المحتويات |
---|
المقدمة |
الاتفاق السعودي الإيراني |
العلاقات المصرية الإيرانية.. نبذة تاريخية |
الأسباب الدافعة لتطوير العلاقة بين البلدين |
معوقات تقدم العلاقات بين البلدين |
مستقبل العلاقات بين البلدين |
الخاتمة |
مقدمة
مرت العلاقات المصرية الإيرانية بالعديد من المراحل التي سيطر على معظمها حالة من عدم التقارب، مع محاولات إيرانية للتسلل إلى إعادة العلاقة مع مصر، وفتور في الاستجابة من القاهرة، مع حفاظ الدولتين على إبقاء مساحة ولو ضئيلة من التواصل والتفاهم، وعدم الوصول الى درجة القطيعة التامة بينهما.
ولطالما ظلت حالة التوتر في العلاقات الخليجية الإيرانية ملقية بظلالها على العلاقات المصرية الإيرانية، وتعد من أهم كوابح تطور العلاقات بين الجانب الإيراني والمصري.
فرغم البعد الجغرافي بين القاهرة وطهران -والذي جعل القاهرة بمنأى عن التهديدات الإيرانية المباشرة- إلا أن العلاقات بين البلدين تجمدت عند مستوى متدنٍ لأسباب متعددة. قد يكون من أهمها حرص القاهرة على الاصطفاف إلى جوار دول الخليج لما يربطهما من تعاون استراتيجي، وتوافق نسبي في الرؤى حول غالب الملفات الإقليمية والدولية.
وفي مارس/ آذار 2023، أعلنت كل من السعودية وإيران توقيع اتفاق، في العاصمة الصينية بكين، ينص على عودة العلاقات بين البلدين في غضون شهرين. وأعرب الطرفان عن أملهما في أن يساهم الاتفاق في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، وحل الخلافات من خلال الحوار والدبلوماسية.
ويأتي الاتفاق السعودي الإيراني كمفاجأة في تحولات السياسة الخارجية السعودية، وقد عدَّه البعض مناكفة من قبل المملكة للدبلوماسية الأمريكية. كذلك اعتُبر تطورًا يأتي في الاتجاه المعاكس للسياسات الإسرائيلية الرامية إلى التطبيع مع المملكة. علاوة على ذلك، ينذر الاتفاق السعودي الإيراني بدور صيني متزايد في منطقة الشرق الأوسط، وربما يفتح عددًا من الأبواب المغلقة بين إيران وبعض بلدان العالم الإسلامي والعربي، وعلى رأسها مصر.
وقد اكتفت خارجية النظام المصري، عقب توقيع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بالقول إن مصر “تتابع باهتمام الاتفاق، وتتطلع إلى أن يسهم في تخفيف حدة التوتر في المنطقة”.[1]
ثم بعد أقل من 24 ساعة، صدر بيان آخر عن مكتب قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي ذكر أن مصر “تُقدّر هذه الخطوة الهامة”، و”تُثمّن التوجه الذي انتهجته السعودية في هذا الصدد”. لكنه أعرب، في الوقت ذاته، عن تطلع القاهرة إلى أن “يكون لهذا التطور مردودًا إيجابيًا إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية”.[2]
ويبدو أن بيان مكتب السيسي أتى استدراكًا، يحمل موقفًا أكثر تفصيلًا وضوحًا من بيان الخارجية. ورغم الاختلاف في لهجة البيانين، إلا أن الحذر كان حاضرًا في كليهما.
وردًا على البيانات المصرية قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن “مصر دولة مهمة، وإيران ومصر تقدران بعضهما بعضًا، فالمنطقة بحاجة إلى القدرة الإيجابية والتآزر بين طهران والقاهرة”.[3]
ويبدو أن الاتفاق السعودي الإيراني قد أزال معوقًا لا يستهان به أمام عودة العلاقات بين البلدين، إلا أن مآلات الاتفاق وصموده لها أهمية لدى صانع القرار المصري في خطواته تجاه التقارب من طهران، حيث تمثل المصالح الخليجية بعدًا محوريًا في صناعة السياسة الخارجية المصرية.
فدول الخليج تملك استثمارات بمليارات الدولارات في مصر، حيث تتصدر السعودية قائمة الدول الخليجية الأكثر استحواذًا على السوق المصري، بإجمالي استثمارات بلغت 53 مليار دولار، موزعة على 5300 مشروع لتكون بذلك أكبر استثمار عربي في مصر[4].
وتحتل الإمارات المرتبة الثانية، بإجمالي يبلغ 20 مليار دولار، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم ليصل إلى 35 مليار دولار خلال السنوات الخمسة القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل الملايين من المغتربين المصريين في دول الخليج، حيث يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على تحويلاتهم المالية للحصول على العملة الأمريكية، الضرورية لتعزيز احتياطي مصر من العملة الصعبة.[5]
وبعد الاتفاق السعودي الإيراني، يبدو أن الطريق بات أكثر انفتاحًا أمام كل من مصر وإيران لعودة العلاقات بينهما. وتحاول هذه الدراسة البحث في أثر الاتفاق السعودي الإيراني على العلاقات المصرية الإيرانية، وسيناريوهات هذه العلاقة في المستقبل.
الاتفاق السعودي الإيراني
لم يأتِ قرار السعودية باستئناف علاقاتها مع خصمها الإقليمي، إيران، مصادفة. ولفهم أعمق لهذه الخطوة يمكن العودة إلى الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية لشركة أرامكو السعودية، في سبتمبر/ أيلول 2019، ورد واشنطن عليها، الذي وُصف حينها بـ”الباهت”.
فقد كانت تلك لحظة مفصلية في الإدراك الأمني السعودي، حيث أيقنت الرياض عدم جدوى الاعتماد الحصري على الحليف الأمريكي، وكثفت جهودها من أجل تنويع شركائها الأمنيين والعسكريين، حتى لو تطلب الأمر التعاون مع خصوم الولايات المتحدة في قضايا ومسائل طالما ظلت حكرًا على الدبلوماسية الأميركية.[6]
وتأمل المملكة أن يساعد اتفاقها مع طهران في الحد من تعرضها للهجمات الإيرانية المباشرة، والوصول إلى حل مناسب للصراع في اليمن، بعد أن أُنهكت ماليًا وعسكريًا.
كما تأمل الرياض أن ينتج عن الاتفاق تعاون دبلوماسي قد يساعد في تقريب وجهات النظر فيما يخص فلسطين، أو العراق، أو لبنان، أو سوريا، مما يعمل على استقرار أمن المنطقة، ويتيح للمملكة مساحة أكبر لممارسة دورها الإقليمي، وكذلك للتركيز على وضعها الاقتصادي والتنمية الداخلية.
ومن جانبها، ترى إيران في التطبيع فرصة لتقليص نفوذ الولايات المتحدة، واحتواء تدخلات إسرائيل في المنطقة، وتخفيف التوترات مع جيرانها العرب بما فيهم السعودية ومصر. كذلك، تسعى إيران لتخفيف حدة العقوبات المفروضة عليها، والتي جعلتها أقل قدرة على ممارسة نفوذها خارج حدودها.
وفي ظل معاناة طهران من عجز شهري في الموازنة يبلغ مليار دولار تقريبًا، فإن الصعوبات الاقتصادية تزيد من حوافز الإيرانيين للتقارب مع السعودية.
ويتزامن اتفاق المصالحة السعودي الإيراني أيضًا مع موجة احتجاجات داخلية غير مسبوقة في طهران، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، في 16 سبتمبر/ أيلول 2022، في العاصمة الإيرانية طهران، وتصاعد مطالب بتغيير النظام، وهو ما يدفع طهران إلى تسوية خلافاتها الإقليمية، لإعطاء فرصة للتعامل مع تحدياتها الداخلية.
كما يمكن للتعاون بين الرياض وطهران أن يمنحهما سيطرة أكبر على أسعار النفط، حيث يُشكِّلان معا 35.5 بالمئة من احتياطيات أوبك النفطية، ولذا يُعَدُّ استقرار الأسعار أمرًا حيويًا لاقتصادَيْ البلدين ودافعًا مهمًا للتعاون بينهما.[7]
العلاقات المصرية الإيرانية… نبذة تاريخية
تمتد العلاقات المصرية-الإيرانية إلى عمق التاريخ، حيث تعود إلى عصر قورش الكبير، الذي حكم إيران خلال الفترة من 558-529 قبل الميلاد. فقد جرت مراسلات بينه وبين مصر إبان الحكم الفرعوني، ثم كانت مصر مجالًا للصراع بين الفرس واليونانيين، ثم بين الفرس والرومان، ثم بين الدولتين الصفوية والعثمانية إبان “العصر الإسلامي[8]“.
فترة الحكم الملكي:
وبعد سقوط الخلافة العثمانية ببضع سنوات وتحديدًا منذ عام 1928، شهدت العلاقات المصرية الإيرانية محطات تاريخية عديدة، حيث وصلت إلى المصاهرة بين العائلتين الحاكمتين، بزواج شاه إيران محمد رضا بهلوي، من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق. لكن انتهى هذا الزواج بعد ست سنوات، محدثًا توترًا بين البلدين.[9]
فترة الحكم الناصري:
ثم اتسعت هوة الخلاف بين الشاه والسلطة الجديدة في مصر، خاصة مع دعم الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، لرئيس الوزراء الإيراني حينها، محمد مصدق، ضد نظام الشاه، وتبنى سياسات معادية للتوجهات والمصالح الإيرانية.
حيث توجهت إيران ناحية الدول الغربية وخاصة أمريكا وإسرائيل على حساب علاقتها مع مصر والدول العربية، واتخذت موقفًا ضد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس. كما استعانت إيران بأمريكا وإسرائيل في تطوير جهاز مخابراتها السافاك، وتصدت مصر لحلف بغداد المساند للتوجهات الغربية والتي تزعمته إيران وتركيا.[10]
ويمكن القول إن إيران في تلك الفترة -تحت حكم الشاه- اختارت بوضوح الإنضواء تحت راية المعسكر الغربي، في حين فضلت مصر الإنضواء تحت راية المعسكر الشرقي ودول عدم الانحياز.
هذه الأسباب قادت في نهاية المطاف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.[11]
فترة حكم السادات:
عادت حالة الاستقرار بين البلدين في بداية عهد الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، حيث ارتبط بعلاقة جيدة مع الشاه، خاصة بعد مساعدة الأخير لمصر أثناء حرب أكتوبر 1973.
إلا أن هذه العلاقة توترت من جديد مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وتغير النظام الإيراني، وإعلان السادات استضافة بهلوي في مصر. أضف إلى ذلك رفض النظام الإيراني الجديد توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل، وإعلان وزارة الخارجية الإيرانية في بيان شهير لها قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر.[12]
فترة حكم مبارك:
رغم المحاولات لإعادة العلاقات بين البلدين في عهد مبارك، إلا أن التوتر استمر بينهما، فقد حرص نظام مبارك على إبقاء العلاقات بين البلدين في الحدود التي تسمح له بجعلها ورقة يناور بها في علاقته بالخليج وأمريكا وإسرائيل، فلا هي قطيعة دائمة ولا هي علاقات طبيعية.[13]
حيث ظلت المحاولات من الجانبين لإعادة العلاقة، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة منها.[14]
فترة حكم مرسي:
ومع قيام ثورة 25 يناير 2011 في مصر، بدا أن هناك بوادر لإعادة العلاقات بين البلدين، خاصة مع زيارة الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، لطهران، في 30 أغسطس/ آب 2012، لحضور فعاليات قمة دول عدم الانحياز، وكانت هذه أول زيارة لرئيس مصري منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
وفي أبريل/ نيسان 2013، زار الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجاد، مصر لحضور القمة الإسلامية في القاهرة واستقبله مرسي بحفاوة، غير أن هذه الزيارات لم ينتج عنها الكثير بشأن العلاقات بين الدولتين.
بل يمكن القول إن العلاقات وصلت لحد التدهور في أواخر عهد الرئيس مرسي. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أهمها دعم مرسي العلني للثورة السورية، ودعوته لإسقاط نظام بشار الأسد. ففي في 15 يونيو/ حزيران 2013، عُقد “مؤتمر الأمَّة المصريَّة في دعم الثورة السوريَّة”، الذي نظمته قوى إسلاميَّة وثوريَّة وشعبيَّة، وحضره الرئيس مرسي. وسبق ذلك مؤتمر آخر حمل عنوان: “علماء الأمَة الإسلاميَّة في نصرة الشعب السوري”، دعا فيه الحاضرون إلى مقاطعة البضائع والشركات والمصالح الإيرانيَّة.[15]
هذا التضارب في المواقف بين القاهرة وطهران حيال الثورة السورية، بجانب أسباب أخرى ذكرناها في ملف “العلاقات الإيرانية المصرية خلال الفترة 2010 -2020“، قادت في النهاية إلى عدم تحفظ إيران على الانقلاب الذي وقع على الرئيس مرسي.
وبعد وقوع الانقلاب، اتهم الإيرانيُّون -على لسان شخصيَّات بارزة ومقرَّبة من رأس النظام الإيراني- الرئيس مرسي بأنه لجأ إلى آل سعود الذين لم يساعدوه في الخروج من الأزمة الاقتصادية وأيَّدوا الانقلاب، وأنه سعى لإسقاط النظام السوري، ولم ينضم إلى “الثورة الإسلاميَّة” و”محور المقاومة” في المنطقة.
وعلى هذا، فإن التوقعات المتفائلة بتحسن العلاقات المصرية-الإيرانية، التي صاحبت صعود مرسي للسلطة، انقلبت في النهاية بتوتر في العلاقات، كان سببه الأبرز موقف مرسي من الثورة السورية.
فترة حكم السيسي:
اتسمت السياسة الخارجية لفترة ما بعد يونيو/ حزيران 2013 بالهدوء وعدم التصادم، فلم تصل العلاقات بين البلدين إلى أفضل حالاتها، لكنها لم تتدهور كذلك، بحيث وقفت عند عدم دعم السيسي لسياسات طهران، وعدم توافقه مع توجهاتها في غالب الملفات الإقليمية.
وتجنبت مصر الصدام مع إيران أو تبني سياسات مضادة لها، ثم ظهرت إشارات تقارب بين القاهرة وطهران ومحادثات على مستويات مختلفة.
حيث أبلغت مصر الإدارة الأمريكية، في 2019، رفضها الانضمام للتحالف الأمني الذي كان يُخطط لإنشائه في مواجهة إيران، والمعروف إعلاميًا باسم “الناتو العربي”.[16] وانحازت مصر دبلوماسيًا إلى إيران عندما رفضت القاهرة التصويت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على قرار أممي يدعو إيران إلى احترام حقوق الإنسان لجميع مواطنيها[17].
ووصل نشاط قنوات التواصل إلى ذروته بلقاء رفيع المستوى غير معلن، جرى في القاهرة، بين رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ونائب الرئيس الإيراني علي سلاجقة، الذي زار مصر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022[18].
كما جمع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، والسيسي لقاء على هامش قمة “بغداد-2″، التي استضافتها الأردن نهاية 2022، ووصفته الخارجية الإيرانية بأنه “إيجابي ومقتضب”[19].
وخلال مايو/ أيار 2023، أوضح المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أن بلاده ليس لديها أي مشكلة في “عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حُسن الجوار، واستغلال طاقات وإمكانات الدول الإسلامية لتعود بالفائدة على جميع شعوب ودول المنطقة”.
كما أعرب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، – بعد يوم واحد من تصريحات المرشد الأعلى – عن استعداد حكومة بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر، مؤكدًا أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لفت إلى أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن من جانب وزارة الخارجية.
ومن جانبها، نقلت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية عن نواب إيرانيين احتمالية إعادة فتح سفارتي إيران ومصر في كل من القاهرة وطهران قريبًا.[20]
ويبدو أن سلطنة عمان تلعب دورًا رئيسيًا في التقارب المزمع، فقد جاءت هذه التصريحات بعد زيارة أجراها سلطان عُمان، هيثم بن طارق، إلى القاهرة، وزيارة أخرى إلى طهران، بعد أسبوعين.
الأسباب الدافعة لتطوير العلاقات بين البلدين
دوافع إيران لتحسين العلاقات مع مصر:
أولًا: كسر الحصار الدولي المفروض على إيران:
تسعى طهران إلى كسر الحصار الدولي المفروض عليها والحصول على مكاسب اقتصادية خاصة في محيطها الإقليمي، في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها بسبب العقوبات الغربية.
وفي حال نجاح طهران في تطوير علاقاتها مع القاهرة، ستتمتع إيران بمزايا نسبية، نظرًا للمكانة الإقليمية التي تتمتع بها مصر، ووزنها في محيطها العربي، مما يتيح فرصة جيدة لإيران لإفشال سياسة عزلها دوليًا وحشد العداء لها خاصة بين الدول العربية، من خلال تحسين صورتها الذهنية لدى العديد من الأطراف العربية.
ثانيًا: تحييد مصر في إطار المواجهات الإقليمية القائمة
تحرص دول الخليج على استمالة مصر في سياق خصومتها الدائمة مع إيران؛ نظرًا لما تتمتع به ثقل إقليمي، من شأنه أن يُحدث فارقًا إذا ما اتحدت الرؤية المصرية-الخليجية تجاه الملف الإيراني.
وفي المقابل، فإن من مصلحة إيران أن يظل الموقف المصري على مسافة من نظيره الخليجي تجاهها. لذلك قد يكون أحد دوافع طهران من التقارب مع القاهرة في الوقت الحالي هو استغلال عودة العلاقات الإيرانية السعودية، لتمتين العلاقات مع القاهرة.
هذا التقدم المزمع في العلاقات بين مصر وإيران قد يساعد الأخيرة في الحفاظ على الأولى بعيدة عن الاصطفاف مع الخليج، ويساهم في تحييد دور مصر في الخلاف الخليجي-الإيراني، الأمر الذي يخفف الضغوط على السياسات والتحركات الإيرانية في المنطقة.
وبشكل مماثل، تسعى إيران، في سياق التوتر الذي يجمعها بـ”إسرائيل”، إلى تحييد مصر. فمع اقتراب طهران من امتلاك السلاح النووي، زادت حدة التلاسن بينها وبين “إسرائيل”، وهدد الطرفان في غير مرة بشن ضربة عسكرية ضد الآخر.
وفي ظل هذا التوتر، الذي قد يصل في المستقبل القريب إلى درجة ما من الصدام العسكري، فإن من مصلحة طهران تحييد النظام المصري.
ثالثًا: إعادة التوازن في التنافس الإيراني التركي:
إن مسارعة تركيا لإنجاز ملف تطوير علاقاتها مع العديد من دول المنطقة ومنها السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، وحتى أرمينيا (حليفة إيران ضد أذربيجان)، يزيد من الرغبة الإيرانية بأن لا تكون وحيدة ومنبوذة في المنطقة وألا تعطي فرصة لإحراز تركيا تقدمًا دبلوماسيًا إقليميًا في الصراع حول النفوذ الإقليمي، لذا قد ترى إيران في عودة علاقاتها مع القاهرة إعادة لتوازن النفوذ في المنطقة بينها وبين تركيا.
رابعًا: مواكبة مسار المصالحات في المنطقة:
بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، وقيام الإمارات والبحرين بالتطبيع مع إسرائيل، وكذلك تطوير تركيا لعلاقاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل ومحاولاتها المستمرة والحثيثة لإنجاز ذاك المسار مع مصر وسوريا، وكذلك التقدم الذي شهده ملف التطبيع بين أذربيجان وتركيا من جانب ومع أرمينيا من جانب آخر، وهي دول حدودية مع إيران، كل ذلك جعل إيران تشعر بعزلة وحاجتها كذلك إلى تطوير علاقاتها مع دول المنطقة، وهو ما جعلها تنفتح على التقارب مع مصر.[21]
دوافع مصر لتحسين العلاقات مع إيران:
أولًا: تحسن العلاقات الإيرانية الخليجية:
شهدت الفترة الماضية تطورا كبيرًا في العلاقات بين إيران ودول الخليج خاصة حليفتي مصر الرئيسيتين، الإمارات والسعودية. وهذا يعد أحد دوافع مصر للتفاعل إيجابيًا فيما يخص تطوير علاقاتها مع إيران.
فالتهديدات الإيرانية لدول الخليج كانت من أهم عوامل الخلاف بين القاهرة وطهران، وعودة العلاقات الإيرانية الخليجية يفتح الباب أمام عودة العلاقات المصرية الإيرانية بعد إزالة أحد أهم أسبابها.
بل ربما يكون أحد دوافع القاهرة للتقارب مع إيران هو رغبتها في ابتزاز دول الخليج والضغط عليها بورقة إيران، في سياسة شبيهة بالتي اتبعها مبارك كما أوضحنا. فكما أشرنا في ورقتي “الخليج ونظام السيسي.. مستجدات العلاقات وتراجع الدعم المفتوح“، و”الخلاف السعودي المصري… الدوافع والسياقات“، فإن العلاقات المصرية-الخليجية تمر بعد أزمات، تجلت في رفض الخليج للاستمرار في دعمه المفتوح للسيسي اقتصاديًا.
ولذا، فإن أحد أهداف السيسي من الملف الإيراني في هذا التوقيت، قد يتمثل في استخدامه كورقة ضغط على دول الخليج، التي تراجعت علاقاتها مع مصر خلال الفترة الماضية.
ثانيًا: حرص مصر على ترميم حالة تراجع دورها الإقليمي:
تحرص مصر على استعادة ما فقدته من نفوذ إقليمي وذلك من خلال فتح علاقات مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، ومواكبة التحالفات والمصالحات التي تجري في محيطها الإقليمي، وعدم الوقوع في فلك الابتزاز الخليجي، الذي دفع بمصر لتكون أحد أضلاع محور الحصار على قطر ثم تجاهلها في المصالحة.
وتستخدم بعض الدول الخليجية سلاح المال لتطويع السياسات المصرية لمصالحه المنفردة، بالإضافة إلى التحركات الخليجية التي تقوض من دور مصر في المنطقة، كالدعم الإماراتي الواضح للنظام الإثيوبي، رغم تعنته في مواقفه من المصالح المصرية وعلى رأسها أزمة سد النهضة. هذا فضلًا عن تطبيع الإمارات مع إسرائيل مما يجعلها تشارك مصر في دور ظلت تحتكره لعشرات السنوات باعتبارها الوسيط الفاعل في العلاقات العربية الإسرائيلية. أما في حال تقاربت مصر مع إيران، فإن ذلك يعيد شيئًا من فعالية الدبلوماسية المصرية.
ثالثًا: اهتمام مصر بتعزيز العلاقات مع دول بها نفوذ إيراني
خلال الفترة الماضية، سعت مصر لتحسين علاقاتها مع عدة دول عربية إقليمية، تلعب إيران دورًا جوهريًا في تشكيل سياساتها. أول هذه الدول -بطبيعة الحال- هي سوريا، إذ أن دعم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أحد الأهداف المشتركة بين إيران ومصر، وإن كان لكل طرف دوافع مختلفة.
ففي الوقت الذي تركز فيه طهران على دعم الأسد من باب الاشتراك في المذهب ومد النفوذ الإيراني في المنطقة، نجد السيسي يركز على الهدف ذاته، لكن من باب دعمه للجيوش النظامية في مواجهة الثورات كما في سوريا، أو مواجهة التمردات العسكرية كما في السودان حاليًا.
وهذا ما صرح به الإعلامي عمرو أديب، حين حاول تبرير إعلان السيسي دعمه جيش الأسد، حيث قال إن “السيسي رجل خريج الجيش الوطني المصري، فهو يتعاطى مع الجيوش ومنها الجيش الوطني السوري، وليس المليشيات”.[22] وقد فصّلنا محددات موقف السيسي من الأسد في ورقة “مسار التقارب بين السيسي ونظام الأسد.. الأبعاد والدوافع“.
وعلى هذا، فإن التقارب المزمع بين طهران والقاهرة من شأنه أن يقوي موقف كليهما، ويعزز تعاونهما في دعم النظام السوري.
وعلى الجانب الاقتصادي، نجد أن هناك دولًا إقليمية أخرى، حاولت مصر تعزيز التعاون الاقتصادي معها مثل العراق ولبنان. فقد انخرطت مصر مع العراق والأردن في شراكة تنموية ثلاثية، منذ عام 2019، كما تعمل القاهرة على مشروع إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.[23]
وبالنظر إلى أن لدى طهران نفوذًا في كل من لبنان والعراق، بجانب سوريا، فإن التقارب المصري الإيراني من شأنه أن يعزز هذا التوجه، ويحمي مكتسبات مصر الاقتصادية من هذه الشراكات.
رابعًا: اهتمام مصر بأمن الملاحة في البحر الأحمر
تولي مصر اهتمامًا كبيرًا بأمن البحر الأحمر لما لذلك من تأثير كبير على حركة الملاحة في قناة السويس.
ولذلك، فإن سياسة جماعة الحوثي في اليمن تجاه البحر الأحمر من الأهمية بمكان بالنسبة لمصر. وربما يدلل على ذلك ما حدث، في مارس/ آذار 2015، من إنزال بالمظلات لقوات برية مصرية لحماية ميناء المخا ومضيق باب المندب الإستراتيجي، وفق مصادر محلية.[24]
لتبعث جماعة الحوثي بعد ذلك برسالة طمأنة إلى القاهرة بخصوص تأثر الملاحة الدولية في مضيق “باب المندب” الإستراتيجي بسبب الوضع في اليمن.
وقال المتحدث محمد عبد السلام في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي يسيطر عليها الحوثيون، إنهم “مستعدون للدخول في نقاشات مباشرة لإزالة المخاوف إن وجدت، فيما يخص مضيق باب المندب وتأثيراته على الملاحة الدولية”.[25]
وتابع: “نؤكد مجددًا لأشقائنا في مصر أن يدركوا ألا صحة لتلك المخاوف إطلاقًا، وأن الهدف منها توريط الشعب المصري في المشاركة في دماء اليمنيين وسفكها بدون حق”.
وبالنظر إلى علاقة إيران الوثيقة بالحوثيين في اليمن الذين بمقدورهم التأثير سلبًا على الملاحة في البحر الأحمر، فإن هذا عاملًا آخر من العوامل التي يمكن أن تقرب بين القاهرة وطهران.
خامسًا: رغبة النظام المصري في الحفاظ علي دوره في الملف الفلسطيني:
لعبت مصر طوال العقود الماضية دورًا محوريًا في التوسط بين “إسرائيل” وفصائل المقاومة الفلسطينية. وقد ساهم هذا الدور في زيادة ثقل مصر في الإقليم، وتأكيد أهمية دورها في نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وربما من وربما من اللافت هنا هو أن الاتصال الأول الذي جمع السيسي بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 2021، كان بسبب التصعيد بين جيش الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية في غزة، بعد مرور نحو 5 أشهر على استلام بايدن لمنصبه.[26]
ولذلك، فإن مصر تبدي اهتمامًا بالحفاظ على علاقاتها مع أطراف النزاع في الشأن الفلسطيني حتى يتسنى لها استمرار دورها في التوسط بين هذه الأطراف. وفي ضوء ارتباط طهران بعلاقات وثيقة مع العديد من الفصائل في قطاع غزة ومنها حركتي حماس والجهاد وغيرهما، فإن تعزيز العلاقات المصرية الإيرانية قد يساعد مصر في الحفاظ على دور الوسيط في الملف الفلسطيني، خاصة مع تطور العلاقات بين إيران والفصائل الفلسطينية.
سادسًا: أهمية إيران الإقتصادية:
تمثل إيران ثقلًا اقتصاديًا إقليميًا سواء بعضويتها في منظمة “أوبك”، ومساهمتها الفاعلة في إنتاج العديد من المنتجات الهامة، كما تعد سوقًا كبيرًا ممكنًا للمنتجات المصرية.
وفي ظل وقوع مصر تحت أزمة دولارية خانقة، فإنها تأمل في فتح أسواق جديدة لمنتجاتها. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إيران ومصر، فإن التبادل التجاري بين البلدين لم يتوقف، وإن لم يكن بمعدلات كبيرة، حيث لم تتجاوز قيمة التبادل التجاري بينهما 100 مليون دولار.
وخلال الأعوام الماضية، استطاعت بعض المنتجات المصرية تعزيز دخول بضائعها إلى الأسواق الإيرانية[27]، أبرزها المنتجات الغذائية، والأدوية، ومستلزمات البناء، والمواد الكيماوية، والصناعات المعدنية، والهندسية. كما انفتحت مصر على السياحة الإيرانية بعد سنوات من التجميد والتوترات، وفي مارس/ آذار من العام الجاري، أوضح مسؤولون في وزارة السياحة المصرية أن القاهرة ستسمح قريبًا للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول إلى جنوب سيناء، تمهيدا لإمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.[28]
معوقات تقدم العلاقات بين البلدين
أولًا: التنافس الإقليمي هو السمة الرئيسية والممتدة للعلاقة المصرية الإيرانية عبر التاريخ، حيث تمتلك الدولتين حضارتين تاريخيتين متنافستين، ونفوذًا وحضورًا كبيرين في المنطقة على مر التاريخ. وهذا ما يحول دون إقامة “تحالف” مستقر بينهما.
ثانيًا: يُعد الموقف الأمريكي من إيران أحد المعوقات المحتملة لتقدم العلاقات المصرية الإيرانية. فمن ناحية، تمتاز العلاقة بين الجيش المصري والجيش الأمريكي بطبيعة خاصة يحرص كلا الطرفين على استمرارها، كما أوضح ملف “العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية“، المنشور على موقع “مركز المسار”.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك مفاوضات جارية بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني. ومن حين لآخر، تخرج مؤشرات متضاربة بشأن مجريات عملية التفاوض بين الطرفين ما يشير إلى صعوبتها. وعلى هذا، فإن تقارب مصر مع إيران في هذا الوقت قد يغضب الطرف الأمريكي، ويساهم في تهديد العلاقات المصرية الأمريكية، وهو ما لا تريده القاهرة بطبيعة الحال.
ثالثًا: تمثل العلاقة بإسرائيل محددًا أساسيًا من محددات العلاقات المصرية الإيرانية، وهذا يجعل القاهرة مترددة في اتخاذ خطوات جادة تجاه علاقاتها مع طهران، لسببين: أولهما لضمان عدم التأثير على التطور في العلاقات المصرية الإسرائيلية، والثاني هو تفادي الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حال أي صدام عسكري بين تل أبيب وطهران.[29]
رابعًا: قلق إيران من علاقات مصر مع العراق وسوريا ولبنان. فعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قال إن بلاده ترحب بمشروع الشراكة بين العراق والأردن ومصر، إلا أن طهران قد تنظر إلى التقارب الثلاثي باعتباره مصدر تهديد وخطر على علاقاتها مع العراق وتقليصًا لدورها الإقليمي.
فضلًا عن ذلك تنظر طهران إلى مشروع نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا على أنه موجه للضغط عليها، خاصة مع سعيها إلى تزويد وإرسال شحنات من نفطها إلى لبنان.[30]
وفي ذلك الإطار، تدرك إيران أن أي تقارب عربي مع سوريا سوف يؤثر على العلاقات بين طهران ودمشق بشكل أو بآخر، خاصة وأنها محل مساومة متوقعة في كل تحرك عربي تجاه دمشق.[31]
خامسًا: تقلبات العلاقة الإيرانية مع دول الخليج العربي، فعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية في مسار العلاقات بين إيران وكل من السعودية والإمارات، كما سبقت الإشارة، فإن العلاقات الخليجية الإيرانية تتسم بالتقلب والتحول السريع بسبب فقدان الثقة بين الجانبين إضافة إلى الخبرات السلبية السابقة.
سادسًا: بصرف النظر عن أي تطورات، فإن مصر حريصة على إبقاء العلاقة مع إيران ورقة مناورة استراتيجية في يدها في علاقاتها مع دول المنطقة، خاصة أنها تطرح نفسها كقوة عربية في مواجهة الخطر الإيراني. وهذا يجعل القاهرة في حالة تردد فيما يتعلق بإعادة علاقاتها مع طهران؛ لأن تقوية علاقاتها مع إيران وزيادة ملفات التعاون معها، سيُفقدها هذه الورقة.
مستقبل العلاقات بين البلدين
السيناريو الأول :عودة العلاقات الكاملة بين البلدين:
ربما تقود المستجدات الإقليمية العلاقة بين البلدين إلى أفاقًا أرحب من تطور العلاقة. فعودة العلاقات الإيرانية الخليجية، وتقارب وجهات النظر بين البلدين حول العديد من القضايا الإقليمية کالقضية السورية، والأسباب الاقتصادية لکلا البلدين، وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وحدوث فجوة في علاقات مصر مع أمريكا وإسرائيل، واقتراب القاهرة من محور موسكو-طهران والمعسكر الشرقي، كل ذلك يعزّز من تحقيق هذا السيناريو.
ولكن يبدو أن مستقبل الاتفاق النووي واحتمالية نجاح محادثات فيينا، ومستوى العلاقات بين طهران وواشنطن وتخوفات مصر من غضب دول الخليج، وتوقف الدعم، والغضب الأمريكي والإسرائيلي، كلها من العوامل التي قد تكبح سيناريو التقارب.
وفي الحقيقة، تعد نقطة الضعف الأساسية في سيناريو التقارب هي صعوبة وجود قواسم مشتركة ممكنة بين البلدين دون تخلي أحدهما عن جوهر تحالفاته الإقليمية والدولية. فلا إيران ستتخلى عن نفوذها بالخليج والمشرق العربي إرضاء لمصر، ولا مصر ستتخلى عن تحالفاتها العربية الخليجية والإقليمية إرضاء لإيران.
كما أن المنظومة القيمية للبلدين ليست في درجة عالية من الانسجام، بحيث يمكن معها تصوّر قيام تحالف بين البلدين. لذلك تشير المعطيات القائمة إلى أنّ هذا السيناريو غير مرجّح، على الأقل في المدى القريب أو المتوسط.
السيناريو الثاني: استمرار الوضع الحالي لمستوى العلاقات:
يستند هذا السيناريو على أنّ التقارب الكامل بين القاهرة وطهران لن يحدث على المدى القصير. ولكن ربما يكون هناك بعض التفاهمات حول عدد من الملفات ذات العلاقة بينهما کعدم الإساءة لأطراف البلدين أو انتهاج خطاب سياسي أو إعلامي هجومي، والتعاون على دعم نظام الأسد، واتخاذ آليات محددة لتسهيل حركة السياحة الإيرانية إلى مصر، وعدم اعتداء المليشيات الموالية لإيران على الشركات المصرية العاملة في العراق، وعدم انضمام القاهرة إلى المخططات السياسية والعسكرية المناهضة لإيران.
فضلًا عن حرص القاهرة على انتظار مآلات الموقف الخليجي، فالمشاكل الاقتصادية قد جعلت مصر غير قادرة على تبني سياسة خارجية مستقلة بسبب الضغوط الاقتصادية، التي تجعل من الصعب على مصر تجاهل الموقف الخليجي من إيران. إذ يبدو أن النظام المصري ما زال مستمرًا في جهوده لاجتذاب الدعم الاقتصادي من الخليج بشكل أو بآخر، ولذا، فإن من الصعب أن يذهب السيسي بعيدًا في علاقاته مع طهران، رغمًا عن الموقف الخليجي.[32]. هذا فضلًا عن تخوف القاهرة من رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي على تقاربها من طهران.
الخاتمة
وفي ضوء كل ما سبق، يُتوقع أن تظل مصر، كما كانت خلال العقود الماضية، “عقدة” في مسار العلاقات العربية-الإيرانية في المدى المتوسط أو القريب، لأن العوامل التي تتحكم في العلاقات بين البلدين على درجة كبيرة من التعقيد والتداخل، فضلًا عن عدم وجود حاجة مصرية ملحة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، للإعادة الكاملة للعلاقات مع طهران.
وأخيرًا لأن هذه العلاقات ترتبط، بعوامل عربية وإقليمية ودولية. هذا فضلًا عن أن جُل الاهتمامات المصرية فيما يتعلق بالعلاقة مع طهران هي اهتمامات أمنية تتعلق بدور إيران في غزة، وارتباطها بأمن البحر الأحمر، وهذه كلها أمور يمكن التنسيق بشأنها ضمن الإطار الأمني والاستخباراتي دون حاجة ملحة لخطوات كبيرة على المستوى السياسي قد تكلف القاهرة في الوقت الحالي تبعات ليست مستعدة لها في تفاقم أزماتها الداخلية.
المصادر
[1] أول تعليق من مصر على اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران،صدى البلد،10 مارس/آزار 2023، https://www.elbalad.news/5684057
[2] السعودية تستأنف علاقاتها مع إيران.. ماذا عن مصر؟،mdeast news،14 مارس/آزار2023، https://cutt.us/XGf0e
[3] الطريق الصعب لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية، ستراتيجيوس،27 مارس / ازار 2023، https://cutt.us/MPuCm
[4] الاستثمارات السعودية في مصر تجأوزت 53 مليار دولار،RT،21 يونيو/حزيران 2022، https://cutt.us/J9xuE
[5] 20 مليار دولار استثمارات إماراتية بمصر،الإمارات اليوم28 مايو /أيار 2022، https://cutt.us/3T5j0
[6] أسرار المصالحة السعودية الإيرانية.. ماذا ستكسب الرياض وطهران؟ وما طبيعة دور الصين؟ ،الجزيرة،13 مارس /ازار 2023، https://cutt.us/Zo1co
[7] أسرار ومكاسب المصالحة السعودية الإيرانية وأولى ثمارها تظهر ،اخبار الدفاع والتسليح العربي،16 مارس / آزار 2023، https://defense-arab.com/news/70956/
[8] الطريق الصعب لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية ،ستراتيجيوس، 27 مارس /آزار 2023، https://cutt.us/MPuCm
[9] العلاقات المصرية الإيرانية: ترحيب إيراني باستئناف العلاقات وهدوء حذر من القاهرة،bbc،31مايو/ أيار 2023، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65766966
[10] العلاقات المصرية الإيرانية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر،مجلة قطاع الدراسات الانسانية -جامعة الأزهر ،العدد18 2016، https://jsh.journals.ekb.eg/article_28217.html
[11] العلاقات المصرية الإيرانية: أبرز المحطات التي مر بها البلدان،bbc،31 مايو/ أيار 2023، https://www.bbc.com/arabic/media-65767570
[12] العلاقات المصرية الإيرانية … من الوئام الي الصدام،بوابة افريقيا الإخبارية،12 يناير /كانون الثاني2023، https://cutt.us/w8xS3
[13] العلاقات الإيرانية المصرية خلال الفترة 2010 -2020،المسار للدراسات الانسانية ، 31 اكتوبر / تشرين الاول 2020، https://almasarstudies.com/studies-egypt-iran-2010-2020/
[14] العلاقات المصرية الإيرانية في عهد مبارك،الجزيرة نت،8 اغسطس/آب 2011، https://studies.aljazeera.net/en/node/2546
[15] البيان الختامي لمؤتمر العلماء لنصرة سوريا، طريق الإسلام، 14 يونيو/ حزيران 2013
[16] مصر تنسحب من حلف الناتو العربي،عمون،11 ابريل / نيسان 2019، https://www.ammonnews.net/article/451766
[17] امتنعت عن التصويت.. لماذا لم تؤيد مصر إدانة إيران في الأمم المتحدة؟،الحرة،22 نوفمبر / تشرين الثاني 2020، https://cutt.us/JwlbL
[18] لقاء مصري إيراني في القاهرة – العربي الجديد ،العربي ،19 نوفمبر / تشرين الثاني 2022، https://cutt.us/Lihpi
[19] إشارات إيرانية بشأن التقارب مع مصر… والقاهرة تلتزم نهجاً «متوازناً»،الشرق الأوسط،3 يناير/كانون الثاني 2023، https://cutt.us/PhP3v
[20] العلاقات المصرية الإيرانية: ترحيب إيراني باستئناف العلاقات وهدوء حذر من القاهرة، بي بي سي، 31 مايو/ أيار 2023
[21] طهران تعلق على وساطة العراق في عودة العلاقات بين مصر وإيران،rt،8 مايو / أيار 2023، https://cutt.us/wOOt3
[22] وكالة الأناضول، انتقادات واسعة لحديث السيسي عن دعم “الجيش الوطني السوري”، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016
[23] مصر والأردن وسوريا ولبنان يتفقون على توصيل الغاز المصري للبنان ،اليوم السابع 8 سبتمبر / أيلول 2021، https://cutt.us/bY8ps
[24] رسالة طمأنة من الحوثيين لمصر بشأن باب المندب، الجزيرة نت، 4 أبريل/ نيسان 2015
[25] المصدر نفسه
[26] الأناضول، في أول اتصال.. بايدن يبحث مع السيسي وقف التصعيد بغزة، 20 مايو/ أيار 2021
[27] توقعات بانتعاشة اقتصادية بين مصر وإيران،ذات مصر 21 مايو /أيار2023، https://www.zatmisr.com/6074
[28] لماذا تتقارب مصر وإيران الآن؟ وماذا يكسب كل طرف من هذه المصالحة إذا تمّت؟،سبوتينيك،18 مايو/أزار 2023، https://cutt.us/LG2GL
[29] الطريق الصعب لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية ،ستراتيجيوس،27 مارس / ازار 2023، https://cutt.us/MPuCm
[30] تصدير الغاز المصري إلى لبنان عبر سورية يصطدم بنفوذ إيران وروسيا ،العربي 6 سبتمبر/أيلول2021،، https://cutt.us/5nGAL
[31] كيف يُؤثر التقارب العربي – السوري على «طموحات» طهران؟ ،الشرق الأوسط،28 فبراير/ شباط 2023، https://cutt.us/s5jgu
[32] هل تخطت الديون المصرية الحدود الآمنة؟،اندبندنت،23 يوليو /تموز2022، https://cutt.us/SQw1d