مبدأ المحاكمات العادلة… تناقضات التشريع والممارسة في مصر
المحتويات |
---|
مقدمة |
مفهوم المحاكمة العادلة |
شروط المحاكمة العادلة |
المعاهدات الدولية الملزمة لمصر |
حقوق الإنسان في الحالات الاستثنائية |
الإطار الدستوري لمبدأ المحاكمة العادلة في مصر |
مبدأ المحاكمة العادلة في الواقع المصري |
خاتمة |
مقدمة
تحظى مسألة حقوق الإنسان باهتمام القانون الدولي وكثير من المؤسسات الدولية، ومن أهم ضمانات حقوق الإنسان، حق حصوله على محاكمة عادلة. وتعددت الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية التي أكدت على هذا المبدأ، وبدورها، وكانت مصر من أوائل الدول التي انضمت إلى تلك المعاهدات الدولية، التي نستعرضها في متن الورقة.
ورغم أن الدستور المصري، حتى هذا الذي كتبته السلطات الانقلابية، جاء منسجمًا مع ذلك المبدأ -بشكل أو بآخر- وملتزمًا بتحقيقه، إلا أن الواقع العملي لإنفاذ هذا المبدأ يتعرض لانتهاكات جسيمة؛ بغرض النيل من المعارضين السياسيين، وإفراغ المجال السياسي والاجتماعي أمام سلطوية النظام الحاكم، الذي صنع بيئة خصبة من تجريد المتهمين السياسيين من حقوقهم الإنسانية، وغياب سيادة القانون، والتمييز بين المواطنين، والتهميش الإجتماعى والإقتصادى، والافتقار إلى الحكم الرشيد.
وفى مصر ومنذ العام 1992، تدخل المشرّع المصرى، وبدأت قوانين مكافحة الإرهاب فى الظهور والتغلغل داخل البنية التشريعية المصرية، وكان أولها القانون رقم 97 لسنة 1992 الصادر بشأن مكافحة الإرهاب، وآخرها القانون رقم 14 لسنة 2020، المتضمن تعديلات على قانون تنظيم الكيانات الإرهابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل امتثل النظام المصري للمواثيق والمعاهدات الدولية وأحكام الدستور، واتخذ تدابير لحماية حقوق الإنسان في تعامله مع معارضيه؟
هذا ما تحاول هذه الورقة أن تجيب عنه من خلال التعريف بمبدأ المحاكمة العادلة، وموقف التشريعات المصرية من هذا المبدأ، وواقع مبدأ المحاكمة العادلة في التطبيق المصري. [1]
مفهوم المحاكمة العادلة
تطرق الفقه القانوني إلى تعريف المحاكمة العادلة، وعرفها البعض بأنها “حق الفرد المشتبه فيه، أو المتهم، أو المحكوم عليه، قبل أو أثناء أو بعد مثوله أمام المحكمة، في التمتع بالحقوق والضمانات والآليات الموضوعة سلفًا في القانون، والتي تتماشى مع مبادئ العدل والإنصاف، وتساير مبادئ حقوق الإنسان، بوجه يجعل الإدانة حقًا للمجتمع في قمع الجريمة وجزاءً للفرد، والبراءة حقًا لهما معًا”[2].
وتُعرف المحاكمة العادلة بأنها تلك التي تتطلب محاكمة المتهم أمام محكمة مستقلة ومحايدة، ومُشَكَّلة بحكم القانون.
ويتاح للمتهم من خلالها الدفاع عن نفسه، ولا يجوز فيها إخضاعه لمعاملة قاسية، أو تعريضه للضرب والتنكيل والتعذيب والإهانة، مع تمكينه من الطعن على الحكم الصادر ضده أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة مصدرة الحكم، وهي من الحقوق الأساسية للإنسان.[3]
وبالنتيجة نخلص إلى أن الحق في المحاكمة العادلة هو حق يضمن للفرد حماية حقوقه أمام القضاء. وهذا ما يعد تطبيقًا للعدل والمساواة، ولا يمكن تحقق ذلك إلا إذا اتصف القضاء بالصفات التي نص عليها القانون المنظِّم لهذه المحاكم، والتي يمكن من خلالها تحقيق العدل والإنصاف للأفراد. [4]
شروط المحاكمة العادلة
المحاكمة العادلة هي حق أساسي للإنسان، حيث تحميه من التعسف والظلم، وتضمن تفعيل العدالة والقانون. ولكن، يجب أن تلبي المحاكمة بعض الشروط الأساسية لتُعتبر عادلة. وهذه أبرز الشروط:
1- الحق في الدفاع: يجب أن يتاح لكل متهم حق الدفاع عن نفسه، وأن يوفر له القانون الخيار بتعيين محامٍ يمثله.
2- الحق في المحاكمة العلنية: يجب أن تكون المحاكمة علنية وشفافة، وأن يكون بإمكان الجمهور حضور المحاكمة.
3- افتراض براءة المتهم: يجب أن يعتبر المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته.
4- الحق في الاستجواب: يجب أن يتاح للمتهم حق الإجابة عن التهم الموجهة له، وأن يُستجوَب بطريقة مهنية وغير تعسفية.
5- الحق في الحكم العادل: يجب أن يصدر الحكم بعد اتباع كافة الإجراءات القانونية، وأن يكون مبنيًا على الأدلة والشهود.
ونعود للتأكيد على أن حق المتهم في المحاكمة العادلة يعد أحد الحقوق الإنسانية الأساسية، ويتعين على الدول الالتزام بتوفير هذا الحق. وفي المقابل، فإن عدم ضمان هذا الحق يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، ويجعل الحكم غير قانوني. ومن هذا الباب، يتوجب على القضاة والمحامين الالتزام بالشروط الواردة أعلاه؛ لتحقيق العدل.[5]
المعاهدات الدولية الملزمة لمصر
تعددت الجهود الدولية التي أولت اهتمام لحق الأفراد في اللجوء إلى القضاء وتمتعهم بمحاكمة عادلة لإرجاع الحقوق، ومن الجهود التي نصت على حق الأفراد في المحاكمة العادلة؛ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وإعلان حقوق الإنسان في الإسلام ، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ،والميثاق العربي لحقوق الإنسان ، وعليه سنقوم ببيان ما ورد في الاتفاقيات والمعاهدات السابقة والتي تضمنت شروطاً يتعين على القضاء التمتع بها في حال لجوء الأفراد إليها .
أولًا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبدأ المحاكمة العادلة
تعد مصر من أوائل الدول التي ساهمت بشكل كبير في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 [6] .
وهو وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، بموجب القرار 217، بوصفه أنه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. [7]
وقد نصت المادة (10) منه على أنه “لكل إنسان -على قدم المساواة التامة مع الآخرين- الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرًا منصفًا وعلنيًا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية حقوق جزائية توجه إليه”[8].
ثانيًا: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومبدأ المحاكمة العادلة
اعتُمِد “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” وعُرِض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 (د-21)، المؤرخ في 16 ديسمبر /كانون الأول 1966.[9]
وقد انضمت مصر لهذا العهد بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981 الصادر فى أول أكتوبر/تشرين الأول سنة 1981، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 15 فى 15 أبريل/نيسان سنة 1982 . [10]
وقد جاءت المادة 14 مؤكدة على المساواة بين الأفراد أمام القضاء، والإنصاف والعلنية في المحاكمة، وأن تكون المحكمة ذات حيادية ومستقلة، وعدم محاكمة الشخص عن ذات الجريمة مرتين، وغيرها من الحقوق الواردة في نص المادة[11].
ثالثًا: إعلان حقوق الإنسان في الإسلام 1990
أجاز مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي “إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام”، في القاهرة، بتاريخ 5 أغسطس/آب 1990. وكانت مصر من أوائل الدول الموقعة عليه، وكان هدف الوثيقة إقامة نظام إسلامي لحقوق الإنسان على أساس مبادئ الشريعة الإسلامية.[12]
وجاء بالمادة 11 منه، أن الإنسان يولد حرًا وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله ولا عبودية لغير الله تعالى. بينما نصت المادة 18 على أن “لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنًا… ولا يجوز التجسس أو الرقابة عليه أو الإساءة إلي سمعته وتجنب حمايته من كل تدخل تعسفي”.
ونصت المادة 20 على أنه “لا يجوز القبض على إنسان أو تقييد حريته أو نفيه أو عقابه بغير موجب شرعي. ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني أو النفسي أو لأي من أنواع المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية” [13].
رابعًا: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
انضمت مصر لهذه الاتفاقية بموجب القرار الجمهورى رقم 154 لسنة 1986، الصادر فى 6 أبريل/نيسان سنة 1986، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد الأول فى 7 يناير/كانون الأول سنة 1988. [14]
وتهدف الاتفاقية إلى منع التعذيب في جميع أنحاء العالم، كما تُلزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب داخل حدودها.
ونصت المادة 11 من هذه الاتفاقية على أن “كل دولة تبقى قيد الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب، وتعليماته وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين تعرضوا لأى شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أى حالات تعذيب”.
بينما نصت المادة 12 على أن “كل دولة طرف تضمن قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه، كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملًا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية”. [15]
خامسًا: الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981
انضمت مصر لهذه الاتفاقية بموجب القرار الجمهورى رقم 77 لسنة 1984 الصادر فى 27 فبراير/شباط سنة 1984، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 17 في 23 أبريل/نيسان سنة 1992.[16] ويعبر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان على ضرورة احترام مبدأ الحرية والمساواة والعدالة والكرامة ، وأن هذه المبادئ هي أساسية في سبيل تحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية[17].
وربما من المناسب هنا التطرق إلى أن الميثاق الأفريقي تناول مبدأ الحق في المحاكمة العادلة من خلال ما ورد في المادة 7 من الميثاق والتي نصت على:
1. حق التقاضي مكفول للجميع ويشمل هذا الحق:
أ- الحق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة بالنظر فى عمل يشكل خرقا للحقوق الأساسية المعترف له بها، والتي تتضمنها الاتفاقيات والقوانين واللوائح والعرف السائد
ب- الإنسان برئ حتى تثبت إدانته أمام محكمة مختصة
ج- حق الدفاع بما فى ذلك الحق فى اختيار مدافع عنه
د- حق محاكمته خلال فترة معقولة وبواسطة محكمة محايدة
2. لا يجوز إدانة شخص بسبب عمل أو امتناع عن عمل لا يشكل جرمًا يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه، ولا عقوبة إلا بنص، والعقوبة شخصية.
الحق في المحاكمة العادلة في الحالات الاستثنائية
لم يغب مبدأ المحاكمة العادلة وما يمثله من ضمانات للمحافظة على حقوق الإنسان عن الفقه والقانون الدولي، الذي أكد على وجوب إحترام حقوق الإنسان وحرياته خلال فترات محاكمته، حتى في حالات الضرورة والاستثناء.
وألزم القانون الدولى الحكومات -التي تتذرّع بوجود حالة الضرورة- بالعديد من القيود لضمان مراعاة حقوق الإنسان، أثناء إتخاذ التدابير التي تراها مناسبة لمواجهة حالة الضرورة تلك.
وقد أحاط القانون الدولي سلطة الدولة بالعديد من القيود الإجرائية والموضوعية في حالات الضرورة تلك، نذكر منها ما يخص موضوع الورقة:
1- قيد التأقيت:
ويتمثل في أن تكون الإجراءات، أو التدابير، أو القانون الاستثنائى، لمدة زمنية مؤقتة ومحددة.
ويعنى التأقيت وجوب أن يكون إنهاء الحالة الطارئة أو الإستثنائية إجراءً فوريًا بمجرد انتهاء مدة الظرف الإستثنائي، أو بمجرد أن تتمكن السلطات من السيطرة على هذه الظروف أيهما أقرب.[18]
ويؤكد هذا القيد على وجوب العودة فور إنتهاء الحالة الاستثنائية إلى تطبيق القوانين العادية، ورفع كل القيود والإجراءات المفروضة على حقوق وحريات الأفراد ووقف سريان أى قوانين إستثنائية.
ويشدد على ضرورة أن تراجع الدولة الآثار الجائرة التي تكون قد لحقت بحقوق وحريات الأفراد، وأن تتخذ الإجراءات التصحيحية التعويضية اللازمة لمحو هذه الآثار دون تأخير.
2- قيد اللزوم والتناسب:
ويعني مبدأ اللزوم والتناسب أن الإجراءات التى تتخذها الدولة بادعاء مواجهة ظرف إستثنائي، هى إجراءات ضرورية ولازمة لمواجهة هذا الظرف ومتناسبة مع شدة الأزمة أو الخطر الذي يواجه الدولة.
كما أن هذا المبدأ يتضمن أن يكون تطبيق تلك الإجراءات مؤقتًا بتأقيت الظروف الإستثنائية التى استدعت تطبيقها.
علاوة على ذلك، فإن هذا المبدأ يعمل على أن توفر تلك الإجراءات حد أدنى من تدابير الحماية المانعة من التعسف، كبديل مؤقت لما يتم إيقافه أو تعطيله من الضمانات بموجب هذه الإجراءات الإستثنائية.[19]
3- عدم جواز المساس بالحقوق والحريات ذوات الحصانة:
استقر القانون الدولي على أن هناك عددًا من الحقوق والحريات التى لا يجوز وقفها أو الانتقاص منها، حتى في الحالات الإستثنائية -مثل مواجهة الإرهاب- وذلك نزولًا من المجتمع الدولي والضمير الإنسانى على أهمية حماية تلك الحقوق والحريات، خاصة وأن التزام الدولة بحمايتها لا يتطلب منها سوى الإمتناع عن المساس بها.[20]
وقد شهدت تلك المجموعة من الحقوق والحريات جهودًا دائمة لتوسيع دائرتها. فقد بدأت بأربعة حقوق فقط، إلى أن انتهت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى تحديد تلك الحقوق والحريات بقائمة شملت ستة عشر حق. ونكتفي هنا بإيراد الحد الأدنى منها، وهو الوارد بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
- الحق فى الحياة (م/6).
- تحريم أعمال التعذيب والعقوبات اللاإنسانية أو المهينة (م/7).
- عدم جواز تطبيق القوانين بأثر رجعي (م/15).
- تحريم الرق والعبودية وأعمال السخرة (م/8).
- عدم جواز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام عقدي (م/11).
- الحق في الاعتراف للفرد بالشخصية القانونية أمام القانون (م/16).
- حرية الفكر والوجدان والمعتقد الديني (م/18).
وإلى جانب ما سبق، تبنى القانون الدولي -الملزم لكافة الدول ومنها مصر- عددًا من المبادئ والشروط والأوصاف التي يجب أن تتوافر فى أى قانون معني بمواجهة الأرهاب، كحالة استثنائية تبيح للدولة تقييد، أو الانتقاص من، أو وقف بعض حقوق وحريات مواطنيها ومنها:
- يجب أن تكون صياغة هذه القوانين دقيقة وغير تمييزية وغير رجعية الأثر، ومتوافقة مع القانون الدولي.
- يجب أن تكون القوانين التي تفرض عقوبة جنائية، مكتوبة بطريقة تحقق وتوفر تنبيها معقولًا عن ماهية السلوك المحظور والمجرَّم، بمعنى أن تكون الجرائم والعقوبات محددة بوضوح تام.
- فى سياق مكافحة الإرهاب، يجب أن يكون الاتهام مبنيًا على شبهة معقولة، وذلك يفرض مسبقًا وجود وقائع ومعلومات من شأنها أن تقنع مراقبًا موضوعيًا بأن الشخص المعني بالاتهام ربما يكون قد ارتكب جريمة.
- عندما يصبح الانتماء إلى منظمة إرهابية جريمة جنائية، فإنه ينبغى تطبيق ضمانات محددة وهي: أن تُحدَّد المنظمة بأنها إرهابية على أساس أدلة واقعية من أنشطتها، وأن يكون تحديد المنظمة بأنها إرهابية من جانب هيئة قضائية مستقلة، وأن يُعرَّف مصطلح “إرهابى” بشكل واضح.
- تمتع أى متهم بالإرهاب بقرينة البراءة ومقتضايتها، وضرورة إبلاغه فورًا وبالتفصيل بطبيعة التهمة الموجهة إليه وسببها؛ بغرض توفير المعلومات لإعداد وتقديم دفاع عنه.[21]
واستقر القانون الدولى على أن يلحق بهذه الحقوق والحريات:
- عدم جواز تقييد حق الشخص في الطعن في شرعية الاحتجاز.
- الحصول على محاكمة عادلة ومنصفة.
وذلك على إعتبار أن ضمان هذين الحقين ضمانة ضرورية وجوهرية لصيانة الحق فى الحياة والسلامة البدنية، بوصفهما من الحقوق التى لا يجوز للدول تقييدها حتى في الحالات الإستثنائية.
وأكد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن “قرينة البراءة تُنتهك عندما يحتجز شخص ما فيما يتعلق باتهام جنائى لفترة طويلة من الزمن، كاحتجاز وقائي دون مبرر مناسب؛ لأن الإحتجاز يتحول لعقوبة بدلًا من كونه تدبيرًا إحترازيًا، كما أنه بذلك يصبح بمثابة إدانة تستبق الحكم القضائى”.
هذا فضلًا عن أن “ظروف الاحتجاز غير الملائمة قد لا تشكل معاملة لا إنسانية فحسب، وإنما تؤثر أيضًا بالسلب على الحق في محاكمة عادلة”.
علاوة على ذلك، فإن لظروف الاحتجاز تأثير على المساواة بين الإدعاء والدفاع، وعندما تكون ظروف الاحتجاز غير ملائمة لدرجة أنها تُضعف المعتقل إلى حد خطير قبل المحاكمة، وبالتالى تضعف المساواة، فإن المحاكمة العادلة لا تعود مضمونة، حتى لو اتّبعت ضمانات المحاكمة العادلة الإجرائية بكل دقة فيما عدا ظروف الاحتجاز”. [22]
الإطار الدستوري لمبدأ المحاكمة العادلة في مصر
تضمن دستور السلطات الانقلابية فى ديباجته التأكيد على حق كل مواطن فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وتمتعه بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية، وأنه دستور يتسق مع إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
وأفردت مواد الدستور الساري الآن بحكم الواقع، والصادر عام 2014 العديد من المبادئ والحقوق،[23] بل زاد فى كثير من مواضعه بعدم جواز صدور أى قانون يقيد أو يمس أصل وجوهر حقوق وحريات المواطنين، كونها حقوقًا وحرياتٍ لا تقبل تعطيلًا أو انتقاصًا، وذلك بالتماشي مع اتفاقيات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، ومنها:
- مبدأ الحق في المحاكمة العادلة:
أقر الدستور هذا المبدأ بالمادة 54، والتي تنص على أن:
“الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق، ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدَّم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون”.
“ولكل من تقيَّد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكمٌ باتٌ بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب”.[24]
وتقابل هذه المادة بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ما يلي:
المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 9 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، والمادة 6 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، و المادة 11 من إعلان حقوق الإنسان في الإسلام.
- مبدأ حظر التعذيب ومعاملة من تقيد حريته بما يحفظ كرامته وعدم جواز إيذائه بدنيًا أو معنويًا، أو تعذيبه، وعدم حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بشأن السجون، وإهدار الدليل المستمد من الإكراه والتهديد وعـدم التعويل عليه:
وقد ورد هذا المبدأ بالمواد 52 و 55 و 56 من الدستور المصري، والتي تنص على أن:
مادة (52): “التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم”.
مادة (55): “كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا. وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه”.[25]
مادة (56): “السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم”.[26]
وكما أوضحنا آنفًا، فإن هذه المادة تقابلها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ما يلي:
– المادتان 5 و9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواد 7 و9/1 و10/1 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، والمادة 5 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 20 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والمادتان 20 و21 من إعلان حقوق الإنسان في الإسلام.
وصدرت تعزيزًا لهذا المبدأ اتفاقية خاصة، هي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة. [27]
مبدأ المحاكمة العادلة في الواقع المصري
تؤكد التقارير وجود مجموعة واسعة من الانتهاكات المنهجية للحق في محاكمة عادلة في البلاد، بما في ذلك الاعتقال التعسفي ومحاكمة المعارضين السياسيين، أو من يفترض النظام أنهم معارضون.
كما أن هناك إخفاقًا في المقاضاة والمعاقبة بشكل فعال على الجرائم التي ارتكبتها القوات التابعة للدولة، مثل القتل غير القانوني أو العشوائي –بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون– والاختفاء القسري، والتعذيب، وحالات المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وفي حين أن هذا الإفلات من العقاب يرقى إلى مستوى انتهاك حقوق ضحايا هذه الجرائم، فإنه يمثل دليلًا إضافيًا على أن الشرطة والقضاء وغيرهم من المؤسسات، قد فشلت في أداء واجبها، من حيث إجراء تحقيقات فعالة ومستقلة ودعم سيادة القانون.[28]
اتضح هذا الوضع المأساوي في عدد من التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية البارزة،وصنفت منظمة “فريدوم هاوس” مصر على أنها دولة “غير حرة”، ما يؤكد وجود انتهاكات خطيرة متعلقة بحقوق المحاكمة العادلة.[29]
علاوة على ذلك، فإن مؤشر سيادة القانون لعام 2022 الصادر عن مشروع العدالة العالمية، يصنف مصر في المرتبة 135 من أصل 140 دولة.[30]
مأساة الحبس الاحتياطي وتدوير المعتقلين
منذ 2013، حولت السلطات المصرية على نحو متزايد الحبس الاحتياطي إلى أداة عقابية لإسكات المعارضة. حيث يحتجز العديد منهم رهن الحبس الاحتياطي المطول، دون توجيه تهم لهم، أو إحالتهم إلى المحاكمة.
وعندما تنتهي فترة احتجازهم السابقة للمحاكمة، توجه إليهم اتهامات في قضية أخرى لإطالة أمد احتجازهم، الذي قد يمتد لسنوات،[31] فيما يُعرف بظاهرة “التدوير”.
وهي ظاهرة ابتدعها النظام المصري للجمع بين متناقضين، وهما انتهاء عقوبة المتهم وإطالة أمد اعتقاله. فبعد أن يحصل المتهمون على أحكام بالبراءة أو تنتهي فترة محكوميتهم، يلفق النظام المصري قضايا أخرى لهم وهم في محبسهم، لتستمر فترات اعتقالهم لسنوات إضافية، وأحيانًا توجه للمتهمين نفس التهم التي حصلوا على البراءة فيها أو انتهت فترة محكوميتهم بها.
ووفقًا لمركز شفافية للأبحاث والأرشفة والتوثيق فإنه في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2018 وحتى 15 مارس/آذار 2021، رُصدت 941 واقعة تدوير تعرض لها 774 ضحية. من ذلك، 660 ضحية تعرضوا لتلك الممارسة مرة واحدة على الأقل، و77 ضحية تعرضوا لتلك الممارسة مرتين على الأقل، و26 ضحية تعرضوا لتلك الممارسة ثلاث مرات على الأقل، و9 ضحايا تعرضوا لتلك الممارسة أربع مرات على الأقل.[32]
هذا مع الإشارة إلى أن هذه الحالات التي رُصدت فقط، وأن عدد الحالات في الواقع أكثر من ذلك بكثير.
تشريعات مكافحة الإرهاب ذريعة للنيل من المعارضين السياسيين
تشمل انتهاكات حقوق المحاكمة العادلة في مصر استخدام التشريعات المقيدة للمبادئ الحقوقية، مثل قانون مكافحة الإرهاب، وقانون التظاهر، وقانون المنظمات غير الحكومية، وقانون الإعلام، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون العقوبات لملاحقة المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان واعتقالهم ومقاضاتهم.
وهناك العديد من الأمثلة على الاعتقال والاحتجاز والوفاة في مكان الاحتجاز والاختفاء القسري للمحامين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حتى أصبحت مصر واحدة من أكثر دول المنطقة اعتقالًا للمحامين.[33]
وفي قرار صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2021، خلصت “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” إلى أن قانون الطوارئ المصري يتعارض مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وطالبت الحكومة بإصلاح القوانين المحلية لمنع تكرار انتهاكات حقوق الإنسان.
وجاء قرار اللجنة إثر اعتقال واحتجاز مقدم الطلب منذ عدة سنوات، حيث وجدت أن القانون -الذي كان لا يزال ساريًا ويستخدم كذريعة لتبرير الانتهاكات المنهجية المستمرة- لا يتماشى مع الميثاق الأفريقي. [34]
وفي يناير/كانون الثاني 2022، صدر بيان عن 65 منظمة حقوقية أكدت أن معايير المحاكمة العادلة تُنتهك بشكل روتيني في المحاكمات أمام محاكم أمن الدولة العليا، بما في ذلك الحق في الدفاع الكافي والحق في جلسة استماع علنية. ومُنع محامو الدفاع من التواصل مع موكليهم على انفراد، كما منعوا من الوصول الكافي إلى ملفات القضايا ولوائح الاتهام والأحكام. [35]
محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة
على الرغم من أن دستور البلاد لعام 2014 يقصر المحاكمات العسكرية للمدنيين على الجرائم التي تتعلق مباشرة بالجيش أو أفراده أو ممتلكاته، إلا أن السيسي أصدر قرارًا عام 2014 وضع جميع “المرافق العامة والحيوية” تحت الولاية القضائية العسكرية، مما أدى إلى إحالة آلاف المتهمين المدنيين إلى المحاكم العسكرية. [36]
فعلى سبيل المثال، رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، خلال الربع الأول من العام 2019، محاكمة 1638 مدنيًا أمام القضاء العسكري المصري.[37]
هذا بالإضافة إلى القانون رقم 162 لسنة 1958 (“قانون الطوارئ”) في مصر الذي أسس محكمة أمن الدولة طوارئ، للفصل في الجرائم التي تنتهك شروط حالة الطوارئ.
وفي عام 2017 نقل رئيس وزراء النظام ما أسماها “جرائم التظاهر” و “الجرائم المتعلقة بالإرهاب” إلى اختصاص محكمة أمن الدولة العليا، والتي أضيفت إليها، في يناير/كانون الثاني 2021، جرائم من الفصلين الأولين من قانون العقوبات، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بـ “نشر أخبار كاذبة”.
وعلى هذا الأساس، حُوكم العديد من منتقدي الحكومة وشخصيات المعارضة المحتجزين في محكمة أمن الدولة العليا منذ إعلان حالة الطوارئ في عام 2017، كما جُددت مرارًا وتكرارًا، وبقيت سارية حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021. [38]
التعذيب واعتماد النيابة على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب
وردت تقارير عديدة تفيد بارتكاب الحكومة ووكلائها عمليات قتل تعسفية وغير قانونية، أثناء تنفيذ حملات الاعتقال. وقد أفادت جماعات حقوقية محلية ودولية عن حالات تعرض فيها أشخاص للتعذيب حتى الموت، كما أشار بعضهم إلى عمليات قتل في السجون ومراكز الاحتجاز على أيدي قوات الأمن.[39]
وطبقا للتحقيق الذي أجرته “لجنة مناهضة التعذيب”، التابعة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول 2017، فإن التعذيب في مصر يتم على أيدي الجهات التالية: المسئولين العسكريين، ومسئولي الشرطة، ومسئولي السجون.[40]
وأشارت اللجنة، في تقريرها، إلى أن التعذيب في مصر، يُستخدم للأغراض الآتية: معاقبة المتظاهرين، ومعاقبة مؤيدي وأعضاء الإخوان المسلمين منذ عام 2013، والحصول على اعترافات بالإكراه، والضغط على المعتقلين لتوريط غيرهم في الجرائم.
ويمكن القول إن على منظومة العدالة الجنائية بكافة مراحلها -بداية من مرحلة القبض وحتى مرحلة المحاكمة- توسعت على مدار السنوات الماضية في استخدام كافة أشكال التعذيب وسوء المعاملة الإنسانية بحق المتهمين والمحتجزين، مما أودى بحياة مئات الأشخاص، في ظل إفلات واضح للجناة من العقاب.
هذا إلى جانب توسع قطاع الأمن الوطني في ارتكاب جريمتي الإخفاء القسري والتعذيب بمقار الأمن الوطني بعدة أساليب، من أبرزها الصعق بالكهرباء، والتحرش الجنسي، وذلك بهدف انتزاع الاعترافات والإذلال.
وعلى الرغم من المطالبات المستمرة بضرورة تحسين أوضاع السجناء داخل أماكن الاحتجاز، وفي ظل افتقار أماكن الاحتجاز في مصر لأبجديات الرعاية الصحية، واستمرار وزارة الداخلية في ممارسة الانتهاكات بحق السجناء والمحتجزين.
وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية ارتفاع مطرد في أعداد الوفيات داخل أماكن الاحتجاز، وصلت في بعض التقديرات إلى 400 حالة وفاة داخل السجون خلال ٤ سنوات، حتى أصبحت السجون بمعزل تام عن أي رقابة، باستثناء النيابة العامة التي لا تحقق بالأساس في جرائم التعذيب، بل أصبحت شريكًا في التستر على الجناة. [41]
الإعدام وسيلة للتنكيل السياسي بالمعارضين
تؤكد التقارير زيادة استخدام عقوبة الإعدام وتنفيذها، التي صدرت في العديد منها عقب محاكمات جماعية تفتقر في الأساس إلى ضمانات المحاكمة العادلة حيث احتلت مصر المرتبة الثالثة في العالم من حيث عدد الإعدامات وفقا لـ “منظمة العفو الدولية”.
تلك الإعدامات هي نتاج جهد دؤوب تبذله الأجهزة الأمنية لإعادة تشكيل المجالات السياسية والاجتماعية في مصر وفقًا لرؤية الحكومة السلطوية. واستخدم نظام السيسي السلطة القضائية كأداة لسجن المعارضين السياسيين وإعدامهم، وبالتالي رفع ثمن معارضة الحكومة بشكل باهظ. وهذا بهدف توجيه رسالة مفادها أن انتقاد الحكومة أو معارضتها يمكن أن يكلف الأشخاص حياتهم حرفيًا.[42]
تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية
تغولت السلطة التنفيذية بشكل كامل تقريبًا على النظام القضائي، خلال حكم السيسي. فالدستور والقوانين الأساسية عُدّلت، وأُدخلت قوانين جديدة للتحايل على ضمانات الإجراءات القانونية أو أُلغيت تمامًا.
وعينت السلطات المصرية قضاة خاصين لما يسمى بمحاكم الإرهاب، وأصدر قضاة هذه المحاكم هؤلاء وحدهم مئات أحكام الإعدام. بينما لا يترددون في الإعلان بوضوح تام عن وجهات نظرهم السياسية، والطعن في سلوك أطياف المعارضة برمتها، والإشادة بالجيش والقوى الأمنية.
كما أدخلت حكومة السيسي تعديلات في العام 2017 لتقويض استقلالية محكمة النقض، محكمة الاستئناف العليا، التي كانت ذات يوم مؤسسة تحظى باحترام كبير وعملت على مراجعة العديد من المحاكمات الجنائية المعيبة.[43]
في يوليو/تموز 2021، أشارت خبيرة الأمم المتحدة “ماري لولور” إلى الانتهاكات المستمرة في مصر وسلطت الضوء على اتجاه شائع عبر العديد من الحالات، حيث غالبًا ما يُلقى القبض على المدافعين عن حقوق الإنسان دون أمر قضائي، واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي في مكان مجهول، وتعرضهم للاختفاء القسري، قبل أن يُعرَضوا على نيابة أمن الدولة العليا. ثم يُجدَّد حبسهم الاحتياطي على ذمة التحقيق بشأن أفعال مزعومة مجرَّمة، بموجب أحكام غامضة من قانون العقوبات، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجرائم الإلكترونية. [44]
خاتمة
يبدو أن البون شاسع بين واقع حقوق الإنسان في المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت مصر على الالتزام بها، وبين ممارسات النظام المصري التي تنال من أحد حقوق الإنسان الأساسية وهو الحق في محاكمة عادلة.
بل وأصبح النظام المصري يستخدم السلطة القضائية كأداة للنيل من معارضيه، مما أهدر مبدأ المحاكمة العادلة وجعل السلطة المنوط بها الحفاظ عليه هي الأداة الرئيسية في تقويضه والنيل منه.
وهذا يُوجب على المجتمع الدولي الاستجابة بشكل فعال لتدهور حالة حقوق الإنسان وسيادة القانون في مصر، لا سيما عدم الامتثال لحقوق المحاكمة العادلة، وزيادة جهوده لمعالجة هذه القضايا بشكل فعال مع أصحاب المصلحة الوطنيين والدوليين.
المصادر
[1] قوانين الإرهاب في مصر و”تغلغل القمع” دراسة قانونية وحقوقية ،قضايا، https://qadaya.net/?p=8195
[2] محمد مصطفى خالد حرارة،الأساس القانوني والإجرائي لضمانات حصول المتهم على المحاكمة العادلة في ضوء القانون الدولي،مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة، المجلد4،العدد 2023،12 ، https://cutt.us/2o7RE
[3] إبراهيم سليمان القطاونة ،المحاكمة العادلة دراسة مقارنة ،الجامعة الأردنية، المجلد ،44 العدد ،1 2017، https://cutt.us/AN2N9
[4] محمد مصطفى خالد حرارة،الأساس القانوني والإجرائي لضمانات حصول المتهم على المحاكمة العادلة في ضوء القانون الدولي،مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة، المجلد4،العدد 2023،12 ، https://cutt.us/2o7RE
[5] تعريف المحاكمة و أهم 5 شروط المحاكمة العادلة ،LAW HOUSE،17 يونيو / تموز 2023، https://cutt.us/pdf0D
[6] حقوقى: مصر لعبت دوراً أساسياً فى صياغة أول وثيقة دولية لحقوق الإنسان،اليوم السابع، 09 ديسمبر/ كانون أول 2022 ، https://cutt.us/pwvKI
[7] موقع الامم المتحدة ، https://cutt.us/JXZne
[8] المادة رقم10 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 م ،موقع الامم المتحدة ، https://cutt.us/JXZne
[9] موقع الامم المتحدة ، https://cutt.us/RZTui
[10] المواثيق والإتفاقيات الدولية،المجلس القومي للمرأة، https://cutt.us/171dO
[11] المادة 14من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص ،موقع الامم المتحدة ، https://cutt.us/IoyYP
[12] وثيقة حقوق الإنسان الإسلامية المنسية ، openglobalrights،1 سبتمبر / أيلول 2021 ، https://cutt.us/twfSF
[13] إعلان القاهرة لمنظمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان،موقع منظمة التعاون الاسلامي ، https://cutt.us/gexHE
[14] المواثيق والإتفاقيات الدولية،المجلس القومي للمرأة، https://cutt.us/171dO
[15] اتفاقية مناهضة التعذيب ،موقع الامم المتحدة، https://cutt.us/s2TwC
[16] المواثيق والإتفاقيات الدولية،المجلس القومي للمرأة، https://cutt.us/171dO
[17] انظر ديباجة الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب لعام 1981.
[18] الحبس الاحتياطي في التشريع المصري ، حرية الفكر والتعبير, 30 ديسمبر/ كانون أول 2021 , https://cutt.us/VLc6v
[19] الحماية القانونية الدولية لحقوق الانسان في النزاع المسلح ، منشورات الأمم المتحدة لحقوق الانسان 2011 ، https://cutt.us/lq60W
[20] خالد الماجري ، ضوابط الحقوق والحريات ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتحابات 2017، https://cutt.us/DSJd1
[21] قوانين الإرهاب في مصر و”تغلغل القمع” دراسة قانونية وحقوقية ،قضايا، https://qadaya.net/?p=8195
[22] قوانين الإرهاب في مصر و”تغلغل القمع” دراسة قانونية وحقوقية ،قضايا، https://qadaya.net/?p=8195
[23] دستور جمهورية مصر العربية ، موقع رئاسة الجمهورية ، https://cutt.us/PvoBs
[24] دستور جمهورية مصر العربية ، موقع رئاسة الجمهورية ، https://cutt.us/PvoBs
[25] معايير المحاكمة العادلة ،الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ، 1 فبراير/ شباط 2018 ، https://www.anhri.info/?p=21806
[26] دستور جمهورية مصر العربية ، موقع رئاسة الجمهورية ، https://cutt.us/PvoBs
[27] سناء سيد خليل ،مبادئ حقـوق الإنسـان فـي الدستـور المـصــري،دراسات في حقوق الانسان ، https://cutt.us/RxAAy
[28] التقرير العالمي 2022 ،مراجعتنا السنوية لحقوق الإنسان حول العالم – مصر ، هيومان رايتس وواتش ، https://cutt.us/TUD1S
[29] FREEDOM IN THE WORLD 2021، freedom house ، https://cutt.us/d2qPP
[30] World justice project 2022، ، Egypt ، https://cutt.us/SfiZH
[31] مصر: نيابة أمن الدولة تعمل “كأداة شريرة للقمع ،منظمة العفو الدولية ،27 نوفمبر تشرين ثان 2019، https://cutt.us/2691p
[32] معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، تدوير القضايا…أداة قمعية مستحدثة لإبقاء المعارضة المصرية قيد الاحتجاز، 2 ديسمبر/كانون الأول 2021
[33] مصر: أوقفوا المحاكمات أمام محاكم الطوارئ ،منظمة العفو الدولية ،31 اكتوبر تشرين أول 2021 ، https://cutt.us/uq7zj
[34] تقرير اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب حول قانون الطوارئ المصري، 2021 ، https://cutt.us/jHPis
[35] منظمات حقوقية: استقلال القضاء في مصر يتآكل بشدة ،العربي الجديد ،20 يوليو / تموز 2022، https://cutt.us/xOoPm
[36] مصر ـ تصاعد في المحاكمات العسكرية ،هيومان رايتس وواتش ،18 ديسمبر كانون الاول 2014 ، https://cutt.us/8aPIC
[37] القدس العربي، منظمة حقوقية: إجراءات تعديل الدستور بمثابة وفاة للديمقراطية في مصر، 7 أبريل/نيسان 2019
[38] هل كان رفع حالة الطوارئ في مصر إجراء شكلياً؟bbc، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://cutt.us/5e3ff
[39] تقرير وزارة الخارجية الامريكية حول حقوق الإنسان في مصر 2022 ،موقع سفارة الولايات المتحدة الامريكية في مصر، https://cutt.us/1uo1F
[40] مصر: لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة تنشر نتائج تحقيقها حول منهجية التعذيب في مصر، لجنة العدالة، 8 سبتمبر / أيلول 2017
[41] مصر: في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب- محاسبة المسئولين عن جرائم التعذيب أولى خطوات مكافحته ،لجنة العدالة ،16 يونيو /حزيران 2021 ، https://cutt.us/h0ZDM
[42] سُعار الإعدامات في مصر يجب أن يتوقف ،هيومان رايتس وواتش، 28يونيو/حزيران 2021، https://cutt.us/Lmemz
[43] سُعار الإعدامات في مصر يجب أن يتوقف ،هيومان رايتس وواتش، 28يونيو/حزيران 2021، https://cutt.us/Lmemz
[44] اليوم العالمي للمحاكمة العادلة – بيان مشترك ،المنبر المصري لحقوق الانسان،19 يونيو / حزيران 2022، https://cutt.us/z2b0N