ترجمات - أربعة سيناريوهات للقضية الفلسطينية بعد حرب غزة
المحتويات |
---|
مقدمة المحرر |
سيناريوهات القضية الفلسطينية بعد حرب غزة |
السيناريو الأول |
السيناريو الثاني |
السيناريو الثالث |
السيناريو الرابع |
السيناريو الخامس |
مقدمة المحرر
بعد ما يزيد عن 50 يومًا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال الآفاق المستقبلية للحرب وما بعدها تشغل اهتمام المراقبين والباحثين، والخبراء والسياسيين، بل وحتى القادة العسكريين. لا سيما في ظل وجود حالة، من الممكن تسميتها بـ “اللا يقينية”، حول مستقبل المعركة.
فلا تزال الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب -والمتمثلة في تدمير حماس وإسقاط حكمها في غزة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة- متعثرة، في مواجهة مقاومة فلسطينية، تحافظ على تماسكها وقدرتها حتى اللحظة.
هذا إضافة إلى دعم دولي رسمي للعدوان الإسرائيلي آخذ في التراجع بمرور الأيام وتزايد جرائم الاحتلال وفشله في تحقيق أهدافه. في مقابل دعم شعبي متصاعد ومستمر في العواصم الغربية يناهض الجرائم الإسرائيلية، ويدعم الشعب الفلسطيني وحقه، وينادي بوقف العدوان على القطاع، الأمر الذي يضغط على الحكومات الغربية.
وفي إطار حرص مركز “المسار للدراسات الإنسانية” على إمداد القارئ والباحث العربي بالدراسات والأوراق والتقارير التي توضح ما تفكر فيه الأوساط السياسية والأكاديمية الإسرائيلية والغربية. نقدم لكم ترجمة ورقة عنوانها “سيناريوهات القضية الفلسطينية بعد حرب غزة“، أعدها رئيس برنامج “كلينجينديل” للشرق الأوسط، إروين فان فين، ونشرها المعهد الهولندي للعلاقات الدولية.
ومن المهم الإشارة إلى أن الباحث يعمل حاليًا كمستشار للأمم المتحدة لإصلاح قطاع الأمن، كما أنه أحد أعضاء المجموعة الاستشارية لحلف الناتو. وقد عمل سابقًا كمستشار لوزير الخارجية الهولندي، وكذلك في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
ولعل أحد الدوافع لاختيارنا عرض هذه الورقة وترجمتها أنها تقدم أربعة سيناريوهات مختلفة لمستقبل القضية الفلسطينية برمتها، ولم تقتصر على مستقبل الحرب فقط، أو حتى مستقبل قطاع غزة بمفرده.
ورغم أن الورقة لم تقدم ترجيحًا لسيناريو مستقبلي بعينه، إلا أنها فتحت آفاقًا مختلفة، قد يكون من المهم استصحابها في إطار قراءة الخيارات الإستراتيجية المستقبلية التي تدور في عقول الفاعلين حول فترة ما بعد الحرب.
ومن نافلة القول التأكيد على أن “مركز المسار” لا يتبنى، بطبيعة الحال، ما ينشره من ترجمات أو عروض كتب، وقد يتفق أو يختلف معها، جزئيًا أو كليًا، وانما يعرضها وينشرها للأسباب سالفة الذكر.
سيناريوهات القضية الفلسطينية بعد حرب غزة
مقدمة
ردًا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت إسرائيل حربًا شاملة أعلنت أن هدفها القضاء على الحركة الفلسطينية. وتدور المعركة في شريط ضيق ومكتظ بالسكان، يعيش فيه أكثر من مليوني شخص، في منطقة تماثل مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن مرتين. وغزة كانت تعاني بالفعل من أزمة إنسانية ناجمة -إلى حد كبير- من حصار إسرائيلي ممتد منذ 16 عامًا.
وكل يوم في أنحاء العالم كافة، يتباين ردود فعل كثيرون بين إظهار التضامن مع إسرائيل في أعقاب ما حدث في السابع من أكتوبر من جهة، أو الاحتجاج بصوت عال على الحملة العقابية الإسرائيلي في قطاع غزة من جهة أخرى.
وما يطرحه مركز الدراسات الهولندي بهذا الصدد هو أن ما فعلته حماس يجب أن يواجه بالعقاب. ويؤكد المركز أنه في نفس الوقت أيضًا لم يعد بالإمكان غض الطرف عن العواقب النهائية لـ 56 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، منذ حرب عام 1967.
واليوم، بينما تتزايد الدعوات إلى ضرورة الوصول إلى اتفاقات إنسانية ووقف لإطلاق النار، يوجد القليل من التفكير والنقاش حول القضية الأوسع؛ وهي مستقبل القضية الفلسطينية بعد حرب غزة. ما الذي قد يحدث بعد ذلك؟
وعطفًا على ما قاله الكاتب الإسرائيلي إيتجار كيريت عن الدروس التي ينبغي تعلمها من المآسي الحالية: “ينبغي علينا أن نبحث، ونسمح لأنفسنا بالارتباك والحيرة والبحث عن إجابات، وليس الحصول عليها على الفور”.[1] فإن رسم السيناريوهات يعد وسيلة لتحفير التفكير والنظر إلى المستقبل، وذلك من خلال جعل الغموض ملموسًا محسوسًا، بما يشمل ذلك رؤية وتوقع النتائج غير المرغوب فيها.
إلى جانب ذلك، جادل صحفي “هآرتس” أنشيل فيفر على موقع “إكس” بأن الحكومة الإسرائلية تفتقر إلى “إستراتيجية خروج” من غزة. وهو ما يجعل النظر إلى المستقبل مهمًا وحيويًا. كذلك من النقاط المهمة المحفزة للتفكير في المستقبل أنه سيتعين، بعد هذه الحرب، على مجموعتين هائلتين (على الجانب الفلسطيني والاسرائيلي) من السكان المصابين بصدمات نفسية مواصلة الوجود والتعايش جنبًا إلى جنب.
وفيما يلي 4 سيناريوهات لمستقبل القضية الفلسطينية بمجرد انتهاء العمليات البرية الجارية في غزة. تصف هذه السيناريوهات المستقبل المحتمل، بغض النظر عن كون السيناريو مؤكدًا أو لا، كما أنها تحفزنا على النظر والتدقيق في هذه الاحتمالات.
السيناريو الأول: العودة للمربع الأول – الوضع ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023
وفقًا لهذا السيناريو، فإن إسرائيل ستقصر عملياتها البرية على شمال قطاع غزة. وذلك لأن أي امتداد للمعركة الحالية نحو الجنوب سيسبب معاناة إنسانية هائلة، وتشريدًا قسريًا يرقى إلى كونه تطهيرًا عرقيًا، وهو ما لا يمكن للمجتمع الدولي قبوله. كذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تفتقر إلى خطة عملية للحكم المستقبلي لغزة. وبالرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أشار مؤخرًا إلى هذا الاحتمال، إلا أنه سيكون من المكلف والخطير بالنسبة لإسرائيل أن تضطلع بهذا الدور. كذلك فإن السلطة الفلسطينية ستميل إلى النأي بنفسها عن القيام بهذا الدور، حيث يرى العديد من الفلسطينيين أن هذه السلطة امتداد لإسرائيل بشكل فعلي. هذا إضافة إلى أنه لن تتطوع أي دولة عربية لتضطلع بدور “مدير قطاع غزة”. كما أن الخطاب الإسرائيلي “السام” في الأمم المتحدة يجعل من الصعب على نيويورك أن تتدخل.
ولهذا السبب، في كل مرة تنشئ إسرائيل سلطة حكم جديدة، تدرك أن حماس ستخترقها وتسيطر عليها، حتى وإن كان ذلك تحت اسم جديد.
وعلى الرغم من أن معظم الإسرائيليين لم يعد لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم، وفقًا لنتائج استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلية، إلا أن حكومة نتنياهو تحاول ممارسة أدوارها بـ “الشكل المعتاد”.[2] وهو ما يعني استمرار حصار غزة، وزيادة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والمزيد من العنف الممارَس من قبل المستوطنين مع ضمان الإفلات من العقاب.
وحتى لو أُجبر نتنياهو على ترك السلطة، فإن الخريطة السياسية لإسرائيل لن تتغير تقريبًا. ووفقًا لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، من غير المرجح أن تغير أعداد كبيرة من الناخبين انتماءاتهم السياسية.[3] وهو ما يشير إلى إمكانية تشكل ائتلاف يميني جديد، أو حتى يميني متطرف، مع المزيد من التعيينات في ذات الإتجاه، مثل تعيين تسفي سوكوت، الذي عُين مؤخرًا رئيسًا للجنة فرعية في الكنيست الإسرائيلي للضفة الغربية. ومن الجدير بالذكر أن “سوكوت” مستوطن إسرائيلي اتُّهم مرارًا وتكرارًا بالتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.
وإحدى نتائج هذا السيناريو، هي أن غزة ستبقى “كعب أخيل” بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي. وبدون وجود منظور سياسي وأفق اقتصادي أفضل، سيبقى وجود منظمات مثل حماس أمرًا لا مفر منه. وستحتاج إسرائيل إلى استثمار الكثير من الوقت والمال للسيطرة على مثل هذه التهديدات، وجميع المخاطر المصاحبة لها. كذلك فإن اندلاع مزيد من العنف سيكون أمرًا لا مفر منه، سواء في الضفة الغربية أو غزة. وهو ما سيعيد جميع الأطراف إلى المربع الأول.
والنتيجة الأخيرة أن مخاطر نشوب صراع إقليمي ستتلاشى، على الأقل في الوقت الحالي. حيث صرح حسن نصر الله، الأمين العام لـ “حزب الله”، في خطابيه في 3 و10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أن تدمير حماس سيكون سببًا لتدخل حزبه بشكل مباشر وفاعل في الحرب، ولكن في هذا السيناريو سيقتصر الفعل الإسرائيلي على إضعاف حماس، وليس تدميرها. كذلك يمكن -في هذا السيناريو- إحياء مسارات التعاون الإقليمي في الوقت المناسب، كمسار التعاون مع المملكة العربية السعودية على سبيل المثال.
ومن الدلالات على وجود احتمالية لذلك السيناريو، هو أن إسرائيل حددت شمال غزة كنطاق لعمليتها البرية، وأجلت تحقيقًا برلمانيًا حول إخفاقات الحكومة في 7 أكتوبر. وفي حال إنشاء مناطق عسكرية عازلة، ومواصلة التوسع التدريجي في عمليات الاستيطان وتصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، فتلك ستكون إشارات إضافية إلى أن المشهد عاد للمربع الأول؛ ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
السيناريو الثاني: الضم الجزئي لشمال غزة وأجزاء من الضفة الغربية
في هذا السيناريو، لا تكتفي إسرائيل بهجوم بري مؤقت في شمال غزة، لكنها بدلًا من ذلك تضمه لحكمها. وتقوم بترحيل معظم الفلسطينيين المتبقين هناك إلى جنوب غزة، للحد من التهديد الذي تتعرض له المدن الإسرائيلية؛ عسقلان وأشدود وسديروت، وكذلك “الكيبوتسات” المحيطة بها. هذا إضافة إلى أن الشمال بأكمله سيمثل مناطق عازلة عسكرية. ونتيجة لذلك، يتحول جنوب غزة فعليًا إلى “معسكر إنساني كبير”، كما وصفه المحلل الأمريكي ناثان براون.[4]
علاوة على ذلك، تستغل الحكومة الإسرائيلية -وفقًا لهذا السيناريو- أحداث 7 أكتوبر لتبرر ضمها لـ “المنطقة ج” من الضفة الغربية (حوالي 60 بالمئة من مساحتها)، أو جزء منها على الأقل، بدعوى الأمن القومي. حتى أن شخصًا مثل يائير لابيد، الزعيم السياسي للحزب الليبرالي الوسطي، أشار مؤخرًا إلى أنه ينظر إلى الضفة الغربية بأكملها على أنها أرض إسرائيلية. كما يواصل الوزيران بتسلئيل سموتريتش (المالية) وإيتمار بن غفير (الأمن القومي) تحريض المستوطنين. في غضون ذلك، يواصل المجتمع الدولي الاحتجاج، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يعتبران -وفقًا لهذا السيناريو- الضم الجزئي هو الثمن الواجب دفعه لتجنب كارثة إنسانية في غزة.
وإحدى نتائج هذا السيناريو هي تعزيز إسرائيل لاحتلالها وحصارها، وتوسيع المستوطنات غير القانونية، والتورط الإسرائيلي في شكل من أشكال التهجير القسري، الذي يشبه التطهير العرقي. وعلى الصعيد الإقليمي، يستبعد هذا السيناريو أي تطبيع آخر للعلاقات مع إسرائيل، فحتى الدول العربية المستبدة، لن يكون بمقدورها تجاهل النفور العميق والمتزايد لسكانها تجاه إسرائيل. كما أن إسرائيل ستصبح معزولة في الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، من المرجح أن تشن إيران وحلفاؤها حملة من الهجمات وإطلاق الصواريخ، وهو ما سترد عليه إسرائيل والولايات المتحدة بالقصف والانتقام.
وفي حين كانت السلطة الفلسطينية جهة فاعلة هامشية في السيناريو الأول، تكون في هذا السيناريو غير موجودة من الأساس. وهو ما يفتح الباب أمام حماس وفصائل المقاومة الراديكالية الأخرى، الأمر الذي سيؤدي إلى الدخول في دوامة من العنف بين المستوطنين والفلسطينيين. وفي هذا السيناريو، يُجمع السكان تدريجيًا داخل مدن نابلس وأريحا ورام الله والخليل وبيت لحم وجنين، وهو ما يعني أن كلًا منها يصبح -من الناحية الإنسانية- غزة صغيرة.
وتشمل الدلالات المشيرة إلى تحقق هذا السيناريو وجودًا عسكريًا إسرائيليًا دائمًا واسع النطاق في شمال غزة، وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية السابقة على الشريط، وعددًا متزايدًا من حوادث العنف المرتكبة من قبل مستوطني الضفة الغربية، دون أي تدخل دولي ملموس، وكذلك دون عرقلة من حكومة نتنياهو أو بديلتها.
السيناريو الثالث: الضم الكامل – التقدم السريع نحو إسرائيل التوراتية (أرض الميعاد)
في هذا السيناريو، تستجيب الحكومة الإسرائيلية لأحداث محفزة، وذلك من خلال الضم الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يكون الحدثُ المحفزُ قتلَ عصابة كاملة من المستوطنين، أو تدميرَ وحدة مشاة إسرائيلية كاملة في كمين تنصبه حماس في غزة. ويمكن أن يحدث أيضا في وقت لاحق، بحيث يتطور السيناريو الأول أو الثاني إلى السيناريو الثالث. وعبر هذا السيناريو، تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوة مهمة في طريق الوصول إلى دولة إسرائيل، بمفهومها التوراتي. كما قال الحاخام أميشاي فريدمان من قوات الجيش الإسرائيلي: “هذه الأرض لنا. البلد بأكملها لنا. كل هذه الأراضي، بما في ذلك غزة، ولبنان، أرض الميعاد بأكملها لنا”[5]. وفي هذا السيناريو، تُحوَّل المعاناة التاريخية “القديمة” للشعب اليهودي إلى معاناة تاريخية “جديدة” للشعب الفلسطيني.
ولهذا السيناريو عواقب وخيمة. حيث يُجبر الفلسطينيون على التركز في مخيمات، مثل خان يونس وجنين وأريحا، تحت إشراف أمني إسرائيلي. وتقدم الأمم المتحدة ومختلف المنظمات غير الحكومية الخدمات الإنسانية الأساسية. وبهذه الطريقة، يمول المجتمع الدولي بشكل غير مباشر نظام فصل عنصري دائم. ويسير إنشاء المخيمات جنبًا إلى جنب مع الإخلاء القسري للقرى الفلسطينية لإفساح المجال للمستوطنات الإسرائيلية.
ونتيجة أخرى لهذا السيناريو، هي أن طفرة ستحدث في المقاومة الفلسطينية المسلحة بدعم من إيران وحلفائها. وقد يؤدي السيناريو حتى إلى التعاون بين إيران ومصر والأردن؛ حيث تفضل الدولتان الأخيرتان رؤية الفلسطينيين يقاومون داخل إسرائيل وضدها، بدلًا من المخاطرة بزعزعة استقرار بلدانهم عبر توافد اللاجئين الفلسطينيين عليهما. إلى جانب ذلك، لم تعد السلطة الفلسطينية موجودة في هذا السيناريو، وتدير المخيمات لجان فلسطينية مختلفة. إحدى النتائج النهائية لهذا السيناريو هي أن التصعيد الإقليمي للنزاع يصبح يقينًا وليس احتمالًا.
والدلالات المشيرة إلى هذا السيناريو هي توسيع الهجوم البري الإسرائيلي الحالي في غزة إلى الجنوب، ووقوع بعض الأحداث الخطيرة الكبيرة، مثل تنفيذ عمليات كبيرة قاتلة ضد القوات الإسرائيلية أو المواطنين الإسرائيليين، وتكثيف خطاب الضم في الأوساط الإعلامية والسياسية الإسرائيلية، وتصاعد عنف المستوطنين تحت حماية قوات الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو، أو بديلتها.
السيناريو الرابع: صراع مجمد
في هذا السيناريو، نتيجة للعدد المتزايد من الضحايا والإصابات في غزة، والعدد المتزايد من جرائم الحرب المحتملة، وتصاعد خطر نشوب صراع إقليمي، تجبِر الولايات المتحدة إسرائيل على وقف هجومها البري. يمكن أن يحدث ذلك بسبب حدث ينتهك بوضوح القانون الإنساني بطريقة شنيعة ومدانة إلى حد كبير، مثل الهجوم الإسرائيلي على مستشفى القدس في غزة بقذائف الفوسفور الأبيض عام 2009.
وبينما تنظر الحكومة الإسرائيلية في خياراتها، تتزايد -بشكل قوي- الدعوات الدولية للتخلي عن العملية البرية في غزة. وتطلق حماس سراح مزيد من الرهائن لزيادة الضغط على إسرائيل. ومن ثم يؤدي التوقف الناتج عن ذلك إلى سقوط حكومة نتنياهو.
وفي هذا الفراغ، تتوحد جهود العديد من البلدان لإنشاء منتدى دولي لحل القضية الفلسطينية سلميًا. وهذا يشمل القوى الإقليمية؛ مثل السعودية وتركيا، وربما مصر، وذلك بالعمل مع دول الاتحاد الأوروبي التي تتميز بفهم تاريخي أعمق للقضية الفلسطينية؛ مثل إسبانيا وفرنسا وأيرلندا وبلجيكا. وتتمكن هذه الدول من الحصول على تفويض قوي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف التراجع عن الاحتلال الإسرائيلي، وإصلاح السلطة الفلسطينية، ونزع سلاح المقاومة. وتجعل المملكة العربية السعودية، خلال محادثاتها مع الولايات المتحدة، المزيد من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مشروطًا بمثل هذا التفويض. ويبدأ هذا التحالف محادثات أولية مع منظمات السلام الإسرائيلية والفلسطينية، تحت إشراف المجتمع الدولي. وفي غضون ذلك، يستمر الاحتلال الإسرائيلي والحصار بلا هوادة.
النتيجة الرئيسية لهذا السيناريو هي تجنب المزيد من تصعيد الصراع مؤقتًا، سواء على مستوى غزة أو الضفة الغربية، أو على المستوى الإقليمي. وهو ما يجعل من الصعب على إيران التدخل في الصراع، ويخلق مجالًا للسعودية وجيران إسرائيل للوساطة.
نتيجة أخرى لهذا السيناريو، يرى المركز الهولندي أن التدخل الدولي يمكن أن يوفر منصة للأصوات الإسرائيلية والفلسطينية “المعتدلة”. وحينها يُجبر “المتطرفون” من الجانبين؛ مثل حماس والمستوطنين الإسرائيلين، على التراجع للمقاعد الخلفية.
ولاثبات امكانية تمرير هذا السيناريون فقد ادعى المركز الهولندي أنه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مباشرة، أفاد الباروميتر العربي أن حماس تحظى بمستوى ثقة متراجع، لدى 67 بالمئة من سكان غزة[6].
وأضاف المركز الهولندي أن الدلالات التي تشير إلى تحقق هذا السيناريو هو عدة سياقات:
أ. وقوع حدث إنساني واسع النطاق في غزة، يتسبب في تزايد الإدانات العالمية لإسرائيل بشكل كبير.
ب. تزايد الضغط الدبلوماسي الأمريكي على إسرائيل.
ج. وزيادة عدم استقرار حكومة نتنياهو.
د. هذا إضافة إلى تواجد إشارات تدل على أن أعضاء التحالف الإقليمي الدولي المذكور مستعدون بشكل جاد لاتخاذ إجراء.
المصادر
[1] See Interview New York Times, 27 October 2023 (accessed 14 November 2023).
[2] The Israel Democracy Institute, War in Gaza public opinion survey (2), 18-19/10/2023 at https://en.idi.org.il/media/21835/war-in-gaza-public-opinion-survey-2-data.pdf (accessed 12 November 2023).
[3] Hermann, T. and O. Anabi, Most Israelis Prefer to Wait Until After the War to Designate Responsibility, Israeli Voice Index: War on Hamas, The Israel Democracy Institute, 31 October 2023, online (accessed 12 November 2023).
[4] Brown, N., There might be no day after in Gaza, Carnegie Endowment for International Peace, 3 November 2023, online (accessed 12 November 2023).
[5] As quoted in Haaretz, 5 November 2023: https://www.haaretz.com/israel-news/2023-11-05/ty-article/rabbi-at-israeli-military-base-says-whole-country-is-ours-including-gaza-and-lebanon/0000018b-a031-d42c-a9ef-ad772cdc0000
[6] Jamal, A. and M. Robbins, What Palestinians Really Think of Hamas, Foreign Affairs, 25 October 2023, online.