المحتويات
مقدمة
مدخل: الاستراتيجيا والتخطيط
“الاستراتيجيا” لدى لدولة الاحتلال الإسرائيلي
وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية
- التأسيس والتطورات
- ميزانية الوزارة.. غموض ومصادر خفية للتمويل
- هيكلية الوزارة
- الوزارة والخلافات السياسية الداخلية
وزارة الشؤون الاستراتيجية في عهد “رون ديرمر”
- نفوذ متصاعد
- الوزارة بعد “طوفان الأقصى”.. تجاوز وزارة الخارجية
خاتمة
مقدمة
منذ نحو عامين، وبالأخص منذ عملية “طوفان الأقصى”، تصاعد اسم “وزارة الشؤون الاستراتيجية” الإسرائيلية في سياق الحراك الدبلوماسي في حربي غزة ولبنان، الأمر الذي كان لافتا للنظر، حيث بدأ اسم الوزارة يظهر بشكل بارز في التحليلات والمناقشات المتعلقة بالسياسات الإسرائيلية تجاه التهديدات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة، بل إن دورها تجاوز في هذه الآونة دور وزارة الخارجية الإسرائيلية.
كذلك، فإن وجود وزارة بهذا الاسم ليس مألوفا في الدول العربية، ولا في كثير من دول العالم. ولعل وجود وزارة إسرائيلية كاملة تحت هذه اللافتة يأتي من اهتمام العقل الإسرائيلي بمفهوم “الاستراتيجيا”. ومن هنا جاءت هذه الورقة التي تحاول فهم دوافع إنشاء وبنية وأدوار “وزارة الشؤون الاستراتيجية” الإسرائيلية، ويأتي كل ذلك في إطار محاولة قراءة وتفسير بنية القرار لدى الكيان الصهيوني.
وتعد الوزارة إحدى المؤسسات الرئيسة التي تحمل مسؤولية بعض الملفات الجوهرية منذ إنشائها قبل نحو عقدين. ومع ذلك، يُحيط بها الجدل من عدة جوانب، خاصة فيما يتعلق بمهامها، وافتئاتها في بعض الأحيان على الملفات التي تديرها وزارة الخارجية، وتغير المهام التي تديرها من فترة لأخرى.
وتسعى هذه الورقة إلى دراسة دور الوزارة في صناعة التوجهات وبناء القرار السياسي الإسرائيلي، حيث تركز على عدة محاور، منها سياقات تأسيس الوزارة وتطورها، والهيكل التنظيمي والأدوار الوظيفية، وتطور هذه الأدوار تباعا، والجدل الذي أثير حولها في الداخل الإسرائيلي.
مدخل: الاستراتيجيا والتخطيط
- ماهية الاستراتيجية
كثيرا ما تتردد كلمة “الاستراتيجية” على ألسنة السياسيين ومحللي السياسات والإعلاميين في سياقات مختلفة، مما يجعلها تبدو وكأنها مصطلح شامل يستخدم للإشارة إلى مجموعة واسعة من الأفكار والخطط. ومع ذلك، تُعد الاستراتيجية مفهوما أعمق وأكثر تحديدا يتجاوز الاستخدامات العشوائية، إذ إنها تتضمن إطارا فكريا ومنهجيا لتحقيق أهداف بعيدة المدى بشكل مدروس ومترابط.
فالاستراتيجية ليست مجرد خطة عمل مرحلية، بل هي رؤية شاملة تتضمن تحديد الأهداف الرئيسية، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية، وصياغة طرق فعالة لتحقيق هذه الأهداف، مع الأخذ في الاعتبار الموارد المتاحة والقيود المحتملة.[1]
وبحسب المنشورات المشتركة للجيش الأمريكي، فإن الاستراتيجية عبارة عن “مجموعة أفكار حكيمة من أجل توظيف أدوات القوة الوطنية بطريقة منظمة ومتكاملة لتحقيق أهداف معينة في مسرح العمليات، وأهداف وطنية أو متعددة الجنسيات”.[2]
وكغيرها من المجالات المعرفية التي يتنازع في طبيعتها، وإذا ما كانت علما أم فنا، يعتبر الأكاديمي والخبير الأمريكي المختص في الدراسات الاستراتيجية، هاري آر. يارغر (Harry R. Yarger)، أن الاستراتيجية هي نهج متكامل تجمع بين كونها فنا وعلما.[3]
وتعتمد الاستراتيجية -بحسب يارغر- على تطوير واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية-السيكولوجية والعسكرية للدولة، بصورة منسجمة مع التوجهات السياسية. وتهدف الاستراتيجية إلى خلق تأثيرات ومجموعة ظروف تحمي المصالح القومية وتعززها مقابل الدول الأخرى، أو الأطراف الفاعلة الأخرى أو الظروف والمستجدات.
كما تعمل الاستراتيجية على إيجاد التآزر والتناسق والتكامل بين الأهداف، والطرائق، والموارد، لزيادة احتمالية نجاح السياسة، والنتائج الإيجابية التي تنجم عن ذلك النجاح.
وفي تفسيره لهذا المنحى الذي يرى أن الاستراتيجية علم وفن، يقول “يارغر” إن من زاوية كونها فنا، يمكن تفسير صياغة الاستراتيجية على أنها ساحة للعبقريات النادرة، حيث يتوصل القادة الموهوبون بفضل حدسهم إلى حلول عظيمة لقضايا معقدة بشأن السياسة الخارجية والحرب. ويؤكد أنه “لا يمكن إنكار دور العبقري الحقيقي”، غير أن معظم الكيانات لا تستطيع تحمل عواقب الانتظار إلى حين وصول عبقري تعول عليه، خاصة وأن العالم اليوم شديد الديناميكية.
وعلى هذا، يمكن الاستفادة من كون الاستراتيجية علما أيضا، حيث يمكن صياغتها بطرق منهجية ومدروسة، من خلال وضع نظريات قابلة للتطبيق والتحسين عبر الدراسة المتأنية والتراكم المعرفي. هذا يجعل الاستراتيجية علما قابلا للتطوير والتحسين المستمر، بحيث لا تعتمد فقط على الحدس الفردي، بل ترتكز على إطار نظري يمكن القياس عليه والاستفادة منه.
ويشير يارغر إلى أن العديد من المفكرين البارزين، مثل صن تزو، وكارل فون كلوزفيتز، وكولن جراي، قد اعتبروا الاستراتيجية علما وفنا، معتبرين أن الفهم العميق والتكامل بين هذين الجانبين هو ما ينتج استراتيجية فعالة وقابلة للتطبيق.[4]
- السياسة والاستراتيجية والتخطيط
في إطار العلاقات التراتبية بين السياسة والاستراتيجية والتخطيط، يمكن القول إن كل مفهوم منها يلعب دورا متكاملا في صياغة وتطبيق السياسات العامة للدولة أو الكيان المقصود.[5] فالسياسة تُعدّ الإطار العام الذي يحدد أهداف الدولة وتوجهاتها، ويعكس مصالحها العليا. وبهذا، تُنشئ السياسة السياق الذي تعمل فيه الاستراتيجية، وتوفر التوجيهات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة ضمن الإطار السياسي العام للدولة أو الكيان.
أما الاستراتيجية، فهي عملية فكرية منضبطة، ذات مخرجات وغايات وطرائق محددة بوضوح، وهي تخدم الهدف السياسي العام، ذلك أن غرضها هو ترجمة هذا الهدف إلى تأثيرات استراتيجية تشكل البيئة المحيطة على النحو الأمثل.
وبالتالي، فإن الاستراتيجية تهتم بالمستقبل وتحليل المشكلات وتجنبها. وهي تؤدي هذه المهمة من خلال تقويم دقيق للبيئة الاستراتيجية لتحديد العوامل الاستراتيجية الفاعلة. ومن خلال تحليل هذه العوامل، تنتج الاستراتيجية بيانا منطقيا يتضمن الغايات والطرائق والوسائل التي تقود إلى المستقبل المنشود.
وعلى هذا، يمكن القول إن الاستراتيجية تخدم هدف السياسة العامة، وتضمن المرونة والقدرة على التكيف، وتضع حدودا تساعد على التفكير السليم.
ومن الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن مهمة المستوى السياسي والاستراتيجي تتمثل في تحديد الهدف السياسي والعمل على تهيئة الظروف لتحقيقه، لكن إذا تبين أن الأدوات الاستراتيجية غير كافية للوصول إلى الهدف، يجب إعادة تعديل الهدف ذاته.
التخطيط، من جانبه، يُمثل خطوة تابعة للاستراتيجية، حيث يركز على تحويل الأفكار والخطط الاستراتيجية إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ. ويتمثل التخطيط في وضع الجداول الزمنية، وتحديد الموارد، وتنظيم العمل اللازم لتحقيق الأهداف المحددة ضمن الإطار الاستراتيجي، مما يجعله أداة تنظيمية لتنفيذ الاستراتيجية وتطبيقها. ويأتي التخطيط، بذلك، كمرحلة تنفيذية تمكّن من ترجمة الخطط الاستراتيجية إلى واقع عملي يساهم في تحقيق السياسة العامة.
وعلى هذا، يمكن القول إن العلاقة بين السياسة والاستراتيجية والتخطيط هي علاقة تكاملية. فبينما تحدد السياسة الإطار العام والتوجهات العليا، تأتي الاستراتيجية لتترجم هذه التوجهات إلى تأثيرات استراتيجية قابلة للتنفيذ، من خلال تحليل دقيق للبيئة وتحديد العوامل المؤثرة.
ثم يأتي التخطيط كمرحلة تنفيذية، حيث يركز على تحويل الأفكار الاستراتيجية إلى خطوات عملية، تشمل تنظيم الوقت وتحديد الموارد، مما يسهم في ترجمة الاستراتيجية إلى واقع عملي يعزز من تحقيق الأهداف العليا للدولة أو الكيان المقصود.
- وظيفة الاستراتيجية
ليس من طبيعة الاستراتيجية طرح حلول جاهزة، إذ أن المنظّرين الأوائل لها يؤكدون على أهمية السياق العام الذي تعمل فيه، غير أنها في الوقت نفسه لا غنى عنها، لأنها حاكمة على كامل المسار الذي تسلكه مؤسسة ما. فكما يُقال، فإن الأخطاء التي تحدث على المستوى التكتيكي في بيئة محدودة يمكن تصحيحها من خلال التدخل على المستويين العملياتي أو الاستراتيجي، لكن من الصعب للغاية تصحيح الأخطاء التي تقع على المستوى الاستراتيجي.
ومن هنا تبرز أهمية نظرية الاستراتيجية في تنمية الفكر الاستراتيجي لدى القادة وصنّاع القرار، إذ أنها تساعد في تنظيم الرؤية بما يمكّن من التعامل بفعالية مع تعقيدات البيئة الاستراتيجية، والتي تشمل التقلبات والمتغيرات والثوابت، بالإضافة إلى القضايا والفرص والتهديدات المحيطة.
علاوة على ذلك، فإنها تحفز على إعادة النظر في الافتراضات والطموحات، كما تشجع على فهم أعمق لافتراضات وطموحات الخصوم والأطراف الأخرى، وتفتح آفاقا ذهنية تُمكّن المعنيين من دراسة جميع الاحتمالات الممكنة، وتشجع على التمعّن في تكاليف ومخاطر القرارات الاستراتيجية، مع مراعاة العواقب المترتبة على كل خيار استراتيجي.
كما تساعد الاستراتيجية على تحقيق توازن مدروس بين قوة الخصوم وإمكانات الحلفاء المحتملين، مما يسهم في بناء قرارات استراتيجية متوازنة وواقعية تستند إلى فهم شامل للعوامل المؤثرة في البيئة الاستراتيجية. إذ لا يكمن نجاح المشاريع الاستراتيجية في صياغة الأهداف فقط، بل يعتمد على القدرة على إدارة الصراع بفعالية، واستباق الأزمات واحتوائها، واستثمار الفرص لتعزيز النفوذ.[6]
“الاستراتيجيا” لدى لدولة الاحتلال الإسرائيلي
بحسب المدرسة البنائية في العلاقات الدولية (Constructivism)، فإن الثقافة الاستراتيجية لأي دولة تعكس مجموعةً من المعتقدات التاريخية، والذاكرة الجماعية، والقيم، والتقاليد، والعقليات، والأفكار السائدة حول الظروف الاستراتيجية.[7]
وعند النظر إلى “إسرائيل”، سنجد أنها ليست دولة عادية، بل هي دولة احتلال تقع في قلب الأمة العربية والإسلامية، ما يجعلها -على الأقل من الناحية النظرية- عرضة للتهديد المستمر. لذا، فإن هناك شعورا دائما لديها بعدم الأمان، ويتفاقم هذا الشعور في ظل الحديث عن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا قديما، الذي بلغ ذروته في الهولوكوست، وهذا بدوره ترك أثّر عميقا في النفسية الإسرائيلية.[8]
فقد أفرز هذا الشعور “عقلية الحصار” أو “متلازمة الهولوكوست”، وهي مصطلحات تعكس هذا الخوف العميق والانشغال بالبقاء والأمن، وهما العاملان الرئيسيان في تشكيل هوية إسرائيل وتوجيه ثقافتها الاستراتيجية وسياسة أمنها القومي.
أما إسرائيل، فطورت عقيدة عسكرية قائمة على الردع من خلال ما أطلق عليه “الحرب غير الاختيارية” أو “حروب البقاء”، حيث تنظر إسرائيل إلى حروبها على أنها صراع وجودي يتطلب الانتصار بكل ثمن، إذ لا يمكنها تحمل هزيمة واحدة دون تعريض وجودها للخطر. وتتسم هذه الاستراتيجية بتضخيم ردود الفعل تجاه أي بادرة صداقة أو جفاء من الدول الأخرى، حيث ترتبط العلاقات الخارجية لإسرائيل بمشاعر عميقة تتجاوز التعاملات السياسية المعتادة.[9]
وعلى هذا، فإن الواقع الديمغرافي والجغرافي الخاص بدولة الاحتلال الإسرائيلي دفعها إلى تبني اهتمام كبير بالفكر والتخطيط الاستراتيجي. فوجودها في منطقة ذات كثافة سكانية عربية وتحديات أمنية مستمرة جعل الحاجة ماسة لتوظيف الإمكانيات والموارد المتاحة بكفاءة لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة.
ويتطلب هذا الوضع الاستثنائي رؤية استراتيجية بعيدة المدى تساعدها في التعامل مع محيطها، حيث يتيح التخطيط الاستراتيجي فرصة لدولة الاحتلال لتنظيم مجمل مواردها المحدودة لتحقيق أقصى استفادة منها، بحيث تضمن تحقيق التفوق، وتتجنب التهديد الوجودي، مع الحفاظ على قوة الردع. هذا بخلاف التفكير التكتيكي الذي يركز على تحقيق أهداف قصيرة المدى وإدارة العمليات اليومية بفعالية في إطار الظروف المحددة والمتغيرة.
بخلاف الاهتمام الإسرائيلي بالفكر الاستراتيجي، نجد أن غالب الدول العربية تعاني من تهميش واضح لهذا النوع من التخطيط، مما يجعلها تفتقر إلى منظومة شاملة لصياغة الاستراتيجيات بعيدة المدى. ففي حين يولي الإسرائيليون أهمية كبرى للتخطيط الاستراتيجي لتوظيف مواردهم المحدودة بكفاءة أعلى، معتمدين على ميزانيات مخصصة وبيئة تشجع النقاش والتحليل، نجد أن كثيرا من الدول العربية تتجه نحو قرارات تعتمد على ردود الأفعال أكثر من كونها رؤىً استراتيجية مدروسة.
ويعود ذلك إلى عوامل عدة؛ منها نقص الميزانيات الكافية، وغياب البيئة الفكرية الحرة، بالإضافة إلى عدم وجود طبقة سياسية تضع المصلحة العامة فوق الانقسامات، مما يحدّ من فرص تكوين منظومة فكرية تستجيب للتحديات بفعالية. ونتيجة لذلك، تبقى الاستراتيجيات العربية قيد التأثر بالعوامل الطارئة وقرارات السلطة، دون أن يتم تأسيس مسار فكري يجمع بين التفكير والتدبير الواقعي.[10]
وعلى الرغم من الانشغال الكبير لدولة الاحتلال الإسرائيلي بالشؤون الاستراتيجية، إلا أنها لم تنشر حتى الآن استراتيجية رسمية للأمن القومي أو عقيدة دفاعية متكاملة. فلا تصدر إسرائيل وثائق استراتيجية كالتي تصدرها الولايات المتحدة (مثل استراتيجية الأمن القومي) أو المملكة المتحدة (الكتب البيضاء).
ويُعد رئيس الوزراء المؤسس لدولة الاحتلال، دافيد بن غوريون، القائد الوحيد الذي وضع عقيدة دفاعية في الخمسينيات، والتي تُعرف بـ “عقيدة بن غوريون”، وتُعتبر أقرب ما تملكه إسرائيل لاستراتيجية أمن قومي حتى يومنا هذا، لكن لم تُوضَّح بشكل كامل كتابيا ولا اعتُمدت رسميا.
وشهدت العقود اللاحقة محاولات لتحديث هذه العقيدة لتتلاءم مع التغيرات الجوهرية في الظروف الاستراتيجية لإسرائيل، ففي عام 2006، أجرى فريق استراتيجي متعدد الوكالات، عُرف بـ “لجنة ميريدور”، مراجعة استراتيجية موسعة، حيث نُفّذت بعض توصياتها عمليا، وفي عام 2015، أصدر الجيش الإسرائيلي لأول مرة بيانا رسميا حول السياسة العسكرية الوطنية، عُرف بـ”استراتيجية الجيش”، وتضمن نسخا سرية وغير سرية، ثم حُدّثت في عام 2018.
وفي منتصف العقد الثاني من الألفية، أجرى مجلس الأمن القومي مراجعات أساسية لاستراتيجيات إسرائيل في المجالات العسكرية ومكافحة الإرهاب، وأكملت مسودة لاستراتيجية أمن قومي، إلا أن هذه المسودة تعثرت بسبب الخلافات البيروقراطية.
وبالعودة إلى عمليات اتخاذ القرار المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، فإنها تتأثر بثلاثة عوامل رئيسية: بيئتها الخارجية، ونظامها الانتخابي، وأولوية المؤسسة الدفاعية.[11]
بالنسبة للبيئة الخارجية، تواجه إسرائيل تحديات أمنية معقدة ومستمرة منذ تأسيسها، نتيجة بيئة خارجية غير مستقرة تشمل الحروب، والتهديدات، والهجمات الصاروخية، والحروب الدبلوماسية. لكن عززت التطورات في العقود الأخيرة، مثل اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والمغرب، فرص التعاون في مواجهة إيران، الأمر الذي يوسع خيارات إسرائيل الاستراتيجية.
علاوة على ذلك، فإن السياسة الإسرائيلية الداخلية تتطلب الحفاظ على ائتلاف حكومي يشمل العديد من الأطراف، مما يجعل القرارات السياسية تتسم غالبا بالتأجيل والتسوية. حيث يؤثر التوجه السياسي الداخلي بشكل كبير على اتخاذ القرارات، ويتداخل مع السياسة الخارجية مما يجعل اتخاذ تعديلات على التوجهات الاستراتيجية أمرا صعبا.
أما بالنسبة للجيش، فإنه يتمتع بنفوذ كبير وحصة ضخمة من الموارد، ويتميز بقدرات متقدمة في التقييم والتخطيط وتنفيذ السياسات بسرعة واستمرارية، مما يعزز تأثيره في عملية صنع القرار. كما يُعتبر الجيش جهة محايدة عن التجاذبات السياسية، وموثوقة -إلى حد ما- تتوحد حول مواقفه الأحزاب السياسية المتنافسة، ويستخدم السياسيون تقييماته لتبرير مواقفهم. لذلك، غالبا ما تصبح مواقف الجيش هي السياسة الوطنية للأمن القومي في إسرائيل.
لكن مع تزايد تعقيد القضايا التي تواجه إسرائيل وتوسع البيروقراطية الأمنية القومية، أصبح هناك حاجة ملحة لتنسيق أكثر فاعلية بين الجهات المختلفة. وهي مشكلة مشتركة بين الحكومات في جميع أنحاء العالم، لكنها تتفاقم في إسرائيل بسبب الطابع غير الرسمي لصنع القرار، والخوف من التسريبات، والتسييس.
وجزء من هذه المشكلة المتفاقمة هي وجود “وزارة الشؤون الاستراتيجية” الإسرائيلية، التي تحمل مسؤولية بعض الملفات الاستراتيجية في دولة الاحتلال، لكنها من جهة أخرى تعتبر مصدرا للمناكفات السياسية بين الأحزاب المختلفة. وسوف نحاول استعراض تاريخها وأدوارها والجدل حولها بشيء في التفصيل في المحور القادم.
وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية
- التأسيس والتطورات
تأسست “وزارة الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية العامة” الإسرائيلية في عام 2006 خلال حكومة رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، استجابة لتحديات خارجية عدة وعلى خلفية النقاشات السياسية حول توزيع المناصب الوزارية.
فخلال المفاوضات بين أولمرت وأفيغدور ليبرمان بشأن انضمام حزبه “إسرائيل بيتنا”، إلى الائتلاف الحكومي، تأسست وزارة الشؤون الاستراتيجية كحل وسط يمنح ليبرمان منصبا وزاريا يتعلق بالقضايا الأمنية الحساسة، تحديدا الملف النووي الإيراني، بدلا من وزارة الأمن الداخلي التي كان يريد توليها في البداية، لكنها لم تُمنح له بسبب قضايا التحقيق الجنائي التي كانت تجري ضده، ولأن المنصب كان مشغولا بالفعل.
وبهذا كان ليبرمان الوزير الأول لها، وكان من بين المهام الأولية الموكلة له التصدي للتهديدات الإيرانية والتعامل مع ملفات حساسة تتعلق بالأمن القومي. وجاء هذا في وقت تصاعدت فيه التوترات مع إيران، حتى أنه شهد تهديدات إسرائيلية بأنها على بعد شعرة واحدة من إسقاط القنابل، وربما الرؤوس النووية، على طهران.[12]
وحيث إن عمل ليبرمان تركز على الملف الإيراني، فقد تعددت لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، منهم وزيرة الخارجية حينها كوندوليزا رايس،[13] وسلفها الاستراتيجي الأمريكي الشهير هنري كيسنجر،[14] هذا فضلا عن لقاءات جمعت ليبرمان بمسؤولين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).[15]
وفي يناير/كانون الثاني 2008، استقال ليبرمان من الحكومة، وأعقب ذلك قرارٌ بإغلاق الوزارة في أبريل/نيسان من نفس العام ونقل مهامها إلى وزارات أخرى. إلا أنه في مايو/أيار 2009، أعادت الحكومة الإسرائيلية الثانية والثلاثون -التي كانت الأكبر في تاريخ إسرائيل- تأسيس الوزارة بقيادة موشيه يعلون،[16] الذي شغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء، وهو ينتمي لحزب الليكود.
وركزت الوزارة حينها على ما وصفته بـ “التحريض الفلسطيني” ضد إسرائيل، لكن بالرجوع إلى تلك الفترة، نجد أن “يعلون” كان يحتك بملفات أخرى كالملف السوري،[17] والعلاقات مع السلطة الفلسطينية،[18] ومستقبل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة،[19] والملف الإيراني.[20]
وفي تطور لاحق، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قررت الحكومة دمج وزارة الشؤون الاستراتيجية مع وزارة الاستخبارات تحت مسمى “وزارة الاستخبارات”. واستمر هذا الدمج حتى مايو/أيار 2015، عندما تقرر فصل الوزارتين من جديد، حيث عادت الوزارة إلى اسمها القديم “وزارة الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية العامة”.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بدأت فترة جديدة في تاريخ الوزارة، ففي تلك المرحلة الجديدة، حصلت الوزارة على ميزانية كافية لتأسيس نظام جديد ومرن، يهدف إلى إحداث تحول في ميزان القوى في النقاش العالمي حول إسرائيل، عبر نقل خطاب “إسرائيل” من موقف الدفاع إلى الهجوم.[21]
وحينها، صبت الوزارة اهتمامها على ملف استراتيجي آخر، وهو قيادة دور هجومي ضد “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS). وسعت الوزارة في هذه الفترة إلى مكافحة كل أشكال ما وصفته بـ “نزع الشرعية” عن إسرائيل، كأولوية استراتيجية.[22]
وبتعبير المديرة العامة للوزارة حينها، سيما فاكنين جيل، فإن الهدف الرئيسي للوزارة أصبح “تعزيز صورة إسرائيل عالميا بحيث لا يُطرح أي تساؤل عن حق إسرائيل في الوجود بحلول عام 2025”. حيث اعتبرت أن “الحركة الصهيونية حققت الكثير، لكن في الوقت الحاضر تُعتبر إسرائيل “منبوذة” في العديد من الدول”.[23]
أو بتعبير مدير برنامج فلسطين/إسرائيل في “المركز العربي” بواشنطن العاصمة، يوسف منير، فإن هدف الوزارة بات “قمع وإسكات منتقدي إسرائيل في جميع أنحاء العالم”.[24] بينما قال “مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان” إن استراتيجية الوزارة هي “نزع الشرعية عن الأصوات الناقدة في المجتمع المدني من خلال حملات التشهير واتهامها بالإرهاب أو بمعاداة السامية، بالإضافة إلى ممارسة الضغوط على الجهات التي تمنحها مساحة للتعبير عن آرائها؛ والسعي لقطع مصادر تمويلها”.[25]
والحقيقة أن ملف “مقاطعة إسرائيل” كان جزءا من مهام الوزارة منذ عام 2009، إلا أن التطور هو أنه أصبح الملف شبه الوحيد الذي تركز عليه وزارة الشؤون الاستراتيجية.[26] وباتت أيضا “جميع أنشطة الهيئات الحكومية المتعلقة بهذا المجال، بما في ذلك التعاون مع المنظمات غير الحكومية في إسرائيل والخارج، تنسّق بانتظام مع وزارة الشؤون الاستراتيجية”، بحسب ما أوردته صحيفة “هآرتس”.[27]
ووفق ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، فقد أتى هذا القرار في أعقاب سلسلة من الشهادات والمعطيات التي أثبتت وجود حملة ممنهجة تشنها منظمات مختلفة من شأنها “نزع الشرعية عن دولة إسرائيل بصفتها وطن الشعب اليهودي”، وذلك من خلال الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات عنها وفرض العقوبات عليها. وشملت تلك الحملة -بحسب الحكومة الإسرائيلية- “خطوات وإجراءات تتخذ ضد دولة إسرائيل اقتصاديا وأكاديميا وثقافيا وإعلاميا تستهدف إسرائيل كوطن قومي شرعي للشعب اليهودي”.[28]
وكانت رسالة الوزير الجديد، جلعاد إردان، هي الانتقال “من الدفاع إلى الهجوم”، أو بعبارة أخرى، “بدلا من تعرض إسرائيل لهجوم من جانب كارهيها، فلنهاجمهم نحن”.[29] وفي هذا السياق، ظهرت تقارير تدلل على أن الوزارة باتت وكأنها “نوع من وكالات الاستخبارات”.[30]
ثم شهد اسم الوزارة تغييرا، بعد أن تولتها أوريت فركاش هكوهين،[31] وكما ينقل موقع “العين السابعة”، فقد كان هذا بأمر مباشر من نتنياهو. ففي معرض حديثها أمام نتنياهو، استخدمت “فركاش هكوهين” الاسم الكامل لوزارتها، “وزارة الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية العامة”. لكن مصطلح “الدبلوماسية العامة” أزعج رئيس الوزراء، فقرر اتخاذ إجراء بشأنه.
وتقول إحدى موظفات الوزارة: “نتنياهو، دون سبب ظاهر، أمر بإزالة كلمة “الدبلوماسية العامة” من اسم الوزارة، وهكذا اتخذ قرار تغيير الاسم”، وأشارت الموظفة إلى أن الوزيرة أحبطت من هذا التغيير وشعرت بأنه إهانة لها، رغم أن صلاحيات الوزارة ظلت كما هي.[32]
مع تشكيل الحكومة السادسة والثلاثين في 2021، وفي ضوء الاتفاق الائتلافي بين حزبي “يش عتيد” برئاسة يائير لبيد، و”يمينا” برئاسة نفتالي بينيت، تقرر مرة أخرى إغلاق الوزارة ونقل مسؤولياتها إلى وزارة الخارجية.
إلا أن الوزارة عادت مرة أخرى للعمل في ديسمبر/كانون الأول 2022 مع تشكيل الحكومة السابعة والثلاثين، برئاسة نتنياهو. وبحسب مقال نشرته مجلة “Fathom Journal” ليعقوب دلال، الذي عمل في الوزارة لمدة 5 سنوات، فقد كان من المتوقع أن يعاد تشكيل وزارة الشؤون الاستراتيجية لتصبح جزءا من وزارة شؤون الشتات الموسعة.[33]
وربما ما جعل هذا متوقعا بالنسبة للبعض هو أن وزارة الشتات الإسرائيلية لها أعمال تتعلق بصورة إسرائيل في الخارج، وهو المجال الذي ركز عليه عمل الوزارة حينها كما أسلفنا. فقد نسقت واستضافت وزارة الشتات -إلى جانب وزارة الخارجية- مؤتمرات دورية تحت عنوان المنتدى العالمي لمكافحة “معاداة السامية”. عُقد أول مؤتمر دولي للمنتدى في عام 2007، وتبعه مؤتمرات في أعوام 2008 و2009 و2013 و2015، مع انعقاد المؤتمر السادس عام 2018 في القدس المحتلة.[34]
لكن لم تُعاد وزارة الشؤون الاستراتيجية على هذه الصورة، بل باتت تحمل ملفات عديدة وأكثر عمقا، حيث عُيّن رون ديرمر وزيرا للشؤون الاستراتيجية، مع تغيير أولويات الوزارة -من يومها وحتى الآن- بحيث توسعت صلاحيات الوزارة على حساب وزارة الخارجية، فبات من مهماتها ملفات استراتيجية حيوية، منها توسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، والتعامل مع البيت الأبيض، بجانب المشاركة في إدارة الملف الإيراني، كما سنفصّل فيما بعد.
وإجمالا، يمكن القول إن القرار المتكرر بإغلاق الوزارة وإعادة فتحها يعكس الديناميكيات المتغيرة داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث يُعاد النظر في الحاجة للوزارة بناءً على الأجندة السياسية للحكومة الحاكمة، ومحاولات تحقيق استقرار حكومي من خلال توزيع المناصب وتلبية مطالب الأطراف المتحالفة.
وعلى الرغم من هذا التغيير، فمن الملاحظ أن الوزارة ظلت تتعامل مع ملفات استراتيجية وأولويات تعتبر حيوية بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث شملت مهامها تهديدات تقليدية كالتصدي للملف النووي الإيراني، وتهديدات غير تقليدية مثل مواجهة حركة المقاطعة (BDS) ومحاولات “نزع الشرعية” عن إسرائيل على المستوى الدولي.
- ميزانية الوزارة.. غموض ومصادر خفية للتمويل
تزيد ميزانية الوزارة بشكل رسمي عن 40 مليون شيكل سنويا، ففي عام 2016، صرحت “فاكنين جيل” أن ميزانية جهود الوزارة لمكافحة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في ذلك العام بلغت 44 مليون شيكل (11 مليون دولار).[35] وفي عام 2018، بلغت ميزانية الوزارة نحو 45 مليون شكيل، وهي فترة تصاعد فيها نشاط الوزارة ضد حركات المقاطعة.
ورغم وجود هذه الأرقام على المستوى الرسمي، إلا أن تفاصيل هذه الميزانية بقيت محاطة بالغموض. فقد رفضت “فاكنين جيل” الكشف عن تفاصيل أنشطة الوزارة أمام الكنيست في 2016، وقالت لأعضاء لجنة في الكنيست إن “الكثير مما نقوم به يتم تحت الرادار”. كما أن هناك تقارير تحدثت عن أبواب خلفية تحصل من خلالها الوزارة على تمويل إضافي.[36] أي أن هناك بعض التعتيم على المصادر التي تضع فيها الوزارة ميزانيتها، هذا بجانب أن الوزارة تحظى بتمويل غير رسمي أيضا.
ففي استجواب في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 7 أغسطس/آب 2016، ترأسته عضوة الكنيست، ستاف شابير -التي تنتمي إلى حزب العمل الإسرائيلي وهو حزب يساري علماني- ذكرت “شابير” أنه إضافة إلى ميزانية الوزارة التي تبلغ نحو 40 مليون دولار، هناك استثمار إضافي قدره 100 مليون شيكل فوق هذا المبلغ، دون وجود تفاصيل دقيقة حول كيفية تخصيص هذه الأموال.[37]
وفي عام 2017، كشف تحقيق صحفي عن تفاصيل شبكة نفوذ بنتها الوزارة، حيث خصصت مبلغ سنوي قدره 45 مليون شيكل لها لتنفيذ “أنشطة الوعي الجماهيري”، وهو ما يعادل تقريبا ميزانية الوزارة بأكملها لعام 2018.[38]
وفي أواخر عام 2017، حولت الحكومة مبلغ 128 مليون شيكل إلى شركة “كالي شلومو”، المرتبطة بوزارة الشؤون الاستراتيجية، كما جُمع مبلغ مماثل من مانحين من القطاع الخاص من جميع أنحاء العالم.[39] وفي مقابلة لرئيس الهيئة، ميخا لاكين أفني، مع موقع “تايمز أوف إسرائيل”، أعلن المسؤول الإسرائيلي عن جمع 10 ملايين شيكل بشكل مستقل بعيدا عن المشروع الحكومي.
في هذه الفترة، تضمن عمل الشركة تنفيذ “أنشطة وعي جماهيري” كجزء من “المعركة ضد حملة نزع الشرعية” عن إسرائيل في العالم. ومع ذلك، ظلت هذه الهيئة تحت السرية ولا تخضع لقانون حرية المعلومات، مما زاد من الغموض المحيط بنشاطاتها.
وفي عام 2021، تمكنت من الحصول على 20 مليون شيكل خُصصت لدعم المنظمات غير الحكومية من خلال مشروع صندوق (Restart).[40]
وفي بعض محطات الوزارة، كانت هناك مصادر دخل أخرى إضافية غير الميزانية الرسمية، كما أشرنا، مثل الدعم من منظمات غير حكومية أو تمويل خاص، بالإضافة إلى الأموال التي تحول إلى مشروعات خارجية عبر شركات خاصة مثل “كيلا شلومو”، والمنظمات اليهودية في الشتات، والمسيحيين الإنجيليين، والجمعيات اليمينية، ومجموعة من العاملين في الدعاية لا تُعرف هويتهم حتى الآن.[41]
هذه المصادر، رغم كونها قد تساهم في توسيع نطاق أنشطة الوزارة، إلا أنها عززت من غموض آليات تخصيص الأموال وطريقة إدارتها. علاوة على ذلك، فإن ذلك يفتح الباب للحديث عن أن وزارة الشؤون الاستراتيجية تحظى بدعم مالي من اليمين سواء الإسرائيلي، أو الأمريكي الصهيوني، وأنهم يولون اهتماما بالأنشطة التي تضطلع بها الوزارة.
ومن الملاحظ أن الغموض في ميزانية الوزارة ونشاطها صاحب صعود جلعاد إردان، الذي تولى الوزارة طيلة 5 سنوات، من عام 2015 إلى عام 2020، قبل أن يعلن نتنياهو أن “إردان” سيصبح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة.[42]
وربما يرجع هذا بشكل أساسي إلى طبيعة نشاط الوزارة في هذه الفترة، باعتبار أنها كانت تضطلع بنشاطات ضد “حركة المقاطعة”، وضد ما تصفه بـ “نزع الشرعية” عن إسرائيل، وهي نشاطات معظمها في بلدان أوروبية وأمريكية. وعلى هذا، اعتمدت الوزارة نهج التعامل مع شركات تقوم ببعض النشاطات لها في تلك البلدان، من ذلك إنشاء شركة “كالي شلومو”، في خطوة هدفت إلى إخفاء مصدر الأموال المحولة إلى المنظمات الخارجية، مما يساهم في تفادي ربط هذه الأنشطة بالحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر.
ومن خلال هذه الميزانية، يتبين أن الموارد الرسمية التي تخصصها الحكومة للوزارة محدودة على المستوى الرسمي بسبب محدودية الملفات التي تديرها. فهي تدير ملفا استراتيجيا واحدا تقريبا، وإن كان يتغير من حين لآخر وفقا للأولويات السياسية والترتيبات الحزبية الداخلية، مثل ملف “حركة المقاطعة” أو ملف “التهديد الإيراني”. لكن في الوقت نفسه، فإن للوزارة أبوابا خلفية للتمويل، سواء من داخل “إسرائيل”، أو خارجها، وبالأخص من المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة.
- هيكلية الوزارة
تتمتع وزارة الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل بهيكل إداري محدود نوعا ما، حيث تقتصر أنشطتها على عدد قليل من الملفات، وربما تنحصر مهمتها في ملف واحد في بعض الأحيان، كما أسلفنا، وهذا ما كان موجودا خلال السنوات الخمس التي تولاها “إردان”.
وعند النظر في الهيكل الإداري للوزارة -التي تقع مكاتبها في برج تشامبيون في بني براك بتل أبيب-[43] يمكن ملاحظة أن هناك بجانب الوزير، مدير عام للوزارة، وعدد محدود من الموظفين.[44] فعندما تولى “إردان” الوزارة استمر العمل ضمن هيكل محدود يضم حوالي 33 موظفا -أو 40 موظفا وفق بعض التقارير، في المجموع-[45] من بينهم، 21 موظفا محترفا ذوي خبرة في مجال مكافحة “نزع الشرعية” عن إسرائيل، بالإضافة إلى 12 موظفا آخرين يعملون في المقر، بما في ذلك المكتب التنفيذي والقسم القانوني.[46]
لكن كما يوجد غموض في السياسات المالية للوزارة، هناك أيضا غموض في عدد موظفيها؛ فبجانب هيكلها الرسمي الثابت، هناك توجه من الوزارة نحو التعاون مع أفراد وشركات خارجية، إذ تعاون مع الوزارة -بشكل غير مباشر- مئات الناشطين والعاملين في المنظمات غير الحكومية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي وخارجها.
هذا فضلا عن التعاون مع شركات خارجية، منها شركة “كالي شلومو” كما ذكرنا آنفا، وكيان آخر تابع لها يُطلق عليه داخل الحكومة الإسرائيلية “Israel Cyber Shield“، رغم أن تسميته الرسمية هي “كاشيت دوفيد”. وكانت مهمة هذا الكيان متمحورة حول الأنشطة الاستخبارية والبحثية، التي كانت محاطة بالسرية، والتي شملت تتبع الناشطين المؤيدين للفلسطينيين في الخارج.[47]
علاوة على ذلك، فإن الأرقام التي توصل إليها الباحث وأوردها أعلاه حول هيكل الوزارة كانت قبل نحو 4 سنوات، عندما كان “إردان” على رأس الوزارة، أما الآن، فلا توجد معلومات متاحة حول هيكل الوزارة، حتى في ظل توسع وتعقد الملفات التي تديرها أو تشارك في صناعة القرار فيها.
وبخصوص مؤهلات العاملين في وزارة الشؤون الاستراتيجية، فرغم عدم توفر الكثير من المعلومات عن طبيعة مؤهلات الموظفين، إلا أنه يمكن القول إنهم يتمتعون بمقومات تتعلق بالشؤون الإعلامية، فضلا عن أن بعضهم له قدر من الاحتكاك بالدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، فإن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سابقا، رونان مانليس، عمل في الوزارة وشغل منصب المدير العام لها.[48]
كما أن أحد أطول الموظفين عملا في الوزارة كان يعقوب دلال، الذي وُلد وتعلم في الولايات المتحدة، وعاش نحو 15 عاما في دولة الاحتلال الإسرائيلي. والذي لا يعتبر نفسه غريبا على المؤسسة الإسرائيلية وجهودها الدبلوماسية العامة. إذ خدم كضابط لمدة 5 سنوات في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك منصب القائم بأعمال رئيس مكتب الصحافة الدولية أثناء حرب لبنان الثانية في عام 2006. كما عمل يعقوب مديرا للعلاقات العامة في الوكالة اليهودية لإسرائيل وفي منظمة “Birthright Israel” في نيويورك، وفي مؤسسة “Mandel Foundation” في القدس المحتلة.[49]
- الوزارة والخلافات السياسية الداخلية
تقع وزارة الشؤون الاستراتيجية في قلب الخلافات السياسية الداخلية في “إسرائيل”، إذ تُتهم بأنها أداة بيد اليمين الإسرائيلي تهدف إلى سحب ملفات استراتيجية من وزارة الخارجية الإسرائيلية، مما يؤدي إلى إضعافها وتقليص تأثيرها التقليدي على الساحة الدبلوماسية.
هذه الاتهامات تتعلق بالدور المتزايد الذي لعبته الوزارة في العديد من القضايا الحساسة، لا سيما في مجال حملات الدعاية وصورة إسرائيل في أوروبا وأمريكا، والملف الإيراني، والعلاقات مع الولايات المتحدة، وهو الدور الذي كان يُفترض أن يكون من اختصاص وزارة الخارجية.
فالملفات التي أحيلت إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية منذ تأسيسها، هي ملفات تخضع لوزارة الخارجية بشكل رئيسي، وفي الفترات التي ألغيت فيها وزارة الشؤون الاستراتيجية كانت هذه الملفات تعود إدارتها مرة أخرى إلى وزارة الخارجية.
وعندما أعلن عن تولي “إردان” الوزارة في 2015، نص القرار على أن “جميع أنشطة الوكالات الحكومية المتعلقة بهذا المجال، بما في ذلك التعاون مع المنظمات غير الحكومية في إسرائيل والخارج، سيتم تنسيقها بانتظام مع وزارة الشؤون الاستراتيجية”. أما بالنسبة لوزارة الخارجية، التي كانت مسؤولة لسنوات عن مكافحة المقاطعة ضد إسرائيل، فستواصل “الترويج لأهداف إسرائيل، بما في ذلك في مجال المعركة، وكل ذلك بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاستراتيجية”.
وحينها، أعرب موظفو وزارة الخارجية، التي تُعد وزارة أكبر ولديها موارد أكثر بكثير، عن استيائهم من الخطة المقترحة “لتكرار كيان موجود بالفعل داخل وزارة الخارجية لأسباب غير واضحة”.[50]
أيضا، أعرب هانان غودر، رئيس لجنة الموظفين في وزارة الخارجية -والذي شغل كذلك منصب سفير إسرائيل لدى جوبا ونيبال- عن استيائه قائلا: “بدلا من تخصيص الميزانية المناسبة لقسم المقاطعة داخل وزارة الخارجية، خصصت حكومة إسرائيل موارد تفوق بخمسين ضعفا لصالح وزارة الشؤون الاستراتيجية”.
ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أنه خلال فترة تولّي إردان والمديرة العامة للوزارة سابقا، فاكنين جيل، حدثت عمليتان متوازيتان. فمن جهة، ارتفع تمويل الوزارة بشكل ملحوظ، ومن جهة أخرى، تقلصت ميزانية وزارة الخارجية بشكل كبير. ونتيجة لذلك، تقلّصت قدرة الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الإسرائيلية.[51]
كما أورد تحقيق لموقع “العين السابعة” الإسرائيلي أن وزارة الشؤون الاستراتيجية أُسست كجزء من عملية طويلة لتقليص صلاحيات وزارة الخارجية، التي تُعتبر قديمة، وبطيئة، وذات توجهات يسارية. أما وزارة الشؤون الاستراتيجية فقد سعت لأن تكون نقيضا لهذا النموذج، بحيث تروج لنفسها على أنها الوزارة الشابة ذات الاسم اللافت. وهدفت الوزارة الجديدة إلى أن تكون رأس الحربة في الإعلام الإسرائيلي، “وكأنها وحدة كوماندو تهدف إلى التخلص من الجمود الذي يميز الحرس الدبلوماسي القديم والانطلاق إلى الأمام نحو عصر السايبر”، وفق تعبير الموقع.[52]
وبينما تتصاعد هذه الانتقادات من قبل الأحزاب والجهات اليسارية، التي تعتبر أن وزارة الشؤون الاستراتيجية تهمش دورهم، فإن من الضروري أولا التطرق إلى الأشخاص الذين تولوا قيادة الوزارة لفهم توجهاتها.
– الوزراء وتوجهاتهم:
منذ تأسيس وزارة الشؤون الاستراتيجية، تولى عدة وزراء قيادتها، وكان لكل منهم توجهاته الحزبية. في بداية تأسيس الوزارة، كان أفيغدور ليبرمان (وزير الشؤون الاستراتيجية من 30 أكتوبر/تشرين الأول 2006 حتى 18 يناير/كانون الثاني 2008) هو أول من شغل هذا المنصب، وكان ينتمي إلى حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني، الذي يشتهر بمواقفه القوية والمتشددة في السياسة الإسرائيلية.
بعده، تولى إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق من حزب “كاديما”، الوزارة لفترة قصيرة في 2008، وكان في تلك الفترة يشغل أيضا منصب رئيس الحكومة. والجدير بالذكر أن الحزب يعتبر حزب وسط، ومؤسسه هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أريئيل شارون، بعيد انسحابه من حزب الليكود.
ثم جاء موشيه يعلون من حزب الليكود، ليشغل الوزارة من 31 مارس/آذار 2009 حتى 18 مارس 2013، وهو شخصية معروفة بتوجهاتها الأمنية المتشددة. تلاه يوفال شتاينيتز، أيضا من الليكود، الذي تولى الوزارة بين 18 مارس 2013 و14 مايو/أيار 2015.
ثم تولى زئيف إلكين، من حزب الليكود، الوزارة بين 14 مايو 2015 و25 مايو 2015. وتعتبر هذه الفترة قصيرة، حيث كان يقف على رأس الوزارة في فترة انتقالية.
وكما أشرنا آنفا، فإن جلعاد إردان من حزب الليكود، الذي تولى الوزارة بين 25 مايو 2015 و17 مايو 2020، يُعتبر من الشخصيات البارزة التي طورت النشاطات الإعلامية والأنشطة المتعلقة بمكافحة “نزع الشرعية” عن إسرائيل، مما جعل وزارته محورا للجدل السياسي بين اليمين واليسار في إسرائيل في تلك الفترة.
فيما بعد، تولت أوريت فركاش-هاكوهين من “حزب أزرق أبيض”، الذي يترأسه حاليا وزير الحرب السابق بيني غانتس، الوزارة من 17 مايو 2020 حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ثم خلفها مايكل بيتون من نفس الحزب حتى 13 يونيو/حزيران 2021، وهما شخصيتان من تيار الوسط أيضا.
وفي وقت لاحق، تولى يائير لابيد من “حزب يش عتيد” الوزارة في 13 يونيو 2021، لكنه شغلها لفترة قصيرة حتى 3 أغسطس/آب 2021، إلى أن ألغيت الوزارة على يد “لابيد”، الذي يعد أحد زعماء اليسار السياسي الإسرائيلي في الوقت الراهن.
وذلك، قبل أن يعيد نتنياهو مرة أخرى الوزارة، ويعين، رون درمر، من الليكود الوزارة في ديسمبر/كانون الأول 2022، مع توسيع صلاحياته، ليظل في المنصب حتى الوقت الراهن.
وعلى هذا، يظهر من هذا التسلسل أن وزارة الشؤون الاستراتيجية قد خضعت لتغييرات ملموسة وفقا للتحولات السياسية الداخلية في إسرائيل. فغالبا ما ترأس الوزارة سياسيون يمينيون أو من الوسط المتحالف مع اليمين.
لكن عندما تولى الوزارة “لابيد”، الذي يمثل التيار اليساري، كانت خطوة إلغاء الوزارة بمثابة إعلان عن الاختلاف في الرؤى بين اليمين واليسار في التعامل مع وزارة الشؤون الاستراتيجية، بل إن إلغاء الوزارة كان وعدا من لابيد قبل توليه منصبه.[53]
وعقد “لابيد” -الذي تولى وزارة الخارجية، داخل الحكومة الائتلافية قبل أن يتولى رئاسة الحكومة فيما بعد- مؤتمرا للموظفين داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 14 يونيو/حزيران عام 2021.[54]
وفي خطابه لهم، أشار أنه في الاتفاقات الائتلافية أصر على تخصيص إضافة مالية كبيرة لوزارة الخارجية. وأضاف أنه سيعيد الوزارة للتركيز على القضايا الاستراتيجية، بما في ذلك إدارة الحملة ضد حركة المقاطعة (BDS) -التي كانت مسؤولية وزارة الشؤون الاستراتيجية- بالإضافة إلى تسريع عملية تعيين السفراء التي تأخرت لفترة طويلة.
كما اعتبر لابيد على أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتعرض لعملية “تجفيف”، وأكد أن هذه العملية لن تستمر، مُثنيا على جهود الموظفين الذين استمروا في أداء عملهم بالرغم من الظروف الصعبة، وفق وصفه.
ومما يؤكد الموقف السلبي الذي اتخذه “لابيد” هو رفض وزارة الخارجية دمج موظفي وزارة الشؤون الاستراتيجية في بنية وزارة الخارجية. فقد كان العاملون في وزارة الشؤون الاستراتيجية يرون في أنفسهم أنهم مؤهلون للاندماج في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية. ولكن في المقابل، أعرب حينها مسؤول رفيع في وزارة الخارجية لموقع “شكوف” الإسرائيلي عن تشككه في إمكانية دمج هؤلاء الموظفين، مشيرا إلى أن بإمكانهم “التقدم لدورة الدبلوماسيين”، مما عكس عدم جدية الوزارة في استقبالهم بشكل فعلي.[55]
وبجانب ذلك، كان لدى بعض أطراف التيار اليساري انتقاد آخر لعمل الوزارة خاصة خلال الأعوام الخمسة، من 2015 إلى 2020، حيث كان التيار اليساري يرى أن عمل الوزارة ضد جهود “نزع الشرعية” عن إسرائيل غير ذي صلة، وأن تغيير إسرائيل لسياساتها تجاه الفلسطينيين قد يقلل من الحملات المناهضة لها.[56]
لكن إلغاء الوزارة لم يدم طويلا، فبعد عودة نتنياهو، أعاد الوزارة لتكون أداة في يد اليمين مرة أخرى، مع تعزيز صلاحياتها، بحيث شملت ملفات هي من صلب عمل وزارة الخارجية مثل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأبرز لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وزارة الشؤون الاستراتيجية في عهد “رون ديرمر”
- نفوذ متصاعد
ما يعزز فرضية أن نتنياهو يرغب في تعزيز دور وزارة الشؤون الاستراتيجية هو أنه عين على رأسها رون ديرمر (53 عاما)، ذو العقلية الاستراتيجية،[57] الذي له علاقات واسعة مع الولايات المتحدة.
هذا فضلا عن إمكانياته الشخصية التي تمكنه من لعب دور فعال، يوازي دور وزير الخارجية، بل يفوقه، خاصة وأن وزير الخارجية الذي عينه نتنياهو قبل أن ينقله، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ليكون وزيرا للحرب، هو يسرائيل كاتس، الذي لا يُعرف عنه أنه شخصية قوية في حكومة نتنياهو، ولا يُعتبر قريبا منه.[58]
في المقابل، يتمتع “ديرمر” بعلاقة قوية مع نتنياهو، وعلاقات ممتدة مع الولايات المتحدة، بدأت من ولادته في ولاية فلوريدا، حيث نشأ، قبل أن يقرر في عام 1996، وهو في عمر 25 عاما تقريبا، الانتقال إلى “إسرائيل”. وفي 1997 بدأ إجراءات حصوله على الجنسية الإسرائيلية، ليصبح بذلك أحد الشخصيات المميزة التي تجمع بين الهوية الأمريكية والإسرائيلية.
تجسدت علاقة “ديرمر” الوثيقة مع الولايات المتحدة في مسيرته المهنية، حيث عمل في واشنطن في بداية حياته السياسية، مستشارا اقتصاديا في سفارة إسرائيل في الفترة من 2005 إلى 2008. وساعد “ديرمر” في التوصل إلى اتفاقية المساعدات العسكرية لعام 2007، وكان له دور مهم في دفع الولايات الأمريكية لوقف استثماراتها في إيران، قبل أن يتولى منصب السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة بين عامي 2013 و2021.
وخلال فترة عمله كسفير، كان يُعتبر من المقربين من نتنياهو، وعُرف بأنه “العقل الاستراتيجي”، الذي ينسق العلاقات مع البيت الأبيض ويدير الكثير من العلاقات مع الكونغرس الأمريكي. بل ووُصف في عام 2010، بأنه “عقل بيبي (نتنياهو)”.[59]
كما نُسب إليه الفضل في إقناع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، باتخاذ العديد من التحركات المؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة هناك، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وتقديم “صفقة القرن” التي تتضمن ضم إسرائيل لجميع المستوطنات في الضفة الغربية، هذا فضلا عن دوره في اتفاقيات التطبيع، لدرجة أن السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، وصفه حينها بأنه أصبح “صديقا مقربا، وليس مجرد زميل عمل”.[60]
وبعد توليه الوزارة، فإن “ديرمر” -الذي وصفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بأنه الوزير الأكثر غموضا في حكومة نتنياهو- كان المسؤول عن التوصل إلى اتفاق تطبيع مع المملكة العربية السعودية.[61]
ومن الواضح قربه الشديد من نتنياهو، فقد أحصت “مجلة تيلم” العبرية 570 اجتماعا وجلسة ونقاشا عقدهم “ديرمر” مع نتنياهو خلال فترة 15 شهرا، بالإضافة إلى عشرات الاجتماعات الحكومية وجلسات المجلس الوزاري، بمعدل يقارب اجتماعين كل يوم.[62]
بل إن موقع “واللا” العبري أورد أن نتنياهو قال لأحد المقرّبين منه أنه يرى في رون ديرمر ويوسي كوهين (المدير السابق للموساد) الشخصين المناسبين لقيادة إسرائيل.[63]
ويرى البعض أن وجود “ديرمر” على رأس وزارة الشؤون الاستراتيجية، وبالأخذ في الاعتبار علاقته العميقة بـ “المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي” (JINSA)، فإنه قد يُسهم في إعادة تشكيل عقيدة الأمن الإسرائيلية.[64]
- الوزارة بعد “طوفان الأقصى”.. تجاوز وزارة الخارجية
الآن وبعد عام ونيف على الحرب المستمرة سواء في غزة أو في لبنان، نجد أن وزارة الشؤون الاستراتيجية تلعب دورا يفوق وزارة الخارجية بشكل واضح.
هذا الدور أشار إليه عضو كابينيت الحرب السابق، قائد الأركان السابق، غادي آيزنكوت، في مقابلة أجراها مع إذاعة “ريشت بيت”، بعد استقالته من حكومة الوحدة، حيث قال: “إن نتنياهو يُدير كابينيت الحرب بدكتاتورية، وهو لا يستمع إلّا للوزير ديرمر”.[65]
ويمكننا رصد بعض الإشارات على هذا الدور النشط الذي يضطلع به ديرمر منذ “طوفان الأقصى”:
– عضو محوري في مجلس الحرب:
أول هذه الإشارات هي تعيين نتنياهو له عضوا في مجلس الحرب، حيث ضم المجلس -حين تأسيسه- نتنياهو ووزير الحرب حينها يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، بجانب “آيزنكوت” و”ديرمر” اللذين أخذا عضوية المجلس بصفة مراقب.[66] واللافت أنه لم يتبق من هذه الشخصيات في موقع صناعة القرار الإسرائيلي، سوى نتنياهو وديرمر، بعد حل المجلس وإقالة “غالانت”.
كما وصفته صحيفة “يديعوت أحرنوت” بأنه “ظل نتنياهو والمدبر لجميع عملياته”، وأنه “يلعب دورا حاسما في تشكيل الاستراتيجية الإسرائيلية للحرب”، قائلة إن “أي قرار يُتخذ سواء ضرب منطقة أو اغتيال شخصية ما، لا يمر إلا بعلم ديرمر”.[67]
وبشكل أكثر تحديدا، أوضحت الصحيفة أن ديرمر لعب دورا فعالا في اتخاذ قرارات رئيسية، مثل السيطرة على محور فيلادلفيا، حتى على حساب صفقة محتملة للرهائن، كما شارك في مناقشات رفيعة المستوى حول استهداف زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، كما رافق نتنياهو إلى الأمم المتحدة وتولى مسؤولية اقتراح آليات لإنهاء الصراع في لبنان.[68]
– المسؤولية عن رسم خطة التهجير:
في بداية الحرب على غزة، كلف نتنياهو وزير الشؤون الاستراتيجية بوضع خطط لتقليص عدد السكان في قطاع غزة إلى الحد الأدنى.
وذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” حينها أن الخطة تتألف من عنصرين رئيسيين. الأول هو استخدام ضغوط الحرب والأزمة الإنسانية في غزة، لإقناع مصر بالسماح لسكان غزة بالعبور إلى دول عربية أخرى. أما الثاني فهو فتح طرق بحرية، على أن تدفع إسرائيل السكان للجوء الجماعي إلى دول أوروبية وإفريقية.[69]
– التعامل الأمريكي معه وليس مع وزارة الخارجية:
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفي خطوة لها دلالة واضحة، عندما أراد وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، مخاطبة دولة الاحتلال الإسرائيلي، لحثها على اتخاذ تدابير ملموسة لإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، كان المخاطب بهذه الرسالة، غالانت وديرمر.[70] الأمر الذي لفت أنظار بعض وسائل الإعلام باعتبار أن وزير الخارجية الإسرائيلي هو الذي كان من المفترض أن يتلقى الرسالة الأمريكية، وليس وزير الشؤون الاستراتيجية.[71]
– الموقف من اجتياح رفح:
يجدر بالذكر في هذا السياق أن “ديرمر”، وقبل اجتياح الجيش الإسرائيلي لرفح، كان قد بعث برسالة قوية إلى إدارة الرئيس “بايدن” في إطار خلافها مع حكومة نتنياهو حول اجتياح رفح، حيث قال إن إسرائيل ستستمع إلى أفكار الجانب الأمريكي بشأن رفح، لكن ستتم السيطرة على رفح سواء توصل الطرفان إلى اتفاق أم لا. وتابع: “سيحدث ذلك، حتى لو اضطرت إسرائيل إلى القتال بمفردها، وحتى لو انقلب العالم كله ضد إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة، سوف نقاتل حتى ننتصر في المعركة”.[72]
بل نقلت “هيئة الإذاعة الوطنية” إلى أن “ديرمر” حوّل أحد الاجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين كبار في الولايات المتحدة إلى مشهد ملتهب، إذ انفجر غضبا، وسط نقاش محتدم حول خطط إسرائيل حينها لاجتياح رفح. وأشعل ديرمر فتيل الجدل برد فعل عنيف، بعد أن صاح ولوّح بذراعيه بعنف، متحديا بذلك الهدوء الدبلوماسي المعتاد في مثل هذه الاجتماعات الحساسة.
ويبدو أن هذا تكرر من “ديرمر”، حيث أشار مسؤولان في الإدارة الأمريكية إلى أنه من المعتاد منذ فترة طويلة أن “يظهر ديرمر حماسته خلال اجتماعاته مع المسؤولين الأمريكيين”، ووصفا هذا الاجتماع بأنه “لم يكن أكثر توترا من الاجتماعات التي سبقته”. لكن في الوقت نفسه، يبدو أن لدى “ديرمر” قدرة على التعامل مع المسؤولين الأمريكيين، حيث وصف أحد الذين حضروا الاجتماع أنه كان “مثمرا”.[73]
وهذا أيضا ما أشار إليه آرون ديفيد ميلر، الزميل البارز بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط، الذي قال إن “ديرمر لديه القدرة على التعامل مع الجانب الأمريكي، ومن المهم جدا وجوده في مجلس الحرب”.[74]
وبالفعل، ورغم موقف إدارة بايدن من عملية رفح، ووجود خلاف داخلي إسرائيلي حول هذا التحرك، اجتاح الجيش الإسرائيلي المدينة كما أكد “ديرمر”، الأمر الذي يشير إلى مدى تأثيره هو ووزارته، باعتباره أحد أهم الفاعلين السياسيين في صناعة القرار السياسي حاليا في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
– إقناع الإمارات بالمشاركة في مستقبل غزة ما بعد الحرب:
نشط “ديرمر” أيضا في الحراك الهادف لرسم الخطط لمستقبل غزة ما بعد الحرب، وإقناع الإمارات بلعب دور فيها. وفي هذا السياق، عقد المسؤول الإسرائيلي عدة اجتماعات مع مسؤولين إماراتيين، وآخرين منهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير.
ففي يوليو/تموز 2024، كشف موقع “آكسيوس” الأمريكي عن اجتماع سري في أبو ظبي، جمع ديرمر، ووزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، ومبعوث الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، هذا بجانب حضور مسؤولين إسرائيليين كبيرين شاركا في صياغة الخطط الخاصة بالقطاع بعد الحرب.[75] وجاء أن “ديرمر” نقل رسالة حاسمة إلى المسؤولين الإماراتيين، وهي الحاجة إلى وجود إماراتي فعلي في غزة كجزء لا يتجزأ من الحل بعد الحرب.[76]
ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أشار الموقع نفسه إلى لقاء آخر كان في نهاية سبتمبر/أيلول 2024، وجمع ديرمر وعبد الله بن زايد، بشكل منفصل، مع بلينكن على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن المناقشات الإسرائيلية-الإماراتية بخصوص مستقبل غزة حصلت على دفعة في الأسابيع الأخيرة، وأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يدرس “خطة ما بعد الحرب” بناء على أفكار طورتها دولة الاحتلال بالتعاون مع الإمارات.[77]
– تولي مسؤولية المفاوضات لإنهاء الحرب في لبنان:
علاوة على ذلك، أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن “ديرمر” يتولى مسؤولية المفاوضات الرامية للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب بين لبنان وإسرائيل، بصفته ممثلا لنتنياهو.[78] وقد نقلت تقارير صحفية إسرائيلية بأن عددا من الوزراء الإسرائيليين البارزين، ومن ضمنهم ديرمر، يعارضون توسيع الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان.[79]
وعلى هذا، شهدت الأيام الماضية حراكا ما بين عدة عواصم عالمية، قادها “ديرمر” من الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي يدلل على توجه إسرائيلي لخفض التصعيد مع “حزب الله”.
فخلال الشهر الجاري، نوفمبر/تشرين الثاني 2024، زار “ديرمر” روسيا سرا، وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن ذلك يأتي في إطار جهود للتوصل إلى اتفاق محدود زمنيا لوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية مع “حزب الله”.
ورجحت إذاعة جيش الاحتلال أن تلعب روسيا دورا كبيرا في وقف النار بالجبهة الشمالية، مؤكدة أن وزير الشؤون الإستراتيجية يعمل مع الأمريكيين كذلك على مفاوضات التسوية في لبنان.[80] ونقلت قناة “الحرة” الأمريكية عن مصادر إسرائيلية قولهم إن مهمة موسكو ستنصب بالدرجة الأولى على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله”.[81]
وبعد زيارته لروسيا، سافر الوزير الإسرائيلي إلى الولايات المُتحدة -في زيارة قد تمتد لأربعة أيام- لنفس الهدف، وهو إجراء محادثاتٍ مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض بشأن التسوية السياسيّة مع لبنان.[82]
وهو في هذه التحركات وجولات التواصل، لا يتواصل مع وزير الخارجية الأمريكي فحسب،[83] بل أيضا مع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان،[84] وبريت ماكغورك، وآموس هوكشتاين مستشاري الرئيس بايدن.[85]
– ترتيب الساحة قبل استلام ترامب لمنصبه:
الأكثر من ذلك، أن وزارة الشؤون الاستراتيجية بقيادة “ديرمر” بدأت في التواصل مع ترامب وبعض النافذين في إدارته، لترتيب المشهد في السنوات المقبلة. فقد نقل موقع “آكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين أمريكيين مطلعين أن “ديرمر” التقى بترامب في منتجعه بولاية فلوريدا، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. كما التقى أيضا بصهر ترامب جاريد كوشنر، الذي كان مستشارا لشؤون الشرق الأوسط خلال إدارة ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021.[86]
وكانت “يديعوت أحرونوت” قد نشرت بعض الموضوعات التي من المفترض أن يناقشها “ديرمر” مع ترامب، حيث قالت إنه سيقدم للرئيس الأمريكي المنتخب معلومات استخباراتية جمعتها إسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني والتهديد المحتمل المتمثل في تقدم طهران نحو التسلح النووي. وأفادت الصحيفة أن التركيز الأساسي لاجتماع ديرمر مع ترامب وغيره من المسؤولين سيكون على استقرار الحدود الشمالية مع لبنان، وتحقيق صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، والتطبيع مع السعودية، وخطط لما بعد الحرب في غزة.[87]
وحيث إن “ديرمر” هو الذي يقود هذه التحركات الدبلوماسية، ويشارك بدور فعال في صناعة القرار الإسرائيلي، فإن هذا يدلل على أن الأمر يتجاوز مسألة توزيع الأدوار بين وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة الشؤون الاستراتيجية، بل يشي بأن الأخيرة باتت لها الثقل والأهمية الأكبر في حكومة نتنياهو الحالية.
ومن المتوقع أن يتزايد الدور الذي تلعبه وزارة الشؤون الاستراتيجية بقيادة “ديرمر” مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فوفقا لمراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إيتمار آيخنر، فإن هناك علاقات تاريخية تربط “ديرمر” بالحزب الجمهوري، الأمر الذي قد يستغله نتنياهو لتعزيز علاقاته بالإدارة الأمريكية وتمرير السياسات التي يسعى إليها.[88]
فقد عُرف عن عائلة “ديرمر” قربها من الحزب الجمهوري، وصلتها الوثيقة بشقيق الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، حاكم ولاية فلوريدا عن الحزب الجمهوري، كذلك شغل والده وشقيقه منصب رئيس بلدية مدينة ميامي بيتش عن الحزب الديمقراطي، قبل الانزياح نحو الجمهوريين لاحقا.[89] وفي عام 2004، عندما أصدر “ديرمر” كتابا بعنوان “ميزة الديمقراطية”، تبناه الرئيس بوش، ودعا لقراءته.[90]
هذه العلاقات مع الجمهوريين تدلل على أن دور “ديرمر” ووزارته قد يتصاعد خلال المرحلة المقبلة، بينما سيتراجع دور وزارة الخارجية.
خاتمة
تعتبر الاستراتيجية عنصرا أساسيا في الفكر السياسي الإسرائيلي، وذلك بسبب عوامل تاريخية تتعلق بخوف دائم على بقاء الدولة في قلب منطقة عربية وإسلامية. هذا الخوف مرتبط بتجارب الماضي، لا سيما الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا، والذي بلغ ذروته في الهولوكوست. وقد أدى هذا إلى نشوء “عقلية الحصار” أو “متلازمة الهولوكوست”، التي تركز على البقاء والأمن كعوامل رئيسية في تشكيل هوية إسرائيل.وانعكس ذلك في تبني إسرائيل لعقيدة عسكرية قائمة على الردع، حيث تُعتبر الحروب صراعات وجودية تتطلب الانتصار بأي ثمن، مع تضخيم ردود الفعل تجاه أي تهديد خارجي أو علاقات معقدة مع الدول الأخرى.
وتقوم “وزارة الشؤون الاستراتيجية” على بعض الملفات الاستراتيجية لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه الملفات تختلف من فترة لأخرى. ففي مرحلة ما، كانت الوزارة تركز على العلاقات مع إيران، ثم بعد ذلك على تحسين الصورة العالمية لإسرائيل ومحاربة حملات “نزع الشرعية” ضدها، بينما في مراحل لاحقة اتسع نطاق عملها ليشمل العلاقات مع الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، هناك جدل سياسي قائم حول دور وزارة الشؤون الاستراتيجية، باعتبار أن تستقطع من صلاحيات وزارة الخارجية. فبينما يرى اليمين في الوزارة أداة لإدارة ملفات استراتيجية، يتهم اليسار الإسرائيلي الحكومة بالسعي لتقليص دور وزارة الخارجية.
وفي الآونة الأخيرة، ومع تصاعد التحديات الإقليمية، خصوصا بعد عملية “طوفان الأقصى”، أصبح دور وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية أكثر بروزا. حيث يلعب الوزير الحالي، رون ديرمر، دورا رئيسيا في العديد من الملفات الحيوية، متفوقا في تأثيره على وزير الخارجية الإسرائيلي في قضايا، مثل إدارة الحرب على غزة، تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، والتوسط في محادثات وقف إطلاق النار في لبنان. وقد أدى ذلك إلى تعزيز مكانة الوزارة كعنصر محوري في توجيه السياسة الإسرائيلية على الساحة الإقليمية والدولية.
المصادر
[1] Belozerov, V. K. (2023). Strategy as a political phenomenon and concept. RUDN Journal of Political Science, 25(2), 368–376. https://doi.org/10.22363/2313-1438-2023-25-2-368-376
[2] Joint Staff, J-7. Joint Publication 1-02: Department of Defense Dictionary of Military and Associated Terms. Washington, DC: United States Joint Staff, April 12, 2002 (amended through September 14, 2007), 518.
[3] هاري آر. يارغر، الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي: التفكير الاستراتيجي وصياغة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص 16.
[4] Sun-tzu, The Art of War, translated by Ralph D. Sawyer (New York: Barnes & Noble Books, 1994); Carl von Clausewitz, On War, edited and translated by Michael Howard and Peter Paret (Princeton: Princeton University Press, 1976); Colin S. Gray, Modern Strategy (Oxford: Oxford University Press, 1999).
[5] هاري آر. يارغر، الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي: التفكير الاستراتيجي وصياغة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص 23-28.
[6] خطار أبو دياب، تطور علم الاستراتيجية والمسار العربي بين قواميس التاريخ والتفكك الراهن، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 18 فبراير/شباط 2019 – الرابط
[7] Zhan Mengshu, A Brief Overview of Alexander Wendt’s Constructivism, E-International Relation, May 19, 2020 – Link
[8] Wistrich, R. S., “Israel and the Holocaust Trauma,” Jewish History 11, no. 2 (1997): 13–20, http://www.jstor.org/stable/20101298.
[9] Freilich, Charles D., Matthew S. Cohen, and Gabi Siboni, Israel and the Cyber Threat: How the Startup Nation Became a Global Cyber Power (Oxford: Oxford University Press, 2023), 175.
[10] خطار أبو دياب، تطور علم الاستراتيجية والمسار العربي بين قواميس التاريخ والتفكك الراهن، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 18 فبراير/شباط 2019 – الرابط
[11] Freilich, Cohen, and Siboni, Israel and the Cyber Threat, 193–198.
[12] Jonathan Cook, Lieberman out of the shadows: Israel’s Minister of Strategic Threats, The Electronic Intifada, October 25, 2006 – Link
[13] Secretary Rice With Israeli Minister of Strategic Affairs and Head of Yisrael Beiteinu Political Party Avigdor Lieberman, United States Department of State, October 15, 2007 – Link
[14] Michael F. Brown, MK Avigdor Lieberman’s visit to the US, The Electronic Intifada, December 14, 2006 – Link
[15] Deputy Secretary General opens NATO Public Diplomacy Symposium in Israel, The Official Website of NATO, August 20, 2008 – Link
[16] הקמת המשרד לנושאים אסטרטגיים 2. הקצאת תקנים למשרד ראש הממשלה (Decision No. 69 of the Government from May 3, 2009), Government of Israel, May 3, 2009 – Link
[17] إسرائيل تحذر دمشق من سقوط قذائف الهاون على أراضيها وتؤكد استعدادها للرد، صحيفة الشروق، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 – الرابط
[18] يعلون: الغرب يرتكب خطأ بتقديم الدعم المالي للسلطة، وكالة وطن للأنباء، 2 يوليو/تموز 2011 – الرابط
[19] صحافي في مدينة بيت لحم، يعلون: يمكن لليهود البقاء بالأراضي الفلسطينية ولا داعي لإزالة مستوطنات، موقع فلسطين في الذاكرة، 17 أبريل/نيسان 2010 – الرابط
[20] وزير إسرائيلي يدعو أمريكا لتكثيف الضغط على إيران، صحيفة الوسط البحرينية، 12 مايو/أيار 2017 – الرابط
[21] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[22] מיטל ר. פישמן (Mital R. Fishman), קורא לקהל הישראלי לקחת חלק (Calling on the Israeli Public to Participate), Ynet, August 15, 2017 – Link
[23] ישיבת ועדה של הכנסת ה-20 מתאריך 07/08/2016 (Knesset Committee Meeting of the 20th Knesset, dated August 7, 2016), משרד לנושאים אסטרטגיים והסברה: העדר שקיפות בתוכניות עבודתו, יעדיו ותקציבו – בהשתתפות מנכ”לית המשרד סימה ואקנין – גיל (The Ministry of Strategic Affairs and Public Diplomacy: Lack of Transparency in Its Work Plans, Goals, and Budget, with the Participation of the Ministry’s CEO, Sima Vaknin-Gil), Knesset website – Link
[24] Yousef Munayyer, The Long Arm of Israeli Repression, Foreign policy, November 5, 2021 – Link
[25] The Observatory for the Protection of Human Rights Defenders, In Israel, campaigns to discredit Israeli, Golan and Palestinian human rights defenders, World Organisation Against Torture (OMCT), April 27, 2021 – Link
[26] ישיבת ועדה של הכנסת ה-20 מתאריך 07/08/2016 (Knesset Committee Meeting of the 20th Knesset, dated August 7, 2016), משרד לנושאים אסטרטגיים והסברה: העדר שקיפות בתוכניות עבודתו, יעדיו ותקציבו – בהשתתפות מנכ”לית המשרד סימה ואקנין – גיל (The Ministry of Strategic Affairs and Public Diplomacy: Lack of Transparency in Its Work Plans, Goals, and Budget, with the Participation of the Ministry’s CEO, Sima Vaknin-Gil), Knesset website – Link
[27] Cynthia Blank, BDS Fight to Move to Strategic Affairs Ministry, Arutz Sheva, August 20, 2015 – Link
[28] وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلامية، ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، تاريخ الوصول: 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[29] Jacob Dallal, Defending Israel’s Legitimacy: Proposals for a reborn Ministry of Strategic Affairs, Fathom Journal, January 2023 – Link
[30] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[31] שינוי שם “המשרד לנושאים אסטרטגיים והסברה” ל”משרד לנושאים אסטרטגיים” (Name Change of the “Ministry of Strategic Affairs and Public Diplomacy” to the “Ministry of Strategic Affairs”), EzGov – CECI, Link
[32] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[33] Jacob Dallal, Defending Israel’s Legitimacy: Proposals for a reborn Ministry of Strategic Affairs, Fathom Journal, January 2023 – Link
[34] Ben White, Delegitimizing Solidarity: Israel Smears Palestine Advocacy as Anti-Semitic, Institute for Palestine Studies, Vol.49 No. 2- Winter 2020 – Link
[35] Stuart Winer, Israel Seen as a ‘Pariah State,’ Says Top Strategy Official, The Times of Israel, August 7, 2016 – Link.
[36] ישיבת ועדה של הכנסת ה-20 מתאריך 07/08/2016 (Knesset Committee Meeting of the 20th Knesset, dated August 7, 2016), משרד לנושאים אסטרטגיים והסברה: העדר שקיפות בתוכניות עבודתו, יעדיו ותקציבו – בהשתתפות מנכ”לית המשרד סימה ואקנין – גיל (The Ministry of Strategic Affairs and Public Diplomacy: Lack of Transparency in Its Work Plans, Goals, and Budget, with the Participation of the Ministry’s CEO, Sima Vaknin-Gil), Knesset website – Link
[37] المصدر نفسه
[38] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[39] נעה לנדאו (Noa Landau), שגרירים ואלופים לשעבר בחברה שתממן המדינה למאבק ב”תודעת ההמונים” (Former Ambassadors and Generals in a Company to Fund the State’s Fight Against “Public Awareness”), Haaretz, January 9, 2018 – Link.
[40] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[41] المصدر نفسه
[42] Noa Landau, Netanyahu Appoints Likud Minister Gilad Erdan as Israel’s Ambassador to Both U.S., UN, Haaretz, May 11, 2020 – Link
[43] עידן בנימין (Idan Benjamin), “עובדי המשרד לעניינים אסטרטגיים יעברו למשרד החוץ? ‘שיגשו לקורס צוערים’” (Will Employees of the Ministry of Strategic Affairs Move to the Ministry of Foreign Affairs? “They Should Join the Cadet Course”), שוקף (Shakuf), July 18, 2021 – Link
[44] المصدر نفسه
[45] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[46] עידן בנימין (Idan Benjamin), “עובדי המשרד לעניינים אסטרטגיים יעברו למשרד החוץ? ‘שיגשו לקורס צוערים’” (Will Employees of the Ministry of Strategic Affairs Move to the Ministry of Foreign Affairs? “They Should Join the Cadet Course”), שוקף (Shakuf), July 18, 2021 – Link
[47] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[48] Jerusalem Post Staff, “Ronen Manelis Resigns as Director-General of Strategic Affairs Ministry,” The Jerusalem Post, December 23, 2020 – Link
[49] Jacob Dallal, “Author page,” Fathom Journal, accessed November 8, 2024 – Link
[50] Cynthia Blank, BDS Fight to Move to Strategic Affairs Ministry, Arutz Sheva, August 20, 2015 – Link
[51] יעל פתיר (Yael Patir), “מי צריך את המשרד לנושאים אסטרטגיים” (Who Needs the Ministry of Strategic Affairs), Haaretz, October 17, 2019 – Link
[52] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[53] עידן בנימין (Idan Benjamin), “עובדי המשרד לעניינים אסטרטגיים יעברו למשרד החוץ? ‘שיגשו לקורס צוערים’” (Will Employees of the Ministry of Strategic Affairs Move to the Ministry of Foreign Affairs? “They Should Join the Cadet Course”), שוקף (Shakuf), July 18, 2021 – Link
[54] איתמר אייכנר (Itamar Eichner), “לפיד נכנס למשרד החוץ: ‘היחסים עם הדמוקרטים הופקרו, להיערך להסכם הגרעין’” (Lapid Enters the Foreign Ministry: “Relations with the Democrats Have Been Neglected, Prepare for the Nuclear Deal”), Ynet, June 14, 2021 – Link
[55] עידן בנימין (Idan Benjamin), “עובדי המשרד לעניינים אסטרטגיים יעברו למשרד החוץ? ‘שיגשו לקורס צוערים’” (Will Employees of the Ministry of Strategic Affairs Move to the Ministry of Foreign Affairs? “They Should Join the Cadet Course”), שוקף (Shakuf), July 18, 2021 – Link
[56] איתמר ב”ז (Itamar Ben-Zur), כך התפורר צבא האמת של מדינת ישראל (How Israel’s Army of Truth Fell Apart), The Seventh Eye, January 20, 2021 – Link
[57] Allison Hoffman, Bibi’s Brain: Meet Ron Dermer, Israel’s new ambassador to the U.S., Tablet Magazine, September 20, 2011 – Link
[58] ماذا قالت أمريكا عن وزير دفاع إسرائيل المقال وخليفته؟، سي إن إن، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[59] מגיד, ג’ייקוב (Jacob Migid). “פרופיל שגריר נתניהו לענייני טראמפ” (“Profile of Netanyahu’s Ambassador for Trump Affairs”). זמן ישראל (Zman Israel), 24 בינואר 2021 – Link
[60] المصدر نفسه
[61] איתי אילנאי (Itay Ilanai), “עם עברית משובשת, קשרים בארה”ב ותמיכה מלאה מנתניהו – רון דרמר הוא השר הכי חידתי בממשלה” (With Broken Hebrew, U.S. Connections, and Netanyahu’s Full Support – Ron Dermer is the Most Enigmatic Minister in the Government), Ynet, January 6, 2023 – Link
[62] Itamar Eichner, Netanyahu’s confidant and shadow emissary: Meet Ron Dermer, Yedioth Ahronoth, October 22, 2024, Link
[63] المصدر نفسه
[64] المصدر نفسه
[65] عبد القادر بدوي، رون ديرمر: يد نتنياهو الخفية!، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 5 أغسطس/آب 2024 – الرابط
[66] The key people in Israel’s government, Reuters, May 16, 2024 – Link
[67] تيمور السيد، ظل نتنياهو.. من هو الرجل الثاني في إسرائيل؟، تليجراف مصر، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024 – الرابط
[68] Itamar Eichner, Netanyahu’s confidant and shadow emissary: Meet Ron Dermer, Yedioth Ahronoth, October 22, 2024, Link
[69] Ryan Grim, Netanyahu’s Goal for Gaza: “Thin” Population “to a Minimum”, The Intercept, December 3, 2023 – Link
[70] عبد الرؤوف الأرناؤوط، مفارقات واشنطن.. تزود إسرائيل بـ”ثاد” وتلوح بوقف المساعدات (تقرير إخباري)، وكالة الأناضول التركية، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024 – الرابط
[71] ماذا قالت أمريكا عن وزير دفاع إسرائيل المقال وخليفته؟، سي إن إن، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[72] وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر: “سندخل رفح حتى لو أدار العالم كله ظهره لإسرائيل”، i24News الإسرائيلية، 21 مارس/آذار 2024 – الرابط
[73] Courtney Kube and Carol E. Lee, Top Israeli official Ron Dermer began yelling during a meeting with U.S. officials about Gaza, officials say, NBC News, April 4, 2024 – Link
[74] Mark Landler, Viewed Warily by Democrats, a Netanyahu Ally Is a Key Conduit to U.S., The New York Times, November 7, 2023 – Link
[75] Barak Ravid, Scoop: U.S., Israel and UAE held a secret meeting on Gaza war “day after” plan, Axios, July 23, 2024 – Link
[76] Amir Ettinger, Israel seeks UAE partnership for post-war Gaza, Israel Hayom, July 23, 2024 – Link
[77] Barak Ravid, Scoop: Blinken weighs presenting Gaza post-war plan after November election, Axios, October 16, 2024 – Link
[78] لـ”إنهاء الحرب مع حزب الله”.. وزيرٌ إسرائيلي يزور روسيا “سراً”!، وكالة لبنان 24، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[79] Michael Young, A Rumor of War, Carnegie Endowment for International Peace, September 17, 2024 – Link
[80] يديعوت أحرونوت: إسرائيل وأميركا ولبنان يتبادلون مسودات اتفاق لوقف النار، الجزيرة نت، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[81] يحيى قاسم، مصادر: روسيا تنضم لاتفاق تسوية بين إسرائيل ولبنان، الحرة، 11 نوفمبر/تشرين الأول 2024 – الرابط
[82] محمود مجادلة، تقرير: إسرائيل تدرس وقف إطلاق النار في لبنان لتجنب قرار محتمل من مجلس الأمن، عرب 48، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[83] اجتماع الوزير بلينكن بوزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي ديرمر، وزارة الخارجية الأمريكية، 26 أيلول/سبتمبر 2024 – الرابط
[84] بلينكن: أميركا تعمل دون كلل لتجنب اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله»، الشرق الأوسط، 25 سبتمبر/أيلول 2024 – الرابط
[85] Barak Ravid, Trump and Netanyahu envoy met about Middle East wars, Axios, November 12, 2024 – Link
[86] المصدر نفسه
[87] Said Amori, Netanyahu to dispatch minister to Washington to meet with Trump, Anadolu Agency, November 11, 2024 – Link
[88] مخاوف إسرائيل بين الخط الانعزالي لترامب والتقدميين في إدارة هاريس، الجزيرة نت، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 – الرابط
[89] عبد القادر بدوي، رون ديرمر: يد نتنياهو الخفية!، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 5 أغسطس/آب 2024 – الرابط
[90] المصدر نفسه