المحتويات
المحور الأول: مستجدات الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية
- الرؤية التركية للحرب في أوكرانيا
- كيف تحاول تركيا اتباع سياسة متوازنة؟
- موقف الغرب من الوساطة التركية
- تمديد اتفاق الحبوب
- المكتسبات التركية من اتفاق الحبوب
المحور الثاني: التفجير الإرهابي في شارع الاستقلال
- جهود أجهزة الأمن لتحديد الفاعل
- دلالات التفجير الإرهابي
- الاستعداد لشن عملية برية شمالي سوريا
- الموقف الأمريكي والروسي من العملية
- السيناريوهات المتوقعة
المحور الثالث: التقارب مع نظام الأسد
- مواقف الأطراف المختلفة من التقارب
- أسباب تركيا للتقارب مع الأسد
- تجاوب الأسد مع تركيا
المحور الرابع: لقاء أردوغان-السيسي
- ردود الفعل في البلدين
- لماذا التقى أردوغان بالسيسي؟
- مستقبل العلاقات التركية-المصرية
مقدمة
زخرت الساحة السياسية التركية بالملفات المهمة خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إذ شهد الشهر تمديد اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية. وفي هذا السياق، نتناول مستجدات الموقف التركي من الحرب الروسية-الأوكرانية، مشيرين إلى السياسة التي انتهجتها تركيا مع أطراف الحرب المختلفة، روسيا، وأوكرانيا والغرب، وإلى مكاسب أنقرة كذلك من تمديد اتفاق الحبوب.
كما حدث تفجير إرهابي في شارع الاستقلال باسطنبول، راح ضحيته 6 مواطنين أتراك. وإزاء ذلك، نحاول تناول جهود أجهزة الأمن التركية لتحديد الفاعلين، ونشير كذلك إلى دلالات هذا العمل الإرهابي من حيث المكان والتوقيت. وكان من توابع هذا التفجير أن جعل شن عملية برية في الشمال السوري أكثر إلحاحًا على القيادة التركية. وفي هذا، نستعرض الموقف الروسي والأمريكي من العملية، والسيناريوهات المتوقعة لها.
ومع التطورات التي حدثت، تصاعد الحديث حول التقارب التركي مع نظام بشار الأسد، وصدرت تصريحات من قادة التحالف الحاكم تبين استعداد أنقرة للتفاهم مع الأسد في بعض الملفات. وفي هذا الصدد، نذكر موقف الأسد من هذا التقارب، ومدى تجاوبه مع تركيا حتى الآن، كما نستعرض الأسباب التي دفعت الإدارة التركية لأخذ هذا المنحى.
علاوة على ذلك، شهد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أول مصافحة ولقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي لاقى ردود فعل واسعة في البلدين، وله ما بعده بكل تأكيد. وفي هذا السياق نستعرض في عددنا هذا أصداء هذا اللقاء، والأسباب التي دفعت إليه، ومستقبل العلاقات بين الطرفين.
المحور الأول: مستجدات الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية
منذ بداية الحرب الأوكرانية-الروسية في فبراير/ شباط 2022، حاولت تركيا لعب دور متوازن، يحافظ على علاقاتها مع موسكو من جانب، وكييف والعواصم الغريبية الداعمة لها من جانب آخر، كما سعت لئلا تقترب إلا من مصالحها وأهدافها بشكل أو بآخر. وبرغم صعوبة الحياد في مثل هذه المعارك- التي كادت تقسم العالم نصفين، أو يُراد لها أن تكون هكذا- فقد حافظت تركيا على توازن علاقاتها مع أطراف الصراع، رغم كونها محسوبة على حلف الناتو الذي يقود الصراع ضد روسيا، والذي أنشئ خصيصًا لمواجهة تنامي الدور الروسي في العالم، حيث تعد تركيا هي ثاني أكبر دولة مساهمة في الحلف بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمكن القول إن تركيا حافظت -حتى الآن- على علاقات قوية مع روسيا، وكذلك مع أوكرانيا، وحرصت على لعب دور الوسيط في هذه الحرب، وقد ظهر ذلك من خلال تدخلها لحل أزمة الغذاء العالمية، ونقل القمح الأوكراني إلى موانيها بموافقة روسيا، وكذلك توسطت بين كييف وموسكو فيما يخص قضية الأسرى، وما لبثت أنقرة أن بذلت جهودًا حثيثة لمنع الطرفين أن يذهبا بعيدًا في حربهما، وعقدت جلسات تفاوض روسية-أوكرانية على عدة أصعدة. وفي هذا السياق، لا نبالغ إن قلنا إن تركيا حجزت مكانها في إدارة الحل والوساطة، فمن المتوقع أن تكون أنقرة حاضرة – بشكل أو بآخر- على طاولة إنهاء هذه الحرب، حين تقرر الأطراف المختلفة الجلوس والتفاوض.
وهذا بدوره، من شأنه أن يعزز دور تركيا الإقليمي والعالمي، ولم يكن هذا ليتأتى إلا باستغلال الإدارة التركية لموقع بلادها الجيوسياسي، بشكل يجعل منها لاعبًا مهمًا في معادلة كل من طرفي الصراع الدائر. ونحاول خلال الأسطر القادمة أن نستعرض تفاصيل الدور التركي في الحرب الروسية-الأوكرانية، وانعاكاساته على ملفات عدة.
الرؤية التركية للحرب في أوكرانيا
لقد بدت ملامح الرؤية التركية للحرب تتشكل منذ اليوم الأول لها، حينما أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أمله في إنهاء الحرب، مؤكدًا لروسيا أن أوكرانيا ليست بالدولة الضعيفة التي يمكن القضاء عليها، ومشددًا على الغرب أن روسيا ليست بالدولة التي من السهل إلحاق الهزيمة بها. وقد حاولت الدبلوماسية التركية مرارًا وتكرارًا أن تفتح حوارًا مع أطراف الحرب بعضهما البعض[1]، وأن تجمع المتحاربين على طاولة واحدة.
ورغم عدم تمكن تركيا من إحضار طرفي الصراع على طاولة مفاوضات، أساسها إنهاء الحرب، إلا أنها أحرزت تقدمًا في ملفات جزئية متعلقة بالصراع الدائر، مثلما حدث مؤخرًا في تمديد اتفاق الحبوب. ولم يفوت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الفرصة بعد توقيع اتفاقية نقل الحبوب ليعرب عن أمله في أن يكون هذا الاتفاق خطوة في طريق الوصول إلى وقف إطلاق النار، ثم هدنة طويلة الأمد، ثم اتفاق سلام شامل بين البلدين، ما يعنى أن تركيا لم تتخل عن أملها في إنهاء الحرب، وهي مستمرة في جهود الوساطة بين الطرفين.[2]
كيف تحاول تركيا اتباع سياسة متوازنة؟
ومع نجاح وساطة أنقرة في ملفات كاتفاق الحبوب أو تبادل الأسرى، يبرز الحديث حول ثقة طرفي الحرب فيها، فلم يكن لروسيا أو أوكرانيا أن يقبلا الوساطة التركية، إلا بقدر من الثقة في دورها الذي تلعبه منذ بداية الحرب. وبالنسبة لروسيا، فقد اتخذت تركيا عدة خطوات نأت بنفسها من خلالها أن تصطف تمامًا مع كل قرارات المعسكر الغربي، وبدت أقرب لروسيا في تلك الخطوات، منها إلى الولايات المتحدة وأوروبا. إذ اتهمت تركيا الغرب باتخاذ إجراءات وصفتها بـ”الإستفزازية” تجاه روسيا،[3] كما وافقت على تحويلات مالية من كيانات روسية إلى تركيا،[4]ولم تساهم مع بقية دول الناتو في فرض عقوبات على روسيا.
وفي تصريح لمتحدث الرئاسة التركية، وكبير مستشاريها، إبراهيم قالن، أوضح المسؤول التركي أن امتناع بلاده عن المساهمة في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، جاء لسببين. الأول هو أن الاقتصاد التركي سيتأثر سلبًا إذا ساهمت تركيا في العقوبات ضد روسيا، مؤكدًا تأثر اقتصاد بلاده سلبيًا في الماضي بسبب العقوبات على العراق، وحاليًا بسبب العقوبات ضد إيران. هذا فضلًا عن أن اشتراك تركيا في العقوبات لن يغير من سلوك روسيا كثيرًا، وفق وصفه. أما السبب الثاني – وفق قالن- فهو ترك باب للوساطة مفتوح، حيث إنه في حال مشاركة كل الدول في العقوبات على موسكو، فمَن الذي سيفتح حوارًا معها في نهاية المطاف؟[5]
وعلاوة على عدم المشاركة في العقوبات، فتحت تركيا الباب أمام رجال الأعمال الروس للاستثمار والعمل في تركيا بعد أن أغلقت العقوبات أبواب الاستثمار الأوروبية في وجوههم، كما اندفعت الشركات التركية لملء الفراغ الذي تركته الشركات الأوروبية والأمريكية في السوق الروسية بعد الحرب، وشرعت تركيا في تهيئة نفسها للعمل على نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، عبر محطات تركية، وذلك بعد حديث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن إمكانية ذلك.
وجدير بالذكر الإشارة هنا، إلى أن الموقف التركي مُتفهم لدى الإدارة الروسية، إذ أثنى بوتين على أردوغان قائلًا إنه “زعيم قوي يعمل على مصالح بلاده”.[6] وفي مناسبة أخرى، قال بوتين إن “على الدول التي تشتري الحبوب الأوكرانية بموجب اتفاقية إسطنبول أن تكون ممتنة لأردوغان”، مؤكدًا أن “تركيا أثبتت أنها الطريق الأكثر موثوقية لتزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز”.[7]
وعلى الجانب الآخر، زودت أنقرة كييف بالمسيرات التركية التي ساهمت في عرقلة التقدم الروسي على الأرض، بل وتبرعت ببعض المسيرات للجيش الأوكراني، بعد أن بدأ الشعب الأوكراني حملة جمع التبرعات لشراء مزيد من المسيرات التركية. وتقديرًا منه لهذا الدور، منح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى إلى، خلوق بيرقدار، المدير العام لشركة “Baykar” المصنعة لطائرات بيرقدار المسيرة.[8]
أضف إلى ذلك، رفض تركيا قرار روسيا بضم مناطق من أوكرانيا عبر استفتاءات، مطالبةً الكرملين بإعادة جميع الأراضي الأوكرانية، بما فيها جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014[9]، كما أغلقت الحكومة التركية المضائق في وجه البحرية العسكرية الروسية، مؤكدة دائمًا أن شراكتها مع روسيا لا تعني قبولها بتصرفاتها.
موقف الغرب من الوساطة التركية
ورغم التخوف الغربي من تنامي الشراكة التركية-الروسية بشكل ملحوظ بعد الحرب، فإنه لايمكن القول إن تركيا تخلت تمامًا عن المعسكر الغربي وحلف الناتو أو إنها انحازت تمامًا إلى الرؤية الروسية للحرب،[10] بل إن تركيا لا تزال محافظة على موقفها الداعم لأوكرانيا ولوحدة أراضيها، وكذلك تدرك أنقرة أهمية عضويتها في حلف الناتو، وعلاقاتها بالدول الغربية كشريك اقتصادي وعسكري وسياسي وكوسيلة للحفاظ على التوازن مع روسيا، التي من الصعب أن تتحول لشريك استراتيجي، بل غالبًا ما يكون الخلاف حاضر في الملفات السياسية المشتركة، كما هو الحال في سوريا، وليبيا، والقوقاز.
وربما ما يزيد هذا التخوف الغربي هو أن الخطوات التركية في سياق الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي قد تبدو غير منسجمة مع السياسة الغربية بشكل كامل، هذه الخطوات تأتي في وقت تتوتر فيه العلاقات بين واشنطن وأنقرة منذ عدة سنوات. وانعكس هذا التوتر رفع الولايات المتحدة لحظر تصدير السلاح إلى قبرص اليونانية.
هذا فضلًا عن تعزيز الولايات المتحدة لتواجدها العسكري على الحدود التركية، عن طريق زيادة عدد قواعدها في اليونان، كما ساعدت واشنطن أثينا في تعزيز قدراتها الجوية، وتسليح جزر بحر إيجة،[11] كذلك، أظهرت الولايات المتحدة دعمها الكامل لأرمينيا في أزمتها مع أذربيجان،[12] أضف إلى ذلك الملف الحساس للغاية بالنسبة لأنقرة، وهو الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، حسب السلطات التركية.
ففي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2202، وقع انفجار دموي في شارع الاستقلال، أحد أهم شوارع إسطنبول. وبعد ساعات، ألقى القبض على منفذة التفجير، والتي تقول السلطات التركية إنها تسللت من عفرين السورية، وتلقت تدريبها على يد “قسد”. وعلى إثر هذه العملية، أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أن وزارته ترفض استلام رسالة التعزية التي أرسلتها السفارة الأميركية في أنقرة، كرد فعل على ما توفره الولايات المتحدة من حماية ودعم لمن تصفهم تركيا كجماعات إرهابية تستهدف الشعب التركي.[13]
هذا التضاد، بين المواقف المنسجمة في كثير من الملفات بين تركيا وروسيا من ناحية، والمواقف المتعارضة بين تركيا والولايات المتحدة والدول الغربية من ناحية أخرى، أحيانًا ما ينظر إليه بعين القلق في العواصم الغربية. والحقيقة أن النظر إلى الموقف التركي على أنه مناوئ للغرب ليس صوابًا تمامًا، بل يمكن اعتبار ما تقوم به تركيا هو دور مناسب لها ولجغرافيتها، هذا فضلًا عن كونه دور يحقق مكاسب على المستوى العالمي أيضًا.
إذ أن الدبلوماسية المتوازنة التي تنتهجها تركيا كانت أحد العوامل التي استطاعت أن تحجم – بشكل أو بآخر- اتساع رقعة الحرب وزيادة اشتعالها، كما أنها باتت وسيلة فعالة ومثمرة للتواصل مع بوتين، والخروج باتفاقات مهمة، كاتفاق الغذاء.[14] هذا فضلًا عما توفره من فرصة للتواصل بين روسيا وحلف الناتو، وقد بدا جزءًا من ذلك مؤخرًا في استضافة تركيا للقاء الذي جمع بين رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز، ونظيره الروسي سيرجي ناريشكين.[15]
اتفاق الحبوب
وفي سياق هذه السياسة، سعت تركيا لحل أزمة الغذاء التي تؤثر على العديد من دول العالم، من خلال وساطتها لاستئناف العمل باتفاق تصدير الحبوب، مجنبة الأسواق أزمة غذاء عالمية، خشي بعض المراقبين أن تتحول لمجاعة في بعض الدول. وبعد الجهود التركية والأممية، وقّعت روسيا وأوكرانيا، في 22 يوليو/ تموز 2022، اتفاقًا بشأن استئناف تصدير الحبوب والأسمدة لمدة 120 يومًا، حتى 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قبل أن يتم تمديد الاتفاق في 17 نوفمبر لمدة 4 أشهر أخرى، كإجراء حيوي ومدعوم أمميًا؛ لضمان تدفق الإمدادات الغذائية إلى الأسواق العالمية.[16]
يأتي اتفاق الحبوب في وقت يعاني فيه معظم دول العالم من ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة خاصة أن الدول لم تستطع بعد الخروج من التبعات الاقتصادية التي أحدثتها أزمة وباء كورونا، حتى أتت الحرب الروسية-الأوكرانية لتضع الاقتصاد العالمي في مأزق حقيقي، خاصة بالنظر الى أهمية الدولتين المتحاربتين في تأمين سوق الغذاء العالمي. فقد تسببت الحرب في حدوث مشكلات في حركة التجارة، خاصةً تجارة الحبوب، فالبلدان يستحوذان على نحو 27 بالمئة من التجارة العالمية للقمح، و23 بالمائة للشعير، و14 بالمئة للذرة، وفقا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”.[17]
وقد سهل الاتفاق تسيير إمدادات الغذاء الى الأسواق العالمية وهو ما ساهم في التخفيف من خطر انعدام الأمن الغذائي ومخاطر زيادة الفقر والجوع العالميين، حيث تعتمد العديد من الدول، وتحديدًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على الإمدادات الغذائية القادمة من البحر الأسود، كما ساهم الاتفاق في تراجع أسعار الغذاء في العالم، مما حال دون وقوع حوالي 100 مليون شخص في الفقر المدقع، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.[18] وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فقد تسبب انقطاع صادرات الحبوب تحت الحصار البحري الروسي في ترك نحو 47 مليون شخص حول العالم في حالة جوع حاد.
المكتسبات التركية من اتفاق الحبوب
انجاز دبلوماسي: لا شك أن هذا الاتفاق قد جنب العالم أزمة غذاء حقيقية في وقت لم تسلم دولة من دول العالم من ارتفاع الأسعار، وقلة المنتجات الغذائية. هذا الإنجاز الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بـ”التاريخي وغير المسبوق”، يعطي قوة للدبلوماسية التركية، ويؤكد الدور المهم لتركيا في المنطقة ومدى حاجة الأطراف المختلفة لها كوسيط قادر إدارة الحوار، وايجاد الحلول في بعض الأزمات العالمية.
خطوة على طريق إنهاء الحرب: تحاول تركيا أن تتخذ من اتفاق تصدير الحبوب أرضية للحوار بين الطرفين، مستثمرة في ثقة الأطراف فيها، إذ أن الحرب “ستحسم في نهاية المطاف بالجلوس إلى طاولة والتوصل إلى حل سياسي”، حسب ما صرح به الرئيس أردوغان.
كما أن الجهود التي بذلتها أنقرة بين الجانبين أنتجت لقاءً مباشرًا بين وزيرَي خارجية كل من روسيا وأوكرانيا في مدينة أنطاليا التركية، كما وصل التفاوض بين البلدين إلى تحديد 6 بنود تشكل اتفاقًا محتملًا بين الجانبين، أربعة منها وافق عليها الجانبان، ما يعني أن أي استئناف للوساطة التركية لن يأتِ من البداية تمامًا، إنما سيبني على ما سبق.
تحسين العلاقات وزيادة النفوذ: النجاح التركي في الوساطة لتجديد اتفاق الحبوب سيضيف إلى رصيد العلاقات بين تركيا وجميع الأطراف خاصة روسيا وأوكرانيا.
وينبغي هنا ملاحظة أن الاتفاق يعطي أنقرة نفوذًا على كل من روسيا وأوكرانيا فيما يتعلق بالاتفاق، إذ إن مركز التنسيق والقيادة المعني بعمليات المتابعة والرقابة والتفتيش سيكون في مدينة إسطنبول. كما سيكون على تركيا – كوسيط في الاتفاق الموقع- الإشارة إلى أي طرف ينتهك الاتفاق أو يخرقه أو يعوق تنفيذه. وأخيرًا، فإن الاتفاق يلحظ إمكانية “اللجوء إلى طرف ثالث” لدى حصول اختلاف في التفسير لدى تنفيذ الاتفاق، والطرف الأرجح لهذا الدور ستكون تركيا لما سبق تفصيله من أسباب وعوامل.[19]
تقوية الموقف التركي أمام الغرب والولايات المتحدة: وهو أمر يضاف إلى عناصر القوة التركية إزاء الغرب على هامش الحرب الروسية–الأوكرانية بما في ذلك امتلاك قرار المضائق البحرية، ووقف استخدام الطائرات الروسية لأجوائها، والوساطة، والعلاقات الجيدة مع طرفَي الحرب.
هذا المتغير المهم قرأه حلفاء تركيا التقليديون في الغرب، وأقصد الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بشكل واضح وبنوا عليه. فزيارة رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، لتركيا في مارس/ آذار 2022، ولقاؤه أردوغان بعد أيام من بدء الحرب، لا يمكن النظر إليها كتصرف فردي من أثينا وإنما خطوة أوروبية/أطلسية بدافع من إدراك الأدوار التي يمكن لتركيا أن تلعبها في مواجهة التهديدات الأمنية المستجدة للقارة الأوروبية بعد الحرب الروسية–الأوكرانية.[20]
تقوية الموقف التركي في حرب المنظمات الانفصالية: وهو بعد له أهميته فيما يتعلق بروسيا تحديدًا، لا سيما على هامش القضايا ذات الاهتمام المشترك التي يؤثر الموقف الروسي فيها بمصالح تركيا بأشكال مباشرة وغير مباشرة، وفي مقدمتها العملية التي تلوح بها أنقرة في الشمال السوري حيث يستبعد أن تقف روسيا موقفًا متشددًا من هذه العملية، رغم معارضتها لها بشكل عام، خشية خسارة شريك تحتاج إليه في هذه المرحلة.
حيث أوضحت الباحثة في العلاقات الدولية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، لانا بدفان، أن “الجانب الروسي يعي المخاوف الأمنية للجانب التركي ويتفهمها”. وأضافت: “رأينا الموقف التركي بعدم قبول التعازي من السفارة والقنصلية الأميركية، في انفجار إسطنبول، لذلك تحمل هذه العملية ربما توترًا روسيًا في عدم قبولها، بموازاة رفض أميركي”.
واعتبرت بدفان أن “روسيا ربما ترفض هذه العملية، ولكنها قد لا تمانع لو أصرت تركيا على الإقدام عليها”، مذكّرة بأن موسكو “أعطت الضوء الأخضر للجانب التركي لدخول المجال الجوي المحمي منها، لشن غارات في شمال سوريا”، ولافتة إلى أن “هذه إشارة إلى أن روسيا تتفهم وتعطي بعض النقاط إلى تركيا، وتسمح لها في بعض الأحيان بممارسة عملياتها العسكرية الجوية بقدر معقول”.[21]
زيادة شعبية أردوغان وحزبه في الداخل التركي: يبدو أن نصيب حزب العدالة والتنمية من الأصوات، ووضع أردوغان الانتخابي، قد شهدا تحسنًا ملموسًا في الشهرين أو الثلاثة الماضية، والأرجح أن هذا التحسن يرجع – في جزء منه- إلى نجاح المقاربة المتوازنة، التي تبنتها حكومة أردوغان من الحرب الأوكرانية، والإنجازات التركية الدبلوماسية، المتعلقة باتفاق تصدير الحبوب الروسي-الأوكراني، واتفاق تبادل الأسرى بين المتحاربين، ومشاركة تركيا الفعالة في مؤتمر منظمة دول شنغهاي، وإعلان أنقرة عزمها الالتحاق بالمنظمة رسميًّا.[22]
بيد أن ما لا جدال فيه أن حظوظ حزب العدالة والتنمية لم تزل رهينة تطورات الوضع الاقتصادي-المالي لتركيا. فقد فقدت الليرة التركية ما يقارب 40 بالمئة من قيمتها خلال العام من منتصف 2021 إلى منتصف 2022، كما ارتفع مستوى التضخم إلى 83 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2022، وهو المستوى الأعلى في أوروبا.
وثمة مؤشرات على استقرار سعر صرف الليرة أمام العملات الرئيسة الأخرى، وأن التذبذب الطفيف في قيمتها يعود إلى قوة الدولار وليس إلى عوامل ضعف داخلية[23]. وعمومًا، يبدو أن الاقتصاد هو العامل الأهم في الانتخابات القادمة. ولكن لا شك أن النجاحات الدبلوماسية لها أثرها في شريحة من الشعب التركي.
المحور الثاني: التفجير الإرهابي في شارع الاستقلال
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، هز شارع الاستقلال في مدينة اسطنبول التركية تفجير إرهابي، أسفر عن مقتل 6 مواطنين أتراك، هم أم وابنتها، وأب وطفلته، وزوجين، هذا فضلًا عن إصابة 81 شخصًا.[24] وسريعًا، تفاعلت السلطات التركية مع الحدث، وحددت أن أحد المتورطين فيه هي امرأة، لكنها لم تجزم في بداية الأمر أن التفجير إرهابي.[25] ولم تمر سوى عدة ساعات حتى حدد الأمن التركي صورة منفذة التفجير، وانتشرت عدة لقطات ومقاطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أُعلن القبض عليها في نفس الليلة، برفقة آخرين، في منزل آخر غير الذي كانت تقيم فيه.
ووفق مديرية الأمن العامة التركية في إسطنبول، فإن منفذة التفجير هي أحلام البشير، عضو في وحدات حماية الشعب “واي بي جي”، التي تؤكد أنقرة أنها فرع من تنظيم حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” الإرهابي. وأضافت أن البشير تلقت تدريبات لتصبح عنصر استخبارات على يد التنظيم الإرهابي شمالي سوريا، وأن قرار تنفيذ العملية جاء من مدينة عين العرب (كوباني) شمالي حلب السورية.[26]
وأشار البيان إلى أنّ عملية القبض على الإرهابيين جاءت بعد فحص تسجيلات 1200 كاميرا وتوقيف 46 مشتبهًا في مداهمات استهدفت 21 عنوانًا. ووفق وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، فإن منفذي الهجوم الإرهابي كانوا سيهربون إلى اليونان لو لم يتم إلقاء القبض عليهم، حسب اعترافاتهم. ولفت صويلو إلى “رصد فرق الأمن لاتصال عقب الهجوم، تُعطى فيه تعليمات صريحة وواضحة من التنظيم بتصفية الإرهابية التي نفذت التفجير، بهدف طمس الحقيقة”، لكن تمكن الأمن التركي القبض على الشخص المكلف بتصفية البشير.[27]
وحسب التحقيقات، فقد تسللت البشير إلى تركيا من منطقة عفرين السورية، واستقرت برفقة عضو آخر في التنظيم يُدعى، بلال حسن، وادعيا أنهما زوجان لمدة 4 أشهر، وزورا عقد زواج سوري كإثبات على زواجهما.[28] ويوم التفجير سلم “حسن” حقيبة بها مادة “تي إن تي” شديدة الانفجار للبشير، وأوصلها إلى ميدان تقسيم، وهي بدورها، تركت الحقيبة تحت أحد المقاعد في شارع الاستقلال، لتنفجر بعدها بلحظات.
ومنذ ليلة التفجير، ألقت قوات الأمن على عشرات المتورطين فيه بشكل مباشر، ومَن ساعدهم، سواء بتوفير المسكن، أو بتسهيل تنقلهم داخل اسطنبول، أو بتهريبهم إلى الأراضي التركية. كما ألقت قوات الأمن القبض على من أوصل “حسن” إلى ولاية أدرنة الحدودية مع اليونان، ومن استقبله هناك. غير أن الشرطة التركية فقدت أثره، في حين تقول بعض المصادر أنه تمكن بالفعل من الهرب إلى بلغاريا.[29]
ومن جانبها، تحركت السلطات البلغارية وألقت القبض على 5 أشخاص، يشتبه بمساعدتهم للمتورطين في التفجير.[30] وأجرى وزير الداخلية التركي اتصالًا مع نظيره البلغاري، إيفان ديميردجييف، بحثا فيه قضايا أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية، وفق بيان صادر عن الوزارة التركية.[31] وبطبيعة الحال، فإن التعاون في القبض على الفارين كان العنوان الأبرز لهذه المكالمة، ولو أن بيان الداخلية التركية لم ينص على ذلك.
وفي محاولة للتدليل على خطأ السردية الغربية التي تدعي بأن “واي بي جي” هو تنظيم مختلف عن “بي كا كا” الذي يستهدف الداخل التركي، نشرت السلطات التركية صورًا ومقاطع فيديو للمتهم الرئيسي، بلال حسن، برفقة البشير[32] ومتورطين آخرين في التفجير،[33] ثم نشرت بطاقة هوية لـ”حسن”، تُظهر أنه جندي في “واي بي جي”، التنظيم الذي تدعمه الولايات المتحدة، وعدة دول أوروبية.[34] ورغم أنه يُعتقد أن “حسن” تمكن من الهرب لبلغاريا، إلا أن السلطات التركية حصلت على هذه البطاقة بعد القبض على أخيه.
ومن جانبه، نفى تنظيم “واي بي جي” تورطه في التفجير، كما لم تُعلن أية جهة مسؤوليتها عن الحادث، لكن الدلائل تشير إلى أن التنظيم هو المسؤول عن هذا التفجير، على الأقل بالنسبة للداخل التركي.
دلالات التفجير الإرهابي
وفي الواقع، فإن هناك عدة دلالات لهذا التفجير من حيث اختيار توقيته ومكانه. فالعملية الإرهابية تأتي في وقت بدأ فيه القطاع السياحي التركي في التعافي من آثار وباء كورونا. فحسب بيانات تركية رسمية، فقد استقبلت البلاد خلال الـ 8 أشهر الأولى من عام 2022 الجاري، 29 مليون سائح، ما يشكل نسبة الضعف بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.[35]
كما أن منفذي التفجير اختاروا شارعًا سياحيًا شهيرًا، وله مكانة رمزية كذلك بالنسبة للجمهورية التركية، واختاروا يوم الأحد، الذي هو عطلة رسمية في تركيا، وعادة ما تزدحم فيه شوارع اسطنبول بالسياح والمقيمين. حتى إن البشير – المتورطة الأولى في التفجير- اعترفت أنهم كانوا ينوون تنفيذه قبلها بيوم، أي يوم السبت، الذي هو عطلة كذلك، لكنهم قرروا تأجيله لليوم التالي.[36] الأمر الذي يشير إلى حرصهم على تنفيذ التفجير في وقت يُمَكنهم من إيقاع أكبر عدد من الضحايا.
لذلك، يمكن القول إن منفذ العملية قصد الإضرار بالقطاع السياحي الآخذ في التعافي. وقد يكون للتوقيت دلالات أخرى كذلك، إذ أن التفجير الإرهابي هو الأول الذي تشهده تركيا منذ نحو 5 سنوات، ويأتي على مقربة من الانتخابات المصيرية في منتصف عام 2023.
ورغم تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي رفض فيه ربط التفجير بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه قد يُفهم هذا التصريح في سياق طمأنة الشعب بأنه لن تكون هناك عمليات إرهابية أخرى قبل الانتخابات، وربما يؤكد ذلك قول الرئيس التركي إن “الزعم بأن التفجير مرتبط بالانتخابات المقبلة، هو جزء من سيناريو الخوف الذي يعمل التنظيم الإرهابي على نشره”.[37] لكن في العموم، فإنه ربما يكون أحد أهداف التفجير هو إظهار الحكومة التركية بمظهر الضعيف، غير القادر على حماية البلاد، وبالتالي تقليل فرص الرئيس أردوغان في الانتخابات القادمة.
علاوة على ذلك، فقد ربط البعض العملية الإرهابية بالاشارات الإيجابية التي بعثتها الحكومة التركية مؤخرًا للمواطنين الأكراد، فقد أجرى وفد من حزب “العدالة والتنمية” برئاسة وزير العدل، بكر بوزداغ، زيارة إلى مقر حزب “الشعوب الديمقراطي”، ذي الهوية الكردية، ضمن سلسلة زيارات أجراها الوفد إلى مقار الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي، بهدف مناقشة مقترح التعديل الدستوري الذي يقوم الحزب الحاكم بإعداده لـ”حماية الأسرة وضمان حرية ارتداء الحجاب”.[38] وأتى هذا اللقاء بالرغم من التصريحات العديدة التي يصدرها التحالف الحاكم، والتي يصف فيها حزب الشعوب على أنه الذراع السياسية لتنظيم “بي كا كا”.
أما الإشارة الإيجابية الأخرى، وفق بعض المراقبين، فقد كانت نقل الرئيس السابق لحزب الشعوب، صلاح الدين دميرتاش، من محبسه في ولاية أدرنة إلى ولاية ديار بكر، لزيارة والده المريض، الذي نُقل إلى المستشفى إثر أزمة قلبية.[39] لذلك، أورد بعض المحللين أن التفجير قصد قطع الطريق على تلك الخطوات الإيجابية التي اتخذها الحزب الحاكم تجاه المكون الكردي، والتي كان من شأنها أن تستقطب أو تحيد جزءًا من الأكراد في الانتخابات المزمعة.[40]
وعلى كل حال، فمع تكشف الأدلة حول تورط المنظمات الانفصالية في التفجير، بات متعينًا على الحكومة التركية الرد، وشنت القوات المسلحة التركية عملية “المخلب-السيف” الجوية، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ضد المنظمات الانفصالية في كل من سوريا والعراق.
الاستعداد لشن عملية برية شمالي سوريا
كما أوردنا، فإن شن عملية ضد التنظيمات الانفصالية كان ضروريًا بالنسبة للقيادة التركية، لرد الاعتبار بعد التفجير الذي استهدف شارع الاستقلال، وتحقيق الردع ضد تلك التنظيمات. وبالفعل، حققت العملية الجوية بعض النتائج الملفتة،[41] غير أنها ليست كافية في نظر أنقرة، لتحقيق هدف إبعاد الإرهابيين عن حدودها 30 كيلومترًا كما أعلنت من قبل. فقد قال الرئيس أردوغان إنه “من غير الوارد أن تقتصر العمليات على الضربات الجوية وسنتخذ القرار ونتشاور بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية مع وحداتنا المعنية ووزارة دفاعنا وهيئة أركاننا، ومن ثم سنتخذ خطواتنا بناءً على ذلك”.[42]
وازدادت أهمية العملية التركية البرية بعد أن قصف “واي بي جي” عدة مناطق في جنوب تركيا، موقعًا عددا من القتلى والجرحى. فقد أعلن والي غازي عنتاب التركية، داوود غُل، مقتل شخصين (معلمة وتلميذ) وإصابة 6 آخرين جراء سقوط 5 قذائف صاروخية أطلقها التنظيم على قضاء قارقامش، وذكرت وكالة الأناضول الرسمية أن القذائف سقطت على مدرسة ومنزلين ومنطقة زراعية قرب معبر قارقامش الحدودي.[43] كما أعلنت وزارة الداخلية التركية، إصابة 8 من عناصر الأمن إثر هجوم براجمات صواريخ استهدف منطقة معبر “أونجوبنار” الحدودي مع سوريا بولاية كيليس جنوبي البلاد.[44] كذلك، استهدف التنظيم قضاء قارقامش بولاية غازي عنتاب التركية بـ4 قذائف صاروخية.[45]
وبعد هذه الهجمات وقبلها تفجير شارع الاستقلال، بات تنفيذ العملية العسكرية البرية قرارًا ملحًا على صانع القرار التركي. لكن شن عملية برية في سوريا على وجه الخصوص له، بخلاف التحديات الميدانية، تحديات سياسية تتمثل بالتنسيق أو على الأقل ترتيب صياغة تضمن عدم التصادم بين تركيا وأي من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. إذ تمتلك الدولتان قوات في سوريا، وتعترضان على عملية تركية ضد التنظيمات الانفصالية المسلحة.
موقف الولايات المتحدة وروسيا
فمن الجانب الأمريكي، قال متحدث وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، باتريك رايدر، إن العمليات العسكرية التركية تهدد أمن الجنود الأمريكيين في سوريا. وأوضح أن البنتاغون قلق إزاء تصاعد التوتر شمالي سوريا والعراق وفي تركيا، مبينًا أن التوتر المتصاعد يهدد التقدّم الذي يحرزه التحالف الدولي منذ سنوات لإضعاف وهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي. وأشار أن الغارات الجوية التركية الأخيرة في سوريا تشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن الجنود الأمريكيين ممن يعملون مع “الشركاء المحليين”، في إشارة منه إلى تنظيم “واي بي جي”.[46]
ومن جانبها، أعربت روسيا على لسان مبعوثها إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، معارضتها لشن عملية برية. واعتبر لافرنتيف أن “إجراء مثل هذه العمليات العسكرية لا تأتي بنتائج وإنما تشجع الإرهاب”، مشيرًا من جانب آخر إلى ضرورة إقامة حوار بين الأكراد ودمشق، حيث جرت مفاوضات بين الطرفين، وتم وضع خطة، وتأمل روسيا في التواصل ما بينهما”.[47]
وبالطبع، فإن سبب الرفض الروسي للعملية هو أن من شأنها زيادة النفوذ التركي في سوريا، وما قد يتبعها من تمدد للأراضي التي قد تعمل منها المعارضة السورية. لذا، تحاول روسيا أن تكبح جماح تركيا – بشكل أو بآخر- بحيث لا تنفذ العملية العسكرية.
كما تسعى روسيا حاليًا للوساطة بين النظام السوري من ناحية، وكل من تركيا والتنظيمات الانفصالية المسلحة من ناحية أخرى. وكذلك، تسعى الولايات المتحدة لتجنب العملية التركية، عن طريق مطالبة “واي بي جي”، بتنفيذ قدر من مطالب أنقرة دون قتال.
فوفق صحيفة “ملييت” التركية، فقد طلبت روسيا من “واي بي جي” الانسحاب من خط الحدود مع تركيا، إلى حدود الطريق السريع “أم4″، بموجب اتفاق سابق بين أنقرة وموسكو وواشنطن، وترك المنطقة للنظام السوري. وإذا قبلت المنظمة الكردية العرض الروسي، فسيتم نشر قوات النظام السوري، وكذلك الجنود الروس في المنطقة. كما قدمت الولايات المتحدة عرضًا مماثلًا لوحدات حماية الشعب الكردية، وطالبتها بالانسحاب إلى عمق 30 كيلومترًا، مع نشر قوات أمريكية في المنطقة، وفق الصحيفة التركية.[48]
السيناريوهات المتوقعة
وبالطبع، فإن انسحاب قوات التنظيم – المصنف إرهابيًا لدى أنقرة- دون حاجة تركيا لشن معركة، من شأنه أن يلقى قبولًا لدى القيادة التركية، غير أن الأمر يحتاج لضمانات حقيقة، تتأكد تركيا بموجبها من موثوقية الاتفاق حال حدوثه. ذلك أنه في 2019، أوقفت تركيا عملية “نبع السلام” التي شنتها في الشمال السوري، بضمانات أمريكية أن تنسحب قوات سوريا الديمقراطية لعمق 30 كيلومترًا، غير أن ذلك لم يتم.
وحتى كتابة هذه الأسطر، يبدو أن المفاوضات ما زالت جارية، وبينما الأمر كذلك، تؤكد تركيا على لسان كبار مسؤوليها أنها “ستكمل حتمًا الشريط الأمني الذي تقوم بإنشائه على حدودها الجنوبية”،[49] وأنها “لا تطلب الإذن من أحد عندما يتعرض أمنها القومي للخطر، و”إنما تكتفي بالتنسيق مع الحلفاء”.[50] كما تستمر أنقرة في التأكيد بأن “العملية العسكرية التركية في سوريا لا تشكل تهديدا لأحد”، وأن “على روسيا والولايات المتحدة وبقية الحلفاء للوفاء بالتعهدات التي قدموها لها”.[51]
ونحن هنا إزاء عدة احتمالات، أولها أن تؤجل الحكومة التركية العملية البرية المزمعة لفترة طويلة، وهذا من شأنه أن يؤثر عليها داخليًا بشكل سلبي على المستوى الشعبي، بعد قصف التنظيمات الإرهابية لعدة مدن جنوبية، وبعد تفجير شارع الاستقلال. أما الاحتمال الثاني، فهو أن تتمكن تركيا من انتزاع اتفاق من الولايات المتحدة أو روسيا أو كليهما، يُجبَر بموجبه تنظيم “واي بي جي” على الانسحاب من المناطق التي تستهدفها العملية التركية، وهي منبج وتل رفعت وعين العرب. وهذا متعسر حتى الآن، إلا أنه ما زال احتمالًا واردًا.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن تضطر تركيا لشن العملية دون موافقة روسيا والولايات المتحدة، في سيناريو شبيه لما حدث في 2019، وهذا أيضًا احتمال وارد، وربما تلجأ إليه القيادة التركية إذا تعقدت المفاوضات. كما أنه قد يكون جزءًا من التفاوض، بمعنى أن تبدأ تركيا عمليتها، لتدفع واشنطن وموسكو إلى ممارسة قدر أكبر من الضغط على القوات الانفصالية، لتحقيق مطالب أنقرة.
المحور الثالث: التقارب مع نظام الأسد
بالتزامن مع التقارب التركي-المصري، ومع التحضيرات للعملية التركية البرية في الشمال السوري، عاد الحديث من جديد حول التقارب بين تركيا، ونظام بشار الأسد. فقد صرح حليف حزب العدالة والتنمية، رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشيلي، أن لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان مع السيسي “جيد”، لكن يجب أن يتم اللقاء أيضًا مع بشار الأسد.
ورد أردوغان على اقتراح حليفه، قائلًا: “هذا ممكن، فلا توجد خصومة دائمة في السياسة، وسيتم اتخاذ الخطوات في هذا الصدد عاجلًا أم آجلًا في الظرف الأنسب”،[52] وكرر أردوغان حديثه في مناسبة أخرى، قائلًا: “يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها مع سوريا في المرحلة القادمة مثلما جرى مع مصر”.[53]
كما أكد عضو هيئة القرار والتنفيذ المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أورهان ميري أوغلو، أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قد تدخل منحنى جديدًا قبل الانتخابات التركية المرتقبة عام 2023. وقال ميري أوغلو، إنه “احتمال قوي جدًا”. وتابع: “لكن من الصعب الحديث عن عملية تطبيع واضحة متى وكيف ستبدأ؟”، مضيفًا أن “دمشق ترغب في بدء المحادثات بينها وبين أنقرة لا سيما الرئيسان أردوغان والأسد في بلد ثالث، ومن المرجح أن يكون روسيا”.[54]
وفي المقابل، تحدث أيضًا بشار الأسد مؤخرًا عن عملية التقارب مع تركيا، قائلًا إن “اللقاءات مع أنقرة الآن ذو طابع “استخباراتي فقط”، لكن “سيتبعها رفع لمستوى اللقاءات”، مشيرًا إلى أن “تركيا أبدت استعدادًا لتلبية مطالب دمشق”. وأضاف أن “سوريا تنتظر من تركيا أفعالًا لا أقوالًا فقط”. وتابع: “ربّما تكون أنقرة أصدق من بعض العرب في توجّهاتها، لكن لا يمكن الحكم على الموقف التركي إن كان جدّيًا، أو مجرّد مناورة سياسية”.[55]
ومن الجانب الروسي، قال الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في مؤتمر صحفي عقده في نهاية اجتماعات أستانا الـ19 حول سوريا، إن بلاده ترغب في التقارب بين سوريا وتركيا. وأضاف لافرنتييف أن “هناك حاجة للتقارب، لأن هاتين دولتان متجاورتان يجب أن تعيشا بشروط ودية. إننا نتلقى إشارات بأن كلا الجانبين التركي والسوري مستعدان لاتخاذ خطوات معينة تجاه بعضهما البعض”، مشيرًا إلى أن هناك أملًا أكبر بالتقارب بعد لقاء أردوغان بالسيسي.[56]
فيما أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أنه لا توجد حاليًا أي اتفاقات حول عقد لقاء بين أردوغان والأسد في روسيا، لكنه قال “إن ذلك ممكن من الناحية النظرية”.[57]
أسباب تركيا للتقارب مع الأسد
وبالنسبة للجانب التركي، فإن هناك أسبابًا قد تدفع بالفعل للتقارب مع نظام الأسد، على المستوى السياسي، إذ أن القنوات الاستخبارية بين الطرفين قائمة بالفعل.[58] بداية، فإن أكثر ما يهم الإدارة التركية حاليًا في سوريا يتمثل في تأمين عودة طوعية للاجئين، تهدئ أطرافًا في الداخل التركي ما فتئت تنتقد الحكومة بسبب استقبالها لأعداد غفيرة من اللاجئين السوريين، حتى إن ملف اللاجئين أصبح مؤثرًا في قرارات شريحة من الناخبين، بل وجدت أحزاب تبني برنامجها الانتخابي تقريبًا على مسألة ترحيل اللاجئين، كحزب الظفر، الذي يقوده السياسي المثير للجدل، أوميت أوزداغ.
وبالتالي، فإن القيادة التركية تسعى لتوفير مناطق آمنة في سوريا، تهيء العودة لأعداد من اللاجئين السوريين، ورغم أن الأمر صعب التنفيذ بالنسبة لأنقرة، بالخروقات المستمرة للهدنة القائمة من قِبل النظام السوري وحليفه الروسي، إلا أنه يظل هدفًا بالنسبة للإدارة التركية تسعى لتنفيذه، ولو على مدى أطول.
لكن ربما يكون الهدف الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي، والذي قد يدفع أنقرة للتقارب مع دمشق، هو التنظيمات الانفصالية المسلحة التي ارتفعت وتيرة استهدافها لتركيا، كما ظهر في التفجير الأخير بشارع الاستقلال، أو القصف الذي شُن على المحافظات التركية الحدودية مع سوريا. فهدف أنقرة المعلن منذ سنوات، هو إبعاد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) 30 كيلومترًا عن حدودها، وكان بالفعل قد تلقت وعودًا من روسيا والولايات المتحدة في 2019 بتنفيذ ذلك، بشرط إيقاف العملية العسكرية التركية التي كانت جارية حينها، غير أن الدولتين لم تنفذا وعودهما.
وفي مقابل ذلك، فإن هناك اتصالات جارية بالفعل ومفاوضات بين روسيا والأسد من ناحية، و”قسد” من ناحية أخرى. فقد صرح القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، أن روسيا تريد من قواته السعي للاتفاق مع نظام الأسد. وأكد عبدي أن “الولايات المتحدة لا تعارض إجراء محادثات مع حكومة الأسد، إلا أن النظام السوري نفسه غير مستعد، وروسيا لا تمارس ضغوطا كافية عليه”. وأردف أن “المشكلة الأخرى هي أن حكومة دمشق ترى أنه لا يمكن الاستغناء عنها، ولا بديل لها، وهذه العقلية تجعلها أكثر استعصاءً على الحل وعدم الاستجابة لمطالبنا”.[59]
وعلى هذا، فلربما رأى صانع القرار التركي أن ترك الأسد و”قسد” يتفاهمان مع بعضهما البعض قد يضر في النهاية بالمصالح التركية في شمال سوريا، ولذلك صدرت تصريحات مؤخرًا من أعلى هرم القيادة التركية، باحتمالية التقارب مع الأسد.
علاوة على ذلك، فإن المعارضة التركية، وكما استخدمت ملف التقارب مع نظام السيسي كورقة ضغط ضد الرئيس أردوغان، فإنها أيضًا تستخدم التقارب مع الأسد، الذي بات يسيطر على معظم الأراضي السورية، كورقة ضغط كذلك. ووعدت المعارضة التركية مرارًا بالذهاب إلى سوريا ومصافحة الأسد، وترتيب عودة اللاجئين معه، حتى إن حزب الجيد المعارض تقدم مؤخرًا بطلب رسمي لوزارة الخارجية التركية من أجل ترتيب لقاء قريب بين الحزب ورئيس النظام السوري.[60]
تجاوب الأسد مع تركيا
في الواقع، فإن هدف “قسد” في الحصول على حكم ذاتي شمالي سوريا، هو محل اعتراض كذلك من نظام الأسد، كما هو الحال من تركيا. وبالتالي، فإن “قسد” تمثل هدفًا مشتركًا لكل من أنقرة ودمشق، بالنظر إلى هدف “قسد” في الشمال السوري.
في هذا السياق، يرى البعض أن موقف النظام السوري تجاه العملية التركية الجارية أهدأ لهجة من مواقفه السابقة تجاه العمليات التركية المماثلة. فقد جاء رد الفعل السوري الأول بعد 8 أيام من بدء العملية الجوية التركية، في بيان برلماني اتهم تركيا بارتكاب “مجازر وحشية” ودعم “الجماعات الإرهابية” في سوريا. لكن البيان لم يذكر مقتل جنود سوريين في الضربات.[61]
كما أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان السوري، بيير بطرس مرجان، وصف الضربات الجوية التركية بأنها “رسالة إلى الميليشيات الكردية الانفصالية”، وذلك في تصريحات لموقع إخباري تركي. وأضاف “مرجان” أن مخاوف تركيا بشأن حزب العمال الكردستاني المحظور متفهمة، لكنه شدد على أنه لا يمكن اتهام كل الأكراد السوريين بالخيانة، باستثناء هذا التنظيم الانفصالي الذي تسلحه الولايات المتحدة، مؤكدًا أنه “يمكن استئناف الحوار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق على أساس اتفاق أضنة لعام 1998، بشأن التعاون الأمني الثنائي، في حال أبدت تركيا “استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية”.[62]
هذا علاوة على تصريح الأسد الذي ذكرناه بأن “اللقاءات مع أنقرة الآن ذو طابع “استخباراتي فقط”، لكن “سيتبعها رفع لمستوى اللقاءات”، مشيرًا إلى أن “تركيا أبدت استعدادًا لتلبية مطالب دمشق” وأن “سوريا تنتظر من تركيا أفعالًا لا أقوالًا فقط”.[63]
وعلى هذا، يمكن القول إن النظام السوري لا يمانع من حيث المبدأ في التقارب مع تركيا، لكن المفاوضات مستمرة بين استخبارات البلدين للاتفاق على ماهية التقارب، ومكتسبات كل طرف منه. لكن يرى البعض أن الأسد قد يماطل – بشكل أو بآخر- حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية المقبلة، على أمل منه أن تتمكن المعارضة من إزاحة الرئيس أردوغان.[64] حيث يُعتقد أن المعارضة التركية ستكون أسهل في التفاوض مع نظام الأسد، ولن تطلب منه الكثير، ويظهر ذلك في اندفاع تصريحات ممثليها تجاه التقارب مع الأسد، بل ربما توصف أطروحات بعض ممثلي المعارضة تجاه الأسد بـ”السطحية”، كمن يرى أن مشكلة اللاجئين قد تُحل بالذهاب ومصافحة الأسد فقط.
وقد نقلت وكالة سبوتنيك الروسية مؤخرًا ما يُفهم منه ذلك. إذ صرح “ميري أوغلو” للوكالة بأن رد دمشق على أنقرة أفاد بعزمها تأجيل مثل هذا اللقاء إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية، المقرر إجراؤها في 18 يونيو/ حزيران 2023.[65] لكن تبقى الاحتمالات مفتوحة، إذ أن العملية التفاوضية، ومدى التوافق فيها، هو ما سيحدد سرعة السير في مسار التقارب. وعلى هذا، فإن تصريح “ميري أوغلو” لا يُعد الكلمة الأخيرة في هذا السياق.
المحور الرابع: لقاء أردوغان-السيسي
شهد حفل افتتاح كأس العالم في قطر، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أول مصافحة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، منذ أن انقلب الأخير على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، محمد مرسي، عام 2013. وبالتأكيد، فقد نال هذا اللقاء اهتمامًا واسعًا، لما له من دلالات وتأثير في مسار العلاقات التركية-المصرية.
وبعد المصافحة، التي تمت في الدوحة بوساطة قطرية، نشر موقع “القاهرة الإخبارية” أن قمة مصرية تركية تجرى الآن على هامش افتتاح كأس العالم،[66] غير أنه لم ينشر مصدر رسمي تركي أو مصري لنحو أسبوع كامل أي خبر يفيد بعقد لقاء ثنائي بعد المصافحة، حتى إن المتحدث باسم السيسي، باسم راضي، حين أصدر بيانًا ذكر فيه حدوث “المصافحة” ولم يذكر اللقاء، إذ قال إن “السيسي تصافح مع الرئيس أردوغان بالدوحة، حيث تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي”، مضيفًا أنه “تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين”.[67]
لكن من جانبه، ذكر أردوغان، في 28 من الشهر نفسه، أنه تحدث مع السيسي لنحو 30 إلى 45 دقيقة في ذلك اللقاء، مشيرًا إلى أنه علم بعد ذلك أن السيسي كان سعيدًا بالاجتماع. وأضاف أردوغان: “لقد ركزنا على المحادثات مع السيد السيسي هناك وقلنا لنتبادل الآن زيارات الوزراء على مستوى منخفض. وبعد ذلك، دعونا نوسع نطاق هذه المحادثات”.[68]
ردود الفعل في البلدين
وبالطبع، فإن هذا اللقاء نال اهتمامًا واسعًا في البلدين، واستعرضه إعلاميو البلدين، وحتى الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. فمن الجانب المصري، كانت لهجة النوافذ الإعلامية المعروفة بتبعيتها لنظام السيسي مرحبة بهذه المصافحة، ومركزة على إبراز أن النظام لا يريد علاقات متوترة مع أي طرف إقليمي أو دولي، وأنه يفتح يده للجميع، على أساس الاحترام المتبادل.
ومن اللافت أن إعلاميي النظام تجنبوا – بشكل أو بآخر- انتقاد المواقف السابقة للحكومة التركية، أو إظهارها على أنها تنازلت وقبلت بالشروط المصرية، كما أن الإعلام التركي لم يفعل ذلك في المقابل. ويبدو أن هذا التوجه ناتج عن اتفاق بين الطرفين. واكتفى بعض الإعلاميين المصريين بتوجيه انتقادات أو قدر من “التشفي” في المعارضة المصرية، مدعين أنها على الخاسر الأكبر من هذه التطورات.[69]
لكن لهجة الترحيب التي تبناها إعلام النظام المصري شابها الحذر، إذ قَرَن رسالة الترحيب بالمصافحة، برسالة أخرى مفادها أن المشكلات التي بين أنقرة والقاهرة لم تُحل جميعها بعد، وأن الأمر سيأخذ وقتًا كي يكون هناك تقدم حقيقي في التعاون بين البلدين. وربما يكون ذلك صحيح من ناحية موضوعية، إلا أن ذكر إعلام السلطة في مصر يدلل على أن اللقاء بين السيسي وأردوغان لم يكن تتوجيًا للمفاوضات الجارية بين استخبارات الدولتين منذ أشهر، بل هو خطوة في سياق هذا التفاوض الذي ما زال مستمرًا.
ومن الجانب التركي، فقد كانت هناك آراء متباينة نوعًا ما، وربما يرجع ذلك إلى وجود منافذ إعلامية معارضة، وأخرى مؤيدة للحكومة التركية، على عكس الإعلام في مصر الذي يتبع جله أجهزة النظام. تَمَثَّل هذا التباين في تصريحات العديد من الإعلاميين الذين أيدوا خطوة الرئيس التركي، باعتبارها واقعية سياسية، ومراعاة للتغيرات الإقليمية والعالمية، مشيرين إلى كلمة أردوغان بأنه “لا خصومة دائمة في السياسة”.[70]
لكن عبر إعلاميون آخرون – بمن فيهم مؤيدون للحزب الحاكم- عن صدمتهم من الصورة التي جمعت السيسي بأردوغان. فعلى سبيل المثال، كتب الصحفي، كاراهاسان أوغلو: “لقد دمرت عندما رأيت تلك الصورة، لقد دُمرت باسم كل المسلمين. لقد شعرت بالحزن والدمار لرؤية أردوغان يتخلى عن كفاحه الذي تمسك به لـ 9 سنوات مضت”.[71]
ورغم أن ضغط المعارضة التركية للتقارب مع النظام المصري كان أحد الأسباب التي جعلت أردوغان يتخذ هذا المنحى، إلا أن لقاء أردوغان بالسيسي شكّل فرصة للمعارضين الأتراك لتوجيه انتقاداتهم للرئيس التركي، من باب أن تغيرًا طرأ على سياسياته، وكذلك من قبيل أن السنوات الماضية من التوتر التركي-المصري فوتت فرصًا على الدولة التركية، حسب قولهم.[72] وبرز وسم “رابعة” في منصة تويتر بتركيا، حيث نشر بعض المعارضين للإدارة التركية تصريحات سابقة للرئيس أردوغان، انتقد فيها السيسي، وأعلن تضامنه مع ضحايا بطش أجهزة الأمن المصرية.[73]
لماذا التقى أردوغان بالسيسي؟
ذكرنا في أعداد سابقة من إصدار “ملفات تركية“ أن هناك أسبابًا دفعت مختلف الأطراف في المنطقة لتهدئة التوترات، من ذلك أسباب خاصة بكل دولة، وأسباب اشتركت فيها كل الأطراف تقريبًا، كوصول الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، والأزمات الاقتصادية. وفيما يخص تركيا، فإن هناك أسبابًا عدة، ربما يكون أهمها ملف الحدود البحرية في شرق المتوسط، والانتخابات العامة المزمع عقدها عام 2023.
ففي شرق المتوسط، تحاول اليونان الاستقواء بالاتحاد الأوروبي – التي هي جزء منه- وبالأنظمة المنافحة لتركيا في الإقليم، كمصر والإمارات والسعودية، لفرض الأمر الواقع، واستقطاع جزء كبير من شرق المتوسط ليدخل في حدودها البحرية، تاركة لتركيا – صاحبة الساحل الأطول على شرق المتوسط- شاطئًا ملاصقًا لحدودها. لذلك، يحتل هذا الملف أولوية لدى الدولة التركية، باعتبار أنه يتعلق بالسيادة الوطنية، والأمن القومي للبلاد، هذا فضلًا عن الثروات المتوقع استخراجها من شرق المتوسط، والتي قد تُمكن تركيا من الخروج من مأزق استيراد الطاقة، الذي يرهق ميزانيتها، ويكبل حركتها السياسية نوعًا ما.
وكما كان ملف شرق المتوسط سببًا في لعب تركيا دورًا فعالًا على الساحة الليبية منذ عام 2019، فهو أيضًا أحد الأسباب التي دفعت الإدارة التركية لمراجعة موقفها من نظام السيسي، في محاولة لاستقطابه أو على الأقل تحييده في الخلاف مع اليونان.
وقد ذكر الرئيس أردوغان ذلك صراحة حال عودته من قطر بعد مشاركته في افتتاح بطولة كأس العالم، إذ قال إن مطلب بلاده الوحيد من المصريين بالتوازي مع اللقاءات بين البلدين، أن يقولوا لمن يتخذ مواقف معادية لتركيا في منطقة المتوسط “نريد إرساء السلام في المنطقة”.[74] ولذلك، تفاعلت اليونان أيضًا مع التطورات، وأرسلت وزير خارجيتها، نيكوس ديندياس، إلى القاهرة، محملًا برسالة من خطية من رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، للسيسي متعلقة بمستوى التعاون بين البلدين.[75]
وفيما يخص السبب الآخر المتعلق بالانتخابات الرئاسية، فقد مارست المعارضة التركية ضغوطًا على الحكومة باعتبار أن سياساتها تفوت مصالح على الدولة التركية، ووعدت شخصيات معارضة – كرئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو،[76] ورئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار- في غيرة مرة أنهم سيطبعون العلاقات مع مصر وسوريا، حال وصولهم للرئاسة.[77] وعلى هذا، فقد سعى الرئيس التركي لسحب هذه الورقة من يد المعارضة قبل الانتخابات – التي توصف بالمصيرية- واتخذ خطوات في هذا المسار.
ويبدو أن أردوغان سعى – بشكل أو بآخر- إلى تأجيل لقائه بالسيسي، ويظهر ذلك في تصريحه قبل اللقاء بثلاثة أيام، الذي قال فيه إنه “يمكننا إعادة النظر مجددًا في علاقاتنا مع الدول التي لدينا معها مشاكل، مثل مصر وسوريا، ويمكننا القيام بذلك بعد انتخابات يونيو/ حزيران، ونكمل طريقنا وفقا لذلك”،[78] وحيث إن الرئيس التركي اتخذ خطوة كمصافحة السيسي قبل الانتخابات، فقد يرجع ذلك إلى تقدم في المفاوضات بين مخابرات الدولتين، أو لاعتبارات الوجود في الدوحة، وفي مناسبة قد تسمح بعقد مثل هذا اللقاء.
أما فيما يخص مصر، فمن الطبيعي أن يرحب السيسي باللقاء مع أردوغان، وربما كان ذلك أحد شروطه لتطبيع العلاقات مع تركيا. ذلك أن أردوغان كان الرئيس الوحيد في المنطقة وربما في العالم، الذي كان مستمرًا في رفضه مقابلة السيسي، باعتباره وصل للسلطة بطريق غير شرعي، واستخدم البطش مع معارضي انقلابه. فمن هذا الباب، كان مهمًا بالنسبة لنظام السيسي أن يكتسب اعترافًا شخصيًا من أردوغان به.
مستقبل العلاقات التركية-المصرية
ويمكن القول إن لقاء أردوغان-السيسي كان خطوة فارقة في العلاقات بين مصر وتركيا، حيث كان يرى البعض أن لقاء كهذا كان ليتأتى بعد تبادل السفراء، وعقد لقاء رسمي بين وزيري خارجية البلدين. أما وقد تم اللقاء بالفعل على مستوى أعلى، فإنه من المتوقع أن يتبادل الطرفان السفراء، ويعقدا لقاءات على مستوى الوزراء، وهذا ما اتفق عليه أردوغان والسيسي خلال اللقاء، حسب تصريح الرئيس التركي.
وقد صدر عن مسوؤلين أتراك آخرين تصريحات بشأن الخطوات المقبلة، إذ أشار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى إمكانية تنظيم مشاورات سياسية مجددًا مع مصر على مستوى نواب الوزراء قريبًا، وإلى إمكانية تعيين سفراء بين البلدين في الأشهر القادمة.[79]
كما قال مصدر إقليمي مطلع لوكالة “رويترز” إن وفدين استخباراتيين من البلدين التقيا في مصر، بعد لقاء السيسي بأردوغان. وأكد مسؤول تركي كبير، للوكالة أن مناقشات “مهمة” بدأت بينهما، إذ من المقرر أن تبدأ تركيا ومصر محادثات حول القضايا العسكرية والسياسية والتجارية بما في ذلك مشاريع الطاقة. وصرح مصدر في المخابرات المصرية إن الوفدين في القاهرة ناقشا كيفية تقريب وجهات النظر بشأن الملفات الأمنية المشتركة.[80]
وحول احتمالية عقد لقاء آخر بين السيسي وأردوغان، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية وكبير مستشاريها، إبراهيم قالن، إن “هناك احتمال عقد لقاء قمة تركية مصرية في الفترة القادمة”، وأردف أنه “من الممكن أن تتجدد اللقاءات التركية المصرية بالفترة المقبلة، وقد يلتقي وزيرا الخارجية التركي والمصري”، مشيرًا إلى أنه “من المبكر الحديث عن أي زيارة ستكون أولًا، زيارة أردوغان لمصر أم السيسي لتركيا”. وتابع: “قبل هذا الأمر يجب تجهيز الكثير من التحضيرات وتجهيز الأسس، وخلال 3 أو 4 أشهر، من الممكن أن نتخّذ خطوات محدّدة عملية مهمة بالعلاقة مع مصر”.[81]
وفي الحقيقة، فإنه لم تعد هناك موانع معتبرة تعرقل اللقاءات بين المسؤولين في الطرفين، أو تبادل السفراء، وقد تشهد الأسابيع المقبلة بعضًا من ذلك. أو ربما بدأت بالفعل، مع اللقاءات التي عقدها القائم بالأعمال التركي في مصر، صالح موتلو شان، مع الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة فرع “بنك قطر الوطني” في مصر،[82] ورئيس تحرير مجلة السياحة العربية، محمد قنديل؛ للتخطيط لمشاريع جديدة، وفق وصف موتلو شان.[83]
لكن ما ينتج هذه اللقاءات من نتائج هو الذي قد تعترضه بعض العقبات في بعض جوانبه. فعلى جانب التبادل التجاري والاستثمار، يبدو أنه لا توجد هناك مشكلات بين الطرفين، ما يجعل التقدم الحاصل على المستوى السياسي يؤثر إيجابًا على العلاقات الاقتصادية. لكن على العكس من ذلك، فإن التعاون في شرق المتوسط – وإن كان فيه مصلحة للطرفين- إلا أن الجانب المصري قد يكون لديه اعتراضات على ذلك، رغبة منه في عدم التضحية بعلاقاته الوثيقة مع اليونان. لذلك، ليس من المتوقع في المدى القريب – على أقل تقدير- أن يوقع الطرفان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر.
وربما يكون في توقيع القاهرة مذكرة تفاهم، في مجال البحث والإنقاذ الجوي والبحري، مع أثينا، بعد لقاء أردوغان-السيسي دليلًا على أن نظام السيسي سيكون حريصًا على ألا يضر مسار تقاربه مع تركيا، بعلاقاته مع اليونان. وجدير بالذكر هنا أن الخارجية التركية اعترضت على هذه الاتفاقية باعتبار أن أثينا تناقض نفسها عندما توقع اتفاقية للإنقاذ البحري في الوقت الذي “تدفع فيه طالبي اللجوء الأبرياء إلى بحر إيجة، وتعرض حياتهم للخطر في انتهاك للقانون الدولي”، وباعتبار أيضًا أنها تعارض توقيع اتفاقية مماثلة مع أنقرة؛ بسبب الخلاف حول الحدود البحرية.
فقد قال المتحدث باسم الخارجية التركية، تانغو بيلغيتش، إن مناطق البحث والإنقاذ في البحر، هي مساحات “خدمة لإنقاذ حياة الإنسان وهذه المناطق ليست مناطق سيادة وفقًا للقانون الدولي”، مشيرًا إلى أن “القواعد المتعلقة بمناطق البحث والإنقاذ حددتها اتفاقية هامبورغ لعام 1979، التي تُلزم الدول بالتعاون في حالة تداخل مناطق الخدمة مع بعضها البعض”.[84]
وتابع أن “مناطق البحث والإنقاذ التي أعلنتها تركيا واليونان في بحري إيجة والمتوسط وأخطرت المنظمة البحرية الدولية بها، تتداخل مع بعضها البعض”، مضيفًا أن “اليونان تجنبت دائمًا التعاون مع تركيا بشأن هذه القضية، ورفضت مقترحات الاتفاقية التي قُدمت في الماضي لأن اليونان تزعم أن مناطق خدمة البحث والإنقاذ هي منطقة السيادة وتربطها بمطالبها المتطرفة بخصوص الصلاحيات البحرية”.
كذلك، من الجدير بالذكر هنا أن بعض الملفات التي يستخدمها النظام المصري لانتقاد السياسة التركية ما تزال مفتوحة، ولا يزال نظام السيسي يستخدمها رغم مسار التقارب. من ذلك، إدانة خارجية النظام المصري، بعيد لقاء أردوغان بالسيسي، لما وصفته بـ” اعتداءات من جانب إيران وتركيا تنتهك سيادة سوريا والعراق”.[85]
وعلى هذا، يمكن القول إن مصافحة السيسي وأردوغان تُعد خطوة مهمة لها ما بعدها في مسار التقارب بين البلدين. ومن المتوقع أن تزداد حجم التعاون بين الطرفين خصوصًا في الجانب الاقتصادي، كما أنه من المرتقب تبادل السفراء، وعقد لقاءات على مستوى الوزراء. لكن على الرغم من ذلك، توجد بعض العقبات التي قد تعترض التعاون في شرق المتوسط، وهو الملف الأهم بالنسبة لتركيا، بل و”المطلب الوحيد” كما ذكر الرئيس أردوغان.
المصادر
[1] RT عربي، أردوغان: تركيا لن تتخلى عن حوارها مع روسيا أو أوكرانيا، 23 فبراير/ شباط 2022
[2] CNN عربي، أردوغان يبحث مع بوتين إمكانية تحويل صفقة الحبوب إلى اتفاق سلام، 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2022
[3] فرانس 24، أردوغان ينتقد سياسة الغرب تجاه روسيا ويصفها بـ”الاستفزازية”، 7 سبتمبر/ أيلول 2022
[4] مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أردوغان يلعب على الحبلَين، 27 سبتمبر / أيلول 2022
https://carnegie-mec.org/diwan/88013
[5] Al Jazeera English, Ibrahim Kalin: What’s the extent of Turkey’s operation in Syria? | Talk to Al Jazeera, Dec 4, 2022
[6] وكالة نيو ترك بوست، بوتين: الرئيس أردوغان زعيم قوي ويصف تركيا بالشريك الموثوق، 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[7] وكالة أنباء تركيا، بوتين: على الدول التي تشتري الحبوب الأوكرانية أن تشكر أردوغان، 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2022
[8] RT، زيلينسكي يمنح وسام الاستحقاق لمدير الشركة التركية المصنعة لمسيرات “بيرقدار”، 11 سبتمبر/ أيلول 2022
[9] CNN عربي، تركيا تعلق على ضم روسيا 4 مناطق أوكرانية وتذكر بموقفها من القرم ، 1 أكتوبر / تشرين الأول 2022
[10] الرؤية، الخزانة الأمريكية تحذر تركيا من خطر فرض عقوبات إذا واصلت التعامل مع روسيا، 24 أغسطس /آب 2022
[11] الميادين، واشنطن: سيادة اليونان على جزيرتي إيجه ليست موضع شك، 29 سبتمبر/ أيلول 2022
[12] فرانس 24، بيلوسي تحمل أذربيجان مسؤولية اندلاع الاشتباكات الدامية مع أرمينيا، 19سبتمبر/ أيلول 2022
[13] RT، تركيا ترفض تعزية من السفارة الأمريكية بضحايا تفجير شارع الاستقلال، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022
[14] المصدر السابق
[15] فرانس 24، اجتماع نادر في تركيا بين مديري المخابرات الأمريكية والروسية، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022
[16] سكاي نيوز، روسيا تعلن استئناف مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب ،2 نوفمبر تشرين الثاني 2022
[17] مركز المستقبل للابحاث والدراسات، هل يصمد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية؟، 28 نوفمبر/تشرين الثاني2022
[18] المصري اليوم، «الأمم المتحدة»: خفض أسعار الغذائية منع 100 مليون من الفقر المدقع، 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 https://cutt.us/XAkdZ
[19] TRT عربي، مكاسب تركيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، 28 يوليو/ تموز 2022
[20] المصدر السابق
[21] الشرق، طبول الحرب التركية تتسارع في شمال سوريا.. معركة بمحاذير كثيرة ،30 نوفمبر/ تشرين الثاني2022
[22] الجزيرة للدراسات، انتخابات 2023 التركية: طريق غير واضحة المعالم،5 أكتوبر /تشرين الأول 2022
[23] المصدر السابق
[24] الحرة، “عائلات بأكملها”.. قصص مأساوية لضحايا تفجير إسطنبول، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[25] وكالة الأناضول، نائب أردوغان: نعتقد أن تفجير شارع الاستقلال عمل إرهابي، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[26] يني شفق، الكشف عن هوية منفذة تفجير إسطنبول الإرهابي، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[27] TRT عربي، صويلو: قبضنا على منفذي تفجير إسطنبول قبل فرارهم إلى اليونان، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[28] RT عربي، وسائل إعلام تركية تنشر صورة شريك منفذة هجوم اسطنبول ونسخة من عقد الزواج المزور (صور)، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[29] وكالة الأناضول، الأمن التركي يواصل كشف صلة منفذة تفجير “إسطنبول” بـ “بي كي كي” الإرهابي، 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[30] ترك برس، بلغاريا توقف 5 مشتبه بهم بتفجير إسطنبول، 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[31] يني شفق، تركيا وبلغاريا تبحثان التعاون في مكافحة الهجرة غير النظامية، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[32] A Haber, İstiklal’deki terör saldırısını organize eden Bilal Hassan nasıl yurt dışına kaçtı? Çarpıcı detaylar ortaya çıktı, November 19, 2022
[33] وكالة الأناضول، مشاهد جديدة للقاء مشتبه بهما في تفجير إسطنبول الإرهابي، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[34] حساب الصحفي التركي رجب صويلو على تويتر، صورة لأحد المتورطين الرئيسيين في تفجير اسنطنبول مرتديا زي “واي بي جي”، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[35] ديلي صباح، تركيا.. ارتفاع عدد السياح الأجانب إلى 29 مليونا في 8 أشهر، 24 سبتمبر/ أيلول 2022
[36] عربي بوست، “تفجير إسطنبول” تأخر عن الموعد الذي حدده مخططو الهجوم.. وفيديوهات جديدة لتحركات المنفذة، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[37] تركيا بالعربي، الرئيس أردوغان يرفض ربط التفجير الإرهابي بالانتخابات المقبلة، 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[38] العربي الجديد، تركيا: “الحركة القومية” يدعم لقاء الحزب الحاكم بـ”الشعوب الديمقراطي”، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[39] Basnews، لأول مرة منذ 2016 .. دميرتاش خارج السجن ويزور آمد، 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[40] قناة الحوار، تفجيرات إسطنبول.. حادث منفرد أم تمهيد لتصعيد قادم؟، 15نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[41] RT عربي، الدفاع التركية تعلن تصفية عدد كبير من قيادات وعناصر “العمال الكردستاني” في سوريا والعراق، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[42] القدس العربي، أردوغان: عملية “المخلب – السيف” لن تكون جوية فقط، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[43] يني شفق، تركيا.. مقتل شخصين جراء قذائف مصدرها “واي بي جي” الإرهابي، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[44] ديلي صباح، إصابة 8 عناصر أمن أتراك في هجوم من شمالي سوريا، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[45] TRT عربي، إرهابيّو YPG يستهدفون قضاء قارقامش والقوات التركية ترد على مصدر النيران، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[46] يورو نيوز، البنتاغون: الضربات الجوية التركية في سوريا تهدد سلامة الجنود الأمريكيين، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[47] الحرة، روسيا والتصعيد في شمال سوريا.. “وساطة” أم استثمار لـ”مصلحة”؟، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[48] Milliyet, Karada ilk hedef Fırat’ın batısı, November 28, 2022
[49] تلفزيون سوريا، أردوغان يؤكّد: سنكمل الشريط الأمني على حدودنا الجنوبية مع سوريا، 3 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[50] Al Jazeera English, Ibrahim Kalin: What’s the extent of Turkey’s operation in Syria? | Talk to Al Jazeera, December 4, 2022
[51] وكالة أنباء كونا، وزير الدفاع التركي: العملية العسكرية التركية في سوريا لا تشكل تهديدًا لأحد، 2 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[52] كردستان 24، أردوغان: لا خصومة دائمة في السياسة..وعلاقاتنا مع سوريا ستتحسن مثلما جرى مع مصر، 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[53] تلفزيون سوريا، أردوغان: يمكن أن تعود العلاقات مع سوريا إلى نصابها على غرار مصر، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[54] رأي اليوم، تركيا.. قيادي في الحزب الحاكم لا يستبعد عقد لقاء بين أردوغان والأسد قبل يونيو 2023 والعلاقات بين دمشق وأنقرة قد تدخل مُنحنى جديدًا قبل الانتخابات التركية، 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[55] عربي 21، الأسد يضع في لقاء خاص تقييما لمواقف دول عديدة من نظامه، 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[56] المدن، لقاء أردوغان والأسد.. قبل الانتخابات الرئاسية التركية 2023، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[57] ترك برس، عقب تصريح الرئيس التركي بإمكانية ذلك.. الكرملين يعلّق على احتمالات لقاء أردوغان والأسد، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[58] Reuters, Exclusive: With a Russian nudge, Turkey and Syria step up contacts, September 16, 2022
[59] Al-Monitor, US again tries to thwart Turkish invasion of northern Syria, November 26, 2022
[60] تركيا بالعربي، حزب الجيد المعارض يتقدم بطلب رسمي لوزارة الخارجية التركية من أجل لقاء بشار الأسد، 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[61] Al-Monitor, Could Syrian Kurdish issue facilitate Erdogan-Assad rapprochement?, November 29, 2022
[62] المصدر نفسه
[63] عربي 21، الأسد يضع في لقاء خاص تقييما لمواقف دول عديدة من نظامه، 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[64] قناة الحوار، أمام تحفظات موسكو وواشنطن.. هل تطلق أنقرة عمليتها البرية في سوريا؟، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[65] وكالة سبوتينك الروسية، دمشق ترفض طلب أنقرة بشأن ترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022
[66] قناة القاهرة الإخبارية، مراسلنا بقطر: قمة بين الرئيسين المصري والتركي بالدوحة، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[67] الصفحة الرسمية للمتحدث باسم السيسي، تصريح عن المصافحة بين السيسي وأردوغان، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[68] فرانس 24، اجتماع مرتقب بين وزراء من تركيا ومصر لتحسين العلاقات، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[69] الحكاية، عمرو أديب: فيه ناس جايبة إمواس وبتقطع شرايينها دلوقتي بسبب السيسي وأردوغان.. مين الكسبان دلوقتي؟، 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[70] عربي 21، هل تمهد “المصافحة” بين السيسي وأردوغان لإتمام التطبيع؟، 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[71] Al-Monitor, Erdogan-Sisi handshake sparks backlash from Turkey’s Islamists, November 28, 2022
[72] المصدر نفسه
[73] Get Day Trends, Rabia in Turkey, November 20, 2022
[74] يني شفق، أردوغان عن لقائه بالسيسي: خطوة أولى لإطلاق مسار جديد بين البلدين، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[75] العربي الجديد، وزير خارجية اليونان إلى القاهرة بعد لقاء السيسي وأردوغان، 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[76] العربية، زعيم المعارضة التركية ينتقد سياسات أردوغان السابقة تجاه مصر، 30 مارس/ آذار 2021
[77] RT عربي، معارضة تركية: أردوغان ربط كل سياسته الخارجية بدمائه الشخصية، 11 مارس/ آذار 2021
[78] ديلي صباح، أردوغان: يمكننا إعادة النظر في علاقاتنا مع مصر وسوريا بعد الانتخابات الرئاسية، 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[79] وكالة كونا الإخبارية، وزير الخارجية التركي، هناك إمكانية لتنظيم مشاورات سياسية وتعيين سفراء مع مصر، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[80] عربي 21، تطور جديد في علاقات تركيا ومصر.. تعيين سفراء قريبا، 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[81] تركيا بالعربي، “الرئيس التركي أم المصري أولا؟”.. الرئاسة التركية تتحدث عن زيارة أردوغان لمصر والسيسي لتركيا، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[82] صفحة القائم بالأعمال التركي في مصر على فيسبوك، لقاء مع الرئيس التنفيذي لبنك قطر الوطني، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[83] صفحة القائم بالأعمال التركي في مصر على فيسبوك، لقاء مع رئيس تحرير مجلة السياحة العربية، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[84] وكالة الأناضول، تركيا تنتقد إبرام اليونان مذكرة تفاهم بشأن الإنقاذ في المتوسط، 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022
[85] الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية، تصريح صحفي عن العملية التركية في سوريا والعراق، 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022