النظام المصري وحرب غزة.. تطورات المواقف وأبعاد التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي
المحتويات
مقدمة
المخاوف المصرية من التهجير
- عملية رفح واحتلال محور فيلادلفيا
الدور المصري في مفاوضات وقف إطلاق النار
- تراجع دور الوساطة المصري لصالح قطر
مصر وترتيبات غزة ما بعد الحرب
- الموقف من استمرار سلطة حماس في غزة
- إرسال قوات مصرية لغزة
- تخوف النظام المصري من الميناء الأمريكي
خاتمة
مقدمة
تُعد مصر الدولة العربية الوحيدة المتاخمة لقطاع غزة، إذ تمتد بينهما حدود يبلغ طولها 14 كيلومترا، هذا الاعتبار الجيوسياسي يجعل مصر مؤثرة ومتأثرة بما يحدث في قطاع غزة. ولذلك، وبعد اندلاع عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من عدوان إسرائيلي على القطاع، كانت مصر طرفا في كل الملفات التي تخص الحرب الدائرة تقريبا.
ومن أول الملفات التي تعاملت معها مصر بعد الحرب المخطط الإسرائيلي لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، وتزامن مع ذلك انخراط مصر في مفاوضات وقف إطلاق النار، وطرح النظام المصري مبادرة لوقف الحرب عُدلت أكثر من مرة. كذلك، كانت -وما زالت- مصر أحد الأطراف الفاعلة في مباحثات مستقبل غزة ما بعد الحرب، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
الآن، وبعد أكثر من سبعة أشهر على العدوان الإسرائيلي على غزة، نحاول في هذه الورقة رصد تطورات الموقف المصري من ثلاثة ملفات تخص الحرب الجارية. الملف الأول هو الخطة الإسرائيلية لتهجير أهل غزة إلى سيناء، ويرتبط بذلك العملية الإسرائيلية في مدينة رفح -التي تحتضن نحو 1.3 مليون نازح، إضافة إلى نحو 250 ألفا من سكانها- والسيطرة على محور فيلادلفيا (محور صلاح الدين).
أما الملف الثاني فيرتبط بالجهود المصرية في المفاوضات الجارية وتقاسم دور الوساطة مع قطر، بينما يتمثل الملف الثالث في رؤية النظام المصري لمستقبل غزة ما بعد الحرب، وموقفه من استمرار سلطة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في القطاع، وما يُتداول عن رغبة إسرائيل في أن ترسل مصر قوات تابعة لها إلى قطاع غزة، هذا فضلا عن موقف النظام المصري من الميناء الأمريكي على شاطئ غزة.
المخاوف المصرية من التهجير
بعد اندلاع الحرب في غزة مباشرة، أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء النصف الشمالي من غزة بأكمله، الذي يسكنه مليون شخص، وأعطى مهلة 24 ساعة فقط للمغادرة، الأمر الذي اعتبرته الأمم المتحدة حينها “مستحيل التنفيذ”.[1] لكن مع الضربات الجوية المتلاحقة ضد المدنيين، نزح نحو 1.3 مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها.
وتزامن ذلك مع تصريحات مسؤولين إسرائيليين تدعو صراحة إلى “التطهير العرقي” بحق سكان غزة، من ذلك ما قاله عضو الكنيست الإسرائيلي، أرييل كالنر، من أن “على إسرائيل أن يكون لديها هدف واحد، وهو إلحاق نكبة بغزة وبكل من يجرؤ على دعمها، نكبة تتجاوز ما حدث 1948”.[2]
علاوة على ذلك، قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، داني أيالون، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023: “[نحن لا نطلب من سكان غزة] الذهاب إلى الشواطئ، وإغراق أنفسهم، لا سمح الله… هناك مساحة شاسعة، مساحة لا نهاية لها تقريبا في صحراء سيناء، على الجانب الآخر من غزة. الفكرة هي… أن يغادروا إلى المناطق المفتوحة، حيث سنقوم نحن والمجتمع الدولي بإعداد البنية التحتية… مدن الخيام، مع الطعام والماء… تماما كما هو الحال مع اللاجئين السوريين الذين فروا من مذابح سوريا على [رئيس النظام السوري بشار] الأسد قبل بضع سنوات إلى تركيا”.[3]
الحديث الإسرائيلي عن التطهير العرقي بجانب الخطوات العملية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي عبر دفع سكان غزة قسرا نحو الجنوب، فاقم القلق المصري من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. خاصة وأن الأمر لم يأت فقط كرد فعل انفعالي على “طوفان الأقصى”، بل إن تهجير سكان غزة مسألة تُتداول منذ سنوات في الأوساط الإسرائيلية كحل للتهديد الديمغرافي الذي تتعرض له دولة الاحتلال. فقبل اندلاع الحرب الجارية، اقترح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ما وصفها بـ”الخطة الحاسمة”، التي تُخيّر الفلسطينيين بين قبول الحكم الإسرائيلي الدائم أو الهجرة.[4]
وفيما بعد كشف موقع “Sicha Mekomit” الإسرائيلي عن ورقة سياسات رفعتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية إلى المستوى السياسي، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشير إلى أن تهجير الفلسطينيين من غزة نحو سيناء هو الخيار الأمثل بالنسبة لإسرائيل. واقترحت الوثيقة نقل السكان المدنيين في غزة إلى مخيمات في شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة وممر إنساني، مع إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع النازحين الفلسطينيين من الدخول.[5]
ولهذا، عبّر النظام المصري مبكرا عن رفضه لمخطط التهجير إلى سيناء، ففي خطاب له في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تطرق قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، إلى استضافة البلاد العديد من “الضيوف” الذين فروا من دول أخرى، محذرا من أنه “بالنسبة للقطاع… هناك خطورة كبيرة جدا لأنها تعني تصفية هذه القضية”، ومؤكدا على أهمية أن يبقى شعب غزة “صامدا ومتواجدا على أرضه”.[6]
وللتعبير عن رفضه للنوايا الإسرائيلية، حرك النظام المصري نوافذه الإعلامية[7] وبعض المؤسسات، ومنها الأزهر،[8] للتأكيد على الموقف نفسه. بل وذهب إلى المخاطرة باستخدام الشارع، قبل أن يعود لمنع التظاهرات بعد أن ظهرت بوادر تشير إلى أنها قد تأتي بنتيجة عكسية ضده.[9] كما عمل النظام دبلوماسيا مع الدول المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للتأكيد على رفضه للمخططات الإسرائيلية.[10]
ورغم ما ذكرته عدة تقارير من أن الولايات المتحدة عرضت على القاهرة حوافز لحل أزمتها الاقتصادية في حال قبولها التهجير، ومحاولات إسرائيل لدفع بعض القادة الأوروبيين للضغط على مصر كي تقبل بالتهجير،[11] إلا أن الرفض المصري استمر؛ لعدة أسباب.
السبب الأول يعود موقف الجيش المصري الذي يسعى للحفاظ على نسيجه المؤسسي، وعدم الابتعاد كثيرا عن الحس الشعبي العام في بعض القضايا الحساسة.[12]
فكما كتب الباحث، ستيفن كوك، فإن الجيش المصري ليس مثل نظيره السوري. ففي سوريا، تشكل طائفة واحدة (العلويون) النخبة الحاكمة وتسيطر على جميع المناصب الحساسة في جيش البلاد. وعلى هذا النحو، لم يكن لدى الجيش أي مخاوف بشأن حمل السلاح ضد الشعب السوري للدفاع عن نظام بشار الأسد.
لكن من ناحية أخرى، فإن المؤسسة العسكرية المصرية غير طائفية وتعكس، إلى حد كبير، نسيجا مجتمعيا متنوعا. وبالتالي، لا يمكن أن ينحرف الجيش المصري كثيرا عن الإجماع الشعبي العام، وإلا فإنه يواجه خطر التمزق، وفق كوك.[13]
أما السبب الثاني فهو هو ما ذكره “معهد كارنيغي” من أن مصر تخشى من أن يصبح مخيم اللاجئين الكبير في سيناء قاعدة جديدة لعمليات المقاومة الفلسطينية ضد “إسرائيل”، الأمر الذي قد يجر مصر إلى مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، بحسب المعهد،[14] أو على أقل تقدير، تهديد اتفاقية السلام، التي تُعد أحد الإنجازات الكبرى لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، منذ إنشاء دولة الاحتلال.
ويبدو أن هذا هو الدافع الأكبر بالنسبة للنظام المصري لرفض خطة التهجير، ولذلك ذكره السيسي دون غيره، حين حذر في مؤتمر صحفي رفقة المستشار الألماني، أولاف شولتس، من أن “نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، هو نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، لتكون الأخيرة قاعدة لانطلاق الهجمات ضد إسرائيل، وحينها يكون لها (إسرائيل) الحق في الدفاع عن نفسها، وبالتالي تقوم في إطار رد الفعل بالتعامل مع مصر، وتوجيه ضربات للأراضي المصرية”.[15]
ويرتبط السبب الثالث بسابقه، إذ يرجع إلى عدم رغبة نظام السيسي في أن يُنظر إليه على أنه قبِل التهجير مقابل أموال أمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تعزيز التصورات في “الشارع العربي” بأن السيسي متواطئ في ” النكبة الثانية “، هذا فضلا عن عدم رغبة النظام المصري في أن يُنظر إليه على أنه يشجع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.[16] وحيث إن نظام السيسي يمر بالفعل بأزمة شعبية يعمقها الوضع الاقتصادي المتفاقم، فإن قبوله بالتهجير من شأنه أن يزيد السخط الشعبي وبالتالي مخاطر الانتفاضة ضده.
أما السبب الرابع فيرجع إلى الخوف من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين. فبعد مرور عقد من الزمن على بدء الحرب في سوريا، تقول مصر إنها تستضيف 9 ملايين لاجئ من بلدان مختلفة، دون أفق لعودة معظمهم إلى وطنهم في المستقبل المنظور. ولهذا، فإن ما وصفه معهد واشنطن بـ”طوفان اللاجئين الفلسطينيين” سيفاقم التحديات الإنسانية والاقتصادية، هذا بجانب التحدي الأمني الذي ذكرناه أعلاه.[17] غير أن هذا السبب ربما يكون هامشيا إذا ما قورن بالأسباب الواردة أعلاه، التي يرجع إليهما التخوف الأساسي للنظام المصري من مخطط التهجير.
هذه المخاطر قادت النظام المصري لإعلان رفضه لمخطط التهجير، والتأكيد على موقفه في لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين والأوربيين. ويمكن أن نلاحظ تراجع الحديث في الآونة الأخيرة حول محاولات إقناع النظام المصري بخطة التهجير، هذا فضلا عن محاولات مسؤولين إسرائيليين لتهدئة مخاوف القاهرة، من ذلك تصريح السفيرة الإسرائيلية في القاهرة أن “إسرائيل ليس لديها أي نية للاستيلاء على سيناء من مصر”.[18]
ولم يطرأ على موقف نظام السيسي من التهجير تغيير حتى الآن، فمؤخرا وفي حديث لإعلام غربي، وصف وزير خارجية النظام، سامح شكري، أي تهجير جماعي ناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح بأنه بمثابة “جريمة حرب”، معتبرا أن “النزوح وأي نشاط يساعد على النزوح ويشجع عليه يعد جريمة حرب ويجب اعتباره كذلك”.[19]
- عملية رفح واحتلال محور فيلادلفيا
رغم رفضه لمخطط التهجير، إلا أن النظام عمل على الاستعداد لأسوأ السيناريوهات وتعامل مبكرا مع الهجوم الإسرائيلي على رفح كأمر واقع، في إشارة ضمنية إلى القناعة التي كونها في بدايات الحرب، وهي أن الحكومة الإسرائيلية قد تمضي في خطتها رغم الرفض المصري. بل وأخبر مسؤولان إسرائيليان أن مسؤولين في النظام المصري أعربوا أيضا عن تفهمهم للضغط الذي يشعر به قادة الاحتلال فيما يتعلق بعملية رفح.[20]
واتضح استعداد النظام المصري لعملية رفح، رغم رفضه لها، في بنائه منطقة أمنية عازلة محاطة بأسوار في رفح، شرق سيناء. فقد أظهرت مواد مصورة نشرتها “مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان” إنشاء منطقة معزولة محاطة بأسوار على الحدود مع قطاع غزة. وأوردت المنظمة أن هدف هذه المنطقة المعزولة هو استقبال لاجئين حال حدوث عملية نزوح جماعي من سكان القطاع.[21]
وفي هذا السياق، نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مقربين من النظام المصري قولهم إن “المخطط الإسرائيلي لدفع الفلسطينيين نحو الحدود المصرية أصبح أقرب من أي وقت مضى”، وأكد هؤلاء ما ذهبت إليه مؤسسة سيناء، حيث رأوا أن “مصر عازمة على منع تكرار السيناريو الذي حدث عام 2008، عندما عبر آلاف الفلسطينيين حدود رفح إلى الأراضي المصرية”.[22]
ويمكن القول هنا إن التصميم الإسرائيلي والضغوط التي مارستها حكومة، بنيامين نتنياهو، على الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية المعنية، ومن ضمنها مصر، لم يقابلها تصميم مصري على ذات المستوى أو استخدام لأوراق ضغط كبيرة لمنع عملية رفح، التي قد تُفضي في النهاية إلى إنفاذ مخطط التهجير الإسرائيلي لسيناء قسرا.
فقد اقتصر النظام المصري على تأكيد موقفه الرافض للتهجير عبر الوسائل الدبلوماسية والإعلامية المختلفة، لكنه تحاشى التصعيد ضد دولة الاحتلال، ولم يلوح بأوراق الضغط التي يملكها، كتعليق العمل باتفاقية السلام، أو ما دون ذلك كسحب السفير المصري من تل أبيب، أو طرد السفير الإسرائيلي.
ورغم صدور تحذيرات على لسان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية ضياء رشوان، من أن أي تحرك إسرائيلي باتجاه احتلال محور فيلادلفيا سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية،[23] إلا أن تصريحات صدرت عن مستوى أعلى فرّغت تصريحات “رشوان” من مضمونها.
ويتحوط النظام المصري من اتخاذ خطوات تصعيد كبيرة، خشية أن يُفهم موقفه على أنه صدام مع إسرائيل. ولذلك، نفى “شكري” ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية،[24] في 11 فبراير/شباط، نقلا عن مسؤولَين مصريين ودبلوماسي غربي، من أن القاهرة قد تعلق اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة عام 1979، إذا اجتاحت القوات الإسرائيلية رفح.[25]
هذا الموقف المتحوّط فسره سفير الولايات المتحدة السابق في تونس، غوردون غراي، بأن مصر لا تسعى إلى مواجهة عسكرية –حتى لو كانت غير مقصودة– مع إسرائيل، كما أنها لا تريد المخاطرة بخسارة المعونة العسكرية الأمريكية (1.3 مليار دولار سنويا)، والتي مُنحت لها في الأصل كنتيجة مباشرة لاتفاقيات كامب ديفيد. وأخيرا، ففي حين أن مصر ترفض الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، فإنها تشارك إسرائيل وجهات نظرها حول التهديد الذي تشكله حماس، بحسب غراي.[26]
ورغم ذلك، فإن الرسائل الواضحة التي ترسلها مصر إلى إسرائيل بأنها لن تذهب بعيدا في التصعيد إذا ما اجتيحت رفح بشكل كامل، شجعت دولة الاحتلال على السيطرة على معبر رفح. وربما يقود التحوط المصري في نهاية المطاف إلى استمرار “إسرائيل” في اجتياح كامل لرفح، الأمر الذي ينذر بإنفاذ مخطط التهجير قسرا، وهو ما تعلن القاهرة رفضه.
وكان بإمكان النظام المصري أن يلوح بالخطوات السابق ذكرها دون أن يتخذها، أما مبادرة “شكري” بطمأنة الاحتلال على أن مصر لن تضغط بإحدى الأوراق التي بيدها، فإنها تقلل من ثقل الموقف المصري لدى صانع القرار الإسرائيلي، باعتبار أن النظام المصري يسهل أو يمكن احتواؤه بشكل أو بآخر.
علاوة على ذلك، فإن الموقف الأمريكي الذي يساهم في عرقلة اجتياح كامل لرفح حتى الآن يعزز من موقف النظام المصري الرافض لاجتياح كامل للمدينة الحدودية، وبالتالي فمن المستبعد أن تعلق الولايات المتحدة المعونة العسكرية لمجرد تلويح مصر بأن المعاهدة ستكون في خطر إذا ما طورت “إسرائيل” هجومها على رفح ليكون اجتياحا كاملا للمدينة.
أضف إلى ذلك أن بنود معاهدة السلام نفسها من المفترض بها أن تعزز موقف مصر، فبموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، فإن هذا محور “فيلادلفيا” يخضع لظروف خاصة. فهو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط”. وفي نفس العام وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولا سُمي “بروتوكول فيلادلفيا”، سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.[27] ولم يُعد هذا البروتوكول إلغاءً أو تعديلا لاتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، ما يعني أن سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على المحور ستعد انتهاكا للاتفاقية.
وفي ضوء ذلك، لم يكن الموقف المصري الرافض للتهجير من ناحية، والحذر في ضغطه لإنفاذ هذه الإرادة من ناحية أخرى، كافيا لجعل الحكومة الإسرائيلية تعدل عن خطتها حيال مهاجمة رفح.
ومع مهاجمة الجيش الإسرائيلي لرفح بالفعل بريا وجويا، حاول النظام المصري تصعيد نبرته ضد دولة الاحتلال، لكن بنفس الأدوات السابقة، وهي الإعلام[28] والعمل الدبلوماسي مع الأطراف المعنية.
وربما كانت الإشارة الأبرز في هذا السياق هو ما نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أنّ مسؤولين مصريين أبلغوا مدير الاستخبارات الأميركية، وليام بيرنز، وجوب ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا جدية على “إسرائيل” من أجل وقف عمليتها في مدينة رفح، والعودة إلى المفاوضات الجادة، وإلا فإن القاهرة “ستعمل على إلغاء اتفاقية كامب ديفيد”.[29]
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنّ هناك تصعيدا في اللهجة الإعلامية المصرية، المطالبة بإلغاء الاتفاقية، الأمر الذي دفع كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الاتصال بنظرائهم المصريين من أجل معرفة طبيعة هذه المطالب وحجمها ونطاقها.
لكن ما يقلل من قوة هذا التهديد -إن صح- هو أنه ليس موقفا علنيا من القاهرة، بمعنى أن النظام بعيد حتى الآن عن التلويح علنيا بورقة تعليق أو إلغاء العمل باتفاقية السلام. من ذلك، أن بيان خارجية النظام المصري حول العملية الإسرائيلية في رفح وسيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، تجاهل أي إشارة إلى أن ما فعلته دولة الاحتلال يعد خرقا لاتفاقية السلام.[30]
عدم التصريح بهكذا تهديد يدفع إسرائيل للاعتقاد بأن النظام المصري غير جاد في تهديده، ما يشجع الاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في مخططاته، باعتبار أنه بإمكانه احتواء الموقف المصري.
لكن في المقابل، وكما أوضحنا، يعمل النظام المصري بأدواته الإعلامية، وأدواته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة للضغط على دولة الاحتلال لإنهاء عملية رفح؛ خشية أن يتطور القتال ويدفع بأعداد من الفلسطينيين إلى مصر.
ورغم أن دفع الاحتلال لجزء من النازحين في رفح نحو الشمال داخل قطاع غزة، وليس نحو الجنوب في اتجاه مصر، إلا أنه ما دامت العملية مستمرة في رفح، فإن ذلك سيظل مثار قلق للنظام المصري، وسيظل النظام يضغط على إسرائيل، وعلى الولايات المتحدة لتضغط بدورها على إسرائيل لوقف العملية في رفح.
وفي هذا السياق، نقل موقع “واللا” العبري عن مسؤولين أميركيين أن إسرائيل لم تنسق “كما يلزم” مع مصر قبل احتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح؛ الأمر الذي دفع القاهرة إلى وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المعبر.[31]
وبحسب الموقع، فإن “تفاهمات مصرية – إسرائيلية” تم التوصل إليها قبل توسيع هجوم الاحتلال على غزة ليشمل منطقة رفح، جنوبي القطاع، وقال إن القاهرة تراجعت عن هذه التفاهمات عقب سيطرة الاحتلال على المعبر و”رفع العلم الإسرائيلي” فيه.
الأمر نفسه أكدته قناة “القاهرة الإخبارية” المقربة من المخابرات المصرية، حيث نقلت عن مصدر مصري، قوله إن مصر رفضت التنسيق مع إسرائيل في دخول المساعدات من معبر رفح بسبب “التصعيد الإسرائيلي غير المقبول”. وبحسب المصدر المصري رفيع المستوى، فإن القاهرة أبلغت كافة الأطراف المعنية بأن “إسرائيل تتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة”، ولفت إلى أن “القاهرة حذّرت تل أبيب من تداعيات استمرار سيطرتها على معبر رفح”.[32]
وعلى ذلك، رأت “القناة 12” الإسرائيلية أن امتناع مصر عن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي يشهد أوضاعا كارثية من جراء الحرب الإسرائيلية، قد يؤدي إلى إنهاء “العملية العسكرية في رفح” في ظل موقف القاهرة والضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية.[33]
علاوة على ذلك، أعلنت وزارة خارجية النظام المصري اعتزامها التدخل رسميا لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية؛ للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.[34]
وذكر البيان المصري أن أحد أسباب القرار هو دفع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين “للنزوح والتهجير خارج أرضهم”، مجددا مطالب القاهرة “لمجلس الأمن والأطراف الدولية المؤثرة، بضرورة التحرك الفوري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والعمليات العسكرية في مدينة رفح، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين”.
وإجمالا، فإن رفض النظام المصري المعلن لعملية رفح، خشية أن تقود إلى تهجير قسري، يعد أحد الأسباب التي تعقد الحسابات الإسرائيلية. غير أن إحجام النظام عن استخدام أوراق ضغط كبيرة قد يشجع دولة الاحتلال على المضي قُدما في اجتياح رفح، كما فعلت في معبر رفح، رغم الرفض المصري المعلن.
الدور المصري في مفاوضات وقف إطلاق النار
تاريخيا، كانت الوساطة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركات المقاومة في غزة دورا شبه مُحتكر لصالح مصر، فقد كانت مصر هي الطرف الأبرز في المفاوضات بين الطرفين خلال جولات التصعيد واتفاقات تبادل الأسرى خلال العقدين الماضيين.[35]
ويرجع ذلك إلى اعتبارات جغرافية وسياسية، فمصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تجمعها بغزة حدود تصل إلى 14 كيلومترا، كما أنها الدول العربية الأولى التي نسجت علاقات رسمية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا فضلا عن امتلاكها قنوات تواصل مع المقاومة الفلسطينية وحتى أوراق ضغط عليها بحكم سيطرتها على المعبر الوحيد للقطاع بعيدا عن معابر الاحتلال.[36]
- مزاحمة قطر لمصر في دور الوساطة
لكن هذا الدور تراجع -في بداية هذه الحرب على وجه الخصوص- لصالح قطر،[37] فبينما قادت الدوحة المحادثات التي أنتجت الهدنة المؤقتة، فإن مصر شاركت فيها فحسب، وساعدت في تنفيذ الصفقة على الأرض. وهذا ما حدث مع إطلاق سراح أسيرتين إسرائيليتين لدى “كتائب القسام” في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ تم الاتفاق بوساطة قطرية، ثم نُقلتا بسيارة إسعاف إلى الجانب المصري،[38] والأمر نفسه حدث في اتفاق الهدنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023؛ إذ كانت قطر في التي تقود المفاوضات وتعلن عن تمديد الهدنة تباعا.[39]
تراجع الدور المصري لصالح قطر -خاصة في بداية الحرب- يعود إلى عدة عوامل، أولها انخراط الولايات المتحدة بعمق في الحرب الحالية وممارستها ضغوطا على قطر ورغبتها في دفع الأخيرة إلى مساعدتها في الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.[40] هذا الحجم من الانخراط الأمريكي غير مسبوق، وهذا متفهم باعتبار أن المشهد برمته لم يسبق أن مر تاريخ القضية الفلسطينية بمثيل له من حيث الحجم والخطورة.
أما العامل الثاني فهو أن قطر وجدت نفسها، بعد “طوفان الأقصى”، تحت انتقادات دولية شديدة لاستضافتها قيادة حماس، وهذا شكل دافعا بالنسبة لها لأن تنشط في عملية الوساطة، لتحسين صورتها المتضررة لدى داعمي إسرائيل، بحسب تقييم كبير الباحثين والمحاضرين في قسم الشؤون العربية والشرق أوسطية بجامعة تل أبيب، أوفير وينتر.[41]
أما العامل الثالث، فهو أن المقاومة الفلسطينية دخلت هذه المرة إلى المفاوضات مع إسرائيل من موقع قوة، وفي أيديها عشرات الأسرى، ما مكنها من فرض مشاركة قطرية أعمق في عملية الوساطة ودفع مصر جانبا إلى حد ما.[42] وهذا يرتبط في الأصل بموقف حماس من كل من قطر ومصر، فبينما تفضل إسرائيل وساطة مصر، فإن حماس تفضل قطر، التي تستضيف قادتها وتقدم مساعدات دورية لأهل غزة.[43]
ولذلك، فإن بإمكان مصر أن تعزز فعاليتها في المفاوضات إذا زادت من تأثيرها على حماس. ويكون ذلك عبر التعامل مع الحركة باعتبارها ملفا سياسيا، لا ملفا أمنيا؛ بحيث تكون اللقاءات بين قادة الحركة ومسؤولي النظام المصري على المستوى السياسي بدلا من مسؤولي المخابرات فقط، الذين يضطلعون بهذا الدور.[44] كما يمكن للقاهرة أيضا استضافة مكتب لحركة حماس، حتى يتثنى لها امتلاك نفوذ أكبر على الحركة وفعالية دبلوماسية أكبر في ساحة ضرورية لأمنها القومي.
لكن يبدو أن ما يمنع النظام المصري من التلويح بأوراق ضغط تجاه دولة الاحتلال كي تمتنع عن تنفيذ مخطط التهجير واجتياح رفح، هو ذاته السبب الذي يمنعه من اتخاذ تلك الخطوات المقترحة؛ إذ يخشى النظام على علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذا ما فُسرت خطواته على أنها اصطفاف بجانب المقاومة الفلسطينية.
غير أن هذا التردد يمنح دولا أخرى فرصة التقدم والاقتطاع من النفوذ المصري. وهذا ليس مقتصرا على الساحة الفلسطينية -التي يخسر فيها النظام المصري بعضا من قدراته الدبلوماسية لصالح قطر- فحسب، بل هو ممتد ليشمل ساحات أخرى تعد من صلب الأمن القومي المصري، كالساحة السودانية.[45]
لكن يظل العامل الجغرافي -المتمثل في مجاورة مصر لقطاع غزة ووجود معبر رفح- يقف حائلا دون تجاهل مصر بالكلية في المفاوضات، كما أنه سيظل عاملا يعطي مصر ثقلا في أي تسويات أو محادثات تتعلق بغزة. ولذا، يمكن ملاحظة ازدياد فعالية الدور المصري في الآونة الأخيرة بالتزامن مع العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح، والتي تمس مصر بشكل مباشر.
ويرتبط بذلك اقتراب الموقف المصري من نظيره الأمريكي فيما يخص عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي رفح؛ إذ تعارض واشنطن حتى الآن عملية إسرائيلية واسعة في رفح، وهذا بدوره يمنح الموقف المصري بعض الدعم ويقوي دوره في الوساطة بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية.
وفيما يخص تفاصيل المبادرات المصرية وتطوراتها، فإننا نستعرضها في المحور القادم تحت عنوان “مصر وترتيبات غزة ما بعد الحرب”، إذ ما يهمنا هنا هو معرفة تصور النظام المصري لمستقبل غزة وموقفه من استمرار حكم حركة حماس لها، عبر قراءة البنود التي أوردتها المبادرات.
مصر وترتيبات غزة ما بعد الحرب
- الموقف من استمرار سلطة حماس في غزة
بالنظر إلى مسار علاقة نظام السيسي بحركة حماس، نجد أنه بدأ بالصدام مع الحركة مباشرة بعد الانقلاب على الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، في 2013. إذ أطلق النظام المصري حملة واسعة ضد حماس، باعتبارها فرعا عن جماعة الإخوان المسلمين.
وقد جرت تلك حملة النظام المصري التي استهدفت الحركة على مسارين: الأول إعلامي، عبر إطلاق النوافذ الإعلامية ضدها، والثاني قضائي استُخدمت فيه ساحات المحاكم ضد الحركة.
وفي 4 مارس/آذار 2014، قضت “محكمة الأمور المستعجلة” بحظر نشاط حركة حماس في مصر والتحفّظ على أموالها وغلق مقارها، كما واجه أعضاء وقادة في حماس اتهامات بالتخابر واقتحام السجون في مصر أثناء ثورة يناير 2011.[46]
لكن تحسنت هذه العلاقات فيما بعد، وظهرت بوادر هذا التحسن في أيلول/سبتمبر من عام 2015، مع زيارة مسؤولين من حماس لمصر، ثم في مارس/آذار 2016، مع زيارة أخرى لوفد رفيع المستوى من الحركة الفلسطينية للقاهرة، وإجراء لقاءات مع مسؤولي المخابرات المصرية.[47]
ورغم هذا التطور في العلاقات، يمكن القول إن انفتاح النظام على حماس جاء لأسباب تكتيكية تتعلق برغبته في لعب دور أنشط في الساحة الفلسطينية عبر التوسط بين المقاومة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يعزز موقعه لدى الإدارة الأمريكية، هذا فضلا عن حاجته إلى التعاون مع إدارة غزة، في الحرب التي يشنها الجيش المصري ضد تنظيم الدولة (داعش) في سيناء.
ولذلك، فإن النظام انفتح على حماس باعتبارها سلطة أمر واقع في غزة، ما يعني أنه قد يتحين الفرصة للمساعدة في استبدال سلطة حماس بالسلطة الفلسطينية، إذا ما توفرت الظروف.
لذلك، فالراجح أن يكون النظام المصري أحد الأنظمة العربية التي قالت عنها صحيفة “الإيكونومست” البريطانية أنها ترغب برؤية نهاية حماس،[48] وربما يكون هناك مسؤولين مصريين ضمن الذين قال الدبلوماسي الأميركي السابق، دينيس روس، أنه تحدث إليهم وأنهم أخبروه بأنه “لا بد من تدمير حماس في غزة”.[49]
وفي الواقع، فإن رغبة النظام المصري في استبدال حماس بدت في بواكير الحرب، فخلال قمة “القاهرة للسلام”، التي عُقدت في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحضرتها أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، طرحت مصر خارطة طريق للقضية الفلسطينية بشكل عام، أكد فيها على أهمية تدعيم ما وصفها بـ”السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية”، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، في الأراضي الفلسطينية”.[50]
هذا الموقف أكدته المبادرة التي التي طرحها النظام في 24 ديسمبر/كانون الأول 2023، التي أشارت إلى تخلي حماس عن السلطة في قطاع غزة بعد الحرب وتشكيل حكومة تكنوقراط تدير غزة بتفويض من السلطة الفلسطينية بطبيعة الحال.[51]
وحيث إن هذه الحرب فرصة -ربما غير مسبوقة- للتخلص من سلطة حماس في القطاع، فقد تورط النظام المصري -على ما يبدو- في إدخال ضباط من السلطة الفلسطينية إلى داخل قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى “إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية، وإنهم تسللوا بتأمين من جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي بعد اتفاق تم بين الطرفين في اجتماع لهما بإحدى العواصم العربية”، وفق تعبير داخلية غزة.[52]
ورغم نفي كل من النظام المصري تورطه، إلا أن هناك عدة إشارات لا تدعم زعمه. الإشارة الأولى هي عدد الضباط الذين دخلوا عبر معبر رفح، إذ أشار مسؤول في وزارة الداخلية في غزة أن القوة الأمنية تقوَّم بالمئات.[53] وهذا العدد من المستبعد أن يمر عبر معبر رفح في ظروف شديدة الحساسية كالتي تمر بها المنطقة دون معرفة الجانب المصري الذي يدير المعبر.
والإشارة الثانية هي أن إدخال هذه القوة الأمنية لغزة لم يكن قرارا سريعا ومنفردا من السلطة الفلسطينية، بل كان ضمن خطة معدة سلفا في إحدى العواصم العربية قبل تنفيذها بأسبوع، حسبما تشير وزارة الداخلية في غزة. ومن المستبعد أن يجري ترتيب إقليمي كهذا دون أن تكون مصر على معرفة به، خاصة وأن دور معبر رفح في هذه الخطة دور محوري.
هذه الإشارات، بالإضافة إلى الموقف المبدئي لنظام السيسي من حركة حماس تدعم السردية التي تثبت رغبته وتورطه -جزئيا- في زعزعة موقف المقاومة الفلسطينية في داخل غزة، والتمهيد لعودة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع بموافقة إسرائيلية، هذا من جانب.
لكن من جانب آخر، فإن النظام المصري لا يريد أن يذهب بعيدا في استهداف حكم حماس للقطاع بالكلية حتى لا تنهار علاقاته مع الحركة في الوقت الراهن، ولذلك سارع لنفي أي دور له في تهريب القوة الأمنية إلى داخل غزة، عند تواصل إدارة القطاع معه.
كما أطلق مسؤولي النظام تصريحات توضح أن مسألة مَن يحكم غزة بعد الحرب ليست أولوية بالنسبة له في الوقت الراهن، وهذا صرح به “شكري”، خلال لقاء خاص له في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، من أن القاهرة “تريد أن ترى السلطة الفلسطينية تحكم قطاع غزة، لكن من السابق لأوانه بحث تفاصيل ترتيبات مستقبل القطاع”.[54]
علاوة على ذلك، صرح رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، في معرض استعراضه لمبادرة مصر لوقف الحرب، أن كل ما يتعلق بموضوع الحكومة الفلسطينية “هو موضوع فلسطيني محض، وهو محل نقاش بين كل الأطراف الفلسطينية”.[55]
هذا الموقف قد نُرجعه إلى عدة اعتبارات يدخل فيها رغبة مصر في ألا تدفع حماس بعيدا عنها في هذه المرحلة التي تشهد تنافسا مع قطر على دور الوسيط، كما أوضحنا أعلاه؛ ذلك أن النظام المصري إن سعى علنا في هذا التوقيت لتقويض سلطة حماس، فإن ذلك سيؤثر سلبا على محادثاته مع قادة المقاومة، وتبعا لذلك دوره في الوساطة.
كما قد يدخل ضمن هذه الاعتبارات تقدير النظام بأن حركة حماس لا زالت تحتفظ بقوتها في غزة، وأن الضربات التي تعرضت لها على مدار 7 أشهر ونيف لم تفقدها هيكلها التنظيمي، وأن بإمكانها ترميم الهياكل المدنية ومؤسسات القطاع إذا ما توقفت الحرب، ما يعني أن ذهاب السيسي بعيدا في جهود زعزعة حكم حماس قد يرتد عليه سلبا فيما بعد.
وقد قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في أبريل/نيسان 2024، أنه من المرجح أن تظل حماس قوة في غزة عندما ينتهي القتال. كما نقلت عن مسؤولين أميركيين أن أنفاق غزة ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها بمجرد توقف القتال.[56]
وربما هذا ما دفع السيسي لإخبار مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بأنه نظامه “لن يلعب دورا في القضاء على حماس؛ لأنه يحتاج إليها للمساعدة في الحفاظ على الأمن على حدود البلاد مع قطاع غزة”.[57]
وعلى هذا، يمكن القول إن لدى النظام المصري رغبة في ألا يستمر حكم حركة حماس في غزة، وهو يدفع في هذا الاتجاه، لكن في حدود معينة لا تسمح بانهيار علاقاته مع حركة حماس في هذه المرحلة.
وربما يلخّص موقف النظام المصري، الذي يدور بين الرغبة في التخلص من حكم حماس لغزة والحذر من الانخراط بشكل واسع في ذلك، ما قاله المدير التنفيذي لـ”معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، روبرت ساتلوف، من أن “الدول العربية تأمل سرا أن تتمكن إسرائيل من تدمير حماس”، غير أن هذه الدول -وفق تعبيره- “تركز على أمنها ومصالحها الخاصة، وهي إما غير راغبة أو غير قادرة على تأدية دور يُذكر في الوصول لهذه النتيجة”.[58]
- إرسال قوات مصرية لغزة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، حاولت إسرائيل -ومن خلفها الولايات المتحدة- الترتيب لواقع مختلف للقطاع ما بعد الحرب، تُبعَد فيه حماس عن حكم القطاع وتبسُط فيه جهة “غير معادية لإسرائيل” سيطرتها الأمنية على غزة بالتعاون مع سلطات الاحتلال.
وفي هذا السياق، برزت مصر كأحد الخيارات المحتملة لحكم القطاع في مرحلة ما بعد الحرب. وتتمثل مهمة مصر، في هذا السياق، في “ضبط النظام في قطاع غزة والإشراف على إعادة إعماره”. وقد شبّه السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة، يتسحاق ليفانون، الدور المصري المقترح في غزة بأنه “على غرار الانتدابين البريطاني والفرنسي الذي كان في المنطقة خلال القرن الماضي”، أي أن “ليس إعادة غزة إلى مصر، بل إعطاء مصر تفويضا مؤقتا للوجود في غزة، لتشرف خلال هذه الفترة على بناء غزة بمساعدات مالية دولية”.[59]
وبرر السفير الإسرائيلي السابق فكرته هذه، بأن “مصر تعرف غزة وأهل غزة يحترمون المصريين كثيرا، كما أن القاهرة تتمتع بخبرة ومعلومات كبيرة فيما يتصل بغزة، وسوف تعمل على ترسيخ النظام لصالح إعادة تأهيل القطاع”. وأقر المسؤول الإسرائيلي السابق بأن “من الممكن أن يبدو اقتراح الانتداب المصري على غزة خياليا في هذه اللحظة، بل وصعب التنفيذ”، لكنه اعتبر أن الأمر قد يتحقق في نهاية المطاف، لأنه “يخدم مصالح مصر”، على حد تعبيره.
كما أشار موقع “أكسيوس” إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي اقترح نشر قوة عربية في غزة لفترة انتقالية محدودة تتولى تأمين الرصيف البحري الذي تقيمه الولايات المتحدة أمام سواحل غزة لتلقي المساعدات القادمة عبر الممر البحري من قبرص.[60]
وقد ادعت بعض المصادر العبرية موافقة مصر على هذا المقترح، إلا أن الراجح أن القاهرة ما زالت ترفضه حتى الآن.
فقد قالت القناة ال”12″ الاسرائيلية إن مصر أرسلت رسالة لإسرائيل تؤكد فيها عدم اعتراضها على إرسال قواتها إلى قطاع غزة، إذا طلبت السلطة الفلسطينية من القاهرة القيام بخطوة كهذه”. وقالت الرسالة إن “مصر مستعدة للقيام بذلك، لكنها لن تفعل ذلك بناء على طلب إسرائيلي”، مشيرة إلى أنها ستقبل بذلك إذا كان “طلب المساعدة من جار عربي”.[61]
ورغم أن مصر -وفق هذا المصدر- اشترطت أن يكون طلب إرسال قواتها فلسطينيا لا إسرائيليا، إلا أن هناك ما يدلل على أنها ترفض المقترح بالكلية حتى الآن.
ففي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي بعد نحو شهر واحد من اندلاع الحرب، زار “بيرنز” مصر، وناقش مع السيسي إرسال قوات مصرية إلى قطاع غزة. وكشفت حينها صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلا عن مسؤولين مصريين كبار، أن القاهرة ترفض إدارة الأمن في قطاع غزة حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي المسؤولية بعد هزيمة حماس. وقالت الصحيفة الأمريكية إن السيسي ومدير المخابرات المصرية، عباس كامل، ناقشا الاقتراح مع بيرنز، وأكدا له أن مصر لن تلعب دورا في القضاء على حماس؛ لأنها تحتاج إليها في الحفاظ على أمن الحدود.[62]
وبعد نحو 5 أشهر من زيارة بيرنز، يبدو أن موقف النظام المصري لم يتغير؛ إذ نقلت قناة “سكاي نيوز عربية”، في 30 مارس/آذار 2023، عن مصدر مصري رفيع المستوى أن القاهرة ترفض مسألة إرسال قوات عربية أو مشتركة إلى قطاع غزة. وقال المصدر إن “الموقف المصري يرى أن الفلسطينيين هم من يقررون مستقبل قطاع غزة “، مضيفا أن “إرسال قوات عربية أو مشتركة لغزة هو أمر غير مقبول”. كما أوضح أن “المطروح مصريا هو عودة السلطة الفلسطينية للقطاع ودعمها على النحو الذي يساعدها على الاضطلاع بمهامها”.[63]
وفي 7 أبريل/ نيسان 2024، زار “بيرنز” القاهرة مرة أخرى، وقدم مقترحا مفاده أن تدير مصر غزة لمدة 6 أشهر، تُجرى خلالها انتخابات نزيهة لتكوين حكومة تكنوقراط للسيطرة على غزة تمهيدا للاندماج مع السلطة في رام الله، غير أنه قوبل بالرفض مرة أخرى.[64]
ووفق المعطيات الحالية، يبدو أن موقف النظام المصري سيستمر على رفض إرسال قوات إلى قطاع غزة، وذلك لعدة أسباب.
السبب الأول هو موقف الجيش، الذي يضع تماسكه المؤسسي كأولوية قصوى، ولن يخاطر بتعريض استقراره وقوته ذلك للخطر، من خلال الشروع في أجندة لا تحظى بشعبية. وكان هذا أكثر وضوحا في قرار الامتناع عن الانخراط في الحروب في اليمن أو ليبيا، حيث كان أقرب حلفاء مصر في المنطقة، السعودية والإمارات، في أمس الحاجة إلى الجيش المصري.[65]
ويرتبط بذلك سبب آخر، وهو ما وصفه الدبلوماسي المصري السابق، هشام يوسف، في مقال له نشره “معهد الولايات المتحدة للسلام”، بـ”معضلة التعامل الأمني في بيئة ما بعد الحرب”.
ويقول يوسف إن “التصور في مصر والعديد من الدول العربية هو أن إسرائيل تريد التخلص من مشاكلها في غزة وجعلها مسؤولية الآخرين، وخاصة مصر”، معتبرا أن مصر -بجانب الدول العربية الأخرى- لا تقبل أن تكون طرفا في معادلة قد تقود إلى مواجهة عسكرية بين قواتها وكتائب حماس.[66]
وبالتزامن مع المقترح الإسرائيلي بإرسال قوات عربية لإدارة قطاع غزة، حذرت “فصائل تحالف المقاومة الفلسطينية” من ما وصفته بـ”خطورة التساوق مع هكذا مقترحات؛ لأنها تشكل فخا وخديعة صهيونية جديدة، لجر بعض الدول العربية لخدمة مخططاتها ومشروعها بعد فشلها الكبير في الميدان”.
وأكدت الفصائل أن “الشعب الفلسطيني العظيم الذي سجل بطولات نادرة في معركة طوفان الأقصى وحالة الصمود الشعبية الاسطورية في مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي شنها العدو الصهيوني على القطاع.. قادر على اختيار قياداته ومؤسساته لإدارة القطاع، والحفاظ على سيادته الوطنية، وكما صمد خلال الستة أشهر الماضية، قادر على إحباط كل المحاولات الإسرائيلية الأمريكية وادواتهما في المنطقة والتي تحاول النيل من إرادة شعبنا العظيم واستقلالية قراره وسيادته”.[67]
ومن الواضح أن الفصائل الفلسطينية -وعلى رأسها حماس- أرادت بهذا البيان أن ترسل رسالة مفادها أن ما فشل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي لن تنجح فيه قوات عربية إذا ما أقدمت عليه، كما أن فيه تهديدات مبطنة بأنها ستتعامل مع أي قوات أخرى في القطاع على أنها قوات احتلال، باعتبار أن تلك القوات تنتهك السيادة الوطنية الفلسطينية. كما أن من اللافت صدور هذا البيان باسم “فصائل تحالف المقاومة الفلسطينية”، في إشارة إلى اتفاق كافة الفصائل على هذا التوجه، وأن القوات العربية التي تتعاون مع الاحتلال ستصطدم -إن فعلت- بإجماع فصائلي رافض لوجودها.
أما السبب الثالث فهو أن مصر تعلم بأنها ستتكبد خسائر شعبية، حيث ستتهمها الشعوب بأنها متواطئة مع إسرائيل وأنها خذلت المقاومة؛ ذلك أن القضية الفلسطينية عادت إلى صدارة الرأي العام العربي بعد “طوفان الأقصى”.[68]
فقد أظهر استطلاع رأي لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، أُجري في الفترة بين 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 و5 يناير/كانون الثاني 2024، أن 97 بالمئة من المستطلعين، عبّروا عن شعورهم بضغط نفسي بدرجات متفاوتة، نتيجة الحرب، منهم 84 بالمئة قالوا إنّهم يشعرون بضغطٍ نفسي كبير.[69]
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين وصور الدمار الناجم عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة لم تؤد إلا إلى تأجيج المشاعر الشعبية في هذه البلدان ضد إسرائيل ومؤيديها، ودعم الفلسطينيين وكفاحهم لمقاومة الاحتلال.
هذه الحالة، التي يشترك فيها الشعب المصري مع باقي الشعوب العربية، تُعد أحد العوامل التي تُثني النظام المصري عن المشاركة في مهمة أمنية في غزة تتضمن التعاون بشكل مباشر مع إسرائيل، خاصة وأن هناك بالفعل انتقادات لدور النظام في مسألة فتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية لغزة.[70]
هذه الأسباب تدفع النظام المصري حتى الآن لرفض فكرة إرسال قوات مصرية إلى غزة، غير أن هناك مَن يرى أنها قد تضطلع بدور غير مباشر عبر تدريب قوات السلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، يعتبر الباحث في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أن بإمكان مصر، إذا طُلب منها، أن توافق على تدريب قوات الأمن التابعة “للسلطة الفلسطينية”، التي تأمل واشنطن أن تملأ بها الفراغ المفترض في غزة بعد الحرب.[71]
كما أن هناك مَن يرى أن الموقف المصري قد يطرأ عليه تغيير مستقبلا، حيث وضع الدبلوماسي المصري السابق، هشام يوسف، عدة شروط إذا توفرت، فإن مصر والدول العربية الأخرى ربما تكون على استعداد للنظر في لعب دور في أمن القطاع في مرحلة ما بعد الحرب. وأجمل المسؤول المصري السابق تلك الشروط في التالي:
أن يأتي الاتفاق في سياق خطة ذات مصداقية نحو حل الدولتين، وأن يحقق الأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن يُتعامل مع جميع الأراضي المحتلة عام 1967 كوحدة واحدة، وأن يكون هذا الاتفاق في سياق قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو في إطار مؤتمر دولي ذي مصداقية.[72]
- تخوف النظام المصري من الميناء الأمريكي
يرتبط بمنظور النظام المصري لمستقبل قطاع غزة، في مرحلة ما بعد الحرب، ملف الميناء الذي تشيده الولايات المتحدة على شواطئ غزة؛ ذلك أن الميناء لن يكون مؤقتا على الأرجح، وهذا بدوره سيهمش معبر رفح، أحد أهم الأصول التي تمنح الدور المصري أهمية في سياق القضية الفلسطينية. فمعبر رفح هو الوحيد الذي يجمع الأراضي الفلسطينية بدولة عربية، كما أنه أحد الأسباب الرئيسية لاهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتعزيز علاقاتها مع النظام المصري.
فبعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن قرار إنشاء الميناء، أصدرت 25 منظمة غير حكومية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، بيانا مشتركا تحذر فيه من أن يُستخدم الميناء لاحتلال قطاع غزة لفترات طويلة. وأكدت المنظمات أن “على الدول التأكد من أن الممر البحري لا يضفي الشرعية على الاحتلال العسكري البري الإسرائيلي المطول للقطاع من خلال استغلال ضرورة المساعدات”.[73]
وكما أوضحنا في ورقة سابقة، فإن الميناء يبدو كجزء من خطة في فرض واقع لما بعد الحرب، تكون فيه حركة حماس خارج منظومة الحكم في غزة، ويُستغل فيه الميناء على المستويات الأمنية والاقتصادية والديمغرافية. هذا الواقع الجديد المراد فرضه في القطاع دفع بعض المسؤولين الأمريكيين للتصريح بأنهم “يريدون أن يتحول الميناء المؤقت إلى ميناء تجاري مع مرور الوقت”.
وقد لاقى مشروع الميناء معارضة من النظام المصري، ورغم إحجام النظام عن إعلان رفضه لمشروع الميناء، إلا أن هناك إشارات عديدة على رفضه له.
فقد نقلت هيئة البث العامة الإسرائيلية (مكان) أن مسؤولين مصريين أبلغوا تل أبيب بضرورة فتح موانئها لإدخال المساعدات لقطاع غزة. وفي حديث للهيئة، قال مسؤول مصري إن الممر المائي الذي خُطط لإنشائه يهدف إلى تلبية احتياجات وسائل الإعلام فقط وهدفه “الشو الإعلامي”، ولكن في الواقع لا يوجد بديل عن إدخال المساعدات عبر معبر رفح وأن إسرائيل هي المشكلة الرئيسية، وفق وصفه.[74]
وأضاف المسؤول المصري المشارك في المحادثات حول الممر البحري الإنساني بين قبرص وقطاع غزة: “إن القاهرة تخشى من أن يقل الممر من دور معبر رفح، وأن يأتي على حسابها”. وتساءل المصدر: “لماذا هناك حاجة لمثل هذا الميناء في غزة؟ لماذا لا يتم إدخال المساعدات إلى الموانئ الإسرائيلية ومن هناك إلى القطاع”.
كما قال التلفزيون الإسرائيلي إن “المصريين يخشون من توقف معبر رفح الذي يعد المعبر الرئيسي لمرور المساعدات الدولية”.[75]
تخوف النظام المصري من مشروع الميناء أكده العديد من المراقبين، الذين أشار بعضهم إلى أن إنشاء الميناء يعني “التخلي عن معبر رفح كمعبر أساسي”.[76] بينما أكد بعضهم صراحة أن “معبر رفح سيخرج عن الخدمة بالتأكيد؛ لأن إسرائيل لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حركة حماس”.[77]
خاتمة
يمثل ملف التهجير التخوف الأبرز لدى النظام المصري منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة. ورغم أن الحديث تراجع عن المحاولات الإسرائيلية لإقناع مصر باستقبال جزء معتبر من سكان قطاع غزة، بعد الرفض المصري الواضح للانخراط في هذا المخطط، لأسباب مختلفة منها موقف الجيش، إلا أن التخوفات المصرية ما زالت قائمة. ويرجع ذلك إلى احتمالية نية الجيش الإسرائيلي تنفيذ مخطط التهجير قسرا، خاصة مع هجومه مؤخرا على رفح.
ويحاول النظام المصري دفع خطر التهجير، لكن دون اتخاذ خطوات تصعيدية تؤثر بشكل جدي على علاقاته بدولة الاحتلال الإسرائيلي. ولذا، فهو يكتفي حتى اللحظة بالضغط الإعلامي والدبلوماسي غير مرتفع السقف.
وبموازاة ذلك، يطرح النظام مبادرات لإنهاء الحرب، وينخرط في المفاوضات، غير أن الملاحظ أن دوره تراجع لصالح قطر، مقارنة بما كان عليه خلال العقدين الماضيين.
ورغم رغبة النظام في إبعاد حماس من السلطة في قطاع غزة، إلا أنه لا يندفع في هذا المسار حاليا، لاعتبارات وساطته بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وأيضا لأن المقاومة لا تزال -بشكل أو بآخر لديها القدرة على ترميم ما خسرته بعد انتهاء الحرب، ما يعني استمرارها نفوذها في القطاع.
المصادر
[1] Helen Regan, Caitlin Hu, Mohammed Tawfeeq, Akanksha Sharma, Nadeen Ebrahim and Sophie Tanno, CNN, Israel tells 1.1 million Gazans to evacuate south. UN says order is ‘impossible’, CNN, October 13, 2023
[2] تغريدة عن إلحاق نكبة جديدة بالفلسطينيين في غزة، الحساب الرسمي لعضو الكنيست الإسرائيلي أرييل كالنر على موقع “إكس”، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[3] Are Israel and Hamas guilty of war crimes?, Al Jazeera English, October 13, 2023
[4] YAAKOV (MENDY) OR, What is Smotrich’s frightening, suicidal plan for Israel’s future? – opinion, The Jerusalem Post, May 30, 2023
[5] Amy Teibel, Ap and Toi Staff, Intelligence Ministry ‘concept paper’ proposes transferring Gazans to Egypt’s Sinai, The Times of Israel, October 31, 2023
[6] عبد الفتاح السيسي يدعو سكان غزة إلى البقاء صامدين في أرضهم، فرانس 24، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[7] 3 خطط لتهجير أهل غزة ..كيف تعامل معها الإعلام المصري والصهيوني والغربي؟، مركز إنسان للدراسات الإعلامية، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
https://tinyurl.com/3ttk33at
[8] الأزهر يحذر الفلسطينيين من “ترك أرضهم وزوال قضيتهم”: خيرٌ لكم أن تموتوا “فرسانًا”، CNN عربي، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[9] نجلاء مكاوي، مصر وغزة: ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وبعده، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 11 يناير/كانون الثاني 2024
[10] Nayera Abdallah, Nadine Awadalla and Mohamed Wali, Egypt’s Sisi rejects transfer of Gazans, discusses aid with Biden, Reuters, October 19, 2023
[11] Israel’s Netanyahu lobbied EU to pressure Egypt into accepting Gaza refugees, Financial Times, October 30, 2023
[12] Shady ElGhazaly Harb, What’s Stopping Egypt From Stepping Up in Gaza?, Foreign Policy, November 27, 2023
[13] Steven A. Cook, Five Things You Need to Know about the Egyptian Armed Forces, Council on Foreign Relations, January 31, 2011
[14] Jonathan Adler, South into the Sinai: Will Israel Force Palestinians Out of Gaza?, Carnegie Endowment for International Peace, October 31, 2023
[15] “هناك صحراء النقب”.. السيسي يحذر من خطورة “تهجير الفلسطينيين إلى سيناء”، الحرة، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[16] Giorgio Cafiero, Why Egypt can’t and won’t open the floodgates from Gaza, Responsible Statecraft, March 5, 2024
[17] Ghaith al-Omari, David Schenker, Why Egypt Won’t Open the Border to Its Palestinian Neighbors, The Washington Institute for Near East Policy, October 24, 2023
[18] Ahmed Mohamed Hassan, Egypt discusses Gaza aid, rejects corridors for civilians, say sources, Reuters, October 11, 2023
[19] هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سامح شكري يوضح لـCNN، سي إن إن عربي، 16 أبريل/نيسان 2024
[20] إسرائيل تضع شرطا وحيدا لتعليق اجتياح رفح، الحرة، 27 أبريل/نيسان 2024
[21] بناء منطقة أمنية عازلة محاطة بأسوار في مدينة رفح المصرية شرق سيناء، الحساب الرسمي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان على موقع “إكس”، 15 فبراير/شباط 2024
[22] Mohammed Magdy, Egypt prepares for worst-case scenario as Israeli offensive in Rafah looms, Al-Monitor, February 17, 2024
[23] عائشة سيد أحمد، بعد الحديث عن محور فيلادلفيا.. هل يقوض اجتياح رفح معاهدة كامب ديفيد؟، الجزيرة نت، 12 فبراير/شباط 2024
[24] Julia Frankel, Egypt is threatening to void its decades-old peace treaty with Israel. What does that mean?, Associated Press, February 12, 2024
[25] رفح: هل يعد توغل إسرائيل المحتمل خرقا لمعاهدة كامب ديفيد مع مصر؟، بي بي سي، 12 فبراير/شباط 2024
[26] Giorgio Cafiero, Will Egypt suspend the Camp David Accords?, Responsible Statecraft, February 19, 2024
[27] آلاء رجائي، ما هو محور فيلادلفيا الذي تسعى إسرائيل السيطرة عليه؟، بي بي سي، 23 ديسمبر/كانون الأول 2023
[28] في ذكرى نكبة فلسطين.. هكذا بدأ كمال ماضي تغطية الليلة على القاهرة الإخبارية، الحساب الرسمي لقناة القاهرة الإخبارية على منصة “إكس”، 15 مايو/أيار 2024
[29] Egypt exerts leverage over Israel by threatening to cancel Camp David Accord: Israeli Newspaper, Egypt Today, May 10, 2024
[30] أول تعليق من خارجية مصر بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، سي إن إن عربي، 7 مايو / أيار 2024
[31] Egypt said to stop sending aid to Gaza to force Israel from Rafah Crossing, The Times of Israel, May 11, 2024
[32] هبة وهدان، مصدر رفيع المستوى: مصر رفضت التنسيق مع إسرائيل بشأن معبر رفح بسبب التصعيد غير المقبول، قناة القاهرة الإخبارية، 11 مايو/أيار 2024
[33] Egypt refusing to coordinate with Israel on entry of aid in Rafah — state media, The Times of Israel, May 11, 2024
[34] مصر تعلن اعتزامها التدخل دعما لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية، 12 مايو/أيار 2024
[35] Hossam el-Hamalawy, Three Factors Shaping Egypt’s Response to the War in Gaza, Arab Reform Initiative, October 27, 2023
[36] المصدر نفسه
[37] Anchal Vohra, How Qatar Became the Middle East’s Indispensable Mediator, Foreign Policy, October 28, 2023
[38] «حماس» تطلق سراح محتجَزتين أميركيتين «لدواعٍ إنسانية»، الشرق الأوسط، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[39] قطر تعلن عن توصل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتمديد الهدنة يومين إضافيين، الموقع الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
[40] Simon Henderson, Qatar’s Relations with Washington and Israel Are Being Tested, The Washington Institute for Near East Policy, October 24, 2023
[41] Assaf Uni, Egypt plays second fiddle to Qatar on Hamas mediation, Globes, November 23, 2023
[42] المصدر نفسه
[43] خالد محمود، الدوحة والقاهرة على خط مفاوضات “حماس – إسرائيل”: تنافس أم تكامل؟، عروبة 22، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
[44] محمد العربي، من العداء إلى التقارب.. لماذا دعمت مصر حماس في مواجهتها الأخيرة مع إسرائيل؟، ميدان، 21 مايو/أيار 2021
[45] Anthony Skinner, Egypt’s Approach to Conflict in Sudan: A Simmering Crisis, The Washington Institute for Near East Policy, June 23, 2023
[46] نجلاء مكاوي، مصر وغزة: ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وبعده، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 11 يناير/كانون الثاني 2024
[47] Adnan Abu Amer, Has there been a breakthrough in Hamas-Egypt ties?, Al-Monitor, March 24, 2016
[48] Many Arab governments would like to see Hamas gone, The Economist, November 16, 2023
[49] Dennis B. Ross, I Might Have Once Favored a Cease-Fire With Hamas, but Not Now, The New York Times, October 27, 2023
[50] محمد منصور، مسارات الجهود المصرية لإيقاف الحرب في قطاع غزة، المرصد المصري، 5 أبريل/نيسان 2024
[51] Shahira Amin, Egypt was mediating a deal to end the Gaza war. Then Saleh Al-Arouri was assassinated, Atlantic Council of United States, January 10, 2024
[52] الجبهة الداخلية بغزة تعلن إفشال مخطط لمخابرات السلطة ورام الله تنفي، الجزيرة نت، 1 أبريل/نيسان 2024
[53] مسؤول بداخلية غزة: معلومات أولية تشير إلى أن القوة قوامها مئات وأعد كشف بها من قبل ماجد فرج ورفع للاحتلال، الجزيرة مصر، 31 مارس/آذار 2024
[54] أسامة السعيد، ما رؤية مصر لـ«اليوم التالي» بعد «حرب غزة»؟، الشرق الأوسط، 8 ديسمبر/كانون الأول 2023
[55] أسامة السعيد، مشاورات مُكثفة حول «الإطار المصري» لإنهاء «حرب غزة»، الشرق الأوسط، 29 ديسمبر/كانون الأول 2023
[56] Julian E. Barnes, Adam Goldman, Eric Schmitt and Adam Rasgon, The Stark Reality of Israel’s Fight in Gaza, The New York Times, April 22, 2024
[57] Summer Said, Egypt Opposes Helping Manage Security in Gaza After Hamas, The Wall Street Journal, November 9, 2023
[58] Robert Satloff, From War to Peace in the Middle East? Observations from a Regional Tour, The Washington Institute for Near East Policy, February 23, 2024
[59] السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة يدعو مصر إلى “تحمل المسؤولية في غزة بعد الانتهاء من الحرب مؤقتا”، قناة i24News الإسرائيلية، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
[60] Barak Ravid, Israel proposes regional security force in Gaza, Axios, March 29, 2024
[61] رسالة مصرية لإسرائيل: لن ترفض ارسال قوات الى غزة، وكالة الأخبار الدولية، 7 فبراير/شباط 2024
[62] Summer Said, Egypt Opposes Helping Manage Security in Gaza After Hamas, The Wall Street Journal, November 9, 2023
[63] مصدر مصري رفيع: نرفض إرسال قوات عربية أو مشتركة إلى غزة، سكاي نيوز عربية، 30 مارس/آذار 2024
[64] تامر هنداوي، لواء مصري متقاعد: السيسي رفض مقترحا أمريكيا بإدارة غزة لمدة 6 أشهر، القدس العربي، 17 أبريل/نيسان 2024
[65] Shady ElGhazaly Harb, What’s Stopping Egypt From Stepping Up in Gaza?, Foreign Policy, November 27, 2023
[66] Hesham Youssef, Six Dilemmas Facing Egypt, U.S. Institute of Peace, January 18, 2024
[67] “فصائل المقاومة” ترفض مقترح إسرائيل بإرسال قوات عربية لغزة، سكاي نيوز عربية، 30 مارس/آذار 2024
[68] لماذا ترفض الدول العربية مشاركة قوات لها فى غزة؟ خبير مصري يوضح الأسباب، قناة آر تي الروسية، 2 أبريل/نيسان 2024
[69] اتجاهات الرأي العام العربي نحو الحرب الإسرائيلية على غزة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 10 يناير/كانون الثاني 2024
[70] نشطاء مصريون يطالبون بفتح معبر رفح بالكامل بعد مجزرة جباليا.. دعوا لإدخال المساعدات إلى غزة، عربي بوست، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023
[71] David Schenker, There Is a Lot More Egypt Could Do for Gaza, The Washington Institute for Near East Policy, January 9, 2024
[72] Hesham Youssef, Six Dilemmas Facing Egypt, U.S. Institute of Peace, January 18, 2024
[73] Gaza: Airdrops and sea routes are no alternative to aid delivery by land, HI Institute on Humanitarian Action, March 13, 2024
[74] الإعلام العبري: مصر تطالب إسرائيل بفتح موانئها لإدخال المساعدات لغزة، آر تي الروسية، 14 مارس/آذار 2024
[75] المصدر نفسه
[76] أمين زرواطي، ما هو مشروع ميناء غزة الذي أعلن عنه بايدن وهل سيكون بديلا لمعبر رفح البري؟، فرانس 24، 11 مارس/آذار 2024
[77] ليث الجنيدي، “نزع سيادة غزة ودعم الهجرة”.. أهداف خفية لميناء واشنطن البحري (خبير)، الأناضول، 8 مارس/آذار 2024