يمكننا من خلاله استيعاب التغيير كعملية تحدث بطريقة اتجاهية ودائرية. من أهم وأواضح ما يتم مراقبته داخل مجتمع المصريين فى المهجر هو عملية “التنشئة الاجتماعية الإيجابية التكيفية” للشباب المصري داخل تقاليد المجتمع التركي بطريقة ملحوظة. كما أن عملية الاندماج والتكيف هي بعد آخر، يمكن من خلاله فهم كيف تحولت المنظومة القيمية والفكرية للأفراد والجماعات المصرية داخل تركيا من خلال تنشيط عملية الدراية بالتقاليد والقيم الخاصة بالمجتمع التركى كمؤسسة اجتماعية متكاملة. هذا النوع من التحول على مستوى الاندماج يمكن أن يكون جلياً عن طريق النظر إلى أنواع مختلفة من الأنشطة التعاونية بين الشباب المصري (اسطنبول ، أنقرة ، سكاريا) وبين نظرائهم فى المجتمع التركى في مجالات مختلفة في المجتمع. وإذا أردنا فهم الشتات المصري بشكل دائري، بعد الانتقال من مصر إلى تركيا ، بعد الانقلاب العسكري في عام 2013، فإن مجتمع المصريين النازحين من مصر منذ ذلك الوقت، قد شهد بعض التغييرات المتكررة على مستوى أعمار متفاوتة مثل ذلك الذى نجده داخل سلوك وتفضيلات الأطفال والنساء والكبار. وهنا يجب الإشارة إلى أن معظم التغييرات المتكررة – الدائرية مفهومة بشكل ما وعلى منوال سلبى وتصادمى. على سبيل المثال، يعاني بعض الأطفال من مشاكل في احترام الذات، والتنشئة الاجتماعية، وتحقيق الذات، بسبب انخفاض مستوى التكيف مع المجتمع المضيف الجديد، والحنين إلى الوطن. أو تلك التغييرات على مستوى التعبئة الاجتماعية والحركات المضادة ضد بعض أطياف مجتمع الهجرة.
علاوة على ذلك ، فإن إحدى أقوى الحجج التي يدعيها الباحث، هي أن التغيير الاجتماعي الذي حدث داخل المهاجرين المصريين داخل المجتمع التركي هو تغيير جذرى، مما يعني أن بعض جوانب الحياة الأساسية قد تغيرت بشكل جذري في الاتجاهين الإيجابي والسلبي. على سبيل المثال، المجتمعات المصرية، وخاصة أولئك الذين يعيشون في اسطنبول ، قد أقاموا ظروفًا وهياكل اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة بشكل كلى. فإذا نظرنا إلى نمط حياة المغتربين المصريين، فإننا نجد أن المجتمع قد بدأ اعتماد نمط حياة جديد يقترب من النمط الغربى الفردانى أكثر من نمط الحياة الشرقي النقى. فضلاً عن ذلك، تم إنشاء تنظيمات وهياكل سياسية ومنابر إعلامية جديدة (مجالس المعارضة المصرية في تركيا)، ذلك التحول يمكن وصفه بـــ “تنشيط رأس المال السياسى”. هذا التنشيط يحدث عادة للمجتمعات التى تعانى من عجز ممارساتى وفكرى داخل مواطنها الأصلية، وبالتالى تضطر إلى إيجاد حلول وإحداث تحولات جغرافية وفكرية فى الخارج. ولذلك، تجد المثقفين المعارضين للأنظمة، أو الأفراد والمجتمعات العابرين للحدود ينشؤون قواعد وعلاقات وهياكل جديدة أكثر فعالية من ذى قبل، لتنشيط رأس المال السياسى، لإحداث تغييرات على مستويات عدة داخل مواطنهم الأصلية. أيضاً، يجب الالتفات إلى أن مجتمع الهجرة يتواصل مع الداخل الوطنى بدرجة أقل من المجتمعات العابرة للحدود والجماعات اللامركزية، ولكن تظل مجتمعات الهجرة بكافة أنماطها، عناصر لا تفقد التواصل الداخلى مع مجتمعاتها الأصلية، خاصة وإن كانت البقعة المراد الوصول إليها تتعلق بأجندات وطموحات سياسية غير تقليدية. علاوة على ذلك، على المستوى الاقتصادي، تم إدخال قطاعات اقتصادية جديدة من قبل أصحاب رؤوس الأموال المصرية والعمالة المصرية في السوق. على سبيل المثال، تعد قطاعات الصناعة الصغيرة والأعمال المدرسية من أكثر الأعمال التي يشغلها رجال الأعمال المصريين في تركيا، والتي خلقت سوقًا تنافسيًا ضخمًا ونمط إنتاج جديد، من خلال إدخال وسائل وهياكل جديدة للاقتصاد.
بالإضافة إلى ذلك ، لقد شهدت بيئة المنظمات والهياكل السياسية الجديدة في تركيا تغييرًا أيديولوجيًا مورفوجينيًا (جذرياً)، حيث تحولت من العمل تحت مظلة نظام عسكري غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي جديد. علاوة على ذلك، هناك تغييرات عظيمة طرأت على منظومة التفضيلات ونظام التعليم واللغة والهوية والثقافة. من ناحية أخرى، شهدت بعض الجوانب مثل بعض القيم الثقافية والاجتماعية للمصريين الأكبر سنا(كبار السن) تغيرات معتدلة وثانوية. بعبارة أخرى ، تقل احتمالية اندماج المصريين الأكبر سنا في المجتمعات المضيفة الجديدة عن الشباب. على سبيل المثال ، نسبة عالية ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و 65 وما فوق 65 لم يتعلموا مستوى أساسيًا من اللغة التركية، أوإذا نظرنا إلى نفس الأعمار، فإننا نجد استقراراً نسبىيا داخل منظومة التفضيلات الثقافية والقيمية. ولذلك، فإن فئة لأسباب داخلية وخارجية، فضلت التحول نحو معسكر قيمي واجتماعى جديد عن طريق الاندماج لغوياً، من خلال تعلم اللغة التركية والدراسة بها وتدريسها، بل وإشراك أبنائهم فى نفس المنظومة اللغوية، أو ذلك الاندماج الاجتماعى الذى طرأ على المجتمعات نفسها، من خلال تغذية رأس المال الاجتماعى والثقافى داخل المجتمع التركى، على جانب أخر، هناك معسكر فضل الحفاظ على التفاعلات مع المجتمعات التقليدية، مثل الجمعيات والمؤسسات المصرية، لزيادة شبكتهم الاجتماعية، ورأس مالهم الاجتماعي داخل المؤسسة القديمة.
وإذا نظرنا إلى العامل المٌحرك والحافز نحو التغيير الجغرافي والثقافي المصري، والعامل المؤثر وراء النزوح المصري من مصر إلى تركيا، فإن هناك عوامل داخلية وعوامل خارجية. العوامل والداوفع الداخلية، هى تلك العوامل التى تثيرها منظومة المجتمعات المضيفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الهيكلية والفكرية والسياساتية مما يمكنها ويحفزها لاستقبال موجات الهجرة، مثل ما حدث فى الحالة المصرية على نطاق ضيق، وعلى المستوى السورى والعراقى والأفغانى على مستويات واسعة. فمثلاً على مستوى الدوافع الداخلية، لعبت البيئة الاجتماعية والسياسية (مثل سياسة الباب المفتوح) والبعد الأيديولوجى للحكومة التركية (K. Dicle BAYIR, 2020)، بالإضافة إلى التقارب الثقافى والجغرافى بين المجتمع المهاجر والمجتمع المستقبل. أيضاً، هناك عوامل خارجية، تلك العوامل التى تندفع خارجياً لتثير تغييرًا وتحولا داخل المنظومة والوظائف الاجتماعية داخل مجتمع بعينه. وهنا يأتى قمع النظام المصري وتفكك النظم الاجتماعية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانغلاق المجال العام تجاه أى نشاط سياسى داخل مصر فى مقدمة تلك العوامل.
وعندما يتعلق الأمر بمستوى التغيير، يمكن النظر إلى التغيير فى الحالة المدروسة من عدة مستويات. فمثلاً نجد تحولات عدة حدثت على المستوى الكلي، مثل: التغيير الكبير في السياسة العامة على مستوى الدولة، والتغيرات الديموغرافية بعد موجات الهجرة، والتأييد والرأي العام تجاه المصري المضطهد. كما أن حالة التغيير شهدت مستويات متوسطة وصغيرة داخل نفسها مثل التغييرات التي حدثت في بعض الفئات الاجتماعية (أطفال المصريين، طلاب، رجال أعمال، نساء ، إلخ)، وتغييرات فردية على مستوى منظومة القيم والسلوكيات (أفضليات جديدة، لغوية، ثقافية، نفسية، وأخلاقية) (Sandro Serpa, 2019).
عندما نطبق نظرية “التغيير كتقدم” على الحالة المصرية، فإن مجتمع المصريين المهاجرين واجه العديد منهم صعوبات اجتماعية واقتصادية وسياسية بسبب الصراعات الأهلية والأنظمة العسكرية العدوانية، ولذلك فإن النزوح يأتى فى إطار الأمل في إحداث تحولات انتقالات حياتية، وللحصول على ظروف اجتماعية واقتصادية أفضل (Jean Paul Fitoussi, 2009). وبعبارة أخرى، فهم يحلمون بعالم أفضل على مستوى الأفكار والقيم والبدن. ولذلك، يمكن أن يٌقرأ المجتمع المصري في تركيا من خلال نظرة تقدمية، من خلال تحقيق أحلام لم يتمكنوا من تحقيقها في مصر، مثل مستوى تعليمي أفضل، وتعبئة سياسية على نطاق أوسع، وشبكة إعلامية أوسع (حيث تم إغلاق جميع وسائل الإعلام والصحافة الخاصة بالمعارضة في مصر). أيضًا، من خلال استخدام مفاهيم دوركهايم، لقد شهد المجتمع المصرى فى الشتات ترسيخ نظام اجتماعى يُبنى على فكرة التحول من “التضامن الميكانيكي التقليدي”[6] إلى”التضامن العضوي”[7] مع تقسيم العمل بشكل أفضل وأكثر تخصصية وتنوعاً.
على النقيض من ذلك، فهم “التقدم بطريقة سلبية” يفسر جزءاً من الصورة الكاملة. على سبيل المثال، في حالة الهجرة المصرية، نرى بعض مستويات “الانحلال الأخلاقي”، وهناك معاناة في الحراك الاجتماعي، وأشكال لعدم المساواة الاجتماعية داخل مجتمع المهاجرين. بالإضافة إلى ذلك، هناك تراجع كبير في تقاليد المجتمع المصري من خلال التحول إلى المجتمع التركي، وأيضاً، تفتقر المجموعات المصرية إلى رأس المال الاجتماعي أو الثقافي أو البشري، وبالتالى تواجه ظروفًا اقتصادية واجتماعية متدنية. إيديولوجيا وثقافيا، بدرجة أقل. هناك حرب هويات واستقطاب داخل المجتمع التركي تجاه المهاجرين الجدد، وينعكس ذلك في الصراع مع الثقافات السائدة، والقوالب النمطية والعنصرية، والتمييز وإثارة الرأي العام. وبالمثل، وبفهم التقدم بشكل سلبي، لا تزال تحدث بعض التطورات السيئة، مثل؛ درجات الإدمان، وارتفاع معدل البطالة. وبالتالي، فإن التقدم ليس نتيجة إيجابية حتمية أو مُعطاة كما تدعى النظرية التقدمية الكلاسيكية، ولكنها قد تحمل دلالات سلبية أيضًا.
هناك مجال آخر لفهم التغيير الاجتماعي للمهاجرين المصريين ينعكس في الصراع المستمر والمعضلة بين المدرسة التقليدية والحداثة (Hans Haferkamp and Neil J. Smelser, 1992). طبقاً لتعريفات علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا، فإن التقاليد هي الهدف، والأفكار التي ينقلها الناس لحماية ذاكرتهم الجماعية التي تحافظ على تماسك المجتمعات، وتجعل تقاليدهم وقيمهم حية حتى لا تُنسى. وطبقاً للتصنيف الشهير لدراسة التقاليد، فإن التقاليد إما مادية أو فكرية كما ذكرنا مسبقاً، موضوعية أو ذاتية (قابلة للتعديل والتطوير البشرى والتعليق الشخصى). وهنا نلاحظ متلازمة بقاء مجتمع المصريين فى الشتات والمدرسة التقليدية. على سبيل المثال، لا تزال الجالية المصرية في تركيا تحافظ على تقاليدها حية من خلال إعادة إنتاج المادة المصرية والتراث المصرى داخل المجتمعات المضيفة، مثل المطاعم المصرية (المنزل المصري في شيرينفلر)، ومراكز الثقافة المصرية (المنتديات ومراكز الأبحاث والندوات والصالونات الثقافية) والملابس المصرية التقليدية، بالإضافة إلى الحفاظ على القصة والسردية المصرية (وإن كانت متضاربة مع سياقات مختلفة مثل مجتمعات المصريين فى أوروبا وأمريكا).
وعند النظر إلى الأبعاد الثقافية للمهاجرين داخل المجتمعات المهاجرة، عندما تنتقل مجتمعات المهاجرين من الدولة المرسِلة (الوطن) إلى البلد المستقبِل (المجتمعات المضيفة)، فإننا أمام ثلاثة خيارات:1- إما الاندماج التام ، وهذا ما يفتح الباب أمام القيام بأنشطة تعاونية مع المجتمعات الجديدة (الحديثة والمتطورة)، وهذا ما يعمل على الحد من الاستقطاب المجتمعى والتعبئة الاجتماعية والثقافية، أو2- المقاومة والحفاظ على تقاليدهم في صراع مع الجماعات القومية المهيمنة، وهنا نرى أشكالا تقليدية وغير تقليدية للمقاومة والصراع من أجل البقاء الهوياتى، وأحد أهم مقومات هذا الصراع المقومات الثقافية ذات الطبيعة الإقصائية. أما الخيار الثالث فيأتى تحت مظلة إنشاء تقاليد وثقافة هجينة جديدة، تسمى ب”الثقافة الهجين” (CHARMAINE CLARABELLE HO، 2006). التقاليد الهجينة وتقاليد الجماعات المهيمنة (خاصة السياسية والأيديولوجية) تفرضها الثقافات التقليدية المبتكرة، والتى تعتبر أحد أهم نتاجات القومية الثقافية. على سبيل المثال، أصبحت الجاليات المصرية في تركيا متكيفة للغاية مع بعض الأساطير والرموز والأعياد الوطنية، مثل الاحتفالات بمحاولة الانقلاب العسكري عام 2016 في تركيا، وتأسيس يوم الجمهورية، والأعياد الوطنية الأخرى. وبالتالي، استنتاجاً، فإن ادعاء رئيسى للورقة، وهو أن “المغتربين المصريين لا يحملون علاقات صراع مع المجتمع التركي، لكنهم انتقلو نحو تبني “النموذج” التركي سياسياً وثقافياً، وبالتالي فإن مستوى اندماجهم مرتفع، مقارنة بالمجتمعات المصرية فى الدول والقارات الآخرى ذات التكتل المصرى العالى”.على الرغم من أن الشتات المصري قد شهد مستويات كبيرة من التكيف الناجح (أكثر من الاندماج)، فإن هناك حربًا مثالية وصراعًا بين القيم الحديثة والتقليدية، كما أن التقاليد المصرية آخذة في الانحدار في الجيلين الثاني والثالث، وهناك تراجع في توحيد الهوية المصرية خارج مصر، ولكن على العكس من ذلك ، فقد شهد المجتمع المصرى بتركيا درجات عالية من ما يمكن تسميته “تتريك الجيل المصري الجديد” ثقافيًا وأيديولوجيًا وسياسيًا. تلك الصورة يراها البعض على أنها إعادة ترميز وصنع للهوية المصرية أو (و) تراجع الهوية من خلال التفاعل مع الآخرين، وهذا نتيجة ضعف ثنائية “نحن” و”الآخر”، والحدود الاجتماعية والثقافية الصلبة التى تعزز من عملية التعريف الهوياتى والثقافى.
توصيات:
كما أشارت الورقة، شهد مجتمع المهاجرين المصريين فى تركيا، تحولات معقدة نتيجة دوافع اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية. هناك فجوة واضحة بين الأجيال داخل ذلك المجتمع مما يجعله غير متماسك بعض الشيء، وستزداد شدة هشاشته مستقبلاً بين الأجيال الجديدة إذا لم تقوَ أواصر المؤسسة المجتمعية التضامنية الخاصة بالمجتمع فى الخارج عن طريق آليات عمل مشتركة. برامج الاندماج التلقائية (الطبيعية) نتيجة المناهج التعليمية و”التفاعل الحضرى” واللغوى والعمل الاقتصادى قد حد من شدة العنف الثقافية، ولكنه يعد مؤشراً خطيراً مستقبلاً، وهذا لاحتمالية اندثار العمل المؤسسى والوعى الجمعى المصرى، لذلك لا بد من إحداث توازن بين التفاعل مع المجتمعات الأصلية والمجتمعات المضيفة، وهذه مسؤولية المؤسسة التربوية وصناع القرار والهياكل غير التقليدية المكونة للمجتمع المصرى فى الشتات. لا بد من استغلال محفزات التغيير ذى البعد الهجراتى لصالح مجتمعات المصريين، فمثلاً، لا بد من التواصل مع صانعى سياسات الهجرة داخل المؤسسة التركية والمنظمات غير الحكومية ، والتى تعزز من استقرار وقبول الثقافة المصرية فى الأوساط الأخرى، خاصة مع التقلبات السياسية السريعة. لغوياً، على كبار السن من المهاجرين المصريين إدراك طبيعة التغيير السريعة والمتقلبة، لذلك عليهم أن يتعلموا اللغة التركية، مما يحد من الفجوة بينهم وبين المجتمع المضيف، وبينهم وبين الأجيال الأخرى. على مؤسسة الأسرة المصرية الحفاظ على تماسكها وهويتها ومنظومة قيمها، وذلك فى ظل معسكرات ثقافية جديدة ومشكلة اجتماعية. وهنا يأتى التوفيق بين العمل والتفاعلات بين أفراد الأسرة، بالإضافة إلى المناهج التعليمية والتفاعلات الثقافات المهيمنة فى المقدمة. كما شهدت المجتمعات المصرية تحولاً جذرياً على مستوى النظام والأسس السياسية، عن طريق الالتحام والتشابك مع النموذج التركى، وهذا يعد أحد أهم التحولات الفريدة، فهنا لابد أن تدرك القوى السياسية المختلفة المتواجدة فى تركيا ضرورة التفاعل مع النموذج، لفهمه ونقده باعتباره نموذجاً يجمع بين إسلامية المجتمع عددياً، وعلمانيته وقوميته ثقافياً ومجتمعياً، وديموقراطيته وليبراليته سياسياً واقتصادياً، وتأتى المراكز البحثية والمفكرون والفاعلون السياسيون فى مقدمة مهمة التفاعل والتشبيك النظرى والعملى.
الخاتمة:
في الختام، يمكن ملاحظة العناصر الرئيسية للهجرة كتغيير اجتماعي، عندما ننظر إلى عناصر الاندماج والصراع، و من خلال أخذ عناصر المدرسة التقليدية ومناهضة التقاليد فى الاعتبار. أيضاً، تعبتر العوامل الاقتصادية واللغوية والثقافية والسياسية في المستوى الكلي والمتوسط والجزئي عوامل معقدة. تحدث العملية على المدى الطويل وبطريقة بطئية جداً تستغرق سنوات. تم الاعتراف بموجة الهجرة المصرية منذ عام 2013 وقبولها بمنظومة قيمها وثقافتها من قبل عدد كبير من الفئات في المجتمع التركي. التغيير الذي أعقب الانقلاب العسكري كان تغييراً مورفوجينيا جذريا. تأثر الشتات المصري في تركيا بهذا التغيير على المستوى الكلي والجزئي والمتوسطى. يعد الاقتصاد، والثقافة، والهوية، والاندماج، وإعادة الهيكلة السياسية، عناصر مهمة وحاسمة لفهم عملية التغيير التى طرأت على الشتات المصري في تركيا. ستبقى الهجرة كواحدة من أهم التغييرات الاجتماعية التي يجب اكتشافها على المدى القصير والطويل. في النهاية، آمل أن يكون هذا أساسًا لمزيد من البحث، وتوجيه لكلٍّ من الأتراك والمصريين الذين قد تهمهم هذه القضية.
Bibliography
Doug Reeler. (2007). A Three-fold Theory of Social Change and Implications for Practice, Planning, Monitoring and Evaluation. South Africa: the Community Development Resource Association.
Alan Swingewood. (1984). A Short History Of Sociological Thought. London: Palgrave.
CHARMAINE CLARABELLE HO. (2006). CULTURAL HYBRIDITY AND VISUAL REPRESENTATIONS OF THE. Vancouver: THE UNIVERSITY OF BRITISH COLUMBIA .
Hans Haferkamp and Neil J. Smelser. (1992). Social Change and Modernity. Berkeley · Los Angeles · Oxford: UNIVERSITY OF CALIFORNIA PRESS.
Hüseyin Alptekin. (2014). Explaining Ethnopolitical Mobilization: Ethnic Incorporation and Mobilization Patterns in Bulgaria, Cyprus, Turkey, and Beyond. Austin: The University of Texas.
Jean Paul Fitoussi, A. K. (2009). The Measurement of Economic Performance and Social Progress. Centre de recherche en économie de Sciences Po.
Jürgen Howaldt (TUDO), Michael Schwarz. (2016). Social Innovation: Driving Force of Social Change. Germany: TUDO – TU Dortmund University.
- Dicle BAYIR, F. A. (2020). Açık Kapı Politikasından Güvenlik Tehdidine:. Istanbul: Marmara Üniversitesi Siyasal Bilimler Dergisi.
Robert D. Leighninger Jr. (1978). Systems Theory. Oswego: State University of New York, The Journal of Sociology and Social Welfare.
Sandro Serpa, C. M. (2019). Micro, Meso and Macro Levels of Social Analysis. University of the Azores, Portugal: International Journal of Social Science Studies.
Sigrid S. Glenn. (2017). Individual behavior, culture, and social change. USA: Department of Behavior Analysis, University of North Texas.
Sonal Guatta. (2018). Social Change, Social Evolution and Social Progress. Sociology Discussion.
Sztompka, P. (1993). The Sociology of Social Change . Oxfor/UK and Cambrıdge/USA: Wiley-Blackwell.
Turner. (2002). The Emergence of Sociological Theory. Wadsworth Thomson Learning , 54-89.
هامش
[1]تعد هذه المرحلة بدائية وتؤمن بالقوى العليا (الرب أو الروح أو الشياطين) في تفسير الوقائع والظواهر الاجتماعية، أما قيادة المجتمع سياسيا واجتماعيا ودينيا فتكون بيد الأنبياء ورجال الدين وتكون الأسرة البنية الاجتماعية الأساسية في تقديم معظم الخدمات الاجتماعية والنفسية والثقافية. فالتنظيم الاجتماعي كان خضعا لتفسيرات وتأويلات السلطة الدينية والحكم الثيوقراطي.
[2]هى المرحلة التى يفسر الناس فيها أنماط سلوكهم وظواهرهم ووقائعهم الاجتماعية بقوى خفية وراء الطبيعة ويكون المجتمع خاضعا سياسيا ودينيا واجتماعيا إلى النظام الديني والحكام والقضاة. أما البنية الاجتماعية الأساسية التي تقدم معظم الخدمات الحضارية فهي الدولة وليست الأسرة . بمعنى أن أي تطور يحصل في المجتمع يجب أن يكون خاضعا لقوانين الطبيعة وهي مرحلة الخروج من الحكم الديني وظهور مفهوم الفيزياء الاجتماعية.
[3] المرحلة الوضعية (العلمية) حيث يكون العقل البشري في هذه المرحلة أرقى من المرحلتين السابقتين. ويفسر الناس سلوكهم وظواهرهم الاجتماعية بشكل علمي وموضوعي قائم على الملاحظة والتجريب باحثين عن أسباب نشوء الظواهر.
[4] هى مقاربة منهجية ماركسية تفسر التطورات التاريخية والمجتمعات البشرية، وهى أصل التصور المادى للتاريخ عند ماركس، وتؤمن أن التاريخ عبارة عن صراع طبقى، والديلاكتيكية هى العلاقة بين متناقضتين.
[5] جيمينشافت و جيسيلزشافت كلاهما نظريات سوسيولوجية طورتها عالم الاجتماع الألماني فرديناند تونيز يصف نوعين طبيعيين من الجمعيات البشرية. جيمينشافت هي جمعية اجتماعية حيث يميل الأفراد نحو المجتمع الاجتماعي بدلا من رغباتهم الفردية واحتياجاتهم. جيسيلزشافت هو مجتمع مدني حيث يتم إعطاء الاحتياجات الفردية أكثر أهمية من الجمعية الاجتماعية.
[6] يستخدم مفهوم التضامن في علم الاجتماع لتسليط الضوء على الاتفاق والدعم الموجود في مجتمع يتقاسم فيه الناس معتقداتهم ويعملون معا. يستخدم دوركهايم مصطلح التضامن الميكانيكي للإشارة إلى المجتمعات التي تحكمها أوجه التشابه. ومعظم المجتمعات ما قبل الصناعية مثل جمعيات الصيد والتجمعات، والمجتمعات الزراعية هي أمثلة على التضامن الميكانيكي.
[7] يعد التضامن العضوى هو ذلك التضامن الذى يميز المجتمعات التي يوجد فيها الكثير من التخصص الذي يؤدي إلى الترابط الكبير بين الأفراد والمنظمات. وخلافا للتضامن الميكانيكي، حيث يوجد الكثير من التجانس بين الناس، يمكن رؤية صورة متناقضة في التضامن العضوي. وهذا واضح في المجتمعات الصناعية مثل العديد من المجتمعات الحديثة، حيث يكون للناس أدوار محددة وعمل متخصص. وتتسم منظومة التضامن العضوى بالمنوال العالى للفردانية والاختلافات العرقية والاجتماعية، ودور القانون والعلاقات الرسمية معقدة الهيكلة.