فريق التحرير
د.أحمد حسين | محمد عبد العاطي | عبد الرحمن محمد | رحمة عبد المجيد |
الفهرس
المقدمة | |
الدفتر السياسي | – استدعاء النظام لأحداث فض رابعة وتسخير الدراما لدعمه– فرض حالة الطوارئ من جديد |
الدفتر الاقتصادي | – النمو الاقتصادي بمصر.. قراءة في دلالات الأداء– سوء تخطيط الوضع المالي لمصر |
الدفتر التشريعي والقانوني | – التشريعات التي أقرها المجلس– بيان كامل الوزير في الجلسة العامة للنواب |
الدفتر الثقافي والفكري | – موكب المومياوات وحديث الهويَّة– الدراما الرمضانيَّة الموجَّهة |
الدفتر الإعلامي | – وزير الإعلام يستقيل تحت وقع سهام المخابرات– مستقبل وزارة الإعلام– إبعاد معارضين داخل نقابة الصحفيين
|
مقدمة
ربما كان شهر إبريل/ نيسان الماضي أهدأ من سابقه على المستوى السياسي في مصر، حيث كان أحد أبرز الأحداث هو النقاش الذي دار حول استدعاء النظام المصري لمذبحة فض رابعة، وما يرتبط بذلك من تزوير للتاريخ القريب، وتسخير للدراما في دعمه. كما جدد النظام عمله بقانون الطوارئ في خطوة باتت روتينية بالنسبة له.
وعلى المستوى الاقتصادي، فنرصد هذا الشهر الحديث المتكرر للحكومة بأنها تنفذ إصلاحًا هيكليًا، ونحاول تفكيك هذه الادعاءات بالأرقام. كما نلقي نظرة على سوء تخطيط الوضع المالي في مصر بشكل عام. أما فيما يخص مجلس نواب النظام، فربما كان الحدث الأبرز هو البيان الذي ألقاه وزير النقل، كامل الوزير، على المجلس. وكالعادة، فإن الملف مستمر في رصد كل ما يصدر عن مجلس نواب النظام المصري من تشريعات.
أما على المستوى الفكري والثقافي، فقد ثار حديث حول هوية شعب مصر بالتزامن مع موكب المومياوات الملكية الفرعونية. كما دخل النظام شهر رمضان بحزمة من المسلسلات التي يريد توجيه الشعب من خلالها للاقتناع بسرديته للأحداث. ونناقش في محورنا الفكري الحدثين بشيء من التفصيل. وفيما يخص الإعلام، فقد كان الحدث الأبرز هو استقالة وزير الإعلام بعد هجوم شديد عليه من أذرع النظام الإعلامية والتشريعية. كما إن نقابة الصحفيين بدأت في إبعاد مَن يُعرف عنهم المعارضة لتوجهات النظام.
استدعاء النظام لأحداث فض رابعة
أحدث المسلسل المصري المعروف بـ”الاختيار 2″ضجة كبيرة في الآونة الأخيرة لما يتضمنه من مشاهد تتعلق باعتصامي أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميداني رابعة والنهضة، حتى فض الاعتصام من قبل قوات الأمن المصري، وعزل الرئيس مرسي واعتقال بعض أنصار مرسي، وقيادات جماعة الإخوان، بعد استيلاء السيسي على حكم مصر.
بيد أن الحلقة الخامسة في هذا العمل الدرامي السياسي التي تناول أحداث فض اعتصام رابعة أثارت غضب معارضي النظام وخاصة أهالي شهداء فض اعتصامي رابعة والنهضة وأهالي المفقودين والمعتقلين. حيث يرى الشاهدون على فض رابعة والنهضة أن ما روي عن الفض لا يمت بصلة لما حدث في الواقع. وقد تزامن عرض مسلسل الاختيار مع إعدام السلطات المصرية لسبعة عشر متهمًا في قضية اقتحام قسم كرداسة الذي اقتُحم في نفس الفترة التي قام فيها المجلس العسكري بالتعاون مع وزارة الداخلية بفض اعتصامي رابعة والنهضة.
وكذلك أصدر السيسي قرارًا بإعلان حالة الطوارئ من جديد في البلاد لحماية البلاد من خطر الإرهاب، حسب زعمه. وذلك بعدما قدم النظام سردية الإرهاب والعنف من خلال مسلسل الاختيار. ونستعرض في هذا التقرير أهم الرسائل السياسية التي أراد النظام المصري بثها من خلال عرضه لمسلسل الاختيار. كما نتناول أهم أسباب ودواعي عرضه في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كان العمل سيحقق الأهداف المرجوة أم لا. كذلك، نتناول الآثار السياسية لتلك الأحداث المهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
عادة ما تلجأ الأنظمة السياسية إلى استخدام القوة الناعمة المتمثلة هنا في إنتاج عمل درامي ليس بغرض الربح وإنما بغرض تبرير قرارات السياسات الخارجية. وعلى نفس الوتيرة، تلجأ الأنظمة الدكتاتورية بشكل خاص إلى اللجوء إلى الأعمال الدرامية لتبرير قرارات سياسية داخلية وخارجية، بغرض حقن غضب بعض فئات المجتمع، أو النيل من جماعة معينة، أو استقطاب أو إقصاء جماعة معينة، في سبيل تحقيق الاستقرار الداخلي للنظام. ويعتقد أن النظام المصري لجأ إلى صناعة عمل درامي سياسي في إطار استدامة سياسة الإلهاء داخل الدولة المصرية عن جميع الأزمات الداخلية والخارجية والقضاء على كل أنواع المعارضة سواء الإسلاميين أو العلمانيين، وذلك بصناعة عدو وهمي، ألا وهو الإرهاب، واستخدام سردية الإرهاب لتبرير القمع الذي يمارسه النظام على معارضيه من قتل وإعدام واعتقال وإخفاء قسري. حيث لم يكن هناك ضرورة درامية لاستعادة أحداث دارت منذ أكثر من سبع سنوات إلى الشاشات. ولكن يتضح أن الضرورة السياسية حتمت صناعة هذا المسلسل في هذا التوقيت. كما أنه ليس الأول من نوعه في تاريخ السينما والتليفزيون المصري، بل سبقه العديد من الأعمال الدرامية التي حيكت لأغراض سياسية.
ومن المثير للجدل حول هذا العمل أن الشركة القائمة على إنتاج مسلسل الاختيار هي شركة “سنرجي” التي تشرف عليها وكالة المخابرات المصرية بشكل غير مباشر[1]، مما يثير الشك حول الرواية التي تم عرضها خلال المسلسل عن فض رابعة وعن جماعة الإخوان المسلمين. ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية في تقرير سابق لها فض الاعتصام بأنه “من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في يوم واحد بالتاريخ الحديث”.
كما نددت المنظمة في بيان لها صدر في عام 2018 بتعامل نظام السيسي مع أحداث الفض قائلة: “نظام السيسي حريص على محو كل ذكرى تخص الفض”، وعادة ما تنفي السلطات المصرية هذا الاتهام مشيرة إلى أن المعتصمين في رابعة والنهضة من المعارضين أو أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص كانوا مسلحين يخططون لهدم الدولة وتدمير مؤسساتها. غير أن السيسي قد طالب بتقويضه حتى “يحارب الإرهاب” قبل فض اعتصامي رابعة والنهضة مما يؤكد على أن نية قتل المعتصمين كانت معقودة مسبقًا.
نزع القيمة الرمزية لمذبحة رابعة ونشر سردية الإرهاب
وتمثل جماعة الإخوان المسلمين الشريحة الأكبر من المعارضة المصرية، ليس فقط بعد الانقلاب على الرئيس مرسي وإنما تضم القطاع الأكبر من المعارضة منذ عهد الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، والتي زادت فيها حد العداء بين الجماعة والرئيس عبدالناصر، ولكن خف هذا العداء خلال حكم مبارك وارتفع إلى ذروته في عهد السيسي، الذي حول العلاقة بين النظام والجماعة إلى معركة صفرية وليس مجرد خلاف سياسي، بين الجماعة المطالبة بإرساء قواعد الديمقراطية وبين النظام العسكري، بعد تصنيفها كجماعة إرهابية وحظرها. وقد صوّر المسلسل الجماعة وأعضائها والمحتجين معهم على أنهم مسلحين، وأنهم من بدأوا بإطلاق الرصاص على ضباط الأمن. بينما صور المسلسل قوات الأمن على أنها ظلت محتفظة بأقصى درجات ضبط النفس، وأكد أنهم التزموا بالسلمية أثناء فض الاعتصام؛ والذي ينفيه الشاهدون على المذبحة من محتجين ووسائل إعلام عربية وأجنبية ومنظمات حقوقية أبرزها منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش.
إلا أن المسلسل أعاد ذكرى المجزرة إلى أذهان وعقول الناس في محاولة لنزع قيمتها الرمزية عند أنصار الرئيس الراحل مرسي ومنهم جماعة الإخوان. حيث تعتبر المعارضة المصرية بجميع طوائفها أن فض اعتصامي رابعة والنهضة لم يكن مجرد حدثًا، بل هو جريمة انتهكت الشرعية بعزلها لأول رئيس منتخب وحلها للبرلمانات المنتخبة، وانتهاك صريح لحقوق الإنسان خلال الفض؛ والذي تتناوله المعارضة في خطاباتها أمام منظمات حقوق الإنسان وبرلمانات العالم.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أن النظام يريد تبرئة ذمته من المذبحة وذلك بسبب الضغوط الناتجة عن الهجوم الشديد والانتقادات اللاذعة والشكاوى التي توجه إليه من قبل وسائل إعلام المعارضة من خارج البلاد، وكذلك وسائل إعلام أجنبية بالإضافة إلى التصريحات اللاذعة من بعض الدول العظمى، ومنظمات حقوق الإنسان، وميل بعض الدول إلى استخدام تلك الحادثة كورقة سياسية للضغط على النظام المصري، في سبيل تلبية مصالحها الذاتية. والذي يهدد بدوره الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة المصرية. لذا فإن العمل كان ضرورة لتنفيذ أغراض سياسية من قبل النظام المصري.
كما حاول النظام تشويه صورة الاعتصام من خلال الإشارة إلى أن جميع أبناء الاعتصام من الفقراء والمغيبين الذين تحاول الجماعة استقطابهم بالأموال وبكلمات الدين حتى يظلوا في الاعتصام. ولكن في الواقع، ضم الاعتصام جميع طبقات المجتمع بمختلف تياراته الذين ذهبوا إلى الاعتصام بمحض إرادتهم، وبدون تمويل من الجماعة. كما أظهر المسلسل قادة الإخوان في صورة الإرهابيين وادعى أنهم أمروا المعتصمين بعدم مغادرة الاعتصام وإطلاق النار على الشرطة بينما غادروا هم.
كما صورت بعض مشاهد المسلسل بعض الشعارات التي زعم النظام أنها ترددت في الميدان. وأهمها “هنرجعها بالدم” “هنعمل حرب أهلية”. أي أن النظام يريد إلقاء العبء على الجماعة وتحميل قادتها مسؤولية شهداء ومصابي المذبحة، ذلك الأمر الذي نفاه المحتجون حيث شهد الكثير من قادة الإخوان الفض، وتم اعتقال بعضهم من قبل قوات الأمن، وقُتل بعض أبناء القادة وأشهرهم أسماء محمد البلتاجي.
كما يريد النظام إظهار الإخوان في صورة الساعين لتقسيم المجتمع بدلًا من إظهار الحقيقة والتي تبين كون الإخوان فصيلًا سياسيًا سلميًا معارضًا الدكتاتورية كمبدأ، ولا ينفصل عن المجتمع المصري بل هو جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري ولا من تاريخه. أي أن النظام يلتزم باستخدام سياسة الإقصاء الكلي لجماعة الإخوان ليس من المشهد السياسي فقط، ولكنه يفصلهم عن المجتمع كوحدة اجتماعية وليس فقط كوحدة سياسية.
تسليط الضوء على استعادة الشرطة قبضتها الأمنية
علاوة على ذلك، يعتقد أن المسلسل تناول فض الاعتصام بغرض تبرئة جميع من ساهم في تلك الجريمة من ضباط أمن الدولة والقوات الخاصة. ويظهر ذلك بوضوح في مشاهد الاستعطاف التي يقتل فيها الضباط وعبارات مثل “هنفض فض سلمي مفيش أي استخدام للقوة”. كما يؤكد المسلسل على أهمية دور أمن الدولة في الحفاظ على الدولة من الإرهاب، من خلال مشاهد استعراض القوة في المسلسل أمام المسلحين. وفي ذلك إشارة إلى محاولة النظام استعادة قوات الأمن مركزها وموقعها في البلاد بعد أن شهد أمن الدولة موجة من الانتقادات اللاذعة لما فعله في جمعة الغضب في ثورة 25 يناير من اعتقال وقتل الثوار.
كما ذُكر في إحدى مشاهد المسلسل أن ضباط الشرطة الذين تعاملوا مع الثوار في جمعة الغضب ليس مثل باقي الضباط الشرفاء. وبذلك يهدف إلى الفصل بين ضباط الشرطة في ثورة يناير وبين الجهاز الأمني بعدها. كذلك، يعتقد أنه أراد تسليط الضوء على حادثة الفض لأنها أعادت جهاز الشرطة إلى الحيز العام مرة أخرى.
تسخير الدراما لدعم النظام على حساب الانقسام المجتمعي
يحاول النظام من خلال المسلسل تقوية روح الوطنية الزائفة عند المواطنين المصريين من خلال إظهار الجيش المصري وأمن الدولة في موضع الحامي للدولة المصرية والحافظ لحقوق أبنائها وأرواحهم ومصالحهم من أعداء الدولة المتمثلين في المعارضة وأعضاء جماعة الإخوان في المسلسل. ولكن مثل هذه السرديات تساهم في تصدع الوحدة المجتمعية، وتثير الفتنة والفرقة، وتنشر سرديات الكراهية وأفكار العنصرية بين أبناء المجتمع المصري، في وقت حرج تفاقمت فيه الأزمات الداخلية والخارجية الاقتصادية والسياسة والاجتماعية، والتي تحتاج بدورها إلى تماسك لحمة المجتمع. وأبرز هذه الأزمات هي أزمة سد النهضة الإثيوبي التي تتطلب من النظام توحيد المصريين تجاهها في تلك الفترة. لكن الواضح أن السلطة تفعل العكس تمامًا، مما يوحي بعدم الحكمة فقد يضر هذا بالمفاوضات مع الجانب الإثيوبي، الذي يلجأ أيضًا بين الحين والآخر إلى استغلال أزمات النظام المصري الداخلية لصالحه.
وفي ذلك إشارة أيضًا إلى انشغال النظام بأزماته الداخلية التي ستحول ما بين تحقيقه إنجازات في الأزمات الخارجية المتعلقة بالأمن القومي المصري كقضايا الماء مع إثيوبيا أو قضية غاز شرق المتوسط. كذلك، يريد النظام من خلال المسلسل تشتيت المواطن المصري عن جميع تلك الأزمات الخارجية والداخلية بالتركيز على عدو وهمي وهو الإخوان المسلمين. كما يعتقد أن النظام يوجه رسالة إلى إثيوبيا بأنه لن يلجأ إلى الحلول العسكرية في حل أزمة سد النهضة من خلال تركيزه على فكرة السلمية أثناء المفاوضات.
وصور المسلسل جماعة الإخوان في صورة عدو الدولة المصرية الساعي لتقسيم المجتمع والمعادي للمسيحيين المصريين بشكل خاص. وظهر ذلك بشكل واضح من خلال مشاهد يحرق فيها أعضاء الجماعة للكنائس قبل وبعد فض رابعة للانتقام منهم. غير أن الجماعة قامت بنفي حرق أي كنيسة وسارعت بنعي الضحايا. وفي هذا إشارة إلى أن المسلسل يوجه رسالة إلى الكنيسة والمسيحيين في مصر بشكل خاص بأن تخلص النظام من الإخوان، سواء عن طريق الاعتقال أو القتل أو الإخفاء أو حتى عزل أول رئيس ديمقراطي منتخب كان في سبيل حمايتهم وحماية حقوقهم، وإقناعهم بأن عهد مرسي كان عهد ظلم للمسيحيين وبذلك صور النظام نفسه في صورة المخلص لهم.
كذلك، صور المسلسل جماعة الإخوان المسلمين في صورة الجماعة التي تستخدم الدين بغرض الاستيلاء على السلطة مستخدمًا عبارات مثل “الجهاد المسلح” “إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية” وذلك بهدف الإشارة إلى أن الإخوان تسيئ استخدام مفهوم الجهاد وتستغله في استقطاب أبناء الطبقة الفقيرة لمشاركتهم في الاعتصام ساعية لعمل دولة إسلامية معادية للعرب.
وهذا يتنافى مع منهج الإخوان الذي يتبنى مفهومي “السلمية ” و”الدولة المدنية” وليس الدولة الدينية كما أنه فيه دعوة للغرب لإعلان جماعة الإخوان الإرهابية مثلما فعل النظام المصري بعد انقلاب 2013. كذلك فإن في ذلك رسالة من نظام السيسي للغرب بأن ما ارتكبه من مذبحة أثناء الفض كانت بهدف معاونة الغرب في”الحرب على الإرهاب” بشكل عام وإرهاب جماعة الإخوان إحدى حركات الإسلام السياسي بشكل خاص. كذلك ترددت عبارات معادية وتكفيرية للعلمانيين في مشاهد المسلسل؛ الأمر الذي يؤجج الخلافات بين الإسلاميين والقوى العلمانية في مصر.
أيضًا صور المسلسل جماعة الإخوان وغيرهم من المعارضين في صورة المتآمر على الدولة المصرية؛ الادعاء الذي أراد به النظام تبرير جميع إخفاقاته في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضًا والتغطية على أزماته الداخلية، التي أظهرها وباء الكورونا في المنظومة الصحية في مصر، وكذلك حوادث القطارات المتزايدة في الآونة الأخيرة. كما أراد الاستعانة بهذه المشاهد التي صور فيها نفسه بحامي الوطن ومحرره من أعداءه في شكل مجموعة من أهم الإنجازات التي حققها النظام منذ توليه الحكم. حيث إنه يفتقد إلى وجود انتصارات حقيقة وإنجازات على أرض الواقع يقوم بعرضها وبناء شعبيته عليها. بيد أن الأنظمة الدكتاتورية وخاصة العسكرية منها تلجأ إلى مثل هذه السيناريوهات في محاولة لإيجاد أي إنجاز حتى ولو كان زائفًا في حالة فشلها في استدعاء إنجازات حقيقية في ملفاتها الاستراتيجية لكي تبني عليها شرعيته في الداخل والخارج أيضًا.
سردية الكراهية في مسلسل الاختيار كوسيلة للتحريض على القتل
تزامن عرض مسلسل الاختيار مع إعدام السلطات المصرية لسبعة عشر مواطنًا في القضية المعروفة ب “اقتحام قسم شرطة كرداسة” والتي تعود أحداثها إلى صيف 2013 عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة.[2] غير أن المحاكمات التي أجريت لهؤلاء الأشخاص افتقدت إلى أدنى معايير النزاهة. حيث إن صفات بعض المتهمين وأعمارهم وحالتهم الجسدية والصحية تؤكد استحالة تورطهم في ذلك الحادث، وفق تصريحات ناشطين سياسيين.
وقد أشار المسلسل إلى هذا الحدث في إحدى حلقاته التي على تضمن عرضها إعدام السبعة عشر متهمًا. وفي ذلك إشارة إلى أن النظام أراد أن يسوغ للداخل وللخارج أحكام الإعدام الجديدة بعد تمهيد المسلسل لتنفيذ الحكم. كذلك، يعتقد أن النظام يريد أن يرسخ حالة الرعب داخل الدولة من خلال الشروع في إعدام المعتقلين السياسيين أو المعتقلين في مثل هذه القضايا، حتى تسود حالة من الخوف وبذلك يضمن النظام عدم وجود أي مظاهرات أو اعتراض على أي قرار سياسي. أي أن المسلسل استهدف أيضًا تسويغ القتل والإعدامات والاعتقالات للمعارضة.
فرض حالة الطوارئ من جديد
كما قام السيسي بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر في أواخر شهر إبريل/نيسان وذلك بسبب “الظروف الصحية والأمنية الخطيرة” وفق نص الجريدة الرسمية.[3] وقد تضمن القرار تولي القوات المسلحة وهيئة الشرطة زمام الأمور واتخاذ الإجراءات اللازمة “لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن في البلاد”، حسب ادعاءاتهم.
وتزامن مثل هذا القرار مع عرض المسلسل ليس محض صدفة. بل يريد النظام أن يعزز سردية الإرهاب والعنف التي يحاول اختلاقها من خلال مسلسل الاختيار، مما يمكنه من وضع قيود على حريات الأشخاص بداية من مراقبتهم إلى منع التجمعات وحصر المواصلات. ذلك بالإضافة إلى أنه بإمكان أمن الدولة احتجاز أي مواطن تشك أن يحدث خطرًا على الأمن العام مما يعزز مفهوم الرعب داخل البلاد من الإرهاب المختلق. وعلى الجانب الآخر من الدولة التي تمارس القمع على المواطن. كذلك، يساهم مثل هذه القرارات في تبرير الإخفاقات الحالية والقادمة.
أي أن النظام المصري حول العلاقة بينه وبين المعارضة بجميع طوائفها إلى معركة وجودية وليس مجرد خلاف سياسي كما كان في السابق حيث أضحى يعتمد على بناء شرعيته من قمع المعارضة تحت شعار “الحرب على الإرهاب”.
شهدت مصر العديد من الأمور الاقتصادية خلال الشهر المنصرم، وكان من أبرز هذه الأمور، الحديث المتكرر للحكومة بأنها تنفذ إصلاحًا هيكليًا، يؤدي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية. ولكن المتابع للشأن المصري، يجد أن أرقام الحكومة ومؤشراتها في واد، والمجتمع في واد آخر، حتى أن تصريحات الحكومة نفسها متضاربة، ففي الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء عن زيادة معدلات الناتج المحلي، نجد أن وزير التضامن الاجتماعي تعلن عن وصول الأسر الفقير بمصر إلى 8.5 مليون أسرة، ومن هنا وجدنا أنه من المناسب أن نقدم قراءة في دلالات زيادة معدلات النمو الاقتصادي بمصر.
ومن ناحية أخرى، كانت سلوكيات الحكومة خلال أبريل 2021، مستفزة، وتدلل على سواء التخطيط والتنفيذ المالي والاقتصادي، فقد شهد المجتمع، كيف تصرفت الحكومة بتقديم الدعم الصحي لدول غنية، وسعبها يعاني من نقص الرعاية الصحية في مواجهة كورونا، كما أنفقت الدولة ببزخ في نقل المومياوات في حين تعاني أزمة ديون، وكان تصريح وزير النقل عن تصرف السيسي معه بشأن شراء سيارات خير دليل على عشوائية إدارة المال العام بمصر، وهو ما دعانا لتناول الأمر بالتحليل.
النمو الاقتصادي بمصر.. قراءة في دلالات الأداء
دأب نظام السيسي ومن قبله نظام مبارك على الحديث عن زيادة معدلات النمو الاقتصادي، أو استهداف زيادته خلال الفترات القادمة، وكان أخر هذه التصريحات، تصريح مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، أن الإصلاح الهيكلي في مصر يستهدف تحقيق معدل نمو يصل من 6% – 7% خلال السنوات الثلاث القادمة، وأن قطاع الاتصالات قد حقق مؤخرًا مساهمة نسبتها 5%من الناتج المحلي، مع زيادات أيضًا في قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة[4].
ومن الطبيعي أن تستهدف الحكومات، زيادة معدلات النمو الاقتصادي، لمواجهة متطلبات التنمية، ولكن العبرة هنا ليست في تحقيق زيادة في معدلات النمو الاقتصادي، وإنما العبرة في عوائد هذا النمو على المجتمع، من حيث استفادة أكبر قدر من شرائح المجتمع من ثمار النمو المتحقق، وكذلك أن يعتمد النمو على التنوع الاقتصادي، وأن يكون من قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
وأضاف مدبولي على أن حكومته ستركز خلال الفترة المقبلة على ثلاث قطاعات هي الصناعة التحويلية والتكنولوجيا، والزراعة، والاتصالات، وهي أمور بلا شك جيدة، إن تم تنفيذها بشكل جيد، ولكن الواقع يبين أن مصر في القطاعات الثلاث لديها قيمة مضافة شديدة المحدودية، فعلى سبيل المثال فمصر ليست منتجة للتكنولوجيا، وإنما تعتمد على استيرادها بشكل كبير، كما أن صناعتها التحويلية، لا زالت تدور في فلك الصناعات التقليدية مثل المنسوجات والملابس الجاهزة، أو الصناعات الكيماوية، أو الصناعات الكهربائية التجمعية مثل إنتاج الغسالات والبوتجازات والثلاجات، أو الصناعات التجميعية في السيارات وغيرها.
وبالتالي فالحديث عن زيادة كمية في قطاع الصناعة التحويلية والتكنولوجيا، يجعل الأرقام الخاصة بزيادة معدل نمو الناتج عبر هذه القطاعات، غير ذي جدوى. ولعل أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي تبين لنا، أداء مصر في إنتاج سلع التكنولوجيا المتقدمة، وهي شديدة التواضع، حيث تبلغ 323 مليون دولار في عام 2019، وبما يمثل نسبة 2.3% من صادرات السلع المصنوعة[5].
أما فيما يتعلق بقطاع الزراعة، فالملاحظ أن الحكومة تكبل هذا القطاع بشكل كبير عبر العديد من السياسات التي تزيد من تكلفة إنتاجه، وكان آخر هذه السياسات، تحميل الأراضي الزراعية بتكلفة صيانة الترع العامة، أو استخدام الترع العامة في الري، فضلًا عن عدم وجود مساهمة ملموسة في دعم القطاع الزراعي، الذي يعد من القطاعات المهمة للأمن القومي، من حيث توفير الغذاء بشكل عام، والأمن الغذائي بشكل خاص، ولا يليق بدولة كمصر، أن تعتمد في توفير أمنها الغذائي على الاستيراد.
وفي قطاع الاتصالات، فليست العبرة بطبيعة العمل الشبكات الخاصة بالهواتف أو الإنترنت، أو استخدام البحر المتوسط فيما يخص الجغرافيا المصرية لتمرير كابلات الانترنت، ولكن العبرة بإنتاج العدد والآلات في قطاع الاتصالات، وكذلك إنتاج ما يتعلق بتكنولوجيا الاتصالات من خلال برامج السوفت وير. ولعل وضع مصر على المؤشرات الفرعية الخاصة بالتكنولوجيا يوضح مدى ضعف إمكانياتها. فمؤشر التنافسية لعام 2018، يظهر أن ترتيب مصر على مؤشر القدرة على الابتكار 122 من بين 138 دولة. وكذلك مؤشر التطور الرقمي حلت فيه مصر في المرتبة 48 من بين 50 دولة، أما مؤشر اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فجاءت مصر في المرتبة 99 من بين 138 دولة[6].
وإذا تحدثنا عن مدى استفادة شرائح المجتمع من زيادة معدلات النمو الاقتصادي، نجد أن هناك حالة احتكار واضحة من قبل القوات المسلحة ومؤسساتها على غالبية النشاط الاقتصادي، وبخاصة الاستثمارات العامة، وحتى بعض الأنشطة التي كانت تمثل متنفسًا للقطاع الخاص، صدرت العديد من القرارات لتضيق على القطاع الخاص بينما تفتح الباب على مصرعيه أمام مؤسسات القوات المسلحة، كما حدث في مجال الإسكان، حيث تم تجميد نشاط الإنشاءات لعدة شهور، بينما مشروعات القوات المسلحة لا تتوقف، ثم مؤخرًا، تصدر قرارات لتحد من ارتفاعات المباني بشكل كبير، مما يفقد حائزي الأراضي والعقارات والمستثمرين فيها قدرًا كبيرًا من استثماراتهم.
فالمفترض أنه في حالة زيادة معدلات النمو الاقتصادي، أن يعود ذلك بآثار إيجابية على الفقراء والطبقة المتوسطة، ولكن يلاحظ أن، نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، قد صرحت في عام 2021، بأن عدد الأسر الفقيرة في مصر 8.5 مليون أسرة، وأن هذه الأسر الفقيرة تضم قرابة 31 مليون إنسان، بينما عدد الأسر المستفيدة من الدعم النقدي الذي تقدمه الوزارة 3.8 مليون أسرة[7]. وهو ما يعني أن هناك قرابة 5 مليون أسرة فقيرة لا تستفيد من برامج الدعم الحكومي، فأين هذه الأسر من الاستفادة من زيادة معدلات النمو؟
الأمر الآخر المهم في تحليل ما يخص زيادة معدلات النمو الاقتصادي، أن هناك زيادة كبيرة في معدلات الدين العام، فقد وصل الدين العام المحلي لمصر في 4.3 تريليون جنيه في ديسمبر 2020، كما بلغ الدين العام الخارجي125 مليار دولار في سبتمبر 2020[8]، وهي ديون قابلة للزيادة خلال ما بعد رصد البنك المركزي المصري، حيث تتوسع الحكومة في الاستدانة بشكل ملحوظ، ولديها خطة توسعية خلال الفترة القادمة في الحصول على الديون، سواء كانت داخلية أو خارجية.
ولعل ما صرح به وزير المالية المصري مؤخرًا، يدلل على ذلك من خلال إعلانه عن التجهيز لطرح الدين المحلي المصري في مقاصة أوروبية مع حلول نوفمبر 2021. ومن المفترض أنه مع زيادة معدلات النمو الاقتصادي، أن يؤدي ذلك إلى زيادة دخل الأفراد والمؤسسات، وتزيد الحصيلة الضريبية، ويقل الاعتماد على الديون في تمويل المشروعات العامة، التي أصبحت تستوعب أكبر قدر من الديون.
ومما يشكك في الأرقام المعلنة عن النمو الاقتصادي في مصر، وكذلك مدى نجاعة الأرقام المعلنة للاقتصاد المصري، أن مصر كانت من أكبر الدول اقتراضًا من صندوق النقد الدولي، في النصف الأول من عام 2020، حيث حصلت مصر على 8.5 مليار دولار، من خلال قرضين خلال فترة قصيرة، لمواجهة التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا، فأين إذًا الأثر لزيادة معدلات النمو الاقتصادي على مدار السنوات السبع القادمة، كما تدعي حكومات السيسي المختلفة؟
فمتى تسهم زيادة معدلات النمو الاقتصادي في مصر، لتحقق زيادة في دخول ومدخرات المصريين، حتى يتم تمويل مشروعات التنمية من مدخرات محلية، وليس من الديون، فأرقام التقرير المالي الشهري لوزارة المالية تبين أن نسبة المدخرات المحلية بمصر في الناتج المحلي الإجمالي، كنت بحدود 6.2% في 2019/2020، في حين كانت 10% في عام 2018/2019، ونسبة 6.2% في عام 2017/2018[9]، وهو ما يعني أن دخل المصريين بشكل عام لا تسمح بسلوك ادخاري يمكن من تمويل التنمية بشكل مريح، فهذه المعدلات في العديد من الدول تصل إلى 25% و30%.
إن الفجوة بين المدخرات والاستثمارات المحلية في مصر مزمنة، ولكنها في فترة ما بعد انقلاب يوليو 2013، أشد وضوحًا، وأكثر تكريسًا لأزمة مصر الاقتصادية، لقد عولت حكومات السيسي المتتالية على الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير، وأنه سيمثل مخرجًا لها من أزمتها المالية، ولكن الواقع يبرهن على أن مناخ الاستثمار بمصر أقل بكثير من الأوضاع في دول أخرى، وهو ما دعا لأن تحصل مصر سنويًا على حصة متواضعة من الاستثمارات الأجنبية المباشر، بحدود من 6 مليارات – 7 مليارات دولار، وتأتي معظمها في قطاع النفط والغاز الطبيعي، مما يقلل من آثارها الإيجابية على الاقتصاد المصري، فمصر تحتاج استثمارات محلية وأجنبية بشكل كبير في قطاعين مهمين، حتى تتحقق فيها نهضة وتنمية وهما قطاع الزراعة والصناعة، وبدون ذلك سيكون الأمر، مجرد أرقام لا تثمن ولا تغني من جوع.
سوء تخطيط الوضع المالي لمصر
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدليل على مرور مصر بأزمة تمويلية، تظهر ملامحها بوضوح في الموازنة العام للدولة، حيث تزداد الفجوة بين الإيرادات العامة والمصروفات العامة، عامًا بعد عام، ولذلك أصبحنا أمام معضلة ديمومة العجز وزيادة معدلات الدين، وتفاقم قيمة الفوائد بمخصصات الإنفاق العام.
ولكن هذا الأمر هو نتيجة مجموعة من الأسباب، على رأسها، غياب الأداء الإنتاجي لمصر، وكذلك تبديد ما لديها من موارد، وسواء تخصيص المتاح، فضلًا عن غياب الشفافية في إدارة الموارد المالية لمصر.. وقد اتضح هذه الأمر خلال الفترة الماضية من خلال السلوك الحكومي، في الإنفاق ببزخ على احتفالية نقل المومياوات المصرية من المتحف المصري القديم بميدان التحرير إلى مقر المتحف الجديد، في الوقت الذي تواجه فيه مصر تداعيات أزمة المديونية العامة.
وكذلك توجيه العديد من صفقات المساعدات الطبية منذ مارس 2020 وحتى الآن إلى دول شتى، وبخاصة المتقدمة منها، فمصر قدمت صفقة مساعدات طبية إلى أمريكا[10]، في نفس الوقت الذي تعاني فيه الطواقم الطبية من غياب أبسط أدوات الوقاية، وارتفاع معدلات الإصابة في محافظات عدة، أبرزها سوهاج، جنوب مصر، وهي محافظة ترتفع فيها معدلات الفقر، حسب الأرقام الحكومية.
وكان المثل الأبرز خلال شهر أبريل، تصريح وزير النقل، كامل الوزير، حيث أعلن “ذهبت للرئيس عبد الفتاح السيسى وطلبت 200 عربة قلاب لنقل الطفلة والسماد، قالى هات 1000.. قولتله على قد الموازنة، قالى هات ألف ومالكش دعوة الفلوس هاديهالك[11]“.
والغريب في الأمر، أنه يتم التوجية بشراء ألف سيارة، بما يعنيه ذلك من ثمن الشراء، وتكاليف الصيانة، وتوفير جراجات وسائقين، وشراء قطع غيار، ووقود، في الوقت الذي يعلن فيه وزير النقل عن دراسة الاستعانة بشركات أجنبية لإدارة قطاع السكة الحديد.
ألم يكن من الأولى شراء الخدمة من القطاع الخاص، ودفع قيمة تنفيذ الأعمال المطلوبة للقطاع الخاص، بدلًا من عملية الشراء التي تتسم بالبزخ، وسوء التصرف في المال العام؟
هل يتفق قرار شراء ألف سيارة لقطاع النقل، في ظل توجه حكومة السيسي للخصخصة بشكل كبير؟ إن من أكبر سمات الخسائر في قطاع السكة الحديد، هو سوء الاستخدام، وارتفاع معدلات الاستهلاك، وزيادة الخردة بالمخازن، نتيجة سوء استخدام العدد والآلات. وإذا ما خرجت سياسة الخصخصة للسكة الحديد إلى حيز التنفيذ، فماذا سيكون مصير الألف سيارة؟
والمعلوم أن هناك خطة للدولة، وموازنة عامة، تحدد فيها الاحتياجات، وفق أولويات التنفيذ، وإذا كانت احتياجات وزارة النقل حسب تقديرات الوزير 200 سيارة قلاب فقط، فلماذا يعطي 5 أضعاف احتياجاته؟ إن هذا ليس أكثر من تغييب لقواعد التخطيط والتنفيذ التي أقرتها القواعد العلمية.
قد يفهم سرعة التنفيذ في إطار ما حددته الجهة الطالبة للاستفادة من المال العام، ولكن ما هي الحاجة لأن تعطي جهة ما 5 أضعاف ما تطلب، دون دراسة؟ فقد يكون هناك مراعاة لاحتياطيات بالزيادة في توفير مورد أو احتياج معين، وغالبًا ما تكون هذه الزيادة مثلًا 5%، أو 10%، لكن أن تكون الزيادة 400%، فلا يعني ذلك سوى شعور كبير لدى متخذ القرار، بغياب الرقابة والمساءلة.
إن الموازنة العامة للدولة، عند إعدادها يوضع بها بند احتياطيات، وأخرى، لتغطية المتطلبات الطارئة، ولكن في كثير من الأحيان، يتحجج السيسي بأنهم ليس لديهم موارد، حينما يتعلق الأمر باحتياجات عموم الناس. فالموازنة ليست مشاعًا لقرارات عشوائية، ولكن لابد لقواعد من الحساب والمراجعة، حتى ولو كان منفذ الأمر رئيس الجمهورية.
لقد عانت الموازنة المصرية من هذه العشوائية بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، وبخاصة بعد أن سيطرة القوات المسلحة، من خلال وزارة الإنتاج الحربي على تنفيذ احتياجات الوزارات، من خلال بروتوكولات التعاون التي أبرمتها مع الوزارات المصرية كافة، لتقوم وزارة الإنتاج الحربي بالتوريد للعدد والآلات، وكذلك تنفيذ المنشآت، والفوز بكافة المناقصات الحكومية لهذه الوزارات.
ودلالة تصرف السيسي في المواقف المختلفة، والتي ذكرنا منها على سبيل المثال، الإنفاق على احتفال الموميات أو تقديم المساعدات الطبية لدول غنية، أو التصرف في المال العام مع وزير النقل في شراء العربات، أن سوء تخطيط وتنفيذ للمال العام.
لعل هذه التصرفات، تذكرنا بتصريحات السيسي، من أنه لا يعتمد على دراسات الجدوى في تنفيذ المشروعات، كما حدث في توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرهما من المشروعات. إن مصر دولة لديها مؤسسات عريقة في التخطيط وليدها خبرات، أفادت منها دولة عدة، وبخاصة في محيطها الإقليمي، ومن الأولى في ظل الظروف التي تمر بها مصر، أن تلتزم قواعد التخطيط العلمي، وحسن إدارة الموارد المالية المتاحة، لكي لا تزيد من مشكلاتها المالية والاقتصادية.
تداول مجلس النواب مجموعة من التشريعات والقرارات الجمهورية هذا الشهر، والتي كان أبرزها مشروع قانون تغليظ العقوبات فيما يخص عملية الختان والذي وافق عليه بشكل نهائي، وكذلك تعديل بعض أحكام قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي، والإفلاس لفتح الباب أمام جهات تمويلية جديدة، ومشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء لمنح الشركة القابضة مدة انتقالية قبل انتقال سوق الكهرباء إلى سوق حرة. كما نذكر مشروع تعديل قانون الخاص بصندوق “تحيا مصر” وما هى أبرز تعديلاته.
كما تناول مجلس النواب، بيان رئيس مجلس الوزراء الخاص بمسوغات إعلان حالة الطوارئ، وكذلك بيان وزير النقل كامل الوزير بشأن قطاع النقل على خلفية الحوادث التي حدثت بقطاع السكك الحديدية.
التشريعات التي أقرها المجلس
وافق مجلس النواب نهائيًا خلال جلسته المنعقدة في 25 أبريل 2021، على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات فيما يخص تغليظ عقوبة ختان الإناث.[12]
حيث أشارت اللجنة التشريعية بالبرلمان إلى أن الختان جريمة ينال من حرمة الجسد الذي لا يجوز المساس به في غير دائرة الحق، وهو ما يؤثر سلباً على المقومات الأساسية للمجتمع.
بدأ تجريم الختان في مصر رسمياً عام 2008[13]، بعقوبة سجن تتراوح بين شهرين وثلاث سنوات، ثم عُدل في 2016 لتكون من ثلاث إلى سبع سنوات. ويتسم التشريع الأخير بتغليظ العقوبات التي تصل للسجن عشر سنوات، وسحب ترخيص المهنة حال كون الممارس طبيبًا وعدم ترك باب المسألة “الضرورة الطبية” أو تقدير الطبيب، كما نالت العقوبة بالسجن من يتناول الأمر أو يشجع عليه حتى ولو لم ينتج عن ذلك فعل.
تاريخيًا، يوجد جدل فقهي حول المسألة رفضًا وإيجابًا، كما أن الموروث الاجتماعي لها كبير. فوفقًا لدراسة صادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” عام 2017 تحتل مصر المركز الرابع عالميا والثالث على مستوى الدول العربية، من حيث عدد النساء اللاتي تعرضن لعمليات ختان.
وأشار تقرير اليونسيف حينها إلى أن نسبة انتشار ختان الإناث في مصر عام 2000 كانت تصل إلى 97 بالمئة، وسجلت انخفاضا عام 2015 إلى 92 بالمئة، ثم إلى 87 بالمئة عام 2016، إلا أن انتشار تلك الممارسة عاد إلى الصعود إلى نسبة 91 % عام 2017.[14]
جاء التعديل الأخير لقانون عقوبة ختان الإناث كالتالي:
يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئى أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن سبع سنين أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنين.
وتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات، إذا كان من أجرى الختان المُشار إليه بالفقرة السابقة طبيب أو مزاول لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المُشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل عن الموت تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن خمسة عشر سنة ولا تزيد على عشرين سنة.
يعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه على النحو المنصوص عليه بالمادة 242 مكررًا من هذا القانون. ويعاقب بالحبس كل من روج أو شجع أو دعا بإحدى الطرق المبينه بالمادة (171) من هذا القانون، لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر.
وافق مجلس النواب، في جلسته المنعقدة 25 أبريل، على مشروع قانون مقدم من الحكومة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس والقانون الصادر به رقم (11) لسنة 2018.[15]
أشارت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية إلى أن الاعتماد على البنوك فقط لتمويل المشاريع المتعثرة وفتح المجال له للحصول على تمويل يقيه من عثرته، قد لا يكون مجديًا. ولذلك يهدف القانون إلى فتح المجال لجهات أخرى كمؤسساتِ التمويل وغيرها من الكيانات المرخص لها لتقديم التمويل أو التسهيلات الائتمانية للمشروعات المتعثرة.
وأتاح مشروع القانون للدائنين التقدم بطلب صلح واق من الإفلاس للمدين، تعظيمًا لدور الدائنين، وتجنبًا لشهر إفلاس التاجر حسن النية سيئ الحظ، وتدعيمًا لنظام الصلح الواقي من الإفلاس باعتباره نظامًا وجد في الأساس لإيجاد التوازن بين المراكز القانونية للمدين والدائن تحت إشراف القضاء.
وفيما يتعلق بحالة الإفلاس انتهج القانون أخذ تصويت الدائنين فيما يخص إجراءات ما بعد الإفلاس، ومنها التصويت على الاستمرار في تشغيل تجارة المفلس، أو ندب خبراء إعادة الهيكلة لوضع خطة إعادة هيكلة تجارة المدين المفلس، أو البدء في إجراءات بيع موجودات التفليسة كمنشأة عاملة، أو تصفية الأصول الأساسية الخاصة بتجارة المفلس وغيرها من موجودات التفليسة، على أن يكون اتخاذ القرار في جميع الحالات المذكورة بموافقة الأغلبية العددية للدائنين.
وافق مجلس النواب في جلسته المنعقدة 27 أبريل 2021، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015، في مجموعهِ، وتمت إحالته إلى مجلس الدولة لإقراره نهائيًا في وقت لاحق.[16]
ويُعد هذا التعديل الثاني الذي يرد على القانون، وينص على تعديل المادة 63 والتي تنص على “تلتزم الشركة القابضة لكهرباء مصر وشركات الإنتاج والتوزيع المملوكة لها بتوفيق أوضاعها طبقًا لأحكام هذا القانون خلال مدة لا تزيد على ثماني سنوات من تاريخ العمل به، وبما يؤهلها للتعامل في السوق التنافسية للكهرباء على أن يتم التعامل مع هذه الشركات وفقًا لأحكام هذا القانون بالتنسيق مع الشركة القابضة لكهرباء مصر أثناء الفترة الانتقالية”.[17]
وأفادت التعديلات أنه وفقًا لجائحة كورونا وما ترتب عليها من أوضاع، فقد تم تمديد الفترة الانتقالية الممنوحة لشركات الكهرباء المملوكة للدولة لتوفيق أوضاعها بما يؤهلها من الدخول في سوق تنافسي لإنتاج وبيع الكهرباء.
ويُذكر أن الهدف من القانون رقم 87 لسنة 2015، هو رفع يد الدولة عن دعم قطاع الكهرباء ونقله من سوق حكومية إلى سوق حرة تنافسية وتجارية، وهو ما يؤدي إلى تحرير سعر بيع الكهرباء.
وبناءًعلى ذلك منح القانون سالف الاشارة بموجب المادة (63) منه الشركة القابضة للكهرباء وشركات الإنتاج والتوزيع التابعة لها فترة انتقالية محددة بمدة لا تزيد عن ثماني سنوات لتوفيق أوضاعها بما يؤهلها للمنافسة، وقد تم التمديد وفقًا للتعديل الأخير إلى مدة عشر سنوات قابلة للزيادة بطلب من مجلس الوزراء.[18]
وافق مجلس النواب المصري، على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 84 لسنة 2015 بإنشاء صندوق تحيا مصر، وأحال رئيس المجلس مشروع القانون إلى مجلس الدولة.[19]
هذا التعديل على القانون الذي أعدته الحكومة لزيادة الإعفاءات المقررة على الصندوق، ففي المادة الثامنة من القانون تم النص على إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من جميع الضرائب والرسوم، مع عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة على الصندوق.
ولما وجدت الحكومة بعض الرسوم، مثل عدم سريان الإعفاء على التبرعات التي ترد للصندوق من الخارج، وعدم شمول الإعفاء قانون الضريبة على القيمة المضافة، اعتبرته الحكومة عائقًا لعمل الصندوق، وبسبب رغبة السلطة في تمكين الصندوق، وعدم فرض أي رسوم عليه تم إعداد هذا القانون.
وينص التعديل على إعفاء عوائد ومنح صندوق تحيا مصر، من جميع الضرائب والرسوم والجمارك، وتسجيل العقد بالشهر العقاري، والإعفاء من الضرائب العقارية وضرائب الدخل ورسم تنمية الدولة وغيرها من الرسوم والضرائب الحالية أو التي تفرض مستقبلا.
أُنشئ هذا الصندوق “تحيا مصر” في عام 2014 مع بداية تولي السيسي، وتم ضخ مبالغ ضخمة فيه من أغلب رجال الأعمال والقطاعات الرسمية والخاصة المعروفة، تحت تغطية إعلامية واسعة، ثم تم إنشاء هذا القانون والتعديل عليه بغرض تمكينه إدارياً وإعفاءهِ من الضرائب والرسوم.
لم تكن هذه أولى الخطوات في التعديل على قانون الصندوق الذي صدر عام 2014، وكان ينص على حق الجهاز المركزي للمحاسبات في الرقابة عليه باعتباره مالًا عامًا، حتى تم إضافة بندين كتعديل على القانون للتخلص من هذه الرقابة في 2015.[20]
حيث أضُيفت المادة الثالثة “يحدد رئيس الجمهورية أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف أموره المالية والإدارية، دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر”.
كما تم استبدال المادة الثامنة في القانون القديم بالمادة التاسعة التي ألغت رقابة المركزي للمحاسبات وقصرت دوره على إعداد “مؤشرات” عن الأداء بناء على قوائم مالية يعدها الصندوق بمعرفة أحد مكاتب المحاسبة المعتمدة لدى البنك المركزي يختاره مجلس أمناء الصندوق، ويقدم الجهاز هذه المؤشرات للمجلس.
وافق مجلس النواب على قرار جمهوري رقم 109 لسنة 2021 بشأن الموافقة على الخطابات المتبادلة بين حكومة مصر وحكومة ألمانيا الاتحادية بشأن مشروع (شراكة لخلق الوظائف ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مصر)، الموقعة في القاهرة بِتاريخي 2020/12/23 و2020/12/24.[21]
ووفقًا للخطابات المتبادلة، توفر الحكومة الألمانية مشروع مساهمات يصل مجموعها إلى ثلاثة ملايين يورو، فضلًا عن مساهمات أخرى عند اقتضاء الضرورة، وتكلف الحكومة الألمانية الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بتولي تنفيذ المشروع. بينما تكلف الحكومة المصرية وزارة التجارة والصناعة بتولي التنفيذ، وتقضي الخطابات المتبادلة بضمان وزارة التجارة والصناعة توفير موازنة خاصة محددة البنود للمشروع بما يضمن سلامة التنفيذ، كما تضمن قيام المؤسسة المكلفة منها بالتنفيذ بإمداد المشروع بالمساهمات اللازمة.[22]
وتحدث عدد من النواب عن ضرورة الرقابة على أوجه الصرف في المنح والقروض والمختلفة التي تتلقاها مصر، والتي يغفلها المجلس بشكل كبير، حيث يتم تمرير القروض والمنح الخارجية التي تتلقاها الحكومة دون رقابة حقيقية على أوجه التنفيذ والصرف.
وافق مجلس النواب بأغلبية الأعضاء على قرار جمهوري رقم رقم 174 لسنة 2021 بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر[23].
وذكر رئيس الوزراء في بيانه أمام مجلس النواب، مسوغات القرار أن إجراء حالة الطوارئ إجراء ضروري لمواجهة الظروف الأمنية والصحية في مصر وما تشهده من عدم استقرار.
وينص القرار على أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحفظ الأرواح، وتنص المادة الرابعة من القرار على أن يعاقب بالسجن كل من يخالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية.
وفي موافقتها على القانون، أوضحت اللجنة العامة لمجلس النواب أن رئيس مجلس الوزراء تعهد بعدم اتخاذ التدابير الاستثنائية إلا لحفظ الأمن القومي، إلا أن الحكومة قد حصلت مرات عديدة على موافقة المجلس في إعلان الطوارئ، بالمخالفة للدستور، رغم الاستخدام التعسفي لها وعدم وجود مبررات حقيقية.
وبالنظر إلى بلاد العالم التي شهدت حالات متأخرة من تفشي فيروس كورونا، لم تصل إليها مصر ولم يتم الإعلان عن الطوارئ، كما أنه من المعلوم أن مصر لا تشهد حظرًا شاملًا أو غير ذلك لاستدعاء حالة الطوارئ للحفاظ على الوضع الصحي، إضافة إلى الاستخدام الباطش للاعتقالات وغير ذلك، ما يدخل تحت دائرة الأمن القومي لدى النظام، على غير الحقيقة.
وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة اليوم الأحد، على القرار الجمهوري رقم 111 لسنة 2021 بالموافقة على اتفاق قرض بين مصر والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية بشأن مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي، الموقع بتاريخ الأول من يناير الماضي.
كما وافق المجلس خلال جلسته العامة اليوم أيضًا، على قرار رئيس الجمهورية رقم 110 لسنة 2021 بشأن الموافقة على اتفاق منحة بين مصر وبنك التنمية الأفريقي بشأن مشروع الإغاثة الإنسانية الطارئة في ظل تفشي فيروس كورونا بقيمة لا تتجاوز 500 ألف دولار أمريكي، الموقع بتاريخ 29 ديسمبر الماضي.[24]
بيان كامل الوزير في الجلسة العامة للنواب
ألقى وزير النقل كامل الوزير بيانًا في الجلسة العامة لمجلس النواب، بتاريخ 26 أبريل 2021، للحديث حول خطة الوزارة وخاصة في مجال السكة الحديد، حيث شهد قطاع السكة الحديد عدة حوادث متتابعة خلال الشهر الماضي، في سوهاج وطوخ وغيرها راح فيها عدد ليس بقليل من الضحايا والمصابين.
ثارت حالة من الجدل بعد حوادث القطارات الأخيرة، عن سبب عدم استجواب كامل الوزير ومسائلته بشكل مباشر عن تلك الحوادث، خاصة بعد تبريره لها في عدد من الصحف ووسائل الإعلام بأنها أخطاء عاملين، لعيد مرة أخرى حديثًا مشابهًا أمام مجلس النواب يتنصل فيه من مسؤوليته السياسية والقانونية عن الحادث.
وتعرض الوزير في كلمته عن أسباب الحوادث التي يتعرض لها قطاع السكك الحديدية، مرجعًا إياها لوجود عناصر “متطرفة” لا تريد لمصر الأمان والسلام، وأضاف أن الوزارة ليست السكك الحديدية وأن هناك عشر هيئات في النقل تكبر قطاع السكك الحديد، إلا أن الجمهور لا يحتك بها بشكل يومي.[25] كما طالب الوزير بتعديل قانون الخدمة المدنية، لتمكينه من الفصل التعسفي لهؤلاء الموظفين.
وأثارت هذه التصريحات سخرية قطاع كبير من الشعب المصري، حيث يتخذ جماعة الإخوان في تبرير حالة من الفشل والدماء التي سالت بسبب تلك الحوادث، وهو ما لا يتقبله العقل ولا يتحد معه دليل سوى أنها العقلية العسكرية التي تلقى رواجًا فقط لهذه الأفكار في ظل هذا المناخ القمعي.
كما أن الحديث عن قطاعات أخرى داخل السكك الحديد، لا يحتك به المواطنون بشكل يومي، هو أدعى لزيادة الرقابة والمسؤولية من جانب البرلمان على الأداء في هذه القطاعات، وليس قبولها كمبرر للوزير ودليل على حسن إدارته.
كذلك شن النائب المقرب من السلطة، مصطفى بكري، هجومًا داخل البرلمان بشكل مبتذل على أحد سائقي القطارات، أثناء هذه الجلسة، مدعيًا أن هذا السائق كتب على منصة “فيسبوك” أنه يؤيد اعتصام رابعة، لتصل الحالة إلى أن يتحول أحد الأعضاء للعمل كأنه مخبر أمن، بدلًا من ممارسة دوره في الرقابة على أداء الوزير.
شهد شهر أبريل 2021م أحداثًا فكريَّة وثقافيَّة مهمَّة، كان أبرزها موكب المومياوات الملكيَّة التي نُقِلت من المتحف المصري إلى متحف الحضارة،وهو الحدث الذي استغله البعض في إثارة الجدل حول هويَّة مصر التي يَدَّعِي البعض فرعونيَّتها. ثماستغلال شهر رمضان في عرض مجموعة من المسلسلات التليفزيونيَّة التي يوظفها النظام الانقلابي في مصر للتغطية على جرائمه من خلال سَرد روايته لأحداث ما بعد الانقلاب وتقديم رؤيته لموضوع الإرهاب والثورة في مصر.
موكب المومياوات وحديث الهويَّة
في الثالث من أبريل، أقامت السلطات المصريَّة احتفالًا مهيبًا بمناسبة نقل المومياوات الملكيَّة من المتحف المصري بميدان التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصريَّة في منطقة الفسطاط بالقاهرة التاريخيَّة، وهو أحد أهم المشروعات التي أُنجِزت بالتعاون بين الحكومة المصريَّة ومنظمة اليونسكو.
كان يُمكِن لهذا الحدث التاريخي أن يَمر كما مَرَّت أحداث ثقافيَّة كبرى من قبل، ولكن جملة من الأمور أخرجته عن سياقه الثقافي، منها إصرار المسؤولين على إقامته في هذا الوقت الذي يُعاني فيه العالم كلُّه من وباءٍ يفرض حالة من الانكماش والكمون بل والشلل الكامل وتوقف حركة السياحة والطيران، وذلك لاستغلاله في الدعاية للنظام الحاكم عالميًّا وإلهاء الشعب وإشغاله داخليًّا، حيث يَرى البعض أنَّ هذه الاحتفاليَّة خطاب إشغالي للشعب، ونوع من رفع الروح المعنويَّة وتنفيس حالة الكدر والبؤس، خشية تحرُّك الناس أو انفجارهم، وأنَّ الأمر لا يعدو أن يكون “بروباجندا” مؤقتة تلهي المصريّين عن أزماتهم لوقت قصير ثم تذوب[26]. وقد تعدَّدت مظاهر هذا الإلهاء وموضوعاته التي أفردت لها وسائل الإعلام مساحات كبيرة لنشرها على نطاق واسع، بداية من ربط الكوارث التي شهدتها مصر بـ”لعنة الفراعنة”، ومرورًا بالحديث عن إيمان الفراعنة، والبحث عن سِرِّ جمال شعر الملكة «تي»، وانتهاء بإعلان الحكومة عن نيّتها تدريس اللغة الهيروغليفيَّة للأطفال في المدراس.
غير أنَّ أهم ما يمكن رصده من تبعات هذا الحدث هو الحديث عن الهويَّة المصريَّة، وهو الأمر الذي شهد جدلًا بين فريقيْن، يَخشى أوَّلهما من محاولات فك الارتباط بين مصر وعروبتها، ومن ثمَّ إسلامها، ويَرى أنَّ مصر عربيَّة إسلاميَّة، وأنَّ الفخر بالوطن وحضارته العريقة التي تمتد إلى ما يقرب من سبعة آلاف عام لا يَعنِي الانفصال عن الهويَّة التي استقرَّت عليها البلاد، كما أنَّه لا يَعنِي أيضًا إهمال هذا التاريخ القديم.
وفي هذا السياق، قارن بعض المهتمين بالآثار بين حال الآثار الفرعونيَّة التي تحظى باهتمام كبير من مؤسَّسات الدولة المختلفة والآثار الإسلاميَّة التي تعاني من الإهمال، واعتبروا ذلك جزءًا من توجُّه النظام المُعادِي للهويَّة الإسلاميَّة، وتداولوا صورًا ومقاطع فيديو لبعض الآثار التي تتعرَّض للتخريب والاندثار، ومنها قبر سلطان العلماء «العز بن عبدالسلام» الذي صَار كومة من الحجارة بين جدران مهدمة، ومسجد «صرغتمش الناصري» المجاور لمسجد أحمد بن طولون، والذي غرق في المياه وأحاطت به القمامة، ومئذنة جامع «عارف باشا» التي تريد الأوقاف هدمها، وترفض هيئة الآثار ترميمها بحجَّة عدم تسجيل الجامع ضمن الآثار المصريَّة، رغم أنَّ الجامع يَعود تاريخه إلى عهد السلطان «الناصر فرج بن برقوق»، وأنشأه الأمير «مقبل الملكتمري»، ويُعرَف باسم مُجدِّدِه الذي عاش في عهد الخديوي إسماعيل. وكان مسجد «المغربي» الأثري الذي يَعود تاريخه إلى العصر المملوكي ويَحتوي على أضرحة للسادة المالكيَّة قد هُدِم قبل ذلك.
وعلى الجانب الآخر، يُنادي الفريق الثاني بإحياء الهويَّة الفرعونيَّة، ويزعم أنَّ العروبة دخيلة على مصر، وأنَّ البلاد كانت للفراعنة قبل أن تكون عربيَّة، وأنَّها مهد الحضارة، ولا تنتمي للعرب رغم لغتها العربيَّة وإسلام شعبها، وأنَّ هويَّة مصر مستقلة منذ فجر التاريخ.
وقد استغل البعض الحدث في الإفصاح عن موقفه من الحضارة العربيَّة والانتماء العربي الإسلامي والهجوم عليهما، ومنهم «إسلام البحيري» المتهم بازدراء الدين الإسلامي، والذي هاجم ما وَصَفه بإسلام الخلفاء والفقهاء، مشيرًا إلى أنَّ الإسلام في “طبعته الأولى” لم يكن يريد أكثر من الإيمان القلبي وليس طمس هويَّة وحضارة من يؤمن به. كما ذهبت الكاتبة «فاطمة ناعوت» المعروفة بمناهضتها للإسلاميّين للقول بأنَّ “ما حدث خلال حفل موكب المومياوات الملكيَّة، سواء من القيادة السياسيَّة أو ردود فعل الشعب، يُعدُّ رسالة شديدة الوضوح تقول إنَّ الدولة وجموع الشعب يعلنون عن هويَّة مصر الحقيقيَّة التي لا نعرف غيرها، الهويَّة العِرقيَّة التي تنتمي لأعرق حضارات الأرض”[27]. أمَّا «خالد الجندي» فقد وَصَف الموكب بأنَّه “موكب الوفاء”، وأنَّ “آباء المصريّين هم الفراعنة”، وأنَّ “التعميم السفيه على كلِّ الفراعنة أنَّهم أهل كفر يؤكِّد أنَّ مَن يقول ذلك إمَّا جاهل أو مُتسِلِّف”، وأنَّ “محاولة طمس الهويَّة الفرعونيَّة هي كارثة، ومحاولة مستمرة لإقامة الخلافة التركيَّة في مصر”[28]، في إشارة منه إلى الخلافة الإسلاميَّة والداعين إلى وحدة المسلمين.
والحديث عن النزعة المصريَّة-الفرعونيَّة وعروبة مصر ما هو إلَّا صَدَى لجدال قديم، يرتبط بالحملة التي تعرَّض لها العالم الإسلامي، وفي القلب منه العالم العربي، لتمزيقه والقضاء على ما يَربط بين أبنائه من وحدة، تلك الوحدة التي تنطلق من عقيدة التوحيد، وتربط بين قلوب معتنقيها برباط متين، يستمد متانته من توافقهم على وحدة المنهج والغاية والمُهمَّة التي لأجلها خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض.
لقد عمل الاستعمار وأذنابه على تفتيت الشرق بإذكاء نيران الخلاف بين أبناء الأمَّة العربيَّة عن طريق تقوية النزعات الإقليميَّة المستندة إلى إحياء تراث ما قبل الإسلام، كالفرعوني في مصر، والفينيقي في لبنان، والآشوري في العراق، وتجاهل الماضي العربي، واعتبار العرب غزاة، والزعم بأنَّ لكلِّ قطر شعب، وكلّ إقليم له جنس وحضارة وماض وتراث. وهي محاولات مصطنعة مفتعلة، لأنَّ الأمَّة العربيَّة اتحدت منذ قرون في فكرها ومقوماتها. يقول المفكر السوري «محب الدين الخطيب»: “هل إحياء عنوان الأشوريّين في العراق بعد أن أماتته القرون، وإحياء العُرف البربري في شمال أفريقيا، وتأليف كتب نحو وصرف للغة البربريَّة إلَّا حلقات من سلسلة برنامج مرسوم ونحن نضع أعناقنا في هذه السلسلة لنختنق بها؟”[29].
كانت هذه الدعوة أشد ما تكون في مصر، حيث ارتبطت الدعوة إلى القوميَّة المصريَّة الضيّقة بالدعوة إلى الفرعونيَّة وإحياء ماضي مصر القبطي. وقد حشد الاستعمار لبث دعوة الفرعونيَّة كلَّ القوى، فكانت الصحف تسير في ركابه، تدعو كلّ يوم بهذه الدعوى، وتربط مصر الحديثة بماضيها القديم، وتتحدث عن الحضارة الفرعونيَّة.
وقد قامت الدعوة إلى القوميَّة المصريَّة على ثلاثة مرتكزات، هى الدعوة “المصريَّة” والدعوة “الفرعونيَّة” و”التيَّار القبطي”.
كانت الدعوة إلى “المصريَّة” تهدف إلى إقامة أدب محلي وفن فرعوني وإحياء التاريخ المصري القديم في حلقاته الثلاث: الفرعونيَّة والقبطيَّة والرومانيَّة، واعتبار العرب غزاة كالفرس والترك والإنجليز، والعمل على تمصير مصر في كلِّ شي، اللغة والفكر والتاريخ. وهذه الدعوة تغريبيَّة في حقيقتها، لأنَّها تتمحور حول الزعم بأنَّ المصريّين ليسوا من العرب، ولا من الشرق، ولكنهم يرتبطون مع الغرب في العقليَّة.
وقامت الدعوة إلى الفرعونيَّة على الزعم بأنَّ الصلة بيننا وبين العرب هي صلة غزو وليست رابطة أساسيَّة تقوم على أساسها الحياة الفكريَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في محيط الأمَّة العربيَّة، وأنَّ المصريّين أصلهم فرعوني، لأنَّ مصر قاومت كلَّ الغزاة وأثرت فيهم، بمن فيهم العرب، وأنَّ التراث الفرعوني القبطي صَمَد في وجه الفتح الإسلامي.
أمَّا التيَّار القبطي فهو ثالث مرتكزات القوميَّة الإقليميَّة في مصر، فقد ارتبطت الدعوة إلى المصريَّة بالماضي الفرعوني، وكان أبرز المنادين بالدعوة الفرعونيَّة من الأقباط الذين اتصلوا بدعاة التغريب ورجال الآثار الذين ركَّزوا على إحياء الفرعونيَّة في الثقافة والفكر والمجتمع، وكان دعاة الفرعونيَّة الأقباط يحاربون الاتجاه إلى الوحدة العربيَّة أو التراث الإسلامي، ويعملون في نفس الوقت على الربط بين الفرعونيَّة والقبطيَّة باعتبار أنَّ الأقباط هم خلفاء الفراعنة وورثة هذا التراث[30].
لم تقم الدعوة إلى الفرعونيَّة على تصورات واضحة، واكتنفها الغموض، فهي محض عاطفة لتاريخ لا شك في عظمته، ولكنه لم يترك لنا تراثًا فكريًّا حقيقيًّا يمكن أن تقوم على أساسه تلك الدعوة، فقد تجمَّدت الحضارة الفرعونيَّة منذ ظهور الإسلام، وفصلت بيننا وبينها قرون ترسخت خلالها الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة التي هيمنت على العقليَّة المصريَّة وربطت بين المصريّين وغيرهم من الناطقين بالعربيَّة. يقول «أحمد زكي باشا»في وَصْف ما بيننا وبين الحضارة الفرعونيَّة من صِلَة: “لو قدر لي أن أحيي الموتى، وقمت إلى مومياء فمسستها فاستقامت، وعلى الأرض مشت، وبيننا جَلسَت وتحدثت، وكان بيننا لغة مفهومة، فكم يطول بيننا الحديث على الفهم وعلى غير المَلَل، وقد اختلفت بيننا عقول واختلفت قلوب، واختلفت أرواح واختلفت نظرات إلى أشياء الحياة وأشياء ما بعد الموت؟ وخطر لي أنني سأكون أكثر ائتناسًا بالياباني أو الصيني أو الإنجليزي أو الأمريكي من أهل هذا العصر مني بهذا الذي ربطت بيني وبينه الدماء البعيدة، روابط رقق منها الزمان وهَلهَل، فكانت كنسيج العنكبوت، أو أشد رقة”[31].
الدراما الرمضانيَّة الموجَّهة
تقاطع النصف الثاني من شهر أبريل مع النصف الأوَّل من شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي صَار موسمًا لصنَّاع الدراما التليفزيونيَّة الذين يلهثون وراء كثافة المشاهدة وارتفاع أعداد المشاهدين من الأسر المصريَّة التي تلتف حول أجهزة التليفزيون في هذا الشهر. وهكذا ارتبط رمضان بكثرة المادة الدراميَّة المعروضة وتنوُّعها، حيث كان التليفزيون المصري يُقدِّم في البداية مسلسلات دينيَّة وتاريخيَّة واجتماعيَّة، ثم أخذت الدراما الدينيَّة والتاريخيَّة تتواري شيئًا فشيئًا إلى أن اختفت في عهد الانقلاب، وتركت مكانها لدراما الإلهاء التي تشغل الناس بما تحتوي عليه من قتل وعنف وبلطجة ومخدرات وفحش وإيحاءات جنسيَّة وخيانة زوجيَّة وسلوكيَّات اجتماعيَّة غير سويَّة، والدراما الموجَّهة التي تشرف الشركات التابعة للمخابرات على إنتاج أغلبها، ويَسعى من ورائها النظام إلى تغيير الصورة الذهنيَّة لمعارضيه، وتأكيد روايته الرسميَّة لكثير من الأحداث والوقائع، وتثبيت الأفكار التي يرسخها العسكر في عقول المصريّين منذ سنوات.
ولخطورة الدراما الموجَّهة، يكفي أن نعلم أنَّ الأعمال الدراميَّة قادرة على نقل الصورة وحَمْل الأفكار التي تعكس مفاهيم وقِيَم المشاهدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما يؤدي إلى التأثير فيهم، وتستطيع أيضًا أن تقدم صورة سلبيَّة عن طريق تقديم الشخصيَّات في صورة منفرة تجعل المشاهدين يرفضون من يحملها ويقدمها.
والدراما قادرة على التفاعل والتعامل مع الجمهور، وقادرة على تقديم نماذج مختلفة لفئات المجتمع وطبقاته، ولهذا فهي تمارس تأثيرها من خلال غرس صور معينة وانتزاع أخرى، سواء على مستوى الشكل أو النسق القِيَمِي أو إعادة ترتيب النسق القِيَمي السائد لدى الجمهور[32].
وللتليفزيون دور مهم في بناء الصورة الذهنيَّة، بل والعمل على قولبتها وترويجها، ويزداد تأثير هذه الصورة والقوالب في الأعمال الدراميَّة التي يقوم بتقديمها، لأنَّ المشاهد يكون أكثر استرخاءً عند تعرُّضه لها، ويكاد يتجرَّد من أدواته النقديَّة، ومن ثمَّ يوافق على أن يتم اختراقه وغزوه بهذا السيل المستمر من المعلومات والآراء والانطباعات والصور التي تقدمها الدراما، وكلما ازداد تعرُّض الأفراد لنفس المضمون ولذات الرسالة بشكل مُتكرِّر تشابهت الصور بدرجة كبيرة، وكلما زاد الوقت الذي يقضيه الفرد مع مشاهدة التليفزيون كان من المحتمل أن يبني هذا الفرد مفاهيم الواقع الاجتماعي بما يتطابق مع ما يقدمه التليفزيون عن الحياة والمجتمع، خاصَّة ما يتكرَّر عرضه من خلال التليفزيون[33].
أدرك النظام الانقلابي أهميَّة الدراما التلفزيونيَّة وتأثيرها الواسع منذ استيلائه على السلطة، حتى إنَّ السيسي حذرنجوم التلفزيون من أنهم سَيُحاسَبون إذا لم تعكس أعمالهم وجهة النظر الحكوميَّة وتظهرها بصورة إيجابيَّة، ولهذا فهو يُطلِق كتيبته الدراميَّة على مشاهدي التليفزيون في رمضان من كلِّ عام، وهو ما يمكن رؤيته هذا العام في مسلسلات من قبيل «الاختيار2» و«القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة».
تدور أحداث «الاختيار 2» حول الرواية الرسميَّة لفض اعتصامرابعة والنهضة في 2013م وما تلاه من أحداث، مثل أحداث مركز شرطة كرداسة. ويتناول مسلسل «القاهرة كابول» موضوع الإرهاب وأسبابه. أمَّا مسلسل «هجمة مرتدة» فيَتِم تعريفه بأنَّه من ملفات المخابرات المصريَّة التي اخترقت أجهزة المخابرات العالميَّة لتكشف مخططات الفوضى الخلاقة.
يدور كلُّ مسلسل من المسلسلات المذكورة حول كذبة مركزيَّة تتفرع عنها مجموعة أكاذيب أخرى، كتصوير المُعتصِمين في «الاختيار 2» على أنَّهم مسلحون ومتعصِّبون، وتصوير قوَّات الأمن وهي تمارس درجة عالية من ضبط النفس في التعامل معهم، وهو ما يتعارض مع ما شاهده العالم كلُّه من استخدام الذخيرة الحيَّة والجرَّافات والدبابات لتفريق المُعتصِمين الذين تعرَّضوا لعمليَّات قتل متعمَّدة وممنهجة، حتى إنَّ منظمة «هيومن رايتس ووتش»وَصَفت أحداث ذلك اليوم بأنَّها “واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد، في التاريخ الحديث”.وأكَّد تقريرها ضلوع الجيش المصري بالمذبحة، كما وثق تعمُّد قوَّات الأمن استهداف المستشفيات الميدانيَّة.وأكد تقرير المنظمة أنَّ أدلة قويَّة تشير إلى تعمُّد قوَّات الأمن المصريَّة إشعال الحرائق في منصة رابعة والمستشفى الميداني ومسجد رابعة بعيد السيطرة على مكان الاعتصام، كما أشار التقرير إلى إعدامات ميدانيَّة نفذتها قوَّات الأمن ضد المُعتصِمين الذين تمَّ إلقاء القبض عليهم[34]. ورَبْط الإرهاب في «القاهرة كابول» بالإسلاميّين والمجاهدين ضد الوجود الاستعماري في البلاد الإسلاميَّة، ومنها أفغانستان التي ذهب إليها المجاهدون العرب تحت سمع وبصر الحكومات العربيَّة وبمباركتها، ومنها الحكومة المصريَّة التي لم تقف في وجه هذا الزحف الجهادي المعادي للاتحاد السوفيتي إرضاءً لأمريكا، ثم اتهمت المجاهدين بالإرهاب، وكان لها دور كبير في الربط بين الإرهاب والإسلام فيما بعد. والزعم في «هجمة مرتدة» بأنَّ ثورة يناير 2011م كانت جزءًا من مخطط استخباراتي أجنبي لإغراق مصر في الفوضى، وهو ما يَعنِي ضمنيًا خيانة المشاركين فيها لوطنهم ووقوفهم ضد بلادهم.
والهدف النهائي لهذه الأعمال الدراميَّة هو رسم صورة ذهنيَّة تتكوَّن من عنصريْن رئيسيْن: الوطنيُّون، وهم أفراد الجيش والشرطة ومن يعاونهم ويؤيدهم من الأنصار والأتباع الذين يتبنون رؤيتهم ويصدقون روايتهم للأحداث. والخونة، وهم المعارضون الذين يريدون هدم الوطن وإغراقه في الفوضى، ولا يتورعون عن التعاون مع أعداء البلاد، ولهذا فإنَّ كلَّ ما يرتكبه الفريق الأوَّل من مجازر واعتداءات يدخل تحت بند الحفاظ على الوطن وحماية شعبه من الأشرار المتطرفين الذين يتخذون من الدين وسيلة للوصول إلى الحكم.
وقد يُقلِّل من أثر هذا الكذب ويُضعِف من قدرة المسلسلاتعلى تغيير الصورة الذهنيَّة وجود مصادر أخرى للاطلاع على الحقيقة، منها شهود العيان الذين ينشرون شهادتهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويدعمون تلك الشهادة بما لديهم من أدلة ووثائق، كما في نشر نصِّ حكم القضاء الذي يبرئ إحدى السيدات من تهمة تقديم “ماء النار” لضابط “صائم” في قسم شرطة كرداسة، وهو المشهد الذي رآه المشاهدون وانتشر على نطاق واسع من خلال الذباب الإلكتروني التابع للنظام. غير أنَّ تعامل النظام الحاكم مع المواطنين هو أفضل شهادة على كذب هذه المسلسلات، ففي الوقت الذي يظهر فيه الممثل الذي يؤدي دور ضابط الأمن الوطني وهو يؤكِّد لإحدى السيدات أنَّه لن يتعرَّض لأهلها، بل وسَيَحميهم، تنقل وسائل الإعلام خبر إلقاء القبض على أسرة كاملة بسبب نشر الأم لرسالة من ابنها المعتقل يخبرها فيها بأنَّه تعرض للتعذيب والاعتداء من عناصر الأمن في المعتقل.
ومع ذلك لا يُمكِن التهوين من خطورة مثل هذه المسلسلات، فهي تزوير للتاريخ وعَبَث بعقول الأجيال القادمة التي لم تكن شاهدة على الأحداث ويسهل خداعها، لأنَّ “الأعمال الدراميَّة قادرة على كتابة التاريخ بطريقة أخرى تختلف عن طريقة التوثيق المكتوب، وتتميَّز بكونها سهلة الوصول إلى الجمهور، باعتبار أنَّ الكثيرين عازفون عن القراءة حاليًّا، ويذهبون لمشاهدة العمل الدرامي من خلال وسائط العرض الذي تعدَّدت بعد الانتشار الكبير للفضائيَّات ووسائل التواصل الاجتماعي”[35]. أمَّا الخطر الآني فهو تعميق هوَّة الانقسام المجتمعي بين أبناء الشعب المصري، وهو ما يسهل سيطرة النظام الاستبدادي الحاكم. يقول الكاتب الصحفي «وائل قنديل»: “ما يُعرَض في مسلسل الاختيار-2 “ليس منتجًا دراميًّا أو إبداعًا فنيًّا تجديديًّا، بل هو أقرب إلى أن يكون قرار إعلان حرب على ما تبقى من مجتمع مصري يعافر ليكون متماسكًا وموحدًا،بمواجهة تحريض رسمي لم يتوقف على مدار ثماني سنوات على الاحتراب المجتمعي”[36].
ما زال النظام المصري يحاول السيطرة بشكل تام على المؤسسات الإعلامية في مصر، بل يمكن القول إن أطرافًا بعينها داخل النظام تحاول تحقيق هذا الهدف لمصالحها الشخصية. وقد تجلى ذلك خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي في استقالة وزير الإعلام، أسامة هيكل، التي اعتُبرت إقالة أكثر من كونها استقالة. هذا فضلًا عن إبعاد نقابيين من داخل مجلس نقابة الصحفيين، لأنهم محسوبون على المعارضة.
وزير الإعلام يستقيل تحت سهام المخابرات
كنا قد أنهينا الدفتر الإعلامي لشهر مارس/ آذار الماضي بالحديث عن مقالات للأكاديمي المصري الدكتور أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، انتقد فيها أداء الإعلام المصري ومذيعيه والرسالة التي يقدمها. لكن ربما كان أهم ما قيل في مقالات “ندا” هو المقال الذي حذفه بعد نشره بساعات، والذي وصف فيه مذيعي النظام المصري بأنهم “لا حول لهم ولا قوة، وليس لهم من الأمر شيء، ولا يجب أن نحملهم فوق طاقتهم”.[37]
حينها ركز الأستاذ الجامعي في انتقاداته على المقدم أحمد شعبان، الذي “يقف خلف المشهد الإعلامي ويمسك بكل الخيوط ويحرك كل العرائس”، كما خلع عليه “ندا” لقب “رئيس تحرير إعلام مصر والرئيس التنفيذي لمصر في المجال الإعلامي”. وبحسب المقال، قال الدكتور “ندا” إن هناك اتفاقًا على أن المقدم أحمد شعبان هو “أقوي رجل في المنظومة الإعلامية في مصر” وأن “صلاحياته لا حدود لها، وقراراته لا معقب عليها”.[38]
ومضى “ندا” ليبين حجم نفوذ ضابط المخابرات “شعبان” في المجال الإعلامي، قائلًا إن “الجميع يخافون منه ويتهامسون باسمه خوفًا من الجهر به لأن بطشه شديد وعقابه أليم، ولا أحد يخرج عن سلطانه ونفوذه اتقاء شره حتى أقرب المقربين من (الرئيس) السيسي”، مستدلًا بالإطاحة بالصحفي ياسر رزق، الذي كان مقربًا من السيسي لسنوات طويلة من منصبه في رئاسة مؤسسة “أخبار اليوم”.[39]
وشبه “ندا” الضابط أحمد شعبان، بصفوت الشريف، وزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وكتب: “قدرات شعبان الإدارية ومهاراته التنظيمية غير عادية، أقرب إلى صفوت الشريف في شكله وأدائه: نسخة عصرية ومحدثة منه، ويجمعهما العمل المخابراتي، وإن كانت تنقصه الحنكة السياسية”.[40]
حتى إن كثيرون حذروا “ندا” من التعرض لشخص أحمد شعبان، لأنه كما وصفه “رجل جيش ومخابرات من ناحية، ومقرب بشدة من اللواء عباس كامل (مدير المخابرات العامة) ومن محمود السيسي (ابن السيسي والضابط بالمخابرات العامة) من ناحية أخرى”.
وفي الحقيقة، فإن الكلام عن الضابط، أحمد شعبان، يتجدد من حين لآخر، حيث بات معروفًا بسطوته داخل الأوساط الإعلامية، حتى ولو كان نادر الظهور. هذه السطوة التي يتمتع بها شعبان طالت كل من يعمل في مجال الإعلام في مصر، حتى وزير الإعلام نفسه، أسامة هيكل، الذي اضطر مؤخرًا للاستقالة من منصبه “لظروف خاصة” كما ذكر البيان الحكومي.[41]
لكن من الجليّ أن هذه “الظروف الخاصة” هي ادعاء، و”تخريجة” إعلامية للاستقالة، فالهجوم على وزير الإعلام أمر معروف لكل من يتابع الحالة الإعلامية في مصر. ويمكن القول، إن “هيكل” هو الوزير الذي نال القدر الأكبر من الانتقادات اللاذعة من مذيعي النظام في مصر، إن لم يكن الوحيد. حتى إن أحد مذيعي التليفزيون الرسمي للدولة، والذي من المفترض أنه يخضع لإشراف “هيكل” شخصيًا، اتهم الوزير بتلقي الأوامر من جهات أخرى، وأذاع تسريبًا له في هذا السياق.[42]
الهجوم الإعلامي الكبير على وزير الإعلام ازداد بشكل ملحوظ بداية من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، حين كتب “هيكل” على صفحته في فيسبوك منشورًا ينتقد فيه الأداء الإعلامي في مصر، قائلًا “إن الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلوا حوالي 60 أو 65 % من المجتمع، لا يقرءون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات”.[43]
حينها انطلقت “الأذرع الإعلامية” للنظام في حملة متزامنة ومنظمة لتنتقد الوزير، ووصل الأمر إلى اتهامه بالإشتراك مع المعارضة المصرية في أجندتها، حيث قال أحد أقرب المذيعين للسلطة في مصر: ” لكن -ولأن الوهم أكل دماغ هيكل تمامًا- وجدته يواصل عبثه وهراءه وكلامه الفارغ، معتبرًا أنني مدفوع لأنتقده وأبين عواره وعورته، وهو منطق يليق بألسنة الإعلام (الوقحة) التي تنطلق ضدنا من قطر وتركيا”.[44]
هذا التزامن والتنظيم بين الإعلاميين في انتقاد “هيكل”، وقبل ذلك عدم خضوعهم لسلطته القانونية عليهم من الأساس، دل على أن هناك أطرافًا أخرى في الداخل المصري تمسك بأحبال هؤلاء الإعلاميين، ولا أقدر على القيام بهذا إلا الموصوف برئيس تحرير إعلام مصر، مقدم المخابرات، أحمد شعبان.
علاوة على ذلك، فإن حملة الإعلاميين على وزير الإعلام المستقيل أخذت أشكالًا أخرى غير الانتقاد الشفهي في برامجهم والمكتوب في جرائدهم. ففي بدايات شهر إبريل/ نيسان الماضي، عقد عدد من رؤساء تحرير الصحف والإصدارات الحكومية مؤتمرًا صحفيًا، طالبوا خلاله وزير الإعلام بالاستقالة.
وكذلك كان الأمر منظمًا بشكل كبير، حيث حضر المؤتمر رؤساء تحرير صحف كل من روز اليوسف، والأخبار، والجمهورية، والأخبار المسائي، والأهرام، والأهرام المسائي، والدستور، وصوت الأمة، والأهرام العربي، وموقع مبتدأ، ودار المعارف، ومجلة الهلال، ومجلة المصور، هذا بالإضافة إلى حضور صالح الصالحي، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.[45]
الهجوم لم يكن إعلاميًا فقط على وزير الإعلام المستقيل، الذي هو “ابن النظام” وأحد أقرب الإعلاميين إلى المجلس العسكري، بل اتخذ الأمر شكلًا قانونيًا بعد أن تقدم النائب في برلمان النظام، وعضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، المقربة من جهاز المخابرات، نادر مصطفى، باستجواب ضد “هيكل” يتهمه فيه بالفشل في أداء مهام منصبه، وتورطه بارتكاب مخالفات مالية وإدارية من خلال شغله منصب رئيس مجلس إدارة “الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي”.[46]
كما أصدرت لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان تقريرًا جاء فيه أن “هيكل” ارتكب مخالفات مالية وإدارية أثناء توليه منصبه، ومنها إهداره نحو 12 مليون جنيه من موازنة الدولة خلال ستة أشهر من توليه منصبه الوزاري، وتورطه في شراء فندق “موفنبيك” بمبلغ 300 مليون جنيه رغم امتلاك شركة الإنتاج الإعلامي للفندق، وإسناده تطوير مدينة “ماجيك لاند” لإحدى الشركات بـ”الأمر المباشر” من دون إعلان.[47]
تغيب “هيكل” عن حضور جلسة استجوابه في البرلمان مطلع إبريل/ نيسان الجاري، وتعرض إثر ذلك لمزيد من انتقادات إعلاميي النظام ونوابه. لكن من الواضح أن تغيب “هيكل” أتى بسبب اقتناعه بأنه يتعرض لحملة منظمة من أجهزة في الدولة، تستخدم أذرعها الإعلامية والبرلمانية لمهاجمة الوزير، الذي يطمح لتحقيق تغيير في المشهد الإعلامي المصري. وعليه، أتى قرار هيكل بالاستقالة من منصبه بعد أيام من تغيبه عن حضور الاستجواب.
مستقبل وزارة الإعلام
وربما من المناسب هنا التأكيد على أن كلًا من وزير الإعلام المستقيل والأكاديمي أيمن منصور ندا جزء من بنية النظام. حيث لم تتضمن مقالات “ندا” اعتراضًا على النظام ككل، بل على العكس من ذلك، طالب “ندا” رأس السلطة في مصر بالتدخل لإصلاح ما أفسده الإعلاميون. كما أن أسامة هيكل هو أحد أشهر المحررين العسكريين في مصر، وقد عينه المجلس العسكري وزيرًا للإعلام بعد ثورة 25 يناير 2011.[48]
وخلال عمله خدم “هيكل” النظام العسكري في كل الأحداث الدامية التي شهدتها مصر في هذه الفترة، مبررًا في ذلك اعتداءات المجلس العسكري، وممارسًا حملة ممنهجة لتشويه الثوار. كذلك أُغلق مكتب قناة “الجزيرة” الفضائية بالقاهرة في عهده، بدعوى عملها من دون تصريح. كما وضعته قيادات الجيش في تحالف انتخابي مدعوم من النظام عام 2015، ليشغل رئاسة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب.[49]
إذن، فإننا نتحدث عن رجلين لم يثورا أو يعارضا النظام، بل فقط أرادوا عمل إصلاحات داخلية تحت مظلة النظام الانقلابي نفسه؛ إلا أن هذا لم يتسنّ للرجلين. فأحدهما قدم استقالته تحت وطأة سهام إعلام السلطة وبرلمانها، والآخر حذف مقاله تحت الضغط، وفتحت النيابة العامة تحقيقًا ضده بدعوى إهانة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وسب أعضائه، كما أوقفته جامعة القاهرة عن عمله كأستاذ جامعي.[50]
هذا المشهد يشي بأن الضابط أحمد شعبان، لن يرضى بأن يشاركه أحد في قبضته على المؤسسات الإعلامية المصرية، ولذلك فإن رجوع النظام لإلغاء وزارة الإعلام مرة أخرى هو خيار محتمل. وقد ألمح أحد إعلاميي النظام إلى ذلك بعد استقالة الوزير، قائلًا: “الاستقالة كانت متوقعة، لأن حسب الدستور والقانون لا يوجد دور لوزير الإعلام في إدارة الإعلام الفترة القادمة”.[51]
لكن إلغاء وزارة الإعلام ليس مؤكدًا حتى الآن، حيث من الممكن أن يلجأ النظام لتعيين رئيس المجلس الأعلى للإعلام، كرم جبر، وزيرًا للإعلام؛ وخصوصًا لأنه كان أحد أشد المسؤولين معارضة وانتقادًا للوزير المستقيل.[52]
إبعاد معارضين داخل نقابة الصحفيين
لم تكد تمر أيام على انتهاء انتخابات نقابة الصحفيين، وبدأت الخلافات داخل مجلس النقابة في البروز. وكما فصَّلنا في الملف السابق لشهر مارس/ آذار، فإن أجهزة السلطة في مصر قد تدخلت بأكثر من طريقة لضمان نجاح مرشحها في الانتخابات. وبالفعل، فاز النقيب ضياء رشوان بدورة جديدة كنقيب لصحفيي مصر.[53]
ورغم التدخل السافر في الانتخابات، فاز عضوان من المحسوبين على تيار المعارضة داخل النقابة، وهما محمد خراجة، ومحمد سعد عبد الحفيظ، بعد انتهاء دورتهما النقابية السابقة مباشرة، لينضما بذلك إلى عضوين معارضين آخرين وهما هشام يونس، ومحمود كامل، المستمرين من الدورة النقابية السابقة، والباقي لهما في المجلس عامان إضافيان.[54]
لكن اتضح سريعًا أن تأثير هذا الإنجاز الضيق سيكون ضيئلًا وقصيرًا، حيث استُبعد هؤلاء الأعضاء الأربعة من تشكيل هيئة مكتب مجلس النقابة ولجانه المختلفة، وذلك بعد اعتراضهم على توزيع اللجان، خاصة بعد الإصرار على تولي محمد شبانة، الصحفي المحسوب على النظام، منصب سكرتير عام نقابة الصحفيين مجددًا، وتولي إبراهيم أبو كيلة منصب وكيل النقابة، ورفض النقيب ضياء رشوان وباقي أعضاء المجلس اللجوء إلى التصويت لحسم الأمر.
وكان محور اعتراض هؤلاء الصحفيين هو مخالفة ترشح أبو كيلة وشبانة لفتوى صادرة من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تقضي بعدم جواز ترشحهما، بعد أن عُيّنا في مجلس الشيوخ.[55]
لكن الأغرب، أنه بعد استبعاد الأعضاء الأربعة من تشكيل اللجان، وُزعت اللجان كلها على باقي أعضاء المجلس، على أن يتولى كل منهم إدارة اثنتين معًا، وبذلك أصبح الصحفي خالد ميري وكيل النقابة ورئيس لجنتي القيد والتحقيق، وإبراهيم أبو كيلة وكيل النقابة ورئيس لجنتي التسويات والتشريعات، ومحمد شبانة السكرتير العام للنقابة، وحسين الزناتي أمين الصندوق ورئيس هيئة التأديب وعضو لجنة القيد.
كما أصبح أيمن عبد المجيد وكيل النقابة ومقرر لجنة الرعاية الاجتماعية والصحية ولجنة النشاط وعضو القيد الاستئنافي وعضو هيئة التأديب، ومحمد يحيى يوسف مقرر لجنتي الإسكان والخدمات والتكنولوجيا والسكرتير العام المساعد وعضو لجنة القيد وعضو هيئة التأديب، وحماد الرمحي مقرر لجنة التدريب والسكرتير العام المساعد وعضو لجنة القيد الاستئنافي، ودعاء النجار مقررة لجنتي الحريات وشؤون المرأة والمشرفة العامة على جوائز الصحافة المصرية.[56]
وبالطبع، فإن هذا التشكيل الداخلي للجان واستبعاد صحفيين فائزين في الانتخابات من التواجد في التشكيل، يدلان على أن النظام وتابعيه لا يهمهم فعالية المؤسسات التي يديرونها، ومدى الرضى الشعبي عن الخدمات التي تقدم له، بقدر ما يهمهم أن يسيطروا على كل أماكن التأثير، وأن يُحيدوا أي معارضة للخط العام الذي يرسمه النظام، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة.
وقد أصدر الأربعة المستبعدون بيانًا مشتركًا جاء فيه: “فوجئنا منذ اليوم الأول لانتهاء انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة بكل ما أثير حولها من جدل، بمحاولات عدد من أعضاء المجلس للهيمنة والاستحواذ منفردين بإدارة النقابة بالمخالفة لكل التقاليد والأعراف النقابية، وتحديًا لإرادة الجمعية العمومية، وبأسلوب التمكين والمغالبة التي لا تصلح لإدارة مؤسسة عريقة وقديمة كنقابة الصحفيين”.
وأضاف البيان الذي أرسله الأعضاء الأربعة المستبعدون: “إننا لم نخسر، فقد كسبنا احترامنا لأنفسنا ولمن انتخبونا، وسنظل على عهدنا مدافعين عن كل قيمة ومواجهين لكل نقيصة، وسنكون معكم ومع مصالحكم وقضاياكم الحقيقية”، مشيرين إلى أنهم بصدد اتخاذ خطوات قانونية ونقابية دفاعًا عن الحقوق وعن الكيان النقابي.[57]
المصادر
[1]الجزيرة، “الاختيار 2” يعيد مأساة فض رابعة لواجهة المشهد ويجدد الانقسام بالشارع المصري، 18 إبريل 2021.
[2]الجزيرة، بينهم مواطن ثمانيني.. غضب بمنصات التواصل لإعدام متهمي كرداسة، 27 إبريل/ نيسان 2021.
[3]الجزيرة، بسبب الظروف الأمنية والصحية.. السيسي يعلن حالة الطوارئ في مصر لمدة 3 أشهر، 25 إبريل/ نيسان 2021.
[4]اليوم السابع، الحكومة تطلف البرنامج الوطني للاصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني، 27/4/2021
[5]قاعدة بيانات البنك الدولي، مؤشر التكنولوجيا المتقدمة، الأسعار بالدولار الأمريكي،
https://data.albankaldawli.org/indicator/TX.VAL.TECH.CD?view=chart
[6]المركز المصري للدراسات الاقتصادية، معدلات تغير المؤشرات خلال الفترة 2018 – 2020 ودلالاتها،
[7]بوابة الأهرام، وزيرة التضامن الاجتماعي: تطوير أول قاعدة بيانات عن الأسر الفقيرة تشمل 8.5 مليون أسرة، 1/2/2021
[8]البنك المركزي المصري، النشرة الاحصائية الشهرية مارس 2021، جدولي 33 و36.
[9]وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، عدد شهر فبراير 2021، ص 1.
[10]CNN، بتوجيهات من السيسي..مصر ترسل مساعدات طبية لأمريكا وتدعمها في المعركة ضد فيروس كورونا، 21/4/2020
[11]اليوم السابع، وزير النقل: طلبت من الرئيس 200 عربية قلاب قالي هات ألف وملكش دعوة بالفلوي، 26/4/2021
[12] الموقع الرسمي لمجلس النواب. حصاد المجلس 27 أبريل
[13] bbc. ختان الإناث هل تشديد العقوبة هو الحل. فبراير 2021. https://bbc.in/3wuK5hs
[14] bbc. ختان الإناث في مصر مجلس النواب يقره بشكل نهائي. 25 أبريل . https://bbc.in/3eKMRqV
[15] بوابة الأهرام. النواب يوافق على نهائيا على تعديل قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس. 25 أبريل
[16] الموقع الرسمي لمجلس النواب.. حصاد الأسبوع. 27 أبريل
[17] نقابة المحامين. قانون 87 لسنة 2015
[18] الأخبار. البرلمان يناقش قانون الكهرباء. 27 أبريل
[19] مباشر. النواب يوافق على تعديل قانون صندوق تحيا مصر. 27 أبريل
[20] مدى مصر.. كيف تخلص صندوق السيسي من الرقابة على ملياراته.. 22 مارس 2016..
[21] بوابة الاهرام. مجلس النواب يوافق على قرار رئيس الجمهورية قم 109 لسنة 2021. 25 أبريل
[22] الشروق. النواب يوافق على منحة ألمانية لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. 27 أبريل
[23] اليوم السابع. مجلس النواب يوافق على تمديد الطوارئ. 27 أبريل
[24] مباشر. النواب المصري يوافق على اتفاقيتي “تلوث الهواء” و”الإغاثة الإنسانية”. 11 أبريل https://bit.ly/3eaUs2R
[25] المصري اليوم. كلمة كامل الوزير أمام البرلمان. 26 أبريل 2021
[26]الجزيرة، تمحور حول الهوية والجدوى.. نقل المومياوات يشعل الجدل المستمر بمصر، 8 أبريل 2021م، https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/4/8
[27]المصدر السابق.
[28]المصري اليوم، الفراعنة كان فيه منهم مسلمين.. خالد الجندي: آباؤنا ونفتخر بهم، 8 أبريل 2021م، https://www.almasryalyoum.com/news/details/2307308
[29]رصيف 22، عن معركة أشعلها طه حسين عام 1933… هل نحن عرب أم فرعونيون وفينيقيون وأشوريون؟ 9 يونيو 2018م، https://raseef22.net/article/150289
[30]الجندي، أنور. تاريخ الغزو الفكري والتغريب خلال مرحلة ما بين الحربن العالميتين، القاهرة، دار الاعتصام، 1988م، ص145-148.
[31]الحصري، ساطع. آراء وأحاديث في القومية العربية، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1951م، ص101-102.
[32]السيد، محمد عبدالبديع. دور الدراما في تكوين الصورة الذهنية للمتدين لدى الشباب المصري، مجلة كلية الإعلام، جامعة جنوب الوادي، العدد الأول، يناير 2017م، ص9.
[33]المصدرالسابق.
[34]عربي 21، هذه حقيقة مذبحة رابعة كما وثقتها “هيومن رايتس ووتش” في 2014، 27 أبريل 2021م، https://arabi21.com/story/1352139/
[35]البوابة، الدراما الرمضانية على خط النار، 21 أبريل 2021م https://www.albawabhnews.com/4324537
[36]بي بي سي، الاختيار 2: اتهامات متبادلة حول فض اعتصام رابعة يثيرها مسلسل رمضاني، 19 أبريل 2021م ، https://www.bbc.com/arabic/inthepress-56800413
[37] مركز المسار للدراسات الإنسانية، دفاتر مصرية ـ مارس 2021، 13 إبريل/ نيسان 2021
[38] قناة الجزيرة مباشر،المقال المحذوف .. الضابط أحمد شعبان أقوى رجل في منظومة الإعلام المصري، 18 مارس/ آذار 2021
[39] المصدر نفسه
[40] القدس العربي، أستاذ جامعي مصري يعتذر عن مقالات هاجم فيها سيطرة المخابرات على الإعلام، 21 مارس/ آذار 2021
[41] المصري اليوم، وزير الإعلام يستقيل.. ومتحدث الحكومة: لظروف خاصة، 26 إبريل/ نيسان 2021
[42] القناة الأولى المصرية، التاسعة| استهجان واسع بعد طعن أسامة هيكل في الإعلام المصري، 17 أكتوبر / تشرين الأول 2020
[43] الصفحة الرسمية للوزير أسامة هيكل، وزير الإعلام: الأعمار أقل من 35 سنة لا يقرءون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، 12 أكتوبر / تشرين الأول 2020
[44] الصفحة الشخصية لمحمد الباز على “فيسبوك”، الوهم الذى يأكل دماغ أسامة هيكل، 17 أكتوبر / تشرين الأول 2020
[45] الوطن، رؤساء تحرير صحف قومية وخاصة يطالبون بإقالة وزير الدولة للإعلام، 4 إبريل/ نيسان 2021
[46] أخبار اليوم، لماذا يتهرب وزير الإعلام من المثول أمام «النواب»؟، 4 إبريل/ نيسان 2021
[47] الشروق، بعد استقالته من منصب وزير الدولة للإعلام.. هيكل والبرلمان: مسار زمني، 25 إبريل/ نيسان 2021
[48] فرانس 24، الحكومة المصرية الجديدة برئاسة كمال الجنزوري تؤدي اليمين الدستورية، 7 ديسمبر/ كانون الأول 2011
[49] العربي الجديد، سقوط استجواب أسامة هيكل في البرلمان المصري بعد استقالته، 25 إبريل/ نيسان 2021
[50] درب، بعد تحقيق النيابة في البلاغات المقدمة ضده.. جامعة القاهرة تقرر إيقاف الدكتور أيمن منصور ندا عن العمل، 29 مارس/ آذار 2021
[51] قناة الشمس، تحت الشمس – تعليق د. معتز عبد الفتاح يعلق على استقالة وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل من منصبه، 26 إبريل/ نيسان 2021
[52] بوابة الوفد، بعد استقالة أسامة هيكل.. أبرز المُرشحين لتولي حقيبة “وزارة الدولة للإعلام”، 25 إبريل/ نيسان 2021
[53] مركز المسار للدراسات الإنسانية، دفاتر مصرية ـ مارس 2021، 13 إبريل/ نيسان 2021
[54] الوطن، بالأرقام.. نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين 2021 كاملة: رشوان نقيبا، 3 إبريل/ نيسان 2021
[55] القدس العربي، أزمة في تشكيل هيئة مكتب نقابة الصحافيين المصريين، 23 إبريل/ نيسان 2021
[56] العربي الجديد، مصر: استبعاد 4 أعضاء معارضين من هيئة نقابة الصحافيين، 23 إبريل/ نيسان 2021
[57] المصري اليوم، المستبعدون من هيئة مكتب «الصحفيين»: 8 أعضاء شكلوها في غياب النقيب بعد انسحابنا، 24 إبريل/ نيسان 2021