الموقف المصري من النزاع السوداني .. محددات العلاقة وكوابح التدخل
المحتويات
- مقدمة
- نظرة تاريخية على طبيعة العلاقات بين السودان ومصر
- محددات السياسة المصرية تجاه الدولة السودانية
- الموقف المصري بين طرفي النزاع في السودان
- كوابح معرقلة للموقف المصري في السودان
مقدمة
في 15 أبريل/ نيسان 2023، نشب صراع مسلح بين جيش السودان بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”.
حيث تبادل الطرفان الاتهامات ببدء الهجوم على المواقع التابعة لكل منهما.
وحتى يوم 26 من الشهر نفسه، بلغت حصيلة ضحايا الاشتباكات في السودان 512 قتيلًا.
فيما بلغت جملة الإصابات 4 آلاف و193 إصابة في الخرطوم والولايات الأخرى.[1]
ومساء الثلاثاء الموافق 25 أبريل/ نيسان 2023، دخلت هدنة حيز التنفيذ بين الطرفين المتحاربين لمدة 72 ساعة، بوساطة سعودية – أمريكية.
وهي هدنة إنسانية في الأساس تهدف لـ”فتح ممرات إنسانية، وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين”.
إضافة إلى “تمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى المستشفيات والمناطق الآمنة، وإجلاء البعثات الدبلوماسية”.
لكن مع ذلك اتهم طرفا الصراع بعضهما البعض بخرق الهدنة.
ومع توقع استمرار القتال، يجدر الحديث عن الموقف المصري من الأزمة الجارية.
ذلك أن الوضع في الجارة السودان يؤثر بشكل مباشر على مصر من عدة جهات.
منها موجة النزوح التي تتجه إلى أراضيها، وأمن الحدود والبحر الأحمر.
وربما الأخطر من ذلك في الوقت الراهن هو ملف سد النهضة الإثيوبي.
الذي يعد موقف الأطراف المتحاربة تجاهه، جوهري في تحديد القاهرة توجهاتها حيال النزاع في السودان.
وخلال الأسطر التالية، نحاول معرفة محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه الدولة السودانية، في سياق النزاع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
هذا فضلًا عن تحديد أي طرف في الصراع أقرب للمصالح المصرية، والسياسة التي قد يتبعها نظام قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، تجاه هذا الملف.
نظرة تاريخية على طبيعة العلاقات بين السودان ومصر
رغم المصالح المتأصلة في التعاون بين مصر والسودان.
إلا أنه من الملاحظ على علاقات الطرفين التذبذب، على الأقل منذ انتهاء عصر الملكية وبزوغ عصر الجمهوريات.
وفي الحقيقة، فإن هذا المد والجزر في العلاقات له أسباب عدة.
ففي عهد الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، نشأت جفوة بين البلدين بسبب قضية “مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد”.
ثم تحسنت العلاقات ليتم الاتفاق على إقامة السد العالي، ثم عقد “قمة اللاءات الثلاثة” في الخرطوم، تضامنًا مع مصر، التي تعرضت للنكسة في ذلك العام 1967.[2]
وفي عهد خلفه، أنور السادات، كانت “حركة يوليو التصحيحية”، التي انطلقت في السودان في 19 يوليو/ تموز 1971، سببًا في خوف السادات من سيطرة الشيوعيين على السودان.
وكان يخشى تطويق نظامه عبر محور إثيوبيا واليمن والالتفاف عليه بدعم سوفيتي.
لكن بعد تولي جعفر النميري حكم السودان تحسنت العلاقات بين البلدين، وتمخض عنها عدة اتفاقات تعاونية.[3]
وكذلك كانت هذه السياسات المتذبذبة حاضرة في عهد الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، أيضًا.
فقد بدأت سياسات مبارك تجاه السودان إيجابية، من خلال عقد اتفاقات عدة منها “المجلس الأعلى للتكامل”، و”برلمان وادي النيل”، و”الأمانة العام للتكامل”، واللجان الفنية المشتركة، و”صندوق التكامل”.
لكنها مرت بمراحل توتر عدة، كان منها تلك المرحلة التي تلت محاولة اغتيال مبارك في إثيوبيا عام 1995. لكن عادت الأمور لتتحسن مرة أخرى بحلول عام 2004.[4]
وقد لعب تغير الأنظمة الحاكمة في كلا البلدين دورًا في هذا المد والجزر.
لكن اتفقت كل الأنظمة تقريبًا على أهمية الجارتين بالنسبة بعضهما البعض، وعدم تحمل إحداهما تجاهل الأخرى بالكلية.
لأن ذلك يؤثر بالتبعية على المصالح الخاصة بكل منهما.
فالبلدان تجمعهما حدود مشتركة تقدر بـ 1,276 كيلومترًا، كما يشتركان في ممر مائي ذي أهمية عالمية وهو البحر الأحمر.
هذا فضلًا عن الاشتراك في التاريخ والدين والثقافة.
ويجدر هنا التركيز على العقد الأخير بوجه خاص، بعد الانقلاب العسكري في مصر، ليتسنى معرفة محددات سياسة النظام الانقلابي الحالي في مصر تجاه السودان.
وبالتالي، فهم موقفه من النزاع المسلح الجاري على مقربة من مصر.
محددات السياسة المصرية تجاه الدولة السودانية
في العموم، لم يسلم العقد الماضي من أن يشهد صعودًا وهبوطًا في العلاقات المصرية-السودانية، كعادة العلاقات الثنائية كما أسلفنا.
فقد كان ملف حلايب وشلاتين أحد أسباب التوتر بين الطرفين، وربما كان ذلك بسبب رغبة هذا الطرف أو ذاك للفت النظر عن مشكلاته في الداخل بالتركيز على مشكلات خارجية.
كما أن ملف المعاملة بالمثل – فيما يخص التأشيرات والإقامة وما إلى ذلك- كان سببًا آخر قاد لتوتر العلاقات في بعض المحطات خلال العشر سنوات الأخيرة.[5]
لكن بخلاف الملفات التقليدية، برز ملفات ملحان على القاهرة شكّلا أساسًا لعلاقاتها مع الخرطوم.
الملف الأول هو الضغط لعدم جعل السودان منصة تتجمع فيها المعارضة المصرية، وخصوصًا الفصائل الإسلامية منها، كي لا تشكل إزعاجًا لنظام السيسي.
أما الملف الثاني، فهو ملف سد النهضة الأثيوبي.
الذي بات أكثر إلحاحًا بمرور الوقت بسبب تقدم أديس أبابا في خطواتها الأحادية لإنجاز تشييد وملء السد، دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع الجانبين، المصري والسوداني.
ومع تبني الرئيس السوداني، عمر البشير، سياسة الانفتاح على نظام السيسي، ونفي المسؤولين السودانيين المتكرر لأية علاقة تربطهم بفصائل المعارضة المصرية، أو استقبالها على أراضيها.[6]
تفاعل السيسي إيجابيًا في المقابل، وتمثل ذلك في عدة زيارات بين الطرفين، ولقاءات سياسية واستخبارية.
حتى أنه في أثناء التظاهرات التي خرجت ضد البشير في 2019، زار البشير مصر.
كما أوردت تقارير إعلامية حينها أن نظام السيسي دعم البشير بلجنة استخبارية لدعمه في اتخاذ قرارات إعلامية وأمنية مناسبة خلال التظاهرات المطالبة برحيله.[7]
وربما في هذا إشارة إلى أن العلاقات بين النظامين حينها كانت مستقرة.
وكان السيسي يرغب في استمرار هذا الاستقرار، في وقت شهدت فيه مصر تفاقمًا فيما يخص أزمة سد النهضة، واضطرابات ومظاهرات داخلية.
تزامنت مع ظهور المقاول المصري، محمد علي، وما حمله من خطاب شعبوي حفز كثيرين على التظاهر ضد النظام المصري بعد فترات من سكون الشارع.
ومع تطور الأوضاع في السودان، استمر اهتمام السيسي بالملفين ذاتهما مع الإدارة الجديدة.
وهما ملف سد النهضة، وملف المعارضين المقيمين بالسودان.
ويمكن القول إن الإدارة السودانية الجديدة في مرحلة ما بعد البشير – والتي توزعت في البداية بين العسكريين والمدنيين- كانت أكثر تجاوبًا مع نظام السيسي.
لا سيما فيما يتعلق بتسليم أو ترحيل المعارضين المصريين المقيمين في السودان.
فقد سلمت الخرطوم بعض المعارضين لمصر، ما حدا بالضغط على آخرين لترك البلاد.[8]
أما فيما يخص سد النهضة، فقد اقترب الموقف السوداني من نظيره المصري في محطات، بينما بدا أنه ابتعد في محطات أخرى.
فتارة ذهب السودان مع مصر إلى التفاوض مع إثيوبيا، سواء بوساطة إفريقية أم أمريكية، علمًا بأن التفاوض هو المركز في سياسة السيسي تجاه السد.[9]
وتارة أخرى لم يمارس السودان ضغطًا على إثيوبيا بالقدر الذي ترغب فيه القاهرة، وفق البعض.
من ذلك، استقبال البرهان لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في يناير/ كانون الثاني 2023.
وتصريحه بأن هناك “اتفاقًا وتوافقًا” بين السودان وأثيوبيا في كافة قضايا سد النهضة.
لكن يبدو، أن موقف البرهان على وجه الخصوص كان متفهمًا في القاهرة.
وبدا ذلك في عدم رد القاهرة على تلك التصريحات بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما اتضح من حديث خبراء مقربين من النظام المصري أن تصريحات البرهان متفهمة في سياق محاولته تخفيف التوتر السوداني-الإثيوبي.
الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على مسار المفاوضات بين البلدان الثلاثة حول السد.[10]
إذن يمكن القول، إن الإدارة السودانية في مرحلة ما بعد البشير تفاعلت نسبيًا مع المحددات الرئيسية للنظام المصري، وهي ملف المعارضين المصريين، وملف سد النهضة.
لكن انقسام هذه الإدارة حاليًا يجعل متخذ القرار في القاهرة مضطرًا للتفريق بين البرهان وحميدتي، لمعرفة الأقرب منهما للرؤية المصرية في هذه الملفات.
خصوصًا وأن أي تغيير سياسي في السودان سيلقى بظلاله على مصر بطبيعة الحال كما أسلفنا.
الموقف المصري بين طرفي النزاع في السودان
في الساعات الأولى لنشوب القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
أُعلن عن “أسر” الأخيرة لعدد من الجنود المصريين كانوا في تدريب مشترك مع القوات السودانية في قاعدة مروي في شمال البلاد.
وأعلن لاحقًا الجيش السوداني أنه تم إجلاء 177 عسكريًا مصريًا على متن أربع طائرات.
في حين أكدت قوات الدعم السريع من جهتها أنها سلمت 27 آخرين إلى الصليب الأحمر الدولي.[11]
وكان الجيش السوداني قد أعلن أن هؤلاء العسكريين كانوا “محتجزين لدى قوات الدعم السريع”.
ثم أصدر بعد ذلك بيانًا اعتذر فيه عن كلمة “محتجزين” التي وردت بالخطأ.
وأكد أنهم “كانوا متواجدين بمدينة مروي بشمال السودان لكن لم يتم أسرهم” من قبل قوات الدعم السريع.[12]
علاوة على ذلك، أعلنت مصر مقتل مساعد الملحق الإداري بسفارة القاهرة في الخرطوم، محمد الغراوي.
وذلك خلال توجهه من منزله إلى مقر السفارة لمتابعة إجراءات الإجلاء الخاصة بالمواطنين المصريين في السودان.[13]
لكن الموقف المصري يبدو أنه لم يتأثر كثيرًا باحتجاز العسكريين المصريين أو مقتل مساعد الملحق الإداري.
فما يهم نظام السيسي في هذا السياق هو أن يستتب الأمن في السودان تحت قيادة عسكرية موحدة.
وأن تتماشى هذه القيادة مع النظرة المصرية في القضايا التي أشرنا إليها سابقًا.
وقد أشارت تقارير عدة إلى أن مصر تدعم الجيش السوداني بقيادة البرهان في هذا النزاع.
حتى إن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية ذهبت إلى أن الجيش المصري أرسل دعمًا لنظيره السوداني.
تمثل في طائرات مقاتلة وطيارين إضافيين، لدعم البرهان، قبل اندلاع القتال مباشرة مع قوات “الدعم السريع”.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول بالجيش السوداني، قوله إن مقاتلة مصرية دمرت مستودعًا للذخيرة يسيطر عليه الجنرال “حميدتي” ظهيرة يوم الإثنين 17 أبريل/ نيسان 2023.[14]
علاوة على ذلك، أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الصناعية أن طائرة مصرية على الأقل من طراز ميغ-29 قد دُمّرت في قاعدة مروي الجوية السودانية.
وذلك بعد استيلاء قوات حميدتي على القاعدة، وفق ما أفادت به مجلة “ذا وور زون” الأمريكية.[15]
وأشارت المجلة أنه من المحتمل أن تكون هناك طائرات مصرية مثيلة قد تعرضت كذلك لأضرار بالغة أو دمّرت.
موضحة أن الصور التي حصلت عليها تعود لتاريخ 17 أبريل/ نيسان 2023.
وبالنظر إلى تفضيل السيسي البرهان على حميدتي.
فيبدو أن أسباب ذلك تتمثل في موقف الرجلين من ملف سد النهضة على وجه الخصوص، وطبيعة قوات الدعم السريع مقارنة بالجيش السوداني.
وقد أوردت عدة تقارير بحثية أن هناك تباينًا بين موقف كل من البرهان وحميدتي من أثيوبيا، فمن جهة، يعتبر البرهان أقرب إلى مصر.
ومن جهة أخرى، يمتلك حميدتي علاقات أوثق مع الإدارة الأثيوبية، وفق ما أشار إليه المعهد الكندي “جيوبوليتكال مونيتور”.
وربما هذا السبب الأول الذي حدا بنظام السيسي لتفضيل البرهان.[16]
أما السبب الآخر، والمهم أيضًا في هذا السياق، فهو طبيعة قوات الدعم السريع.
التي هي عبارة عن ميليشيات غير نظامية اكتسبت شرعيتها مع تبدل الأحوال السياسية في السودان على مدى العقد الماضي.
في مقابل الجيش السوداني النظامي، الذي له علاقات ممتدة مع محيطه الإقليمي، وفي القلب منه مصر، والذي لديه القدرة العسكرية الأكبر في النزاع الجاري.
وهذا يقودنا إلى ما يمكن أن نعتبره محددًا ثابتًا في علاقات السيسي الخارجية.
وهو “دعم الجيوش النظامية كسياسة عامة في مواجهة حركات التغيير المحتملة في المنطقة”.
وربما كان هذا أحد أسباب ما أوردته بعض التقارير عن دعمه لبقاء البشير في السلطة عندما خرجت تظاهرات ضده في 2019.
كما أن هذا أيضًا ما يبرز في دعم السيسي وتقاربه مع نظام بشار الأسد في سوريا.
حيث إن خطاب السيسي خلال العقد الماضي عمد إلى تحميل الشعوب مسؤولية الفوضى والاقتتال، والثناء على الجيوش باعتبارها صمام أمان للدول.
ومن ذلك تحميل السيسي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في سوريا للشعب السوري نفسه،[17] وليس نظام الأسد.
ثم مؤخرًا تأكد ذلك مع تقارب السيسي مع الأسد وزيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى دمشق، في أعقاب الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في 6 فبراير/ شباط 2023.
ومن نفس المنطلق، فإن السيسي حاليًا يفضل البرهان، باعتباره ممثلًا عن القوة النظامية الوطنية، التي تحتكر شرعية استخدام القوة وضبط الأمن.
والتي تقابل قوة أخرى أقل حجمًا، ودخيلة على مؤسسات الدولة وليست جزءًا أصيلًا من تكوينها.
وربما من المناسب هنا الإشارة إلى أن هذه النقاط هي نقاط تفوق للبرهان على حميدتي في نظر نظام السيسي.
لكن هناك نقاط يشترك فيها الغريمان.
منها أنهما لا يهدفان في الحقيقة إلى إنجاز التحول الديمقراطي، فهما من قادا الانقلاب على المكون المدني في الحكومة السودانية قبل نحو عامين.
وحيث إن نظام السيسي لا يرغب في رؤية دولة ديمقراطية على حدوده تمثل مصدر تهديد له، فكلا الرجلين يحققان هذا الهدف له.
ما يعني أنها ليست نقطة تفضيلية تصب في صالح أحدهما على حساب الآخر عند تقييم القاهرة لكليهما.
كوابح معرقلة للموقف المصري في السودان
هذا الموقف المصري يزاحمه مواقف أخرى داعمة لحميدتي، صادرة عن حلفاء لنظام السيسي، كموقف الإمارات، وموقف الجنرال الانقلابي في ليبيا، خليفة حفتر.
فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن حفتر الذي تسيطر قواته على شرق ليبيا، أرسل على الأقل طائرة واحدة من ليبيا إلى السودان، تنقل إمدادات عسكرية إلى قوات “الدعم السريع” يوم 17 أبريل/ نيسان 2023.[18]
وحسب الصحيفة، فإن كلًا من حفتر و”حميدتي” تحالفا مع الإمارات، التي دعمت حفتر عسكريًا، كما “استأجرت” رجال “حميدتي” للقتال في اليمن.
كما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل منسوب لرئيس المخابرات السودانية السابق، صلاح الدين قوش.
اتهم فيه الإمارات بالوقوف وراء ما يجري في السودان، عبر إقامة “مطبخ للسياسة السودانية في أبو ظبي”، والقيام بعملية تغيير تستهدف الجيش، وإحلال قوات الدعم السريع بدلًا منه.[19]
وأوضح أن “هذا المطبخ التقى فيه الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، مع حميدتي رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك وبعض رجال المال الماسونيين”.
وأتبع: “وكلهم أجمعوا على لزوم التغيير بالقوة، في أن يُضرب الجيش ويتم الإعلان عن حكومة تعترف بها الدول الراعية لهذا التغيير، مع بعض المؤسسات والمنظمات الدولية، ويُضرب التيار الإسلامي والعسكري في الوطن ضربة قاصمة، وأعدوا لذلك العدة ومتحدثين”.
ومن جانبها، ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن الجيش السوداني عثر على قذائف حرارية بحوزة قوات الدعم السريع، صنعت في صربيا عام 2020، وسلمت لاحقًا إلى الإمارات.[20]
هذه الإشارات المتعددة تدلل على أن الموقف الإماراتي مفارق لنظيره المصري في الأزمة السودانية الراهنة.
وهذا ما يشكل عائقًا أمام نظام السيسي، الذي يعتمد على الإمارات في مساعدته للخروج من أزمته الاقتصادية العميقة.
ولهذا السبب قد لا يُقدم السيسي على دعم البرهان، بنفس الشكل الذي تدعم به الإمارات حميدتي، رغم أن مصر متأثرة أكثر من الإمارات بالنزاع الدائر.
وعلاوة على الدعم الإماراتي، تحدثت مصادر عدة عن أن الموساد الإسرائيلي يميل إلى صالح حميدتي أيضًا.
وذكر موقع “المونيتور” الأمريكي عن مصادر إسرائيلية أن الموساد دعا حميدتي لزيارة إسرائيل سرًا، في وقت سابق كان فيه البرهان مسيطرًا على مقاليد الأمور في البلاد.[21]
وذكر الموقع أن هذه الدعوة أتت بالرغم من خشية بعض المسؤولين الإسرائيليين من تسرب أنباء هذا اللقاء إلى البرهان.
كما ذكرت المصادر للمونيتور أن الموقف الإماراتي الداعم لحميدتي هو أحد المدخلات التي دفعت الموساد إلى دعم حميدتي على حساب البرهان.
وحيث إن الموقف الإسرائيلي يميل لصالح حميدتي.
فإن ذلك قد يعيق نظام السيسي أو يمنعه من إسناد البرهان، بالرغم من خطورة تطويق إسرائيل لمصر من الجنوب، في حال ظهور حميدتي على البرهان في هذه المعركة.
لذلك، ما نرجحه هنا هو أن اتفاق حليفين لنظام السيسي، الإمارات وإسرائيل، على دعم حميدتي، سيحجم من قدرة النظام المصري في دعم البرهان.
ولن يغامر السيسي بعلاقاته مع هذين الطرفين، رغم خطورة الأحداث الجارية في السودان، وتأثيرها الكبير على مصر.
وهناك سبب آخر مرتبط أيضًا بالدعم الخارجي لحميدتي، وهو أن النظام المصري قد يكون لديه شكوك حول قدرة البرهان على حسم المعركة لصالحه.
وبالتالي، فقد يعتقد أن دعمه للبرهان بشكل صريح قد يرتد عليه سلبًا إذا ما تعثر الأخير ولم يقدر على الحسم.
وعلى هذا، يمكن القول إنه بالرغم من أن دعم البرهان في الوقت الراهن قد يكون أقرب لمصلحة القاهرة.
إلا أن نظام السيسي قد يتردد في السير في هذا الاتجاه.
خوفًا من أن يتسبب ذلك في تدهور علاقاته بالإمارات، التي يحتاجها في أزمته الاقتصادية، أو إسرائيل، التي يحتاجها في ملف علاقاته مع الولايات المتحدة، وغير ذلك.
وما يبدو حتى الآن هو أن السيسي يحاول موضعة نفسه كطرف محايد في هذه المعركة، والبعد عن أن يظهر كداعم للبرهان.
حيث أعلن “عرضه للوساطة على الأطراف السودانية”، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ “ما يحدث في السودان هو شأن داخلي، ولا ينبغي لأيّ طرف التدخل فيه”.
والمرجح أن يستمر السيسي على هذا الموقف ما دامت الحرب مستمرة، إلا إذا تغيرت المعطيات الحالية.
[1] وكالة الأناضول، ،الصحة السودانية: 512 قتيلا جراء الاشتباكات، 26 أبريل/ نيسان 2023
[2] اندبندنت عربية، مستقبل العلاقات السودانية- المصرية بعد سريان “الحريات الأربع”، 22 فبراير/ شباط 2023
[3] المصدر نفسه
[4] معهد الجزيرة للدراسات، العلاقات المصرية السودانية في عهد مبارك، 8 أغسطس/ آب 2011
[5] رصد، محطات في توتر العلاقات المصرية السودانية في عهد السيسي، 28 أغسطس/ آب 2017
[6] وكالة الأناضول، “إخوان مصر” في السودان.. خلاف حقيقي أم ورقة ضغط؟ (تقرير)، 10 مارس/ آذار 2018
[7] BBC، ما الدعم الذي قد تقدمه القاهرة للبشير في مواجهة الاحتجاجات؟، 27 يناير/ كانون الثاني 2019
[8] عربي بوست، ، بينهم نساء وأطفال.. السودان تسلّم مصر 21 معارضاً سياسياً وموجة غضب على منصات التواصل، 19 يونيو/ حزيران 2022
[9] معهد كارنيغي، قصة السدّ الذي أشعل نار الخلاف بين إثيوبيا ومصر، 20 أبريل/ نيسان 2021
[10] الجزيرة نت، بعد تصريحات البرهان ولقاء آبي أحمد.. هل تخلى السودان عن مصر في ملف سد النهضة؟، 30 يناير/ كانون الثاني 2023
[11] فرانس 24، السودان: روسيا، إيطاليا، إسرائيل، مصر… من هم حلفاء البرهان وحميدتي؟، 20 أبريل/ نيسان 2023
[12] المصدر نفسه
[13] CNN، الخارجية المصرية تعلن مقتل مساعد ملحقها الإداري بالسودان، 24 أبريل/ نيسان 2023
[14] Wall Street Journal, Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict, April 19, 2023
[15] The War Zone, Egyptian MiG-29s Captured By Militia In Sudan, April 17, 2023
[16] Geopolitical Monitor, Sudan Conflict: More Complex than Meets the Eye, April 21, 2023
[17] TeN TV، السيسي: اللي عمل في سوريا كدا أهلها، 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019
[18] Wall Street Journal, Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict, April 19, 2023
[19] عربي 21، تفاصيل خطيرة عن “انقلاب” حميدتي.. كيف دبرت له الإمارات؟ (شاهد)، 19 أبريل/ نيسان 2023
[20] The Telegraph, Day-long ceasefire agreed in Sudan after intense international mediation, April 18, 2023
[21] Al-Monitor, Israel’s security chiefs split on supporting Sudan’s Burhan, Hemedti, April 21, 2023