ترجمات - رؤية “ديكال” لمستقبل إدارة غزة ما بعد الحرب
المحتويات |
---|
مقدمة |
رؤية سياسية غير واضحة |
رؤية حماس قبل بدء العملية |
رؤىة إسرائيل للحرب |
ضغوط متزايدة |
مقترح سياسي |
خلاصات وتعقيبات على رؤية ديكال |
مقــــــــــــــــدمــــــــــــــــــة
يتزايد الحديث، خاصة في الأوساط الإسرائيلية والغربية، حول مستقبل قطاع غزة، بعيد انتهاء الحرب الدائرة. إذ تناقش الأطراف المختلفة مستقبل الحكم في غزة، مفترضين ضمنيًا تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي لانتصار عسكري في حملته الجارية.
وإزاء ذلك، نحاول في “مركز المسار للدراسات الإنسانية” رصد أهم الأوراق والرؤى التي تصدرها مراكز بحثية أجنبية في هذا الصدد، سعيًا لفهم الخيارات التي تدور في ذهن صانع القرار الإسرائيلي أو الغربي، وأي هذه الخيارات أقرب لتصورات الحكومة الإسرائيلية.
ومؤخرًا، كتب العميد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أودي ديكال، ورقة مطولة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يتحدث فيها عن ضرورة وجود إستراتيجية سياسية واضحة لإسرائيل، إلى جانب الإستراتيجية العسكرية، حتى تحافظ “إسرائيل” على الشرعية الدولية لحربها.
ومن خلال هذه الورقة، قدم الجنرال الإسرائيلي الموجود على قوة الاحتياط حاليًا، رؤية سياسية إستراتيجية، يقترح أن يقدمها الاحتلال الإسرائيلي للمجتمع الدولي وأنظمة التطبيع العربية.
ويرجع اختيارنا لترجمة هذه الورقة، إلى ثقل الكاتب في الأوساط الفاعلة في صياغة الاستراتيجية الإسرائيلية. إذ تولى ديكال منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي لمدة 10 سنوات تقريبًا، ويرأس حاليًا برامج الساحة الفلسطينية.
وقد شغل “ديكال” العديد من المناصب المهمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مجالات الاستخبارات والتعاون العسكري الدولي والتخطيط الاستراتيجي. حيث رأس قسم التخطيط الاستراتيجي في القيادة العامة في الجيش الإسرائيلي. وقبل ذلك كان رئيسًا لشعبة العلاقات الخارجية وقائدًا لوحدة الاتصال بالأجانب في جناح العمليات، ورئيسًا لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات بالقوات الجوية.
كذلك ترأس “ديكال” اللجنة الثلاثية لإسرائيل لدى الأمم المتحدة ولبنان بعد حرب لبنان الثانية، ورأس اللجان العسكرية مع مصر والأردن، كما كان رئيسًا لمجموعات العمل للتنسيق الاستراتيجي والعملياتي مع الولايات المتحدة. وشارك أيضًا في لجنة تحديث مفهوم الأمن عام 2006، واضطلع بتنسيق صياغة استراتيجية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
والجدير بالذكر أن “مركز المسار” يستهدف بترجمة هذه الورقة تقديمها للباحثين والمهتمين العرب، لفهم ما يدور داخل عقل متخذي القرار لدى الاحتلال الإسرائيلي من أفكار ورؤى تجاه قطاع غزة. علاوة على هذا، سنضيف بعض التعليقات على ما جاء فيها في نهاية هذا الملف.
رؤية سياسية غير واضحة
يستهل الجنرال الإسرائيلي مقاله بالقول إنه “في حين أن الأهداف العسكرية العملياتية لحرب “السيوف الحديدية”، كما حددتها الحكومة الإسرائيلية واضحة، إلا أنه لم يُطرح أي هدف أو رؤية سياسية منهجية لهذه الحرب”.
ونتيجة لذلك، تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل -حسب وجهة نظره- لتقديم رؤية سياسية وتحديد أهداف سياسية تتوافق مع التحركات العسكرية للقتال.
وللخروج من هذا الفخ الذي وقعت فيه اسرائيل، ينصح أودي ديكال بـ “تقديم خطة سياسية هدفها الأساسي تشكيل حكومة تكنوقراط لقطاع غزة، بدعم ومشاركة الدول العربية البراغماتية والمجتمع الدولي، وبالتنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية”.
وزعم ديكال أن الدعم واسع النطاق لهذه الرؤية “سيجعل من الممكن في الواقع تحقيق الاستقرار في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وفي الوقت نفسه سيساهم في تجديد عملية التطبيع الإقليمي مع إسرائيل، وإقامة هيكل إقليمي جديد ومعتدل، وهو ما سيضعف المحور الراديكالي بقيادة إيران”.
وأوضح العميد الإسرائيلي أن الغرض من حرب “السيوف الحديدية”، كما صرحت الحكومة الإسرائيلية، هو تدمير قدرات حماس الحكومية والعسكرية، وخلق واقع جديد في قطاع غزة لا تتمكن من خلاله (حركة المقاومة الإسلامية) حماس من تجديد سيطرتها على القطاع، هذا إضافة إلى إعادة جميع الأسرى لدى حماس.
رؤية حماس قبل بدء العملية
ادعى ديكال أن رؤية قادة حماس وكتائب القسام في قطاع غزة قبل العملية تمثلت في اعتقادهم بأن شنهم لهجوم مباغت واسع النطاق سيكشف ضعف وهوان إسرائيل، في وقت يمر فيه المجتمع الإسرائيلي بانقسام واستقطاب واسعيْن، معتقدين -حسب ادعائه- أن ذلك سيثير استنفارًا عربيًا واسعًا وتصعيدًا في الساحات الأخرى، وهو ما سيكون فرصة لإخضاع إسرائيل.
وتابع: “وبالفعل كانت نتائج هجوم حماس واسعة النطاق ومريعة، ويرجع ذلك بالأساس إلى انهيار النظام الدفاعي للجيش الإسرائيلي”، مضيفًا أن “الهجوم جعل إسرائيل تدرك أن لن يكون هناك استيطان في النقب ما دامت حماس تسيطر على قطاع غزة وتحتفظ بذراع عسكري مسلح، يضع تدمير دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية فلسطينية على كافة أراضيها هدفا رئيسيا ووحيدا له”.
ووفقًا لمزاعم الضابط الإسرائيلي السابق، تحطمت -حتى الآن افتراضات ثلاثة لقادة حماس:
الافتراض الأول: الهجوم المفاجئ الذي تشنه حماس سيؤدي إلى حرب إقليمية
فرغم أن مشهد الحرب يمتد إلى ما هو أبعد من قطاع غزة. حيث يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن حركة حماس جزء لا يتجزأ من المحور الذي تقوده إيران، إلا أنه برغم أن الحملة الحالية تتضمن تصعيدًا في الساحة الشمالية، وأن وكلاء إيران ينشطون ضد إسرائيل بين الحين والآخر بإطلاق الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار من سوريا واليمن والعراق. إلا أن كل ذلك يأتي في إطار ضبط خطوات التصعيد تحت عتبة الحرب، ولم يتطور الى حرب اقليمية كما افترضت حماس.
وكذلك بالرغم من ظهور التصعيد في ساحة الضفة الغربية، التي تغلي متأثرة بالحرب في قطاع غزة، مع تزايد نشاط الجيش الإسرائيلي الهادف إلى تفكيك البنية التحتية لحماس وفصائل المقاومة الأخرى هناك. لكن لم تشتعل النيران في الضفة الغربية والقدس، ولا في الشارع العربي أو الداخل الإسرائيلي (في إشارة إلى عرب 48). وبالتالي فإن الأمور لم تتطور بعد إلى حرب إقليمية واسعة،
الافتراض الثاني: ستمتنع إسرائيل عن القيام بمناورة برية في عمق القطاع ردا على الهجوم
إن إسرائيل، التي فوجئت ودخلت في حالة حرب، قامت بالفعل بمناورة برية في عمق قطاع غزة ولجأت إلى عملية عسكرية واسعة النطاق، بهدف اقتلاع حكم حماس وتفكيك البنية التحتية لكتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى، وهي عازمة على مواصلة الهجوم حتى لو استمر عدة أشهر.
الافتراض الثالث: ستسارع الولايات المتحدة إلى إيقاف إسرائيل
ومن المثير للدهشة، في ضوء التوتر الذي كان قائمًا بين إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والحكومة الإسرائيلية، أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل، ونشرت قواتها في المنطقة لمنع نشوب حرب إقليمية تستهدف اسرائيل، وأصبحت في الواقع شريكًا في هدف إسقاط حماس، وفق العميد الإسرائيلي.
رؤية إسرائيل للحرب
وأوضح الكاتب أن “حكومة الاحتلال الإسرائيلي صاغت فكرة إستراتيجية عملياتية كانت أهدافها العسكرية محددة. وهي تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وتجريد القطاع من القدرات العسكرية، وتهيئة الظروف لاستمرار حرية العمل العسكري لإسرائيل في قطاع غزة للحيلولة دون إعادة نمو حماس، وضمان وجود شريط أمني كثيف على طول حدود القطاع لتوفير الظروف الأمنية اللازمة لعودة الاستيطان في النقب الغربي، وإيجاد حل عملي وفعال لمنع تعزيز قوة حماس والفصائل الأخرى من خلال إغلاق محور “فيلادلفيا” بشكل محكم وفحص أمني فعال عند معبر رفح، إضافة إلى منع توسع ساحة الحرب إلى جبهات إضافية مع التركيز على الساحة الشمالية”.
جدير بالذكر أن محور فيلادلفيا (وفق التسمية العبرية) هو محور صلاح الدين، وهو يشير إلى الشريط الحدودي الضيق داخل أراضي قطاع غزة، ويمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر.
لكن في المقابل، يعتقد العميد الإسرائيلي أودي ديكال أن “الحكومة الإسرائيلية تجد صعوبة في صياغة فكرة إستراتيجية على المستوى السياسي”؛ إذ أوضح أنه “بصرف النظر عن عودة جميع المختطفين، لم تحدد الحكومة الإسرائيلية ما تريد الوصول إليه سياسيًا، لكنها فقط حددت ما لا تريده”.
ووفق الكاتب، “فقد حددت الحكومة الإسرائيلية أنه لن يكون لحكم حماس وجود في غزة، وأن حالة الفوضى لن تتطور في المنطقة، ولن يكون هناك حكم وإدارة عسكرية إسرائيلية في القطاع، ولن تكون المنطقة تابعة لإسرائيل، ولن تطلق عملية سياسية شاملة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تشمل قطاع غزة والضفة الغربية، كذلك لن تعود السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع، بسبب ضعفها وعدم كفاءتها، وأيضا خوفًا من أن يكون ذلك خطوة أولى نحو تسوية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين”.
وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وغيره من القادة الغربيين صرحوا علنًا بأهمية “الإطار السياسي” للمعركة، فبالنسبة لهم، لا توجد مساحة للعمل العسكري دون أن يصاحبها أهداف سياسية واضحة.
وذكرت الورقة أن “خطوط السياسة الأمريكية، كما عرضها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هي كالتالي: غزة لن تظل منصة للإرهاب، ولن يكون هناك احتلال إسرائيلي لقطاع غزة، ولن تتقلص مساحته، ولن يكون هناك تهجير قسري للسكان الفلسطينيين، ولن يفرض أي حصار على القطاع، وستُنشأ آلية لترميم القطاع، وستكون إدارة القطاع في أيدي الفلسطينيين، مع توحيد الضفة الغربية والقطاع تحت إدارة السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه ستُهيأ الظروف لتسوية سياسية شاملة، على أساس حل الدولتين”.
ضغوط متزايدة
ولأن إسرائيل لا تطرح علنًا الاتجاه السياسي الذي تنوي تبنيه، فإن الضغط السياسي -حسب رأي العميد الإسرائيلي- يتزايد عليها، بدءا من الولايات المتحدة وأصدقائها في الغرب، وكذلك من دول “السلام” في الشرق الأوسط (المقصود دول التطبيع مع الاحتلال مثل مصر والإمارات والأردن والمغرب والبحرين)، والشركاء المحتملين في المنطقة (في إشارة إلى السعودية).
ويقول أودي ديكال: “ومثل الولايات المتحدة، فإن الأنظمة المعتدلة في المنطقة، الشريكة في عملية التطبيع مع إسرائيل، لديها مصلحة في الحفاظ على خيار تصميم بنية إقليمية جديدة ومعتدلة”.
واستدرك: “لكن الحرب تمثل تحديات بالنسبة لهم داخل دولهم، كما أن عدم الوضوح فيما يتعلق بالأهداف السياسية لإسرائيل يجعل التعامل مع الأمر صعبًا بالنسبة لهم”.
وأكمل: “فعلى سبيل المثال، مصر والأردن مقتنعتان بأن إسرائيل لديها خطة لدفع السكان الفلسطينيين باتجاه كل منهما، بينما تخشى الدول الغربية أن تعمل إسرائيل -بالتزامن مع الحرب ضد حماس في قطاع غزة- على انهيار السلطة الفلسطينية”.
وأوضح أن “التقييم الأخير يدعمه تقليص إسرائيل للأموال المحولة إلى السلطة الفلسطينية، وزيادة أعمال الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتجاهل الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع جرائم المستوطنين المتطرفين في الضفة”.
كذلك حذر من أن “الافتقار إلى الهدف السياسي الإستراتيجي يصعب على إسرائيل الحفاظ على الشرعية الدولية، وهو أمر ضروري بالنسبة للجيش الإسرائيلي، حتى يحظى بالوقت الكافي لاستكمال الأهداف العسكرية للحرب”.
ومن ثم أعاد التأكيد على وجود طريقة للحفاظ على الشرعية الدولية، وذلك عبر “صياغة مسار سياسي، يوضح للعالم وجهة المعركة السياسية، ويحدد إلى أين توجه إسرائيل جهودها في ساحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي عاد إلى بؤرة اهتمام الساحتين الدولية والعربية، خلافًا للرغبة الإسرائيلية”.
مقترح سياسي
وفصّل الكاتب المسار السياسي الذي يقترح على دولة الاحتلال الإسرائيلي المضي فيه وتقديمه للعالم، حيث تحدث عن مصلحة إسرائيل في ألا تلغي الإطار التنظيمي القائم لاتفاق أوسلو الثاني (اتفاق طابا – 1995)، والذي بموجبه مُنح الفلسطينيون خيار الحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكذلك عدم إلغاء المطالب التي قدمتها اللجنة الرباعية (روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) عام 2006 للاعتراف بتشكيل الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ وهي الاعتراف بدولة إسرائيل، والاعتراف بالاتفاقيات التي عقدت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتخلي عن العنف في مواجهة إسرائيل.
وتابع العميد الإسرائيلي: “وفي ضوء حكم حماس لغزة منذ 16 عامًا، وكذلك نظرًا لعدم قدرة السلطة الفلسطينية على العودة للقطاع والسيطرة عليه، وذلك بسبب ضعفها وفشلها المحقق في اختبار السيطرة على الضفة الغربية، لا بد من السعي لتشكيل قيادة أخرى في القطاع”.
وحول آلية تشكيل هذه القيادة المزعومة، يقول الكاتب إن “أحد الاقتراحات الممكنة هو تشكيل إدارة تكنوقراط، لا تنتمي لحماس ولا لفتح. وستستمد إدارة التكنوقراط شرعيتها من السلطة الفلسطينية، وذلك بناء على موافقة السلطة على منحها مقاليد الإدارة في القطاع، وإمدادها بالغلاف الاقتصادي، وستكون السلطة الفلسطينية بمثابة قناة لنقل التبرعات والموارد الواردة من المجتمع الدولي، وذلك باعتبارها الحكومة الرسمية”.
وأجمل الكاتب اقتراحه في “تشكيل إدارة تكنوقراط، تدير بشكل فعال الحكومة المحلية وجميع إدارات الحياة المدنية، بما في ذلك حفظ النظام ومنع الفوضى وكبح محاولات الاستيلاء المتوقعة من قبل عناصر جامحة، وتطوير الحياة الاقتصادية في القطاع”.
لكنه يحذر من أن التحدي الرئيسي أمام هذا الاقتراح هو تجدد نشاط حركة حماس، التي يقر بأنها تسكن قلوب نسبة كبيرة من أهالي قطاع غزة، فوفقًا لزعمه، فإن 40 بالمئة من أهالي غزة يدعمون حركة حماس.
ولذا، فإن المطلوب، حسب ديكال، هو “الدعم من المجتمع الدولي والأنظمة العربية البرغماتية”، بحيث “يوفر هذا الدعم مشاركة فعالة في إدارة القطاع”.
وبالرغم من نظرته السلبية لتجارب الاعتماد على قوات حفظ السلام المشتركة، يرى أنه من الضروري أن “تطالب إسرائيل -قبل انسحاب جيشها من قطاع غزة- بنشر قوة عمل عربية، ستعمل ضمن إطار دولي واسع، يكون دورها مساعدة الإدارة التكنوقراطية، وكذلك المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة، لضمان وصول المساعدات الإنسانية الهادفة إلى دعم السلطة المحلية والمنظمات المدنية لتحقيق الحكم الفاعل ومنع الفوضى”.
ويرى ديكال أن “مصر تلعب دورًا مركزيًا في هذه المهمة، في ظل معرفتها العميقة بقطاع غزة، وسيطرتها على قناة الإمداد الرئيسية للقطاع عبر معبر رفح”، معتبرًا أن ذلك “سيسهل على مصر الاستجابة للمهمة تحت مظلة دولية وإقليمية، لا سيما إذا حصلت على مقايضة مناسبة مقابل استثمارها في تحقيق الاستقرار والنظام في المنطقة”.
وأردف: “يمكن تقديم هذا البديل كوضع مؤقت حتى تستقر المنطقة، ودون استبعاد إمكانية تجديد سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع في المستقبل، وذلك بشرط إثبات قدرتها على حكم الضفة الغربية، ومن ثم المساهمة بشكل فعال في استقرار القطاع نفسه”.
كذلك لفت الخبير العسكري الإسرائيلي إلى أن “المطلب الإسرائيلي بالحفاظ على الحرية العملياتية في قطاع غزة، وإحباط الإرهاب وتفكيك البنية التحتية له في قطاع غزة، وكذلك الحفاظ على شريط أمني كحاجز عسكري بين مستوطنات النقب الغربي والقطاع، كل ذلك قد يتعارض مع نشر قوة عمل إقليمية عربية”.
ولتجاوز هذا المطلب، يرى الخبير ضرورة وجود ضمانات موثوقة تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل تتمثل في الآتي:
- ضمان حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ومنع حدوث سيناريو مماثل لما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في المستقبل.
- الحفاظ على نزع السلاح من قطاع غزة، وذلك من خلال الإغلاق المحكم لمنطقة فيلادلفيا (محور صلاح الدين بين مصر وغزة) لمنع تهريب الأسلحة والتفتيش الفعال للمعبر البري، وكذلك الممر البحري، إذا أُنشئ.
- سيكون توجيه فرقة العمل الإقليمية من قبل القيادة المركزية الأمريكية.
- سيتم إنشاء آليات للتنسيق ومنع الصراع بين جيش الدفاع الإسرائيلي وقوة العمل العربية.
- سيتم إنشاء آليات الأمن الداخلي والشرطة في قطاع غزة، تحت مسؤولية المنسق الأمني الأمريكي (USSC).
وأخيرًا، يكرر الكاتب إن “إعلان النوايا من جانب إسرائيل في هذا الاتجاه سيكون مفيدًا على الأقل في تخفيف بعض الضغوط الدولية المتزايدة عليها والتهديد بتقصير الفترة الزمنية اللازمة للمجهود العسكري لتحقيق أهداف الحرب”.
“بالإضافة إلى ذلك، ستكون خطوة من شأنها أن تساعد على تجديد التحركات باتجاه تصميم بنية إقليمية جديدة، كرد على محور عدم الاستقرار الإقليمي (المحور الإيراني)، وكذلك لتعزيز العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وتعزيز العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأنظمة العربية من جهة أخرى”.
خلاصات وتعقيبات على رؤية ديكال
- تنبع رؤية العميد الإسرائيلي بالأساس من محاولته صياغة رؤية تهدف للتخفيف من الضغط الدولي على دولة الاحتلال أثناء شن العملية العسكرية، وذلك عبر تقديم رؤية سياسية وترويجها باعتبار أن مستقبل غزة ليس مجهولًا، بل مخطط له.
- تعتمد رؤية ديكال حول مستقبل غزة بشكل رئيسي على أدوار لدول عربية، وبالتحديد مصر، لكنه لم يستعرض تفاصيل هذا الموقف، والدوافع أو المعيقات التي ستفكر فيها القاهرة إزاء هذا العرض، ما عدا إشارته السريعة إلى أن مصر ستحصل على “مقايضة مناسبة” مقابل هذا الدور.
وعلى افتراض أن هذه “المقايضة المناسبة” ستمثل دافعًا أو محفزًا للنظام المصري لقبول الدور المقترح في رؤية ديكال، لكنه لم يوضح كيف ستكون هذه “المقايضة” علاجًا للكوابح والعوائق التي ستواجه مصر وغيرها من الدول العربية، أو القوى الإقليمية والدولية، إذا ما قبلت الدور ودخلت إلى غزة باعتبارها قوة عمل تحفظ الأمن الإسرائيلي من أي هجوم فلسطيني مقاوِم.
وقد يكون أحد أهم العوائق هو النظرة الفلسطينية الداخلية لهذه القوة، التي سيُنظر إليها غالبًا على أنها قوة احتلال، أو على الأقل معاونة للاحتلال، وهو ما يضع القوات المصرية أو العربية وجهًا لوجه مع الفلسطينيين بشكل عام، وفصائل المقاومة بشكل خاص. كما أن هذا التوجه سيكون -على الأغلب- دعمًا من الشعوب العربية والإسلامية، التي ستمثل ضغطًا إضافيًا على أي قوة عربية ستقبل هذا الدور.
إضافة إلى ذلك، فقد يكون أحد العوائق هو الخلاف العربي الإسلامي بالأساس حول هذا الدور، فلم تفصل الرؤية المقترحة في الآلية التي سيُشَكَّل من خلالها إجماع عربي إسلامي على هذا الدور ابتداء، وهوية منفذيه ثانيًا، وحجم الدور المنوط بكل من المنفذين ثالثًا، وأخيرًا تأثير هذا الدور على نفوذ باقي الفاعلين. - عدم استعراض تفاصيل الدور المصري له يرجع إلى أحد السببين أو كليهما: استبعاد الكاتب لمعارضة مصر لهذا العرض سواء عبر استخدام الضغط أو الحوافز الاقتصادية، و/أو أن هدف الكاتب في الأساس هو طرح هذه الرؤية بغض النظر عن تماسكها أو قابليتها للتنفيذ، في سبيل تخفيف الضغوط عن دولة الاحتلال الإسرائيلي. ونميل إلى صحة الاحتمال الثاني نظرًا لأن منطلق الكاتب منذ البداية هو طرح رؤية سياسية تتبناها القيادة الإسرائيلية لتخفف عنها الضغوط والأصوات التي تطالبها بطرح رؤيتها السياسية إلى جانب التحركات العسكرية.
- بالنظر للرؤية نفسها، فإنها تفترض تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي لإنجاز عسكري على الأرض؛ يتمثل في تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة، وهي إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بالقوة دون تفاوض، وتدمير قدرات حماس العسكرية والتنظيمية وإنهاء حكمها في القطاع.
لكن بعد ما يزيد عن 50 يومًا من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، لم يبسط الاحتلال سيطرته بعد على شمال القطاع؛ الذي كان له النصيب الأكبر من الهجمات والغارات التدميرية لسلاح الجو الإسرائيلي، وما تلاه من هجمة برية تركز هدفها في فصل الشمال عن الجنوب، وتدمير قوة المقاومة في الشمال. فلا تزال المقاومة تصد تقدمه وتمنعه من تحقيق أهدافه العملياتية، ولا تزال قدراتها على التحكم والسيطرة وإيذاء القوات المتوغلة قائمة إلى حد كبير.
- وفيما يتعلق بإعادة الأسرى الإسرائيليين، لم تستطع القوات المتوغلة استرداد أيٍّ منهم بالقوة، وأُجبرت -في النهاية- على عقد صفقة تبادل أسرى مع حماس، تطلق بموجبها عن نحو 50 أسيرًا، من النساء والأطفال، وليسوا من الرجال، أو حتى العسكريين. وذلك في مقابل الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين لدى الاحتلال مقابل كل أسير إسرائيلي، وإدخال مئات الشاحنات من الوقود والأغذية والأدوية لجميع أنحاء قطاع غزة، شمالًا وجنوبًا. إلى جانب حظر تحليق طيران الاحتلال كليًا في الجنوب، وجزئيًا في الشمال.
وتفاصيل الصفقة، ومجريات تنفيذها، يشيران إلى قوة المفاوِض الفلسطيني وقدرته على إدارة التفاوض من موقع قوة وندية، وليس من موقع هزيمة وضعف تُملى عليه فيه الشروط. وهو ما يمكن أن يكون ذا دلالة فيما يتعلق بتحقيق أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية.
وإجمالًا، لم يتمكن جيش الاحتلال حتى الآن من بسط سيطرته على شمال القطاع، ولا يزال تواجده البري في الجنوب محدودًا إلى حد كبير. كما أنه لم يتمكن من استعادة أسراه قسرًا، أو حتى عقد صفقة أسرى يُرضخ فيها المقاومة لشروطه.
وبالتالي، فإن المعركة لا تزال دائرة في الميدان لم تُحسم بعد -ولا إشارات على اقتراب حسمها بالآلية الحالية لتحقيق الأهداف المعلنة، الأمر الذي قد يفرض واقعًا مغايرًا لما تفترضه رؤية ديكال.