بحلول الذكرى العاشرة لثورات الربيع العربي، وثورة 25 يناير2011، وما تبع ذلك من تغيرات عميقة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؛ تحاول هذه الورقة الإجابة عن السؤال الآتي: كيف يرى الغرب ثورة 25 يناير بعد عشر سنوات؟
وللإجابة عن هذا التساؤل، لابد من فهم خريطة التحالفات والصراعات والتغيرات الهيكلية، سواء المحلية أوالإقليمية أوالدولية، وكذلك فهم شبكة المصالح الغربية في علاقتها بمصر، تلك المصالح التي ينبني عليها الموقف الغربي تجاه الثورة والنظام المصري.
يفترض الباحث أن رؤية الغرب لثورة يناير تقوم في الأساس على مفهوم “المصلحة” كمدخل نظري، لفهم طبيعة العلاقات الغربية مع النظام المصري. فنظريًا هذه المصلحة إما أن تكون مصلحة دفاعية، أواقتصادية، أو عقائدية، أو مصلحة النظام الدولي. وهو ما يفسر التغيرات السريعة والتحالفات والصراعات التي تشكل المنطقة، ورسم الغرب لسياسته مع الثورة المصرية من خلال مصالحه في المنطقة كما سنبين.
تعرض الورقة أولًا طبيعة التغيرات الهيكلية في السياق الإقليمي والدولى، ثم تستعرض شبكة المصالح الغربية في مصر، وتنتهي بتتبع الموقف الغربي من الثورة المصرية.
أولاً – التغيرات الهيكلية في السياق المحلي الإقليمي والدولي:
بعد ثورات الربيع العربي، ونشوء الصراعات في سوريا واليمن وليببا والعراق، ومع موجة الثورات المضادة، حدثت تغيرات هيكلية في المنطقة العربية.
فمحليًا- بعد الانقلاب العسكري في مصر- حدث انسداد في الفعل السياسي، وتفشت حالة الفساد، واستمرت هيمنة العسكر[1]، وكذلك أصبح هناك غياب للعقل الاستيراتيجي للنظام، الذي انكفأ داخليًا بعيدًا عن أي دور إقليمي، وهذا التغير رسم أولويات السياسة الخارجية المصرية، في سعيها ابتداء لكسب شرعيتها دوليًا، وتثبيت أركان النظام داخليًا. وهنا فقدت جزءًا من دورها الإقليمي لصالح القوى الإقليمية الصاعدة صاحبة المصالح المختلفة.
أما إقليميًا؛ فقد أُعيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات الإقليمية، حيث اختلف توازن القوى الإقليمي، وأصبحت النزاعات المحلية أساس المنافسة الإقليمية وإثبات النفوذ، وليس فقط المصالح القومية[2].
ويمكن تقسيم التحالفات الإقليمية إلى ثلاثة محاور: المحور الأول؛ تقوده السعودية والإمارات وتدخل معهما مصر، ودعم حفتر في ليبيا، وكذلك الدعم السوداني، وهذا المحور قاد الثورات المضادة، ويخاف من تصدير الثورة لدول الخليج. فكان الداعم والممول الأساسي لها، كما اتبع سياسة التقارب الإسرائيلي والتمهيد للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وسعى لمحاربة المد الإيراني في المنطقة، كما يرى في “تركيا” المنافس الأشد خطرًا.
هذا المحور شكل منتدى غاز شرق المتوسط مصر والسعودية والإمارات مع اليونان وقبرص الرومانية وإسرائيل. كما شن المحور نفسه الأزمة الخليجية مع قطر، لكنه انتهى أخيرا إلى المصالحة معها.
وكانت السعودية والإمارات الداعم الأول للثورة المضادة في مصر، فالسعودية أول من اعترفت بالانقلاب العسكري، وكانت تدفع لبقاء الجيش في المعادلة، كما قدمت هي والإمارات والكويت الدعم المالي للنظام الانقلابي.
المحور الثاني؛ تقوده إيران، التي سعت لاستقطاب العراق وحزب الله بلبنان وسوريا واليمن. وإيران تفرض نفسها كقوة إقليمية، سواء بتدخلها في سوريا ودعم بشار، ودعم الحوثيين في اليمن. وتعلن عداءها للكيان الصهيوني كأحد أولويات سياستها الخارجية في المنطقة.
المحور الثالث؛ هوالمحور التركي الذي يعتمد على “الإسلام السياسي” كقاسم مشترك في التقارب مع النظام المصري بعد وصول الرئيس الراحل محمد مرسي للحكم، ومع أندونيسيا وماليزيا، لكن بعد موجة الارتدادات “الثورات” المضادة، اعتمدت تركيا على قوتها الاقتصادية والعسكرية في تقارباتها الخارجية، وتسعى إلى فرض نفسها كقوة إقليمية- ويدخل معها قطر-كما تعمل على بناء علاقات اقتصادية وعسكرية في أفريقيا؛ كالصومال وجيبوتي، وكذلك مع المغرب العربي، كما يتضح بالاتفاق الليبي، وكذلك مع تونس والجزائر وموريتانيا[3] .
كانت هذه شبكة التحالفات، وما بينها يعتبر شكلا من أشكال الصراع الإقليمي، أما عن خريطة الصراعات، فقد شكلت الأزمات سواء في سورية أواليمن أوليبيا أوالكيان الصهيوني ملامح هذه الصراع، ولفهم طبيعة الصراع يدخل الطرف الدولي في المعادلة:
ففي سوريا – كمثال – تدعم إيران نظام الأسد بالشراكة مع حزب الله وسوريا ، وعلى الجهة المقابلة نجد الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والكيان الصهيوني. وظلت لروسيا علاقات عملية مع معظم الدول الأخرى [4].
ورغم أن تركيا عضو الناتو مع الولايات المتحدة، فإنها اشتركت مع روسيا وإيران في عملية أستانة، كما واصلت السعودية والإمارات مناهضتهما لتركيا.
ولمحاولة فهم شبكة التحالفات والصراعات، على الرغم من تشابكها وتعقدها وتعارضها، نلقي الضوء على مفهوم المصلحة، مدخلًا لفهم هذه المقاربة:
تعرف المصلحة في قاموس العلاقات الدولية أنها كلمة ذات دلالتين: فهي وسيلة لتحليل أهداف السياسة الخارجية، ومصطلح يتضمن تبرير السياسات الخارجية.
ويصنف توماس روبنسون مصالح الدول وفق معايير متنوعة[5]:
- مصالح أولية تشمل الوحدة الجغرافية، والهوية السياسية والثقافية للدولة ، وحماية أمنها من الاعتداءات الخارجية.
- مصالح متغيرة وهي مصالح ظرفية مرتبطة بفترة زمنية معينة.
- مصالح دائمة وهي مصالح الدولة الثابتة نسبيًا.
- المصالح العامة، وهي المبادئ والتوجهات في السياسة الخارجية للدول، ومواقفها إزاء القضايا الدولية.
- المصالح الخاصة، وهي مرتبطة بسياسة معينة، كمحاولة الإبقاء على توازن إقليمي.
وفي إطار هذا التعريف الذي يعتبر ضمن المدرسة الواقعية في السياسات الدولية، يمكن من خلاله فهم المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط، والدولة المصرية على وجه الخصوص.
ثانيًا- شبكة المصالح الغربية في علاقتها بمصر:
نكتفي هنا بتسليط الضوء على شبكة المصالح الغربية مع مصر، وهو ما يرتبط بموضوع الورقة البحثية.
تتقاطع مصالح الولايات المتحدة مع مصر فيما يلي:
- الحفاظ على أمن إسرائيل وتطور هذا الملف مع صفقة القرن، ثم موجة التطبيع التي بدأت مؤخرًا.
- الحرب على الإرهاب.
- الهيمنة على الممرات الاقتصادية (قناة السويس والبحر المتوسط). كممرات أسياسية في التجارة الدولية.
- الحفاظ على النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية، والدور الجيواستيراتيجي الذي تلعبه مصر. وبالرغم من سياسة أوباما التي قامت على تقليل الانخراط في الشرق الأوسط لتقليل الأعباء الأمنية والعسكرية الأمريكية ، فإن سياسة ترامب ركزت على استعادة النفوذ الأمريكي.
- تعتبر مصر سوق عسكري للأسلحة الأمركية.
- تقليل النفوذ الروسي في المنطقة، ومواجهة التمدد الإيراني.
أما روسيا، فيمكن إجمال مصالحها مع مصر في النقاط التالية:
- تسعى لضمان وصول المياه الدافئة عبر الخليج العربي والبحر المتوسط.
- المصالح الاقتصادية، فمصر سوق اقتصادي للمنتجات الروسية والتبادل التجاري.
- المصالح العسكرية وصفقات السلاح مع النظام المصري.
- تسعى لاستعادة إرث الاتحاد السوفيتي ومزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
- تنافسها مع أوروبا وخصوصا بعد استيلائها على جزيرة القرم، يحتم تواجدها شرق وجنوب المتوسط، واستخدامها كورقة ضغط للتفاوض حول رفع العقوبات.
أما دول الاتحاد الأوروبي، فتتقاطع مصالحه مع مصر في الملفات التالية:
- الحرب على الإرهاب.
- أمن البحر المتوسط.
- ملف الهجرة غير الشرعية.
- مشاريع الاستثمارات والتنمية الاقتصادية.
- صفقات السلاح، خصوصًا مع فرنسا وألمانيا.
- التبادل التجاري.
الموقف الغربي من الثورة المصرية:
في هذا المبحث نحاول معرفة الموقف الغربي من ثورة 25 يناير على مستويين: المستوى الرسمي للدول الغربية، ومستوى المنظمات الدولية والموقف الشعبي.
أولاً المستوى الرسمي:
الولايات المتحدة الأمريكية- انطلاقًا من مصالحها التي ذكرناها آنفًا في مصر والشرق الأوسط – تشكلت سياستها الخارجية مع مصر، ورسمت رؤيتها للثورة المصرية، وقد اختلفت السياسات بين الرئيسين: أوباما و ترامب، وإن اتفقا في تحديد المصالح المشتركة.
ففي كتاب “أرض موعودة” الذي تحدث فيه الرئيس السابق أوباما عن مذكراته وما يخص العلاقات المصرية؛ وبالرغم من خطاب أوباما بالفخر يوم تخلي مبارك عن السلطة، وتعاطفه مع ثورة الشباب؛ فإن السياسات على أرض الواقع كانت مختلفة، وبالرغم من الاختلاف في الموقف من الثورة بين أوباما وإدارته، فجو بايدن (نائبه آن ذاك) وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وآخرون في الإدارة الأمريكية كانوا يميلون للحفاظ على مبارك، لكن أوباما كان عليه أن يختار ما بين حليف قمعي يمكن الاعتماد عليه، أو شعب يصر على التغيير. وفي المقابل كان هناك تخوف أمريكي من الإخوان كبديل لمبارك. سعى أوباما – وقتها- لدعوة مبارك لإصلاحات جادة وإجراء انتخابات نزيهة. لكن مع استمرار التظاهرات بدأ بإقناع قادة الجيش بالتخلي عن مبارك مع الوعد باستمرار المساعدات الأمريكية. وهذا يوضح كيف عجزت السياسة الأميركية عن التخلص من تناقضها وهيمنة مصالحها على سياساتها تجاه مصر في أوج ثورة المصريين ومطالبتهم بالحرّية والديمقراطية [6].
ظلت الإدارة الأمريكية على التواصل مع كافة أطراف الثورة، لكن مع تعميق العلاقات الممتدة مع المؤسسة العسكرية، وفي رئاسة الدكتور مرسي لم تشهد العلاقات أي خلاف واضح، وإن كان هناك توجس دائم من سياسات الإخوان الداخلية.
مع الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، أعرب أوباما عن قلقله لقرارات القوات المسلحة لعزل الرئيس مرسي، وتعليق الدستور، لكنه طالب بتفادي الاعتقالات والتحول السريع لحكومة مدنية، ورغم هذا الموقف الرسمي، لكن سفيرة الولايات المتحدة آن باترسون آنذاك عرضت على حزب النور عدة وزارات لقبول البرادعي رئيسا للوزراء، وهو ما يوضح الدور الأمريكي[7].
حاولت الإدارة الأمريكية قبل قض ميدان رابعة العدوية – وفقًا لتقرير صحفي نشرته صحيفة النيويورك تايمز- التصريح بوجود مساعٍ غربية، لإجراء حس سياسي والتسوية، لتقليل أعداد المعتصمين، لكن النظام الانقلابي أصر على الحل الأمني. وبعد الفض؛ صرح أوباما بعدم قبول استمرار التعاون مع مصر بسبب قتل المدنيين، لكن واقعيًا اكتفت السياسة الخارجية الأمريكية بإلغاء مناورات “النجم الساطع” المشتركة، وتم تعليق المساعدات الأمريكية بعد ذلك، ورهنته بحدوث تقدم في الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولكنها أكدت استمرار الدعم العسكري لمكافحة الإرهاب في سيناء، وما لبث أن توقف تعليق المعونات في إبريل 2015 ، وعادت مناورات النجم الساطع.
ومع وصول الرئيس ترامب للسلطة؛ تحسنت العلاقات المصرية الأمريكية وحدث لها نمو بشكل متصاعد، فرؤية ترامب في ضرورة الانخراط في الشرق الأوسط، والعمل على تقليل النفوذ الروسي في المنطقة، ومواجهة التمدد الإيراني، جاء على عكس إدارة أوباما التي كانت ترى تقليل سياسة الانخراط في الشرق الأوسط، وتقليل الأعباء الأمنية والعسكرية.
كانت العلاقات بين ترامب والسيسي متينة، حتى إنه وصفه بــ “ديكتاتوري المفضل” في إحدى زيارات السيسي للولايات المتحدة. وكان يصف السيسي وما يقوم به بــ “العمل العظيم”. وكانت ضمن أولويات أجندة ترامب مواجهة التهديدات الإرهابية في سيناء، وإتمام عملية السلام، وإبرام صفقة القرن، وهو ما تعاون فيه النظام المصري كإحدى الأدوات المهمة.
لكن مع وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم ، وعد بإلغاء غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، بعكس الرئيس السابق ترامب.
وبالرغم من اختلاف وجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وما يترتب على ذلك في سياستها الخارجية، فإنه يبقى دورها القائم على تحقيق مصالحها في المنطقة هو المحرك الرئيس لرسم تلك السياسات، أما قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان فتظل مجرد شعارات أمام وطأة السياسات الواقعية والمصالح المتضاربة.
أما الاتحاد الأوروبي، فليس هناك ما يعكر صفو العلاقات المصرية الغربية إلا ملف حقوق الإنسان. لكن الاتحاد الاوروبي لم يدن عزل الرئيس مرسي، بل اعتبر إسقاطه مرحلة انتقالية تعبر عن مطالب الشعب. وظلت العلاقات وطيدة مع نظام السيسي. وهذا ما نبرزه من خلال موقف عدد من الدول الأوروبية:
فألمانيا؛ عبرت عن انتقادها للانقلاب بشكل هادئ، وصرحت أن عزل الرئيس مرسي يمثل فشلاً كبيرًا للديموقراطية. كما امتنعت عن منح السلطات المصرية معدات عسكرية لقتل المتظاهرين، لكن لم تستمر الحالة على هذا الوضع، وتحسنت العلاقات، وتم التغاضي عن ملف حقوق الإنسان. وقد أبرمت ألمانيا صفقة سلاح مع مصر بقيمة 285 مليون يور عام 2014 ، كما ساهمت بتقديم 500 مليون دولار لمساندة المشاريع الاقتصادية عام 2017. كما أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية خلال عام 2020 تصدير أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 752 مليون يورو إلى مصر[8].
أما فرنسا؛ فإنها لم تدن الانقلاب العسكري واكتفت بالتعبير عن الأمل في انتخابات ناجحة، فمن ضمن شبكة المصالح المصرية الفرنسية: محاربة الإسلاموية، ورفض التوسع الإقليمي التركي، وشراء الأسلحة الفرنسية، فأكبر واردات مصر من الأسلحة من الولايات المتحدة وفرنسا. وقد ساهمت هذه المصالح المشتركة في تطور العلاقات مع نظام السيسي. وتحول ملف حقوق الإنسان بإدانته على المستوى الرسمي من باب الإجراءات الروتينية.
ومؤخرًا، تطورت العلاقات مع فرنسا، فبالرغم من حملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية من معظم الدول الإسلامية، فقد توطدت العلاقات بينهما، وتم عقد صفقة شراء طائرات رافال فرنسية. وجاءت زيارة السيسي التي رحب بها الرئيس الفرنسي ماكرون، على عكس تعامله مع معظم الرؤساء الأفارقة، وقد وصف ماكرون العلاقة مع مصر بالشراكة الاستيراتيجية، وتم منح السيسي وسام جوقة الشرف[9]. وصرحت الوكالة الفرنسية للتنمية أنه بلغت التمويلات التنموية لمصرما قيمته 715.6 مليون يورو، في زيارة السيسي الأخيرة.
أما المملكة المتحدة البريطانية؛ فنجد علاقتها مع الشرق الأوسط بشكل عام ومصر بشكل خاص، تخضع لشبكة مصالحها بالمنطقة فيما يتعلق بالنفط، ومصالحها التجارية والاقتصادية. وكذلك فإن طبيعة سياسة المملكة الخارجية مرتبطة بشكل كبير بمركزية النظام الحاكم، فقد يصفها البعض بحكم الأقلية التي تعزز مصالح نخبتها المحلية، وربماهذا يفسر ازدواج المعايير في علاقات الدولة مع النظام المصري، وإدانات المنظمات الحقوقية بملف حقوق الإنسان بمصر.[10]
ويوجد مجموعة دوافع تدفع المملكة المتحدة لتبني سياسات محددة مع مصر، منها: الهجمات الإرهابية التي تشهدها لندن، وارتفاع نبرة الانتقادات الداخلية للتعامل مع الإسلاميين، وكذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنحنى جديد لبناء سياستها الخارجية الجديدة.
بعد الانقلاب العسكري تحفظت المملكة المتحدة على ما جرى، واكتفت بأخذ الحذر في التعامل مع النظام المصري، ولم يتم استقبال السيسي بشكل رسمي إلا في عام 2015. وبالرغم من إنشاء لجنة لمراجعة تواجد الإخوان في المملكة وعلاقتها بالإرهاب، وفي 2016 تم منح إمكانية اللجوء لعدد من أعضاء الاخوان، وكذلك التحقيق الذي قدمته لجنة الشئون الخارجية الذي دعا لأن يكون الإسلاميون جزءًا من الحوار ولا يستبعدون من العملية السياسية، وكذلك التنديد بالحكومة العسكرية، بالرغم من ذلك فإنها ما لبث أن تمت الإطاحة برئيس اللجنة كريسين بلانت[11].
وفي 2017 قام وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الستر بيرت بزيارة مصر، وكتب مقالا يعبر فيه عن التعاون مع مصر ، كما وجه الاتهامات للإخوان. وفي ديسمير 2020 وقعت مصر والمملكة المتحدة اتفاقا تجاريا للإعداد لمرحلة ما بعد البريكست. وتعد المملكة من أكبر المستثمرين في مصر.
ويعتبر أهم ملفين في العلاقات المصرية البريطانية، الملف الليبي؛ حيث أعرب رئيس الوزراء البريطاني عن دعمه للجهود المصرية في الأزمة الليبيبة، تزامن ذلك مع زيارة وزير الخارجية بوريس جونسون إلى ليبيا (حفتر)، والملف الثاني، هوعملية السلام والدفع لاتمام المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
أما روسيا؛ فكان موقفها من الربيع العربي التحفظ وعدم التسرع في البداية، وعدم الترحيب بأي تغيرات مفاجئة، وبالرغم من زيارة الرئيس مرسي لروسيا فإن العلاقات كانت أكثر تحفظا. وبعد الانقلاب العسكري كانت أول زيارة للسيسي بعد الانقلاب لروسيا، وتم عقد صفقة السلاح الروسية عام 2014 بقيمة 3.5 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات الروسية في المشاريع شرق قناة السويس 46 مليار دولار، وكذلك تقدم روسيا لمصر قرضا بقيمة 25 مليار دولار في محطة الضبعة النووية[12].
أضف إلى ذلك الرغبة الروسية لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، الذي تزامن مع رغبة السيسي في الحصول على الشرعية بعد الانقلاب.
ثانيًا مستوى المنظمات الدولية والمجتمع المدني:
على المستوى الحقوقي كان لمنظمات حقوق الإنسان دورٌ في الإعلان الدائم عن انتهاكات حقوق الإنسان والسلطوية الاستبداية في مصر، ولكن ظلت تلك الإدانات – وإن كانت مستمرة في فضح النظام الانقلابي – لا تمتلك أدوات فعلية لوقف هذه الانتهاكات إلا في حدود قليلة.
ونلقي الضوء على بعض المنظمات وموقفها من الثورة المصرية، وما تبعها من انقلاب عسكري.
منظمة العفو الدولية، ظلت المنظمة تندد بغياب الديموقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، ففي تقرير عام 2019 الذي صدر عن المنظمة، أدانت انتهاكات حقوق الإنسان الجائرة، بداية من ظروف الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري والأحكام الجائرة، والإعدامات المتتالية، والتعذيب والمعاملة وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. كما أدان التقرير قمع المظاهرات والتنكيل بالمعتقلين، وحملات القبض الواسعة، بل استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والاستخدام المفرط للمحاكم الإستثنائية.
كما أدان التقرير منع حرية تكوين الأحزاب، والقيود التعسفية على ممارسة دورها، وتوسيع دور المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين[13].
كما صدر تقرير حول التوسع في تنفيذ عقوبة الإعدام في ديسمير 2020. وغيرها من التقارير الدورية التي ترصد الانتهاكات التي يمارسها النظام.
أما منظمة هيومان رايتس ووتش؛ ففي تقريرها السنوي 2020 تطرقت لانتهاكات حقوق الإنسان لمصر، ووصفت التعديلات الدستورية التي تمت بأنها استفتاء غير نزيه لترسيخ الحكم السلطوي وتوسيع سلطة السيسي[14]. وكذلك عقب زيارة السيسي لفرنسا دعت لوقف مبيعات الأسلحة لمصر.
وتقوم الأمم المتحددة بين الحين والآخر بتجديد قلقها إزاء ملف حقوق الإنسان بمصر، آخرها في مؤتمر صحفي عقده ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام انطونيوغوتيريس.
ونختم بتناول قرار البرلمان الأوروبي الجمعة 18 ديسمبر 2020 على مشروع قرار يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وذلك بالتزامن مع تطورات قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عام 2016. فقد صدر قرار البرلمان الأوروبي بشأن النظام المصري بأغلبية كبيرة؛ حيث صوّت لصالح القرار 434 من أعضاء البرلمان، واعترض عليه 49 عضواً، وامتنع 202 من الأعضاء عن التصويت.
قال بييرفرانشيسكو ماجورينو، النائب في البرلمان الأوروبي الذي روّج للقرار: “صوَّت أعضاء البرلمان الأوروبي على نص يطالب المؤسسات الأوروبية بشكل صريح بالتدخل؛ ليس بالجمل اللفظية فقط، كما كان غالباً ما يحدث منذ 2013، العام قاد فيه الجنرال السيسي، الذي هو على رأس السلطة الآن، انقلاباً (على الحكومة المنتخبة)، ولكن مع إجراءات ملموسة كفيلة بأن تنزع الشرعية عن نظام لطالما بالغنا في إضفاء الشرعية عليه حتى الآن، والقيام بتحقيق مستقل في انتهاكات الدولة (بدءاً من حالتي جوليو ريجيني وباتريك زكي، الطالب في جامعة بولونيا)، وإصدار عقوبات وإجراءات تقييدية ضد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وإيقاف بيع الأسلحة، وهي نقطة حساسة تؤثر على الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا وفرنسا”[15].
وقد تناول التقرير19 بندا، تناولت التنديد والأسف لملف حقوق الإنسان في مصر، وتدعو لاتخاذ كافة الأدوات المتاحة، ودعوة الدول المؤسسة للاتحاد لوقف تراخيص تصدير الأسلحة التي تستخدمها مصر في قمع المعارضين. ويطالب بإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر.
وبالرغم من أن قرارت البرلمان الأوروبي غير ملزمة للدول الأعضاء فإن القرار تناول بالتفصيل الوضع المزري لحقوق الإنسان في مصر، ومحاولة التفاوض مع حكومات الدول الأوروبية لاتخاذ إجراءات بعينها.
خاتمة وخلاصة:
بعد عرضنا لهيكل تغيرات المنطقة ؛ محليًا وإقليميًا ودوليًا ، و استعراض شبكة المصالح الغربية في مصر، وتتبع رؤية الغرب لثورة 25 يناير وتطور العلاقات مع النظام المصري، يمكن الوصول للمستخلصات الآتية:
- العلاقات بين الدول رهينة التطورات الإقليمية والمصالح المشتركة، فطبيعة العلاقات لا تستمر على وتيرة واحدة، ولكن يحكمها المصالح والصراعات.
- تلك المرحلة السائلة التي تمر بها مصر والمنطقة سيسفر عنها إعادة رسم خريطة القوة والتحالفات؛ لذا تسعى كل دولة إعادة تعريف مصالحها، ورسم خريطة تحالفاتها، سواء على مستوى التكتيكات أو الاستيرراتيجية.
- المطالبة باحترام حقوق الإنسان واحترام الديموقراطية لم يعد لها وزن في علاقات الدول، وخصوصًا مع التراجع في الديموقراطية داخل الغرب نفسه. ولذلك ليس الأيديولوجيا هي الحاكمة، وإنما المصالح الاستيراتيجية والاقتصادية، وهو ما كان له دور كبير في تمزيق المنطقة وإخماد ثورات الربيع العربي.
- الإدانات التي تقوم بها الدول هي محاولة لاسترضاء الرأي العام عندها، لكن تبقى المصالح هي الفاعل الأول في طبيعة السياسة الخارجية.
- على الرغم من إدانات المنظمات الدولية، لنظام السيسي، وانتهاك حقوق الإنسان في مصر، لكن تبقى المصالح هي الفاعل الأول في طبيعة السياسة الخارجية.
- شعوب العالم تنادي بالقيم والديموقراطية وتدعم الشعوب في رغبتها في التغيير، لكنها تظل تحت وطأة سياسات الدول وميزان المصالح.
- الحديث عن عدم شرعية النظام وانقلابه على الثورة؛ لم يعد محور الحديث بالنسبة للغرب، بل السياسية الواقعية هي التي تحكم.
- يلاحظ أنه مع إعادة الهيكلة الإقليمية، تراجع الدور الإقليمي المصري، خصوصًا مع بروز الدور الخليجي، وهو ما أثر على الدور الفاعل لمصر في المنطقة، ورسم سياستها الخارجية.
المصادر:
[1] – عربي بوست، صراع التحالفات الشرق الأوسط مقبل على استقطابات أكثر من أي وقت مضى، 22يناير/كانون الثاني 2020
[2]– معهد كارنيجي، إشعال الصراعات في الشرق الأوسط أو إخماد النيران، 21 يناير/كانون الثاني 2019
[3] – العربي الجديد سياسة المحاور في المنطقة العربية،28 فبراير/شباط2018
[4] – معهد كارنيجي مرجع سابق.
[5] ناصف يوسف حتى، النظرية في العلاقات الدولية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1985، ص 28 و29.
[6] العربي الجديد، اعترافات أوباما الصادمة عن ثورة يناير، 3 ديسمبر/كانون الاول 2020.
[7] – ساسة بوست، أبرز المحطات في علاقة الولايات المتحدة بمصر،06 فبراير/شباط 2016.
[8] – شبكة رصد، مصر تشتري صفقات أسلحة من ألمانيا ب 14 مليار جنيه في 2020، 03 يناير/كانون الثاني 2021.
[9]– the africareport, FRANCE & EGYPT: sisi and macron’s exceptional relationship.
[10] نون بوست، سياسية المملكة المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط تاريخ سري من المصالح الذاتية،28 مارس/اذار 2019
[11] – المعهد المصري، بريطانيا ومصر سياسات قديمة أم جديدة، عمر دراج، 19سبتمبر/ايلول 2017.
[12] – المعهد المصري، العلاقات المصرية الروسية تقارب أم تحالف، 30 يناير/كانون الثاني 2018.
[13] – منظمة العفو الدولية ، التقرير السنوي : مصر 2019، 18فبراير/شباط 2020.
[14] – الجزيرة، تقرير رايتس ووتش ينتقد واقع حقوق الإنسان في العالم.،15يناير/ كانون الثاني 2020.
[15] – جاء ذلك في خلال حوار أجراه معه الصحفي كيارا كروشياتي ونشرته صحيفة إلمانيفستو الإيطالية بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الاول 2020.